الحس السياسي
الانتقال من السلبية في حياتنا العملية الى الايجابية دليل فاعلية حسية وفكرية فان الخطوة التالية لهذا الانتقال هي محاولة التفاعل مع الامة لتغيير واقعها. وما دام الاسلام هو النبراس الذي يضيء الطريق ومادام العاملون يعملون في اجواء يعيش فيها مسلمون وهذه الاجواء تسودها انظمة ومفاهيم وحياة غير اسلامية ما دام الامر كذلك لا بد وان يكثر العاملون في المجال الاسلامي، الامر الذي يؤكده تعدد تجمعاتهم التي تمتد على طول الرقعة الاسلامية وهي على كل حال ذات اثر واضح بغض النظر عن طبيعة هذا الاثر وعمقه. والعقيدة هي الدافع لاحتضان العاملين. ان العقيدة التي لم يتمكن الكفار بشتى الاساليب من ازالتها وازالة آثارها هي الضمان لتكثير العاملين ولكن بقدر ما يفرغ العاملون من جهد داخل الامة وبقدر ما يستوعب العاملون من فكر ودراسة ومعلومات.
هذه حالة يعيشها المسلمون أو هي مظهر من مظاهر الحياة العامة في بلاد الاسلام ولذا فان الاهتمام بهذه الحالة وبهذا المظهر واجب الانسان المسلم على اساس وجوب الاهتمام بامور المسلمين كقاعدة عامة. والمفروض ان الدعاة المسلمين هم الاكثر اهتماما في هذا الامر اهتمام اختصاص. اهتمام مسؤولية واعية. ذلك ان واجب الداعية للاسلام هو ادراك جميع المؤثرات التي تعمل في مجال نشاطه دون اهمال ناحية من النواحي، وما من شك ان مجال العمل هوللعاملين جميعا فالباب مفتوح لكل منتج بقدر ما يملك فكرا.. وعملا.. اذن وفي سبيل ايجابية في العمل تامة غير منقوصة..مجدية ومنتجة يكون لزاما على داعية الاسلام ان يفهم ويدرك كل القوى العاملة بجانبه أتسايره، تخذله أو تؤيده، تعاديه أو تصادقه، تحاربه أو تحالفه، هذه القوى التي تدخل مجال عمله عاملة.. هذا في داخل نطاق الرقعة التي يعمل فيها مع اخوانه وداخل الرقعة التي تصل اليها دعوته في رقعة العالم الاسلامي باجمعها اما خارج هذه الرقعة فلا يختلف الامر من ناحية الاستيعاب الا بالكم فقط. فقد يكون غير مجد ان نفهم بعض التفاصيل في بعض المناطق التي ليس لها تأثير في مجرى تيار السياسة العالمية، اما المجالات التي تؤثر على تيار السياسة العالمية فان ضرورة معرفة تفاصيلها كضرورة معرفة بلادك لانك كداعية للاسلام تريد ان تنتزع بلادك من مجرى التيار السياسي في العالم ليستقر على اسس جديدة ثم ينطلق في تكوين تيار عالمي جديد يصارع التيارات الاخرى. ان انعدام هذا الادراك عند الداعية اتجاه للسلبية بحت لكل ماتحمله السلبية من معان والخطأ الجسيم في هذا الاتجاه هو انه يعلن تناقض الداعية مع نفسه في موقفه السلبي. فهو يقر للآخرين في موقفه هذا حق النظر الى دعوته سلبيا ويؤكد انعزاليته عن مجاله بكل مافيه من نشاطات متحركة ومحركة في اتجاهات مختلفة ومن ثم فهو يخلق حالة التقوقع عند الداعية في عمله فلا يرى في الميدان الانفسه مع ان الميدان مليء بالحركة والنشاط الامر الذي يبعد الداعية عن فرصة الاستفادة من الاخطاء أو المزايا التي تتوفر لديه عند الاحتكاك بهذه النشاطات أو الاطلاع عليها في اقل تقدير. وستكون النتيجة حينئذ ان يحبس الداعية نفسه باضيق مجال.
نقول هذا لوجود ظاهرة كان يجب ان تختفي قبل امد بعيد من حياة الدعوة. الظاهرة واضحة ومعترف بها وخطورتها انها لايحس بخطرها على سير الدعوة الا في المدى البعيد.
فالملاحظ ان مستوى الفهم السياسي عند الدعاة غير لائق بهم وبالمسؤولية الملقاة على عواتقهم وبالاهداف البعيدة والقريبة التي يسعون اليها. هذا الامر غير مرغوب فيه بالمرة ولا يجوز الاستمرار عليه باي حال من الاحوال ومن المضحك ان يعمل رجل على تغيير اوضاع بلده في هذا العالم المتشابك وهو لايعرف ماذا يحدث في بلده وفي العالم فضلا عن كونه رجلا يريد تغيير اوضاع بلده ومن ثم تغيير اوضاع العالم اجمع على اعتبار انه صاحب رسالة هي الاصلح للانسان والى نهاية الحياة الانسانية على هذه الارض.
وهذه مواضيع نعرضها كانموذج لسعة المعلومات في ناحية من نواحي المعرفة عن سير الاحداث اليومية في عالمنا. ومعرفتها دليل التتبع في هذا المجال ودونها التقصير.
عشرة منها ستكون عن عالمنا الاسلامي والعشرة الاخرى من المحيط العالمي.
في العالم الاسلامي:
-
في العالم الاسلامي أوتاد غريبة وضعها الاستعمار (تشبه وتد جحا كما يقول المثل العربي) ليتقي بها خطر الزحف الاسلامي في المدى البعيد، صبغها بصبغة معادية للاسلام ابرز هذه الاوتاد اسرائيل وهناك أوتاد اخرى مثيلات لاسرائيل غفل المسلمون عن وجودها.
-
يتمتع حزب العدالة في تركيا وقبله الحزب الجمهوري المنحل في تركيا بنفوذ شعبي يميزه عن بقية الاحزاب. فما السبب؟
-
لم تتمكن الجمهورية اليمنية من الثبات بدون معونة الجمهورية العربية المتحدة؟
-
مشكلة كشمير اصولها؟ لماذا اثيرت من جديد؟
-
مشكلة الاكراد في تركيا والعراق وايران؟ ماذا اثار النعرة العنصرية فيها؟
-
التمزق الذي يعانيه الصومال.
-
مشكلة ارتيريا.
-
الثروة البترولية على امتداد الرقعة الاسلامية وكيف اصبحت مشكلة من المشاكل؟
-
سنك يانغ من بلاد المسلمين.
-
المسلمون في البلاد الشيوعية.
في المحيط العالمي:
-
المشاكل داخل المعسكر الشيوعي.
-
الاختلافات في المعسكر الرأسمالي.
-
نقاط الالتقاء بين مختلف الدول من قبل المعسكرين فرنسا والصين، امريكا وروسيا.
-
السوق الاوربية المشتركة.
-
مشاكل الاستعمار الامريكي في امريكا اللاتينية.
-
مشاكل الغزو الامريكي للشرق الاقصى.
-
انهيار الهيبة البريطانية في الميحط الدولي وفي المستعمرات
-
الفرق بين حزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا والحزب الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الامريكية.
-
بقايا المستعمرات الاوربية في افريقيا.
-
الصراع بين امريكا والدول الاوربية في افريقيا.
ان ممارسة الداعية لاعماله تكوّن وتنمي ملكاته فكما ان ممارسة الخطابة تكون الخطيب وممارسة النقاش والتبليغ والتبيان تكون صاحب الملكة في الاقناع كذلك ممارسة الاطلاع على الاحداث السياسية والتفكير فيها وربطها بعضها بالبعض الآخر تكون الحس السياسي وتنميه عند الداعية. هذا ما نفتقده بين جمهرة الدعاة.
في هذا العدد نماذج من الفكر السياسي تنمي الحس السياسي وفي عالم الصحافة ابحاث تنمي الحس السياسي عليك ان تفتش عنها في مضانها مبثوثة هنا وهناك غير قليلة.
في هذا العدد نورد خبراً من الاخبار ونعلق عليه وننقد بحثا سياسيا منشورا في احدى المجلات العربية ثم ننشر مقتطفات من مذكرة قدمتها حركة التحرير الفلسطينية الى مؤتمر الاقطاب العرب الذي عقد في القاهرة. التعليق على الخبر يرسم ابعادا لما يمكن ان يتوارد على الخاطر من مجرد قراءة خبر اعتيادي.. والمقال يعطي صورة مخالفه للمشهور عن النفوذ الصهيوني في امريكا والمقتطفات من المذكرة تعطي صورة عن جانب من جوانب قضية من اخطر القضايا السياسية والعسكرية التي سيواجهها المسلمون في مستقبل ايامهم وهي قضية اسرائيل. وكيف يتعامل بها اصحاب السلطان في بلادنا.
اولا الثوري المحترف
اذاع فيدل كاسترو قائد الثورة الكوبية اخيرا نبأ اختفاء جيفارا الوزير الكوبي الثوري الارجنتيني الاصل وقال انه تخلى عن جميع حقوقه والتحق في احد ميادين الكفاح في امريكا اللاتينية العاملة لاقتلاع النفوذ الخانق الذي تمارسه الولايات المتحدة عبر الدويلات المنتشرة في الامريكيتين.
جيفارا هذا قام بجولة في ربوع اسيا وافريقيا وحاول ان يزرع تعاليمه السياسية الثورية في كل محل اعتقد انه صالح لذلك. ظهر على لسانه الخلاف مع فيدل كاسترو وبعد انتهاء الجولة اختفى اسم جيفارا وفعالياته مما اثار موجة من التساؤلات عن مصيره الى ان اذاع فيدل كاسترو نبأه، قال النبأ: كشف فيدل كاسترو رئيس وزراء كوبا في اجتماع لللجنة المركزية للحزب الشيوعي ستار الغموض الذي احاط باختفاء ارنستو جيفارا وزير الصناعة الكوبي والرجل الثاني بعد كاسترو بين زعماء الثورة الكوبية فقرأ نص الرسالة التي سلمه اياها جيفارا في هافانا في اول نيسان الماضي يقول في الرسالة: لقد كان خطئي الوحيد انني لم افهم بصورة كاملة صفاتكم العظيمة. اني فخور اني تبعتكم وان امماً اخرى تطلب خدماتي ويتعين عليّ ان اغادركم تاركا ورائي اعز ذكرياتي واخلص احبائي ولسوف احمل الروح التي زرعتموها الى ميادين جديدة للنضال في الحرب ضد الاستعمار. وانني اعفي كوبا من كل مسؤولية فيما اذاحلت نهايتي في مكان آخر احمل اليه من قبلكم. هذه هي الرسالة وهي تثير بالذهن عدة قضايا:
-
الروح النضالية عند هذا الرجل وعمق احساسه بوطأة الاستعمار الامريكي الثقيلة على بلاده وسعة افقه. هو ارجنتيني يخدم في ميادين خارج حدود اقليمه في سبيل الاهداف العليا التي يؤمن بها مع امته. هذه الصفات جديرة ان تكون درسا يستفيد منه الآخرون. والبساطة في تقديم النفس في سبيل المثل واضحة كل الوضوح في سلوك جيفارا. ان اندفاع جيفارا لمقاتلة الامريكيين المستعمرين جدير بان يكون نموذجا لمعاداة الاستعمار.
-
اظهار الولاء لقيادة الثورة أو التنظيم الثوري أو ما شابه ذلك وابراز صفاتها ومميزاتها التفاتات جديرة بجلب النظر.
-
احتراف الثورية: وقبل الخوض بالموضوع يجدر بنا معرفة المقصود بهذا الاصطلاح فالثورية شعار قديم اشيع اثناء الثورة الفرنسية ثم تبناه الشيوعيون واشاعوه بنطاق واسع. ويراد به العمل من اجل تغيير الاوضاع باستعمال القوة. والثوري المحترف هو من يتفرغ لهذا العمل. والتفرغ للعمل الثوري داخل تنظيم معين هو السعي الى اهداف معينة بخطوات واضحة والتفرغ امر مألوف وله نظائر كثيرة في حياة الاحزاب بل ويستعمل دائما ولا يمكن لحزب عقائدي يعمل لتغيير الاوضاع ان ينجح في مسعاه ما لم يكن لديه العدد الكافي من المحترفين بهذا المعنى.
و اما الاحتراف للثورية بمعنى ان ينتقل من بلد لآخر يعرض خبرته على الثوار بمختلف البلدان كما يفعل جيفارا فامر فيه نظر.
نسمع بالجندي المحترف وعمله القتال في سبيل من يدفع له الاجر وهو احتراف معروف في تاريخ الامم والجيوش المستأجرة في تاريخ الحروب ولعل الفرقة الاجنبية في الجيش الفرنسي الذي كان يعمل في الجزائر وجيش تشومبي في الكونغو من اظهر مصاديق الجيش المحترف المكون من الجنود المستأجرين.
الجندي المحترف من هذا النوع انسان لفظه مجتمعه لسبب أو لآخر فانهزم من مجتمعه الى ساحة قتال يقضي بها على صراع داخل نفسه. اما ان يكون الثوري صاحب الافكار والاهداف سالكا سلوك المحترف عارضا خدماته هنا وهناك اي يجهز ثورة وثوارا فهي نقطة ضعف لاتنسجم مع العمل الثوري بمفهومه الشائع لان الثوري بمعناه الشائع يعني الذي يعمل لتغيير الاوضاع وهذا الامر لا يتم بالانغماس في الاعمال العسكرية سواء كانت في مجال حرب العصابات ام الحرب النظامية. وانما يكون بالانتقال من مرحلة الى التي تليها فمن مرحلة التحضير للثورة الى مرحلة الثورة ثم مرحلة تطبيق المثل التي عمل من اجلها.
وجيفارا هذا اشترك بشكل فعال في الثورة الكوبية وظهرت آراؤه مطبقة في تأسيس الدولة ولاسيما في الناحية الاقتصادية ثم انتقل الى ميدان آخر من ميادين الكفاح في امريكا اللاتينية هذا الانتقال يشكل نقطة ضعف في سلوكه. فما الداعي الى هجربلد ساهم في انجاح ثورته وبناء دولته ولايزال بحاجة الى خدماته؟ قد يكون خلافه مع كاسترو هو السبب ولكن الخلاف بين اصحاب الاتجاه الواحد لايكون سببا للابتعاد والفرقة وليس هناك مجال واحد في الحياة يتشارك فيه الناس ولا يكون مجال للاختلاف في فروعه.
وعلى هذا فالاحتراف الثوري بهذا المعنى لا يصح. وفي بلادنا صادفنا مثالا فاشلا لهذا الاحتراف فمن جملة القضايا التي اثارها هواري بومدين رئيس مجلس الثورة في الجزائر بعد ابعاد احمد بن بيلا عن السلطة هو ان بن بيلا كان يستخدم خبراء سياسيين من الخارج يخططون للاشتراكية في الجزائر وكان ينفق عليهم رواتب شهرية ضخمه، هؤلاء يدعون العقائدية ويحترفون الثورة يبيعونها لمن يدفع الثمن انها معنى من معاني الانتهازية السياسية وما اكثر محترفيها هذه الايام.
وقد سرى هذا المرض الاحتراف في العمل السياسي الاجتماعي بهذا الشكل الى المسلمين فنرى عددا من القادة المسلمين الذين تربوا في احضان العمل الاسلامي الجاد تركوا البلاد التي هي مجال عملهم هربا من السلطان الجائر ثم اخذوا يجوبون العالم يعملون في اطار غير محدود من العمل العام الامر الذي يضيع هذه الجهود التي كان جديرا بها ان تبذل في نطاقها تخطيطا وفعالية، يخشى ان يشاع هذا الاسلوب من العمل ويصبح العمل الاسلامي احترافا بهذا الشكل المفتوح لمن يصيبه بعض الاذى في بلده.
ثانيا: خرافة اسمها الدعاية الصهيونية في امريكا
لعل موضوع الدعاية الصهيونية وبشكل خاص في امريكا احتل جزءا في الصحافة العربية ولاقى اهتماما اكثر من اي جانب من جوانب القضية الفلسطينية ولعله لا يوجد جانب مشوه من جوانب القضية بقدر تشويه هذا الموضوع.
وفي اعتقادي ان بداية هذا الخطأ في فهم هذا الموضوع ناتجة عن عدم تفهم ارتباط الصهيونية بالاستعمار الغربي بزعامة بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية وزعامة امريكا بعد الحرب وحتى الذين يقولون بارتباط الصهيونية بالاستعمار يقعون في الخطأ وهم يتحدثون عن الدعاية الصهيونية في امريكا وكأنها هي التي تحكم الرأي العام الامريكي وهي التي اقنعت الحكومة الامريكية بقيام اسرائيل.
ليلنتال ما زال امريكياً
وقد فهمت من المقابلة الصحفية التي اجراها محرروا الاسبوع العربي انه مازال الكثيرون من الكتاب يتصرفون في كتاباتهم وتحليلاتهم للدعاية الصهيونية على اساس فصلها عن تخطيط الدوائر الاستعمارية فكأنهم يريدون ان يفهموا ان ليلنتال وجمعية اصدقاء الشرق الاوسط والجمعيات الاخرى المرتبطة بصداقات عربية انسحبوا من ولائهم لسياسة امريكا ومصلحتها واصبحوا عربا يحملون الجنسية الامريكية والواقع ان هؤلاء يظلون امريكيين غيارى على مصلحة امريكا ـ كما يفهمونها ـ قبل كل شيء فاذا بدا منهم راي لمصلحة العرب واعتراض على قيام اسرائيل من الناحية الخلقية فانهم يتحركون في اطار المصلحة الامريكية ومستقبل علاقاتها الخارجية. والنقطة المثيرة ليس هذا الاستنتاج. ولكن الاستنتاج ان هؤلاء جميعا لايشاركوننا رأينا في قضيتنا فليس ذلك خيبة امل لفشل دعايتنا وقوة الدعاية الصهيونية ـ وانما لمخططي السياسة الامريكية والعقلية الغربية الاستعمارية تتعاون في كيفية استغلالنا.
ان الدعاية العربية تستطيع الاستفادة من هذه الانتقادات وهي في حدود تحليل القضية الصهيونية وشجبها، ولكنها لاتستطيع ان تعتبرها جزءا لايتجزء من دعايتها. وتطابق آراءها تماما. انني في الواقع لست مهتما في هذا المقال بالحديث عن وسائل الدعاية الناجحة ومناهجها ولكني مهتم كثيرا بالتأكيدعلى ان الدعاة الصهيونية والحركة الصهيونية وقيام اسرائيل جزء لايتجزء من مخططات الاستعمار الغربي لتفتيت الشعوب واستغلال خيراتها.
ولخطورة هذا الموضوع، ارتباط الصهيونية بالاستعمار وبمصالحه وبتخطيطه لفهم القضية الفلسطينية بسبب ماينتج عنه من مبالغات وانحرافات في فهم الدعاية الصهيونية تعقد هذا الموضوع واصبحت له جوانب كثيرة تبدو وكأنها بديهيات لاتدحض.
ساحاول سرد بعض الآراء. اقصد بذلك وضع الدعاية الصهيونية في امريكا في موضعها الصحيح.
مدرسة نوري السعيد ولؤم الاستعمار:
هناك مدرسة سياسية كان يتزعمها نوري السعيد وما زال تلاميذ مدرسته يدعون اليها، وتتلخص تعاليمها بـ
”صداقة العرب للغرب القوي لاقناعه بوجهة نظر العرب وارتباط مصالحه في منطقتنا العربية بمصالحنا وليس مع اليهود وحين ينام الاستعمار يوما ما نوما هادئا سيفيق متقبلا وجهة النظر هذه وينفض يديه من اسرائيل“
ويقول المشتغلون بالدعاية الصهيونية ان الشعب الامريكي مضلل بالدعاية الصهيونية وانه عندما يعي هذا الشعب الطيب حقيقة الموقف في قضية فلسطين نتيجة الدعاية وغيرها سيقف هذا الشعب القوي الى جانبنا. هذه مواقف متشابهة تقوم على تقدير الضمير الغربي، المتحرر، وعلى الاعتقاد بان الشعب الامريكي والرأي العام الامريكي هو الذي يرسم علاقات بلاده مع الشعوب الاخرى فمن يصل الى هذا الضمير ويفهم الحقائق يفوز بصداقة تلك الدولة فتعدل موقفها وتقف الى جانبه.
التهويل في الحديث عن الدعاية الصهيونية:
في الجامعة الامريكية في بيروت مازال المستمعون فيها الى سلسلة المحاضرات التي القاها الدكتور فايز صايغ عن الدعاية الصهيونية يتذكرون مهارة الدعاية الصهيونية في السيطرة وعلى الاقل في التأثير القوي على السياسة الامريكية.. فقد وصف الدعاية الصهيونية في حديثه نقلا عن الصحفي الامريكي جميس وستن ـ بانها تسبق الاحداث وان الدعاية العربية تلهث وراء الاحداث ـ وتحدث في محاضراته عن المجلة الامريكية الشهرية الوحيدة والمجلة الاسبوعية الوحيدة المهتمة بالشرق الاوسط والمجلة الدينية الوحيدة بانها كلها تمول من المجلس الصهيوني الامريكي ثم تحدث مبينا خطورة الدعاية الصهيونية في امريكا بتخلصها من المعارضة وبوصولها الى الفئة القليلة الواعية التي توجه السياسة الامريكية. وليس هذا التهويل في موضوع الدعاية الصهيونية على الشعب الامريكي بحديث خاص للدكتور صائغ ففي الصحف اليومية وفي الكتب الكثيرة التي تتحدث عن امريكا نجد دوما الاحاديث عن احكام الدعاية الصهيونية وامساكها بالرأي العام الامريكي وتحكمها بوسائل النشر والمال والسلطة بحيث لو اراد المتتبع للاحداث ان يصدق هذا بدون تحليل اعمق فسيشعر بالكارثة التي تحيق بالشعب الامريكي نتيجة تحكم الاقلية اليهودية بل وسيبكي بحرارة على هذه الدولة الكبرى المسخرة لخدمة الصهيونية ويأتي بباله ان يقيم حلفا مع الامريكان ـ حلفا سريا جدا ـ للتخلص من الصهيونية عدونا وعدو الامريكان المشترك ومن يدري ـ فلماذا لاتكون اذن حرب امريكا في الفيتنام واصابعها الملوثة بالدماء والممتدة في معظم اقطار الدنيا التي استطاعت ان تصل اليها كان ذلك نتيجة للنفوذ الصهيوني في امريكا!؟
مكان الدعاية الصهيونية من المخططات الاستعمارية.
ولما كان هذا الموضوع ليس عن السياسة الامريكية بشكل عام لذلك فسأعود بحديثي عن الصهيونية مبتدئا بنبذة تاريخية قصيرة يعرفها كل المشتغلين بالدعاية الصهيونية واللاهثين وراء الاحداث ولعلنا بعد هذا العرض نعرف كيف نضع الدعاية الصهيونية في مكانها الصحيح وهو اساس حديثنا.
اعطي وعد بلفور سنة ١٩١٧م لليهود من حكومة بريطانيا وليس من امريكا حيث ملايين الاصوات من الناخبين اليهود والدعاية الصهيونية. وكانت مهمة الانتداب البريطاني كما وردت بصراحة في صك الانتداب تتضمن تهيئة فلسطين لتكون في وضع يمكن اليهود من اقامة دولتهم فيها. فالاستعمار البريطاني هو الذي اعطى وعد بلفور وهو الذي حكم فلسطين حكما استعماريا مباشرا ثلاثين سنة عمل فيها بكل الوسائل لاقامة دولة (لليهود) على اشلاء شعب فلسطين رغما عن تقارير اللجان البريطانية المتتابعة التي تتحدث عن ظلم السياسة البريطانية للعرب وتحيزها لليهود وخطورة هذا التحيز على مستقبل العلاقات العربية البريطانية ـ واضاف هنا ان يستغرب المشتغلون بالاحاديث عن الدعاية الصهيونية من زج موضوع الانتداب لدحض حججهم اذ قد يعتبرون ان الدعاية الصهيونية ووايزمن بالذات هو الذي اثر على السياسة البريطانية ووجهها نحو اقامة اسرائيل وبذلك تكون المشاكل الاستعمارية في بلادنا من صنع النفوذ الصهيوني سواء من الاستعمار البريطاني أو الامريكي.
نستنتج من هذا ان مشاكل فيتنام وكوريا ولاوس والمانيا وبرلين وخلق ماليزيا واتحاد الجنوب العربي وتفتيت الدول العربية بعد الحرب العالمية الاولى هي من صنع النفوذ الصهيوني العجيب داخل الدوائر الاستعمارية وهو الذي نصب بريطانيا منتدبة على فلسطين لتعمل على اقامة حكم صهيوني فيها؟..واذا فقد محدثو الدعاية اعصابهم على هذا التجني وتحميل الدعاية الصهيونية والنفوذ الصهيوني فوق مايحملونه، فانني افقد المنطق حين اسمع من المتحدثين عن الدعاية الصهيونية نسبتهم الى الاستعمار كل الجرائم الاستعمارية الآنفة الذكر ولكنهم يريدون للاستعمار منطقا آخر في تقسيم فلسطين واقامة اسرائيل وهو منطق الدعاية الصهيونية ومنطق شفقة الدوائر الاستعمارية على ضحايا النازية.
ولننظر الآن الى الاستعمار نظرة هادئة ونرى دوله واساليبها فنجدها عبارة عن سلسلة مؤامرات ماكرة خبيثة نفذت على اراضي الدول المستعمرة لنهب خيراتها وخلق قواعد نفوذ فيها توجه تلك المناطق لخدمة الاغراض الاستعمارية.
كيف ارتبطت الحركة الصهيونية بالاستعمار؟
والجملة المشهورة التي تنطبق على الدولة الاستعمارية الاولى (بريطانيا) (اذا حكمت بريطانيا بلدا مائة سنة فحكمها يمتد مائة سنة اخرى) هذه الجملة تصف ببساطة مخططات الدول الاستعمارية البعيدة المدى. هذا بالاضافة الى ما ذكرت آنفا، من ان تجزئة الاوطان وتغيير الخرائط في البلدان التي يحكمها الاستعمار هي امور استعمارية معروفة يود اصحابنا من خبراء الدعاية الصهيونية نسبتها الى الدعاية الصهيونية والنفوذ الصهيوني القوي وقد يقبلون تفسير مشاكل فيتنام ولاوس والمانيا. التي اشرنا اليها على انها مشاكل استعمارية وعندما يبدؤون بالحديث عن فلسطين فلا يضعوا الاستعمار في الاول ويقحمون موضوع الصهيونية ويحملونها اكثر مما تحمل بكثير مما يسيء الى فهم القضية وعلاجها قد اكون قد نسبت الى اصحاب الرأي والفكر من خبراء الدعاية جهلهم بابسط امور السياسة الدولية ومن منهم يذكر ان بريطانيا وامريكا دول استعمارية تبحث عن قواعد لها في كل بلدان العالم وتتدخل باستمرار وبمختلف الوسائل لتبقى تلك البلاد تحت رحمتها وفي فلك سياستها.. ان تلاميذ الصفوف الابتدائية يفهمون هذه القضايا الاستعمارية اذن اوجه السؤال مرة اخرى لماذا لاتوضع قضية الدعاية الصهيونية في مكانها الطبيعي المتناسق مع السياسة الاستعمارية البريطانية والامريكية وهي دعاية مسخرة لخدمة الاغراض الاستعمارية في فلسطين؟…لماذا التهويل في قيمة هذه الدعاية واظهارها وكأنها الاسلوب العلمي السحري الذي غلب اليهود به العرب فنالوا حظوة الامريكان وصداقتهم.
اما اذا كان المتحدثون عن الدعاية الصهيونية يقصدون اثرها على الرأي العام الامريكي فانهم هم انفسهم يتحدثون عن عدم اهمية الرأي العام الامريكي. وحتى الدكتور الصائغ يقول في محاضراته التي اشرنا اليها انه لايوجد رأي عام في امريكا ويوضح ذلك بقوله ان غالبية الامريكان لا يعون ولا يهتمون بالمشاكل الخارجية، ولكن اقلية من السكان هي التي تهتم بهذه الامور ومن هذه الاقلية جزء صغير يصنع الرأي العام، ويستشهد الدكتور الصانع على صحة ذلك بتقاويل امريكية.
وهذه القلة بالطبع تعي مصالح امريكا واهمية علاقاتها مع البلاد العربية كما كانت ولا تزال الفئات البريطانية التي تحكم تعي مصالحها ايضا ولا تأبه تلك الفئات بتقارير لجانها التي ارسلت لفلسطين وحذرت من نتائج اقامة اسرائيل على العلاقات الغربية العربية.
والآن بقى سؤال. لمن توجه الدعاية ولمن يوجه الصهيونيون دعايتهم وما اهمية ذلك؟ فالرأي العام غير مهتم وغير واع وبالنتيجة غير مؤثر على السياسة الامريكية والقلة صاحبة الرأي تعي مصالحها فهل نقوم بالدعاية لتغيير حكام امريكا، أو لاحداث ثورة لدى عامة الشعب الامريكي لجعله يعي مصالح بلاده مع العرب كما نفهمها نحن، وهي عملية تاريخية لا يقوى عليها بالطبع سوى الشعب الامريكي نفسه في المستقبل.
بعد هذا العرض لعلاقات الدول العربية بالدول الاستعمارية، وهذه الصهيونية وموقف المهتمين بالدعاية الصهيونية من هذه العلاقات نستطيع ان نلخص الموضوع بالملاحظات التالية:
-
الصهيونية كحركة سياسية بدأت بالقرن التاسع عشر ابان سطوة النفوذ الاستعماري وانتشاره. لا أقول هذا لاستنتج بان الصهيونية حركة استعمارية فقط لا مميزات لها وليس لها مبررات تاريخية ولكن للربط بين الحركة السياسية والمرحلة الاستعمارية السائدة في القرن التاسع عشر لمعرفة مدى تأثير هذه الحركة وتأثرها بالاستعمار.
-
الصهيونية وزعماؤها تفهموا المطامع الاستعمارية واساليب التخطيط الاستعماري وشكلوا حركتهم لخدمة هذا الاستعمار من جهة ولتحقيق اهداف خاصة (لليهود) من جهة اخرى. ولكن كل جهودهم صفرا ومهملة لو لا كونها مرتبطة بخدمة الاستعمار وبتشجيعه وتأييده.
-
الاستعمار يبحث عن منافذ يتسلل منها الى الدول المتخلفة، وقد وجد الاستعمار في الحركة الصهيونية منفذا وقاعدة يحقق بها اغراضه بتفتيت المنطقة العربية وامتصاص جهود اهلها. فكانت الصهيونية شكلا من اشكال الاستعمار المتعددة. بل انه جاء على اخطر شكل بحيث استهدف خلق دولة في وسط العالم العربي لشطره وطرد السكان مستبدلا اياهم بغرباء اجانب لاعطاء تلك القاعدة صفة دولة تاريخية فيبقي على شق العالم العربي واضعافه الى اطول مدة يستطيعها.
-
وبحكم وجود اسرئيل مرتبطة ومعتمدة على الاستعمار وفي وسط منطقة عربية معادية لهذا العدوان على ارضها فانها ستبقى منفذة لسياسة الاستعمار حتى تضمن دعمه وتأييده وبالتالي فوجود اسرائيل بحد ذاته يخدم الاستعمار. اذ يفتت البلاد العربية ويستنزف قواها كما اشرنا الى ذلك في اكثر من موقع فتبقى البلاد العربية ضعيفة في معاركها مع الاستعمار من اجل البترول ومن اجل الاستغلال الاقتصادي.
-
في اي قضية استعمارية يحاول الاستعمار اضفاء الشرعية على اجراءاته وفي قضية اسرائيل يتحدث عن تاريخ اليهود القديم كأن الاستعمار كان وصيا على المصالح القومية المدعاة. وكذلك يتحدث عن عقدة الذنب في ضحايا النازية وهي ضحايا حدثت في اوربا ومتأخرة عن وعد بلفور.. وعقدة الذنب غير موجودة وياللعجب في المانيا الشرقية.
-
ان اليهود بحكم شعورهم بالتفوق وعدم ذوبانهم في الشعوب التي يعيشون فيها سبب لهم اضطهادات وهذا التاريخ الاضطهادي خلق شعورا مشتركا بين اليهود وكان مادة اساسية استغلتها الحركة الصهيونية وبهذا فقد خدع اليهود مرة اخرى بان انتقلوا من خطر كان من الممكن انهاؤه بالذوبان الى خطر مباشر بسبب اشتراكهم العدواني مع الاستعمار (ليكونوا قاعدة له) على ارض عربية وشعب آمن فاصبح مستقبلهم في وضع اخطر مما كانوا عليه..
وهذا وضع يدركه الاستعمار ولكنه لايبحث وراء ايواء اليهود ومصالحهم بل يفتش عن مصالحه الخاصة.
-
ان الاستعمار هوالذي يوجه ادوات الاعلام ووكالات الانباء في خدمة هذا المخطط الاستعماري والترويج له. وليست الدعاية الصهيونية الا جزء من الدعاية الاستعمارية فهل نستغرب بعد ذلك ان تكون للصهيونية اجهزة دعاية ضخمه وسط البلاد الاستعمارية اجهزة دعاية لا تنافس الدعاية الاستعمارية بل تتعاون واياها بتخطيط استعماري مشترك. وظاهرة الفصل بينهما جزء من حملة دعائية لاعطاء (الوجود الشرعي المستقل للحركة الصهيونية) سواء امام الرأي العام في امريكا أو في البلاد العربية. لعله يبدو بعد ذلك ان الامريكان كانوا فريسة دعاية صهيونية ماكرة بينما كان العرب لا يحسنون الدعاية ويضيف بعد ذلك الامريكان؟ ايها العرب لقد اخطأنا في فهم قضيتكم والآن ما حدث قد حدث ما رأفوا بوحدة الشعب الامريكي باقتصاده وثقافته فهي في ايدي اليهود الذين يوجهون الرأي العام الامريكي واشتغلوا بدعاية مضاده لبلدنا فبلدنا ديمقراطي مفتوح للجميع.
-
هذا هو واقع الدعاية الصهيونية وسرقوتها الرئيس والذي بدونه لا قيمة لها ويسهل بعد ذلك ان نفهم لماذا يستولي الصهيونيون على وظائف دعائية في امريكا بشكل خاص. فالصهيونيون كاصحاب حركة استعمارية وكمسؤولين امام يهود العالم ادبيا اكثر حماسا وحركة من الامريكي العادي في التعبير عن وجهة النظر الاستعمارية في فلسطين وان ذلك يعطي ايضا الصفة الاستقلالية للصهيونية امام الرأي العام كما اشرنا الى ذلك.
-
الحديث عن الدعاية الصهيونية بدون ربطها بالاستعمار واجهزة اعلامه بشكل واضح لا معنى له. ونسبة قوة الدعاية الصهيونية في امريكا وكثير من اجزاء العالم الى الصهيونيين مفهوم ناقص. ففي افريقيا تروج الدوائر الاستعمارية للصهيونية وهذه الدوائر تمد الصهيونية بالخبرات لتنفيذ خططهم وفي كل بلد فيه نفوذ استعماري تجد فيه بشكل عام نفوذا صهيونيا. فلا الغزل مع الامريكان ولا استعطافهم كشعب له اهمية ولا التقرب للامريكان كحكام سيغير ارتباطهم بالصهيونية لان المعركة مع الصهيونية معركة مع الاستعمار وستتخذ الشكل الخاص الحامي على ارض فلسطين ولكنها ستمتد الى ابعد من ذلك حيث يوجد نفوذ استعماري على وجه الارض سواء كان نفوذا امريكيا أو نفوذا بريطانيا،
وسواء كان الحديث عن سحر الدعاية الصهيونية وقوتها صادر عن ضعف الرأي او نية مبيتة. فنتائج خطر هذا الحديث مفصولا أو مستقلا عن الدعاية الاستعمارية واحدة.
ثالثا: عن المذكرة التي قدمتها حركة التحرير الفلسطينية (فتح)
في فلسطين منظمات واحزاب كثيرة ابرزها حركة التحرير الفلسطينية التي ترمز الى نفسها بكلمة فتح وهذه الحركة هي التي تشرف على فرق العاصفة التي تدخل الى داخل اسرائيل وتضرب هناك ثم تختفي.
وهناك منظمة رسمية تعترف بها الدول العربية وبعض الدول الاخرى هي منظمة التحرير الفلسطينية التي انبثقت من مقررات مؤتمر القمة العربي الاول الذي عقد من اجل انقاذ سمعة القادة العرب ازاء تخاذلهم امام اسرائيل عندما نفذت مشروعها الخاص على نهر الاردن وتحويل مياهه الى صحراء النقب لاعمارها وترك بقية المياه غير الصالحة كثيرة الاملاح تذهب الى الاردن.
وهذه بعض الفقرات من المذكرة التي قدمتها (فتح) الى المؤتمر الثالث لاقطاب العرب رؤسائهم وملوكهم…
ان المنطلق الاساسي لوجود الحركة اصلا هو الايمان الجازم الذي لايقبل الشك ولا التعديل بان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير الارض السليبة..
ان الحركة وبكل صراحة لاتنتظر ابدا ان يأتي يوم تعلن فيه الدول العربية بدء معركة التحرير أو الحرب الحقيقية على اسرائيل لا بسبب من ظروفها وارتباطاتها الخارجية بل بسبب طبيعة الحكم والاوضاع الداخلية التي يحرص الاستعمار على بقائها في جو من التخلخل والتضارب والعجز يجعلها تميل دائما الى تأجيل المعركة الى ما لا نهاية له..
تجزم الحركة ان المعركة يجب ان تكون اليوم لا غد وان تأجيلها المتلاحق لا يفوت على العرب فرص النصر فحسب بل يفوت عليهم فرصة خوض المعركة اصلا لان التذرع المقبل باحتمال حصول اسرائيل على القنبلة النووية أو غيرها من الاسلحة ذات الطاقات فوق العادة سوف يشكل منطقا قائما بذاته لدى الانهزاميين الذين يتكاثر عددهم يوما بعد يوم مع تكاثر الفواجع وخيبات الامل في الوطن العربي..
اما الاحتجاج بمنظمة التحرير الفلسطينية من اجل تفنيد منطق العاصفة فجوابنا عليه هو اننا حاولنا منذ البدء ان نكون ايجابيين مع المنظمة واشتركنا في اجهزتها كما اشترك سائر الفلسطينيين، وعملنا على اعطائها دفقة الحياة المطلوبة ولكن الايام اثبتت ماتوقعناه وتوقعه الكثيرون من ان المنظمة وهي وليدة مؤتمر القمة سترث من هذا المؤتمر لحمه ودمه، وسوف تنعكس عليها طبيعة التناقضات التي تكشفت عنها فيما بعد، ونحن لانود الخوض في موضوع منظمة التحرير التي تتحاشى دائما ذكر اقل مايمكن ان يكون له صلة بمخططنا ومنهاجنا وعلى اية حال مهما اختلف الرأي النظري في المنظمة فان الواقع العملي يقول: ان المنظمة بصرف النظر عن طبيعة اعدادها للمعركة المقبلة، انما تهيئ نفسها لمعركة بعيدة الامد، وليس في طبيعة عمليات الاعداد الجارية فيها ما ينبئ بالاستعداد لمعركة قريبة وهذا وحده لايتفق ابدا مع منطقنا الذي اصبح واقعا عمليا في بطاح فلسطين.
ولاننا نؤمن بان ارض المعركة هي وحدها الكفيلة بخلق القيادات السليمة يضاف الى ذلك ان المنظمة لما لم تجد طريقا لمنع التحويل الصهيوني لمياه الاردن انتهت الى تحويل الانظار عن هذه المشكلة المصيرية التي اصبحت امرا واقعا امام الروح الانهزامية التي سادت الصف العربي ولم يتصدلها الا قواتنا باعمالها الفدائية داخل (ارضنا المحتلة) باعتراف العدو نفسه..
حول الموقف العربي من العاصفة:
منذ انطلقت طلائع التحرير في شهر كانون الثاني من هذا العام لاحظت حركتنا بمرارة واسى ان موقف الحكومات العربية من نشاطها لم يكن موقفا سليما ومنذ الانطلاقة الاولى سقط شهداء من العاصفة برصاص الجنود العرب في الارض المحتلة وبدأت موجات الاعتقالات والارهاب في منطقة القطاع والارض الفلسطينية التي تسيطر عليها الدول العربية واستعملت مخابرات بعض الدول العربية مع افراد العاصفة شتى الاساليب التي تستعملها مع الجواسيس والمهربين والاشقياء ومع اننا كنا نتوقع مثل هذه المواقف الا اننا فوجئنا فعلا بانه موقف حاد معاد مائة بالمائة ولاسيما من قبل انظمة الحكم في اكثر الدول العربية المجاورة لفلسطين مع شيء من التفاوت فيما بينها.
وهكذا عومل الابطال الاشداء معاملة المجرمين والاشقياء، واثبتت لنا هذه التجربة ان هناك عددا من الحكام العرب لايروق لهم ان يتولى الشعب الفلسطيني قيادة معركته بل اصبحنا في شك من ايمانهم اصلا بوجوب خوض معركة التحرير ومن هنا بدأنا نتساءل كيف يمكن لنظام حكم يقاوم ثورة التحرير القائمة ان يعمل من جهة اخرى على خلق منظمة التحرير. كما اصبحنا نتساءل بامر من ولمصلحة من تجري كل هذه الامور.
وقد سكتت حركتنا عن هذا الموقف العدائي العجيب وحاولت تداركه بالاتصالات الشخصية وباعطاء براهين على حسن النية تجاه انظمة الحكم العربية ولكن دون جدوى.
حتى حملت الانباء في مطلع ايلول ان دولة عربية مجاورة لاسرائيل حظرت على الصحف نشر بلاغات العاصفة وكل مايتصل بعملها سواء اكان مصدره وكالات الانباء العالميه حتى ولاتلك التي يذيعها العدو نفسه. فاذا علمنا ان نشر انباء العاصفة محظور في مناطق عربية اخرى متاخمة لاسرائيل عرفنا تماماً ان هناك حكومات عربية لاتكتفي بالتخاذل والتخلي عن واجب التحرير بل تضطلع مع العدو في خطة لخنق العاصفة اعلاميا بعد ان اخفقت اجهزتها في خنق الاعمال البطولية التي يقوم بها شباب العاصفة الذين حرموا من مرتكز الانطلاق ومن المواصلات ومن السلاح المكدس في مخازن الدول العربية.
ومما يحز في النفوس ان نرى دولا عربية تقوم باجراءات وتخطيط عملية مع العدو نفسه لمقاومة وملاحقة فدائيينا. ولخنق شعبنا.
ايها الاقطاب نستميحكم عذرا لهذه اللهجة ولكننا نؤكد لكم اننا قررنا منذ اليوم عدم السكوت وقد ضبطنا اعصابنا مدة تسعة اشهر كان نتيجتها دائما مزيدا من الضغط ومحاولة احكام الطوق حول قوة العاصفة ونشاطها…وبعد كل ما وضح لنا من نوايا خبيثة مخططة للقضاء على ثورة شعبنا بدلا من مساعدتها ومؤازرتها.. اننا مصممون على حماية ثورتنا..
..لا نقبل سوى خطوات عملية للتداول على حسن النوايا…ونرى ان تلك الخطوات تتمثل فيما يلي:
الكف عن ملاحقة قوات العاصفة في مختلف الدول العربية المجاورة أو غير المجاورة لفلسطين واطلاق سراح المعتقلين دون تردد.
الغاء الحظر المضروب على قوات شباب العاصفة في كثير من الدول العربية.
عدم التعرض لرجال العاصفة اثناء قيامهم بعملياتهم الفدائية أو اثناء اضطرار قوات العاصفة في الارض المحتلة للالتجاء الى الدول العربية المجاورة نتيجة لظروفهم الصعبة مع العلم بان الاوامر تفرض عليهم عدم اللجوء الى هذه الطريقة الا بعد استنفاد كافة الوسائل الاخرى.
قيام الدول العربية بالدفاع عن اسرى العاصفة في اسرائيل بمختلف الوسائل المعروفة.
نحن نؤمن بان معركة فلسطين صعبة ودقيقة ومتداخلة الابعاد..ولكن هذا الايمان لن يمنعنا عن مواصلة ثورتنا وحمايتها..