حول خط الدعوة وبعض المصطلحات

نشرت في "صوت الدعوة" العدد الثالت والعشرون صفر ١٣٩٨ هجري

جرى في الآونة الاخيرة نقاش في بعض اوساط الدعوة حول بعض المصطلحات والمسائل وقد بلور احد الاخوة المجاهدين النقاش في خلاصة. ونعرض فيما يلي فقرات من الخلاصة مع التعليق عليهاانشاء الله.

قال الاخ المجاهد حفظه الله:

”لا شك ان الاعتزاز بالخط والاطمئنان اليه شيء اساس في العمل الاسلامي، ولكنه ينبغي ان لا يؤدي ذلك الى ازدراء سائر الخطوط العاملة في صفوف الامة والانفصال والامتياز عن سائر الدعاة الى الله تعالى فالدعوة الى الله تعالى قائمة قبلنا ومعنا وبعدنا، ولا تنحصر بعمل الدعوة، فهناك امة من الدعاة المخلصين يدعون الى الله تعالى وهناك قطاعات من داخل الامة داعية الى الله تعالى ولا نتميز عنهم في الدعوة الى الله.

لا نفهم اساسا للتفرقة بين العمل الاصلاحي والعمل التغييري ليكون اساسا للتفرقة بين الدعوة الاسلامية وسائر الدعوات الى الله تعالى، فاقامة الصلاة من الدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدعوة الى الله تعالى، والدعوة الى اجراء الحدود الالهية المعطلة كذلك من الدعوة الى الله. وليست الدعوة الى اقامة الصلاة مثلا أقل شأنا من الدعوة الى اجراء الحدود المعطلة.. هذه الدعوات حلقة متشابكة، وكل هذه الدعوات تغييرية بالمفهوم القرآني في التغيير إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وكلها اصلاحية بالمعنى الاسلامي من الاصلاح

”خرجت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح في أمة جدي“

وعملية التغيير لا تتوقف عند قيام الحكم الاسلامي وانما تجري وتستمر بعد ذلك ايضا.

وبناء على هذا الاساس فان من المسلمين امة تدعو الى الله وتقيم الصلاة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو الى اقامة حدود الله تعالى ولا نمتاز عنهم نحن في طبيعة الدعوة. والانطلاق من موقف الدعوة وحده لا يكون له مبرر ولا يكون له نفع غير فصل الدعوة عن القطاعات الداعية الى الله تعالى، فالدعوة المباركة اذن من هذه القطاعات وهي منها، وهي كثيرة داخل الامة كالحوزة العلمية وخطباء المنبر الحسيني والمؤسسات الاسلامية والعلماء والمفكرون الاسلاميون المخلصون منهم والصادقون في عملهم نعم نحن نمتاز عنهم فقط بأمرين وهما تنظيم الدعوة الى الله تعالى والتخطيط لها.

فاذن نحن نرى ان دعوتنا هي نفس الدعوة التي قام بها الافراد والهيئات من الدعاة الى الله تعالى ونسلك نفس الخط وتجمعنا بهم وحدة الفكر والمصير والغاية. وعلى هذا الاساس تكون علاقتنا بالحوزة والمؤسسات الدعوتية والدعاة الى الله تعالى ونعتبر هذه المؤسسات وهؤلاء الافراد كلهم من اسرة واحدة.

تعمل الدعوة المباركة داخل صفوف الامة، وعلاقتها بالأمة هي قوام وجودها ومهما توثقت هذه العلاقة وتأكدت فأن مجالات وامكانيات العمل في صفوف الامة تزداد وتتسع. واذا تميزت الدعوة من الامة فانها تفوت على نفسها كثيرا من امكانيات العمل وفرص العمل، ولا يمكن توفير هذه الناحية بالمجاملة وانما لا بد ان تعتمد الدعوة في هذه الناحية على فلسفة تعتمدها في سلوكها وتعاملها مع الامة.

الدعوة ليست حدثا جديدا في تاريخنا وانما هي امتداد لدعوة الانبياء عليهم السلام ورسول الله ﷺ والائمة عليهم السلام وهي دعوة بعيدة الجذور في التاريخ تبدأ ببدء مسيرة الأنبياء عليهم السلام على وجه الارض. ولابد ان يدرك الداعية هذا الامتداد المبارك الذي يصل الدعوة بأنبياء الله تعالى: نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ورسول الله ﷺ والأئمة عليهم السلام وان الدعوة ليست حدثا جديدا ولا شكلا جديدا. لا بد من ربط الداعية بهذه الحقيقة بتركيز وتأكيد واستشعار هذه الحقيقة من خلال الآيات القرآنية الكريمة حيث يستشعر الداعية بأصالة الرسالة وامتداداته العميقة في التاريخ والموكب المبارك الذي يسير من خلاله. ولا شك ان تركيز هذا المعنى له تأثير على سلوك الداعية وتفكيره واسلوبه في الحياة وتحمله لمتاعب الطريق الوعرة بقوة وصبر واحتساب.

الدعوة تختلف عن سائر الفئات والاحزاب الاخرى، فان الحزب الشيوعي مثلا يعمل لايجاد وتكوين مجتمع شيوعي وقلب المجتمع الرأسمالي الى مجتمع الاشتراكية العلمية، وكذلك سائر الفئات السياسية.. واما الدعوة فهي تعترف بوجود الأمة والمجتمع الاسلامي وان هذا المجتمع قائم فعلا على ضعفه وصغر مساحته فهو أمر موجود، ونحن لانريد ان نخلق امة جديدة ولانتميز عن الامة المسلمة فان الامة قائمة بالفعل، جعلكم الله أمة وسطا، وانما نريد ان نمكن هذه الامة من الدعوة الى الله وتنفيذ شريعته وحدوده على وجه الأرض، وعلى هذا الاساس تقوم علاقتنا بالامة“

انتهت هذه الفقرات من خلاصة النقاش.

١. تعليق عام على خلاصة النقاش:

ان الافكار الواردة في الفقرات الآنفة والفقرات الآتية منها ما هو صحيح ومنها ما هو خاطىء ومنها ما يختلط فيه الفكر الصحيح بالفكر الخاطىء. وان وجود مثل هذه الافكار في ذهن بعض المجاهدين يعود الى سبب واحد أو اكثر من الاسباب التالية:

  • أ. عدم الاطلاع على فكر الدعوة. ولعل مرد ذلك الى مطالعة النشرات مطالعة سطحية مع ان النشرات وضعت للدراسة والتبني والتطبيق لا للاطلاع عليها كمعلومات عادية. أو الى عدم مطالعة النشرات لصعوبة وصولها نتيجة للظروف الصعبة التي مرت وتمر بها الدعوة.

  • ب. النظر الى النشرة وكأنها فكر غير ملزم. وقد عالج هذا الموضوع احد شهدائنا (رحمه الله) عندما كتب افتتاحية احد اعداد صوت الدعوة بعنوان (صوت الدعوة هي النبراس) وذلك لعلاج الحالة المرضية التي تظهر على بعض الافراد المنتمين الى الدعوة والذين لايلتزمون التزاما كاملا بما يرد فيها من فكر.

  • ج. تحميل الدعوة بعض الاخطاء والهنات الفكرية والفقهية التي تظهر على السنة بعض الدعاة أو تصرفاتهم وطريقة دعوتهم، فيؤدي ذلك الى ردود فعل لدى دعاة آخرين تظهر على شكل انتقاد لفكر الدعوة.

  • د. محاولة اعادة النظر بفكر الدعوة، واعادة النظر بفكر الدعوة عمل حيوي هام ولكن يقتضي دراسة النشرات واحدة واحدة وبعقلية مستوعبة للاسلام والعمل الحزبي ثم تعديل وتصحيح ما يكشف من خطأ، وكتابة النشرة المصححة بصورتها الصحيحة، على ان يتم ذلك كله بشكل مركزي. وهذا عادة يحدث من خلال حمل هم الدعوة وحمل هم الأمة والتفكير الدائم بالدعوة من خلال العقلية والنفسية الاسلامية والالتزام الكامل بما يصدر عن الدعوة واعطائه الأهمية التي يستحقها لعلاقته بتوضيح مسيرة الدعوة.

  • ه. الخطأ في تصور العمل الجماعي، حيث ينظر اليه كأنه مجموعة نشاطات متفرقة هنا وهناك تصدر من افراد تجمعهم صفة العمل للاسلام. ان العمل الجماعي هو العمل المرسوم الذي تصب فيه نشاطات الافراد فيكون عملاً واحداً تشترك فيه مجموعة من العاملين. بينما الاعمال الفردية مهما كبرت تبقى اعمالا فردية.

  • و. يمكن للعمل الجماعي ان يستفيد من الاعمال الفردية باعتبار ان مجموعة الاعمال الاسلامية الصادرة من الاحزاب والتنظيمات والهيآت والمؤسسات والأفراد.. تمثل بمجموعها الحركة الاسلامية في العالم.

  • ز. عدم التفريق بين الفكر المحرك المؤثر المغير والفكر الجامد الراكد الذي هو من نسج المجتمع الراكد. ان العمل لتغيير الاوضاع يختلف عن الوقوف في الموقع الذي تمليه المعطيات الاجتماعية ومعطيات البيئة والعادات والقوانين في مجتمع يسوده الجهل والظلم وتطبق عليه القوانين الوضعية، ولو كان هذا الوقوف ينصبغ بصبغة ثقافية اسلامية. ان الاختلاف بين العملين واضح وبيّن لكل ذي بصيرة نافذة ولكل داعية تمرس بالعمل الدعوتي.

  • ح. عدم التفريق بين العمل الاسلامي الشامل الذي يستوحي القرآن ويلتزم بجميع الاسلام ويعمل لنشر كلمته في العالم وبين النشاطات الاسلامية الجزئية. ان العمل الشامل يهتم بالدعوة الى الالتزام بالصلاة والعبادات المختلفة كما يدعو الى اجراء الحدود الاسلامية، ويعمل العاملون فيه مع السياسيين كما يعملون في الاوساط الشعبية. انه الصيغة الشاملة للدعوة التي تأخذ فيها الأعمال الجزئية مواقعها واتجاهها واحجامها الصحيحة. وهو العمل ذو الآفاق الواسعة الذي يستوعب المسلمين ويعمل لمصلحتهم في جميع اقطارهم ويعمل في المحيط المحلي والاسلامي والعالمي، لا كالعمل الضيق الافق الذي يهتم بجانب ويهمل جوانب ويهتم بقضية ويهمل قضايا.

  • ط. التأثر بالبيئة الفكرية والعادات والتقاليد والاعراف السائدة خاصة اذا كانت لها صفة اسلامية بشكل ما. ان البيئة الفكرية الاسلامية التي قبلت ان تعيش في ظلال القوانين الوضعية والسيطرة الكافرة والتي انحسرت حتى اصبحت بيئة فكرية تغلب عليها النظرية هي بيئة تحتاج الى تغيير مجرى فكرها الاجتماعي وشكل تناولها للاسلام والعمل له والى توسيع آفاق عملها ونشاطها واهتماماتها لتساهم في تيار التغيير العام الذي يريده الاسلام. ولا يصح ان تكون هذه البيئة مصدرا من مصادر الفكر التغييري الحزبي. ان الذي يريد ان يدعو الى الالتزامات الاسلامية كلها ويطرح قضية سيادة الاسلام ينبغي ان ينطلق من فكر مغير لما هو موجود.

  • ي. الفهم الخاطيء لأسس العلاقة بين الدعوة وغيرها من الافراد والفئات العاملة للاسلام. ينبغي التمييز بين الازدراء والانفصال عن هؤلاء العاملين في سبيل الله تعالى وبين الرضا والاكتفاء بما هم عليه من عمل وبين العلاقة الحسنة والتفاعل الذي تتبناه الدعوة معهم. ان العلاقة الحسنة بين الدعوة وبين الافراد والهيآت و المؤسسات الاسلامية تقوم على الاسس التالية:

٢. خط الدعوة:

اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَ‌اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ‌ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾.

لا نغالي اذا قلنا ان خط الدعوة يتميز عن الخطوط الاخرى للاعمال والاحزاب الاسلامية:

  • أ. بفهم الاسلام فهما اصيلا.

  • ب. بفهم الواقع الذي تعيش فيه الامة والمرحلة الحضارية التي تمر بها، وفهم الواقع الدولي الذي تعيش فيه الشعوب الاسلامية.

  • ج. باختيار وابتكار الوسائل والاساليب العملية المؤثرة.

وقد خصصنا الاحزاب الاسلامية لأن الاحزاب غير الاسلامية هي عالة في تفكيرها على الاحزاب الاوربية، والفكر الاوربي، فانها تنسخه نسخا وتشوهه تشويها ثم تستعمل الفكر الحزبي استعمالا لفظيا وتمارس ماهو مناقض لشعاراتها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع باسهاب في نشرة العمل الحزبي وغيرها.

ان الدليل العملي على ميزة خط الدعوة هو التأثير البين في اوساط كثيرة، ونظرة أعداء الاسلام الى خطر الدعوة وهي في مرحلتها الاولى.

وقد انتشر الخط العملي للدعوة بين صفوف الدعاة بالحديث المباشر وبدراسة نشرات الدعوة التي ظهرت اول الامر، ثم بنشرة الدعوة الاسلامية اول نشرة اصدرتها الدعوة، ثم بنشرة صوت الدعوة، ثم بالنشرات والابحاث التي صدرت بعد توقف صوت الدعوة، ثم من خلال صوت الدعوة بعد استئناف صدورها. وقد تركز هذا الخط لدى الدعاة المجاهدين الذين استوعبوا فكر الدعوة ومارسوا عملها بأصالة ونجاح.

نقول ذلك ونبينه باسهاب المرة تلو المرة ليكون تنبيها لتميز فكر الدعوة عن غيره وخطها عن غيره وهو مميز موضوعا واسلوبا.

اننا نعتبر ان الخط العملي لدى الدعوة واضح، ويجب علينا ان نستمر بالقاء الضوء على الطريق العملي ليراه الجميع داخل الدعوة وخارجها في الوقت المناسب.

٣. الاعتزاز بخط الدعوة:

الخط الواضح الذي تسير عليه الدعوة والرؤية الواضحة للاشياء والاحداث تعطي الداعية ثقة كاملة في الفكر والعمل في سبيل الله تعالى. وتعمل الدعوة لأن تكون الثقة والبصيرة عند جميع الدعاة وذلك بتوضيح الخط العملي والفكري والتمييز بين الاشخاص والاعمال ولا مجال لنقد هذه الثقة الا اذا تحولت الى نظرة استعلائية للآخرين، أو منعت الداعية من قبول الحق والحكمة عند من يجدها، وهذا اذا وجد عند البعض فلا بد من زواله عاجلاً أو آجلاً، وسنتعرض لحدود هذه الثقة في مواضيع آتية ان شاء الله. الا انه في بعض الاحيان يحدث نقاش بين الدعاة داخل الدعوة لتوضيح الأمور والاعمال فيبدو اثناء الحديث وكأن مقارنة اهداف وآفاق وشمولية ودقة مالدى الدعوة بما لدى الآخرين كأنه اعتزاز في غير محله.

ان الوثوق والبصيرة بالعمل ووضوحه في جميع مجالاته خط من الخطوط التي نلتزم بها و نعمل لتوسيعها لتشمل جميع الدعاة وجميع من حولهم وجميع من يتأثر بهم، ونعمل لتعميقها لتأخذ بمجامع النفس الانسانية لدى الدعاة ومن يتأثر بهم.

وان القناعات الكاملة بأعمال الدعوة من خلال المنطلق العملي بعيدا عن الذاتية والانانية والفردية يجب ان تسود بيننا، وان يكون الحكم فيما نختلف فيه بعد الحكم الاسلامي الواضح أو الذي يستنبطه المجتهدون الاكفاء هو ماينشر في صوت الدعوة التي هي نبراس العمل.

٤. الدعوة مسيرة جديدة:

ان كون عمل الدعوة امتدادا لمسيرة الانبياء والائمة عليهم السلام هو حقيقة واضحة لدى الجميع ومعاشة. وينبغي ان تتوضح وتعاش اكثر. وقد اصدرت الدعوة بحثا بعنوان عقبات في طريق الدعوة استوحته من مسيرة الانبياء عليهم السلام والنشرات المختلفة تتخللها هذه الحقيقة وتضيئها. وقد اصدر احد الدعاة كتابا في هذا الموضوع. ان وضوح هذا الامر مهم وعلى القادرين من الدعاة ان يهتموا بربط حاضر المسلمين بماضيهم ومستقبلهم لربط مسيرة الدعوة بمسيرة الانبياء والائمة عليهم السلام وقد اصدرت الدعوة مجموعة من فهارس الموضوعات تحض الدعاة على الكتابة فيها ومنها ما أشار اليها التلخيص.

ولكن ان نقول ان الدعوة ليست حدثا جديدا أو حتى شكلا جديدا ونكرر ذلك فان هذا الامر يحتاج الى توضيح:

  • أ. لا شك ان الدعوة الى الله تعالى قديمة قدم الانسان وانها المسيرة المقدسة الضاربة في اعماق التاريخ والمتجددة على يد انبياء الله صلوات الله عليهم ويد الرسول الاكرم والائمة عليهم السلام وأبرار هذه الأمة، ونحن امتداد لهذا العمل الانساني المتصل بالله تعالى وهذا الموكب المبارك والحمد لله.

  • ب. كذلك لا شك بأن تغيير الافراداصحاب الفكر الراكد أو المتأثرين بالافكار المائعة والافكار المادية السائدة وتحويلهم الى افراد متحركين بالاسلام وسائرين في سبيل الله هو شيء جديد ومسيرة جديدة في هذا العصر.

  • ج. وان نشر الوعي الاسلامي الصحيح والوعي السياسي الصحيح بين المسلمين هو شيء جديد.

  • د. وان تحويل التيار الاستعماري الكافر الذي اوجده الاستعمار في غفلة المسلمين الى تيار اسلامي سيكون عملا جديدا ان شاء الله تعالى. اذن فلا يجوز الخلط بين امتداد عملنا لعمل الانبياء والائمة عليهم السلام وعباد الله الصالحين وبين الابداع في العمل لملاءمة الظروف المتجددة في المجتمع. ان العمل في سبيل الله عمل متجدد بتجدد العاملين وان كان اصل العمل ليس جديدا.

اما القول بأن دعوتنا هي نفس الدعوة التي يقوم بها الافراد والهيآت من الدعاة الى الله تعالى، وانا نسلك نفس الخط وتجمعنا بهم وحدة الفكر والمصير والغاية.. وانا نمتاز فقط بأمرين وهما تنظيم الدعوة الى الله والتخطيط لها.. فهو قول غامض اما لأن المنطلق الفكري غامض واما لأن رؤية الواقع يشوبها التشويش.

ان الساحة الاسلامية يعمل فيها احزاب وهيئات وجمعيات ومؤسسات وافراد اسلاميون كل يعمل في المجال الذي خطه لنفسه، وان مجالات العمل واسسه ومنطلقاته وقواعده واساليبه وآفاقه مختلفة، وليس هناك اي وحدة فكر ولا وحدة غاية ولا وحدة مصير… الا اذا اعتبرنا ان جميع هؤلاء العاملين في سبيل الله ستجمعهم راية واحدة عندما يبرز تنظيم سياسي اسلامي يحمل الراية الاسلامية فينضمون تحت لوائه. أو اعتبرنا ان العاملين في سبيل الله يبغون رضا الله واعتبرنا هذه الظاهرة واحدة وتشكل وحدة فكر ومصير وغاية.

ان خط الدعوة وهو الذي نتحدث عنه في سلسلة هذه المواضيع وغيرها فريد من نوعه لا يشبهه خط آخر، وان هذا الخط هو الذي نعمل لاشاعته بين جميع العاملين في سبيل الله وجميع المسلمين ان شاء الله تعالى. وان الامرين اللذين يميز بهما الاخ المجاهد الدعوة عن غيرها هما جزء قليل مما تتميز به، فمنطلقات العمل وأسسه وآفاقه العالمية الاسلامية والانسانية والنظرة الى الاعمال في المجتمع ونوعية الفكر العملي والفهم السياسي والمرحلية والجماعية.. الخ كلها تختلف بشكل وآخر عما هو موجود لدى العاملين في سبيل الله، وسيتوضح ذلك في سلسلة هذه المواضيع ان شاء الله تعالى.. اما اذا كان الامران اللذان تتميز بهما الدعوة وهما التنظيم والتخطيط يشملان كل ذلك.. فما معنى القول ان دعوتنا هي نفس الدعوة التي يقوم بها الافراد.. الخ.

٥. علاقتنا مع سائر الدعاة الى الله تعالى:

ان علاقتنا مع سائر الدعاة الى الله تعالى والعاملين في سبيله واضحة بل ومن أوضح المسائل المطروحة في ثقافة الدعوة فقد بحث الموضوع في اربعة ابحاث مستقلة آخرها نشر في العدد الواحد والعشرين من صوت الدعوة وأولها نشر في سنة ١٩٥٩م عندما أجيز الحزب الاسلامي في العراق، عدا التعرض للموضوع في النشرات العديدة.

وان علاقتنا بالمؤسسات الاسلامية واضحة كل الوضوح بحيث اندمج نشاط الدعوة بنشاط كثير من المؤسسات والجماعات والافراد واختلط الامر على من هو في الخارج، وفقد كثير من المراقبين التمييز بين الدعوة وبين سائر الدعاة والعاملين.

ولكننا نعرف مدى ما نعمل ومدى ما يعمل غيرنا، نعلم منطلقات واسس وقواعد وآفاق عملنا وما لدى الآخرين، ان هذه المعرفة ليست تفريقا وانما هي مجرد معرفة. فاذا علمنا ان مجال نشاط فلان هو الكتابة الاسلامية وان نشاط الجماعة الفلانية هو فتح المدارس أو أن اهتمام الحزب الفلاني قليل في المجال السياسي أو ان التزام الجماعة الفلانية بالاحكام الشرعية اقل مما يجب أو ان الجماعة الفلانية متأثرة بالفكر المادي.. أو غير ذلك من انواع المعرفة فان هذه المعرفة لا تعني التفريق لأن عملنا هو الجمع بين العاملين في سبيل الله لا التفريق بينهم. وسبق ان اعتبرنا في احدى نشراتنا قبل اكثر من عقد من الزمان ان جميع العاملين في سبيل الله يمثلون الحركة الاسلامية وان الاحزاب والمؤسسات والافراد انما هم اعضاء في هذه الحركة الاسلامية، وهذا الخط ثابت لايتغير حتى ان الدعوة جوبهت من بعض العاملين اصحاب الاتجاه الفردي ولم تقابلهم بالمثل، وتحاول الدعوة وتؤكد دائما مقابلة السيئة بالحسنة وتحرص على ضبط تصرفات دعاتها ومنع صدور ردود فعل منهم، واننا على ثقة كاملة باننا في طريقنا سنلتقي اليوم أو غدا مع الدعاة الى الله في كل مكان حتى مع الذين يسيئون الينا. وخلاصة الموقف العملي من سائر الدعاة الى الله تعالى:

  • أ. لقد حددنا النظرة والموقف العملي من الحوزات العلمية وسائر علماء المسلمين المجتهدين وغير المجتهدين في القسم السابق من هذا الموضوع.

  • ب. على الدعاة من جميع مواقعهم توثيق العلاقة مع المؤسسات والجمعيات والاحزاب والافراد ممن يعملون في سبيل الله حسب اساليب الدعوة المعروفة والمفصلة في نشرات سابقة.

  • ج. يجب ان نزيل معالم اي فكر أو سلوك استعلائي في نفوسنا ازاء جميع الناس.

  • د. نهتم بايصال افكار الدعوة الى الموثوق بهم بالاسلوب المناسب بتسليم النشرة واستعادتها أو اعطائها أو بالحديث بما في النشرة…الخ.

٦. مصطلحا الأمة والمجتمع:

يتبنى المفكرون والاحزاب والعلماء مصطلحات عن الاشياء والافكار والقضايا لتدل عليها. واصعب المصطلحات مايدل على قضايا لها علاقة بحياة الناس ونشاطاتهم لأن قضايا الحياة لها جوانب كثيرة بعضها بارز وبعضها خفي وبعضها واضح وبعضها غامض، ثم هي ليست جامدة على حال بل متحركة بتحرك الانسان وتبدل احواله.

وفي تبنينا للمصطلحات الاجتماعية والسياسية نحاول ان ندل على واقع حياتي له علاقة بعملنا. ومن الضروري ان يكون التعبير في ثقافتنا الحزبية دقيقا. وفي نشراتنا نلتزم بذلك فان النشرة تخضع لنقد دقيق لكي تخلو من الاخطاء والعصمة لله سبحانه ولأهل العصمة عليهم السلام. ولطالما وضعت كلمة موضع النقاش لكي توضع في محلها المناسب: تقدم أو تأخر، تستبدل أو تحذف.. ومرة ادى استبدال جمل قليلة بأخرى ان خرج الموضوع عن هدفه المخصص له الى هدف آخر غير ذي بال بالنسبة الى الدعوة.

ولدى الدعاة الملتزمين المواظبين على قراءة النشرة وتدريسها حساسية خاصة يدركون بسرعة وجود الخطأ في المفهوم أو المصطلح اذا تخلل النشرة.

والخلط بين مفهوم الامة والمجتمع اذا كان مقبولا من أديب يكتب الأدب ولا يعنيه الا اظهار جمال الاشياء أو اظهار حالة نفسية أو وضعية اجتماعية، فانه لايقبل من رجل حزبي يعمل في صفوف الامة ويعمل على تغيير المجتمع من خلال مسيرة الدعوة الى الله تعالى.

ان وضوح مداليل الألفاظ طريق الى وضوح رؤية الاشياء والتمييز بينها وهي طريق الى وضوح طريق العمل، ولذلك كان من الضروري لكل عامل في الحقل الاجتماعي والسياسي معرفة معنى كلمة امة ومجتمع وما اليها من مصطلحات لأنها حقله الذي يعمل فيه.

وقد يختلف الناس في فهم الاصطلاحات السياسية والاجتماعية خاصة في العالم الاسلامي نتيجة لاهمال التدقيق في مداليلها لأن الاستعمال السياسي والاجتماعي للالفاظ أو قل الفكر السياسي والاجتماعي بين المسلمين ما يزال في مراحله البدائية. وما يتداوله الناس في العالم الاسلامي من قادة فكريين وسياسيين ممتهنين وقيادات حزبية ما هو الا نقل من الفكر الاوروبي من دون وعي ولارؤية واضحة.. بينما مداليل الالفاظ الاخرى التي لها ديمومة استعمال توارثناه من الاسلام وتاريخه، واضحة المعالم.

مثلا كلمة قبيلة واضحة، بينما كلمة شعب فيها غموض. نسمع من يقول الشعب العربي والشعب العراقي والشعب الايراني والشعوب العربية والشعب المسلم.. ان هذا الخلط في الاستعمال هو احد مداليل الأمية السياسية الشائعة بين السياسيين والحزبيين في عالمنا الاسلامي. ان كلمة قبيلة وكلمة شعب من سنخ واحد الا ان مدلول كلمة شعب اوسع. يقول معجم الفاظ القرآن الكريم:

”ان الشعب صنف من الناس تجمعهم وحدة النسب“.

ويقول تعالى خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ‌ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ‌فُوا ۚ والخلق للذكر والانثى والجعل للقبائل والشعوب يوحيان ايضا برابطة النسب. ولذلك يصح ان تقول شعب عربي وشعب فارسي ولا يصح ان تقول شعب ايراني وشعب عراقي وشعوب عربية وشعب اسلامي، لأن المسلمين يتكونون من شعوب مختلفة ولكنهم أمة.

الامة:

لكلمة الامة استعمالات متعددة في القرآن الكريم الا ان ابرز معانيها (جماعة من الناس تربطهم رابطة الفكر) قال تعالى وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ولعل استعمال كلمة امة بمعنى الدين والملة بملاحظة الرابطة الفكرية التي هي اساس التسمية، قال تعالى إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ.

ان الامة الاسلامية التي خاطبها الله تعالى كُنتُمْ خَيْرَ‌ أُمَّةٍ أُخْرِ‌جَتْ لِلنَّاسِ وكان على رأسها محمد النبي العربي ﷺ وكان منها سلمان الفارسي رضوان الله عليه وبلال الحبشي رضوان الله عليه وصهيب الرومي.. ان هذا الكيان الانساني الذي يحوي على العربي والفارسي والحبشي والرومي ينبغي ان تكون رابطة العرق والاقليم واللغة واللون من عناصره ويؤكد الرابطة العقيدية والفكرية.

ان الرابطة القومية في البلاد الاوربية تبلورت مع تبلور الفكر الرأسمالي وأصبحت بمجموعها رابطة فكرية يمكن اعتبارها رابطة لتكوين امة، ولذلك يصح ان نقول الامة الالمانية والفرنسية والبريطانية، الا ان الرابطة القومية في البلاد الاسلامية والتي ادخلت بفعل النفوذ الاستعماري الكافر لتفتيت وتحطيم الرابطة الاسلامية القائمة لم تتمكن من الاستقرار في نفوس المسلمين ولم تتبلور والحمد لله لتكون رابطة لتكوين امة، وكذلك الرابطة الاقليمية، ولذلك لا يصح ان يقال الامة العربية والامة الايرانية.

ان التبادر الأول الذي يتجه اليه الذهن عند سماع لفظة امة هو الكتلة البشرية ثم يأتي التبادر الثاني الذي هو الرابط الفكري، كما نتبناه ونفهمه من آيات الله تعالى.

وبهذا المصطلح الاسلامي يجب اعتبار امتنا الاسلامية في مشارق الارض ومغاربها امة واحدة، رغم تأثر كثير من افرادها بالفكر المادي للحضارة الاستعمارية المسيطرة، ورغم تقسيم بلاد المسلمين الى كيانات سياسية هزيلة وعمل اعدائنا لاحلال الروابط الكافرة محل الرابطة الفكرية الاسلامية، ورغم انقسام الامة الى مذاهب وطوائف متعصبة..لأن هذا التأثر وهذه الروابط وهذه الانقسامات مهما زينت في قلوب المسلمين لم تلغ الرابطة العقيدية الاسلامية، ولأن رابطة عقيدة الشهادتين مهما اقصيت عن المسرح السياسي والاعلامي والعملي للأمة وخطط للقضاء عليها واضعافها لا زالت موجودة في قلوب المسلمين تجعلهم امة بالمصطلح الاسلامي.

ويترتب على اعتبار المسلمين امة واحدة مترتبات عملية يجب ان نتنبه اليها وسنعرض لها في مجال آخر ان شاء الله.

الا انه تبقى مسألتان للبحث:

مسألة الجماعة من المسلمين الذين يتبنون رابطة فكرية من غير الاسلام وتزول الرابطة الاسلامية من قلوبهم أو تكاد، كما لو تحقق ذلك في حزب فكري كافر.. وهل يمكن اعتبارهم امة منفصلة عن الامة الاسلامية.

ومسألة الجماعة الواعين للاسلام الذين تربطهم الرابطة الفكرية الاسلامية بمستوياتها العالية.. هل يمكن اعتبارهم امة متميزة عن الامة الواسعة بالمصطلح الاسلامي.

المجتمع:

المجتمع مصطلح حديث، من جمع بمعنى لم الاشياء المتفرقة بعضها الى بعض، وأصل استعماله للمكان الذي يجتمع فيه الناس أو غيرهم.

والتبادر الاول من استعمال الكلمة في عصرنا هو العلاقات، والتبادر الثاني الافراد، لذا يمكن تعريف المجتمع انه (مجموعة من الناس تنشأ بينهم علاقات تظهر على شكل عادات وأعراف وتقاليد وقيم ومثل وقوانين)

وفي الكتابات والعمل السياسي والأجتماعي يستعمل تعبير المجتمع الاسلامي والمجتمع الشيوعي والمجتمع الرأسمالي.. الخ ويدور الكلام ما هو المجتمع الاسلامي وهل يعتبر مجتمع المسلمين اليوم مجتمعا اسلاميا أو جاهليا؟ لقد اختلط مفهوم المجتمع في اذهان الكثيرين من العاملين والكتاب الاسلاميين ومنهم الكاتب الكبير سيد قطب، قال في كتابه معالم في الطريق:

”ان السمة الاولى المميزة لطبيعة المجتمع الاسلامي هي ان المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في امره كله.. المجتمع الذي تتمثل العبودية لله وحده في معتقدات افراده وتصوراتهم كما تتمثل في شعائرهم وعباداتهم كما تتمثل في نظامهم الاجتماعي وتشريعاتهم“

وهذا الكلام صحيح على عمومه ولكن العلاقات هي الابرز في مفهوم المجتمع.

”ان هذا المجتمع لا يقوم حتى تنشأ جماعة من الناس تقرر ان عبوديتها الكاملة لله وحده وانها لا تدين بالعبودية لغير الله. لا تدين بالعبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور، ولا تدين بالعبودية لغير الله في العبادات، ولا تدين بالعبودية لغير الله في النظام والشرائع“

والى هنا الكلام صحيح في نشوء الجماعة.

”ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها على اساس هذه العبودية الخالصة“

ونلاحظ كيف انتقل رحمه الله من الكلام حول الجماعة الى تنظيم الحياة مع ان تنظيم الحياة لايتم الابسلطة.

”عندئذ وعندئذ فقط تكون هذه الجماعة مسلمة ويكون هذا المجتمع الذي اقامته مسلما كذلك، واذن فانه قبل التفكير في اقامة نظام اجتماعي اسلامي واقامة مجتمع مسلم على اساس هذا النظام ينبغي ان يتجه الاهتمام الى تخليص ضمائر الافراد من العبودية لغير الله، وان يتجمع الافراد، في جماعة مسلمة، وهذه الجماعة.. هي التي ينشأ منها المجتمع المسلم“.

”ان المجتمع المسلم انما ينشأ من انتقال افراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله الى العبودية لله وحده بلا شريك، ثم من تقرير هذه المجموعات ان تقيم نظام حياتها على اساس هذه العبودية وعندئذ يتم ميلاد جديد لمجتمع جديد مشتق من المجتمع الجاهلي القديم ومواجه له بعقيدة جديدة“.

ونحن نسأل لمن السيادة في هذه الحالة فان كانت السيادة للمجتمع (الجاهلي) فان الجماعة الاسلامية لا تتمكن ان تقيم نظام الاسلام وان تكون مجتمعا بل تبقى جماعة اسلامية تعمل في المجتمع لتغييره.

”وقد ينضم المجتمع الجاهلي القديم بكامله الى المجتمع الاسلامي الجديد وقد لاينضم كما انه قد يهادن المجتمع المسلم الجديد أو يحاربه، وان كانت السنة قد جرت بأن يشن المجتمع الجاهلي حربا لا هوادة فيها على طلائع هذا المجتمع في مرحلة نشوئه“.

ومن الملاحظ في هذا الفكر ان هناك فجوة واضحة بين تكوين الجماعة وتكوين المجتمع.

”وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر فان هذه العقيدة ذاتها تقول لهم انتم الآن مجتمع اسلامي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي الذي لا يدين لهذه العقيدة ولاتسود فيه قيمها الاساسية وهكذا يكون المجتمع الاسلامي قد وجد فعلا“.

ان اعتبار الجماعة الاسلامية هي مرحلة نشوء المجتمع الاسلامي يسبب الغموض في فهم الافكار والاشياء ولعل هذا الغموض في الفكر لدى العاملين في مصر هو الذي دفع الجماعة الاسلامية التي سمتها اجهزة الدعاية المصرية بجماعة التكفير والهجرة الى اساليب الدعوة الحادة والانغزال عن المجتمع (الجاهلي) وينبغي للدعاة ان لاتختلط الاصطلاحات والمفاهيم في اذهانهم. ان وصف المجتمع بالاسلامي أو الجاهلي يتبع صفة الافراد والعلاقات، وعلى هذا الاساس.

  • أ. لا يمكن ان نعتبر المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعا جاهليا لأن افراده مسلمون وبعض اعرافه وتقاليده وعاداته وقيمه ومثله وحتى بعض قوانينه اسلامية. اما العلاقات غير الاسلامية الكثيرة الموجودة في العالم الاسلامي فبعضها فرض على المسلمين فرضا بعد انكسارهم حربيا وغزو بلادهم غزوا مباشرا من قبل الكفار. وبعضها وجدت نتيجة لجهلهم بالاسلام نتيجة عصور الجهل التي تعاقبت في القرون الاخيرة. وبعضها جاء نتيجة تقليد المسلمين المغلوبين للكفار الغالبين وانبهارهم ببريق الحضارة المادية السائدة.

  • ب. ولا يمكن ان نعتبر المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعا اسلاميا كذلك لتأثر الكثير من افراده بالفكر المادي وجهلهم بكثير من الاسلام، ولأن الاسلام لا يسود علاقات هذا المجتمع.

  • ج. بل هو مجتمع مختلط ومائع: افراده مسلمون متأثرون بالفكر المادي الجاهلي. وعلاقات التقليد والميوعة والعلاقات الجاهلية المفروضة من الكفار تطغي على بقايا العلاقات الاسلامية فيه.

  • د. ان الدعوة جماعة تعمل في هذا المجتمع المختلط المائع لتغيير افراده وتغيير العلاقات الموجودة بين المسلمين الى علاقات اسلامية كاملة.

٧. مصطلحا التغيير والاصلاح:

  1. المعنى اللغوي:

    اصلح: بمعنى ازال مافي الشيء من فساد. وقد استعمل الاصلاح في القرآن بهذا المعنى، واكثر ما استعمل في اصلاح الاعمال: (عمل صالح. عمل غير صالح. عملاً صالحا. عملوا الصالحات. تاب وأصلح)

    واستعمل في اصلاح الافراد (ومن صلح من آبائهم، وصالح المؤمنين. من عبادنا الصالحين. اصلحنا له زوجه).

    وفي الاصلاح بين الناس: (تصلحوا بين الناس. اخلفني في قومي واصلح. اصلحوا ذات بينكم).

    وفي الاصلاح في الارض: (يفسدون في الارض ولا يصلحون. ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها. ولا نضيع اجر المصلحين).

    غيّر: بمعنى بدّل. وقد استعمل في القرآن في تغيير النفوس وتغيير اوضاع الجماعة والمجتمع: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ. ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرً‌ا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ.)

    ان عملنا في الدعوة يمكن ان نسميه اصلاحا لأنه عمل لا زالة الفساد من الافراد ومن العلاقات في المجتمع. وان نسميه تغييرا لأنه تغيير للافراد وللعلاقات في المجتمع، ولكن اسم التغيير اصح واكثر انطباقا عليه:

    • أ. لأن المتبادر الى ذهن السامع من التغيير هو الاصلاح الكلي، اما المتبادر من الاصلاح فهو يشمل الاصلاح الكلي والجزئي.

    • ب. لأن تعبير التغيير في القرآن اكثر اختصاصا بعملية الدعوة. وإِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ قاعدة اسلامية تفسر التغير في المجتمعات، في مقابل القاعدة الشيوعية التي تقول ان اساس تغيير المجتمعات هو تغيير وسائل الانتاج وعلاقات الانتاج، وفي مقابل القاعدة الرأسمالية التي تقول بالحرية وان تطوير المجتمعات بالمبادرات الفردية.

    وقد كان اصطلاح (العمل التغييري) يعبر عنه في بداية نشرات الدعوة بلفظ آخر هو الانقلاب ولكن وجد احد شهدائنا رضوان الله عليهم ان تعبير التغيير القرآني اقرب الى المراد فاستعملنا اصطلاح التغيير بدل الانقلاب واطلقنا في احدى النشرات اسم المرحلة التغييرية على المرحلة الاولى التي سميت في بداية النشرات المرحلة الفكرية ومرحلة التكوين والبناء وساد في ثقافة الدعوة اصطلاح العمل التغييري في مقابل العمل الاصلاحي الذي يعني اصلاح جانب من جوانب المجتمع، وتبلور الاصطلاحان في مسارهما في الدعوة ولم نجن منهما في عملنا الدعوتي الا كل خير، وان وضوحهما لدى الدعوة لايشبهه وضوح في الاحزاب جميعا ومنها الاحزاب الاسلامية.

    ان بلورةالمفاهيم التنظيمية امر حيوي في ثقافة الدعوة فاذا رأى احد المجاهدين ان هناك اصطلاحا اكثر انطباقا على المراد في الدعوة فالمطلوب منه وضعه في سياق بحث يكتبه بالطريقة المتبناة في الكتابة للدعوة.

    ومن الغريب بان يعترض بعض الدعاة على هذين المصطلحين وكأن المفروض ان نتجه نحو الغموض لا نحو التوضيح، مع ان الدعوة تتجه نحو توضيح المفاهيم غير الواضحة لا الى تشويش المفاهيم الواضحة.

    وان الاصل في المفاهيم المتبناة الصحة ما لم يثبت عكس ذلك، ومن هذا المنطلق ينطلق الدعاة دون التفات الى اي تشكيك من اي مصدر كان.

  2. ان تعبير الامام الحسين عليه السلام

    ”خرجت للاصلاح في امة جدى“

    تعبير دقيق مطابق لما تتبناه الدعوة من مفهوم التغيير والاصلاح لأن المطلوب للاسلام انذاك هو التغيير الجزئي تغيير الجهاز الحاكم..اما القاعدة الفكرية التي يقوم عليها المجتمع وما يتفرع عنها من قوانين واعراف.. الخ فهي اسلامية. اما اذا كانت علاقات المجتمع قائمة على قاعدة غير الاسلام أو مائعة مختلطة كما في مجتمعنا اليوم، فان المطلوب للاسلام هوالتغيير وليس الاصلاح. ان الذي لا يرى ان المجتمع الاسلامي القادم هو غير المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون اليوم لا يرى الاسلام ولايرى المجتمع.

  3. يختلف سلوك الانسان الذي يعمل في مجال التغيير أو قل في المجال الاصلاحي بهدف التغيير، عن سلوك الانسان الذي يعمل في المجال الاصلاحي الجزئي بما يلي:

    • أ. يعتني الأول بالاحداث السياسية المحلية والعالمية وان كان مجال عمله لايتصل بالسياسة بينما الثاني قد لا يهتم بما يحدث حوله.

    • ب. ان اهتمامات العامل للتغيير تتسع لتستوعب مشاكل المجتمع برمته,بينما العامل للاصلاح الجزئي قد لايهتم الا بمجال عمله.

    • ج. يركز صاحب الهدف التغييري على التوعية الفكرية والتوعية السياسية مهما كان عمله الاصلاحي حتى ولو كان عمله بعيدا عن النشاطات الفكرية، فهو من خلال عمله الاصلاحي يثير الاهتمام بالاوضاع العامة ويربطها بالفكر الاسلامي والنظرة الاسلامية الى الحياة المعاصرة بكل ابعادها. بينما العامل في المجال الجزئي لايهتم الاباتقان الاعمال الاصلاحية وتوسيعها ولا يهتم بالقضايا الاخرى.

    • د. ان العمل الاصلاحي الذي يتولى العمل فيه ذووا الفكر التغييري يكون متحركا وفيه مرونة تتماشى مع اوضاع المجتمع ومع الاهداف التغييرية. بينما العمل الاصلاحي الجزئي يكون ثابتا يصعب تحركه لأنه عند ذلك يكون بنظر اصحابه قد خرج عن اهدافه.

    • ه. العمل الاصلاحي الجزئي يهتم عادة بالقضايا الشخصية بينما العمل الاصلاحي التغييري يهتم عادة بالاعمال والاهداف.

٨. تعليق حول ما ورد عن الحزب الشيوعي:

الحزب الشيوعي في العالم الاسلامي لا يعمل لاقامة مجتمع اشتراكي علمي وهو الآن يعمل كعميل اعتيادي للحكومة السوفياتية التي تعمل لمصلحتها القومية لا لمصلحة العمل الشيوعي الأممي.