حول الاعتقالات
”سئل ﷺ: من أشد الناس بلاء في الدنيا: فقال النبيّون ثم الأماثل، فالاماثل، ويبتلى المؤمن على قدر ايمانه وحسن عمله، فمن صّح ايمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف ايمانه وضعف عمله قل بلاؤه“.
”قال: من أرضى سلطانا بما يسخط الله خرج من دين الله“.
”قال: العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمّه، والصبر أمير جنوده، والرفق والده، والبرّ أخوه، والنسب آدم، والحسب التقوى، والمروءة اصلاح المال“.
”يا علي ثلاثة يحسن فيها الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس“.
”يا علي كل عين باكية يوم القيامة الاّ ثلاثة اعين: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله“.
”ياعلي: ثلاثة من لم يكنّ فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل، وعلم يردّ به السفيه، وعقل يداري به الناس. يا علي عليك بالصدق..ولا تجترئن على خيانة ابدا، والخوف من الله كأنك تراه، وابذل مالك ونفسك دون دينك، وعليك بمحاسن الاخلاق فاركبها، وعليك بمساوىء الاخلاق فاجتنبها“.
من كلام للامام علي عليه السلام يذكر فيه الجهاد ”والجهاد منها على اربع شعب: على الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف الكافرين، ومن صدق في المواطن قضى ماعليه، ومن شنىء الفاسقين وغضب لله، غضب الله له وأرضاه يوم القيامة“.
تلك آيات الكتاب تحكي لك مختلف الصور لمختلف المواقف، ومثلها من أحاديث الرسول ﷺ والائمة الاطهار عليهم السلام، وهي تلبي حاجات حقيقية في مواقف عبادية، مرة تمثل الصلابة في موقف يحتاج الى الصلابة، ومرة تعبر عن الصبر في موقف يحتاج الى الصبر، واخرى تمثل التحدي في موقف يحتاج الى الرجل المتحدي، وما ذلك الا لأن الانسان هو حامل الامانة الالهية.
وكونه مفضلا على كثير من مخلوقات الله عز وجل:
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾.
وهو الذي كرمه الله تعالى من بين المخلوقات: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ان حمل الانسان للأمانة وتفضيله وتكريمه من الله جعل بمستوى خلافة الله سبحانه في الارض. بما ينطوي عليه مفهوم الخلافة من عمل صالح وبناء الانسان والمجتمع، وبما ينطوي عليه ايضا من رفض الطاغوت والجاهليات بكل ألوانها. وكان اوّل شيء بدأوا فيه: أنفسهم، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فوطنوها ابتداء على تحمّل مايحمل لهم صراعهم، فان عّذبوا فبحسبهم أن العذاب يرفعهم عند الله، وان حرموا من متع الحياة فليس في نفوسهم مطمع الى رغيد العيش وهم عليه صابرون، ولا يزيدهم حرمانهم الا احتقارا لما في أيدي غيرهم، وان سجنوا فالدنيا في نظرهم كلها سجن بغياب الاسلام عن الحياة، وانما حال المؤمن في السجن أنه ممنوع من نشر الأيمان في الأرض، ولايزيده ذلك الأ اصرارا وقوة وممارسة وتجربة وحنكة وحكمة: وقد حدّثنا القرآن الكريم بهذه الحقائق، فذكر لنا موسى عليه السلام وضعفه المادي، وقوته المعنوية، فمثله فردا ضعيفا في مقاييس الناس، وكان شامخا في ايمانه وشجاعته وصبره فكتب الله الغلبة له على فرعون مصر بجبروته وتنمره.
وهذا نوح عليه السلام لا يملك الا ايمانه وشجاعته وصبره، فلبث في قومه الف سنة الاّ خمسين عاما يدعوهم الى الله عز وجل في كل المناسبات، ولم يجد منهم غير الاعراض والاذى والتنكيل، فكانت عاقبة قومه الابادة والهلاك.
وهذا رسول الله ﷺ يقول:
”ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت“،
حتى فتح الله على يديه، وهذا الحسين عليه السلام قدم لله سبعين قربانا، في مقابل سبعين الف منافق. ولربمّا لايصّدق العقل بعض مواقف الأيمان، لفرط صفة التحدي فيها، الا أنها مع ذلك تدمغ الجبن وأهله وهو ليس عملا خارجا عن مقدرة الأنسان، انما هو طاقة سّخرها الله سبحانه للانسان فاستعملها المؤمن كما استعملها الكافر وهي تحمل القائد لاعباء قيادته كافرا كان أو مؤمنا. وفرق المؤمن عن سواه في قوله تعالى إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ، يرجون مجد الدنيا وترجون مجد الحياتين ولقاء الله. هذه خلاصة يمكن أن تقال عن دور المؤمن، منسحبة على حالات عملنا التي تعرضنا فيها لمواقف مشابهة.
أيها الاخوة: لقد ترك لنا أخوتنا الذين سبقونا بالأيمان من المسلمين الأوائل تجربة رائدة في الصمود وفي مواجهة المصاعب والعقبات، وفي كيفية تذليلها، أشرف على تلك التجربة الرسول القائد محمد ﷺ .. مع ملاحظة نقاط الاختلاف في طبيعة المواجهة مع العدو الكافر بين الأمس واليوم.
ووجود العقبة في الطريق عملية اختبار وتمحيص للداعية وللحركة، لاستكمال القدرة على مواصلة السير، فهي تجربة، والتجربة طبيعية في حياتنا العملية, حتى تصبح موضع دراسة ومراجعة لننضج من خلالها، ولكن ذلك لايوحي بعدم القدرة على مواصلة السير. اذن لما كان وجود العقبات طبيعيا على درب العمل، كان المرور بها، والابتلاء بها طبيعيا أيضا، والشيء المهم هو قدرة العاملين على اتخاذ الموقف العملي الصحيح تجاه كل عقبة وفي كل محنة. ونحن اليوم نقف وجها لوجه امام محن وعقبات شتى، منها عمليات الاعتقال وما يصاحبها من تعذيب وارهاب وتقتيل بدرجات مختلفة، والاعتقال عقبة من طبيعة العمل، وطبيعة المجتمع، وقواه الظالمة، وطبيعة المنطقة بشكل عام، فعلينا اذن مواجهة ذلك وقبل الدخول في كشف معالم هذه العقبة نثبت مايلي:
-
ليست هناك خطوط تفصيلية ثابتة لكل حالة، بل هناك خطوط عامة. فعلى من يبتلي بالشيء الخاص الاستفادة من الخطوط العامة واستغلال قدرته على تجنب مخاطر الحالة الخاصة. والمواقف التفصيلية تختلف بأختلاف المراحل التي يمر بها العمل فعلا، بل وتختلف في المنطقة الواحدة أو الاماكن في المناطق المختلفة، فلا يمكن القول ابدا أن هذه الخطوط سوف تسري في المرحلة القادمة من حياتنا، فلحاظ عامل الزمن، ومرحلة العمل، امر أساس يقرر كيفية مواجهة هذه القضايا.
-
يمكن أن تتحدد صور الموضوع من طريقين:
-
أ. الخبرة العملية المباشرة، وذلك بالتعرض للاعتقال ومعايشة احداثه.
-
ب. الطريق الثاني: مراقبة الحركات الاخرى من اسلامية وكافرة، وماهية المحن التي تمر بها (وخاصة الاعتقالات) والاستفادة من خبراتها في هذا المجال، مع دراسة التوقعات المحتملة لبعض الحالات، ومعرفة عوامل النجاح والفشل لكل قضية خاصة كانت أو عامة. ان مطالب الموضوع يمكن تبويبها الى النقاط التالية:
-
اولا: أسباب الاعتقالات والهدف منها:
-
الحصول على المعلومات: وهو أهم الأمور التي تدفع الاعداء الى الاعتقال، لتفكيك الحركة وتشتيتها، لان العدو يحّس بوجود قوة اسلامية معادية له، فعليه أن يعرف كل شيء عنها، لكي يستطيع أن يخطط لها تخطيطا يضمن له القضاء عليها. فالحصول على المعلومات ولو كانت بسيطة تعتبر بالنسبة له مفيدة، لأن اليسير يكون لبنة في بناء الكثير.
-
تحطيم معنوية العامل: فالانسان العامل يستطيع مقاومة الكفر، ويصعد من عمله وجهاده بمقدار مايملك من معنوية عالية يستمدها من ثقته بالله سبحانه وتعالى، ومن مركز العمل في الوجود، اما اذا تحطمت معنويته فبالأمكان عزله من العمل في تلك الحالة بكل سهولة، بل قد يؤدي تحطيم المعنوية الى الأعتراف والادلاء بالمعلومات التي يملكها.
-
اضعاف الأمل بالنصر: فهم يحاولون ـ خاصة اذا لم يحصلوا على ما يريدون من معلومات ـ ان يستعرضوا عضلاتهم أمامه، ويثبطوا عزمه بالكلام الكثير، ومحاولة اشعار العامل بأنه وجماعته قوم ضعفاء لا يستطيعون الوقوف امام هذه القوة الكبيرة التي تستطيع أن تقضي عليهم، وعلى من هو اقوى منهم. وهم يرومون من وراء كل ذلك بث روح اليأس في نفس العامل وقلبه، واضعاف امله بالنصر.
-
تحطيم معنوية الأمة: الأمة الاسلامية التي وضعت ثقتها بالعاملين على أنهم هم القادة ـ ان كانت تشعر هذا الشعور بمعناه الدقيق ـ ستنهار معنوياتها وتتحطم، وتتحول الى امة متخاذلة جبانة عند انهيار عامل ما في الاعتقال. بل ان مجرد الأعتقال أحيانا قد يؤدي ببعض النفوس الضعيفة المترددة من الأمة الى الركون والراحة والهدوء، لئلا تلاقي نفس المصير!!؟
-
محاولة الاِسقاط: عندما يتأثر العامل سلبيا بجو الأعتقال، ويحسّ بالوحدة والضعف، وتنطلي عليه أقوال الاعداء، يحسّ بعدم جدوى العمل الاسلامي في مقابل هذه القوة الكبيرة من الاعداء، اذ يتصور أن العمل في مثل هذه الظروف لا يؤدي الى غير التعذيب والتشريد، وبذلك يتحول العامل المجاهد الى انسان خامل يخاف العمل ويتهرب من المسؤولية مما يؤدي الى سقوطه من مسيرة العمل المباركة، وهي اهم الاهداف التي يبغيها الكفر من وراء الاعتقال.
ولتحقيق هذه الاهداف وغيرها يستعمل الكفر اساليب متعددة قد تتنوع وتختلف من عامل لآخر حسب نظرتهم عنه، وتقييمهم له، ولكنها تكاد تتفق جميعا على الأساليب التالية:
-
الأرهاب: وهو أشد أساليب الأيذاء واكثرها استعمالا. والمقصود بكلمة الأرهاب هو الحرب النفسية ومحاولة تحطيم أعصاب العامل، وبثّ جو من الخوف والرعب حوله. وهناك طرق عديدة تستعمل لهذا الغرض منها أن يتكلم المحقق مع الآخرين أو يتكلمون بينهم بكلمات غامضة يفهم منها أنها طرق للتعذيب، او أنهم مهتمون بـ (خطورته)! وقد يستعملون للتخويف كلمات اثاروا حولها جوا من الارهاب( مسبقا) مثل (اننا سنشدك بالمروحة، نقلع أظافرك،نشّغل الكاوية.. الخ) وغيرها من الكلمات التي تثير الخوف في نفس الأنسان العامل اكثر من التعذيب نفسه، حتى اذا جاء التعذيب فعلا (حتى البسيط منه) يراه العامل مؤلما جدا نظرا لأستعداده النفسي للتخوّف منه.. وهناك طريقة اخرى أيضا وهي:
اسماع المعتقل تسجيلات الصراخ والبكاء والأستغاثة.. وكلها وهميّة وكاذبة، الغرض منها ترسيخ قسوة التعذيب وشدته في نفس الأنسان العامل. وهناك طريقة أيضا تستعمل في الارهاب والمضايقة مثل اسماع اصوات حيوانات وحشية (مسجلة على شريط) بعد منتصف الليل واثناء النوم ليستيقظ مرعوبا..الخ.
-
التعذيب الجسدي: والقصد منه ايذاء الانسان العامل جسديا. وقد تتنوع أساليب وأنواع هذا التعذيب، واشهرها الضرب واللكم وصّب الماء الحار، واعطاء حبوب منبهه تمنع من النوم. وقد يتنوع الضرب وتختلف المكانات التي يضرب عليها والآلة التي تستعمل في ذلك. وقد يتعدّى التعذيب الى ما هو أشد فأشد، أو تتنوع الأساليب وتختلف الأدوات حسب مايوحي اليه الشيطان، كل ذلك لتحقيق انهيار العامل ليدلي بما عنده من معلومات.
-
محاولة التشكيك بالكيان وبالعاملين والواعين والعلماء: ويكون التشكيك عادة في شخصياتهم وسلوكهم، ومحاولة ايجاد منافذ ومثالب للطعن في شخصياتهم، ومحاولة ايهام العامل بأنها شخصيات مائعة تحاول الصعود على اكتاف العامل والعاملين الآخرين، وأنها ـ أي تلك الشخصيات ـ تعيش في راحة ونعيم، وهو ـ أي العامل ـ يقاسي من الحالة التي يعيشها والآلام التي يعاني منها.
-
ايهام العامل بأنهم يعرفون كل شيء عنه وعن العمل: وذلك باعطائه بعض المعلومات البسيطة الواضحة أو بعض الاحتمالات عن العمل التي لايعرفها حتى هو ـ لوجود السرية طبعا ـ والتأكيد على أنهم كشفوها وقد انتهى كل شيء، وعليه أن يعترف ويدلي بما عنده من معلومات ليكون بعد قليل بين اهله، ويتخلص مما هو فيه. وقد يخرجون له ملفا ضخما كتب عليه مثلا (سرّي للغاية) ويقلبوا أمامه اوراقا كثيرة يدعون أنها مملوءة معلومات عنه، وعن تحركاته ونشاطه، وتكون عادة غالبية هذه الأوراق ـ ان لم تكن كلها ـ كاذبة ووهمية.
-
الكذب عليه بأن جميع معارفه من العاملين قد اعترفوا، وقد اعترفوا عليه ايضا ولم يبق في حركته شيء، فقد اعترف الجميع وانتهى كل شيء، فعليه أن يدلي بما عنده. وهذه محاولة ساذجة لبث اليأس في قلبه، وتدلّ على خطئهم في تقييم العمل بأنه عبارة عن افراد معدودين وانتهى كل شيء.
-
التلوّن في اسلوب التحقيق: فيبدأ باللين وبالكلام المتزلف المسموع كثيرا، بأنه انسان له مستقبله، وعليه أن لايتدخل في مثل هذه الأمور، لأنها تحطم مستقبله وتدمره وكذلك مستقبل عائلته، والآن عليه أن يتكلم كلمتين أو ثلاث ليرد على اسئلتهم لكي يخرج، وهم (يضمنون) له راحته.. و..و.. فاذا لم يفد معه اللين هددّوه باستعمال القسوة الشديدة في التعذيب، ثم يبدؤون معه بذلك ان لم يستجب لهم. وبعد كل فصل من التعذيب يحاولون ان يحققوا معه ليروا هل بقي على صموده أم لا؟! وهكذا..
-
الوحدة ومحاولة عزل العامل عن غيره: الغرض من ذلك جعله ان يعيش جوا من الوحدة والوحشة مما يسبب له الضيق والازعاج خاصة، اذا كان من النشطين المعتادين على العمل، فانه يضيق ذرعا بانفراده عن الناس. ثم انه يستسلم للتفكير ويتأمل بالكلمات التي قيلت له وهدّدوه بها، ويتصور بشاعة التعذيب، ووحدته امام هذا الحشد الكبير من جند الشيطان، وكيف أنه وحيد بينهم وفي أيديهم يستطيعون أن يفعلوا به ما يشاؤون، وقد تستمر وتتصاعد هذه الحالة حتى تصل الى درجة كبيرة من التذمّر ومحاولة التخلّص بأي ثمن كان.
-
التضييق عليه في الاكل والشرب والتخلّي.
-
محاولة استغلال حبّ الذات عند الشخص ومحاولة اثارة روح الحفاظ على النفس وعلى المستقبل، وخاصة اذا كرر عليه بأن هناك عددا كبيرا من العاملين اعترفوا ونجوا، ثم تفكيره الدائم بمستقبله وتدمير حياته ليشعر بأن لا فائدة من عدم الاعتراف سوى البقاء في المعتقل. ثم ان اعترافه سوف لن يؤثر ذلك التأثير الكبير على الاسلام، وخاصة في حالة اعتراف عدد كبير من العاملين.
-
جلب الأهل والأقارب أمام الانسان العامل ليتذكرهم ويرى أمامه بكاءهم وأذاهم، وقد يطلبون من الأم أو الأب أن يتوسّل اليه ليعترف ويتخلص الجميع من هذا الاذى، وقد يضرب والده أمامه ويهددونه بالاستمرار في الضرب اذا لم يعترف، وقد توجد هناك اساليب اخرى، ولكن الذي يتكرر بصورة عامة هو ما تقدم ذكره. وواضح أن الهدف من كل ذلك هو تحطيم معنوية العامل وبث اليأس في قلبه.
ثانيا: نقاط اساسية (في الوقاية):
هناك جملة من النقاط الاساسية التي يجب أن تبقى في أذهاننا لأيضاح الرؤيا أمامنا ولتكون لنا عونا في سلوكنا في هذا المجال:
-
ان محور مواجهة الأمور هو انسان العمل، الذي وحده يقرر الموقف نجاحا أو فشلا، صوابا أم خطأ، دفاعا أم هجوما، ان النظريات في امثال هذه المواقف ـ مهما كانت جامعة ـ فهي لاتشكل الا جزءً يسيراً من الموقف العام، والعامل هو الذي يتصرف بحكمة ويتكلم بتخطيط ويراعي الظروف التي تمليها عليه طبيعة موقف المواجهة.
-
بالنسبة للأرهاب، ليصبح معلوما لدى العامل أن غالبية الكلام الذي يهدّد به والتعذيب الحقيقي الذي يواجهه، لا يساوي جزء مما سمع عنه وهدد به، وقد تحصل حالات معينة (وهي شاذة) يستعملون معه كل انواع التعذيب، لأن الهدف الرئيسي من الارهاب هو تهيئة العامل نفسيا للأعتراف، (كما مرّ ذلك).
-
بالنسبة للتعذيب: يجب أن يعلم العامل أن ليس هناك اسلوب من اساليب التعذيب أو درجة من درجات الألم فوق مستوى احتمال البشر، ثم ان هذا الاسلوب لم يطبق عليه وحده، ولم يستعمل لأول مرة، بل طبق على آخرين وصمدوا ولم يعترفوا، فما الفرق بينه وبينهم؟؟ لقد صمد بعض الكفرة تحت نفس الاساليب من التعذيب، فهل يرضى العامل أن تصمد الشهوات الدنيوية والمطامع الأرضية الوضعية اكثر من الايمان بالله والثقة به والتوكل عليه؟؟ ثم ألم يصمد كثير من ابطال المسلمين قبله، كميثم التمار الذي قطعت يداه ورجلاه ولسانه، وعمار بن ياسر وأمه وابوه الذين لاقوا أشد انواع التعذيب، وحجر بن عدي واصحابه وكثير من ابطال الحركة الاسلامية على مرّ العصور؟ وشيء آخر يجب الالتفات اليه هو أن يستشعر العامل أن هذا العذاب البسيط هو الطريق للحصول على نعيم دائم وراحة عظمى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا..، ويقارن بين النار التي يكوى بها الآن، وبين التي سوف يردها، ان هو أدلى بما عنده من معلومات، ثم يقارن: ايهما يتحمل!؟ ويلاحظ كذلك الفارق في حدة التعذيب واستمراريته، ثم ان هدف الاعداء من التعذيب هو الحصول على المعلومات، وليس التعذيب لأجل التعذيب، فاذا استمر التعذيب ولم يحصل منه الاعداء على معلومات فانهم يتركونه، ويصبح العامل في هذه الحالة موقوفا عاديا.. أما اذا اعطى ما عنده من المعلومات أو بعضها (ولو كانت بسيطة) فانها ستكون وبالا عليه في الدنيا والآخرة، لأنهم سيحسون بجدوى التعذيب وفائدته فيعملون على تصعيده للحصول على معلومات اكثر.
-
يستطيع العامل أن يتغلب على الوحدة بقراءة القرآن والادعية التي يحفظها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٤٥﴾ ويستحسن ان يحمل، العامل معه نسخة من القرآن الكريم دائما لكي يتسنى له قراءة القرآن متى وفقه الله لمثل هذا الجهاد (بصورة فجائية) وشيء آخر مهم، بل أهم، هو الروحية التي يتزّود بها الداعية من قراءة القرآن، اذ يتزود بطاقة عالية تعطيه القابلية على الثبات والصمود والاستمرار في طريق النصر، مع الاستخفاف بكل ما يلاقي من تعذيب وآلام، لأنه سيبتعد عن أجواء المادة وتزول الغشاوة عن عينيه وقلبه، فيعيش المفهوم الصحيح ويتوضح لديه الهدف الوحيد وهو رضوان الله سبحانه وتعالى.. اضافة الى ذلك فان العيش في جو القرآن وفي كنفه يبعده عن آلامه وينسيه جروحه، ويستشعر الله يفاخر الملائكة إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، والنبي العظيم يقف موقف التشجيع والتأييد له، وهو يدعو له بالتأييد والتسديد والثبات
”اللهم ان تهلك هذه العصابة لاتعبد“،
ثم انه يتصور موقفه غدا يشكو اعداء الله الى الله، ومصيره، حيث تستقبله الملائكة سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٤﴾، ومصير اعدائه حيث يسحبون في النار على وجوههم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴿٤٨﴾ من العذاب الذي عذبتموه المؤمنين. هذا بالنسبة لقراءة القرآن، اما الصلاة فواضح اهميتها ـ والمقصود المستحبة طبعا ـ فهي معراج المؤمن وقرّة عينه واكثر الصلاة تأثيرا هي صلاة الليل. فالروحية التي يتزود بها العامل تكون خير معين له على مواصلة الجهاد..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ.
-
قد يتصور العامل أن الاعداء لديهم الكثير من المعلومات عن العمل بصورة عامة، وعن تحركاته ونشاطاته بصورة خاصة، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فمعلوماتهم مهما بلغت من قوة لاتستطيع ان تحيط علما الاّ بالقضايا البسيطة والواضحة جدا خاصة اذا كان العامل ذكيا حكيما في تصرفاته ونشاطاته. وهناك بعض القضايا التي يتصورها واضحة لديهم، وعلمهم بها اكيد، برزت حالات كثيرة تؤكد العكس، فعليه أن يخفي عنهم كل شيء، وحتى لو حصلوا على معلومات معيّنة فانه يستطيع تشكيكهم بها وان يشدّد الانكار عليها. ويجب ان يعلم الانسان العامل ان القليل جدا من المعلومات قد تكون حلقة وصل بين مجموعة كبيرة من المعلومات المبعثرة عندهم، مما يؤدي الى افادتهم بدرجة كبيرة.
-
على الأنسان العامل أن يكون قليل الكلام جدا ومختصرا قدر الامكان في اجاباته اثناء التحقيق، لأن الاطالة في الكلام والتفصيل فيه، قد يؤدي الى خطأ أو اشتباه بسيط من قبله، ويؤدي بالتالي الى فتح باب جديد من التحقيق والاسئلة المحرجة التي يجابه بها.
-
بالنسبة للتشكيك ببعض الشخصيات الأسلامية الواعية والعاملة فليس جديدا على العاملين، فهو امر مستمر منذ أن بدأ الخط الألهي على الأرض حتى يومنا هذا وهدفه واضح وهو زعزعة الثقة بكل العاملين. والله سبحانه وتعالى يحذرنا من التصديق بهم فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿٦﴾.
والحرب الدعائية احدى الحروب المهمة التي يعتمد عليها الكافر في محاولة تشويه الشخصية الأسلامية والتشكيك بها.
ثالثا: طرق الوقاية:
جرى التأكيد سابقا على أن الوقاية من امراض العمل خير من علاجها، فنؤكد هذا المفهوم في هذا الموضوع. ويمكن تقسيم الوقاية الى صنفين رئيسيين هما:
-
الالتزام بالمناعة الذاتية: وهي على وجهين:
-
أ. الالتزام بخطوط السير العامة منها والخاصة، فان هذه الخطوط لم تأت عبثا وانما جاءت عن طريق دراسة واعية شاملة لخطوط سير الحركات الاجتماعية التغييرية، وعلى ضوء الاحكام الاسلامية، والمراحل النهائية لمسيرتنا، خصوصا مسألتا مراعاة المراحل والاساليب. فالمراحل يجب أن تلاحظ فيها الظروف التي يمر بها العمل، في كل حين. وحيث أنها تلاقي في مسيرتها احداثا جساماً فينبغي أن تكون متدرجة شيئا فشيئا بنطاق ضيق، ثم يتسع تدريجيا، وان تكون مستوعبة لكل الاحداث والوقائع التفصيلية ليكون سيرها صحيحا وبناؤها سليما.
ومسالة الاساليب لا تقل شأناً عن مسألة المراحل، كالسرية في حالة الاتصال. والاقتصار في الاتصالات على العلاقات الرسمية في العمل. فمثلا: ليس للانسان العامل الا ان يتصل بمسؤوله, وليس له أن يتكلم عن مسائل العمل باسم الحركة والعاملين الا عن طريق مسؤوله. وأما العلنية في الافكار فبالقدر الذي يحول دون احداث ردود فعل للأطراف المقابلة، وغير ذلك مما زخرت به نشراتنا السابقة، والتي لها ارتباط وثيق بتخطي العقبات القائمة. والالتزام بهذه الخطوط، فضلا عن كونه يمثل الطاعة في اسمى مداليلها، فانه يقينا من مضايقات نحن في غنى عنها. والتعّرض للمطاردة ناتج في اغلب الاحيان ـ بصرف النظر عن الحالات الشاذة ـ عن عدم الالتزام بخطوط السير الصحيحة.
-
ب. التخطيط للمسائل الخاصة والعامة من قبل العاملين أنفسهم. والتخطيط وان جرى التأكيد عليه سابقا، يعني ضمنا الالتزام بخطوط السير، الأ اننا افرزناه هنا لخصوصياته العديدة، وبأعتبار أنه يمثل قضية اساسية، فسواء ذكر أم لم يذكر، شأنه شأن كل القضايا التي توكل للعاملين وفقا للخط اللامركزي، فهو لا يحتاج الى اقراره مجدداً، لتبنيه مسبقاً ولوضوح موضوعه، ويتم التخطيط بالصور التالية:
-
التفكير المسبق وعدم الارتجال في مسائل العمل، وذلك بوضع الأمور في مواضعها التي تستحق، وان يحسب لكل صغيرة أو كبيرة حسابها من قبيل: كيفية ارتباط العاملين، ومسألة تنظيم الحلقات، ومواعيد واماكن اللقاء.. وغير ذلك. فالتخطيط السليم لمسائل العمل يوفرلنا كثيرا من الجهد والوقت، ويجنبها كثيرا من المشاكل التي قد تعترض السير. يضاف الى ذلك امكانية استثمار الخبرة السابقة بالتعرف على الجوانب الايجابية والسلبية في تلك المسائل، والاستفادة من عوامل النجاح بتصعيد مداها، والتخلص من عوامل الفشل، ومحاولة تلافي الاخطاء وتداركها في المستقبل.
-
الاتزان وتجنب الفوضى في العمل: اِن نظرة فاحصة الى جهود العاملين في دنيا الحركات الاجتماعية التغييرية الناجحة ترينا أن الهدوء وعدم الفوضى يمثل جانبا مهما يعد في الصدارة من مقومات العمل ونجاحه في المراحل البنائية الأولى لتلكم الحركات، اذ يقي العاملين من ملاحقة الاجهزة الحاكمة نتيجة لعدم تحديهم اياها بشكل سافر، وتفويت الفرصة عليهم، بأمرار العمل خلسة دون احداث ضجة.
-
التمّرد على القانون الطبيعي لرصد الحركات العاملة:
نتيجة استقراء الممارسات العملية للحركات العاملة، ايا كانت، وجد أنها تلتقي في نقاط عديدة، منها أن العمل بطبيعته يكشف عن هويته شيئا فشيئا، وينكشف العاملون في الميدان نتيجة اللامبالاة والاندفاع لاشعوريا، أو اثارة الجهاز الحاكم، أو التطفل في احاديثهم والثرثرة فيها من قبيل التحدّث عن اسماء وشخصيات العاملين، وعن حجم العمل وركائزه، والمعلومات التي تتعلق به من قريب أو بعيد وغير ذلك، فأدى ذلك كله الى تكوين نظرة شاملة سرعان ماتحولت الى قانون طبيعي عام، وهو أن المظاهر الخارجية العامة هي صفة ملازمة لكل التحركات الاجتماعية، الأ أن هذا القول لم يكتب له درجة القطع تماما بالرغم من صحته في غالب الاحايين، وقد استفادت القوى الظالمة (الموجهة للحكم أو الحاكمة) من عمومية هذا القانون بتجميع المعلومات الكاملة وتفتيت الحركات العاملة بطرقها العديدة. وليس التمرّد على اختراق شمولية هذا القانون سهلا متيسرا لكل تحرّك، الا ان الأمر ليس مستحيلا مستعصيا ايضا. وبمقدار الفهم والعمق في الخطط، والتدبّر والحكمة في الاعمال يمكن للعاملين كأفراد، وللحركة كجهاز التمّرد على حدود هذا القانون شأن اغلب القوانين الطبيعية، حيث تتواجد فيها حالات تمرّد على تلك القوانين الى جنب الحالات المنطبقة عليها.
-
المراقبة: ونعني بها المراقبة الذاتية من قبل العامل نفسه في مجال تحركه وتصفية حسابه بما قدمه سابقا وماينوي أن يقدمه لاحقا، وقطع العهد لله بالسير في طريقه على طول الخط، وكذلك مراقبة العاملين والعمل، والاخبار عن مواطن الزلل والهفوة غير المقصودة عند العاملين الآخرين، وتسجيل كل حالة عليها علامة استفهام، واخيرا مراقبة الخارج من سلطة ظالمة واحزاب عميلة وكافرة، وهموم الأمة، وملاحظة الربط بين الاحداث الماضية والحاضرة، الصغيرة منها والكبيرة، والفات النظر الى التوقعات الممكنة الحدوث في المستقبل.
-
الاستعداد النفسي: ونقصد به تهيئة الجو النفسي امام العاملين لتقبل الحدث المقبل، وأخذ الاحتياطات اللازمة له، وهو على نوعين:
الاول: توقع الاعتقال في كل حين: ومرد ذلك أنه قضية طبيعية نتيجة لاسباب الاعتقال التي أسلفناها. اذ أنه لاغنى عنه لكل ذي عقل، لسبب حتمية الصراع بين الوضع القائم، وبين الوضع الذي ينبغي أن يقوم، وتوقع الاعتقال هذا لايولّد قلقا نفسيا كما قد يتصور البعض، بل ان الأمر على العكس تماما، حيث انه يمنع الوسوسة في العمل على اعتبار أن هذه القضية واضحة ولا بد منها، فلا داعي للقلق النفسي أبدا. وما دام منشأ هذا القلق والشك والتردد هو خوف الوقوع في الاعتقال، فلا قلق ولا وسوسة اذن في مسألة واضحة وقضية طبيعية ليس فيها أدنى شك أو تردد، وليس التوقع كذلك يولّد نوعا من اللامبالاة وعدم الاكتراث، أو أن يكون مقدمة لمحاولة انتحارية أبدا. وفهمنا للتوقع هو أن يكون العامل على علم مسبق بالمسألة، يحتملها في كل حين، ولا يستبعدها عن ذهنه مطلقا، وينبغي له بعد التوقع بهذه المسألة ان يتخذ في نفس الوقت الاحتياطات اللازمة، حتى يصون نفسه والعاملين وكيان العمل أولا، وكي لا يفاجأ وتنهار أعصابه عند تعّرضه للاعتقال ثانيا.
الثاني: توّقع التعذيب الجسدي والنفسي: كلنا يعلم أن اعداء الأسلام يتحينون الفرص للوثوب على ابنائه المخلصين، وبخاصة الطليعة المؤمنة منهم. فينبغي الا نستبعد عن اذهاننا امر التعذيب وزجنا في مواقف الابتلاء هذه ان عاجلا أو آجلا، وتهون امام العاملين الميامين هذه المواقف المؤلمة عندما تجري مسائل العمل والحركة لوجه الله تعالى في أرواحهم الطاهرة. والتوكل على الله سبحانه وتعالى يتصل اتصالا وثيقا بموضوع الاحتياطات الوقائية، ولم نذكره في عداد النقاط المارة في طرق الوقاية، لعظم أهميته وسرّ هذا الارتباط يكمن في أن التوكل يكون من ناحية هو التخطيط، لقوله ﷺ:
”اعقل وتوكل“،
ويأتي بعده انطلاقا من قوله تعالى فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ.. وهو من ناحية أخرى يرتبط ارتباطا وشيجا بالاستعداد النفسي، حيث يكسب النفس استعدادا روحيا، ويقرر ضمان الوعد الألهي اشارة لقوله سبحانه وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ.
-
-
رابعا: احتمالات صور الاتهام:
يمكن تصنيف صور الأتهام التي يتعرض لها العامل اثناء توقيفه كما يلي:
-
حالة العامل الذي انكشف نشاطه وكثرت عليه التقارير من قبل مرصدي ووكلاء الأمن.
-
حالة شخص أدلى بمعلومات عن علاقته أو نشاطه.
-
حالة كبسه في اجتماع خاص.
قبل الخوض في توضيح النقاط السابقة نقول ان الاساس الذي يجب أن يتمتع به العامل في مواجهة هذه المواقف هو أن يكون في الاصل صلب المأخذ، قوي الاصرار، شديد الامانة على ماعنده، سواء أكثر عليه التعذيب أم قّل ـ تعذيبا نفسيا أم جسديا ـ وأن لا يسمح بصور الأنهيار والسقوط النفسي، كالأعتراف أو التعاون مع الأعداء، أن تمر أمام مخيلته، بل ان خوف الله تعالى، وخشيته، ونماذج الشخصيات الصابرة المحتسبة هي التي تمر، وهي الصور المطلوب تذكرها باستمرار. والموقف الصحيح هو أن يكون في كل هذه الحالات مواجها لأتهامات وتساؤلات الاعداء بكل ماتفرضه صفة. التعقل والحكمة. فليس له أن يكون متهيّجا ولاعصبيا، ولا يحدث نفسه بالأشتباك مع مؤذيه، وانما يقف موقف الأنسان الهادىء الثابت الصابر لوجه الله تعالى المحتسب له، حتى يفرّج الله عنه بأحدى الحسنيين.
ان حالات التوقيف التي سنذكرها ليست اكثر من بعض الصور التي يمكن أن تمر على الشخص المعتقل، والمواقف المقترحة ايضا هي آراء وخطوط عامة نرسمها أمام العاملين الصابرين. وفي كل الأحوال بجب أن تكون الحكمة والتعقل هي الأساس في اتخاذ الموقف المناسب في تلك الظروف، بل في كل الظروف، لأن الحالات تختلف باختلاف عوامل عديدة يمكن درجها كما يلي:
-
العاملون أنفسهم: فهناك من العاملين من يستطيع أن يتدّبر الموقف، ويوجد مخرجا لنفسه ولغيره.
-
الظروف التي يعيشها العاملون والاسباب التي أدت الى اعتقالهم ان كانت ذاتية (شخصية) أم خارجية، أم هناك أمور تلابس الموضوع في ضوئها أم أن القدر لعب دورا في ذلك.
-
نوعية الدليل المثبت عليهم ومقدار امكانية الجزم والأعتماد عليه، وعدد الأدلة المقامة في ذلك.
والعامل ينبغي أن يكون ذكيا، ويدرس المسألة ذاتيا، أو مع مجموعة العاملين الذين معه ويقرر بعد ذلك ما هو نوع التصرّف الواجب الالتزام به مع مراعاة النقاط التالية:
-
أ. المواقف المتخذة يجب أن تكون وفق الوضوح الذي تكوّن عنده.
-
ب. أن تكون المواقف وفقا لخطوط العمل العامة.
-
ج. أن لايدلي بمعلومات يجرّ ادلاؤه بها الى معلومات أخرى.
-
د. أن لايعط أو يؤكد اكثر مما سمع من معلومات بشرط أن لاتكون تلك المعلومات التي يذكرها مهمة والأ فالانكار هو المطلوب.
-
ه. ومن النقاط المهمة جدا والتي نحذر منها: الادلاء بمعلومات على الذي هو أعلى منه.
وهذه الحالات من الاهمية بمكان. وتحصل غالبا في حالات الانهيارات والسقوط النفسي أمام التحقيق. فعلينا أن نستبعد اسم المسؤول بكل ما أوتينا من قوة مهما كانت الظروف والمناسبات، أو أن نذكر اسماء وهمية لاوجود لها بالواقع، كالميت أو المسافر أو الغرباء الذين سافروا، هذا من حيث مواجهة الموقف بشكل كلي. أما من حيث مواجهته على الشكل المقرر بمقتضى أشكال التوقيف المذكورة مقدما.
فمن ناحية الحالة الاولى: وهي وجود التقارير عليه، عليه أن يستعمل الأصل في الموقف، وهو الانكار والصلابة والصمود المصحوب بالتعقل في السلوك واتخاذ المواقف، اذ أن التقارير تعتمد في اغلب الاحيان على الظن والتخمين، فهي اذا لاأساس لاثباتها وبالتالي فالانكار هو الموقف المطلوب.
أما الحالة الثانية: وهي حالة الأنسان الذي أدليت عليه معلومات من قبل أخ له علاقة عمل به، فاِن علم بان هذا الشخص الذي أدلى بهذه المعلومات هو فلان (ويجب عليه أن لايعتمد في ذلك على قول المحقق، بل أن يطلب احضار ذلك الشخص، والأ فالانكار هو الأصل)، فللتعرف على هذه الحالة وجوه:
-
أ. فان علم بأن هذا الشخص الذي أدلى بهذه المعلومات هو فلان، فعليه ابتداء ان ينكر ذلك وأن يتحمل في سبيل ذلك أي مشقة كانت حتى يتبين بالضبط ماذا قال عنه أخوه، فاذا تبين له ذلك فالأولى له الانكار، اي انكار هذه المعلومات، وانكار العلاقة مع هذا الشخص، ان كانت ذات اهمية خاصة يجرّ ادلاؤه بمعلومات أخرى مع صاحبه الاول الى كارثه، وان كانت القضية بسيطة ولاتتعلق باي شخص آخر، أو باية جماعة اخرى، فانه في الخيار من حيث يرى أن له مسوّغا للادلاء بهذه المعلومات البسيطة، لكي لايبقى مدة طويلة في الحجز، وان علم أنه مع اصراره على موقف الانكار أنه سيفرج عنه بعد مدة، فعليه ان يلتزم الخط الأول وينكر.
-
ب. ادلاء معلومات من قبل أفراد كثيرين، عليه أن يتبع الأصل الأول وهو الأصرار على أمانته ويتبع اسلوب الاستماع الى معلوماتهم جميعا ليتأكد من ذلك، فاذا وجد أن فيهم من تكلم كلاما بسيطا لايؤدي الى شيء ولايضر بشيء عليه أن يدلي بالمعلومات البسيطة ويصرّعلى رفض الباقين. أما اذا تساووا من حيث الأهمية فعليه أن يبقى مصرا على انكاره الى أن يفرّج الله عنه.
الحالة الثالثة:
-
أ. ينبغي للعاملين الذين يكبسون وهم في حلقة عمل أن يوحّدوا اجاباتهم حتى لو فرّق بينهم، كأن يقولوا بأننا اصدقاء التقينا على سبيل الصدفة، لا الاتفاق..الخ.
-
ب. الدراسات التي يعثر عليها هي على أحد شكلين: اما ان تكون مكتوبة في دفتر، او أن تكون الدراسة الأصلية نفسها. فالدفتر يمكن للانسان العامل مثلا الادعاء بالعثور عليه والأحتفاظ به لمجرد مطالعته. أما الدراسة الأصلية فيمكن مثلا القول بشراء بعض الكتب المستعملة عن سوق الكتب ومن بائع لاأعرفه، وكانت هذه الدراسة ضمن أحد هذه الكتب. هناك تقديرات أخرى للمسألة، يترك للعاملين تقديرها، وقد قلنا ان هذه الحالة من الحالات التي لايمكن ابداء رأي صريح فيها، لأختلاف ظروفها، وتبقى لاجتهادات العاملين الشخصية وتدبيرهم اياها.
خامسا: العلاج العام للموقف:
يمكن تقسيم العلاج العام الى الأقسام التالية: أ. العلاج الوقتي. ب. الخطوط العامة في مواجهة الموقف. ج. الادلاء ببعض المعلومات.
-
أ. العلاج الوقتي: وهو العلاج الذي ينبغي عمله قبيل أو اثناء أو بعد الاعتقال. ويشمل النقاط الثلاث التالية:
-
اخفاء (اتلاف) معالم العمل لدى الانسان العامل من دراسات أو اسماء ان وجدت. ان بضع دقائق قبيل الأعتقال قد تكفي لأنجاز المهمة موضوع الحديث اذا استطاع العامل تدبير الأمر بحكمة وبسرعة.
-
اعلام العمل بقضية الاعتقال عن أقصر وأسلم طريق لتتخذ الأحتياطات اللازمة وينبه العاملون ذوو العلاقة لتدبير الاستعدادات الكافية.
-
التهيؤ لمواجهة الاستنطاق المباغت: يعيش العامل ـ شأن اي انسان ـ اثناء عملية الأعتقال أو في ساعاته الاولى قلقا نفسيا، مضطرب الذهن: ويعتمد في كثير من الأحيان مقدار بقاء الأنسان في المعتقل على مقدار مجابهته وضبط أعصابه في مرحلة الاستنطاق المباغت، بأعتبار أنه غالبا ما تنطلق منه فلتة من فلتات اللسان قد تؤدي الى تورطه وانزلاقه في مشاكل هو في غنى عنها، فينبغي للعامل أن يتهيأ مسبقا للتخطيط لمواجهة مباغتته هذه وللاستجوابات، والتهيؤ للاجابة على الاسئلة المحرجة التي قد توجه اليه. وينقسم العاملون كبقية الناس عموما في عملية الاستجواب الى..
-
أ. سريع البديهة، حاد الذهن، نافذ البصيرة، يفهم السؤال بسرعة، ويرد عليه بكل بساطة ودون أي تعقيد، وبشكل يفوت الفرصة على المحقق من مسك أي مستمسك في جوابه.
-
ب. ومنهم عكس ذلك، فهو أبله، خامد الذهن، يرى الاشياء على بساطتها، ان اسرع في الاجابة أخطأ، وان تأخر احرج، والمهم هنا أن نضع الخطوط لمواجهة الاستجواب المباغت، وهذه الخطوط العامة هي:
-
ينبغي أن نميز بين ما يحتاج فعلا الى سرعة بديهية وما لا يحتاج الى هذه السرعة. لأن السرعة في حدّ ذاتها لها فائدة بلا شك في بعض الأحيان، فقد يؤدي البطء الى منزلق، حيث يشعر المستجوب أننا نفكر ونستخلص جوابا للخلاص، وقد يكون الأمر معكوسا في أحيان أخر، حيث تكون السرعة وبالا خطيرا، نتيجة الفلتات اللسانية.
-
أن نحاول التركيز على التثبت في الكلام بصورة أساسية ونضيف لذلك سرعة الجواب ما أمكننا ذلك، وبصورة ثانوية. ان محاولة الجمع هذه قدر الامكان تجنبنا الآثار السيئة على الجواب نفسه وتتحقق تلك المحاولة بصورة جلية اذا ماحاولنا استحضار أجوبة لتساؤلات ذهنية يمكن التوقع بورودها بحيث تكون وافية بالحاجة في حينها.
-
ضبط الأعصاب وعدم التأثر بالمحاولات النفسية التي يمارسها موظفو التحقيق وبخاصة المباغتة أثناء الاستجواب والاستفزاز حين الاستنطاق وسائر المحاربات النفسية التي تتضمن الحاق الاذى. والتهيؤ لمواجهة الاستنطاق المباغت وان خصصناه للعلاج الوقتي في الساعات الاولى للاعتقال فان مفعوله يسري في علاج الموقف داخل المعتقل عند كل مواجهة وقبل كل استجواب.
-
-
-
-
ب. الخطوط العامة في مواجهة الموقف:
-
حول تسجيل الاستجواب: يجب ان نعلم مسبقا ان المحقق سيباشر عملية التعذيب عند عدم حصوله على مبتغاه، وعلى هذا نقدّر مايلي:
-
أ. الغاية من التعذيب هو الحصول على المعلومات.
-
ب. السكوت عن الاجابة يعرّض العامل الى مزيد من التعذيب.
لذا ينبغي ان يكون حديث العامل منصبا ـ عند الكلام ـ على قضايا عامة ليس فيها تخصيص حول العمل، كاعطاء معلومات عن حجم العمل ومركز قوته ومواطن ضعفه، ويستحسن ذكر أحاديث حول التدّين والأخلاق وغيرها من الافكار الأسلامية المطلقة، أو حول موجات التبرّج ومظاهر التخنث التي خططها الاستعمار الغربي، وضياع شبابنا فريسة لمآربه. والعامل النبيه هو الذي يحسن التصرف فيستطيع جرّالحديث الى القضايا الآنفة الذكر، ويحترس من الانزلاق الكلامي في حديثه، أو من محاولة الطرف المقابل جرّ الحديث الى قضايا دعوتيه محضة بسبب خطته. والخط المقرر في هذا الشأن هو انكار الاتصال بالعمل أو انكارمعرفته اصلا.
-
-
عدم الثرثرة: ان التطفل في الحديث، كالحديث عن اسماء ومعلومات خاصة قد يجرّالعامل الى مشاكل لم يكن يحسبها، فالتحدث عن ندوة اسلامية أو نشرة طلابية أو فريق رياضي أو جماعة يلتقي بهم في مكان ما، أو ذكر أصدقائه مثلا، يستتبع ذلك عادة جّر قائمة من اسماء هؤلاء الذين يشاركون في الندوة أو السفر أو الفريق الرياضي أو الأصدقاء أو غير ذلك الى دوائر الأمن، وبالتالي خسران جهود متواصلة وضياعها لمجرد فلتة من فلتات اللسان، نتيجة لهذه الثرثرة الكلامية، وذلك بسبب أن الاشخاص الذين يطلب منه ذكرهم سوف لايتعدون صورا ثلاثة هم كمايلي:
-
أ. عاملون: فسوف يكشف عن اسمائهم.
-
ب. انصاف متدينين: سيبعدهم عن جوّ العمل والثقة به.
-
ج. بعيدون عن التدينّ: وهؤلاء وان كانوا يساعدون في تمييع الموقف الأ انهم سيشوّهون سمعة العمل، وهذا غير وارد، بأعتبار أن الاعمال العامة ينبغي أن تكون فيها سمة تدينية، أو أن لاتتعارض مع الاحكام الشرعية على الاقل، فالمفروض في النماذج المعتقلة أن تكون ذات صفات تدينية تعكس آثارا ظاهرة في الخارج، في حين أن هؤلاء يلصقون صورا ممقوتة بأجواء النشاطات العامة للعاملين.
-
-
العطاء بقدر الأخذ والجواب بقدر السؤال: هذان المفهومان يلتقيان في نقطة مركزية، وهي أن ردّ الفعل المعاكس ينبغي أن يساوي الفعل الحادث غير ان لكل من هذين المفهومين موضوعه الخاص به.
فالمفهوم الاول: يلزم الانسان العامل أن لا يعطي شيئا أو يقول حديثا الاّ بقدر ما يتحمله الطرف المقابل، فمن العبث تسفيه بعض القضايا الثابتة عنده الى حدّ اليقين، لأنه لا يقبل ذلك ابدا، ومن العبث كذلك التحدث بحديث يشم منه ضخامة حجم العمل في منطقة ما، في الوقت الذي لم يتوفر في ذهنية الجهاز الحاكم، أو في منطقة العمل بالذات على الأقل امكانية ذلك، فهذا قد يؤدي الى مزالق لم تكن بالحسبان.
والمفهوم الثاني: يأتي نتيجة طبيعية للحد من فلتات اللسان غير المقصودة التي تنطلق بين مرة واخرى من أفواه العاملين، وينبغي لهم ـ حفظهم الله ـ الاحتراس من ذكر اشياء لا داعي لها، وكذلك عدم فتح ذهن مسؤول التحقيق لقضايا من ورائها منزلق، والكتمان عن ذكر امور قد يؤدي في النهاية بحياة عامل أو حصول ثلمة في جهاز العمل.
-
الاطمئنان عما يجري خارج المعتقل: ينبغي للعاملين كما قلنا اذا ما واجهوا موقفا كهذا أن يعلموا العمل، وبذلك يقوم من جانبه بمعالجة الموقف باخبار العاملين ذوي العلاقة بذلك كي يتخذوا الاحتياطات اللازمة لذلك، والمفروض أن يقوم أحد العاملين الاقرب فالاقرب علاقة عائلية أو علاقة عمل بذلك، والأفضل في ذلك الذي يجمع العلاقتين. فينقل آثار ومعالم العمل الموجودة لدى العامل المعتقل، ويقوم العمل اضافة الى ما تقدم بما يلي:
-
أ. سدّ منافذ التسرّب التي يمكن ان تفتح على اتصالاته، وايجاد مخرج لكل قضية محتملة يمكن أن يواخذ عليها، وبخاصة اذا وصلت أخبار من العامل لتدبير أمر معين عن طريق بعض ذويه الذين قد يسمح لهم بزيارته، أو عن طريق خروج البعض من المعتقل، خصوصا العاملين منهم، أو من النماذج التي لايخشى منها أو بأية واسطة اخرى مع التحفظ والاحتياط في ذلك.
-
ب. شحذ همّة أهل الأنسان العامل المعتقل وتبصيرهم على ما أتاهم، وتذكيرهم بأن هذا هو طريق الاولياء الصالحين.
-
ج. اثارة الرأي العام المحّلي حول اضطهاد ذلك الرجل المؤمن، وتمييع حساسية البعض من الشائعات التي قد يثيرها أتباع الجهاز الحاكم.
-
د. ان صمود الأنسان العامل سوف تفتخر به الامة والعمل، ولن ينسى ذكره، حتى لو استشهد، فسيكون ذكره في سجل الخالدين يضاف الى قوافل شهداء الاسلام، ان الاطمئنان مما يحدث خارج المعتقل لهو من الضمانات الأساسية في ثبات الانسان العامل واصراره، بينما قد يضطر بعض العاملين من ضعاف الأرادة، والقلقين، الى الانهيار النفسي، ومن ثم وقوعه في المنزلق.
-
-
محدودية التعذيب: العذاب الذي يتعرض له المجاهدون الابرار، ينبغي أن يعلم مسبقا أنه سوف لن يدوم طويلا، والمهم أن نعطي صورة واضحة لمحدوية التعذيب هنا. فيجب ان يعلم العاملون أن هذا التعذيب سوف لن يستمر الى غير حدّ ـ كما قد يظن بعض ضعاف الأرادة ـ فأنه سيأتي يوم تنتهي فيه مرحلة الابتلاء ومحنة الافتتان، وما عليهم في هذه الفترة الاختبارية الا أن يصمدوا ويصبروا ويستمدوا العون من الله سبحانه وتعالى، فان العزة لله وحده، تتوجه الروح في هذه الاوقات الى خالقها دون أن تكون هناك حواجز فاصلة وياحبذا لو مارس العاملون الابرار العبادات الروحية التي تشمل مايلي:
-
قراءة القرآن الكريم خصوصا صور الوعيد ومشاهد القيامة.
-
قراءة الادعية الواردة عن الائمة.
-
القيام بصلاة الليل كنموذج رائع لعبادة السرّ.
ان فائدة هذه العبادات فضلا عن جانبها الموضوعي وهو قصد التقرّب الى الله سبحانه استشعارا بتقوى الله تعالى، تفيد في صهر النفس واتصال الروح ببارئها، وعدم الاكتراث من العذاب طال أم قصر، اذ تكون النفس في شغل شاغل عن التعذيب الجسدي.
ونظرة ملمة الى قوافل الشهداء الخالدين عبر التاريخ الاسلامي تزيد العزم وتستنهض الهمة والصمود.
-
-
اختلاف عملية الاستنطاق: يمارس الجهاز الحاكم اكثر من خطة لغرض استنطاق رهين الأعتقال. فغالبا ما يبدأ بعمليات التعذيب والأرهاب، ويستمر كذلك الى أن يتبيّن له أن لا فائدة بعد تذكر من عملية الترهيب، لأن الطرف المقابل من الصبر والصمود مما يهون عليه ذلك وهنا يفكر الجهاز الحاكم بعد فشل الاسلوب الاول الى تبنّي أساليب جديدة يمكن درجها بالصور التالية:
-
أ. وسائل الترغيب: يقوم مسؤول الجهاز الحاكم (أو من يبعثه) الى تحضير الطرف المقابل وتحذيره من أن مغبة الأصرار وخيمة، وترغيبه بالوعود المعسولة، ومنها سهولة الخلاص بعد املاء المعلومات اللازمة مع الاحترام الشديد، وتهيئة وسائل العودة الى الحياة الآمنة بعد الخروج من المعتقل، الى غير ذلك من الوعود البراقة. والعاملون من ذوي البصيرة لاتفوت عليهم هذه الاراجيف، ويعلمون أن هذه الوعود سرعان ما تتلاشى بعد تسجيل المعلومات المطلوبة.
-
ب. افتعال اعتراف مزور: يقوم مسؤول الجهاز الحاكم بافتعال هذا التزوير عند وجود أدلة ظنية من احد العاملين له علاقة ارتباطية مع عامل آخر سواء اكان الاول مسؤولا مباشرا للثاني أو بالعكس أو أنهما زميلان في حلقة واحدة، فينظم اعترافا ملفقا على لسان أحدهما مصرحا بأن علاقة الاتصال بالعمل عن طريق الارتباط بالآخر. وقد يقوم اتماما للعملية بتقليد توقيع صاحب الاعتراف الملفق. فينبغي اذا ما واجهنا موقفا كهذا أن ننكر هذه العلاقة، ونطلب مقابلة صاحب الاعتراف الذي لايخلو أمره ان يكون على أحد وجهين: فأما ان يكون مزورا أو ملفقا عليه ـ وهو الغالب ـ وهذا ما سيمتنع عنه موظف التحقيق بكل تأكيد لأنه سيكشف عن عملية تزويرية قام بها بنفسه وهذا غير ممكن. أو أن يكون هذا الاعتراف حقيقة واقعة وقد تصّورناه تلفيقا، فسيتضح بهذا موقف ذلك الانسان الذي ادلى بمعلومات.
-
ج. نصب الفخ: كما يمارس الجهاز الحاكم اختراق الحركات السياسية والاجتماعية التغييرية في ميدان العمل، كذلك يحاول اختراق الافراد في مواقف الاعتقال عن طريق أشخاص تابعين له داخل المعتقل بصفة سجناء أو معتقلين على أساس انهم من نفس الحركة أو من المتأثرين بأفكارها والطريف عن هؤلاء انهم يتحملون أشد العذاب وعلى مرأى ومسمع بقية المعتقلين، حيث تكون معاملتهم عنيفة ظاهرا، وان كان الامر مبيتا معهم، وكل ذلك لغرض تمييع حسّاسية بقية المعتقلين معهم، فينبغي للعامل تمييز هذه العناصر وفرزها، سواء في ذلك المندسين منهم قبل عملية الاعتقال أو محاولي الاندساس في المعتقل، ووضع علامة استفهام على حديث كل من لا يعرفه، الى ان تتضح صورته الحقيقية بجلاء، فأن لبوس التدين ومسحة العمل أو التأثر به يمكن أن يكون اختلاقاً وتدبيرا، كما يمكن أن يكون حقيقة واقعة احيانا.
-
-
التبعات السيئة للادلاء بمعلومات آنيا: ينبغي أن يعلم الذين يستسلمون نتيجة الضغط والأرهاب، أن الأمر وان كان قد يؤدي الى تخفيف هذا الضغط وقتيا، الاّ ان مغبّة الاستسلام هذا، سيتحملها العامل الذي أدلى بمعلومات بنفسه فيما بعد وان الادلاء بمعلومات لسبب الخوف والجبن وعدم تحمّل الاذى سوف يسقطه من اعين الناس وبخاصة العاملين منهم، فيجب تحمّل وسائل الترهيب بأقصى الامكانات، لأن الربح العاجل لاقيمة له تجاه الخسارة الآجلة.
-
التسجيل العكسي: يمكن للمجاهدين الذين استفادوا من التربية الفكرية للعمل، أو الذين لهم استعدادات عقلية فائقة مثلا، أن يحولوا دون تسجيل أية معلومات خاصة عن بناء العمل وحجمه مما قد تيّسر لهم معرفته من خلال الممارسة العملية، بل يمكنهم كذلك ان يمارسوا اضافة الى ذلك عملية مضادة تسمى التسجيل العكسي، ونقصد بها القراءة الصامتة والملاحظة الخفية، وذلك بالغور الى اعماق ذهنية الطرف المقابل من خلال الاستجواب الذي يمارسه، أو عن طريق فلتات اللسان التي يرسلها في حديثه دون قصد بسبب العناء الذي هو فيه. وفي الصبر والأناة وتحمل الاذى والتعذيب وتعويد النفس على ممارسة النفس الطويل في الصمود، تتضح معلومات اكثر فاكثر، فيستطيعون من خلال ذلك قراءة ذهنية الجهاز الحاكم ومايحمل من انطباع حول العمل، ومقدار خطره عليه وما يبيت له من امر، وتتجمع المعلومات الكاملة مع المعلومات التي يمكن استحصالها من الجوّ العام فتتكون رؤيا سليمة وصائبه للموقف العملي، فيخطط العمل على أساسه ووفقا لرصيد الامة واحتمالات المستقبل.
-
تناسق الاقوال: يبنغي أن تكون افادة الأنسان المعتقل متسقة مع افادات الآخرين سواء أكان اعتقالهم نتيجة كبسهم في حلقة واحدة، أو أنهم التقوا داخل المعتقل صدفة وبدون سابق علم، أو أن اعتقال الانسان العامل جاء بعد اعتقال عاملين قبله أو كان العكس هو الواقع وهكذا فالمهم أن تتفق الاجابات بحيث لا تتناقض، ويكون ذلك عادة بتخطيط مسبق حول ماهية الاقوال وكيفية ترتيبها. ويجب الاّ تكون المصلحة الخاصة لأنسان عامل معيّن بقصد خلاصه من المنزلق الكلامي على حساب الآخرين مما يسبب تورطهم في ذلك المنزلق. والجدير بالتنبيه أن الجهاز الحاكم يعمل غالبا على تفريق شهادات أصحاب القضية الواحدة، ويعمل ـ كوسيلة للاستنطاق ـ على ملء اعتراف مزور عن بعض الافراد، ويعمل كمحاولة للاستفزاز وبقصد الانهيار النفسي للانسان العامل، بالقول على أساس انه تمّ اكتشاف جميع الأجهزة وحلقاتها، ولم يعد بعد فائدة للانكار وغير ذلك من انواع الممارسات النفسية، فينبغي للعاملين أن يسيطروا على اعصابهم ويجتازوا مرحلة الافتتان بسلام وبرباطة جأش عالية. فالايثار بتحمّل المشاق هو ماعرفناه من المسلمين الأوائل في مسيرة الدعوة الاسلامية، وليس الاثرة والانانية الا ابتعاداً صادقا عن مقومات التدين ومتبنيات الأسلام.
-
التعامل مع المعتقلين داخل المعتقل: ينبغي أن يكون واضحا للعاملين الميامين أن كيفية التعامل مرتبطة ارتباطا أساسيا بنوعية المعتقلين أنفسهم، فيجب أولا فرز هذه العناصر ومن ثم التعامل معهم بعد وضوحهم. والعاملون منهم على نوعين:
-
أ. العاملون الذين لهم اتصال مباشر مسبق معه، وينبغي عليه أن يتصل بهم لأجل تنسيق الاقوال وتخطيط المواجهة وتدبير كلما يحتاج الأمر لتدبيره في أي فرصة تسنح لذلك.
-
ب. العاملون الذين ليس له اتصال مباشر مسبق معهم، ويمكن تقسيمهم الى قسمين:
-
النماذج التي يقطع بأنهم عاملون كأن يكونوا في قواعده أو هم عند مسؤولين في حلقته فلا يتصل بهم، وينبغي أن يكون بينه وبينهم تعاون على أساس الواجب الشرعي ومصلحة الدين، اللهم الاّ أن يكون في اتصالهم ضرورة فلا بأس حينئذ بالأتصال معهم.
-
النماذج التي يظن بأنهم عاملون من خلال عيشهم في اجواء العمل فلا يتصل بهم قطعا تطبيقا لقاعدة ”سوء الظن من حسن الفطن“، الاّ اذا توفر انسان عامل ثالث وسط بينهما يعرف كليهما، فيكون حينئذ القطع بذلك، وبهذا تأخذ هذه الحالة حكم الحالة الاولى، ويتم تقرير الأمر عن طريق الانسان العامل الثالث. اما اذا كان هناك ايعاز من العمل بالأتصال فيكون الأمر طبيعيا.
-
-
-
-
ج. الادلاء ببعض المعلومات: يضطر البعض من العاملين بحكم توفر ادلة قطعية لايمكن الحيد عنها الافضاء ببعض المعلومات، اذ أن عدم الاعطاء مما لاطائل منه، حيث ستزداد مدة بقائهم في المعتقل نتيجة الأنكار، هذا ولايمكن بعد قلب وجهة النظر التي تكونت للجهاز الحاكم بسبب القناعة الكافية بتلكم الأثباتات القاطعة. وتأتي هذه الضرورة غالبا كمحاولة لسدّ الثغرات المتوقعة الحدوث وتقليل الخسائر. فالتضحية بالأنسان العامل الواحد يفضي ببعض المعلومات غير النافعة خير من انفتاح فجوات كثيرة يمكن أن تفضح منطقة كاملة. وفي هذه الحالة يزوّد العامل بموانع وقائية، وطرق علاجية كافية، يمكن أن تحدّ من انتشار العدوى الى باقي جسم العمل. وفي هذا الصدد ينبغي التأكد من الأمرين التاليين:
-
لايسمح العمل كخط عام في سيره بأعطاء أي معلومات بأستثناء حالة الأضطرار آنفة الذكر، ولايقر بمشروعية عمل من استسلم نتيجة الخوف والأذى، زاعما بأن الاضطرار قد دفعه الى ذلك.
-
ينبغي أن تكون هذه المعلومات بسبب الضرورة السالفة الذكر مسبوقة بتخطيط في كيفية اعطائها واملاء مضامينها، ومواجهة الاسئلة التي يمكن ان تطرح على ان يكون ذلك في فترة التعذيب، ليكتسب صورة مقبولة، حيث يوحي للطرف المقابل أنه جاء نتيجة الجزع والركون للامر الواقع، فهو نتيجة طبيعية وعفوية لتقرير الواقع.
وكيفية الادلاء ببعض المعلومات يمكن تصنيفها الى الصنفين التاليين:
الأول: حول اسماء العاملين ذوي العلاقة، وينبغي اتباع مايلي:
-
أ. ايجاد حلقة مفرغة ونقصد بذلك تحضير اسم شخص لايمكن ملاحقته أو الحاق الاذى به بأي شكل من الأشكال. والحلقات المفرغة على نوعين، نصطلح عليهما حلقات مفرغة ميتة، وأخرى حيّه. وربما يعترض مسؤول التحقيق على ذلك على افتراض عدم وجودها بعد التتبع والأستفسار عنها، فينبغي القول على عدم العلم بذلك، سوى حدوث اللقاءات الحلقية، والتنبية على اساس انه لعل هذه الاسماء غير حقيقية، بل هي اسماء عمل مستعارة، مع عدم العلم بذلك.
-
ب. اقل مايمكن من المعلومات، كما أن عدم اعطاء المعلومات يتقدم على اعطائها ـ الاّ في حالة الضرورة ـ كذلك يوصي العمل بأن يكون تدبير الحلقة المفرغة قبل اي معلومات وان كانت قليلة، اللهم الاّ في الحالة التي يصر موظف الجهاز الحاكم على عدم قبول هذه المعلومات أو يطلب مزيدا منها. وان كان في هذه الحالة امكانية الأصرار والثبات على القول بعدم معرفة اكثر من ذلك هو الأرجح، أو في الحالة التي تكون فيها الحلقات المناسبة قد نفدت، وان كانت الحلقات المفرغة الحيّة لم تنفد، أو في الحالة التي لم يعد الأمر بحاجة الى حلقة مفرغة بعد اعتراف المسؤول عليه مثلا، وان كان يمكن الطعن باعترافه، والأعتراض عليه.
الخطوط العامة في حالة اعطاء المعلومات بأقل مايمكن:
-
ينبغي أن تكون المعلومات على وجهة واحدة فقط، ويقوم العامل بتقلد دوري المفاتحة والمسؤولية المباشرة في آن واحد.
وخط القلة في كمية المعلومات له دوافع شرعية نتيجة لأتقاء مزيد من الخسائر.
-
ينبغي أن يكون جواب الذي أدلى بمعلومات بحدود مقدار المعلومات التي أدليت عليه كحدّ اقصى. فمثلا اذا كان عامل قد اعترف على مسؤوله ولم يذكر من معه في الحلقة، فيجب الاّ يذكر المسؤول من كان معه في الحلقة، وكذلك العكس، ان اعترف المسؤول على عامل لوحده فقط وكان لهذا عاملون معه في قواعده فينبغي الاّ يذكرهم.
-
اذا صادف وجود عاملين في المعتقل مضطرين للافضاء ببعض المعلومات، فيقوم الاقدم منهم بتنسيق الأمر بينهم بعد أن يجد لنفسه حلقة مفرغة. واذا كان هؤلاء العاملون المضطرون للادلاء ببعض المعلومات من مستويات ثقافية وفكرية متباينة، فينبغي ترتيب ذلك متسلسلا، ويقوم الاخير بتدبير الأمر بنفسه، وينبغي لهم في هاتين الحالتين التخطيط المسبق في مواجهة الاسئلة المطروحة، والاعداد لئلا يكشف أمرهم بذلك.
-
الثاني: حول مسائل العمل وأهدافه ينبغي للعاملين اتخاذ احد المواقف التالية بحسب المواقف الخاصة وملابسات الموقف وتقديره المناسب.
-
أ. مظهر السذاجة: ونعني به الموقف الذي يعطي صورة بسيطة عن العمل الاسلامي، فالعاملون نماذج متدينة، التقت على صعيد حبّ الدين وواجب الشرع، هدفها النهائي تثبيت الأخلاق الاسلامية الفاضلة ومحاربة الفساد، ومحاربة المبادىء الكافرة التي مابرح الملحدون يروّجونها لتلويث اذهان المسلمين وبلبلة افكارهم. وبصورة مجملة يجرّ الحديث الى المسائل التي ليست خطرة على الجهاز الحاكم كالمسائل الروحية والخلقية وان كانت تتبناه الحركة في مسيرتها التغييرية العامة، وتترك المسائل الحسّاسة التي يخشى منها كمسائل الوعي السياسي الاسلامي وتطبيق الحكم الأسلامي، وبناء الدولة الاسلامية. وينبغي التأكيد على شمولية الحكم الأسلامي لكل المسلمين دون استثناء، وما هذا التجّمع الاّ لاقتضاء الضرورة. فان العمل من أجل الامور الآنفة الذكر لايمكن انجازها بدون هذا التجمع.
-
ب. بث الأفكار والمفاهيم: ونعني بذلك ابراز الصورة الحقيقية للعمل الى الخارج ليتضح واقع الامر لديهم عن أهداف العمل وغاياته النبيلة على اعتبار أن العامل المعتقل هو حلقة الوصل الوحيدة والمباشرة بين العمل والجهاز الحاكم، ويمكن اختبار صحة ذلك بالسلوك، اذانه العلامة الفارقة لمعرفة الحقيقة، ومصداق ذلك ظاهر للعيان، هي التربية الصالحة.
-
ج. الموقف الوسط: هو أحسن المواقف عموما، اذ أن الموقفين السابقين حالتان خاصتان يستوجبهما توفر ضرورة خاصة لكل منهما. على أن لكل من الموقفين الآنفي الذكر حسناته وسيئاته.
ففي موقف السذاجة قد يمكن جذب عطف مسؤول التحقيق، وتمرير الأمر عليه، حيث يتصور أن هؤلاء من الناس الابرياء، وقد يكون العكس يزيد من حقده على العاملين حيث يرى أن هذه الامور المعروضة امور يراد منها جرّ الحديث اليها وهذا متأت بسبب فطنته. أما في موقف بث الافكار والمفاهيم فقد يتضح لديه أن الصمود مصداق الحق، والتضحية دليل الفهم والاخلاص، مما يتجاوب ولو نفسيا مع تلك المعطيات الفكرية وان لم يكن يظهر عليه شيء منها. وقد يكون العكس ايضا فيتراءى للموظف المسؤول بأن العامل المعتقل من النماذج الكبيرة الشأن في العمل بسبب عمقه في الافكار والمفاهيم التي يعرضها مما قد يزيد تعذيبه، ريثما يتم استحصال معلومات اضافية حول العمل. يظهر مما تقدم أن الموقف الوسط هو أضمن المواقف سلامة بصورة عامة، على اعتبار أنه يضمن الموازنة بين الفكر المعروض واسلوب العرض. وعلى أية حال فان تقدير الموقف المناسب من المواقف الثلاثة ـ آنفة الذكر ـ متروك للعامل يقدره بنفسه ضمن ظروف الموقف، ومقدار فطنة الطرف المقابل، وسعة استعداده الشخصي هو لتدبير المواجهة.
-
الموقف من العامل الذي أدلى بمعلومات عن العمل:
ان هذا الموقف يقدره العمل بجهازه الواعي، حيث سيقوم بدراسة هذه المسائل بعد تجميع المعلومات اللازمة المتوفرة أو التي يمكن استحصالها من خلال ملاحظة الجو الذي تخلقه تلك المعلومات. فتشخيص هؤلاء ومقدار ضعفهم أو خطورتهم على العمل، مع استكشاف سبب ذلك: هل كانت حالة اضطرارية أم غير اضطرارية، وهل هي نتيجة الخوف من جلاد الحاكم وسوطه أم بسبب الاندساس في صفوف العمل، وملاحظة مبلغ خطورة هذه المعلومات على الآخرين، وحجم المعلومات عن العمل ونوعيتها. وصفوة القول اننا سنخرج بعد دراسة كافية بنتيجة حاسمة وموصلة الى رؤية متكاملة حول هؤلاء الذين افاضوا ببعض المعلومات ودرجة صمودهم وتقييم مستوياتهم في سلّم العمل المفتوح لكل عامل يريد أن يرتقي ليكون في مصاف العظماء. أما الثابتون الذين يصبرون على محنة الابتلاء ولايعطون أية معلومات اضافية أو قد يقللون من قيمة بعض المعلومات المتوفرة لدى الجهاز الحاكم وتكون أجوبتهم ضبابية، فان الدعوة والامة ستفخر بهم وستروي صبرهم وتضحيتهم الى أجيال المراحل الآتية من حياتهم، وقد يكونون في قمة الصاعدين. ومرد هذا الأختلاف في تقييم الدعاة المستسلمين من الثابتين، فضلا عن كونه أمرا طبيعيا وظاهرة كونية والتزاما شرعيا فان له انعكاسا سيئا بالنسبة للعاملين، وغنيمة كبرى للجهاز الحاكم، حين يدلي البعض بمعلومات تضر بالعمل ومسيرته. كما أن للثبات آثار حسنة عند العاملين وخسرانا مبينا لأجهزة الحكم، حيث يهّز مضاجعها، وقد يفلت زمام الأمر وتدبيره من يدها والذي يجب أن ينبه عليه هؤلاء، بالرغم من تركيز تأكيد العمل في معارضته لكل عملية فيها اعطاء معلومات، والذي جاء انطلاقا من الواقع الذي نعيشه، وتأكيداً لسلامة البناء وتثبيتا لاستقامة السير، وحفظا لأرواح العاملين، وديمومة لمستقبل العمل، واتقاء لمزيد من الخسائر.. نقول: بالرغم من هذا كله بوجه عام، وتجاوزهم لهذا الخط، فانه ينبغي الأيتوارد في انفسهم أنهم اصبحوا في واد والعاملين في واد آخر صحيح أنهم سيبتعدون عن جسم العمل ـ وبخاصة اولئك الذين أقدموا على اعطاء معلومات بسبب الخوف والاستسلام ـ ولكنهم سيظلون في روح الدعوة وافكارها وفي جو التدين والتزاماته، فأن تلك المراودة الذهنية قد تجّر البعض منهم نتيجة اليأس الذي أصبح عليه، لعدم امكان ملاقاته العمل بعد، أو بسبب فقدان الامل في العودة الى حياة العمل ـ الى مزالق خطرة جدا قد تكون من جملتها عدم الاكتراث بالعمل، أو قد يتحول الى الحياة الجاهلية بفسقها وفجورها وذلك بسبب ضعف الصلة بالله، والذي نريد أن نقوله لهم أنه بالرغم من عدم وجودهم في اجواء العمل الخاصة فانهم سيكونون في أجواء الاسلام، وسوف يلتحقوا بمناخ العمل مجددا عند توفر الظروف الموضوعية الملائمة لذلك، وقد يكون وصول الدعوة الى مرحلة ترى ان لاقيمة تضرّرية بعد لمعلوماتهم السابقة.
سادسا: موقف العاملين في الخارج
ان لنوعية الظرف الذي يعيشه العمل أثراً في تحديد الموقف العملي عند حدوث المواجهة ففي المرحلة التغييرية يجب أن يختلف الموقف عنه في المرحلة السياسية، وقد يختلف الموقف في المرحلة الواحدة تبعا لأختلاف المناطق. والشيء المؤثر في اختلاف الموقف هو الأمة. ففي حالة تكون الأمة غير مهيئة اسلاميا، وفي اخرى تكون بمستوى جيد من الوعي. ففي الحالة الاولى من المستحسن التكلمّ باعتقال الانسان العامل على أنه احد المتدينين من أبناء الامة ونشر الخبر بهذه الصورة، مع ربط الحديث بمفاهيم عن التضحية والصبر والصمود بوجه الظالمين، وأن ذلك ليس بدعا في حياة الأسلام وانما هو سنة سار عليها الأولياء والصادقون، ويكون موقف الناس تخوّفهم من التقرّب منه لأنهم ينظرون اليه على أساس أنه حزبي مثلا، أو أنهم يثقون به ولكن الجبن والخوف من القوى الكافرة يدعوهم الى تجنب مخالطته أو التقرب منه واحتضانه على أساس أنه قائد من قادة الامة في هذا العصر.
أما في الحالة الثانية فمن المهم أن يقوم العاملون وبصورة سريعة طبعا بنشر الخبر في المنطقة لتهييج عواطف ومشاعر الرأي العام الأسلامي ضد القوى الكافرة، وتكون هذه العملية عاملا مساعدا لتقريبهم من الاسلام وابعادهم عن الكفر. وفي كل الحالات يجب نشر الخبر في المناطق والمدن الاخرى وبصور متعددة، ولو أن ذلك يؤدي الى وجود اتصال بين هذه المناطق وبين العامل المعتقل مما يزيد من الاذى الذي يصيبه ويؤدي الى الحاق الضرر بالعمل بصورة عامة ويمكن ان تحصل الفائدة ونتجنب الضرر عند ذكر انباء الاعتقال من دون ذكر اسماء المعتقلين، فنحصل فيه على زرع النفور بين الامة والسلطة واحراز عطفها على المعتقلين مع الأطمئنان على عدم الكشف، وضمان عدم الانعزال.
سابعا: النتائج:
بالرغم من الاضطهاد الجسدي والحرب النفسية التي ترافق عملية المواجهة، فان الامر سيثمر عن نتائج ايجابية على مستويين:
-
على مستوى العمل:
-
أ. انه يبلور العمل ويدفعه الى الأمام لأنه يعمق الشعور بالمسؤولية لدى العاملين بضرورة التخلص من الظلم الماثل، وأن تخلصهم منه يتوقف على اندفاعهم في سبيل تحقيق أهدافهم وغاياتهم دون مبالاة لما يتعرضون له من عقبات في السير واشواك في الطريق.
-
ب. فرز الثابتين من المستسلمين، وهو خير محك لتفحّص النوعيات الجيدة وتحديد درجة ثباتهم اضافة الى تماسك العمل وتلاحمه وسدّ الثغرات ان وجدت
-
ج. تقوية الجانب الروحي، ويكون ذلك عندما يفكر الانسان العامل بأنه امام احدى الحسنيين: اما النصر بالأفراج عنه بعد ثباته في المواجهة، واما الشهادة، وفي ذلك كله يخلص الانسان العامل في تفكيره واعتصامه وثقته بالله وحده، ويستشعر دائما بأن الله سبحانه وتعالى معه يرعاه ويدافع عنه، ويؤجره على كل صغيرة وكبيرة، من الاذى والصبر عليه، وان نهايته الجنة، وذلك مايسعى اليه.
-
د. تربية الشخصية القيادية: فالشخصية لا يمكن ان تصقل وتتبلور الاّ اذا صادفتها العقبات والمحن، واجتيازها بجدارة فالعقبات هي التي تصنع الرجال، وهي التي تبعث روح الصبر والتحّمل وسعة الصدر التي يحتاجها كل عامل اجتماعي في عمله الشاق.
-
-
على مستوى الامة:
-
أ. انه يكسب عطف الامة للعاملين، والعناية بهم، وبأفكارهم وبالتالي تأخذ مجراها الى أذهان الأمة. ويحدث هذا في حالة وجود وعي بدرجة لا بأس بها عند الأمة، اذ أنها ستثمن جهاد الأنسان العامل وتضحيته، وبتركيز الثقة يتبلور انقياد الأمة للعمل، وبذلك تتحرك الطاقات المعطلة للأمة، لأن ابتعاد أبناء امتنا عن ساحة العمل لم يكن بسبب عدم امكانية العمل، بل لعدم وجود العمل نفسه أو لعدم وضوحه لديهم.
-
ب. توجيه انظار وأذهان الأمة للعمل الأسلامي نتيجة لأتضاح أمر الدعوة لدى الناس، وبذلك يمكن أن تحدث موجة تحويلية تجعل من الناس، وحتى بعض المعادين للعمل في السابق ينضم للعمل ويدافع عنه.
-
واخيرا ايها الاخوة المجاهدون: ان بعض المعالم الرئيسية لعملية المواجهة التي طرحت هنا، لا يمكن ان تكون متكاملة مالم نتفاعل معها بتفكيرنا واحساسنا والتزامنا العملي بها. فكل فكرة وكل نظرية تبقى ميتة مالم ينزلها ملتزموها الى الواقع العملي.
وفقنا الله لخدمة دينه القويم، والثبات على صراطه المستقيم، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.