موقفنا من الاحداث

نشرت في "صوت الدعوة" العدد الخامس ذي الحجة ١٣٨٣ هجري

في هذه المرحلة من حياة الامة، ومن حياة الدعوة يصعب علينا الدخول في الاحداث والمعارك الدائرة بشخصياتنا الواضحة وبآرائنا الكاملة لأن ذلك يكشفنا للمجتمع ويسبب انعزالنا عن المعركة التي يخوضها الخائضون فمثلا لو ان الدعاة في ايران ظهروا في المعارك التي دارت بين الامة بقيادة العلماء وبين السلطة كجماعة ذات كيان منظم، لما أثروا في المعركة كتأثيرهم الذي حصل بظهورهم وكأنهم اشخاص عاديون من افراد الامة على شكل علماء واتباع علماء وذلك لأن الامة لا تزال بعيدة كل البعد عن مفاهيم العمل الاسلامي المنظم المدروس ويجوز العكس لأن لها حساسية خاصة من هذا المعنى فاذا احست بالتنظيم وبرائحة الحزبية في اكثر الاعمال العامة سرعان ماتكتنفها الشكوك والريب وتبتعد عن تلك الاعمال ولا تشترك فيها. واما عندما نرى الامة متحفزة للقيام بعمل ما فما ذلك الا لهزة اصابتها فحركتها وليس ذلك بتأثير حزب أو قيادة حزب، نعم قد تشترك الاحزاب في الاعمال التي تقوم بها الامة ولكن الاحزاب كثيرا ماتولد ردود فعل لدى الناس وحتى في حالة سيرها مع التيار العام. لأن الامة خلال تجربتها في الجيلين الماضيين وحتى الآن انكشف لها ان اكثر الاعمال كانت تصدر بتحريك من جهة الكافر مباشرة أو غير مباشرة فالثورة العربية بقيادة الملك حسين في مكة كانت بتحريك الانكليز.

وكذلك النشاط الوهابي بقيادة السعوديين أو نشوء العمل القومي المنظم باشراف الارساليات التبشيرية الاستعمارية في لبنان، ونشوء الحركة الشيوعية في العالم الاسلامي بعمل الحزب الشيوعي الروسي مباشرة الى غير ذلك من الامثلة مما لمسته الامة وما تزال تشاهده من تغيرات سطحية من جرّاء الصراع الاستعماري بين الدول الكبرى، فنتج من هذه التجارب رد فعل لدى غالبية الامة ازاء التنظيم والعمل المنظم وخاصة العمل الحزبي لذا كان من الأصوب كما هو مدروس ومبين ان ندخل في الاحداث العامة والمعارك التي تخوضها الامة بشكل افراد عاديين لا يظهر من آرائنا الا ما هو ضروري للتأثير بالاحداث ودفعها الى الخط الصحيح بقدر الامكان ولا يتم ذلك الا اذا كان الدعاة يعون الاحداث ودوافعها ومراميها والعوامل المؤثرة فيها حتى يتحدد موقفهم منها، ويمكن تقسيم الاحداث الى ثلاثة اقسام:

  1. اسلامية

  2. معادية للاسلام

  3. لا تخالف الاسلام وليست بدافع اسلامي

فالاحداث الاسلامية تكون دوافعها دينية وغايتها المحافظة على الدين والانتصار له، ويكون القائمون بها هم المتدينون، ومثال ذلك ثورة المسلمين في ايران على الشاه بقيادة الطباطبائي ونهضتهم الاخيرة بقيادة الخميني وثورة العشرين في العراق بقيادة الشيرازي، وحركة المهدي في السودان، والحركة السنوسية في ليبيا، وحركة العلماء الجزائريين بقيادة ابن باديس، وغيرها من الحركات الدينية المتتابعة في جميع انحاء العالم الاسلامي، فمثل هذه الاحداث الاسلامية التي تحدث في المجتمع نتيجة لاعتداء صارخ على الدين أو على المسلمين أو لسبب آخر، توجب على الدعاة بصفتهم الشخصية الظاهرة وبتدبير من الدعوة ان يكونوا في وسط الاحداث، وان يعمقوا، أو يوسعوا الاندفاع في العمل، وذلك بفضح الجهة المقابلة واظهار اهدافها، ونواياها البشعة، وتعرية عدائها عقيدة الامة ودينها بشكل يهيج الامة، ويوسع المعركة، ثم يقوم الدعاة بقدر الامكان برسم الخطة العملية للمعركة، ورسم اساليب العمل، لكي يسير الجمهور المندفع سيرا منتظما مدروسا لا سيرا عفويا، ويعمل الدعاة ان يكون هناك اهداف واضحة محددة للجمهور يتبناها ويعمل من اجلها ويصعب التلاعب فيه وحرفه عن طريقه وهدفه المرسوم.

وبتعبير آخر يحاول الدعاة ان يقودوا المعركة من وراء الستار بحكمة ودهاء وبذل فلا تبخل الدعوة في مثل هذا الامر بالتضحية، وبعكس هذا الموقف تقف الدعوة ازاء اي عمل معاد للاسلام يهدف لطمس بعض معالم الاسلام، ولكن بنفس الاسلوب، فان الدعاة يقفون موقفا عدائيا لهذه الحركة يحاولون احباط وتأليب الناس عليها بجميع الوسائل الممكنة مع مراعاة عدم الانكشاف، لأن العمل مع الانكشاف يحبط، وكأمثلة لمثل هذه الاعمال، اعمال ما يسمى بتحرير المرأة أو سن قوانين مدنية للاحوال الشخصية، وكأعلان علمانية الدولة وغير ذلك من مثل هذه الاعمال.

والنوع الآخر من الاحداث تكون الدوافع فيه غير مأخوذة من الاسلام، وتكون عادة الاحداث لا تخالف الاسلام، والغاية من هذه الاحداث غير اسلامية ولكنها لا تعادي الاسلام ايضا، فمثل هذه الاحداث ينظر في امرها، فان كان للدعوة أو للامة مصلحة في خوضها، واذا كان الظرف ملائما لذلك فالدعاة يشتركون فيها اشتراكا يلائم المصلحة والظرف باسمائهم الخاصة، وبتدبير من الدعوة، لان الدعاة دائما في اعمالهم العامة مرتبطون بالدعوة وخططها واساليبها.

ويمكن تحديد العوامل التي تؤثر على تحديد موقف الدعوة من الاحداث الجارية داخل العالم الاسلامي بالنقاط التالية:

  1. مصلحة الامة.

  2. مصلحة الدعوة.

  3. الظرف الخاص بالدعوة.

  4. الظرف الخاص بالحدث وعلاقته بالخارج.

هذه العوامل تنظر بمنظار الحكم الشرعي وهي التي يتعين بها موضوع الحكم الشرعي الذي يعين موقف الدعوة.

هذا بيان مبسط لموقفنا من الاحداث ونرجوا من الله العلي القدير ان يهيء الاسباب لكي تكون الاحداث في العالم الاسلامي جميعها مسيرة بالطريقة الاسلامية بعد ان عاشت امتنا فترة غير قصيرة تسير على غير هدى الاسلام.