حاضر الامة ومستقبلها
ان الناظر الى خارطة العالم الاسلامي الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية يرى ان بلاد المسلمين تتمتع بميزات لاتمتلك مثلها امة من الامم ولا اية دولة من الدول الاخرى، ان هذه الميزات ذاتية وحقيقية وليست مفتعلة أو مغتصبة فالعالم الاسلامي مهما اطلق الاجانب على اجزائه من اسماء كالشرق الادنى والشرق الاوسط وجنوب شرقي اسيا وشمال افريقيا وشرق افريقيا وغربها الى غيرها من الاسماء فانه لايغير من واقع هذا العالم شيئا فهذه الاسماء الكثيرة وان كان القصد منها ابعاد كلمة الاسلام من الوجود الدولي وتمزيق شمل المسلمين وتركيز هذا التمزيق، فان المسلمين الواعين يعرفون ان هذه الاسماء كلها تطلق على اجزاء العالم الاسلامي الذي هو بحق قلب العالم، ولموقعه الجغرافي الاستراتيجي من المميزات ما هو فريد في نوعه فهو يطل على المحيطات الثلاثة العظيمة الهادي والهندي والاطلسي. وليس للولايات المتحدة ولا لروسيا في الوقت الحاضر ولا لاية دولة في تاريخ العالم مثل هذه الميزة. والبحار الدافئة الاصل الذي يراود روسيا ان تكون لها موطيء قدم فيها يمكن اعتبارها بحيرات اسلامية ثم ان هذه الممرات المائية ذات الاهمية التجارية والحربية المهمة في العالم تقع ضمن الاراضي الاسلامية كمضيق جبل طارق وقناة السويس ومضيق باب المندب وبوغاز والملايو ومضيق البسفور.
اما ثرواته الطبيعية فيكفي الاشارة الى الثروة النفطية فقط لمعرفة مدى الامكانيات المادية التي يملكها المسلمون والتي هي نهب لاعدائهم اليوم، فانها تغني عن ذكر بقية المعادن الاخرى والخامات الضرورية لكل الصناعات الثقيلة، فنفط بلاد المسلمين يزود جميع بلدان اوربا واسيا وافريقيا ما عدا دويلات شرقي اوربا التي تأخذ نفطها من رومانيا كما ان منابع البترول التي يستولي الروس عليها تقع في بلاد المسلمين في بادكوبه (باكو) عاصمة اذربيجان والدلائل تشير بان الصحاري الاسلامية تقع كلها فوق بحر من البترول سواء كان في الجزائر والصحراء الافريقية أو ليبيا أو الجزيرة العربية وما جاورها من الخليج وايران والعراق ان هذه الثروة الهائلة تنبع من ارض المسلمين وهذه المواقع هي مصادر قوة ذاتية وحقيقية وليست مغتصبة كما تفعل الآن الدول الكبرى في الاستيلاء على المواقع الاسلامية الممتازة ونهب الثروات منها.
في هذه البلاد الخيرة المعطاء تعيش امة الاسلام ـ وياللاسف ـ تحكم فيها قوى الكفر والفساد وتعمل فيها يد التمزيق ولايرعى فيها للاسلام حرمه. والمسلمون عن هذا غافلون ـ الا من رحم ربي ـ تأثر الكثير منهم بسموم الكفر، وترك الآخرون اللامبالاة تتحكم في حياتهم ولم يهتم بعضهم بامر البعض الآخر فالمسلم في اندونيسيا لايعلم ان له اخوانا في الصومال والمسلم العربي لايعرف ان الملايو يعّد من بلاد المسلمين والجهل بالاسلام وبواقع المسلمين سائد في بلادنا.
ان العالم الاسلامي الواسع الارجاء يسكنه اكثر من نصف بليون مسلم يتقاسم الحكم فيه والنفوذ روسيا وامريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وتحاول الدولتان الكبيرتان في عالم اليوم امريكا وروسيا ان تستأثر بالغنيمة وتسيطر على جميع البلدان التي ابتلى اهلها بمرض اسمه قابلية الاستعمار، ان هذا الوضع المزري هو بلاؤنا الاعظم في دنيانا وآخرتنا. اما في دنيانا فلاننا نعيش في هوان وقد اراد لنا الله العزة، ولان خيرات بلادنا نهب الكافر ولاننا مفرقون ايدي سبا، ولاننا تغربنا في عقر دارنا ـ ولأننا ـ ما لو شئنا ذكره لما كفت هذه السطور. اما في اخرانا فلاننا لم نحفظ بيضة الاسلام وتركنا الكفر يسود في بلادنا وتركنا ولاية الله ورسوله والذين آمنوا فصارت الغلبة لحزب الشيطان، ولاننا عصينا أوامر الله فابتلينا في الدنيا والآخرة.
ان هذا الوضع المزري لهو اكبر حافز للنهوض والسير في الطريق المستقيم لرفع الاثم عن انفسنا ولنكون احرارا في دنيانا وديننا.
ان تباشير النهضة قد بدأت في اوائل القرن الرابع عشر الهجري عندما كان للمسلمين دولة تحتضر وهم في سبات عميق.
بدأت في ظهور اشخاص احسوا بالواقع المرير ولكنهم لم يفهموا حقائق الامور كما ينبغي فعملوا ما استطاعوا جزاهم الله خيرا.
وكان نتاج عملهم بث الوعي في قلة من المسلمين فاصبح هؤلاء هم الصفوة واستمروا بالعمل الذي بدأه اولئك باساليب جديدة. ان جمال الدين الافغاني ومحمد اقبال يمكن ان يعدا بحق في طليعة القياديين الذين اسسوا مدارس فكرية اسلامية للجيل الذي خلفهم. كما ينبغي ان نذكر انه ظهر في نفس الفترة التي ظهر بها هذان المجاهدان مجاهدون اخرون من علماء ايران والهند وافريقيا والبلاد العربية الا ان الذي تميز فيه هذان البطلان انهما عملا وفكرا في قضايا اسلامية عامة ولجميع المسلمين واما بقية العاملين الذين ظهروا بنفس الفترة فقد كانت حركاتهم تتميز بالاقليمية وان كان الاسلام هو الدافع العملي عند الجميع. ان اثر هؤلاء كان واضحا على من اتى بعدهم فقد وضحوا رحمهم الله امكانية العمل ووجوبه، ولكن طبيعة الدعوة في الفترة التي تلت فترتهم اصبحت اكثر وضوحا وظهر اسلوب الحركة التي ينتظم بها جماعة ولها ميزات قيادية بالنسبة للامة وتعمل بين جماهير الامة على شكل دعوات منظمة في بلاد الهند واندونيسيا وايران وتركيا وبلاد العرب ولاتزال هذه الحركة مستمرة نامية تسير نحو الكمال وتعمل منفصلة الواحدة عن الاخرى خاضعة للحدود الجغرافية التي وضعها الكافر وربما متأثرة بالخلاف الفكري والعملي بينها وان كان الاتصال الفعلي من الامور التي تفكر فيها الحركة الاسلامية بكل اجزائها.
ان الخطوات التي تسير فيها الحركة الاسلامية تبشر بكل خير فمن ناحية الكم فان الحركة الاسلامية توسعت بحيث شملت جميع بلاد المسلمين عدا التي تقع تحت الحكم الشيوعي الرهيب ومع ذلك فالمسلمون في تلك الديار لايزالون على اسلامهم رغم الاضطهاد والتشنيع، والمتتبع الواعي للانباء العالمية يرى مدى انتشار وسعة الحركة الاسلامية في العالم ويرى مدى التشويه الذي تحاول مصادر اذاعة الانباء اضافته الى الحركة الاسلامية بوحي من كفرها. اما الناحية الكيفية للحركة الاسلامية فان الفكر الاسلامي قد انطلق من عقاله وهو في صعود مستمر والايام تظهرلنا المفكرين الاسلاميين من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب وقد انتقل الفكر الاسلامي الطليعي من مرحلة الضعف الى مرحلة القوة ومن الدفاع الى الهجوم فان المفكرين المسلمين كانوا في الفترة السابقة مشغولين بالرد على المستشرقين وتلاميذهم والعملاء الفكريين واصحاب الحركات المدسومة لهدم الاسلام، والآن بدأت مرحلة فكرية جديدة بعد ان تبين ان الاستعمار حكم اجهزته الفكرية المتمثلة بالمستشرقين وامثالهم لتشويه الاسلام والهاء الصفوة الاسلامية بسفاهاتهم وتشويهاتهم عن العمل الاساسي في فهم المبدأ وافهامه للامة. انتقل المفكرون الاسلاميون من مرحلة الدفاع عن الاسلام الى مرحلة شرح افكاره وعرض احكامه ونقض احكام وافكار الكفر.
ان هذا التطور في الوعي عند الصفوة من المسلمين هو شيء طبيعي بعد انقطاع الوحي وبعد الانحطاط الفكري الذي اصاب المسلمين. وان نهضات الامم تمر بمراحل متعددة وتقاسي آلاما كثيرة حتى تصل الى النتيجة المرجوة.
ان الامة الاسلامية الآن قد اجتازت طلائعها أو كادت تجتاز مرحلة اكتمال وعيها الفكري وبنفس الوقت فان الوعي الفكري ينتقل من هذه الصفوة الى الامة ويتبع ذلك انشاء الله اعمال سياسية واعمال فعلية تؤدي الى تنفيذ وعد الله وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥﴾ ان الخطوط الاصلية لمستقبل الاسلام والمسلمين يجب ان تكون واضحة عند الصفوة ومن هذه الخطوط ان لا يفكروا فقط في اعادة الاسلام الى دياره وانما هو اسلام يعم البشر يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾.
ان رسالة الاسلام رسالة السماء الى الارض رسالة كاملة لجميع الناس واهم شيء تحتاج اليه هذه الرسالة الآن هم المبلغون الذين يتحملون المسؤولية، ان التفكير في نشر الاسلام الى العالم ليس كلاما طوبائيا كما يتصور البعض فكما ان الاسلام لا يتجزأ كذلك لا تتجزأ الدعوة اليه. فاننا في بداية الطريق ونعرف كل مرحلة سنمر بها، ووضوح الطريق في كل مراحله ما هو الا وعي كامل وضروري ان العالم كله مجال حيوي لنشر الاسلام فقد انهكه الالحاد والظلم والوثنية والفساد والتفكك الاجتماعي والمادي المقلق وليس الا الاسلام لهذه الادواء.