عبرة من الذكرى
اننا متى انطلقنا في تحديد نوعية سلوك الانسان المسلم على المقاييس الاسلامية التي وضعها ائمة المسلمين وحاولنا مقايسة سلوك مسلمي اليوم على اساسها موضحين المفارقات والمباينات التي تحدده تلكم المقاييس استطعنا ان نقيم لونا من المقارنة يتماشى ومتعلقات العاطفة الاسلامية التي تعيش مجتمعنا اليوم والتي تربط الفرد المسلم نفسيا بالمبدأ الاسلامي منتهين الى نتائج ملزمة بالاذعان لا يقوى المسلم المنحرف على الهروب من غائلة نقدها البناء، وعلى التغطية لما اعترته من منافيات سلوك المسلم اليوم لمناهج ومخططات السلوك الاسلامي الذي تحدده تلكم المقاييس.
الى هنا حيث اتضحت الفكرة لنأخذ مثالا واحدا لتلكم المقاييس لعظيم من ائمة المسلمين وهو الامام على عليه السلام وخاصة ونحن نعيش، ايام ذكرى ميلاده الاغر وما يشع به علينا من هدى وحيوية. يقول عليه السلام:
”واعلموا عباد الله ان المؤمن يستحل العام ما استحل عاما اول ويحرم العام ما حرم عاما اول، وان ما احدث الناس لا يحل لكم شيئا مما حرم عليكم، ولكن الحلال ما احل الله والحرام ما حرم الله فقد جربتم الامور وضرستموها ووعظتم بمن كان قبلكم وضربت الامثال لكم ودعيتم الى الامر الواضح فلا يصم عن ذلك الا اصم ولا يعمى عن ذلك الا اعمى ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة واتاه التقصير من امامه، حتى يعرف ما انكر وينكر ما عرف وأنما الناس رجلان متبع شرعه، ومبتدع بدعه ليس معه من الله سبحانه برهان سنة ولا ضياء حجة“.
ان نتائج هذا المقياس الاسلامي لسلوك المسلم التي نستفيدها من تحديد الامام عليه السلام هي:
-
المسلم المؤمن لا ينافي سلوكه الاحكام الاسلامية الثابتة مهما تغير الزمان فالصلاة مثلا لا تتحول الى فعل آخر مهما تغير الزمان، وكذلك الزكاة هي الاخرى لا تتبدل الى ضريبة اخرى بحجة تغير الزمان.
-
ان المسلم المؤمن لا يتخذ مما يحدث ويجد من تشريعات وضعية تحل ما حرم الله وتحرم ما احل الله بحجة متطلبات التطور الاجتماعي، لان الاسلام قد حسب حساب التطور واعد له عدته، ولأن الاحكام يتوخى فيها تحقيق المصلحة للانسان ومن اعلم بمصلحة الانسان من خالق الانسان، والتجارب التاريخية التي مرت بها المسيرة البشرية على مدى التاريخ الماضي والحاضر اثبتت ان الانسان عاجز عن وضع النظام الاصلح، ولا بد من الرجوع فيه الى الله تعالى.
-
ان المسلم المؤمن يستفيد من التجارب التي تمر عليه، ان الانقياد محصور بين اثنتين هما طاعة المخلوق أو طاعة الخالق، لأن الناس رجلان متبع شرعه ومبتدع بدعة، ويريد الامام عليه السلام لمتبع الشرعة المسلم المؤمن وبمتدع البدعة المنحرف عن شريعة الله.
وامامنا نتائج الانقياد لغير الخالق وماجرت من ويلات وما ترتب عليها من مضاعفات. بمثل هذا اللون من الحوار العاطفي بين الداعية والمسلم العاطفي المنحرف ينتهى عادة الى نتيجة مقبولة تستثمر في ميدان الخير والهداية، وتلتقي مع ما يحدده الاسلام من اسلوب عملي للحوار ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ فلينتفع وليستفد المسلم الواعي عند مروره على مثل هذه الذكرى الكريمة وامثالها ففيها خير الدروس واحسن العبر والله تعالى ولي التوفيق.