الايقاظ والتحريك

نشرت في "صوت الدعوة" العدد الرابع شعبان ١٣٨٣ هجري

المجتمع الذي نعيش فيه له مظاهر متناقضة ومتفاوتة ونحن من واجبنا الكشف عن جميع هذه المظاهر لكي نعي المجتمع الذي نعيش فيه والا لما تمكنا من التأثير المطلوب.

ولهذا نرى بعض الابحاث المكتوبة تبدو وكأنها متناقضة وهي بالحقيقة ليست كذلك لانها تصف شيئا فيه صفات متناقضة وبحث الصفات هذه يكمل بعضها البعض الآخر وليس مناقضا له.

هذا جواب لسؤال محتمل قد يتبادر الى الذهن.

من مظاهر المجتمع الذي نعيش فيه عدم الاهتمام بالامور العامة اهتماما جديا واعيا، وعند قسم كبير من الناس عدم اهتمام بقضايا السلطة ومن يتولاها وكأنهم لامساس لهم بهذا الأمر، وكأن جور القوانين لا يصيبهم اذاه، فهم في واد لا يسمعون فيه صراخ الالم الذي يعيش فيه الناس وهم منهم، ومثلهم في ذلك كمثل جماعة من الناس ركبوا سفينة وتركوها للرياح والامواج تسيرها بأية وجهة كانت لا يعرفون في اي بقعة يقعون و لأية جهة يسيرون ثم لا يفعلون شيئا سوى التواكل والاستسلام.

ومن مظاهر مجتمعنا المعاش السذاجة في فهم الاحداث فلا يعرف من الاحداث الا مظاهرها البسيطة التي لا تنم عن حقائقها فلا يتعمقون بالتفكير ولا يتوسعون فيه، وبالنتيجة لا يفهمون الاحداث وينخدعون بالاحابيل والاكاذيب، الامر الذي مكنّ الكافر من بسط نفوذه وسيطرته على جميع انحاء بلادنا، رغم كرهنا الشديد له وحقدنا المرير عليه.

ومن مظاهر مجتمعنا التفكك والضياع الاجتماعي لفقدان القيادة الحقيقية عند مجاميع الناس في القرى والمدن بعكس ما كان عليه المجتمع سابقا حيث كان يوجد في كل مكان من يتصدى للقيادة وكان اكثر هؤلاء المتصدون قادة حقيقيين ينقاد لهم مجتمعهم، وكانت القيادة في الغالب تتمثل بالدرجة الاولى بالعلماء ثم الوجهاء والمشايخ، وبالرغم من نقاط الضعف التي يمكن احصاؤها في شكل تلك القيادات، وذلك لانه لم تكن تجمعهم الدولة الاسلامية المتكاملة فان شكلا أو اكثر من اشكال الارتباط كان يجمعهم ويمكن ان نتصور قيادتهم في بعض المجتمعات الاسلامية شكلا هرميا والذي هو اصح اشكال الحكم وفي اعلاه المرجع الديني الاعلى.

وخلاصة القول ان المجتمع سابقا كان اغلب افراده يتصور على الابهام قيادة مجتمعة فهو يتوسل لحل مشكلته بأقرب شيخ أو وجيه أو عالم فأذا عجز هذا عن الحل ينتقل الى من هو اعلى مرتبة حتى يصل الى المرجع الديني الاعلى، اما اليوم فان مظاهر التفكك هي السائدة في هذا المجتمع اذ قد مزق ذلك الشكل القديم ولم تتمكن الاشكال القيادية الجديدة من سد فراغها وان كانت الاحزاب تبدو وكأنها قامت مقام الشكل القديم ولكنها لم تصل بعد.

ربما يكون من اهم عوامل انفراط المجتمع وتفككه تأثر الناس بمفهوم الحرية الشخصية وابتعادهم عن الضوابط الاجتماعية الاسلامية كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذه المظاهر الاجتماعية وامثالها تشكل سدا امام كل تقدم حقيقي وامام كل نهضة صحيحة، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالركود الاجتماعي، اذ كلما كان المجتمع اقرب الى الحركة منه الى الجمود كانت هذه المظاهر أقرب الى الزوال.

فما يا ترى العامل المحرك لمجتمعنا؟

يمكن تقسيم العوامل التي تؤثر على حركة المجتمع بالنسبة لنا الى فئتين:

  1. عوامل نابعة من تأثير اعمال الدعوة.

  2. عوامل اخرى ناتجة من الاحداث التي تمر بالامة بفعل صادر من خارج الدعوة.

وبصورة عامة نذكر أهم العوامل كما يأتي:

  1. وجود فكر حيوي، وهو موجود لدينا ويتمثل بعقيدة الاسلام واحكامه وافكاره.

  2. وجود عاملين بهذا الفكر وهو متوفر أيضا بسبب انبثاق الدعوة الاسلامية في قلب العالم الاسلامي، ولكن هذا الانبثاق يحتاج الى توفيق من الله لكي يسير في خط تكاملي وتصاعدي ويحتاج الى بذل الجهود الكبيرة وعلى الصفوة التي تعاهدت على العمل في الدعوة العبء الاكبر في تنمية الدعوة في شتى المجالات لكي تتمكن من ايقاظ الامة من سباتها وتوجيهها الى الوجهة الصحيحة ويعتمد في ذلك على كفاءة الدعاة التي تتناسب مع اتصافهم بصفات خاصة تنمو في ذواتهم لتؤهلهم للعمل العظيم الذي نذروا أنفسهم من اجله وهذه الصفات:

    أولها: الالتزام بالواجبات الشرعية.

    ثانيها: اطاعة الدعوة في التنفيذ.

    ثالثها: الاتصاف بالروح القيادية ويعني ذلك أن يعي الداعية مركزه في المجتمع وواجباته ازاءه ويعلم انه اهتدى بفضل الله الى طريق نجاته ونجاة امته وعليه ان يقود الآخرين الى الطريق المستقيم.

    ورابعها: الحكمة في مسيره والاقدام بلا تردد في عمله والثقة بالنفس ورحابة الصدر، وسعة التفكير.

    وخامسها: التفكير الدائم في الدعوة.

    وسادسها: تغليب مصلحة الدعوة على المصلحة الخاصة وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ‌ الْآخِرَ‌ةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ.

    وابتغ فيما اتاك الله من صحة ومن فهم وتدبير ومن جاه ونفوذ ومن مال وولد، ابتغ في كل هذا وغيره مما اتاك الله الدار الآخرة اولا ثم لا تنس نصيبك من الدنيا، وتأتي في القمة التضحية اذ لا جهاد بغير تضحية وهي تشمل كل ما يمت الى المصلحة الخاصة وبذله في سبيل المصلحة العامة التي حددها الاسلام، فالوقت والجاه والمال تحتاجها الدعوة وهي تحول هذه الاشياء الى طاقات تهيء بها الامة الى ما يصلحها.

  3. وجود حوافز للتفاعل بين العاملين والامة ـ واهم الحوافز انما هي العقيدة الاسلامية ورغم ابتعاد المسلمين الشاسع عن تعاليم دينهم فانهم لا يزالون متمسكين بعقيدتهم رغم الشوائب التي تشوبها، فهذه العقيدة الخالدة كانت الحصن الحصين الذي حافظ على عدم انصهار المسلمين في بواتق الكفر رغم ضخامة الجهود التي بذلت لذلك. وهذه العقيدة هي التي جعلت جميع المفاهيم الفكرية وجميع الاعمال الحزبية غير الاسلامية غير مستقرة في اذهان المسلمين رغم العمل المتواصل والمغريات الكبيرة التي تبذل، وهذه العقيدة العظيمة هي التي تكون الحافز الاول والاقوى لتلاحم الدعوة والامة في سبيل الاستقرار على تعاليم الاسلام ان شاء الله تعالى، فبمجرد نجاح الدعوة في ابراز قضية الاسلام عالميا فان الجماهير المسلمة ستهب لاحتضان قضيته الكبرى في العمل لقيام دولة الاسلام.

    ومن الحوافز ايضا ما يحدث في البلاد الاسلامية من احداث ضخمة كالثورات والانقلابات العسكرية والرجات السياسية والفكرية وما يصحبها من مصائب تعم الناس ومن قلق فكري عندهم ومن تحسس بسوء الاوضاع مما يهيئهم لتلقي الافكار الانقاذية المتمثلة بالاسلام، ومن الحوافز كثرة المظالم نتيجة للقوانين الجائرة وتطبيقاتها، او من الاعراف الفاسدة وفي بعض الاحيان تثير هذه المظالم الناس عندما تحدث بشكل مفاجىء وغير مألوف، فضريبة الملح في الهند أثارت الهند بشكل عام وشامل.

    واتجاه القوانين الحديثة في ايران الى العلمانية اثارت الناس في الايام الاخيرة، وعلى الدعاة ان يوجدوا الحوافز الاخرى التي تقرب الناس الى الاسلام.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَ‌ى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَ‌سُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ.