الاسلوب الاستعماري الجديد لفرض سيطرة الكفار على بلاد المسلمين
تسير الدول الاستعمارية المعاصرة في سياستها العامة في بلادنا الاسلامية على خط استعماري مشترك. ويتلخص هذا الخط بـ (فرض السيطرة على هذه البلاد بالشكل الذي يضمن المصالح الحيوية لهذه الدول بالاسلوب المناسب) وهذا الخط هو الاساس الذي تبني عليه جميع علاقاتها ومعاملاتها معنا كما انها تبذل قصارى جهدها بغية المحافظة على هذا الاساس مادامت تخطر في رأسها حيلة، وتفيض في عروقها حياة. ولا تتنازل عن هذا الخط الا اذا سقطت صرعى لا تملك حولا ولا قوة.
ومن هنا فان هذا الخط ثابت لا يتغير ولا يتبدل مهما تغيرت الظروف وتبدلت العلاقات بحسب الظاهر بين الدول الاستعمارية الكافرة وهذه الدويلات القائمة في بلادنا. ولكن الذي يتبدل ويتغير هو (اساليب) واشكال تحقيق الخط المذكور فقط: فحينما ينكشف اسلوب ويفضح ماوراءه من اغراض استعمارية تبادر الدولة الكافرة الى تغييره باسلوب خبيث يضمن الغرض الاستعماري الاصيل بشكل خفي، ففي تاريخ الاستعمار البريطاني في العراق ـ مثلا ـ رأينا كيف ان بريطانيا غيرت اسلوب الاحتلال العسكري بالانتداب، ثم غيرت الانتداب بما سمي بـ (الحكم الوطني) مع ربط العراق بمعاهدات ظالمة ابتدأت بمعاهدة سنة (١٩٢٢م) ثم تلتها معاهدة سنة (١٩٢٦م) ثم معاهدة سنة( ١٩٢٧م) ثم معاهدة سنة (١٩٣٠م) ثم اعقبته اتفاقية سنة (١٩٣٦م) واخيرا معاهدة سنة (١٩٤٨م) وقد كانت بريطانيا في كل هذه المعاهدات تتولى تطبيق الخط الرئيس الذي تسير عليه في علاقاتها مع العراق وغيره من اجزاء العالم الاسلامي.
ولكن بعد ان اتضح اسلوب المعاهدات والاتفاقيات الثنائية سلكت بريطانيا كما سلك غيرها من الدول الاستعمارية الاخرى ـ اسلوبا جديدا اكثر خبثا من الاسلوب السابق، يحقق نفس الخط المذكور تحت شعار (التعاون المتبادل) او (تحقيق المصالح المتبادلة) يتولى تنفيذه وتركيزه (خبراء) استعماريون في مختلف الحقول والميادين العسكرية والصناعية والاقتصادية والفنية والثقافية والعلمية وغيرها وفيما يلي ترجمة لمقال سياسي نشرته صحيفة (الصنداي تلغراف) البريطانية المحافظة في ٢٦ حزيران ١٩٦٦م عن (مشروع بناء الجهاز الدفاعي للممكلة العربية السعودية).
ماذا وراء اكبر صفقة اسلحة بريطانية؟؟
بينما تثار ضجة حول مستر (هيلي) من الاسلحة التي يجب عليه ان يعرضها للبيع، وعن تلك التي يجب الا يبيعها الى امريكا..فان هناك اكبر صفقة تصدير للاسلحة تخرج من بريطانيا خلسة وبليونة، وان عملية توقيع الاتفاقية ـ بشأنها ـ متوقعة في اية لحظة واتمام المقاولات النهائية يجري على قدم وساق.
وتتضمن هذه الاسلحة جهازا دفاعيا كاملا للعربية السعودية تبلغ تكاليفه (١٢٠) مليون باون استرليني فقد توصلت احدى الشركات البريطانية وهي (A.B.C) الشركة المساهمة لبناء الطائرات البريطانية الى الاتفاق ـ بصورة نهائية ـ لبيع (٥٠) طائرة من نوع (لايتننك) سرعتها (١٥٠٠) ميل في الساعة وحوالي (٢٥) طائرة نفاثة تدريبية (العدد الحقيقي لم يكشف) وانتاج هذه الطائرات قد بديء فيه في نهرستون.
اما الشركتان الاخريتان وهما ( A.E.I) شركة اتحاد الصناعات الكهربائية، و (A.S.V.D) شركة الخدمة الجوية المحدودة، فقد يؤمل ان تشمل الاتفاقية مع الاولى (A.E.I) لنصب رادار واجهزة مواصلات، اما الاخرى (A.S.V.D) فستكون مسؤولة عن ادامة الطائرات وادارة جميع المحطات والقواعد وتدريب الطيارين.
وعندما تم الاتفاق الاولي في كانون الاول اعتبر انتصاراً عظيما للقائمين بعملية البيع واعتبر ايضا انتصاراًونصراً لبريطانيا في ميدان التنافس مع امريكا في تجهيز مثل هذه الصفقات، مع ان عملية المباحثات لاجراء مثل هذه الصفقة استغرقت ثلاث سنوات من المباحثات.
أما مندوب الجانب البريطاني فهو رجل مستقل اسمه مستر (جيونري ادوارد) البالغ من العمر ٤٦ سنة له صوت جهوري، قد لفحته الشمس، اشتغل في مصنع الفولاذ كما اشتغل طيارا في القوة الجوية الملكية،وهوالآن يعمل لبيع الطائرات للسعوديين. كان من الممكن ـ في اول الامر ـ ان يحرك الرغبة القليلة عند الشركات البريطانية، ولكن بعد ان ابدى السعوديون رغبة في الحصول على نظام للرادار، فان شركة اتحاد الصناعات الكهربائية (A E I)ارسلت فجأة ـ وبنفس اليوم ـ خبيرها الى العربية السعودية ـ وكذلك تبعتها بقية الشركات. وفي سنوات المباحثات كثير من الاهتمام قد اخذ محله من الجانب الآخر. ولكن الذي قرر الصفقة حقيقة وواقعا هوالعرض الذي اجري على طائرات(لايتننك) فقد طارت هذه الطائرات خصيصا الى العربية السعودية وزودت بالوقود اثناء الطيران بواسطة القوة الجوية الملكية البريطانية، وقد قيدت الطائرة بواسطة الطيار (جيمي ديل) رئيس طياري الاختبار في شركة (B.A.C) (الشركة المساهمة لبناء الطائرات البريطانية) وقد ترك طيرانها اثرا محسوسا على السعودية اثناء اختراقها حاجز الصوت.
وفي اثناء عمليات البيع (الصفقة) اصبح (ادوارد) مندوب الجانب البريطاني ـ الصديق المقرب الى الملك فيصل والعائلة المالكة السعودية كما انه بصورة مستمرة قد انجز حوالي (٩٣) سفرة بين لندن وجدة، كما وتعتبر هذه من خدمات التقارب بين انكلترا والشرق الاوسط وكانت نتائج هذه السفرات موفقة ومدهشة للغاية، كما وقد صرف مبلغا قدره ٨٠٠٠٠ باونا استرلينيا لهذه العمليات!وفي الاسبوع الماضي وصل لندن وقد استقل سيارته موديل فيراري سرعتها ١٧٠ ميل، وقد جرت معه المحادثة التالية: قال ـ وهو ينقر بسبحته الكهرب التي اهديت له من احد السعوديين (انه يشتعل بارهاق. وانه يجد صعوبة في الحصول على راحة واسترخاء. الا انه بنفس الوقت سيستغرق الخمس سنوات المقبلة في بناء جهاز دفاعي والاستمرار في اتمامه).
وقضية حمل مسؤولية هذا المشروع تقع على عاتق شركة (اير وورك) التي لها (٨٠) خبيرا يشتغلون الآن في الرياض التي ستكون القاعدة لهذا المشروع، وهذه الشركة هي شركة مدنية وتعتبر اكبر شركة في القطر البريطاني تعتاش على المقاولات مع الجيش والبحرية والقوة الجوية، فهي تطير وتديم الطائرات (ادارة المطارات) والصواريخ ومنطقة بعدها كما تدرب الطيارين ولها قواعد في لندن وهرن قريبا على (بورن ماوث) ولها مطارها الخاص ومدرسة للطيران في (بيروت) وعددها ٢٠٠٠ مستخدم اغلبهم (٨٠%) منهم كانوا في القوة الجوية البريطانية.
ان الصفقة العربية السعودية تبلغ ٢٠ مليون باون مع هذه الشركة ولهافي الصفقة حصة الاسد فان (٨٠٠) شخصا يعملون في مقرها في السعودية مع حوالي (٨٠) طيارا ومن حسن الحظ انه ليس هناك اي نقص في العدد اللازم من المغامرين فان الاعلان عن الشواغر المذكورة قد لبي من قبل (٣٠٠٠) شخص، مما ادهش الشركة ـ والظاهر ان بلاد العرب لا تزال تجذب الباحثين عن المغامرة. ومن الفوائد الايجابية ان دخل العاملين هناك غير خاضع للضرائب. ولكن مناخ المنطقة الحار(١٠٠دف) وعدم توفر حياة القرن العشرين وحياة الراحة والترفيه كالشرب والنساء هو فقط القلق الوحيد. ومع ان الشركة سوف تواجه بعض الصعوبات ولكن وجود بنايات مكيفة الهواء وفيها مرافق السباحة مع جامع للعمال المحليين، ومع ذلك فان بعض رجال الشركة سوف يعيشون في حالة غير مريحة لان طبيعة عملهم في بناء محطات الرادار في مسافات بعيدة في الصحراء.
والآن فقد برزت عدة نقاط في سوء الفهم حول الدور الذي سيلعبه طياروا الشركة. فان الشركة متلهفة لتجعل الموضوع واضحا، ذلك ان الطيارين هم غير محترفين وليسوا خاضعين لامرة الحكومة السعودية وقد زودوا بأوامر الّايحاربوا ()!؟
ثم ان المقاولة بعد ذلك هي صفقة تجارية مع شركة (اير وورك) بصورة قطعية ولا يتضمن في المقاولة اي عملية حربية أو اضطرابات مدنية. وان الطيارين مسؤولون عن الطيران فقط وان عملية التأمين لا تشمل اولئك الذين يخرجون عن حدود السعودية، وهكذا ربما لا يقومون بعمليات للكشف عن قوة الاعداء مما تؤدي الى قتال. وقد صرح ناطق باسم الشركة ان اي طيار يطلق النار فانه يسحب من الشركة ويفصل. كما اننا اخبرنا طيارينا بان اي اطلاق عليهم يجب الايردوا عليه ويعودوا باسرع مايمكن عن الطريق المعاكس.
ومن التعليمات التي وضعت السؤال التالي: ماذا لو غزت مصر جوا أو ارضا، فان ذلك قد وضع بعين الاعتبار.
ومن المشكوك فيه ان يكون الطيارون المحترفون متوفرين في غير هذه المنطقة خاصة وان بعض الامريكان قد شوهدوا يتسكعون في جدة والرياض. وقد اختلف متى سيكون الطيارون السعوديون قادرين على التحليق وقيادة الطائرات. الا ان عددا من الطيارين قد اعتادوا على قيادة طائرات (F. B٦) (سبرس)؟ وهؤلاء من الممكن ان يتعودوا على طائرات البرق (LIGHTNING) في بضعة اشهر، كما ان الطيار حمدان قبل سنتين قد قاد هذه الطائرة مع بعض الصعوبات ولكنه عاد وهبط بسلام. وعلى كل حال فان التدريب يتوقف على مقدار الاستعداد السعودي للتعلم. وبنفس الوقت يجب ان يستمر فيه وربما احتاج على الاقل الى خمس سنوات لبناء قوة جوية سعودية من هذه الطائرات التي تعتبر من احدث واكثر الطائرات تعقيدا في العالم.
ان الوجبة الاولى من الطائرات ذات مقعد واحد M.K٥٥٥ مجهزة بفايروستريك وهي قذيفة صاروخية موجهة من الجو الى الجو او بعض هذه الطائرات ذات مقعدين (M.K ٥٥) (تدريب) ستسلم خلال ١٩ شهرا، وعلى كل حال فان العربية السعودية قد حصلت على طائرات مستعملة من (هوكرهنتر) والبرق القديمة. ان ٦ طائرات من الهنتر و(٢) من البرق موجودة حاليا في الرياض. وقد قيدت هذه الطائرات بطيارين من شركة (ايروورك) المذكورة كما ان طائرات الهنتر قد ودعت الملك فيصل حين مغادرته الى نيويورك في طائرته البوينغ.
هذا اذن الاسلوب في المقاولة لبناء الجهاز الدفاعي، معوّضا عن ايجاد علاقات سياسية للاتفاق فان بريطانيا قد عملت صفقة تجارية. وهذا بنفس الوقت قد اشرك الحكومة في هذه الصفقة، قطعا ان السرعة والكفاءة التي اخذ بها زمام المبادرة من قبل الشركات الثلاث قد قوى سيادتنا في الشرق الاوسط. ولكن ليس بايدينا السيطرة على هذه الاسلحة التي بعناها: فقط نأمل ان السعوديين يستعملونها في الاتجاه الذي يؤيد وجهة نظرنا ونتفق معه. ومما لاشك فيه ان الجهاز الدفاعي السعودي عندما يكون مهيئا للعمل سيكون موازيا لاي قطر مجاور من اقطار الشرق الاوسط بل يطغي عليه. والسؤال الآن كم من الاقطار النفطية ستحذوا حذو السعودية في بناء جهاز دفاعي كامل، خاصة وان عبد الناصر مستمر في تهديداته اليومية؟ سيكون ذلك اذن امرا طبيعيا لتلك الاقطار هذا وليس بامكان احد ان يعرف طاقة السوق غير مستر (EDWARD) الذي سيطير للمرة (٩٤) الى السعودية ـ فعندما سئل عن خططه الحقيقية! ضحك ضحكة عربية عريضة بدهاء وقال: (هناك جيران يجب التعامل معهم.. ولنا خططنا البسيطة).
احصاءات الطائرات للمناطق التالية:
-
مصر ٧٠٠طائرة ( ٥٠ ميغ ٢١، ٨٠ ميغ ١٩)
-
الاردن ٥٠ طائرة (شراء مجموعة كبيرة من ستارفايتر)
-
فلسطين المحتلة (اسرائيل) ٤٥٠ طائرة (٧٠ ميراج، ومستير٢٥)
-
العراق ٢٠٠ طائرة (سرب ميغ ٢١ وسرب هنتر).