الجاهلية تشن حربا مباشرة لاسقاط القيادة الاسلامية المنطلقة من قم
مقدمة
بعد الحرب العالمية الاولى انحسر ظل الاسلام السياسي والدولي انحسارا تاما، فلم يبق في الساحة الدولية اي اقليم اسلامي خارج نطاق النفوذ الاستعماري الكافر.
وعمل الانكليز والفرنسيون المنتصرون في تلك الحرب ومعهم العالم الغربي بأسره بكل الوسائل، وخاصة الوسائل السياسية والثقافية لطمس معالم الاسلام في نفوس المسلمين، وفي وقائع حياتهم العامة، ووضعه في اطار المفهوم الغربي للدين.. حتى وصل الأمر وكأن الغرب الكافر نجح نجاحا تاما في ابعاد اسلام عن الحياة، بدليل ان العملاء السياسيين والفكريين الذين هم اشد وطأة على الاسلام والمسلمين من الناحية التطبيقية لجهالتهم وضعف نفوسهم وخبثها.. اصبحت لهم السيطرة الواضحة والظاهرة للعيان.
واصبح المحور السياسي والفكري السائد في الاقاليم الاسلامية يدور حول الاقليمية والقومية، وحول اللبرالية والديمقراطية والاشتراكية.. نجد ذلك بين رجال السياسة والاحزاب والمثقفين… ونجد ذلك في الصحافة والكتب والاذاعة.. ونجد ذلك في المناهج التعليمية بمستوياتها المختلفة.
ونتج عن ذلك ان انحسر نفوذ القيادات الاسلامية التقليدية في اكثر الاقاليم وانحسر الالتزام الاسلامي بين اكثر المثقفين. وظهرت الاحزاب الاسلامية بتنظيمات جديدة لتكافح الاوضاع الجديدة…الا ان سيف الارهاب والقتل سلط على رقاب العاملين في اي تحرك اسلامي جاد واحبط العمل الاسلامي باساليب اعلامية خبيثة كاذبة.. حتى ان المستعمرين الامريكان اوعزوا الى اسرائيل لتمتدح الاخوان المسلمين بقصد تشويه سمعتهم، باقتراح من العملاء الذين سلطوا الارهاب والقتل عليهم.
وهكذا فان الاستعمار وضع المسلمين ضمن سجنين: سجن الارهاب والتسلط، وسجن الاعلام الكاذب.. واصبحت الجماهير الاسلامية اسيرة الخطط التي يرسمها الكفار، وينفذها العملاء.
وكانت ايران من اشد الاقاليم الاسلامية ابتلاءً بالهيمنة الاستعمارية: سياسيا وثقافيا. نظرا لاهميتها الاستراتيجية وثرواتها، ولكن الصراع بين الاستعمار الكافر والحركة الاسلامية لم يهدأ، فكان في مد وجزر..منذ اواخر عهد القاجاريين،، وامتداد العملاء الذين اتوا بعدهم، رضا خان وابنه، ولم تنخذل القيادة الاسلامية في ايران امام المد الاستعماري، بسبب عراقة القيادة الاسلامية في قم واستمرار ارتباطها بالجماهير واستمرار ارتباط الجماهير بها. بل وانتصرت القيادة الاسلامية التي وصلت الى يد القائد الشجاع المؤمن الحازم الأمام الخميني، بتوفيق ورعاية الله، واحبطت الآمال الاستعمارية الكافرة بوأد الاسلام، وازدهرت الآمال الاسلامية في عودة الاسلام من جديد عزيزا مرهوب الجانب وابتدأ التخطيط الاستعماري بحصار هذا المد الاسلامي الجديد والقضاء عليه.
ظاهرتان رئيسيتان في الكيان الاسلامي الجديد
برزت امام القيادة الاسلامية المنتصرة في ايران عناصر سلبية، واخرى ايجابية، وكان من ابرز العناصر السلبية ماهو داخلي، وما هو خارجي: المشاكل الفكرية والتنظيمية والسياسية والاقتصادية في الداخل، والعداء والحذر والترقب من قبل المستعمرين وحلفائهم وعملائهم في الخارج.
وكان من ابرز العناصر الايجابية: التأييد الجماهيري الهائل في الداخل، وارتفاع المد الاسلامي في العالم، وخاصة في بلاد المسلمين والتأييد الخارجي العظيم من قبل المستضعفين في الارض.
وكان من الممكن ان تتعامل القيادة الاسلامية مع العناصر الايجابية من خلال البناء الداخلي والتنسيق الخارجي..للتغلب على العناصر السلبية، الا ان القيادة الاسلامية رأت ان تصارع القطاعات السياسية غير المؤيدة للمد الاسلامي في الداخل، ومن يؤيدهم في الخارج، امتدادا للصراع الذي خاضته الجماهير الاسلامية، على اعتبار ان سلطة الشاه لاتمثل الا رأس العمالة والتبعية الاستعمارية، السياسية والفكرية والاقتصادية.. الخ. واستأنفت المعارك السياسية والفكرية لاسقاط الاتجاهات الماركسية واللبرالية والاسلامية المتأثرة بالشوائب الماركسية واللبرالية. واستعانت القيادة الاسلامية بالاساليب الانتخابية، وبالمظاهرات، وبالاساليب التقليدية الاخرى، لاظهار وابراز التيار الاسلامي، وتدمير التيارات المعارضة.
وكانت هذه هي الظاهرة البارزة في السياسة الداخلية للثورة واما الثانية فهي الغربة الدولية التي احاطت بالكيان الاسلامي الجديد على الساحة الدولية العالمية. وهي ظاهرة جديدة اتفق فيها الرأسماليون والشيوعيون والدول الكبرى والدول الصغرى: دول الشمال، ودويلات الجنوب.. على اختلاف اتجاهاتها وتناقض مصالحها: فانها جميعها اتفقت ـ بمستويات مختلفة، ولاغراض متباينة ـ على عدم استساغة ظهور قيادة اسلامية في الاقليم الايراني، تختلف في تفكيرها السياسي عن المألوف. وانبثقت عن هذه الظاهرة فكرة تدجين القيادة الجديدة أو ازاحتها.
ان المستعمرين لديهم من الافكار والاساليب والخطط مايؤهلهم للقيام بمختلف الاعمال، وبمختلف الاتجاهات لتحقيق اهدافهم.. ولذلك فاننا نرى التآمر على الكيان الاسلامي في ايران اتخذ ابعادا عقائدية وفكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية وجندت له اجهزة المخابرات والجامعات والاعلام في كثير من الدول الكبرى والدويلات المجاورة لايران، حتى وصل الامر الى حد التشكيك بعقيدة الامام الخميني الاسلامية.
”وسيعود الاسلام غريبا“ فكرة تنطبق على الغربة الدولية لايران نتيجة لاتجاهها الاسلامي، لا كما يقول الرئيس ابو الحسن بني صدر انها نتيجة لخطأ سياسي ارتكبته ايران في سياستها الخارجية.
الانكليز يتصدون لضرب القيادة الاسلامية بواسطة العملاء في العراق بعد فشل
الامريكان في صحراء لوط
كان عملاء الانكليز في العراق رأس الحربة لضرب الثورة الاسلامية في ايران. وهذا الامر حدث لسببين:
السبب الاول: ان الانكليز واليهود كانوا من اخبث الناس استقبالا لمحاولات عودة الاسلام الى الساحة الدولية، ومن اخبث الناس في محاربة الاقليم الايراني بعد انتصار الحركة الاسلامية فيه. ومن مظاهر خبثهم ان اجهزتهم الاعلامية رسمت خطة تفرقة المسلمين الى سنة وشيعة، واثارة النعرات العنصرية العربية الفارسية، لعزل ايران عن المسلمين العرب، قال سياسي فرنسي تعليقا على الحرب العراقية الايرانية، وعلى الاعلام الذي يحيط بها،
”من الغريب اللجوء الى الحجج العنصرية، فقضية العنصرية من اختراع اساتذة الجامعات في الغرب“.
والسبب الثاني، هو: ضيق الافق الفكري والذهني، والصبغة الدموية، والعقلية المراهقة التي تبرز على سلوك صدام حسين.
ومن الملفت للنظر ان الدور الانكليزي اختفى عن اعين الناس، الا الواعين الذين يتابعون الاحداث، ويميزون بين الأمور، ويقرؤون ما وراء السطور، ولانعني انه ليس لغير الانكليز دور، فكما بينا في الفقرة السابقة ان الجسم الاسلامي في هذا العالم السياسي يعتبر جسما غريبا يعمل الجميع لابعاده عن الساحة العالمية فالمشاركة الضمنية قائمة بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، وبشكل رسمي، أو بشكل غير رسمي. الا ان الهجوم العراقي العسكري المباشر لاسقاط القيادة الاسلامية في قم كان بايعاز وتشجيع من الانكليز، كما سنبين ذلك فيما يلي:
-
زار وزير الخارجية البريطاني العراق.. وبعدها زار صدام حسين الاردن.. وبعدها استقال البكر وتسلم صدام جميع السلطات في العراق.. وبعدها ابتدأ التخريب في منطقة المحمرة والمنطقة الكردية في ايران. حدث ذلك في اواسط ١٩٧٩م.
-
تكثفت الاتصالات بين عملاء الانكليز في المنطقة. ومراجعة الجرائد اليومية العراقية توضح هذه الظاهرة تماما. وظهر التنسيق بمطاردة العاملين في سبيل الله، في الكويت والبحرين والخليج وغيرها من البلدان، واستمرت حملة الارهاب والقتل في العراق ضد الدعوة الاسلامية، وصاحبتها حملة سباب رخيص للامام الخميني والقيادات الفكرية والسياسية في ايران. وكان هذا بداية تبعتها الصحافة العميلة على نمط اخف للتشهير بالقيادات الاسلامية والسياسية في ايران.
-
وكان التخطيط لذلك انكليزيا، بدليل التعاون الوثيق بين عملاء الانكليز في هذا المضمار، ومشاركة الصحافة والاختصاصيين البريطانيين في هذا المجال، وسنورد بعض الادلة الاخرى على ذلك فيما يلي:
قال الجنرال الانكليزي سيرجون هاكت قائد القوات البريطانية سابقا في حلف الاطلسي ومؤلف كتاب ”الحرب العالمية الثالثة“…
وكأنه هو واضع خطة هذه الحرب، وسنختار من اقواله الافكار التالية:
-
أ. لايستطيع الجيش الايراني الاستمرار في الحرب.
-
ب. العراق ـ كما قال صدام ـ يسعى الى نصر حاسم وسريع… واذا تحقق ذلك ينتهي الخميني.
-
ج. اعتقد ان العراق هو الجانب الذي يحقق مايريد.
-
د. ان الحرب لن تستمر طويلا، واذا ما استمرت حتى نهاية تشرين الاول وآية الله الخميني ما يزال في مقعد الزعامة في قم يوجه اقدار ايران.. فان ذلك سيكون مفاجأة فعلا.
-
ه. سنسمع كثيرا عن تحرك الاكراد في وقت قريب.. ان الغرب يشجع الاكراد على الظهور. لقد فعل الامريكان ذلك من قبل.
-
و. ان الجيش الايراني سيقوم بالاستيلاء على السلطة.
-
ز. سيكون هناك سلام بين العراق وايران.
-
ح. الحرب لم تقم من اجل الحرب، وانما من اجل تحقيق اهداف سياسية.. واهداف هذه الحرب واضحة، سواء للعراق الذي لديه اهداف مباشرة، ام للغرب الذي يحب ان يرى زوال نظام خميني.. مع تحفظات خاصة حول ماسيفعله المنتصر في المستقبل.
-
-
قال صدام حسين في مؤتمر صحفي بعد اجتماع القمة الذي عقده في عمان:
”ان اطرافا دولية عديدة ارادت الحرب ودفعتنا اليها“.
وهو اعتراف واضح بأن الخطة اجنبية، وان هناك اكثر من طرف.. ومن هم الاطراف يا ترى؟
-
ولنلاحظ التناغم بين بعض افكار صدام وافكار الانكليز: اشار صدام عدة مرات في كلماته الى ان الحرب العراقية الايرانية هي ابتداء لتحرير فلسطين، حتى ان بيغن اعلن هذا النبأ لاعضاء الكنيست، على اعتبار انها نكتة الموسم السياسية. فضحك اليهود من عقل القائد العربي وتفكيره، وكرر ذلك صدام في مؤتمره الصحفي في عمان، قال:
”انتصارنا على الباطل الايراني هو خطوة على طريق النصر، وتحرير فلسطين“
وقال خبير عسكري بريطاني كلاما يشبه كلام صدام في اذاعة تلفزيونية امريكية، حيث لليهود نفوذ كبير، قال:
”ان دولة العراق تريد في حربها مع ايران معرفة مدي قدرتها العسكرية لانها يمكن ان تقع في حرب مع اسرائيل“.
ولا نعتقد ان الخبير العسكري البريطاني غبي الى هذا الحد لكنه الاسلوب البريطاني الخبيث الذي يعمل لرفع شأن العملاء في نظر الشعوب عن طريق غير مباشر، وهو من اخبث الاساليب الاستعمارية.
-
قال السياسي الفرنسي بيار روسي:
”ان الممرات والمضائق المائية تخضع للسيطرة الانكلو سكسونية. لقد نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في العملية الكبرى الهادفة الى السيطرة على السويس وشط العرب، وعلى الحوض النفطي العراقي الايراني. لقد تمت السيطرة على قناة السويس بعد اعداد خبيث وبواسطة حرب بين مصر واسرائيل اعدها البنتاغون.. واليوم تتكرر هذه المسرحية الرامية الى السيادة على البلاد المحيطة بشط العرب“.
والملاحظ هنا التعبيران:
-
الانكلو سكسوني الذي يدل بصورة رئيسية على الانكليزو الامريكان.
-
امريكا وحلفاؤها.. ومن هم حلفاء امريكا في منطقة الخليج؟ والجواب ان الانكليز هم الحلفاء المعنيون.
وهذا الفكر من السياسي الفرنسي يشير بوضوح الى دور الانكليز في هذه الحرب.
هذه اشارات توضح دور الانكليز.. ولذلك فان اصبع الاتهام يجب ان يشار به الى دور الانكليز، كما يشار الى دور الامريكان.
ولو تتبعنا التصريحات الامريكية حول الحرب لوجدناها اقل مستوى وحرارة من الاقوال الانكليزية ولو تتبعنا محطة الاذاعة البريطانية وصوت امريكا.. لوجدنا ان الاذاعة البريطانية اكثر ميلا للسياسة العراقية من الاذاعة الامريكية، الامر الذي يدل على ان دور بريطانيا في دفع العراق الى هذه الحرب كان اكبر من دور امريكا. ونورد هنا تصريحين امريكيين حول الموضوع للمقارنة
قال سيسكو السياسي الامريكي:
”لا مصلحة للولايات المتحدة في اتباع سياسة تؤدي الى تقوية قيادة ايران“.
وقال مايكل هيدسون استاذ العلاقات الدولية في معهد الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون:
”ان الهجوم العراقي ماهو الا محاولة لتحجيم الحكومة الثورية التي تحكم ايران“.
وقال:
”اذا استطاع العراق احراز نصر حاسم، وهو مايبدو واضحا للغاية.. ان النصر العراقي يعني خلق مضاعفات خطيرة جدا في ايران وبالنسبة الى الاوضاع الدولية فان الفرصة ستسنح دائما للقوى الكبرى لممارسة نفوذها الى اقصى حد“.
الخطة التي وضعت
ومن تسلسل الاحداث، ومما كتب عن الحرب ومن طبيعة اوضاع العراق وايران..يمكن ان نستنتج الخطة التي وضعت للحرب:
-
يقوم العراق بحرب خاطفة لاحتلال مناطق النفط في ايران.
وهذا واضح من تصريحات صدام حسين والسياسيين الاوروبيين والامريكيين في الايام الاولى من الحرب.
-
يسلم صدام حسين السلطة في الاقاليم التي يحتلها للسياسيين الايرانيين: بختيار وغلام رضا عويسي.. الذين نسقوا هذه الخطة مع صدام.
-
يعمل الجيش العراقي ومؤيدوه والعملاء الايرانيون لاسقاط القيادة الاسلامية.
-
يعطى صدام حسين بعض الغنائم وتعود السلطة السياسية لبريطانيا وامريكا اكثر شراسة في المنطقة من ذي قبل، كما قال مايكل هيدسون..فان الفرصة ستسنح للقوى الكبرى لممارسة نفوذها الى اقصى حد.. وكما قال السياسي الفرنسي بيار روسي:
”اما الذين يذهبون الى ان النفط الايراني سوف يصبح عراقيا فانهم ينسون ان استثمار النفط وتسويقه يتمان عبر اتفاقات دولية تستفيد منها القوى العظمى مما يعطيها حق التدخل والتحكم“..
وكما قال الجنرال الانكليزي سير جون هاكت مع تحفظات خاصة حول ما سيفعله المنتصر للمستقبل. ولكن الخطة فشلت ـ والحمد لله ـ ولن ننتظر التاريخ كما ينتظره المؤرخ الفرنسي بينوا ميشان عندما قال:
”هناك مخططات تم وضعها خارج منطقة الصراع بين العراق وايران.. لا بد ان يكشف عنها التاريخ مستقبلا. ان خطة الاعتداء كانت انكليزية برضا الاوروبيين وتحت مظلة امريكا“.
وآخر دعوانا: اللهم انصر من نصر الاسلام واخذل الاعداء المتآمرين، والحمد لله رب العالمين.