نحو تعبئة فكرية شاملة

نشرت في "صوت الدعوة" العدد السادس ربيع الثاني ١٣٨٤ هجري بقلم الشهيد السعيد الشيخ عارف البصري رضوان الله عليه

ان نجاح الدعوة في تحقيق رسالتها في معترك الحياة وحملها الى البشرية جمعاء يتوقف على نجاحها في مرحلتها التغييرية الراهنة في تنمية الدعوة كيفا وكما بشكل متوازن.

ولكن الذي لمسناه من غالبية الدعاة انهم انساقوا بدافع من شعورهم بالمسؤولية امام الله تعالى وثورة منهم على الواقع الفاسد الذي يعيشونه نحو الجانب الثاني اكثر من اندفاعهم نحو الجانب الاول اذ راحوا يصبون عنايتهم وجل اهتمامهم نحو تكثير عدد الدعاة وجلب اكبر عدد ممكن من الافراد الى حظيرة دعوتهم المجاهدة اكثر من عنايتهم واهتمامهم في التركيز على ثقافتهم الخاصة. وتوسيع معلوماتهم الاسلامية العامة وليس هناك من شك في ان تنمية الدعوة عدديا عمل مشكور عند الله تعالى كما انه امر ضروري لوجود الدعوة واستمرارها وقدرتها على تحقيق رسالتها الا انه لا بد من الاهتمام في الوقت نفسه بتنمية الجانب الفكري لدى الدعاة، ولايعني ذلك ان تتولى قيادة الدعوة وحدها مسؤولية البناء في هذا الجانب باصدار النشرات الخاصة والابحاث والدراسات العامة كما قد يخيل الى البعض بل ان بناء هذا الجانب لا يتم الا بتوفر الدعاة جميعا على تفهم ثقافة دعوتهم بصورة خاصة وتوسعهم في الاطلاع على الثقافات المعاصرة الاخرى وماينشر في المجتمع من اوضاع وعلاقات وعادات بصورة عامة.

ليس مقدار نمو الدعوة فكريا في فترة معينة هو مجموع ما اصدرته من النشرات والابحاث والدراسات وانما هو بمقدار ماهضمه مجموع الدعاة وما مثلته اذهانهم من الافكار وما اكتسبوه من الخبرات وان الدعوة اذا لم تتمثل افكارها في اذهان الغالبية العظمى من اعضائها ولم يحاولوا توسيع دائرة معارفهم وخبراتهم الى اوسع نطاق ممكن لهي دعوة خاوية في الواقع وان قدمت ارقى المفاهيم واوسع الدراسات فبدت شامخة البناء من الخارج.

ونريد ان ننبه اخواننا الى ان اعتمادهم في بناء هذا الجانب من شخصياتهم على الحلقات وحدها ليس بالعمل الصحيح فعمل الحلقة يتلخص في صياغة العقلية والنفسية الاسلاميتين لدى الدعاة ورسم طريقة التفكير وحمل الرسالة في الحياة وبعبارة اخرى وضع الركائز الاساسية والقواعد العامة لشخصية الداعية في مجالات الفكر والشعور والتنظيم وطريقة التفكير ويبقى على الداعية نفسه ان يبذل الجهود المتواصلة من اجل توسيع دائرة معارفه وخبراته كيما تكتمل شخصيته فيستطيع ان يبني مجتمعه ويقود امته ويحمل رسالته.

ويترتب على وضعية الانصراف نحو تكثير الدعاة وعدم الاهتمام كما ينبغي في تنمية ثقافتهم وخبراتهم عدة مساويء ومفارقات واخطار نجمل اهمها فيما يلي:

  1. بقاء الحركة في مرحلتها التغييرية الراهنة وعدم انتقالها الى المرحلة السياسية وذلك لان الانتقال الطبيعي للحركة لايتم بنموها نموا عدديا فحسب بل لا بد أن يرافق هذا النمو فيما يرافقه النمو الثقافي والتنظيمي والسياسي جنبا الى جنب وحينئذ يكون انتقال الدعوة طبيعيا بعد ان يبلغ النمو هذه الجوانب وغيرها الحد اللازم لهذا الانتقال والا فان الانصراف نحو تكثير عدد الدعاة اكثر من الاهتمام في تنمية جوانبه المعنوية يؤدي غالبا الى اصابة الحركة بداء (السرطان) الذي اصيب به الحزب الشيوعي في العراق في عام ١٣٧٩ هجري.

    ان هذا الحزب فتح ابوابه على مصراعيها امام الجماهير في تلك الفترة نتيجة انخداعه بالظرف السياسي انذاك وكان من جراء ذلك ان نما نموا فجائيا هائلا في الوقت الذي لم يكن فيه الحزب مستعدا لاستيعاب هذا العدد من المنتمين اليه والدائرين في فلكه وصقل ذهنياتهم بمبدئه وتربية سلوكهم بما يريد وتنمية ثقافتهم وتوسيع خبراتهم بالقدر اللازم لانتقاله الى مرحلة الحكم.

    وهكذا فقد جاءت مناداته بالحكم مناداة جوفاء لاتستند الى استعداد حزبي اصيل ولا الى خطة حزبية مدروسة لذلك فانه سرعان ما استطاع عبد الكريم قاسم ان يؤثر بخطاب واحد على كيان الحزب المنتفخ.

    ولو كان الحزب الشيوعي واعيا على الوضع السياسي في العراق وعلى الكمين الذي نصب له انذاك لاستثمر تلك الظروف في تعبئة اعضائه تعبئة فكرية وسياسية مركزة وتهيئة الامة للانقياد لشعارات ملائمة يرفعها اثناء تغلغله بين صفوفها ولكان القضاء عليه بعد ذلك امرا من الصعوبة بمكان.

  2. الاجهاض: ونعني به ظهور الحركة على المسرح الاجتماعي السافر قبل ان تعد لذلك عدته اللازمة من اعداد اكبر عدد ممكن من الدعاة اعدادا فكريا وسياسيا وتنظيميا يؤهلهم للصمود بوجه اعدائهم واقامة مجتمعهم وقيادتهم الامر الذي سيتيح الفرصة لاعداء الحركة لتوجيه ضربتهم اليها وهي في تلك الحالة من الضعف وعدم الاستعداد كما حدث ذلك لاحدى الحركات الاسلامية في العراق في السنوات الاخيرة حيث استجابت للظروف السياسية حينذاك وكبر عندها ان ترى العراق المسلم مسرحا للاحزاب السياسية الكافرة فقررت النزول الى المسرح السياسي المكشوف في الوقت الذي لم يكتمل فيه نمو قاعدتها في الجوانب الفكرية والسياسية والتنظيمية الامر الذي جعل نزولها اشبه بنزول الجنين الى ميدان الحياة قبل ان يتكامل نموه وكان نتيجة ذلك ان توارت الحركة عن الانظار بدفعة خفيفة من قبل صاحب السلطان انذاك.

  3. الانشقاق والانقسام: ومن نتائج عدم تبلور افكار الحزب لدى المفكرين من اعضائه وعدم نضوج ثقافته الخاصة في اذهانهم ان تحصل الانشقاقات والانقسامات الداخلية الناشئة عن اختلاف مواقفهم ازاء مايجابه الحزب من مشكلات.

    وليس هناك ماهو اخطر على الحزب من حصول هذه الاختلافات وهو في دور تسلمه للحكم كما حصل ذلك لحزب البعث في العراق في الفترة ١٣٨٢-١٣٨٣ هجري.

    فقد قدر لهذا الحزب ان ينتفخ ايضا بالاعضاء والمنتسبين اليه مدنيين وعسكريين الذين اضطهدوا في عهد عبدالكريم قاسم وقد احتضنهم الحزب المذكور في الوقت الذي لا يملك فيه من الامكانيات الفكرية والتنظيمية التي تسمح له باستيعاب هذا العدد وهذا النوع من المرتبطين تثقيفيا وتنظيميا.

    والانكى من ذلك ان قسما من هؤلاء بحكم منماصبهم المدنية ورتبهم العسكرية العالية في جهازي الحكومة والجيش اصبحوا في وقت قصير اعضاء قياديين في الحزب قبل ان ينصهروا في التنظيم وقبل ان يتثقفوا بالمفاهيم الحزبية الخاصة.

    وما ان قدر لهذا الحزب ان يصل الى الحكم في شهر رمضان عام ١٣٨٢ هجري حتى بات انشقاق حزب البعث على نفسه امرا منتظرا لدى المراقبين بين ساعة واخرى. ونظرا الى ان هؤلاء القادة كانوا انصاف بعثيين لعدم انصهارهم ببودقة الحزب المذكور وعدم اكتسابهم الخبرة السياسية الكافية كما اعترف بذلك بيان القيادة القومية الصادر في ١٩٦٣/١١/١٥، ونظرا لارتكاز حزب البعث نفسه على القيم المادية والمصالح الآنية ونظرا الى ان الحزب البعثي حزب شبه مبدئي لايملك المبدأ الذي يتكفل الحلول لجميع مشكلات الحكم ولفقره الفكري بصورة عامة فقد كان الاختلاف بين قادته فيما جابههم من مشكلات والصراع بينهم على المراكز والسلطات حتى عرضوا الحزب اخيرا الى الانهيار والزوال وهذا الامر لا يدعو الى التعجب.

    ولو ان الحزب هذا يملك فكرا مركزا لمعالجة اكثر القضايا وكان قد اعد اعضاءه قبل تورطه بتسلم الحكم في العراق اعدادا فكريا وسياسيا يؤهلهم لتولي قيادة المجتمع وفق ما يؤمن به من مناهج لكان تاريخ الحزب في العراق غير هذا التاريخ.

وبعد هذه نظرة خاطفة على بعض نتائج عدم اعطاء الجانب الفكري حقه من شخصية الدعاة في بعض الحركات السياسية المعاصرة.

افترضوا ايها الاخوة المجاهدون ان تبقى دعوتنا في مرحلتها التغييرية الراهنة دون ان تنتقل انتقالا طبيعيا الى المرحلة الثانية ومنها الى مرحلة الحكم في الوقت الذي تدركون فيه مدى حاجة الامة اليكم قادة وهداة.

لنفترض ايها الاخوة ان تبتلي دعوتنا بالاجهاض بسبب انصرافنا عن بناء شخصياتنا الفكرية كما ينبغي.

لنفترض ايها الاخوة ان تكون دعوتنا التي نذرنا انفسنا من اجل تحقيق اهدافها مسرحا للاختلاف والانشقاق.

ايها الاخوة الطيبون ان الاهتمام بتعبئة النفس ثقافيا واكتسابها الخبرة العملية الكافية هي من الضمانات الطبيعية لصيانة الدعوة عن مثل هذه الكوارث والاخطار. وبتأكيدنا على الجانب الثقافي في شخصية الدعاة، نرجو ان لا يفهم الدعاة باننا نقصد من ذلك ايقاف العمل لكسب الافراد بعد اجتيازهم دور المخاطبات الاولية وحصول الثقة بهم كما هو مرسوم لنا اذ ان ايقاف تنمية عدد الدعاة لايجوز وانما الذي نريده هو مضاعفة الجهود من اجل تركيز ثقافة الدعوة في ذهنيات الدعاة وتوسيع دائرة ثقافتهم الاجتماعية وخبراتهم العملية في الوقت الذي يكون فيه العمل جاريا لتكثير عدد الدعاة.

وهناك اسباب كثيرة للتنمية الفكرية ندرج اهمها فيما يلي:

  1. الحرص على حضور الحلقة الاسبوعية والاستعداد لها من قبل المشرفين والدارسين.

  2. الاهتمام بالمطالعة الفردية لنشرات وابحاث الدعوة ولغيرها من البحوث والكتب والدراسات في مختلف المجالات المتصلة بحمل رسالتنا الاسلامية المقدسة.

  3. كتابة الابحاث والمقالات في الصحف والمجلات وغيرها من وسائل النشر والقاء البحوث والمحاضرات في المحافل والندوات.

  4. اثارة المناقشات حول المفاهيم والنظم والاحكام الاسلامية والفكرية بصورة عامة في الاجتماعات الخاصة والعامة.

  5. الاهتمام بمتابعة الاحداث السياسية العالمية عامة والمتعلقة بالعالم الاسلامي خاصة وموافاة الدعوة بالاخبار والوثائق المهمة.

  6. الحرص على الاستفادة العملية في مختلف حقول المعارف الاسلامية من علماء المسلمين في المراكز والاطراف.