حول مرحلتنا الحاضرة

صدرت في ٦ جمادي الاولى ١٤٠١ هجري

قام عمل الدعوة منذ خطواتها الاولى المباركة على خطة العمل المرحلي لأنه جزء من طبيعة حركة الدعوة في الامة ونموها التدريجي على سنة الله تعالى في الاشياء والامور.

وقد اختارت الدعوة تقسيم مراحل عملها الى اربع وسمتها: التغييرية، والسياسية، والثورية، والحكمية.. وساهم هذا التقسيم في توضيح خط الدعوة للدعاة، ولم يطرأ عليه تعديل سوى استبدال اسم المرحلة الاولى التي كانت تسمى الانقلابية والفكرية ومرحلة البناء باسم ”التغييرية“ استهداء بالتعبير القرآني: إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وتؤكد الدعوة على ضرورة بقاء مفاهيمها ومصطلحاتها المبلورة عملا بقاعدة: ”فكرنا صحيح حتى يثبت خطؤه، وواضح حتى نجد ماهو اوضح منه“ ونعتبر ان الشبهات التي تثار حول الافكار والمفاهيم والمصطلحات التي توصلنا اليها وسرنا عليها وجنينا منها كل خير، مالم تثبت الخطأ، أو تأتي بالاصح فهي خطوة الى الوراء واتجاه من الوضوح الى الغموض ايا كان مصدرها.

ومع اعتقادنا بصحة التقسيم المرحلي لمسيرتنا فقد اكدت الدعوة على الدعاة ان يستوعبوا مضمون مراحل سير الدعوة كي لا يؤثر على وعيهم بعد ذلك اختلاف التقسيمات والاسماء، فالتقسيم المرحلي لعمل الدعوة هو تعبير عن واقع وان اختلفت الاعتبارات. كما تقسم حياة الانسان الى مراحل كثيرة أو قليلة باختلاف الاعتبارات.

كما ان تداخل الزمن في حياة الدعوة قد يضفي غشاوة رقيقة على بعض الفترات التي يمكن ان نطلق عليها اسم: فترات التداخل أو فترات الانتقال.

اصدرت الدعوة حول المراحل عدة موضوعات وبحوث كان آخرها بحث: المراحل في سلسلة ”توضيح بعض المسائل التنظيمية في العدد ”٢٥“ من (صوت الدعوة) بتاريخ شوال ١٣٩٨ هجري وبحث (المرحلة السياسية) في العدد ”٢٨“ بتاريخ رمضان ١٣٩٩ هجري.

جاء في مقدمة بحث المراحل في العدد ”٢٥“:

”ان اول نشرة تنظيمية كتبت لتنير طريق العمل كانت موضوع المراحل، فقد اجتمعت النواة الاولى للدعوة في حلقة لتبحث كيفية سير الدعوة، وقد تبلور الموضوع بنقاش اشترك فيه الجميع بدرجة من الاستيعاب تلفت النظر. ثم كلف احد الاعضاء بكتابة الموضوع.. وهكذا فان العديد من الافكار التنظيمية التي هي الآن من بدائه عملنا خرجت الى النور بعد معاناة ونقاش.

وكانت الكتابة الثانية للمراحل من قبل الشهيد السعيد أبي عصام رضوان الله عليه بعد ان تبلورت لدى الدعوة مفاهيم وتصورات جديدة في الموضوع، ثم كتب الموضوع مرة ثالثة، وها نحن نكتبه من جديد“

انتهى.

واليوم نلمس الحاجة الى القاء مزيد من الضوء على مرحلتنا السياسية التي نقطع خطواتها بتضحيات وآلام كبيرة، وتقرب الى الله تعالى أكبر، فقد تسببت الهجمة الاستعمارية الشرسة لابادة الدعوة في اقليم العراق وتأثيراتها على بعض المجاهدين والمهاجرين، ونقص الاطلاع على فكر الدعوة.. تسبب ذلك في وجود التشوش في بعض الاذهان، وظهر من بعض الدعاة في الساحة المجاهدة وخارجها تساؤلات عن موقفنا الآن من المرحلة السياسية. كما ظهرت بعض الافكار الغامضة والمشوشة.. ويتضمن البحث المواضيع التالية:

  • مقدمة عن بداية المرحلة.

  • التأكيد على مرحلتنا الحاضرة.

  • ظواهر حدثت في الدعوة وفي الامة وفي الاعداء.

  • تغييرات محتملة في الاقليم العراقي وموقفنا منها.

بداية المرحلة وبعض الظروف المحيطة بالدعوة

كانت الدعوة تمر في اقليم العراق في فترة انتقالية الى المرحلة السياسية، فقامت باحصائيات تتعلق بأعداد الدعاة وانتشارهم الجغرافي والبشري ومراكز تأثيرهم على الامة، من اجل تكوين فكرة دقيقة عن قدرتها.. واتجهت بعد ذلك الى تنمية طاقتها في الظروف الصعبة فوضعت خطة هادئة تتناسب مع الضغوط المستمرة على امتنا العزلاء، وكان من جملة الخطة دراسة ”رسالة المسجد“ التي بدأ الدعاة بتطبيقها، ومن جملتها طرح قضية حرية الانسان في العراق وقد بدأ الدعاة بتحريك أشخاص من أوساط الامة لتبني القضية وطرحها، وانتشرت بعض اشرطة الكاسيت حول حرية الانسان.. الخ.

كان ذلك عام ١٣٩٧ هجري حيث كانت حملات الاعتقال على الدعاة بين مد وجزر، وتعاطف الامة مع الدعاة ينمو ببطء والسلطة العميلة تمر بفترات قوة وضعف تبعا لقوة الاسناد الاستعماري لها والوضع الداخلي بين المجموعة المتسلطة. وقد دلت مجموع المؤشرات ان على الدعوة ان تعمل لاستكمال الهدف النهائي للمرحلة الاولى وليكون ذلك بنفس الوقت خطوات تدريجية نحو رحاب المرحلة الثانية. ولم تأبه الدعوة لمناقشة البعض في هذه الخطوات والتوجه الى المرحلة السياسية ممن لم يشاركها في رؤية الواقع.

وفي مطلع عام ١٣٩٨ هجري بدأت انتفاضة المسلمين في ايران وسرعان ما أظهرت سلطة البكر العميلة موقفها الى جانب الشاه وطلبت من الامام الخميني مغادرة العراق، واخذت تحسب حسابا لتأييد المسلمين في العراق للثورة الاسلامية الايرانية، اذ بدا ذلك واضحا في اوساط الدعوة والامة على رغم التحفظ من قبل بعض اوساط الحوزة والمتدينين القاعدين.

ولكن السلطة عملت اول الامر ـ على عدم اظهار عدائها للثورة الاسلامية تمشيا مع المراعاة الاستعمارية لموجة التأييد العامة للثورة، وانشداد انظار المسلمين وانظار العالم الى احداثها المتلاحقة.. فقد غضت السلطة النظر عن بعض مظاهر تأييد الثورة في المساجد والحسينيات والاسواق والشوارع وبعض المناقشات التي كان يوجهها الدعاة والمسلمون الى البعثيين وازلام السلطة في المؤسسات والندوات الحزبية حول موقفهم من الثورة الايرانية.

واستثمر الدعاة هذه الاجواء لبعث الامل في نفوس الامة بعودة الاسلام وتوسيع تعاطفها مع الدعوة، وكان ذلك نافعا في استكمال هدف المرحلة التغييرية والتهيؤ للمرحلة السياسية.

وعندما انزل الله النصر على عباده في ايران أصيب المستعمرون بهزة شديدة في مراكزهم ومناطق نفوذهم في العالم، وظهر أكثر من اي وقت مضى عزلة السلطة العميلة اذ اندفعت الامة تعبر عن فرحتها العميقة باساليب مختلفة بينما كانت السلطة في واد آخر من الخوف والقلق الشديدين.. وكان اقدامها على وضع الجيش في انذار من الدرجة القصوى تدبيرا احترازيا من تحرك قد تقوم به الامة.

بدأت السلطة واتباعها عن طريق وسائل اعلامهم واحاديثهم يقللون من اهمية الثورة ويغمزون من قناتها وأخذوا يتعرضون لمن يظهر التأييد لها بالاهانة والاعتقال..

ولم تمض شهور قليلة على انتصار الثورة حتى عادت مظاهر الارهاب والقمع وحملات الاعتقال والتعذيب واتسعت، الى ان قامت السلطة باعتقال الشهيد الامام الصدر رضوان الله عليه في رجب ١٤٠٠ هجري.

وهذه صورة تبين وضع السلطة والامة بعد انتصار الثورة الاسلامية ننقلها من العدد (٢٧) من الصوت للفائدة:

كثرت زيارة المسؤولين الى المدن والقرى والارياف بعد انتصار الثورة الاسلامية المجيدة.. واظهروا الاهتمام بالخدمات العامة والتودد الى المسلمين. وفي احدى الزيارات سأل مسؤول كبير احد الجنود قائلا: اذا امرك الخميني بالجهاد فهل تجاهد. فقال الجندي: لا سيدي. فأبدى الحاكم العميل ارتياحه.

امرت السلطة افراداً من الأمن والشرطة بشراء الاسلحة من المسلمين في مناطق واسعة، وبدأوا بعملهم بصفة تجار سلاح وباسعار مرتفعة حيث بلغ ثمن البندقية عشرة اضعاف في بعض الحالات، وذلك خوفا من المسلمين وبهدف تجريدهم من السلاح.

ترسل السلطة بين آونة واخرى على المتدينين من جميع الاعمار وتسألهم عن الثورة الاسلامية وعن رأيهم فيها وتأثيرها فيمن حولهم على شكل افراد ومجموعات.

زادت من مراقبتها للمتدينين البارزين وجعلت احيانا لكل متدين عنصر مخابرات يراقبه، وكذلك لكل مسجد وحسينية اكثر من عنصر من عملائها وبعضهم يعمل خادما للمسجد أو مؤذنا أو خادما للعالم أو صديقا، وبعضهم يظهرون التدين ويلتحون ويظهرون العداء للسلطة ويعتقلون ثم يطلق سراحهم لاتمام دورهم ومن هؤلاء المدعو.. والذي يتنقل في مناطق من البصرة وبغداد.

زادت السلطة من عطائها لكل من يقبل منها من العلماء والخطباء والوجهاء ورؤساء العشائر من الاموال والهدايا تحت اسماء كثيرة.

في ندوة حزبية لافراد القوة الجوية في.. سأل احدهم المحاضر عن رأي الحزب في الثورة الاسلامية فلم يجب، فتعدد الكلام بين مؤيد ومعارض مما أدى الى اعتقال مجموعة من المؤيدين للثورة الاسلامية ثم اطلق سراحهم.

تزايد الاقبال على الصلاة نساء ورجالا كبارا وصغارا بالرغم من اشاعات اعتقال المصلين في المساجد. وتزايد الاقبال على الصلاة والاستماع الى اذاعة الثورة الاسلامية في المعسكرات خاصة بين نواب الضباط والعرفاء والجنود.

تزايد الاقبال على الكتاب الاسلامي بشكل ملحوظ. وانتشر استعمال الاشرطة الدينية.

يستمع المسلمون من كل فئات المجتمع الى الاذاعة الاسلامية بفرح وعلانية. كما وزعت اعداد كبيرة من صور الامام الخميني اعز الله نصره ووصل سعرها بالسوق السوداء الى مبلغ كبير.

تعميم داخلي من السلطة لأعضاء حزبها المزعوم

  1. اشيعوا بين الناس ان الثورة القائمة حاليا في ايران ما هي الا رد فعل للخميني على مقتل ابنه مصطفى، فبعد ان قتل اراد الانتقام من الشاه. لذلك فهي ثورة ليست اسلامية وليس لها ابعاد سياسية وانما هي ثورة مزاجية تعتبر ردة فعل على عمل قام به السافاك ”الامن الايراني“.

  2. عليكم بمراقبة اتصال الشباب المتدين برجال الدين المعممين، وحاولوا بكل الوسائل فصلهم عن رجال الدين وعن الالتقاء بهم والتحدث اليهم.

  3. راقبوا الجوامع جيدا وراقبوا مايجري فيها وسجلوا تحركات الاشخاص ولاتدعوهم يلعبون ادوارا في اي منطقة كانت.

  4. اشيعوا بين الناس ان الشعب الايراني شعب جسر لايبالي ولايخضع للقوانين والانظمة ولايزال على تقاليده الرجعية البالية وما زال في خضوعه للقيادات الدينية الرجعية.

  5. اشيعوا بين الناس ان الشعب الايراني شعب همجي غير مثقف وليس له اي اساس ذي قاعدة فكرية ينطلق منها فلذلك لايفهم غير مفهوم القوة في التعامل، وان هذه الثورة ليست اسلاميه، وانماهي ثورة شعب تعود على هذه الفتن والاضطرابات، ثورة شعب يعيش حياة قرون سابقة، ثورة شعب لايتعامل بغير القوة ولايريد الخضوع لاي قانون أو دستور.

كان واضحا لدى الدعوة ان الاستعمار الذي غلب في ايران يعمل بكل ما اوتي من قوة كي لايغلب في بلد آخر من بلاد المسلمين، وان نظامه العميل في العراق يتجه الى القيام بهجمة شرسة للقضاء على الدعوة التي يعتبرها مصدر الخطر عليه، مهما كلفه ذلك.

ومع هذا فقد كان رأي الدعوة أن الشروط المطلوبة قد توفرت لدخول المرحلة السياسية وان كانت الصعاب مضاعفة، لان الامر يدور بين ان ننتظر انهيار النظام القمعي في زمن غير منظور ونستسلم لخطة التصفية والابادة بكل ما يعني الاستسلام من تأثير سلبي على مصلحة الاسلام وعلى الدعاة والامة، وبين ان ندخل الصراع بامكانياتنا المادية المتواضعة، وما يعنيه ذلك من تحمل ضراوة الهجمة وزيادة التضحيات والآلام، وبما يعنيه من احتمال امتداد فترة الصراع الى ماشاء الله، واحتمال طول فترات الجزر التي نتوقعها في الامة.

وتلاقت الدعوة في هذا الموقف مع شهيد الاسلام وشهيد الدعوة السيد الصدر رضوان الله عليه، الذي شحذ انتصار الثورة الاسلامية همته العالية وارهف روحية التضحية في سبيل الاسلام لديه، واتصل بالدعوة لتبادل الرأي والسير بالأمة في طريق ذات الشوكة. وقد لمسنا من الاحاديث التي دارت معه ان قلبه الحي رضوان الله عليه مملوء بالامل بانتصار الاسلام وبالتأكيد ان على الامة في العراق ان تعطي الدماء الزاكية مهما غلت وكثرت حتى يتحقق النصر، وقد أفتى بضرورة الكفاح المسلح على اوسع نطاق ضد اركان السلطة واتباعها.. تلاقت الدعوة مع المرجع الشهيد في الموقف وتم الاتفاق على المضي في العمل ضد النظام الكافر بدون تردد ولا توقف ولا تراجع وتم ترتيب الاتصال بيننا وتنسيق بعض الامور المالية، والاتفاق على استمرار الاتصال بالدولة الاسلامية من اجل المساندة السياسية والمساعدة المادية التي لايوجد منها لدينا شيء يذكر. وجاء تحرك المرجع الشهيد رحمه الله كما وصفه الشهيد ابو ثناء في موضوع ”انتفاضة رجب“ واقدمت السلطة على اعتقاله لفترة وجيزة واحدث ذلك ردة فعل عفوية من الأمة تمثلت ببعض العمليات والاضطرابات وبعض الوفود الصغيرة الى منزله على شكل تظاهرات في اجواء محمومة بالارهاب. واخذت سلطة صدام تصعد من عملها المعادي للدعوة والامة والدولة الاسلامية الايرانية في خطين متوازيين:

أصدرت قرارها بطرد العراقيين الذين هم من أصل ايراني ومصادرة ممتلكاتهم. وبضمنم اعداد من اصول عراقية.

  • صعدت المطالبة بالجزر الثلاث في الخليج التي تبعد عن حدود العراق حوالي ٨٠٠ كم وعن حدود ايران ٨٠ كم.

  • قامت بتحشيد بعض قطعات الجيش على الحدود الايرانية.

  • قامت بتسعير الحملة الاعلامية ضد ايران و(عملائها).

  • شددت من الرقابة البوليسية واشاعت اجواء الارهاب في انحاء العراق وخاصة في مناطق ثقل الدعوة.

  • قامت بحملة اعتقالات واسعة للمئات من الدعاة والمتعاطفين مع الدعوة بعد الاعتقال المشار اليه للمرجع الشهيد، وفرضت عليه الاقامة الجبرية في منزله.

  • اصدرت قانون الاعدام بحق الدعاة والمتعاطفين مع الدعوة بقرار مجلس قيادة الثورة المشؤوم في ١٩٨٠/٣/٣١ واخذت تقتل الدعاة والمتعاطفين من الامة من غير حاجة الى المحاكمات الشكلية.

  • اقدمت على اعتقال المرجع الشهيد للمرة الثانية وقتلته مع سبعين من خيرة الدعاة العلماء والمجاهدين.

  • اتخذت من عملية الشهيد السعيد سمير نور على ذريعة لتصعيد القمع الوحشي للدعوة والامة في العراق. وتصعيد العداء ضد الدولة الاسلامية. وقد كشف عن ذلك تعليق صدام المفتعل على العملية قال:

    ”قسما، قسما، قسما، أن الدم المراق لن ينسى، وان من قاموا بهذا العمل يحاولون الانتقام للقادسية“.

    وكان هذا التصعيد في وقت اشتداد الازمة بين ايران وامريكا حيث قامت امريكا بقطع العلاقات وتشديد الحصار الاقتصادي والتهديد بالتدخل العسكري.

لقد بدأ صدام من حيث انتهى الشاه، فقد امره المستعمرون ان يستعمل اشد انواع الارهاب والتقتيل والتعذيب، وان يبيد الطليعة الاسلامية مهما تكن اعدادهم ومهما تكن النتائج. وفي هذه الاجواء الدموية، اجواء الاعتقالات والتعذيب الوحشي والقتل السري والعلني واجواء الارهاب والخوف التي اخذت تقلص من المد العاطفي والتطلع الاسلامي في الامة.. دخلت الدعوة في قلب المحنة وواجه الدعاة والطليعة معهم عدوا حاقدا يملك كل وسائل القمع في معركة من اشد انواع المعارك في تاريخ الحركات واصبح الداعية يترقب مصيره ان يعتقل على حين غفلة، أو يقاوم بما حصل عليه من سلاح حتى يستشهد، او يقوم بعملية ضد السلطة ويستميت قبل ان يعتقل أو يسلك طريق الهجرة للنجاة بدينه ونفسه.

وكان الجميع يطمحون بقلوبهم وانظارهم شطر الدولة الاسلامية يتوقعون المساندة السياسية والامداد بالسلاح والمال وبلغ الامر ببعضهم رضوان الله عليه انه كان يتوقع تدخلا عسكريا واحتلالا من ايران لقسم من العراق، في حين ان قادة الثورة في ايران كانوا ولازالوا يطمحون بنظرهم الى الامة في العراق ويتوقعون قيام ثورة شعبية كما حدث في ايران.

ان هذه الآثار المتعددة آثار طبيعية للهجمات الشرسة في الحركات، ومتوقعة من قبل الدعوة وقد طرح في احدى مناقشات العمل المسلح في المرحلة احتمال ان يحدث الجزر في الامة ويسيطر عليها الخوف الى اقصى درجة وان يحدث النقص في الدعاة والمجاهدين المضحين من الامة الى اقصى حد ايضا.. ومع ذلك كان القرار انه يجب ان نواصل العمل المسلح ماوجدنا الى ذلك سبيلا وان نتقدم الامة بشجاعة وتضحية الى ان تلتحق بنا وتسير معنا في طريق الشهادة والنصر.

وهذه فقرات ننقلها من نشرة ”في رحاب المرحلة السياسية“ من العدد الثامن والعشرين من الصوت للفائدة:

..ونتج عن ذلك مد اسلامي عارم عم اكثر بلدان المسلمين وأصبحت اجواء العمل الاسلامي في العراق متاحة بصورة جيدة وتوفرت الشروط المطلوبة لدخول المرحلة السياسية:

  1. وجود جهاز حزبي كفوء لديه امكانيات تلقى الصدمات القاسية، والاستمرار في العمل واستيعاب المهمات الجديدة المطلوبة منه لتغطية الاعمال الجديدة. وقد برهن الحزب عن هذه الحقيقة باستمراره في العمل في اقسى ظرف سياسي يمكن ان يصادفه العاملون.. صحيح ان الجهاز البوليسي في ايران كان جهازاً فعالا وكبيرا وذا نفوذ وامكانيات واسعة، الا ان القسوة التي يستعملها الجلادون في العراق لا تشابهها قسوة في اي اقليم من اقاليم العالم الاسلامي.

  2. وجود اجواء شعبية تعمل مع الدعوة وتحتضن العمل الاسلامي وتتعاون معه بصدق وشجاعة.

  3. وجود ظرف سياسي مؤات برغم الصعوبات الضخمة التي تواجهنا فيه، لان الحل الآخر هو انتظار انهيار الوضع الحالي بعوامل خارجية وفي زمن غير منظور، وهذا امر لا يقبله الله للذين نذروا انفسهم للسير في طريق ذات الشوكة.

..الداعية ينطلق بامكانياته معتمدا على الله تعالى، وتعينه الدعوة في الاقليم عندما تتمكن من ذلك ويعينه المتعاطفون مع الدعوة في الاقليم، وتعينه الدعوة المركزية ويعينه المتعاطفون مع الدعوة المركزية وكل ذلك يحدث عندما يشاء الله عز وجل، وماتشاؤون الا أن يشاء الله، فالمنطلق الاساسي الاعتماد على الله لا اله الا هو لا تأخذه سنة ولا نوم ولا ينسى العاملين في سبيله فيرزقهم من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون.

والاعمال تبدأ من الامكانيات المتاحة لدينا بعد بذل الجهد المطلوب، فلا يتوقف العمل انتظارا لمساعدة غير مساعدة الله، فعندما نفتقد الطابعة للطباعة نستعمل اليد للكتابة، وعندما نفتقد وسيلة النقل ننتقل على الارجل. فالرسول الاكرم ﷺ لم يستعمل الا الوسائل البسيطة التي كانت متاحة له، وعلى هذا سار الائمة عليهم السلام وعليه يسير العاملون للاسلام الى ان يظهر الله دينه على الدين كله. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ.

تاسعا: عملنا ليس مدا دائما يخلو من جزر، وانما هو مد وجزر، فلا يصيب احدنا الوهن عندما يجد ان لا مجيب لندائه بعد ان كانت الجماهير تنقاد له.

وعملنا في المد الشعبي يختلف عن عملنا في الجزر. ففي المد نقود الجماهير الى الامام ويغلب على عملنا التحريك..وفي الجزر عندما تتعب الامة من الحركة العنيفة ومن الاستمرار في التضحيات وتريد ان تستريح، يمكن ان تنقلب الاستراحة الى خمود ويأس، ويمكن ان تكون فترة استرجاع للقوة للكر مرة اخرى وعلينا ان نقوم بتعبئة الامة وشحنها بالايمان والوعي، وان نكون قدوات صالحة نقدم التضحيات بايمان صادق، وبقدم ثابتة وبأساليب تكون واضحة لدى الجمهور الذي نعمل في اوساطه. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾ أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّ‌بُونَ ﴿١١﴾

انتهى.

التأكيد على مرحلتنا الحاضرة

العرض المتقدم لبداية المرحلة وبعض الظروف المحيطة بالدعوة، وما تضمنه من تذكير للدعاة ببعض افكار الدعوة وبعض الاحداث، يساعد على وضوح الافكار التالية التي تبين موقعنا من المرحلة والشوط الذي قطعناه والاشواط التي سنقطعها بعون الله القدير.

(١)

تتميز كل واحدة من المراحل الاربع بالمعالم الاساسية: في الطابع العام، وطريقة العمل، والهدف النهائي، وواجبات الدعاة.

فالطابع العام للمرحلة الاولى التغييرية: الجهاد الفكري. والطريقة العامة للعمل هي السرية. والهدف النهائي هو استكمال الناحيتين الكمية والكيفية في الدعوة ووجود اوساط متعاطفة في الامة. وواجبات الدعاة فيها بناء شخصياتهم الاسلامية والمساهمة في بناء الحزب وتوعية الامة.. وقد فصلت ذلك ثقافة الدعوة.

اما المرحلة السياسية، فطابعها العام: هو الكفاح السياسي مضافا الى الكفاح الفكري، وذلك:

  • أ. بكشف النظام العميل،كشف ارتباطه بالمستعمر، وكشف فساد الاسس الفكرية التي يقوم عليها، وفضح سياسته الخارجية والداخلية، التي تنفذ خطط المستعمرين المعادية للامة..الخ.

  • ب. المزيد من بيان الاسلام الذي نعمل لاقامة نظامه بدل النظام الكافر، ودفع مده الحضاري بدل المد الحضاري المادي الاستعماري.

  • ج. تحريك الامة سياسيا على اوسع نطاق بقصد تحويل المتعاطفين معنا الى مشاركين والبعيدين عنا الى متعاطفين حتى نستكمل هدف المرحلة.

والاصل في اسلوب هذا التحريك هو الاعمال السياسية المختلفة، واسلوب العنف هو اسلوب طارئ أو مساعد كما سيأتي ان شاء الله.

وطريقة العمل فيها:

سرية وعلنية. ففي المرحلة السياسية تبقى قاعدة السرية هي الاصل ونحافظ على سرية تنظيمنا واشخاصنا الا ما غلبنا عليه بأن كشفه المستعمر وعملاؤه أو انكشف بالاخطاء التي تقع في العمل كما هو طبيعي، والا ما تقتضي مصلحة العمل اظهاره من اشخاص الدعوة وتنظيماتها وخططها.

وهدفها النهائي: تحريك جماهير كافية من الامة للعمل بقيادة الدعوة لاسقاط النظام الكافر، فالهدف النهائي للمرحلة يستكمل وتصبح الدعوة في المرحلة الثورية أو القيادية اذا تحركت الامة تحركا سياسيا بنطاق واسع واصبحت في حالة الثورة بقيادة الدعوة. اما اذا اقتصر التحرك والكفاح السياسي (أو الحالة الثورية) على الطليعة من الدعاة والمشاركين من الامة كما هو الحال في اقليمنا العراقي فان الدعوة تكون في المرحلة السياسية مهما بلغ تعاطف الامة وتأييدها الكامن للدعوة، وايا كان السبب في عدم تحركها مع الطليعة المجاهدة.

لقد طالت المرحلة السياسية في الامة في ايران بقيادة الامام الخميني حفظه الله خمسة عشر عاما وكان تحركها الواسع عام ١٣٨٣ هجري تحفزا للثورة لا أكثر وظل العمل والتضحيات طيلة الخمسة عشر عاما يقع على عاتق الطليعة المجاهدة، وكان تعاطف الامة يتنامى ويظهر حتى دخلت المرحلة الثورية عام ١٣٩٨ هجري.

وقد يحدث ان تتمكن الدعوة من اسقاط النظام الكافر بعمل عسكري قبل وصول الامة الى المرحلة الثورية، وبالاضافة الى ان ذلك حالة شاذة فهو يعني استثمار الدعوة للحالة الثورية الكامنة للامة أو القيام بعمل يوصل الامة الى المرحلة الثورية كي تحمي الانقلاب الاسلامي المفاجيء.

وقد يحدث ان يسقط النظام الكافر بفعل من خارج الاقليم ويقوم نظام الاسلام، ولكن ذلك لا يكون بفعل الدعوة والامة بل بفعل عامل من خارج الاقليم يدخل الدعوة والامة المرحلة الرابعة الحكمية.

واجبات الدعاة فيها:هي متطلبات الكفاح السياسي مضافة الى متطلبات الكفاح الفكري، ومتطلبات المرحلة كثيرة منها ما هو استمرار متطور لمتطلبات المرحلة التغييرية، ومنها ما هو متطلبات جديدة كالاعمال السياسية والعمل العسكري الطارئ وغيرها..

ففي هذه المرحلة تتضاعف أعباء الدعاة ويتضاعف جهادهم في سبيل التقرب من رب العباد سبحانه وتعالى، ويتضاعف امداده للذين نذروا انفسهم لسبيله كي يستوعبوا المهمات الجديدة والصعبة ويشد أزرهم بأضعافهم من ابناء الامة.

وفي هذه المرحلة تقوم الدعوة ببذل الجهود الاضافية وتفجير الطاقات الكامنة في الدعاة كي تتكامل اجهزتها المختلفة وتكوّن قيادة الامة، وتتكامل خبراتها المتعددة وتكوّن طليعة الامة التي تقدم لها معالم مسيرتها الحضارية الجديدة بالاسلام.

(٢)

الاصل في الكفاح السياسي الاساليب غير العنيفة واعتمادنا اسلوب العنف يكون طارئا أو مساعدا اما في المرحلة الثورية فقد يكون اصلا أو طارئا أو مساعدا تبعا لما يقتضيه الظرف من اعتماد اسلوب لاسقاط الحكم.

ان هدف مرحلتنا الحاضرة النهائي الذي هو تحريك الامة سياسيا قد يتحقق بالصراع بالقول المترجم باعمال سياسية متعددة تكشف النظام العميل وتوضح نظام الاسلام البديل، وتوصل الامة الى حالة الثورة بقيادة الدعوة.. وقد يحتاج ذلك الى العمل المسلح بمقدار قليل أو كثير والذي يحدد الحاجة اليه هو حالة الامة ورد فعل السلطة معا: فقد تكون الامة في حالة مد اسلامي، أو سريعة الاستجابة والمبادرة، وقد تكون في حالة ركود، أو في حالة جزر، أو بطيئة الاستجابة للدعوة. وقد يكون رد فعل السلطة على عمل الدعوة اعتياديا أو متوسطا بسبب ضعفها أو تبني الاستعمار في الاقليم قدرا ما من اللبرالية والحرية ليكون متنفسا للامة.. الخ، وقد يكون رد فعلها ارهابا شاملا على الامة، وهجمه شرسة للقضاء على الدعوة وابادة الدعاة والمتعاطفين معهم بالتعذيب والتقتيل.

والذي جعلنا نعتمد اسلوب العنف والعمل المسلح في اقليمنا العراقي هو سياسة الاستعمار الشرسة القائمة على بسط الارهاب على الامة والتصميم على اطفاء نور الدعوة بالقتل الجماعي للعاملين ومن يتصل بهم بأدنى سبب. وكذلك هو بطء استجابة الامة للدعوة لسيطرة الخوف عليها من السلطان، وان كانت عاشت حالتين من المد الاسلامي كما سنتعرض له وتقدمت معنا خطوات وستتقدم بعون الله وتوفيقه.

ان عملنا المسلح الذي يجب ان يتواصل ويتعاظم مهما استمرت الحاجة اليه ومهما كانت الدماء الزكية غالية، نتوخى ان يحقق باستمراره الاهداف التالية:

  1. اسماع صوتنا للامة بصيغة عملية يتقدم فيها للتضحية الابطال الذين يريدون ان يحيوا عند ربهم فيبعث فعلهم في الامة كوامن العقيدة والامل بعودة الاسلام ويقربها من التحرك ويعمل على كسر حاجز الخوف من السلطان.

  2. اضعاف السلطة باستمرار ارباكها واشغالها بالضربات الكبيرة الموجهة الى كيان السلطة واركانها. وبالضربات الصغيرة عندما لا يمكننا أكبر منها، والتي هي باستمرار ضربة كبيرة.

  3. كسر هيبة السلطة في نفس الأمة وفي نفس اجهزتها.

  4. كسر هيبة الارهاب والقمع البوليسي بتحدينا وصمودنا تحت التعذيب الحاقد كما صمد اصحاب الانبياء عليهم السلام أو اشد، وباعمال التحدي العنيف للسلطة العميلة واجهزتها.

  5. دفاع الداعية عن نفسه عندما يفاجأ بمحاولة الاعتقال ويختار المجابهة بدل الاستسلام او الفرار. وكذلك دفاع الدعوة عن نفسها الذي يتحقق بدفاع الداعية عن نفسه وغير ذلك.

وهذه الاهداف الخمسة كلها تصب في هدف واحد هو هدف المرحلة في تحريك الامة سياسيا. فاذا تحقق ذلك فقد لا نحتاج الى اسلوب العنف، وقد نحتاج اليه بصورة اكبر.

واذا قام المستعمرون بتغيير السلطة ولم يبلغ رد فعل السلطة الجديدة حد القتل لنا ولمن يتعاطف معنا من الامة فقد لا نحتاج في الكفاح السياسي الى العنف.

وقد رأينا كيف اعتمدت الحركة الاسلامية في ايران طيلة المرحلة السياسية الاساليب السلمية في الكفاح السياسي ولم تعتمد اسلوب العنف الا جزئيا.

وكذلك لم تعتمده اسلوبا اساسيا بل اسلوبا مساعدا في المرحلة الثورية بعد تحرك الامة بقيادتها.

(٣)

العاملون لله تعالى لا يحتاجون الى المبالغة، ولا ينظرون الى ما يحققونه من انجاز بأكبر من واقعه، لانهم صادقون، ولانهم مسؤولون من ربهم الذي يعملون له عن عملهم وليس عن انجازهم.

ان الذي تحقق في الاقليم العراقي من المرحلة هو: الظلامة للدعوة. وبعض الفعل الذي استطعنا القيام به.

فلقد واجهنا هجمة شرسة وخطة ابادة استعمارية قدمنا فيها الوف الشهداء والوف المعتقلين وتلقينا اشد انواع التعذيب والحقد، وسطر دعاتنا الابطال اروع صفحات الصمود في تاريخ الحركة الاسلامية الحديث. واستطعنا ان نقوم ببعض العمليات المسلحة وبعض النشاطات الاخرى ضد اعداء الله واعدائنا.

والسبب في ان الظلامة التي تحققت تبلع اضعاف الفعل هو:

شدة الهجمة. وقلة الامكانات. وحالة الجزرالتي تعيشها الامة لسيطرة الخوف عليها.

ونحن ايضا لا ننظر الى مسيرة الدعوة كما ينظر البسطاء من الناس الذين يريدون ان ينهزم نفوذ المستعمرين ويسقط نظامهم العميل بعمل جزئي كما توقع البعض من احداث رجب ١٤٠٠ هجري وحينما لم يتحقق ذلك قالوا: ماذا كانت النتيجة، لم نحصل على شيء سوى الاعتقال والتعذيب والتقتيل والتشريد!

ان تحريك الامة بالاسلام وتحقيق انتصارها على اعدائها المستعمرين وعملائهم المتسلطين الذي هو اسمى الاهداف واعظمها ليس بالامر الهين حتى يتم بين عشية وضحاها، ولابالطريق السهل القريب، بل هو طريق ذات الشوكة الذي يمتحننا الله فيه بتحمل الصعاب والآلام وبذل التضحيات والدماء وقد يمتد ذلك سنين ويتخذ الله سبحانه من يشاء من الشهداء ثم ينزل النصر من عنده متى يشاء على من يشاء وَإِلَيْهِ يُرْ‌جَعُ الْأَمْرُ‌ كُلُّهُ .

ان ما انجزناه في الشوط الذي قطعناه من المرحلة لهو ذو قيمة كبيرة بالنظرة المستقبلية حيث شققنا للأمة الطريق الى اقامة نظام الاسلام. فقد جسد الدعاة الابطال امام اعين الامة وفي اعماقها قيمة الاسلام وخط الدعوة الاسلامية وصدق الايمان وجدية التضحية بالدنيا ومافيها وبأنفسهم العزيزة الغالية في سبيل الله سبيل تخليصها من اعدائها وانقاذها بالاسلام. وانه ليدرك ذلك من كانت له نظرة اسلامية أو نظرة سياسية صحيحة.

وانه لذو قيمة اكبر عند السميع العليم الذي لا تضيع الاعمال ولا الدماء في سبيله. وعلينا ان نضاعف العمل والتضحيات لكي نحدث في الامة حالة مد جديدة بمعونته تعالى.

(٤)

برزت وتبرز في المرحلة اعمال جديدة متعددة يستوعبها الدعاة بفترة زمنية قياسية وينهضون بها بهمة وكفاءة بعون الله تعالى. ويتوقف استيعاب المهام الجديدة على امور ينبغي ان تكون محل اهتمام لجان الدعوة وكافة الدعاة الميامين، واهم هذه الامور: توفير الطاقات. تشغيل الطاقات. الطاعة. المبادرات. الدأب. التغلب على العوائق. والحوافز الايمانية. وقد تعرضنا لاكثرها في مواضيع ثقافتنا المختلفة وآخرها بحث ”دراسة الوقت والعمل“ ونتعرض لها في هذا الموضوع، وعلى الدعاة القادرين أن يفصلوا كل واحد منها.

توفير الطاقات
  1. الدعاة العاملون على اختلاف مستوياتهم وقابلياتهم طاقات من الدرجة الاولى في الامة. ولا نبخس بذلك من قيمة الطاقات الهائلة الموجودة في الامة التي يقع على عاتق مسيرتنا الاسلامية الحضارية كسبها وتفجيرها، ولا من الطاقات الهامة لدى غيرنا من العاملين للاسلام. ولكن الداعية يتميز عن غيره بأنه يعمل بوعي الاسلام والواقع والعمل من خلال فكر الدعوة وخطها الاصيل، وبأن تسديد الدعوة له ومتابعتها لاعماله تضفي عليها قوة الاعمال الجماعية. فاذا وجدنا داعية اقل عطاء ممن هو في مستوى قابليته وطاقته من الامة فذلك يعني وجود خلل اما في التزامه بفكر الدعوة وتسديدها، واما في اهتمام الدعوة بتنمية طاقته وتفجيرها أو ماشابه ذلك.

  2. مهام المرحلة ومتطلباتها من اعمال الكفاح الفكري التي هي امتداد عادي أو امتداد متطور لاعمال المرحلة التغييرية، واعمال الكفاح السياسي الجديدة، واعمال المرحلة الحكمية في الدولة الاسلامية.. انما تستوعبها الدعوة وينهض بها الدعاة بالاهتمام الجاد بتنمية الطاقات الظاهرة والكامنة لدى الدعاة وذلك: بممارسة الاعمال المختلفة، وبالتدريب والاعداد، وبجهود وبرامج الاختصاصات.

    • فبعض الاعمال لا تحتاج سوى أن يبدأ الداعية بها ويباشرها وسوف تدفعه ذهنيته المتفتحة وتسديد الدعوة له فيما يحتاج الى تسديد الى الاستفادة من ممارسته واتقان عمله وتطويره بمقدار مايستطيع.

    • وبعض الاعمال تحتاج الى تدريب واعداد يتم بجهد فردي من الداعية، كاتقان بعض المهارات واللغات، أو بجهد عدة من الدعاة يتعاونون على البر والتقوى كبعض الاعمال الفنية والعسكرية المعقدة، وبعض الدراسات والبحوث والنشاطات الاجتماعية والسياسية.

    • وبعض الاعمال تحتاج الى تدريب وتعليم من قبل اهل الخبرة أو الاختصاص في مؤسسات ومراكز يمكن للداعية ان يصل اليها ويحصل على هدفه منها، وبعضها يتوقف على ظروف ومراكز واختصاصيين توفرها الدعوة أو يتعاون على توفيرها عدد من الدعاة.

    • وبعض الاعمال لا تحتاج الى نفقات، وبعضها يحتاج الى نفقات قليلة أو كثيرة.

    • وبعض الاعمال تكفي اسابيع أو شهور قليلة للحصول على الخبرة والمهارة فيها، وبعضها يحتاج الى مدة زمنية أطول وهكذا..

  3. وفي كل الحالات والظروف تعمل الدعوة ويعمل الداعية بتوجيه الدعوة ضمن الاطار الذي تهيؤه له، أو بجهده الفردي، لتحصيل المهارة والكفاءة اللازمة لاعمال المرحلة حسب الاولوية وحسب المستطاع، فلا نتوقف عن العمل بحال، ولا تثنينا مصاعب وعقبات فاذا افتقدنا ظروف وشروط تفجير الطاقات وتوفير الكفاءات ننتقل الى البديل الميسور، واذا لم يفتح امامنا مجال نعمل في المجال المتيسر ولو كان صغيراً..ونستمد العون من رب العباد الذي وسعت رحمته كل شيء.

وهذه نقاط حول انواع من برامج توفير الطاقات لبعض أعمال المرحلة يمكن ان تستهدي بها اللجان والدعاة:

حول اعمال فنية وعسكرية معقدة
  1. يلتقى بعض الدعاة ممن لهم اختصاص أو خبرة، أو قابلية للتعلم وانجاز العمل المطلوب، بتكليف الدعوة أو بطلب الداعية ويناقشون الموضوع، ويضعون له خطة عمل أولية ويوزعون العمل بينهم.

  2. يشمل توزيع العمل: الحصول على الكتب المتعلقة بالموضوع. القراءة حول الموضوع. الاستطلاع والسؤال من أهل الخبرة أو من مظان الخبرة. استكشاف واستطلاع الامكنة التي توجد فيها ظروف التدريب والعمل. استطلاع المعدات والادوات والمواد اللازمة للعمل.. الخ.

  3. يلتقى الدعاة القائمون بالعمل اسبوعيا أو حسب الحاجة لمتابعة الاعمال الموزعة بينهم، ومناقشة العمل على ضوء ما استجد وما تم انجازه.

  4. يطلبون من الدعوة العون فيما يحتاجه العمل من نفقات وتسهيلات، وتعينهم الدعوة بما تستطيع.

  5. يتصلون بمن يحتاجون الى معونته من الامة.

  6. يبحثون البدائل عن غير المستطاع، فيستعاض مثلا عن المعمل بغرفة وعن شراء الماكنة بالحصول عليها من تبرع المسلمين، أو باستعمال ماكنة في معمل وعن الادوات والمواد غير المتوفرة بأدوات ومواد تسد مسدها..الخ.

  7. الاستطلاع الواسع النظري والعملي لمظان الفائدة في العمل ضروري، لانه قد يفتح آفاقا وييسر امورا لم تكن بالحسبان وكذلك التجارب العملية المتعددة.

  8. تستمر اتصالاتنا ونأمل بأهل الخبرة في العمل أو في جزئياته، وبمن نأمل مساعدتهم من الامة.

  9. استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. ويمكن ان نأتمن على سرنا من يتعاطف معنا ويعيننا ونثق به من الامة.

  10. لا نعتمد على ذكائنا ومواهبنا بل نستهدي الواهب المعين تعالى ونطلب منه جزئيات الامور

    ”ياموسى اذا اردت الملح فاطلبه مني“.

حول الابحاث الاسلامية
  1. ينبغي لعلماء الدعوة ـ كما قلنا في دراسة العمل ـ أن يكملوا المسيرة الفكرية التي بدأها الامام الشهيد السيد باقر الصدر باصدار مجموعات من الابحاث التي تحتاجها الدولة الاسلامية، والمجتمع الاسلامي، والامة الاسلامية. وكذلك ينبغي للدعاة القادرين ان يشاركوا بما يقدرون عليه من هذه البحوث الاسلامية.

  2. يقوم العالم والداعية القادر بكتابة البحث الاسلامي بنفسه أو بمساعدة آخرين أو بمشاركتهم.

  3. يعقد العالم حلقة خاصة لذوي القابلية في كتابة الابحاث فيطرح الموضوع المراد بحثه، ويضع منهاج البحث وخطة العمل، ويوزع العمل على الدعاة.. ثم تجتمع الحلقة اسبوعيا أو حسب الحاجة لمتابعة الاعمال ومناقشة ما أنجز من الموضوع وما يتعلق به

  4. يشمل توزيع العمل: قراءة نتاج المسلمين حول البحث.

    الرجوع الى المصادر الاسلامية: القرآن الكريم، السنة المطهرة، السيرة، مصادر الفقه، اصول الفقه، وغيرها.. لاستخلاص النصوص والافكار والآراء المتعلقة بأجزاء البحث. صياغة أجزاء البحث المستخلصة من المصادر والمقدمة من الاستاذ، والحاصلة من المناقشات.

  5. القادر على البحث الاسلامي يستحسن ان يطلب من الدعوة أو ممن هو أقدر منه من الدعاة أن يختار له موضوعا ويضع له فهرست البحث، ويرشده الى المصادر، ويوجهه اثناء عمله. او يقوم هو بذلك ويعينه من هو أقدر منه.. الخ.

حول الابحاث الاختصاصية
  1. بالدرجة الاولى تقع مسؤولية كتابة الابحاث الاختصاصية لاعمال المرحلة والمراحل الآتية على عاتق الدعاة المهاجرين، وكما ذكرنا في دراسة العمل فان اشتغال العديدين من المهاجرين بالابحاث الاختصاصية في المجالات المتعددة.. بالاضافة لكونه حاجة وضرورة اسلامية للحاضر والمستقبل فهو استثمار لطاقاتهم المعطلة، أو المنشغلة بعمل ثانوي، أو شكلي. ومعالجة لتكديس الطاقات وعدم فتح مجال العمل امامها في بعض مناطق الهجرة.

  2. تعقد الدعوة أو الدعاة القادرون، حيثما يمكن ذلك وبما يتيسر، حلقة خاصة لتنمية طاقات الدعاة في الابحاث الاختصاصية:

    السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحركية، والحضارية، والعسكرية.

  3. في حلقة خاصة بتنمية الطاقات للكتابة السياسية مثلا، ينبغي ان يتحقق في الدعاة الاستيعاب الجيد لثقافة الدعوة السياسية. ثم يحدد المسؤول الموضوع المراد بحثه، ويضع خطة البحث، ويعين المصادر، ويوزع العمل على الدعاة. وفي الجلسة الثانية يتابع أعمال الدعاة ويدربهم على مناقشة النصوص والاحداث والاستنتاج، ويكلف بعضهم بكتابة المستخلص من أجزاء البحث.

  4. كما يمكن ان يضع منهاج البحث ويكلف به داعية أو اكثر ويتابع عملهم، ويسددهم.

  5. تعقد حلقات مفتوحة للكتابة الاختصاصية في المجالات المتقدمة فيقدم المسؤول محاضرة أو اكثر عن موضوع أو مواضيع محددة. ثم يقسم الحلقة الى ثلاث مجموعات: مجموعة الدعاة المستمعين. مجموعة المساعدين. مجموعة الباحثين. ويقدم فهرست البحث المطلوب، ويوزع العمل على الكتاب والمساعدين. وفي الجلسة الثانية يقدم الكاتب انتاجه ويقوم المسؤول والكتاب بالمناقشة، وتعدل الكتابة على ضوء المناقشة.

  6. في كل الابحاث الاسلامية والاختصاصية تراعى الاولوية في الدعوة والدولة والامة. وتراعى الواقعية العملية وانطباق البحث على حياة الناس واوضاعهم، والا فقد البحث فائدته المرجوة ويراعى الاسلوب السليم والصياغة الميسرة لاوسع نطاق من الامة والا قلت الفائدة من البحث..ويراعى المستطاع انجازه من البحث فلا يترك الميسور بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله.

  7. يعقد الدعاة القادرون حلقات لتبسيط فكر الدعوة: بالاسلوب الصحفي. وبالاسلوب الملائم للناشئة من أشبال الدعوة. وللاطفال والعمال والفلاحين. وبالاحاديث القريبة من اللهجة العامية وباللهجة العامية.. لتيسير فكر الدعوة لكل فئات الامة.

  8. ويعقد الدعاة القادرون حلقات خاصة للتدريب على الكتابة للدعوة.

مضافا الى طاقات الدعاة العاملين في الدعوة توجد طاقات أفواج الدعاة الجدد الذين ينضمون الى صفوف الدعوة ويشاركون في تحمل اعباء المرحلة.

وتوجد طاقات المتعاطفين مع الدعوة من الامة التي تنفعنا في اعمال المرحلة قليلا أو كثيرا.

ان الطاقات التي تنضم الى الدعوة تكون موضع عنايتنا. وان تكليف المتعاطفين بما يلائمهم من اعمال المرحلة المتعددة يحقق فائدة مزدوجة في انجاز عملنا وفي توسيع وتوثيق علاقتنا بالامة.

تشغيل الطاقات
  1. يتوقف تشغيل طاقات الدعاة على ازالة الافكار التعطيلية ومعالجة الحالات التعطيلية سواء كانت في اللجان والمسؤولين والدعاة وخاصة في الاعمال الجديدة التي تبرز فيها ظاهرة تعطيل الطاقات على شكل تهيب وتخوف نفسي لدى بعض الدعاة، وعلى شكل عدم ثقة بقدرة الداعية ومركزية مفرطة لدى بعض المسؤولين..أو غير ذلك.

    ونعيد ماذكرناه في بحث دراسة العمل حول ضرورة الابتعاد عن تعطيل الطاقات للتأكيد والفائدة:

    ظاهرة تعطيل الطاقات ظاهرة مرضية توجد عند الاحزاب وتتشكل باشكال خفية وظاهرة والاشكال الخفية هي الحالة المرضية الصعبة منها.

    • أ. عند بعض الدعاة طاقات غير اعتيادية ومثل هؤلاء الدعاة لا يمنعون من اخذ حصتهم العظيمة من العمل وان عدم فسح المجال لهم في العمل هو تعطيل غير مقبول ولا يقال بان انطلاقهم لاخذ الحصة التي تشبع نشاطاتهم من العمل تعطيل لطاقات الآخرين لان مجال العمل بين صفوف الامة يحتاج الى طاقات كبيرة جدا، عدا عن ان النشيط يفتح مسارب جديدة لعمل الدعاة الآخرين فقد كان الشهيد ابو عصام ومساعداه الشهيدان السعيدان حسين جلو خان ونوري طعمة نماذج حية للطاقات غير الاعتيادية ولعل معدل الساعات التي كان يعمل فيها ابو عصام في اليوم الواحد تترواح بين ١٨-٢٠ ساعة رحمهم الله والحقنا بهم مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين من عباده.

    • ب. تمنع الاعمال عن بعض الدعاة بحجة عدم الكفاءة أو عدم الخبرة وهذه النقطة بالذات وهم متمكن من بعض المسؤولين، الكفاءة والخبرة تأتي من الممارسة فاذا حيل بين الداعية والممارسة فمن اين ستأتي الخبرة والكفاءة؟

      ان الذهنية المتفتحة لدى الداعية تدفعه لاتقان العمل بمقدار ما يستطيع وهذا الواقع يعطي العمل زخما غير اعتيادي، اضافة الى ان تسديد الدعوة للداعية ومتابعتها لاعماله تضفي على الاعمال قوة العمل الجماعية. ولاننسى بان الله هو الذي يوفق العاملين المخلصين في اعمالهم.

    • ج. يهتم بعض العاملين من الدعاة باعمال غيرهم ولا ينتبه الى عمله فيعطل طاقته عن العمل ويعيق طاقة الآخرين بالتدخل في شؤونهم لاعن مسؤولية بل عن فضول وهذا نوع آخر من التعطيل مزدوج التأثير في العمل.

    • د. الانشغال بتتبع اخبار الدعاة ونقل الاقوال بين الاطراف وهذا العمل لا يساهم في توعية الامة ولا يساهم في عملية تغيير الافكار ولا تغيير السلوك عند الافراد وفي المجتمع وهو عمل يشبه عمل وكالات الانباء ولسنا بحاجة الى مثل هذا العمل وهو عمل تعطيلي لا فائدة منه.

    • ه. الكلام الهازل بين الدعاة واستعمال الصيغ الهازلة لبعض الاعمال أو الممارسات، عمل تعطيلي لا يجوز اشاعته بين الدعاة ويعمل على ايقافه

    انتهى.

  2. في الاعمال الجديدة كما في كل اعمال الدعوة نطبق خط الدعوة المقرر في المركزية واللامركزية. فنحن لا نقلد الاحزاب الشيوعية والفاشية واحزاب العالم الثالث في ميلها الى المركزية، ولا نقلد الاحزاب اللبرالية الغربية التي تميل الى نظام اللامركزية، كما لا نقلد بعض الاحزاب التي تعتمد نظرية ملفقة فتأخذ في المركزية في بعض امورها وباللامركزية في البعض الآخر.

    ان الذي يحدد مدى ارتباط الدعاة بالمسؤولين، واللجان بالمركز، هو مفاهيمنا الاسلامية عن انطلاقة الاسلام وانطلاقة الداعية وعن نظم امر الجماعة وجعل اعمالها تصب في مجرى واحد. ولذلك كانت المركزية التي نتبناها في عملنا نسبية غير ثابتة نأخذ بها في البداية ونتخلى عنها بالتدريج، ونعتمد في ذلك على تعمق الفهم الاسلامي واستيعاب الفكر السياسي واتساع افق الالتزام بخط الدعوة العملي لدى المجاهدين، وكلما توغل الدعاة في التلبس بهذه الامور والانشغال بالعمل الاسلامي انطلقوا في عملهم دون الرجوع الى قيادتهم في الامور التي اتضحت لهم، ويرجعون اليها في الامور التي تحتاج الى توضيح.

    ان المركزية التي تعيق انطلاقة الداعية وتشغيل طاقاته تشغيلا كاملا ضمن خط الدعوة ليست منا في شيء، لانها تفقد الدعوة صفة الامتداد والتوسعية المستمرة التي يريدها الله لها، وتفقدها صفة الحركة والحزب، بمعناهما الاسلامي.. وهي بالتالي من تأثيرات الركود والتخلف والوهم والخطأ والفردية التي ليست من الاسلام في شيء.

    كما ان التخلي عن المركزية اللازمة التي تجعل عملنا جماعيا، واجواء اساليبنا واحدة، واهدافنا العليا والمرحلية واحدة… ليست منا في شيء، لأنها تفقد الدعوة صفة الجماعة والمسيرة المنسجمة والنهر الجاري الذي تصب فيه السواقي وتتفرع منه الفروع

    وفي اعمالنا كلها يقوم المسؤول بتوجيه الداعية ويطلق طاقته في العمل ويسدده ويزوده بالمفاهيم ويعلمه كيف يتلافى الاخطاء ويستوعب الحالات والظروف المتسجدة عليه.. وهدفه في ذلك ان يغني مسيرة الدعوة ويربي قادة في الامة.

  3. فتح مجالات العمل امام الداعية من مسؤولية الداعية والدعوة معا. فلا يبقى الداعية قاعدا بانتظار ان تفتح له الدعوة مجال العمل، بل عليه ان يفكر ويسعى ويبادر. ولا يبقى المسؤول قاعدا بانتظار ان يفتح الداعية لنفسه مجال العمل..وانما ذكرنا الداعية قبل الدعوة، لان مبادرات الدعاة ضمن خط الدعوة وتوجيهها هي الاصل والاساس في مسيرتنا.. وانجازاتها المباركة كما سنتعرض له ان شاء الله. واذا حدث ان عجز الداعية وعجزت الدعوة عن فتح مجال عمل له، كما ربما يحصل في بعض مناطق الهجرة، تعين على الداعية ان يهاجر بحثا عن مجال عمل في بلاد الله الواسعة.

  4. النفقات اللازمة لتشغيل طاقات الدعاة من مسؤولية الداعية والدعوة ايضا. وقل اعملوا. لايكلف الله نفسا الا ما آتاها.

الطاعة

العمل المنظم للاسلام مقدمة لفريضة اقامة الاسلام. والطاعة في التنظيم جزء من مقدمة الواجب والفريضة. ولا عمل يحقق اقامة الاسلام الا بتنظيم، ولا تنظيم الا بطاعة وانضباط. على هذا الاساس الواقعي والذي هو قاعدة مجمع عليها من فقهاء المسلمين، قامت دعوتنا وسار تنظيمنا، وعلى هذا الاساس عبدنا الله عزوجل بالانتظام في الدعوة، وعبدناه بالعمل فيها، وعبدناه بالالتزام بفكرها وخطها، وعبدناه باطاعة المسؤول في الحلقة واللجان… وننظر الى العهد والقسم الذي يؤديه الدعاة على انه مؤكد ومكمل. وننظر الى فتاوى الفقهاء بوجوب العمل والتنظيم والى حكم الفقيه بولايته بوجوب العمل والتنظيم على انها مؤكد ومكمل..الطاعة بالحق هي التي نتبناها في عملنا ونتقرب فيها الى الله تعالى، ولاطاعة بالباطل وبغير الحق فيما يخالف احكام الاسلام ومفاهيمه، ولافيما يخالف فكر الدعوة وخطها، ولالمن يخالف فكر الدعوة وخطها والطاعة الحقة اساس في تشغيل طاقات الدعاة واثمارها في الامة، فاذا تخلى الداعية عن طاعة مسؤوله فقد تخلى عن طاقتة ونصيبه من الدعوة، أو عن قسم كبير منها،ان الاسلام حق. ودعوتنا الى الاسلام حق. والطاعة في الدعوة حق. والداعية قائد في الامة وجندي في الدعوة. والدعاة جميعا جنود رب العالمين عز وجل.

المبادرة
  1. قامت مسيرة الدعوة في الاعم الاغلب على مبادرات الدعاة المجاهدين الاحياء عند ربهم والذين لم يلحقوا بهم وما بدلوا تبديلا. ولو اقتصر نشاط الدعاة على اداء اعمال جزئية تفصيلية معينة تكلفهم بها الدعوة ويقفون عندها.. لما قامت مسيرة الدعوة في الامة وامتد عملها وتأثيرها واشعاعها الى اقاليم من بلاد المسلمين.

    ان الخط العملي في الدعوة يقوم على توجيه الداعية بمفاهيم الاسلام واحكامه وبفكر الدعوة وخطها العملي، والداعية ينطلق ويبادر ويفتح الله له آفاق العمل ومجالات العمل، ويحقق الله على يديه المكاسب لدعوته.

    ان المبادرة الى اعمال الدعوة التي تخدم اهدافها القريبة والبعيدة في الامة صفة من مرتكزات شخصية الداعية الاسلامي المسارع في الخيرات، ونتيجة طبيعية لمعاناته قضية الدعوة ومعايشتها بكل كيانه، وتفكيره فيها اكثر من اي شيء في حياته، وكونها همه الاكبر ومسؤوليته الثقيلة وشغله الشاغل.. مما يدفعه الى المسارعة في كسب المسلمين الى صف الدعوة وتوعيتهم بافكارها، وسد ثغرة في عمل الدعوة، وتحقيق مصلحة لها، ودفع ضرر عنها.

    ان الاسلام مبادرة من الله تعالى لانقاد العباد من الضلال المبين، والدعوة مبادرة بامر الله تعالى لانقاذ الامة بالاسلام من الضلال المبين، وعمل الداعية مبادرات في هذه المسيرة بفكر الدعوة وتوجيهها.. وكلما تقدمت مسيرة الدعوة في الامة تقدمت مبادرات الدعاة في نوعيتها وكميتها.

    فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَ‌اتِ ۚ وَسَارِ‌عُوا إِلَىٰ مَغْفِرَ‌ةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْ‌ضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْ‌ضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٣﴾.

    وستشهد مرحلتنا الحاضرة وما بعدها مبادرات اساسية وتاريخية من الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّ‌اءِ وَالضَّرَّ‌اءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣٤﴾.

  2. ومن البديهي في مبادرات الدعاة حفظهم الله الى العمل في سبيل الله ان تتحقق فيها الصفات التالية فتكون:

    • ضمن خط الدعوة وفكرها.

    • وضمن المرحلة التي تعيشها الدعوة في اقليم العمل.

    • وضمن الخطة العامة للعمل في الاقليم والمرحلة.

    كي تكون بذلك مبادرة في الدعوة وليس ابتعادا عن الدعوة. وكي تنطبق عليها قاعدة: ”لا شيء يوقف عمل الداعية ما دام ضمن خط الدعوة“ وكي تكون متسقة مع الطاعة والانضباط الواجب في الدعوة، ومنسجمة مع خط الدعوة في حدود المركزية واللامركزية اللازمة لعملنا.

الدأب والمداومة على العمل
  1. في حياة الداعية فترات ازدهار في نشاطه وحيويته وعطائه للدعوة بغير حدود، وفيها فترات نشاط لا تزيد عن الحد الادنى المطلوب. وفي ايام الداعية ايام ازدهار وتوقد في فكره ونفسه وحيويته، وايام عادية غير مزدهرة.. وكل ذلك يبقى ضمن الحدود الطبيعية للانسان الذي تؤثر عليه عوامل الظروف المحيطة والاجواء الذهنية و النفسية والجسدية.

  2. وهناك حالات عرضية أو مرضية تصيب بعض الدعاة هي فترات الخمود وايام الخمول عن العمل للدعوة، حيث تنقص حيوية الداعية وعطاؤه للدعوة عن الحد الادنى أو تنعدم. وهذه حالة لا يرضاها الداعية لنفسه بل يعالجها ويزيلها بعون الله.

  3. ”احب الاعمال الى الله عز وجل ما داوم العبد عليه“ وان المداومة والاستمرار والدأب في عمل الدعوة في كل الظروف شرط في تشغيل طاقة الداعية واستثمارها، وصفة ينبغي ان تكون من مرتكزات شخصية الداعية لتكون كل حياته وايامه مزدهرة بالحسنات التي ترضي خالقه تعالى.

    وينبغي ان نقتدي ونستهدي بسيرة الدعاة الاوائل من الانبياء والائمة عليهم السلام وباخواننا الذين سبقونا الى لقاء ربهم ومن يعيش منهم من الذين لا ينقطعون عن حمل هم الدعوة والعمل لها ليل نهار رغم الظروف والصعاب المختلفة التي تحيط بهم.

التغلب على العوائق
  1. الداعية لا يترك عمل الدعوة بحال ولا يعيقه عائق عن العمل ما دام فكره يعمل، وقد عمل الشهداء والمجاهدون والدعاة في السجون بعد ان كانت تتشافى اجسامهم من آثار تعذيب الطغاة، ومن لم يستطع منهم الكتابة كان يعمل للدعوة بالتعبد لله تعالى بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والتفكر في امر الدعوة الاسلامية. لذلك فان قعود احد عن العمل بحجة العوائق غير مقبول ما دام معافى قادرا على العمل، واذا اعتقد بان العوائق تقعده عن العمل للدعوة فان العائق الحقيقي هو هذه الفكرة التي يجب ازالتها.

  2. العوائق التي تعرض لاعمالنا نتعامل معها بموضوعية فنعمل لازالتها والتغلب عليها، ونستعين عليها بمن بيده الامور تعالى. واذا لم نستطع عاملناها كواقع: فان حالت دون عمل ننتقل الى عمل آخر. وان حالت دون اتمام عمل أو تطويره احتفظنا بما انجزناه منه. وان حالت دون تفاصيل لا يتوقف عليها العمل، استغنينا عنها.. وهكذا..

  3. قد تكون الحيرة والتردد من عوائق تشغيل طاقة الداعية. فان كانت لكثرة مجالات العمل والتردد بينها ينبغي ان يأخذ بتوجيه الدعوة في تحديد الاولويات. وان كانت لقلة المجالات عمل الداعية بالمجال المتيسر حتى ينفتح غيره. وان كانت لعدم وجود مجال للعمل وعدم امكانية فتحه تعين على الداعية ان يهاجر كما ذكرنا. وان كانت لحالة تشوش وعدم وضوح لما ينبغي عمله للدعوة، فهي حالة عرضية ينبغي ان يخرج الداعية من ظلمتها الى نور خط الدعوة.

الحوافز الايمانية

الحوافز والدوافع الى العمل هي النوايا التي بسببها ومن اجلها يقوم الانسان بالعمل، وهي اقسام عديدة: بسيطة ومركبة وثابتة ومتغيرة، وظاهرة وباطنة..الخ. والذي يهمنا منها تقسيمها الى: صحيحة وباطلة، أو مخلصةوغير مخلصة. فالحوافز والنوايا الباطلة ماكانت ترجع مباشرة أو بالواسطة الى غرض دنيوي. والصحيحة ما كانت ترجع مباشرة أو بالواسطة الى اطاعة امر الله تعالى.

وكلامنا عن الحوافز الايمانية عند الدعاة والتي يفترض فيها الصحة لان الداعية الذي اختار طريق الدعوة طريق المتاعب والتضحية والبلاء والآلام ينبغي ان يكون اخلاصه لله تعالى من بدائه عمله ومرتكزات شخصيته وان يحافظ عليه مما يعتريه في الشدائد والرخاء.

ونحن نتعامل مع اخواننا الدعاة ومع المؤمنين من الامة على هذا الاساس حتى يثبت عكسه، ونعتبر كل تعامل مخالف لذلك مخالفا للمفهوم الاسلامي بوجوب الحمل على الصحة والاحسن واجتناب الظن اجْتَنِبُوا كَثِيرً‌ا مِّنَ الظَّنِّ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرً‌ا

”احمل امر اخيك على احسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك عليه“.

والحوافز والدوافع الايمانية التي تدفع الداعية الى عمل الدعوة متعددة، كما ان قوة دفعها متفاوتة، فقد يكون بعضها اساسيا في داعية، ومكملا أو ثانويا أو غير موجود في داعية آخر. وقد يكون بعضها اساسيا في عمل أو حالة دون عمل أو حالة اخرى.. ولا بأس بذلك ما دام يوجد في نفس الداعية ما يدفعه الى طاعة امر الله تعالى والعمل للدعوة.. ولكن الفرق بين الدوافع يظهر اثره في منعطفات حياة الداعية عند الصعاب التي تعرض له أو الرخاء الذي ينزل عليه:

  • أ. فان كانت خليطة مع دوافع الآخرة بما هو مرتبط بالارض وان رجع الى الله تعالى كهدف النجاح في عمله والتأثير في الامة وتحقيق النصر للدعوة، ولم ينجح في عمله وتأخر انتصار الدعوة وطالت عليه المحنة.. فقد تفتر همته وتضعف دوافعه الى عمل الدعوة وان كانت خليطة بما يتعلق بشخصه ـ اذا امكن ان يكون ذلك حافزا ايمانيا راجعا الى الله تعالى ـ كموقعه في الدعوة ومكانته في الامة وعيشته الشخصية ثم فقد ذلك فقد تضعف دوافعه الى عمل الدعوة ايضا.

  • ب. واما اذا كانت مرتفعة عن خليط الحياة الدانية وخالصة أو شبه خالصة الانطلاق من الحياة الآخرة لم يؤثر عليها ما يعرض في الارض تأثيرا يذكر. ويبقى عاملا للدعوة طوال حياته.

  • ج. الحوافز الايمانية هي وقود عمل الداعية, والمحرك الذي يحرك طاقته للعمل في سبيل الاسلام. وينبغي له ان يجاهد نفسه للتخلص من الخليط المرتبط بالارض وما فيها وان كان يرجع الى الله تعالى أو يغلب عليه مايرجع الى الله تعالى.. وذلك بالتفكر والوعي لرداءة نوعية هذا الخليط بالنسبة الى الدوافع المرتبطة بالآخرة، وقيمته الدنيا بالنسبة لقيمة دوافع الآخرة العليا.. حتى يحصل على خالص الوقود وجودة المحرك ونقاء النوايا عما قد يضر.

بل ينبغي للداعية العارف بدعوته ان يكون مقتديا بالانبياء والائمة عليهم السلام الذين لا خليط من الارض في حوافزهم الايمانية بل ان حب الجنة وخوف النار يشكلان حوافز ثانوية أو خليطا للحافز الاسمى الذي هو ذات الله سبحانه واهليته للعبادة

”الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولاطمعا في جنتك، ولكني وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك“

ولانهم عليهم السلام عملوا بوقود هذا الحافز العظيم نراهم حافظوا على مستوى طاقتهم في العمل للدعوة طيلة حياتهم الشريفة وفي كل الظروف والحالات التي مروا بها.

ظواهر حدثت في الدعوة وفي الامة وفي الاعداء

ظواهر في الدعوة

تخوض دعوتنا المظفرة في الاقليم العراقي وتتأثر بذلك في الاقاليم الاخرى اشد صراع خاضته حركة اسلامية مع اعداء الاسلام من الانكليز والامريكان وعملائهم المتربين على رضاع حقدهم الصليبي الاستعماري الوحشي على الاسلام والدعاة الاسلاميين.

ومن الطبيعي ان تظهر في هذه المعركة الشرسة ظواهر في الدعوة ايجابية واخرى سلبية، سنة الله في عباده الذين يمتحنهم بالسراء والضراء والبأساء حتى يكونوا اهلا لنصره والشهادة على الناس.

وسوف نستعرض بعض الظواهر الايجابية كي نستوعبها ونستفيد منها وبعض الظواهر السلبية كي ندرسها ونعالجها، على نهجنا في الصدق مع انفسنا ومع الامة وفي الثقة بالله تعالى ومسيرتنا لانقاذ امة رسوله واعلاء كلمته.

١. تجاوز الدعوة حواجز التعتيم

من الظواهر الايجابية ان دعوتنا تجاوزت حواجز التعتيم التي حرص المستعمرون وعملاؤهم سنين طويلة على فرضها علينا وتغطية وجودنا واعمالنا على عادة المستعمرين في الحرص على تصوير عملائهم الحكام في اقاليمنا الاسلامية بصورة الممثلين للمسلمين والحاكمين بارادتهم، وحرصهم على طمس حقيقة عدم رضا الامة بتسلط المستعمرين وعملائهم ومقاومتها لهم.

وعندما يظهر التحرك الحقيقي غير المرتبط بهم ولا يستطيعون القضاء عليه وابقاءه ضمن اسوار التعتيم فانهم يسلطون عليه الاضواء لجمع المزيد من المعلومات لاستخدامها في خططهم المتعددة للقضاء عليه ويوجهون اليه انواع الدس والافتراء بقصد تشويهه في نظر الامة والعالم.

وقد بينا جانبا من تجاوز الدعوة لحواجز التعتيم في سلسلة مقالات الخريطة السياسية، وستفرض دعوتنا نفسها اكثر فاكثر على الاعلام العالمي والساحة في مرحلتها الحاضرة وما بعدها بعون الله تعالى.

٢. اصبحت الدعوة تيارا في الامة:

تبدأ الدعوة حياتها نواة في الامة، ثم وجودا ناشئا، ويشتد عودها وتتوسع.. حتى تستكمل هدف المرحلة الاولى فتكون وجودا سياسيا وتيارا لايستطيع المستعمرون وعملاؤهم القضاء عليه. وتبعا لقوة فكر الدعوة وتأثيرها في الامة، وقوة مواجهتها لأعداء الاسلام وصمودها امام هجماتهم تكون قوة وجودها السياسي حتى تصبح تيارا سياسيا يمثل ضمير الامة وعقلها وشعورها.. وهذا ماحققته دعوتنا المظفرة بتوفيق من الله تعالى في اقليم العراق، فقد تعدى خط الدعوة الفكري والعملي والسياسي كونه خطاً يلتزم به الدعاة ويدعون اليه الامة، واصبح خطا في الامة تعرف قيمته وتؤمن به وتبحث عنه وتلهج به، وما من بيت في العراق الا ويلهج بذكر الدعوة وقد تعدى وجود الدعوة البشري كونه وجود جماعة الدعاة والمتعاطفين معهم الذين شملهم الاذى والتعذيب والارهاب وقدموا الشهداء في سبيل الدعوة، او لا زالوا يعملون في الظروف البالغة الصعوبة، وهم كثيرون من اقصى الاقليم الى اقصاه، واصبحت الدعوة تيارا تمثل قضية الامة وتوجد في نفوس رجالها ونسائها واطفالها بايمان وتقدير وان حالت قسوة الارهاب الكافر دون التعبير عن ذلك. وفي الذين يتخطون حاجز الخوف ويحملون لواء الدعوة ويشكلون مجموعات ثورية ويعملون ضد السلطة الكافرة باسم الدعوة دون ان يتصل بهم الدعاة مؤشر على ان الدعوة اصبحت تيارا في الامة وخطا تؤمن به وترفع لواءه في مقاومة اعدائها.

كل ذلك بتوفيق من الله واصالة خط الدعوة وصحة عملها طوال المرحلة الاولى مع الامة، وتأثير الثورة الاسلامية الايرانية المباركة، وصمود الدعاة وتضحياتهم التي اصبحت مثلا في نفوس الامة وعلى السنتها.

ان الهجمات الاستعمارية لن تستطيع بعون الله تعالى ان تقضي على دعوتنا، ولن تميت امرنا بعد اليوم مهما كادت كيدها.. فان افواجا من ابناء الامة يحملون راية الدعوة ويسيرون بالامة في خطها. وستظهر هذه الحقيقة اكثر على رغم فترات الجزر في الامة وشدة المحنة التي تضفي على النظر غشاوة فلا يرى البعض تيار الدعوة.

٣. الصمود والتضحيات

ان صمود المجاهدين من الدعاة والمتعاطفين امام تعذيب الوحوش البشرية ابناء الحقد الاستعماري على الاسلام والمسلمين امام اغراءاتهم الدنيوية الطائلة، واعمال المجاهدين الفدائية العديدة.. قد دخلت التاريخ بقوة واضافت صفحات مميزة الى مواكب المضطهدين والمضحين في سبيل الرسالة الالهية من اصحاب نوح وابراهيم وموسى ومحمد صلوات الله عليهم من مؤمني قوم فرعون، واهل الكهف، واصحاب الاخدود، والذين صلبوا على جذوع النخل ونشروا بالمناشير، وعذبوا في الرمضاء تحت سياط الجلادين، ودفنوا وهم احياء، وتقدموا الى القتل بنفوس ثابتة وقارعوا الاعداء بشجاعة نادرة.. وسيكشف المستقبل عن المزيد من سجلات رجال الدعوة ونسائها واصحابهم واطفالهم، وستغني بظهورها حركة الاسلام التاريخية والحاضرة ومسيرته الحضارية الربانية الجديدة.

وينبغي للدعاة ان يكتبوا ما يعرفون من قصص اخوانهم وقصصهم فيها عبرة وعطاء.

وقد صدق رسول الله ﷺ حيث قال:

الا ان السلطان والقرآن سيفترقان فكونوا من اصحاب القرآن. الاوسيولى عليكم امراء ظلمة ان اطعتموهم اضلوكم، وان خالفتموهم قتلوكم.

قيل وما نصنع عند ذاك يارسول الله؟

قال: تصبرون كما صبر الذين من قبلكم: صلبوا على جذوع النخل ونشروا بالمناشير.. وانها لموتة في سبيل الله خير من حياة في معصيته.

٤. افكار واشكالات معوقة

نستعرض الآن بعض الافكار والاشكالات التي كانت ظهرت من البعض على اثر الهجمة الشديدة التي تعرضت لها الدعوة عام ١٣٩٤ هجري المصادف ١٩٧٤م وكانت تدور حول بعض افكار الدعوة وقيادتها التي سببت في نظرتهم ”خسارة“ كوكبة الشهداء السعداء واعتقال وتشريد العديدين من الدعاة، وقد وصلت لدى البعض الى اعتبار ان الدعوة قد انتهت بتلك الهجمة.. وقد اجابت الدعوة بتوضيح خطها في سلسلة ”توضيح بعض المسائل التنظيمية“ وغيرها.

وعادت هذه الافكار والاشكالات الى الظهور على اثر الهجمة الشرسة في المرحلة الحاضرة ولكن بشكل آخر حيث تدور حول نقص عمل الدعوة للمرحلة وليس حول اعمال لاموجب لها كما كانت في الماضي، والسبب في ذلك هو التغيير السياسي الذي حدث في الامة بفضل الثورة الاسلامية الايرانية وظهور تأثير الدعوة وتحرك الشهيد الصدر مما جعل هؤلاء الاخوة اقرب من السابق الى خط الدعوة في قبول التحرك.

وعلى مسلكنا في معالجة هذه الامور نناقش ماهو خاطىء نقاشا فكريا لتوضيح خط الدعوة، ونعيد الى الاذهان ماقلناه عام ١٣٩٦ هجري حول النقاش الفكري في صوت الدعوة فقد قلنا:

”اعتبر بعض الدعاة ان النقاش الفكري في النشرة المركزية هو كشف غير مرغوب فيه لبعض امور الدعوة، وهذا الاعتبار فيه: نوع من الهروب من الحقيقة لأن الاختلاف داخل الدعوة مقبول ومعترف به الا اذا كان يؤثر على مسيرة الدعوة فعند ذلك اما ان يهمل أو يناقش نقاشا شفويا أو يناقش في منشور خاص أو يناقش في النشرة المركزية.. وقد استعملت الدعوة جميع هذه الاساليب حسب الوضع والغرض والاثر وسنورد نقاطا لتوضيح الموضوع:

  1. هذا النقاش في النشرة المركزية هو ليس اول نقاش للافكار التي لاتتماشى مع تيار فكر الدعوة، او الاعمال التي لاتصب في مجرى اعمال الدعوة. ان احد مصادر الفكر التنظيمي في الدعوة هو نقاش مثل هذه الافكار.

  2. اهمية النقاش تأتي من انه وسيلة للمحافظة على خط الدعوة، والنظر اليه بأنه نقاش شخصي، نظر مشوش تختلط فيه مفاهيم العمل الجماعي للاسلام بمفاهيم الاعمال السياسية الاجتماعية الراكدة التي تطغي عليها النظرة الشخصية أو النظرة الفردية. ان العمل الجماعي يطوي في اعماقه الافراد ويترفع عن الاهتمامات والخلافات الشخصية ويهتم بالعمل اكثر من اهتمامه بالاشخاص وينظر الى الدنيا من خلال الآخرة.

  3. نشرات الدعوة وخاصة النشرة المركزية تمثل الدعوة ولا تخص من يكتبها، وهي ملزمة لجميع الاعضاء. انها الخيط الذي يتمسك به الدعاة فيوحد نظرتهم للامور والاحداث، والفكر الذي يدرسه الدعاة ويظهر على السنتهم وكتاباتهم ويميزهم عن غيرهم بالفهم والادراك.

  4. النقاش لايعني الخلاف، ولكن يعني ان فكر الدعوة كذا وكذا وليس كذا وكذا.. ان الدعوة تتميز بطريقتها في التعامل مع الدعاة وغيرهم، فمع ان فكر الدعوة صحيح وملزم لجميع الدعاة والميزان التي تزن به فهم الدعاة والامة للاسلام والواقع واساليب العمل.. الا ان الدعوة لاسلطان لها لتفرض بها فكرها على الدعاة والامة ـ اذا امكن ان يفرض الفكر ـ كما ان الدعوة لا تؤمن في التعامل مع الدعاة والامة بطريقة الاحزاب السائدة التي تتضمن اساليب الفاشية والشرطة والشركات.. الا ان الداعية يعين انسجامه مع الدعوة وموقعه منها بكمية وكيفية التزامه بافكار الدعوة.

ان طريقة الدعوة في تجميع طاقات الصفوة من ابناء امتنا تختلف عن بقية الاحزاب، وقد تبدو في هذه الطريقة بعض نقاط الضعف، ولكن هذه الطريقة هي من اسرار هذه الدعوة في مسيرتها وهي مستمدة من طريقة الرسول ﷺ في التعامل مع اصحابه.

ان الحد الادنى من الالتزام بالاسلام وبفكر الدعوة مبين في كثير من نشراتنا وهو يتلخص بالايمان والالتزام بالاسلام نظاما الهيا شاملا للحياة، وبالالتزام بفهم الدعوة للواقع والالتزام باسلوبها في العمل، وان اختلف فهم الداعية الشخصي في بعض التفاصيل عن فكر الدعوة. وما فوق ذلك من الالتزام فيبين موقع الداعية من العمل.

انتهى.

  • أ. فمن هذه الافكار: الاشكال على الدعوة بأنها لم تستعد عسكريا لدخول المرحلة السياسية ومواجهة السلطة، وكأن هؤلاء الاخوة قد نسوا الظروف البالغة الصعوبة التي نشأت فيها الدعوة وشقت طريقها بعون الله وتوفيقه: ظروف الفقر والحاجة بحيث لم تستطع الدعوة يوما ما ان تسدّ النفقات الضرورية لاعمالها ولعوائل المعتقلين والمهاجرين الذين تمنع عنهم اموال الاسلام. وظروف الامة الراكدة والمتدينين القاعدين الذين يتطيرون من العمل المنظم للاسلام ويشيرون بالاتهام ويعادون من يحمل افكارالدعوة.

    أو نسوا ظرف دخولنا المرحلة والهجمة الاستعمارية والضربات المستمرة على الدعوة.

  • ب. ومنها: الافكار والاشكالات المعوقة لعمل العنف الذي تبنته الدعوة في وجه الهجمة.. تارة بحجة الاحتياط بالدماء واخرى بحجة المحافظة على وجود النخبة القيادية في الامة من الدعاة عامة أو كوادر الدعوة خاصة، وثالثة بحجة ضرورة تجميع السلاح واعداد المجموعات وربط الخطوط في مناطق الاقليم اولاً، ورابعة بحجة ضرورة توفير حماية الامة للمجاهدين اولاً، وخامسة بحجة ضرورة الاقتصار على العمليات الاساسية لأن ضرر العمليات الصغيرة اكبر من نفعها، وسادسة بحجة اليأس من تحرك الامة في الاقليم بعد ان لم تتحرك بكل ماحصل.. الخ. وقد تأثر بذلك بعض الدعاة في الساحة لفترة من الوقت.

    ان الاحتياط لمصلحة الاسلام في هذه المرحلة هو في استمرار وتصعيد العمليات العسكرية وبذل دمائنا الزاكية في سبيل الله تعالى وان لنا اسوة برسول الله ﷺ الذي كان يتقدم مع خيرة اصحابه الى قلب المعركة. وان حماية الامة لنا لاتتحقق الا اذا تقدمنا امامها للتضحية بصدق وشجاعة. وان كل عمل عنيف من الدعاة والامة ضد السلطة هو عمل في خط الدعوة، ولا يتوقف ـ وكثيرا ما لا يحتاج ـ على تجميع وربط خطوط.. الخ. واننا لا ندخر امكانية متيسرة لنا للقيام بعمل صغير أو كبير.. وان فترات الجزر في الامة قد تطول كما شاهدنا في ايران ولا يعيد الى الامة حالة المد سوى استمرار وتصعيد عمل الطليعة بمشيئة الله تعالى…

    ان هذه الافكار التي تمثل موقف الدعوة وخط سيرها واضحة لدى الدعاة، وسوف تتضح اكثر من خلال سيرنا والقاء مزيد من الضوء عليها ان شاء الله تعالى.

  • ج. ومنها: الذيلية والتبعية الفكرية والعملية تأثرا فكريا ببعض الافكار الرائجة في أوساط اسلامية مع انها ليست من فكر الدعوة الاصيل وتقليدا أو رد فعل لاعمال شكلية أو ثانوية أو غير راجحة لمجرد انها تقوم بها بعض الاوساط أو من يتراءى انهم منافسون للدعوة.. مما يفقد عملنا الدعوتي اصالته المميزة، ومبادراته الرائدة واساليبه المبتكرة في العمل الحقيقي.

  • د. ومنها: الاهتمام بالاعمال الشكلية. فقد برز لدى بعض الدعاة الاهتمام بالمظهر الشكلي السياسي والمظهر الشكلي الاعلامي والمظهر الشكلي الاجتماعي وباشكال وصيغ العمل في الدعوة، ورافق هذا الاهتمام ضمور في مضمون بعض اعمال الدعوة الحقيقية. ان الاهتمام بالعمل الشكلي يجعل الداعية شبه قاعد أو شبه عامل ويصدق عليه تعبير ”المشغول بلا شغل“.

٥. الاقبال على الدعوة

من ظواهر المرحلة الاقبال الواسع من الامة على عمل الدعوة ويعود ذلك الى تأثير الثورة الاسلامية الايرانية على جميع المسلمين وتزايد ظهور الدعوة في صراعها مع النظام العميل في العراق. فقد اصبحت الامة حقلا خصبا في غالبية الاقاليم التي تعمل فيها الدعوة على رغم زيادة التجسس والارهاب التي توازي هذه الخصوبة ـ واقبل على تأييد اعمال الدعوة والانتظام في صفوفها اعداد من طليعة الامة وحققت الدعوة في بعض الاقاليم خطوات قياسية في تنظيمها واعمالها بتوفيق من الله تعالى. وفي اقليم العراق وفي الظروف البالغة الصعوبة والخطورة تحتاج الدعوة الى جهود اضافية لاستيعاب الاعداد الواسعة من المتعاطفين ومنهم من يقوم بتشكيل مجموعات ثورية تعمل في خط الدعوة ويبحثون عن الدعوة للانتظام في صفوفها.

وعاد الى الدعوة اكثر الذين تركوا العمل فيها على اثر هجمة عام ١٣٩٤ هجري وقبلها. واقترب منها أو اهتم بها كل الاسلاميين الذين لهم اهتمامات بالعمل العام في مناطق عملها.

ان هذا الاقبال يؤكد مسؤوليات الدعاة الميامين في مايلي:

  • أ. استيعاب كافة الطاقات الجديدة وتشغيلها في اعمال الدعوة المتعددة في اتجاه الاهداف المرحلية والاهداف العليا للدعوة..

  • ب. تركيز خط الدعوة في شخصيات الدعاة الجدد واعمالهم وان كثرة الاعمال وضيق الوقت لدى الدعاة والمجاهدين المستوعبين لخط الدعوة الفكري والعملي الذين درسوا ثقافة الدعوة ومارسوا العمل مع المجاهدين والقياديين الذين يمثلون خط الدعوة وتتلمذوا على ايديهم، وكذلك اندفاع الدعاة الجدد الى العمل والنشاط لايجوز ان يكون عذرا في التقصير وعدم تدريسهم ثقافة الدعوة وتركيز خطها الفكري والعملي في وعيهم واعمالهم، لأن تركيز ثقافة الدعوة يبقى ذا اولوية دائمة في كل الحالات في مسيرة الدعوة.

    وقد كان رسول الله ﷺ يهتم بالمسلمين الجدد الذين كانوا يدخلون في دين الله افرادا وافواجا ويبث المستوعبين للاسلام بينهم ويكلفهم بأن يركزوا خط دعوته في شخصياتهم واعمالهم.

  • ج. تطبيق طريقة الدعوة المتميزة في جمع طاقات طليعة الامة وصفوتها من الدعاة وغيرهم والتي تمثل اهم خطوطها القواعد التالية:

    1. قضيتنا هي العمل للاسلام: فيما يقرب المسلمين منه وما يخدم دعوتنا اليه، وما ينفع المسلمين في شأن من شؤونهم. وهي محور تفكيرنا ومقياس علاقتنا بالمجتمع.

    2. نقبل من يقترب للعمل معنا قليلا أو كثيرا، ونحرص على العلاقة به اذا ابتعد، ونقبله اذا عاد.

    3. نؤيد من يعمل للاسلام قليلا أو كثيرا ونتعاون معه واذا كان بعيدا عنا أو مخاصما لنا نطبق عليه قاعدة ”دعهم يعملون“ ”ولا نخاصم من يخاصمنا ولا نعادي من يعادينا“.

    4. نتمسك بفكرنا: العام والايماني والتنظيمي والسياسي المستنبط من وعينا للاسلام والواقع وتجارب عملنا ونؤمن بانه صحيح ومبلور، نعبد الله تعالى ولا نحيد عنه قيد انملة حتى يثبت خطؤه أو نجد ما هو اوضح منه.

    5. لا سلطان للدعوة كي تفرض على جميع الدعاة فضلا عن المؤيدين والمتعاطفين الاخذ بجميع افكارها. ولكن الداعية يعين انسجامه مع الدعوة وموقعه منها في كمية وكيفية التزامه بفكرها.

    6. الذي يترك الدعوة نفتح امامه طريق العودة الى الانتظام في الدعوة. وفي المهمات التي نعهد اليه بها نأخذ بعين الاعتبار الامور التي قد تؤثر على اسنادها اليه.. فالذي يترك العمل في الدعوة لمدة قصيرة وفي ظروف معينة يختلف عن الذي ترك العمل لمدة طويلة.. والذي واكب الدعوة بقراءة فكرها والمشاركة في شيء من عملها يختلف عمن انقطع كليا عن فكر الدعوة وعن العمل للاسلام.. والذي ترك الدعوة في الظروف الصعبة وعاد اليها في نفس الظروف أو عاد للعمل في ظروف مشابهة، يختلف عن الذي عاد اليها في ظروف الامن والرخاء.. والذي يشعر بخطأ تركه الدعوة والعمل للاسلام يختلف عمن يصر على صحة قعوده..الخ.

والقاعدة العامة في ذلك قبول الجميع وفهمهم جيدا ووضع الداعية في الموقع المناسب وافساح المجال لتفجير طاقته كاملة في العمل.

٦. تكدس طاقات الدعاة في بعض مناطق الهجرة

تسببت الهجمة الشرسة في هجرة العديد من الدعاة وفيهم اصحاب مستويات وقابليات فكرية وعملية جيدة ومجاهدون قياديون، وقد توزعوا على عدة مناطق، وتجمع في بعض المناطق عدد كبير منهم وحدث ان تعطلت طاقات اكثرهم عن العمل لاسباب متعددة اهمها:

  • أ. توقع العودة السريعة الى اقليم العراق بانتصار الاسلام وسقوط النظام العميل، او بارتفاع المطاردة.

  • ب. التوجه الى العمل للعراق دون غيره من مناطق الهجرة.

  • ج. في المهاجرين دعاة جدد ومتعاطفون انضموا الى الدعوة في مناطق الهجرة وهؤلاء ينقصهم استيعاب فكر الدعوة وخطها في العمل ويساهم ذلك في تعطيل طاقاتهم.

  • د. نقص امكانات الدعوة المادية لتأمين شؤون معيشة المهاجرين وفتح مجال العمل امامهم.

  • ه. قلة الاهتمام بتنظيم الدعاة وتشغيل طاقاتهم في خط الدعوة مما جعل منطقة العمل المذكورة تحوي اعدادا كثيرة من الدعاة ولكنهم لا يشكلون دعوة. وسوف نتعرض لذلك في الوقت المناسب ان شاء الله تعالى.

ولمعالجة مثل هذه الحالة ينبغي للمسؤولين والدعاة تطبيق الامرين التاليين:

  • أ. دار الهجرة دار عمل جديدة، فدعوتنا لكل المسلمين في العالم، ونعمل ماوسعنا العمل مع المسلمين الذين نكون بينهم على اننا دعوة في تلك المنطقة طالت مدتنا فيها أم قصرت. وكل من لا يستطيع العمل لاقليم المرحلة السياسية ولا تستوعبه مجالات العمل الثلاثة الاساسية للاقليم: العمل الاعلامي والاختصاصي والعسكري ينبغي ان يعمل في دار الهجرة كما لو كان من ابنائها سواء كان عمله في المرحلة الاولى التغييرية أو الرابعة الحكمية. واذا لم تنفتح امامه ابواب العمل لاقليم العراق ولا في منطقة الهجرة تعين ان يهاجر الى حقل عمل آخر.

  • ب. تؤكد الدعوة للدعاة المهاجرين حفظهم الله على اهمية مبادراتهم في العمل للدعوة، فلا شيء يوقف الداعية عن العمل ما دام ضمن خط الدعوة والمرحلة والخطة العامة لمنطقة العمل وتساند الدعوة مبادرات الدعاة في مجالات العمل المختلفة وتتبناها لأنها جزء من عملها..

ظواهر في الامة

١. حالات المد والجزر
  1. انتعشت الامة الاسلامية في ارجاء المعمورة وعاشت حالة مد اسلامية بفعل الثورة الاسلامية الايرانية وانتصارها، وازدهرت آمالها بعودة الاسلام كيانا سياسيا عزيز الجانب مرفوع الراية وبلغت حالة المد درجة عالية لدى الامة في العراق فتقدمت خطوات مع الدعوة وتحرك المرجع الشهيد السيد الصدر رضوان الله عليه وتعاطفت مع الدعاة وشاركتهم الجهاد وقدمت في سبيل الله تضحيات متعددة..

    وقد واجه الاستعمار هذا المد بأشد انواع القمع والبطش والارهاب، وفي الاجواء المسعورة التي اشاعها في مناطق الاقليم اقدم على قتل سجين بيته الامام الصدر وقتل المئات من علماء الامة ومجاهديها. وقد احدث ذلك حالة خوف في الامة سببت انكماشا في حالة المد الاسلامي التي كانت تعيشها. وساعد على حدوث حالة الجزر هذه ان الامة كانت تتطلع الى موقف الدولة الاسلامية الى جانبها واسنادها لتحركها تطلعا وصل الى نوع من الاتكالية، ثم وجدت نفسها تواجه هجمة السلطة وارهابها من ناحية ولاترى تحققا لتطلعها في تدخل الدولة الاسلامية واسنادها المنتظر.

    واصلت الدعوة في فترة الجزر هذه مواجهتها للهجمة الاستعمارية باعمال العنف والاعمال السياسية الاخرى الممكنة، يشاركها في ذلك من واصل التعاطف والتأييد والمشاركة من الامة.. الى ان حدثت حالة المد الثانية في الامة على اثر الحرب التي شنها الاستعمار للقضاء على القيادة الاسلامية والثورة الاسلامية، فبعد ان فشلت خطة الحرب العاجلة وصمدت الدولة الاسلامية في وجه العدوان وردت بضربات مركزة على مواقع السلطة العميلة في العاصمة ومناطق الاقليم، وعمت اجواء الحرب وقام الدعاة بتصعيد العمل ضد السلطة.. في هذا الظرف حدث في الامة مد جديد، وخشي الاستعمار من انتفاضة شعبية ضد نظامه وظهرت هذه الخشية على وسائل الاعلام والدوائر الاستعمارية واخذوا يفكرون جديا في استبدال عميلهم واعوانه بآخرين، وضاعفت السلطة العميلة من الارهاب البوليسي والقمع الوحشي فاقدمت على تقتيل المئات من الدعاة والمجاهدين ونشر الرعب والتجسس في كل زاوية من العراق.. مما سبب حالة جزر ثانية ساعد على حدوثها ايضا تطلع الامة الى الحرب كي تحسم معركتها مع السلطة وتسقط النظام العميل.

    ومرة اخرى وجدت الامة نفسها تواجه هجمة السلطة الاستعمارية من ناحية وان الحرب تراوح مكانها وهي تدور على الاراضي الايرانية وتحتل السلطة العميلة مدنا واجزاءا من الدولة الاسلامية.

  2. قلنا في بداية المرحلة السياسية ان عملنا ليس مدا دائما لا جزر فيه.. وعندما تكون الامة في حالة مد نقودها الى الامام وعندما تتعب ويسيطر عليها الخوف وتضعف آمالها لا ندع حالة الجزر تتحول الى ركود بل الى استرجاع الامة لقوتها وزيادة وعيها لضرورة مواصلة الكفاح والكره من جديد لاسقاط النظام العميل..

    ان مسؤوليتنا في العمل والتضحية في حالات الجزر لا تقل عنها في حالات المد. وان حالات سيطرة الخوف وضعف الامل واليأس من النصر لا تسري من الامة الى احد من الدعاة، واذا حصل ذلك فقد تحول الداعية الى شخصية عادية لا تستطيع مواصلة السير القيادي في طريق ذات الشوكة، فالداعية العارف بدعوته وطريقتها العامة في خطها ينشر في الامة الشجاعة والثقة بالله تعالى ونصره وتسري منه الى الامة الطمأنينة والامل واليقين والاقدام.

٢. نظرة الامة الى الدعوة

لقد شق الدعاة للامة طريق العمل لاسقاط النظام العميل واقامة نظام الاسلام. ولقد جسدوا بفكر الدعوة وسلوكها اعلى واغلى ما تتطلع اليه من قيم الاسلام والتضحية في سبيله. ولذلك اصبحت الامة تنظر الى فكر الدعوة على انه يمثل عقيدتها وشريعتها التي تؤمن بها، وتنظر الى طريق الدعوة السياسي على انه طريقها الصحيح الذي ينبغي ان تسلكه. وقد رأينا الامة في حالة المد الاسلامي ترجع في امورها الى الدعاة حيثما وجدوا في مناطق الاقليم وتتقدم بقيادتهم بثقة وتقدير. وفي حالة الجزر تعيش مرارة الظلامة والالم والاشفاق لما وقع ويقع من السلطة العميلة على ابنائها المجاهدين وقادتها المخلصين وتعبر عن املها وتمنيها لهم بالنصر وتظهر منها حالات تعاطف ايماني مؤثرة.

لقد اصبح شهداء الدعوة يمثلون في ضمير الامة وعقلها وشعورها انصارا جددا للاسلام وامتداداً لاصحاب الحسين عليهم السلام في كربلاء ترى فيهم ظلامة العقيدة وترغب في الانتصار لظلامتهم وقضيتهم.

٣. تأثير الخوف على الامة وعدم تأثير الاغراء

سيف السلطان وديناره عاملان مؤثران على الناس في الرضوخ للسلطان الظالم واسكات السنتهم عنه، واحباط تحركهم ضده ويستعمل الاستعمار اسلوبي التخويف والاغراء هذين في جميع بلاد المسلمين والمستضعفين التي يحكمها بعملائه. ويكاد يتساوى تأثير هذين العاملين في المجتمعات المادية المتخلفة وفي المسلمين المتربين بمفاهيم الحضارة المادية، بينما يغلب تأثير اساليب الاغراء في المجتمعات المادية المتقدمة، اما في مجتمعات المسلمين التي تحتفظ بقدر من مفاهيم الاسلام وقيمه فان تأثير الاغراء يكون اضعف من تأثير الخوف. ونلاحظ ذلك في امتنا في العراق حيث لم يتأثر باغراءات السلطة الا القلة من المتأثرين بالمفاهيم المادية من فاقدي المفاهيم والقيم الاسلامية، ومن فاقدي قيمة الكرامة السائدة في الامة الذين يشعرون بانحطاطهم وازدراء الناس لهم رغم مناصبهم وثرواتهم التي شروا بها انفسهم للسلطان.

ان السبب الاساسي في حالات الجزر التي تمر على الامة في العراق هو شدة ارهاب السلطة العميلة وامعانها في سفك الدماء، ولو ارتفع ذلك لما اثر على عامة الامة ملايين الدنانير وانواع الاغراءات التي تستعملها السلطة العميلة. وهذا مؤثر ايجابي في الامة ومبشر بتقدمها معنا في الجهاد بمجرد ان يحدث لديها انكسار حاجز الخوف. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ رَ‌بُّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٩﴾.

ظواهر في الاعداء

خلال السنوات التي مرت على عملنا في المرحلة والتي حدث فيه انفجار الثورة الاسلامية الايرانية العظيمة وانتصارها ظهرت في الاعداء عدة ظواهر نستعرض اهمها للتأكيد عليها والفات الدعاة كي تكون تفاصيلها ومستجداتها موضع اهتمامنا جميعا بعون الله تعالى.

١. اجماع الجاهلية وتصميمها على حرب الاسلام

الظاهرة القديمة الجديدة التي برزت وتزايدت هي اجماع الجاهلية وتصميمها على القضاء على المد الاسلامي الذي تراه متمثلا في الدولة الاسلامية وامتداداتها المباشرة وغير المباشرة من الحركات الاسلامية والتحركات والاعمال الاسلامية، ويعتبر الجاهليون ان الدعوة اقوى واخطر امتداد مباشر للدولة الاسلامية الايرانية.

ونقصد باجماع الجاهلية: اجماع جميع اعدائنا المستعمرين بلا استثناء، يستوي في ذلك الاوربيون والامريكيون واليهود والروس، برغم اختلافهم وصراع النفوذ فيما بينهم، والعداوة والبغضاء التي القاها الله تعالى بينهم للحد من شرهم، وبرغم تفاوت الضرر الذي يلحق بنفوذهم وسيطرتهم من المد الاسلامي..فالجميع يرون بعينهم الاستعمارية الاستعلائية، وبعينهم الحاقدة العدائية للاسلام والمسلمين: ان المد الاسلامي ضرر مباشر أو غير مباشر عليهم، وخطر فعلي أو مستقبلي يجب القضاء عليه. ظهر ذلك في اقوالهم وافعالهم وان كان في الدول الاوروبية اقل ظهورا للعيان من امريكا واسرائيل، وفي روسيا اخفى للعيان من الجميع.

ان قول الله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُ‌وا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْ‌ضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ‌ ﴿٧٣﴾ ليس مقولة نظرية بل قاعدة سياسية للمسلمين واخبار من رب العالمين عن حقيقة سياسية ثابتة رأينا تصديقها عبر تاريخنا ونراه في حاضرنا. ولا يعني ذلك ان لا نستفيد من صراع النفوذ حيثما امكننا ذلك أو من اختلافهم في اساليب عدائنا.. ولكن يعني ان نجعل هذا الضوء الالهي على واقع اعدائنا عنصرا ثابتا في وعينا السياسي ومواقفنا ونستكشف به افكارهم واعمالهم وخططهم الموجهة في واقعها ضدنا وان جاءت مغلفة باغلفة كاذبة. ففي كل مايصدر عن المستعمرين جميعا مما يتعلق بالعالم الاسلامي، وفيما يصدر عن عملائهم الفكريين والسياسيين، ابحثوا ايها الدعاة عن الافكار والاعمال والخطط الهادفة لضرب المد الاسلامي.

ونقصد بتصميم الجاهلية: ان معركتنا معهم طويلة، فهم متمرسون ويملكون معلومات واسعة وقدرات كبيرة، ويواصلون تغيير الاساليب واستخدام البدائل في المعركة، والمد الاسلامي ناشيء والله تعالى يسدد العاملين في سبيله ويمدهم بالقدرة ويلهمهم اساليب العمل وينصرهم.

٢. انكشاف العملاء وتحالفهم

يعتمد الاستعمار الجديد في ادارة شؤون بلادنا والسيطرة عليها على فئة من عملائه الفكريين والسياسيين من ذراري المسلمين ويحرص على اخفاء ارتباطهم به وعلى اظهارهم بمظهر الحكام المستقلين الوطنيين الحاكمين بارادة شعوب المسلمين. ولكن هناك ثلاثة عوامل اساسية تؤثر في كشف ارتباط هؤلاء بالمستعمرين هي:

طبيعة السياسة الاستعمارية التي تنفذ بواسطتهم. وصراع النفوذ الاستعماري والمقاومة الحقيقية من انسان المنطقة للاستعمار.. وكلما قويت هذه العوامل ازداد انكشاف الانظمة الاستعمارية.

وفي خلال السنوات الاخيرة لم يطرأ على المنطقة العربية وايران في طبيعة السياسة الاستعمارية وفي صراع النفوذ جديد يوجّب زيادة انكشاف العملاء ماعدا تنفيذ الخطة الاستعمارية في مصر.. لذلك فان ظاهرة انكشاف الارتباط والعمالة في انظمة المنطقة انما كان بسبب مقاومة المد الاسلامي الذي اضطر الاستعمار بسببه ان يتصرف بما يكشف عملاءه حتى وصل بعضهم الى حد ”التجاهر بالعمالة“ وسيزداد انكشاف العملاء كلما اشتدت واتسعت المعركة بين الاسلام والكفر، وفي ذلك نفع كبير للوعي السياسي الاسلامي.

ومن مظاهر اضطرار المستعمرين لكشف عملائهم تغيير مواقعهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم على رغم الاطر والاساليب التي رسمها لهم من الانظمة الملكية والجمهورية والتقدمية والرجعية والعلمانية والاسلامية.. الخ. فقد حفلت السنوات الاخيرة بتغييرات متعددة في علاقات الانظمة ومواقعها. وسيزداد هذا الجانب من ظاهرة الانكشاف حتى يستوي في العداء للاسلام كل الحكام عملاء الاستعمار.

٣. العداء للدعوة

استعمل الاعداء للقضاء على الدعوة اسلوبين ظاهرين هما:

  • أ. خطتهم في الاقليم العراقي لابادة الدعوة والمتعاطفين معها من الامة على يد عملائهم الحاقدين الدمويين. والاستعداد للقضاء على الدعوة بخطة من نفس النوع او من نوع آخر في اقاليم اخرى.

  • ب. تسليط الاضواء على الدعوة والاهتمام بها لغرض جمع المعلومات عنها وتشويه صورتها. وقد ظهر ذلك في الصحف والاذاعات الاستعمارية بنشر اخبار وتقارير ومقالات متعددة عن الدعوة في الصحافة الاوروبية والامريكية، منها المقال الذي كتبه وزير خارجية فرنسا السابق ميشيل جوبير ونشرته مجلة الحوادث العميلة في اوائل ديسمبر ١٩٨٠م، والتقرير الذي اذاعه صوت امريكا، والتقرير المطول الذي اذاعته اسرائيل، وما اذاعته اذاعة لندن، فضلا عن الكثير الذي كتبه واذاعه اعلام عملائهم. وينبغي للدعاة حفظهم الله في كل الاقاليم ان يتتبعوا ويجمعوا اهم مايقوله الاعداء عن الدعوة ويزودوا به نواة الاختصاص السياسي الناشئة بمعونة الله.

كما ينبغي للدعاة التنبه الى الاساليب غير الظاهرة التي يستعملها الاعداء لضرب الحركات الاسلامية والقضاء عليها، والتنبه الى مؤشراتها، واهم هذه الاساليب مايلي:

تغيرات محتملة في الاقليم العراقي وموقفنا منها

  1. احتمال انسحاب جيش النظام العميل من اراضي الجمهورية الاسلامية بشكل مقبول للدولة الاسلامية الايرانية، وبقاء صدام في الحكم.

  2. احتمال استمرار الحرب أو عودة نشوبها بعد الصلح بنطاقها الفعلي أو بنطاق اوسع أو اضيق، أو تطورها الى اشكال اخرى مع بقاء صدام في الحكم.

    وهذان الاحتمالان لا يغيران شيئا من موقفنا ومن واجبات المرحلة

  3. سقوط الحاكم الطاغية وعدم قيام النظام الاسلامي، بأن يقوم الاستعمار بتغيير عميله كما كان مطروحا لديهم بعد فشل الحرب في تحقيق هدفها الاساسي في الاسابيع الاولى وحدوث المد الاسلامي في الامة في العراق. أو يقوم اشخاص من حزب البعث بالانقلاب على صدام وفرض الامر الواقع على اسيادهم، أو يقوم الجيش بذلك، أو فئات اخرى.. وهذا الاحتمال لا يغير شيئا من موقفنا وواجبات المرحلة ايضا، نعم قد نستغني عن اعمال العنف اذا لم تستعمل السلطة الجديدة العنف ضدنا.

  4. سقوط النظام الاستعماري وقيام نظام الاسلام، بأن تحقق الدولة الاسلامية نصرا مبينا يحدث في الامة مدا اسلاميا تصل معه الى مرحلة الثورة. أو يحدث ذلك في الامة لاسباب اخرى كنجاحنا في تحريك الامة بعمليات العنف والاعمال السياسية..أو بتحرير الدولة الاسلامية أو تحرير الدعوة لبعض مناطق الاقليم لتكون منطلقا للدعوة والامة لاسقاط النظام. أو يحدث ذلك بما يشاء الله من اسباب واحداث..

وقد كانت فترتا المد اللتان مرت بهما الامة في العراق ظرفين خصبين لو كان يمكن للدعوة استثمارهما باكثر مما استطعنا.

وعلينا كما قلنا مواصلة العمل وتصعيده حتى نحقق تحريك الامة سياسيا ونسقط النظام الكافر ونقيم نظام الاسلام بعون الله تعالى وان طال الطريق. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ، وَمَا النَّصْرُ‌ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿١٢٦﴾.