المستعمرات اليهودية (الكيبوتز)

نشرت في "صوت الدعوة" العدد الخامس عشر ربيع الثاني ١٣٨٨ هجري

نشأت المستعمرات اليهودية في فلسطين بعد المؤتمر الصهيوني الاول سنة ١٨٩٧م، وكان من جملة قراراته:

  1. العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود.

  2. تنظيم اليهودية العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية.

  3. تقوية الشعور والوعي اليهودي وتغذيته.

  4. اتخاذ الخطوات التمهيدية لتحقيق غاية الصهيونية.

وبادر اليهود الى انشاء المؤسسات التي تعينهم على تنفيذ خططهم فتأسس المصرف اليهودي للمستعمرات ولجنة الاستعمار، والصندوق اليهودي، وبدأ الغزو اليهودي المنظم لفلسطين وظهرت الافكار العملية التي تعمل لدفع اليهود الى السير ضمن المخطط المرسوم.

يقول بن غوريون في محاضرة القاها عام ١٩١٥م:

ان عرق الجبين يصنع الوطن اليهودي وسوف نحصل على وطننا بواسطة عملنا وكدحنا ان ارض اسرائيل تصبح ملكنا عندما يكون عمالها وحراسها في صفوفنا.

ويقول:

ان الوطن لايعطى ولايهدى وانه لايمنح بامتيازات، أو اتفاقيات سياسية. انه يصنع بعرق الجبين، فلن تصبح ارض اسرائيل لنا حين يوافق الاتراك والانكليز أو مؤتمر السلم القادم ويوقعون على معاهدة بذلك..انما حين نبنيها نحن اليهود بأنفسنا. ولن نحصل من الآخرين مطلقا على الحق الذي لايدحض وانما نحصله بجهدنا الخاص فقط، انما يشاد بفضل الطلائع. ان الهجرات الكثيفة لا تستقر بفعل التاريخ لكنها تصب حيث تتوفر لها شروط البقاء والتقدم.. ان تمهيد الارض وخلق الشروط هو من عمل الطلائع: طلائع العلم والعمل والبناء مسلحة بارادة قوية ووعي بشري قادرة على ان تدمج مصالحها الفردية في هدف سام. وعارفة كيف تصوغ حياتها لتحقيق احلامها فليس من هدف اجتماعي انجز دون حمية وتكديس مطلقين في البداية من المقاتلين والبنائين.

كان اليهود على علم بان دولتهم ستكون في ارض مغتصبة ولذا انشؤوها اشبه بالمعسكر منها بالدولة العادية. ونشروا المستعمرات فيها بتوزيع مخطط وباعداد المهاجرين اعدادا عقائديا قبل الوصول الى فلسطين، وتحويلهم الى مقاتلين بنّائين بأسرع وقت ممكن عن طريق حشدهم وتدريبهم في الكيبوتزات.

وقد نجحت الحركة اليهودية في انشاء المستعمرات الكثيرة قبل قيام دولة اسرائيل بسنين معتمدة على العوامل التالية:

  1. اضطهاد اليهود في اوروبا الشرقية والمانيا.

  2. ظهور المقاومة العربية.

  3. خوف اليهود من تردد بريطانيا في مساعدتهم نتيجة للمقاومة داخل فلسطين والعالم الاسلامي.

ان هذه العوامل زينت للحركة اليهودية ضرورة توسيع الاعتماد على السلاح وتوسيع شبكة الكيبوتزات وتعزيزها. تمتاز ظروف المعيشة في المستعمرة (الكيبوتز) بالتقشف وفقدان الحياة الخاصة فسكان الكيبوتز يقطنون البيوت الصغيرة القريبة من بعضها، فالشقة الواحدة تتكون من اربع وحدات سكنية وتحتوي كل واحدة على غرفة واحدة يسكنها رجل وامرأة اما الحمام والمرافق العامة والمطبخ وغرفة الغسيل فتعتبر خدمات واماكن جماعية. ويتناول الجميع الطعام في صالة الاكل العامة وبالاضافة الى ذلك يوجد بيت للخياطة ومخزن عام ومكتبة عامة. والاطفال يعيشون في بيوت تعليمية خاصة. والعمل في الكيبوتز اجباري لا مهرب منه ولا تسويف فيه. ومن هنا كان تنظيم العمل وتوزيعه مهمة في غاية الاولوية ولا مجال لمخالفة هذاالتنظيم.

يحكم الكيبوتز سكرتير عام ينتخبه السكان وتساعده لجنة اقتصادية ولجنة الامن والدفاع ولجنة العمل ولجنة التعليم ولجان فرعية اخرى.

العائلة في المستعمرة:

يصح ان نعتبر مفهوم العائلة في الكيبوتز تعبيرا مجازيا الى حد ما, اذ لا توجد حياة عائلية بالمعنى المفهوم. ويتضح من الافكار الاساسية التي وضعها المفكرون اليهود المؤسسون لهذه المستعمرات انهم كانوا يترددن في قبول اسس ثابتة لعلاقة الرجل بالمرأة فكسروا طوق الحياء الجنسي، فأسسوا الحمامات المشتركة، وقاموا بتجارب تعدد الازواج وتعدد الزوجات، ثم اصطدموا بالفطرة الانسانية وتخلوا عنها واعتبروا الجنس مسألة شخصية لا تحتاج الى تنظيم خاص. وحتى هذا اليوم فان كل ما يحتاجه الزوجان لاعلان زواجهما هو التقدم بطلب غرفة مشتركة والغاء ذلك الترتيب عند الافتراق وعلى هذا الاساس تم الغاء تعابير ”الزواج“ و“الزوج“ و“الزوجة“ من قاموس المستمعرة فالرجل والمرأة لا يتزوجان وانما يصبحان اثنين فالمرأة لا تحصل على زوج بل على شاب أو رفيق وكذلك الرجل لا يحصل على زوجة بل على فتاة أو رفيقة ومع ذلك فان الفطرة تدفع الرجل والمرأة الى الاسرة رغم الافكار اليهودية التي تريد الغاء الاسرة في المجتمع.

الانتماء الى المستعمرة

هناك شروط للدخول الى المستعمرة منها القبول والاقتناع بالافكار الاساسية التي تأسست عليها فكرة المستعمرات. ويدخل طالب الانتماء تجربة عملية تصل الى ستة اشهر، يتقرر على اثرها قبوله أو رفضه. ويزداد الانتماء الى المستعمرات بفضل انتساب اعضاء حركات الشباب الجماعية لابفضل الانتماء الفردي فاليهودي من اصل اوروبي غربي يفضل حياة المدن واليهودي الآسيوي والافريقي لايصلح لحياة المستعمرة نظرا لفرديته وتخلقه بخلق معين وعدم اندماجه بالحركة الصهيونية من الناحية العقائدية.

يقضي الشباب والشابات من اعضاء حركة الشباب في اسرائيل خدمتهم العسكرية الاجبارية في اقامة نوى كيبوتزات استراتيجية جديدة فبعد تلقي التدريب العسكري الاساسي ترسل جماعات الشبان والشابات الى احدى الكيبوتزات ضمن مدة الخدمة العسكرية للتدريب على جميع نواحي الحياة في المستعمرة، لينقلوا بعد ذلك الى مستعمرة جديدة تشكل في الواقع حامية عسكرية اعدّها الجيش على نقاط الحدود الاستراتيجية، وهناك تتسلم جماعة الناحال ـ الشباب الطلائعي المحارب ـ مسؤولية المستعمرة بما في ذلك اعمال الزراعة. وبعد انتهاء الخدمة تختار بعض الجماعات البقاء في تلك الحامية بصفة مدنية فتتحول الى مستعمرة زراعية. اما الجماعات الاخرى فتنقل الى مستعمرة بحاجة الى تعزيزات بشرية.

والواقع هو ان الكيبوتز كان الوسيلة الرئيسية لاجتذاب الشباب الصهيوني المتحمس المغامر الى فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل. ومن يقرأ مذكرات قادة الصهيونية والخطابات التي كانت توجه الى يهود العالم أو يطلع على الادب الذي كان يلقن لحركات الشباب الصهيوني يدرك اي تركيز وضع على الكيبوتز كوسيلة دعائية لاجتذاب اليهود الى فلسطين وتبرير التضحيات التي كانت تنطوي عليها الخطة اليهودية، ولكن المثالية والامجاد لم تكن الدعاية الداخلية الوحيدة فلقد لجأ الصهاينة، الى تقديم عدة صور لحياة الكيبوتز فالكيبوتزات الدينية تصور على انها المكان الافضل لممارسة الشعائر الدينية، والكيبوتزات اليسارية تصور على انها التجسيد العملي الاسمى للمبادئ الاشتراكية.

اما بالنسبة للمثاليين والمغامرين فتصور على انها قمة المثالية والمغامرة. وامام الشباب المرح الذي يفتش عن المغامرة والملذات، فالكيبوتز هو غاية المنى لأنها تبيح العلاقات الجنسية ولا تعترف بالزواج، وامام المعدمين تقدم على انها الملجأ والملاذ من العوز والفاقة.

اختيار موقع المستعمرة

تخطيط انشاء المستعمرات اعتمد على جملة من العوامل منها:

  1. العامل العسكري: وهذا العامل يشمل اشراف المستعمرة على المناطق والمدن المجاورة وسهولة الدفاع وتأمين الاتصال والحماية المتبادلة بين المستعمرات.

  2. العامل الاقتصادي: اي عامل خصوبة الارض وقربها من المياه وخط المواصلات وهو عامل ثانوي بالنسبة للاول.

  3. الموقع الجغرافي: وهذا العامل تتحكم فيه الرقعة التي تحتلها اسرائيل، فكلما توسعت حدودها انشأت سلسلة جديدة من المستعمرات لتتكامل شبكات الدرع الاسرائيلي الذي تتكون منها هذه المستعمرات.. انتهى.