حول المحاسبة الحزبية
في الحديث الشريف قوله ﷺ:
”حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا“
ان المحاسبة قانون اسلامي. ومع ان القانون الذي وضعه الشيوعيون في النقد والنقد الذاتي اكثر وضوحا فيما يقوم به الحزبي. من جملة اعماله في عملية المحاسبة نتيجة لوجود الاحزاب الشيوعية وتأثيرها في الحياة المعاصرة الا انه لاينسجم مع خط التغيير الاسلامي وخط الدعوة الاسلامية في مسألة التقرب الى الله تعالى نذكر هذا اشارة للرد على من يتصور ان الاسلام لم يضع قانونا ينضبط فيه معتنقوه بضابط يعرف فيه المنحرف أو الذي يريد أن ينحرف عن الخط المرسوم قبل ان يقع في الهاوية فاذا وقع تحقق هذا العقاب.
وقد تعرضت النشرة لهذا القانون غير مرة وتعود اليه مرة اخرى نظراً لأهميته ولابأس اولا بان نتعرض اليه من الناحية الاسلامية حيث يرى قدرة الانسان على التصرف المطلق ولهذا فهو يحمّله مسؤولية الحساب في نفس الوقت الذي يربيه ويرفع من مستواه الفكري والسلوكي
في الحديث الشريف الذي افتتحنا به هذا البحث اشار بقوله قبل ان تحاسبوا الى يوم القيامة وهو كقول الامام على عليه السلام:
”فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب ولا عمل“
اذ لما كان الانسان محاسبا يوم القيامة حسب المعتقد الاسلامي ـ على كل ما صدر منه وعلى اساس من ذلك الحساب سيتعين عمله ثوابا أو عقابا فلا بد أن يسلك السلوك الذي يؤهله لتسنم المنصب الاحسن ومن اجل ان يكون سلوكه بالشكل الاحسن في الحياة الدنيا فلا بد من محاسبة ومراقبة لذلك السلوك، وافضل محاسب ومراقب لعمل المرء هو المرء نفسه بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿١٤﴾ ولهذا يكون هذا القانون الاسلامي منسجما مع بعضه. مترابطاً ليس فيه ثغرة.. فالله الخالق سبحانه هو الذي شرع الشريعة، وامر باتباعها وهو العالم بكل تصرفات الانسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وهو الذي سيحاسب غدا ويكون هو الحاكم الذي يصدر عنه الحكم. وليس ازاء هذه الرقابة الصارمة والاحاطة التامة الا ان يطيع الانسان فلا يخالف وان ينقطع اليه لا يعتمد على سواه والمفروض ان تخلق العقيدة الاسلامية من المسلم انسانا مشدودا الى خالقه هذا لايحيد عن الخط الذي رسمه له في نظرته للاشياء وفي تصرفاته الخارجية.
واذا قدر المسلم ان يلزم نفسه الزاما تاما باتباع اوامر الله تعالى في كل احواله واوقاته وقد جعل له الاسلام ذلك سهلا هينا خصوصا في الصلوات الخمس وفي المداومة على قراءة القرآن الكريم وفي الاستعانة به تعالى وطلب التسديد والتوفيق منه سبحانه قدر هذا المسلم ان يحصل على مداومة العلاقة بينه وبين ربه وحينئذ سيكون سلوكه هو السلوك المطلوب، ومع كل هذه الصور الواضحة في ربط المسلم بربه وكون علاقته به لابسواه فان من المحتمل ان ينحرف هذا المسلم تدريجيا عن خط سيره لسبب أو لآخر ربما يكون خارجا عن نفسه ولكنه خدع به أو بسبب اهمال المسلم لنفسه حيث لم يكن ليقرأ القرآن الا نادرا وحيث تكون صلاته اليومية اشبه بالعادة التي يتعود عليها الجسم ولم تكن صلاته هذه لتنهاه عن الفحشاء والمنكر ـ كما جاء في الآية الكريمة ”ومن اجل عدم حصول انتكاسة المسلم هذه في خط سيره وضع قانون المراقبة والمحاسبة كما اسلفنا“. والطريقة التي يحاول بها قانون المحاسبة ان يمنع المسلم من الانحراف هي الزامه بمحاسبة نفسه بميزان الاسلام كلما خلا اليها أو كلما اقترف جريمة أو فعلا منكرا وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ويوجد كثير من الاحاديث الشريفة التي رسمت افضل الطرق لكيفية استعمال قانون المحاسبة هذا.
واذا عدنا مرة اخرى لنتصور علاقة هذا القانون بسلوك المسلم وجدناها علاقة محكمة منسجمة مع كل مايراد له من سلوك فهو لا بد ان يكون سلوكه صحيحا مستقيما حسب الخط الاسلامي لما في عقيدة الاسلام واحكامه من استقامة في الحياة وترابط بين الدنيا والآخرة من جهة وترابط بين الانسان وربه من جهة اخرى. ولكن الاحكام الاسلامية ربما تأخذ طابع السطحية في نفس المسلم فيضعف الجانب العبادي منه ـ التقرب الى الله سبحانه ـ وبذلك يكون قيامه بوظائفه قياما صوريا لا حقيقيا. ومن هنا تبدأ علاقته بالاسلام بالخمود والضعف. واذن فمن اجل عدم التردي ومن اجل ان يعود للاستقامة لابد من محاسبة.. وهذا اللون من السلوك هو اسمى سلوك سوي متصور. يعيش الانسان فيه حياة نشطة في الجانب الفكري والروحي ويكون فيه ابعد ما يكون عن الكسل والخمول كما يشكل دائما خط سير صاعد في الحياة الاسلامية معاكس للخط الذي يريده الشيطان لبني آدم.
ولم يقف القانون الاسلامي عند هذا الحد حيث كان الاعتماد فيه على فردية الانسان وحيث كان قانون المحاسبة مساوقا لنظرية الاسلام في الارادة وقدرة الانسان على التصرف الفردي ولكن تعدى التفكير في الفرد الى التفكير في المجتمع وجمع بين قانون المحاسبة الفردي هذا وبين قانون آخر ينظم حياة المجتمع المسلم وهو قانون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وقانون الامر بالمعروف ينبثق عن طبيعة المحاسبة والمراقبة لكنه يتعلق بتنسيق حياة المجتمع وجعلها مطبوعة بالطابع الاسلامي.. واقل ما يقال عن فائدة هذا القانون الاجتماعية ان يكون ظاهر حياة المسلمين موافقا للقوانين الاسلامية غير شاذ عنها.. وانه ينبغي ان يكون واضحا ان كلا القانونين مترابطان ويشد احدهما الآخر.
ولسنا بصدد البحث الدقيق الشامل في مسألة المراقبة الفردية والاجتماعية وكيف وضع الاسلام لها افضل القوانين التي تجعل من اتباعه امة لها كل الخصائص الحيوية والترابط في داخلها. كما اننا لا نريد ان نقارن بين قانون النقد والنقد الذاتي الشيوعي، وبين القوانين الاسلامية.. ولكنا اردنا اولا ان نتعرض بشيء لقانوني المحاسبة والامر بالمعروف الاسلاميين وان نخلص ثانيا الى ان مانريد الحديث عنه من قضايا المحاسبة والمراقبة في الدعوة اصلا اسلامياً. واننا نستمد اصولها من ديننا الحنيف.. ولا حاجة لان نصيغ قانوني المحاسبة والامر بالمعروف الاسلاميين بشكل نستنبط منهما قانونا اسلامياً للمحاسبة الحزبية.. حيث لا بد من التفريق بين الاثنين فقانون المحاسبة والامر بالمعروف الاسلاميين وضعا من اجل خلق امة حية متماسكة بينما القانون الذي نحن بصدده هو ما يكون من شأنه خلق حزب اسلامي حي متماسك
وقانون المحاسبة امر يمليه علينا ما قطعناه على انفسنا من عهد امام الله تعالى من اعلاء كلمته ودحض كلمة الباطل ومانسعى اليه من اعادة المجتمع الاسلامي وقانون المحاسبة كذلك ينبثق من تحملنا لمسؤولية العمل. حيث ان كل من يضع نفسه تحت وطأة المسؤولية يكون قد وضع نفسه تلقائيا امام المحاسبة ان اخل في تحمله المسؤولية او ان قصر في العمل الذي ينتج اكثر للوصول الى هدفه.
واذن فليس المطلوب بحثه الدليل على شرعية المحاسبة ولكن المطلوب بحثه هو بعض النقاط ذات الاهمية الاكثر فيما يتعلق بالمحاسبة. وموضوع المحاسبة في الواقع موضوع واسع يبتدئ من الدراسة المقارنة بين مايتبني الاسلام وما يتبنى غيره في المحاسبة الى قضية المحاسبة الحزبية ثم بحث ذلك من الناحية الشكلية والادارية ثم تناول المسائل والملابسات التي تتعلق بالمحاسبة سواء من الناحية النظرية أو من الناحية التي يعيشها حزبنا بالفعل وبالمستقبل. ونظرا لان الموضوع طويل فقد تناولناه بالشكل الذي ترون. وبالشكل الذي اعلق بعملنا ووضعيتنا فعلا. وسيرى الدعاة حفظهم الله كذلك صورا للملابسات التي تحصل اثناء العمل.
لاننا اردنا اعطاء الصور الواضحة والمعالم البينة لمشاكل المحاسبة سواء ماكان يتصل بها من حيث الاصل النظري أو من حيث الواقع العملي.
وسنتحدث عن النقاط التالية: الهدف من المحاسبة. المحاسبة واصدار الاوامر. بحث عن صور المناقشة واسبابها. التوجه والمداراة وترتيب الاثر. السلوك الصحيح للحزبي.
الهدف من المحاسبة
يمكن القول انه لا يتماسك الحزب ولا يرتبط ببعضه الا بالمحاسبة. والمحاسبة كذلك توضح الطريق. وكما قلنا اولا انه من اوليات الحزب ومن اوليات معاني الارتباط حصول المحاسبة على طريقة اعطاء الافكار والمفاهيم كما سنبينه الآن. واذا قدر لا سمح الله ان كان العضو الحزبي يستثقل من المحاسبة ويتضجر منها. هذا يعني ان الروح الحزبية لم تملك عواطفه وهذا يعني انه لا يزال يعمل ضمن اطار الحزب ولكن بعواطفه الخاصة ولكن الداعية الممتاز هو الذي اندكت عواطفه وذاتياته بالحزب ولم يبق لديه شخصية (الانا) ـ كما يقال ـ ذات دور في حياته. والداعية الحق كذلك هو الذي اصبح يفكر ايضا بذهنية الدعوة ويعتمد طريقتها في التفكير. ولم يعد يفكر بطريقته الاولى قبل ان يكون داعية سواء كان قبل ذلك متدينا محبا للاسلام ام لم يكن كذلك. وانه لابد للداعية الحق ان يكون قد تشبع بفكر الدعوة واصبح ينظر قضايا المجتمع ومشاكله من زاوية فهم الدعوة الخاص.. فلم يعد يستثقل المحاسبة التي تنصب على سلوكه من زاوية الفكر الحزبي الخاص بعد ان افترضنا انه قد اندك في هذا الفكر حتى لم يعد يستطيع ان يفكر خارج هذا الاطار الذهني الخاص.
وسيبقى هذا العضو من دعاة الاسلام. وسيبقى كذلك يعيش اجواء الحزب العامة والخاصة. ولكنه مالم ينصهر ببوتقة الحزب فانه سوف لايكون حزبيا متكاملا فضلا عن ان يكون قياديا..
ثم ماالذي يربط الحزب بعضه ببعضه الآخر وما الذي يوضح الطريق امام الجميع ويبصر هؤلاء الذين يشتغلون سوية بان عملهم صحيح غير المحاسبة. فانه لكي يصبح الطريق واضحا يجب اولا ان تتضح المفاهيم والافكار ويجب ثانيا حصول الثقة بين العاملين ليس فحسب ان هدفهم تحقيق المجتمع الاسلامي بل الثقة بان كلا من هؤلاء يسير على الدرب حقيقة.
وواضح كذلك ان المفاهيم التي يقرؤها الداعية في النشرة تكون افكارا ميته ان لم تتمثل في اعماله وفعالياته. والمفروض ان هذه الاعمال سواء كانت علاقات أو تصرفات اخرى لايمكن ان تتم على الوجه المطلوب او الاكمل مالم يصقلها وينظمها النقاش والتأكد من صحتها أو خطئها.
المحاسبة واصدار الاوامر
واضح ان الحزبي يجب ان يطيع. يفرض هذه الطاعة انه لا حزبية بدون طاعة ولا حزب كذلك بدون طاعة. ونكرر ان هذا كلام واضح وقد تكرر البحث عنه ونريد ان نقول شيئا آخر هنا: هو ان الدعوة لما كانت قد انتهجت نهجا فكريا خاصا داخل الحزب حيث تريد ان تفسح المجال لكل حزبي لبلوغ اعلى مستوى قيادي في الوعي والتفكير كان لزاما عليها ان تعطي الفكر للجميع وعلى مرتبة واحدة وان تطلب من الدعاة جميعا تفهم ذلك بشكل اعمق. وقد نتج عن ذلك فكر عميق وشامل ولله الحمد: ولكن نتج عنه شعور متزايد بالقدرة الذاتية على فهم الامور ومعرفة الافضل وهو امر ممدوح كذلك لكن هذا الشعور ربما يكبر اكثر من اللازم ويتجاوز الحدود المعقولة وهو ما سميناه في نشرة سابقة (بحالة انتفاخ في التقدير) وهذه الحالة في كثير من الاحيان تؤدي الى مناقشات حادة بين الداعية ومسؤوله في قضايا الدعوة الفكرية والعملية ولكي تتمخض هذه المناقشات بين الداعية ومسؤوله عن نتيجة مثمرة يجب ان تخضع لاصول المناقشة الحزبية والتي سنتحدث فيما يلي عنها.
وبهذا الشكل يستطيع الداعية ان يتلافى الاخطاء التي يقع فيها من دون سوء قصد في فهم قضايا الدعوة نتيجة لهذا الشعور المتزايد بالقدرة الذي اشرنا اليه. كما يستطيع المسؤول ان يستفيد من تجارب الداعية الخاصة رغم مافيها من تطرف في بعض الاحيان وفي نفس الوقت يستطيع ان يوجه الداعية التوجيه الصحيح في فهم قضايا الدعوة.
وهنا لا يفوتنا ان نقول ان ما يحدث في بعض الاحيان بين الداعية ومسؤوله من النقاش لا ينشأ دائما عن طغيان الشعور بالقدرة الذاتية أو ظاهرة (الانتفاخ في التقدير) في الدعوة وانما قد ينشأ من تجارب الداعية الخاصة خلال العمل.
وسنوضح هنا بعض النقاط لتوجيه المناقشة بين الداعية ومسؤوله توجيها صحيحا ولتتمخض مناقشتها عن نتيجة مثمرة.
-
أ. اصدار الامر من اجل التنفيذ صحيح ولكن لا ينبغي ان يلتجئ المسؤول دائما الى اصدار الاوامر. فليس من الصحيح ان تتحول العلاقات بين الدعاة الى اصدار الاوامر وتنفيذها. وشيوع هذه الظاهرة في الحزب دليل على خطأ عام في التربية الحزبية وعدم صلاحية هذا الحزب لقيادة الامة.
والحزب ليس جهازا عسكريا يخضع في كافة احواله لاوامر عسكرية صارمة. وفي نفس الوقت فليس الحزب ايضا مدرسة للتثقيف والتعليم فقط دون اتخاذ وسائل اكثر حزما وصرامة من وسائل التثقيف والتربية.
وانما التنظيم الحزبي الصحيح والعمل الحزبي هو مزيج من التربية واصدار الاوامر والمسؤول الناجح في اداء رسالته الاسلامية هو الذي يقدر حق التقدير الموقف الذي يتطلب اصدار الاوامر في نفس الوقت الذي يوجه ويربي ويثقف.
على ان ذلك لا يعني ان يستثقل الداعية من الاوامر التي تصدر اليه من قبل مسؤوله أو يستعصي عليه لاسمح الله. وانما ينبغي ان يكون مطواعا للاوامر الحزبية التي يتلقاها من مسؤوله وبذلك يتماسك الجهاز الحزبي.
وبعد فلتكن آفاق الدعوة واسعة ولتكن الاذهان متفتحة لتقبل التوصيات وليكن كذلك الحديث البسيط بين الداعية ومسؤولة له من القوة في التنفيذ ما يوازي اشد الاوامر صرامة في التنظيمات المادية الاخرى.
-
ب. ينبغي ان تكون المناقشة بواسطة المفاهيم فقد قام حزبنا على اساس الفكر وعلى اساس المفاهيم ولانريد ان نلغي ماتحدثنا به في الفقرة السابقة ـ أ ـ لان من مفاهيم حزبنا اصدار الاوامر ولكن توضيح الطريق والتعريف بالعمل يحتاج الى درس والى فكر. والمفروض ان يتضح الطريق امام المتناقشين بالمفهوم وان ينكشف المبهم وجميل جدا ان تتضح القضايا بواسطة ـ المفاهيم وان هذا الوضوح هو اعلى درجات طريقة السير.
ولا يفوت الداعية ان كثيرا من القواعد العامة في الفكر والسلوك مما ألفه مجتمعنا لهي مما لا يوافق عليها الاسلام وقد تعتبر لدى الغالبية من الناس مقياسا للسلوك الصحيح ومن اجل الا ينحرف الداعية عن خط السير في كل عمل يقوم به وفي كل نظرية يحترمها لا بد من التفريق بين ما هو شائع ولا رصيد له في الاسلام وبين المفاهيم التي تعطيها له نشرات الدعوة. ولهذا فلا يعني المناقشة بالمفاهيم هو التحدث بكل القواعد الفكرية أو العرفية المعهودة فان من المفاهيم العامة ما نشأ بسبب الجهل باحكام الاسلام ومنها ما نشأ بفعل تركيز الاستعمار ومنها ما نشأ بسبب الخمول والكسل وعدم حيوية الامة. ومفاهيم الدعوة هي مفاهيم الاسلام في العمل وهي القواعد التي تتبعها الدعوة نتيجة لدراسة الاحكام الاسلامية دراسة صحيحة ونتيجة لما عرفته من اخطاء أو صحة ماقامت به الاحزاب السابقة والمعاصرة.
وبهذا فلا يسوغ لداعية ان يفترض صحة مايقوله اعتباطا دون الاستناد الى فكر الدعوة الذي يتلقاه منها لا من سواها:
-
ج. ونقطة اخرى جديرة بالاهتمام اثناء المناقشة هي ان من الواضح ان تتكون جملة من المعلومات والتجارب خلال عمل الداعية ومن ثم فستمنح هذه التجارب الداعية وضوحا في امر يراه. في الوقت الذي لايستطيع ان يقيم على ما يرى دليلا ولكنه مقتنع بما يرى ونحن نسمي مثل هذه الرؤية وضوحا ومع هذا الوضوح فلا ينبغي التعنت لما يرى. ذلك لان ما يراه واضحا قد يكون خطأ.
وقد يخطيء الحكيم بسبب غفلة بسيطة لم ينتبه بسببها الى نقطة هامة. ولكن نقول كذلك لا يمكن بسبب احتمال الخطأ هذا اهدار مايراه الداعية واضحا في نفسه، بل ان الدعوة لتعتز كثيرا بمثل هذا الداعية الذي استفاد من تجاربه ومن ممارسته.
صور المناقشة واسبابها
اسباب ما قد يحدث من مناقشات بين الدعاة كثيرة. والمناقشة كما قلنا لا بد منها ولكن من المطلوب ان تكون طبيعيه ووفق خط السير. وفي الوقت الذي يجب على كثير من الدعاة ابراز المناقشة وفق خط السير فانه بمحاولة ترك توافه الامور تكون المناقشة في الغالب مجدية وغير عقيمة.
ان الذي يعيق عن الوصول الى نتيجة صحيحة في المناقشة منه ما يتصل بالاخلاق العامة للمتناقشين ومنه ما يتصل بالوضوح الذي قد يتشوش اثناء العمل بسبب من الاسباب. وفي الوقت الذي لا يمكن ان يفصل عمليا بين المعيق الاخلاقي وبين المعيق المسبب عن الشغل الدعوتي فصلا تاما. ولكننا سنتحدث عنهما بما يمكن ان يوضح اسباب الخلاف حتى يتمكن الدعاة من ازالتها انشاء الله تعالى.
اولا:
ما يتصل بالاخلاق العامة: الاسلوب الافضل لكيفية المناقشة في الدعوة هو نفس الاسلوب الافضل لكيفية التعليم والتعلم بصورة عامة، فمن النقاط المهمة التي يجب ان تلاحظ في هذا الباب الاّ يكون نظر كل من المتحدثين الى جانب وان يعرض كل منهما لنفس النقطة المتحدث عنها ومن هنا ينبغي ان تكون المناقشة بحدود الموضوع المتناقش فيه فلا تدخل فيه المبالغات او التهوينات انما لا بد ان يكون الكلام بحدود الموضوع وكما يقال (الجواب على قدر السؤال).
وجدير بالذكر التنبيه على موارد الخلل في الكلام أو التقرير المرفوع.. ومن امثلة ذلك ان يكون الهدف من الاقتراح غير واضح أو ان تكون الوسيلة للهدف الصحيح غير صحيحة ومن امثلة موارد الخلل كذلك التحدث بالمتناقضات وطلب ما لا يمكن تحقيقه..كل ذلك كسبا للمغالبة وبطريقة (المشاطرة) كما يقول المثل ومن غير الصحيح اصلاً المناقشة من الطرف الآخر على هذا الاساس بل لا بد من الفات نظر صاحبه الى هذه الاخطاء وكشف هذه التناقضات وبيان ان هذا النوع من الكلام غير صحيح.
وواضح ان ترك الموضوع المطلوب بحثه الى التخاصم في كل لفظة وعن كل فكرة جرت اثناء الحديث أو يمكن ان تجري معناه على اقل تقدير عدم الوصول للغرض المطلوب.
وشيء آخر فروح المناقشة تحتاج الى مزاج خاص وهو الذي يحصل لدى الانسان عندما يرغب حقيقة بالوصول للهدف. فقد يقف النقاش الا ان المتنازعين لم يتفقا على شيء كما ان النقاش قد يمتد الى حيث يعلو الصياح والصخب.
ونريد هنا ان ننتهز هذه الفرصة لنتحدث عن الروح التي يجب ان يعيشها الداعية في حله وترحاله وفي تحدثه واستماعه وفي معاشرته أو خلوته الى نفسه حيث يجب ان يفكر دائما وابدا انه مغير اجتماعي وان الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ومن الوضوح بمكان ان التغيير النفسي والاجتماعي يحتاج فيما يحتاج اليه الى صفات نفسية كثيرة. منها التضحية وهدر الانانية والرغبة الصادقة في الخدمة العامة. ومنها كمال الادب في المحادثة والمجالسة ومنها الرغبة فيما عند الله والعمل من اجل نيل رضوانه. ونقول ان هذه الصفات اشتراط وجودها مما لا يغيب عن بال الداعية الكريم. الا ان الذي يلاحظ في بعض الاحيان تغلب الصفات المضادة طلباً للسبق والمغالبة أو دفعا للاعتراف بالتقصير أو الهفوة على ان نشدان الحق هو المطلوب والرغبة في التعرف على استيضاح الطريق هو المراد.. وعلى ان كل انسان يخطئ الا المعصوم ولا يخطئ الا من لا يعمل. وليكن واضحا ان الخطأ لا يعيق ولكن يعيق عدم ادراك ما وقع من الاخطاء. ويعيق كذلك عدم الرغبة في التبصر. وليكن واضحا كذلك ان من الخطأ التسرع والاصرار بلا روية وانه لما يمنع عن الفهم، وما يقيم حاجبا عن الادراك غرور في النفس أو رغبة في الاستعلاء أو احتقار للانجازات البسيطة.
ثانيا:
مايتصل بالوضوح الذي قد يكون مشوها اثناء العمل. ذلك ان الداعية تحصل له من الخبرات في العمل ولا شك ما تعينه على الانجاز الاحسن والسريع.. بعض هذه الخبرات في الشغل وملابساته وبعضها في الاشخاص. ومن هنا فان هذا الوضوح في الوقت الذي يكون معينا فقد يكون كذلك عائقا عندما يصطدم بوضوح معاكس لدى داعية آخر. وهنا يفترض ان احد الداعيين مخطيء أو ان لكل منهما هدف يختلف عن الثاني وهكذا.
ونرى هنا ان نعرض لثلاث صور من الامثلة:
الصورة الاولى ترتبط بنشاط بعض الحزبيين ونظرة الآخرين لهم فالداعية فلان يضع نفسه موضع الحزبيين النشيطين الفعالين ولكن ربما يضعه آخر موضع المهوسين ثم يسمي نشاطه هوسا..وحينئذ ستشكل هذه النظرة له مناقشات طويلة لاتنتهي.
والصورة الثانية ترتبط بما يتعلق بالمرحلة التي تعيشها الدعوة حيث يمكن ان تختلف التصورات لطبيعة المرحلة هذه فيقول واحد ان العمل الفلاني مخالف لما ينبغي ان نتبعه من اسلوب في هذه المرحلة ويرد الآخر عليه بان هذا الاسلوب من صميم مرحلتنا.
والصورة الثالثة ترتبط بنظرات تكاد تكون ضيقة حيث يتصور احدهم ان مايتبناه فلان الداعية من رأي بسبب من تأثره باحد الدعاة أو باحد الاشخاص المحسوبين على الدعوة وعلى كل حال فسيكون المتصور هذا مناقشا لانسان غائب في شخصية داعية حاضر.
اننا هنا نريد ان ندرس هذه الامثلة أو هذه الصور من زاوية المناقشات التي تقع ونشير للوسائل التي تنفع في هذا الباب. ولا نريد ان ندرس موضوعات هذه الامثلة فلا نريد ان ندرس النشاط الحزبي في الصورة الاولى اذ ان معنى هذا النشاط دراسة تطبيقات خط السير. كما لانريد ان ندرس المرحلة في الصورة الثانية. وكذا لا نريد ان نتحدث في الصورة الثالثة عن بناء شخصية الداعية كيف يكون، ولكن نريد ان نستعرض اجواء المناقشات داخل الحزب فان الممنابها سهل علينا الوصول للهدف وتضيقت حدود المناقشة وربما انتهينا الى نتيجة مرضية. ونقول ”ربما“ حيث لا يكفي الالمام بطبيعة المناقشات ان يصل الانسان الى هدفه ولكن لا بد من اخذ نفسه بما تكره من التنازل للطرف الآخر ومن الاعتراف بالخطأ اذا حصل ومع ذلك فالله هو المستعان يقول المخلصون:
”اللهم اعني على نفسي بما تعين به الصالحين على انفسهم“.
الصورة الاولى:
في النشاط الحزبي واعطاء أو اخذ بعض المعلومات: المطلوب من الداعية ان ينشط وان يكون نشاطه بموجب الخط المرسوم سواء كان ذلك النشاط داخل الحزب أو خارجه ولايمكن ان يقال لداعية نشيط لا تنشط ولكن يجب ان يقال كما اسلفنا: ان هذا صحيح وهذا خطأ.
ولا شك سيصاحب هذا النشاط تجميع بعض المعلومات من اجل الاستعانه بها على نيل المرام. ومن امثلة ذلك خارج الحزب فهم اخلاق أو علاقات بعض الاشخاص أو الجهات بالدعوة حيث يريد الداعية ان يكسبهم أو يقربهم نحو خط الحزب في حين انه قد سبق مثلا لهؤلاء الاشخاص أو الجهات انه اتصلت بهم الدعوة عن غير طريق هذا الداعية واتخذت قرارا بخصوصهم. ومن امثلة ذلك داخل الحزب ان يهم الداعية بالكشف عن افعال دعاة آخرين أو عن بعض مسؤولياتهم بسبب كلمة سمعها أو نظرة عابرة شاهدها في حين لاعلاقة له بهم أو ربما بواسطة تلك النظرة أو سماع تلك الكلمة يحاول ان يوجد علاقات او ان يرتب اثراً للعلاقة بهم.
ولانريد ان نحكم على هذا اللون من النشاط من اول وهلة بالخطأ حيث لايكون عمل ما حكراً لداعية ما او لجماعة من الدعاة ولكن انما تحدد ذلك القدرة على العمل وكذلك تحدده المسؤوليات التي تناط.
ويكون موضوع السرية هنا عادة من جملة المفاهيم التي يحتج بها داعية ولا يقبل بهذه الحجة داعية آخر ذلك ان تحصيل معلومات جديدة معناه اطلاع شخص جديد ـ وان كان داعية ـ على معلومات كانت مخفية عنه. ونقول هنا بالمناسبة ان السرية ليست اصلا من الاصول انما الاصل حاجة الدعوة للسرية فالى حيث ما والى اين ما احتاجت الدعوة هذه السرية فهذا هو حد السرية.
وفيما تقدم من قولنا ان الدعوة تتخذ قرارا في حق جهة أو شخص ما مثلا ثم يريد احد الدعاة بما حصل لديه من نشاط ان يدرس امرهم من جديد وهو شيء جميل جدا ولكن قد يتناقض القراران الاولي والجديد أو قد تختلف النظرة. وبالحقيقة انه ليس من الصحيح ان يكوّن الداعية ـ قبل الدرس ـ قرارا. هذه اولا وثانيا ربما يكون القراران غير متناقضين لان كلا منهما ينظر لجهة معاكسة.
وفيما تقدم من قولنا كذلك ان الداعية يجمع بعض المعلومات أو يطلبها من اجل الاستعانة بها على نيل المرام.. وهنا نتساءل: ما هو المرام هذا؟ حيث يقتضي الاصل ان تجمع المعلومات لاجل فكرة تبادرت الى الذهن تنتفع منها الدعوة وهكذا لسيتعان بالدعوة لنفع الدعوة. اما ان تجمع المعلومات للرغبة في تحصيل المعلومات أو تجمع لغير فكرة واضحة أو لسبب غير عملي أو ليس بصحيح فكل هذا ليس من شأن داعية يريد ان يخدم الدعوة
ان استعراضنا لهذه الامثلة من النشاط الموضحة صوره يمكن الداعية من ان يحكم على نشاطه أو ان يحكم عليه غيره ـ وكما قلنا ـ اننا لا نريد ان نتحدث عن النشاط بما هو ولكن نقول انه يمكن الاكتفاء بما عرضنا ليستطيع الداعية ان يتصرف التصرف الافضل مع زميله الداعية الآخر فيصلان الى نتيجة افضل.
الصورة الثانية:
في الخلاف في كون بعض التصرفات ملائمة لطبيعة المرحلة. مرحلتنا هي الاولى وهي العمل على بناء الحزب كما وكيفا ويقتضي ان يتم ذلك دونما احداث ضجة تلفت انظار الاعداء فيحاربوا الحزب بلا هوادة وقبل ان يتم البناء وعليه فلا بد ان يتم ذلك سرا ولذا اصبحت طبيعة المرحلة سرية. وفي الوقت الذي يكون عمل الدعوة سرا عن اعدائها فان الدعوة باسم العاملين فيها لا تكون اهدافها وافكارها سرية عن الامة..ولم يقف توضيح الامر ـ فيما سبق ـ عند هذا الحد فقد بينت النشرات ما هو الحد الذي يفصل بين السرية والعلن. كما بينت الحد الذي يفصل بين الفعاليات التي تشترك فيها الدعوة أو تخوضها مثل الانتخابات باسماء اعضائها الشخصية وبين ما لا يمكن الاشتراك فيه ومع كل هذه التوضيحات ورسم هذه الحدود فان هناك امثلة كثيرة تبرز اثناء الازمات السياسية أو الفعاليات الاجتماعية تكون محلا للمناقشة.
فمن امثلة الازمات السياسية ان يعتبر داعية عدم تبني موقف خاص أو في الاقل تفسير خاص في حدث من الاحداث نقصا في ثقافة هذه المرحلة بينما يعتبره آخر تجاوزا لها. ومع ان نشرات الدعوة قد اوضحت كثيرا الفرق بين العمل السياسي والثقافة السياسية ولكن يبدو ان هناك من لم يستوعب هذا التفريق. ومن امثلة الفعاليات الاجتماعية مخالفة داعية لمسؤوله لان يتصل بالعالم الفلاني أو الشخص الفلاني مثلا لان في ذلك الاتصال تميعا لسلوكه ولان الخدمة المعطاة لهذا الرجل اكثر من الربح المكتسب للدعوة. في حين يعتبر داعية آخر ان هذا اللون من السلوك هو السلوك الملائم لطبيعة المرحلة حيث لاينبغي زج شخصيات الدعوة دائما للتيار الاجتماعي فيكونوا عرضة للتخاصم الاجتماعي.
والدعوة في غنى عن ذلك حيث انها تنشر افكارها ومفاهيمها عن طريق اناس آخرين وهذا مثال كذلك من جملة الامثلة التي درست مرارا. الا انه يمكن القول في نفس الوقت بان هذه الدراسة انما كانت نظريا ولكنها عمليا لا يمكن تحديدها بشكل يكون واضحا اذ ان الدعاة لا يختلفون في اننا نعيش المرحلة الثقافية وليست السياسية كما يتفقون في ان الدعوة لا يجوز ان تبرز بشكلها الرسمي في نفس الوقت الذي لا يجوز ان تتميع في اشخاص غيرها.
وهنا نقول ان افضل مايمكن ان يحل المشكلة بين داعيتين يختلفان في تطبيقات هذه الامثلة هوالمفهوم. وتعميق وتركيز البحث بواسطة المفهوم ضروري في هذا المقام ـ وفي غيره طبعا ـ ولايلزم في قولنا اننا نحل هذه المشكلة بواسطة المفهوم (الدور) كما يقول المناطقة اذ اننا لا نعني ان حل الاشكال المتعلق بالمفهوم يكون بالمفهوم المتصور نفسه ولكن المفروض ان البعض من الدعاة يدرك القضايا بشكل اعمق من البعض الآخر فيدرك انطباق الامثلة على اي المداليل اكثر. نعم هذا هو الحل ولكن المشكلة التي لايسهل حلها هو تكوين فكرة عن داعية انه متسرع يتجاوز في فعالياته حدود المرحلة او تكوين فكرة عن داعية انه جامد يخشى العمل. حيث يصبح تفسير كل عملية جديدة على اساس فكرة سابقة. وفي الوقت الذي ينبغي ان يتعرف الداعية على زميله الآخر الذي يعمل معه الا انه لا يجوز تكوين فكرة دائمية بل العكس فالمفروض ان الداعية ينصهر تدريجيا بالدعوة ويتعلم منها. هذا اولا وثانيا من قال بان تسرع الاول أو جمود الثاني خلافا للمرحلة؟ ومع ذلك فان من مقتضيات المرونة في العمل عدم التزمت وعدم صرف الوقت في الجدل.
الصورة الثالثة:
في العلاقات الشخصية: وفي موضوع العلاقات الشخصية تبرز لاول وهلة حقيقتان: الاولى تقول ان الداعية يجب ان ينصهر تدريجيا بالدعوة فلا تبقى لديه نظرة اخرى بغير منظار الدعوة وتكون كل الزوايا التي ينظر منها: ارحامه، اصدقاؤه، عمله الشخصي مندكة بزاوية الدعوة فالدعوة تحكم على هذه النظرات. هذه هي الحقيقة الاولى وتقابل ذلك حقيقة اخرى: هل يمكن افتراض اماتة كل تلك العواطف من كل الدعاة؟ نقصد هل يمكن ذلك عمليا؟ فاذا ماصح ذلك نظريا ونحن قد آمنا به فهل نستطيع ان نمحي ذلك واقعا وخارجا. بل ان السؤال ليعمق الى اكثر من هذا الحد الذي وضح نظريا. اذ مانصنع بالعلاقة التي تكونت بين داعيين خلال العمل داخل الدعوة. افلا يمكن القول بان الداعية فلان يتأثر براي الداعية الآخر فلان؟ وانا قد قلنا في نشرة سابقة ان الدعوة ليس فيها صداقات ولا علاقات صداقة. نعم لابأس باخوة في الله وقلنا انه لايجوز ان تنقل الصداقة الى مرتبة الدعوة كأن تجعل من صديقك غير الداعية بحكم الداعية ولكن يجوز ان تكون اثناء العمل وبنفس خط السير علاقة ـ ومن هنا فان معنى تأثر الداعية برأي فلان الداعية الآخر شعوره ان الرأي الصحيح هو ذلك. وبطبيعة الحال فان تأثر هذا الداعية برأي فلان الداعية مثلا لا يبدو الا عند المناقشة مع داعية ثالث.. وعلى كل حال فاذا امكن التعرف على المفهوم الصحيح المتبنى من قبل الدعوة ـ اذا كان محل النقاش مفهوما ـ واذا امكن تحقيق الاسلوب الافضل بالعمل ـ اذا كان محل النقاش شغلا ـ فهو المطلوب والا فلا بد من الرجوع للدعوة.
ونريد ان ننبه الدعاة نقول ان من الافضل ان يتعرف الداعية على من يعمل معهم من الدعاة لان التعرف هذا يكسب الداعية سيطرة على العمل المنسق بدون كثرة في المناقشات ومن هنا مرة اخرى سيعود بنا البحث للعواطف والامزجة وللاخلاق التي تحدثنا عنها اول هذا البحث. ولسنا طبعا هنا بصدد البحث عن العواطف التي ينبغي ان يعيشها الداعية. كما اننا لسنا بصدد البحث عن الكيفية التي يمكن ان ينصهر بها الداعية ببوتقة الدعوة وان تكون نظراته دعوتية خالصة فذلك مايكون الحديث عنه في موضوعات البحث عن شخصية الداعية. انما نريد ان نقول ان المناقشة التي تحدث لا بد من معالجتها من الطرفين بواسطة المفاهيم التي يمكن ادراكهاطبعا ونريد ان نضيف هنا في هذا الفصل انه لا يمكن اعتبار من تأثر براي فلان ـ سواء كان فلان هذا داعية ام لا ـ منحرفا الا اذا كان الرأي نفسه مخالفا للاسلام أو للدعوة ومعالجة مثل هذه المسألة ايضا سهل وذلك بشرح الرأي وتوضيحه.
التوجيه والمدارات وترتيب الاثر
ترى ما هو الجواب الصحيح عن هذا السؤال: هل يجب دائما وفي كل مناسبة ان نشبع كل مسألة بحثا حتى ننتهي الى الجواب المطلوب.. وفي الواقع ان نفس السؤال يجيب نفسه بان لاداعي الى ذلك حيث لايمكن ان تعطي درجة واحدة من الاهمية لكل سؤال في كل مقام..وهكذا سواء كنت مسؤولا ام سائلا او سواء كنت مستوضحا أو موضحا فانه لا داعي لان تخوض كل مسألة الى جميع ابعادها المتصورة ولكن يكفي تحصيل بعض المعلومات التي تنفع في الفكرة التي بالذهن وفعلا فقد يطلب تقديم تقرير مفصل في موضوع كذا وقد يسأل عن نفس الموضوع سؤالا واحدا.
وكما ينطبق هذا الكلام على العمل داخل الحزب فانه ينطبق على خارجه كذلك. حيث ان بعض الاشخاص يمكن ان تستفيد منه كثيرا أو ان تفيده كثيرا وبعضهم بالعكس.
والدعوة قوة مغيرة في المجتمع ومغيرة في داخلها كذلك والداعية الممتاز هو الذي يقدر أن يستفيد من هذه القوة من دون ان يحدث ضجة أو نقاشا. والداعية الممتاز هو الذي يريد ان يفهم شيئا ليرتب الاثر عليه لا من اجل تحصيل المعلومات نفسها ولا كذلك من اجل ان يظهر نفسه بمظهر حامل المعلومات والذي يريد ان يبدي رأيه فقط فيكون امره كما قال الشاعر ليقال من ذا قالها.
والداعية الحق كذلك هو الذي يتلقف الفكرة أو المعلومات ولا يحتاج في تلقف الفكرة الى شرح أو شروح طويلة ولا يحتاج في المعلومات الى تقارير مفصلة.
وشيء آخر فان الذين نعمل معهم (من انت وهو) على خط واحد فلا يجوز ان تختلفا في العمل. والاختلاف في الفكر قد يؤدي الى الافتراق في الخط والاتجاه.. ومنهم من تريد ان تقربه من خط سير الدعوة فانت تتحدث معه بالنقاط المتفق عليها كما تناقشه بعض الاحيان في النقاط التي تختلفان فيها. ويمكن في كثير من الاحيان ان تلفت نظره للاحسن بدون مناقشة ولا شرح للفكرة وانما بكلمة موجزة جدا حتى وان لم يدرك كل ابعاد الفكرة. ومنهم من انت وهو على صراطين لايلتقيان فانت ربما تريد ان تستفيد منه وربما تريد ـ في الغالب ـ ان تتقي عاديته فانت تداريه وتوادعه ولكن لا بد ان يكون ذلك من دون نفاق لان النفاق بغيض الى الاسلام. والاسلام دين نقي حي ومعنى هذا ان لا تظهر له موافقتك على كل آرائه. وقد يؤدي بك المقام ان تسكت أو ان تعبر بعض التعبيرات المبهمة الغامضة. وقد تؤدي بك الوضعية ان تفرمنه ولا تلتقي به ابدا.
واذا فكرنا بعمق في هذا اللون من السلوك وجدنا انه هو السلوك المرن الذي يفتح للداعية سبل العمل من دون تعقيدات. واذا فكرنا كذلك في هذه المرونة وجدنا انه يتحتم علينا الا نعيش متزمتين الى اقصى درجات التزمت. ولا ان نتعامل بشدة الى اقصى حدود هذه الشدة. والا فما قدرنا على استيعاب من نعمل معهم ولا قدرنا على توجيههم لان من نفر عنك لم يفتح لك قلبه ولم يعد ليصغي اليك.
وهنا نقطة هامة هي التفريق بين السلوك المرن غير المتزمت وبين وضوح المفاهيم ومعرفة خط السير الموصل الى المجتمع الاسلامي المحكوم بالحكومة الاسلامية الشرعية فاننا في الوقت الذي نسلك سلوكا مرنا ـ داخل الحزب وخارجه ـ لا يجوز لنا ان نشطب على مفهوم صحيح او ان ننحرف في مسألة متبناة.
والواقع ان هذا اللون من السلوك في الوقت الذي هو السلوك القادر وهو السلوك الصحيح هو سلوك صعب ـ حبذا لواجهد كل داعية نفسه ـ للوصول اليه.
موقف الداعية الممتاز
لم يبق ـ بعدما تقدم ـ ان نتحدث هنا الا في التأكيد على ماسبق من كيفية السلوك واتخاذ الموقف المناسب في كل مناقشة أو محاسبة ونود التنبيه على نقطتين هنا..
النقطةالاولى.. ربما لاحظ الدعاة حفظهم الله تعالى من خلال دراستهم لهذا البحث اننا كنا نريد ان يتخذ الداعية الموقف المناسب بنفسه واننا كذلك لم نطلب ـ هنا ـ نقل المناقشة الى مرتبة اعلى في الحزب وذلك لاننا نريد ان يرتفع مستوى الداعية الى ادراك الامور وفهمها والمطلوب من كل مسؤول ان يقوم بوظيفته على الشكل الاحسن.. وان يلتزم حقيقة بالمسؤولية التي اخذ على نفسه بتحملها. وهو في الوقت الذي يعيش ضمن اطار الدعوة وبقوة الدعوة يجب كذلك ان يعيش قياديا مغيرا ومن ابسط مظاهر القيادة والتغيير ان يكون قادرا على نقل افكاره للآخرين خصوصا وان هؤلاء الآخرين هم ايضا يشعرون بتحمل المسؤولية وهم قد رغبوا فعلا بالتعرف على هذه الافكار. على انه لا ينبغي ان يتصور من هذا اننا نريد عدم رفع الدراسات الكاملة الى المسؤولين فان معنى العيش باطار الدعوة هو اعطاء المعلومات كاملة. وان من اجل ان تكون الدعوة مترابطة متراصة فلا بد كذلك من احاطة الدعوة بكل المناقشات من اجل تحقيق الترابط الكامل وليس هذا بغريب على الدعاة الميامين وفقهم الله تعالى لافضل مصاديق هدايته.
النقطة الثانية.. ولا بد كذلك ان الدعاة رعاهم الله تعالى قد لاحظوا ان البحث كان يعتمد على عرض الصور مع تعليقات مقتضبة ومع شرح موجز ذلك لاننا كما قلنا لا نريد ان نبحث في فكرة معينة بل كان مقصودا ان نعرض لهذه الصور فالدعاة هم الذين سيتعرفون على ابعاد كل المناقشات ولو اننا عرضنا لابعاد كل مناقشة وعرضنا لكل حديث يمكن ان يجري بين اثنين لكان طويلا جدا ولصار البحث كتاب قصه. وفي الواقع فان الفكرة الاساسية التي يدور حولها البحث هي كيفية الوصول الى نتائج صحيحة من خلال مناقشات أو محاسبات تقع داخل الحزب نسأله تعالى ان يوفقنا لما فيه رضاه انه سميع مجيب.