التضليل الاعلامي المتزايد حول علاقة اسرائيل بأمريكا
تركز أبواق الدعاية الغربية وتتبعها ابواق الدعاية في بلادنا على تصوير نظام الحكم في امريكا بصورة بعيدة عن الواقع وكأنه صريع النفوذ الصهيوني. وقد تزايد هذا التركيز مع تقدم الخطوات السياسية الجديدة في المخطط الذي يسمى بالحل السلمي.
والقصد من ذلك هو تضليل المسلمين لتسهيل مهمة عملاء امريكا في فرض المزيد من السيطرة الكافرة على مقدرات المنطقة.
وقد استفادت هذه السياسة الاعلامية الخبيثة من التخلف السياسي السائد واصبحت هذه المقولة عند السياسيين والمثقفين بصورة عامة في حكم المسلمات.
ان توضيح الصورة يتوقف على استيعاب جملة من الحقائق السياسية أهمها:
-
ان نظام الحكم في امريكا هو نظام رأسمالي يهيمن فيه اصحاب الشركات المالية والصناعية والزراعية الكبرى. ولهؤلاء مؤسسات وأجهزة تمتد كالاخطبوط في جميع انحاء الولايات المتحدة (وخارجها) وتكيف الأوضاع والافكار الحياتية بما يتلاءم مع مصالحها.. ورئيس الولايات المتحدة صاحب الصلاحيات الواسعة هوالجزء الظاهر والممثل التنفيذي لهذه المصالح الرأسمالية، يعاونه في ذلك اجهزة ومؤسسات ذات سياسة مستقرة لا تتغير بتغير الرئيس.. فالذهنية السياسية التي تعطي المشورة وتصوغ القرارات للرئيس كارتر هي نفسها التي كانت تعمل مع فورد ونيكسون وجونسون وكنيدي، وحتى الاجهزة تكاد تكون نفسها..ويختار الرئيس قراره عادة من ضمن بدائل أو يتبنى القرار المرسوم بدون بدائل احيانا.. كل ذلك لخدمة شبكة المصالح الرأسمالية الكبرى. وان قول جون فوستردالاس احد اعمدة السياسة الامريكية في الخمسينات:
”حيثما تكون مصلحة جنرال موتورز تكون مصلحة امريكا“
يمثل هذه الحقيقة اصدق تمثيل.
-
ان لأمريكا سياسة خارجية مستقرة ومن معالمها الرئيسية الاحتفاظ بالمنطقة العربية ضمن دائرة النفوذ الامريكي. وذلك لموقعها الجغرافي الممتاز، وغناها بالمواد الخام، وخاصة النفط وما تؤمنه اسواقها الاقتصادية من تصريف للبضائع والمنتجات الامريكية. واسرائيل منذ ان كانت فكرة في اذهان الساسة الغربيين الى ان اصبحت حقيقة عدوانية قائمة هي جزء اساسي من مخطط السيطرة وبسط النفوذ الغربي على العالم الاسلامي والمنطقة العربية بصورة خاصة.
-
يتمتع الحزب اليهودي دون شك برصيد ملموس داخل الولايات المتحدة، ويؤثر على اصوات الناخبين، ولكن تأثيره لايصل الى حد التحكم بمصير انتخابات الرئاسة وصناعة الرؤساء كما يضخم ويشاع وينبغي ان نذكر ان الاصوات اليهودية قد حولت لصالح همفري ضد نيكسون ومع ذلك تمكن نيكسون من الفوز بفارق واضح في فترة رئاسته الاولى. ولكن ذلك لم يؤثر سلبياعلى موقفه من اسرائيل بل ضرب الرقم القياسي في امدادها بالسلاح ومن مخزون الجيش الامريكي في حرب رمضان ١٣٩٣ هجري المصادف ١٩٧٣م. ان العلاقة بين امريكا واسرائيل يحكمها دائما تطابق المصالح بين الدولتين، وبتعبير ادق: تقيد اسرائيل تقيدا فعليا بالمصالح الامريكية العليا. فاذا حصل اختلاف حقيقي بين الدولتين فما على اسرائيل الا الرضوخ للأوامر الامريكية.
ويكفي للتدليل على هذه الحقيقة موقف امريكا سنة ١٣٧٦ هجري المصادف ١٩٥٦م اثناء العدوان على مصر عندما تحركت اسرائيل حركة خارج نطاق اللعبة الامريكية فأمرتها امريكا بالانسحاب من سيناء وخضع بن غوريون وهو اكبر زعيم اسرائيلي لأمر ايزنهاور، ويقال انه بكى لذلك.
ان بامكان امريكا ـ لوارادت ـ ان تؤدب اسرائيل بوسائل عديدة، فوجود اسرائيل المالي والعسكري مرتبط ارتباطا كاملا بأمريكا ولا يمكنها الفكاك من ذلك الى مدى غير منظور.
-
اذا برز الخلاف بين الموقفين الامريكي والاسرائيلي ولم تضغط امريكا على اسرائيل فمعنى ذلك انه خلاف مفتعل وظاهري. أو انه خلاف ثانوي حول اتباع اسلوب وآخر مما لا يصل الى مستوى الخلاف الأساسي الذي يؤثر على المصالح الامريكية الهامة ولا يعرقل سير المخططات الامريكية.
ان الخلاف الظاهر الآن بين امريكا واسرائيل في عملية مايسمى بالحل السلمي خلاف مصطنع تمليه لعبة تبادل الأدوار اما لغرض خداع العملاء من حكام العرب الذين ينظرون الى القضية الفلسطينية بذهنية ونفسيه لا يمكنهم معها ان يستسلموا بسهولة للتفكير الامريكي اليهودي المشترك. لذلك تحاول امريكا تقريبهم من وجهة نظرها باسلوب خادع. واما لغرض اظهار عملاء امريكا وكأنهم في ولائهم المطلق للسياسة الامريكية يسيرون مع رئيس امريكا في حلف شريف لمصلحة بلادهم لهدف انقاذ ما يمكن انقاذه من الارض العربية من براثن اسرائيل.. وهم في اثناء ذلك يتنازلون عن حقوق المسلمين في ارضهم المحتلة مرحلة بعد مرحلة بحجة التأثير على الرأي العام الامريكي ومساعدة الرئيس الامريكي في اتخاذ القرار المناسب.. وما مطالبة السادات بمشاركة الولايات المتحدة في مايسمى بحل ازمة الشرق الاوسط كطرف كامل مع ما يتضمنه ذلك من ارسال قوات امريكية الى المنطقة تتولى فرض الخطة على المسلمين.. ما هذه المطالبة الا ضمن هذا الاتجاه..وما معارضة اسرائيل الشكلية لدخول امريكا كطرف وطلبها الاكتفاء بدور الاشراف على المفاوضات الا للتغطية على موقف السادات امام الشعب العربي وتصوير ان المشاركة الامريكية قد تمت باصرار عربي.
ان من الصعب على حكام المسلمين تجاوز مشاعر المسلمين وافكارهم المشتركة تجاه قضية حساسة كقضية فلسطين الابمساندة استعمارية كبيرة لأن الغضب الشعبي يعيق السير المباشر للعملاء في المخطط المرسوم.
وان المصالح الامريكية الهائلة في المنطقة العربية، كما يعبر عنها احد التقارير الامريكية، من السهل تهديدها من قبل الحكام العرب اذا هم ارادوا ذلك، وبالتالي من السهل الضغط على امريكا لتحجيم اسرائيل الى ادني حد ممكن تمهيدا للقضاء عليها فيما بعد.
ولكن الحكام الحاليين يسيرون في الخط المعاكس تماما. فهم يتنافسون للوقوع في براثن النفوذ الامريكي ويسلكون الاستعطاف المذل والمهين مع امريكا واسرائيل.
وسوف يستمر هذا الوضع السياسي السيء ويتردى. وستبقى الساحة السياسية مسرحا لهؤلاء العملاء وامثالهم من السائرين في الخطة الامريكية، الى ان توجد القيادة السياسية الحقيقية المستقلة التي سيفرضها تنامي المد الاسلامي الواعي في الامة.
عند ذلك فقط ستنقلب المعادلات السياسية القائمة..أو يحدث الله سبحانه وتعالى امرا.