من انوار القرآن
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩﴾
ان لكل عمل مهما كان لونه ونوعه اسلوبا يناسب طبيعة ذلك العمل، وينسجم معه انسجاما لايختلف فيه الطريق والغاية، خلافا لما يذهب اليه بعض المنحرفين التائهين عن الحق والضالين عن الطريق، طريق الله، طريق الاسلام، الاسلام العظيم الذي فتق الذهنيات وفتح من التفكير ووسع من النظرات فمد آفاق الحياة الفكرية والعملية لبني الانسان.
الاسلوب اذاً يعطي صورة واضحة عن العمل والغاية التي يهدف اليها فان كان شريفا وحسنا كانت النتيجة شريفة وحسنة والعكس بالعكس هذه ناحية، وناحية اخرى هي اننا نعلم ان الاسلوب هو الطريق الموصل الى الغايات المستهدفة من العمل، وفي ضوئه ان الوصول الى الغاية رهين بنجاح الاسلوب، ومتى يفشل الاسلوب نخسر الوصول الى الغاية المتسهدفة، فالغاية التي يستهدفها الدعاة اذاً يتوقف نجاحها وتحققها على نجاح الاسلوب. على هذا فالاسلوب (دون ملاحظة النجاح) مقدمة لا نستطيع الاعتماد عليها ١٠٠% في الوصول الى أهدافنا المقصودة ـ لأن الاسلوب الفاشل لا ينتهي الى الغاية ولا يستطيع انجاح العمل.
فاذا فهمنا ذلك كان لزاما علينا ان نبعد عن قارعة الطريق كل العراقيل والمعوقات التي من شأنها ان تفشل العمل وتحبط المسعى لابدلنا ان نبعد الحجارة وان نسوي الحفرة بغية الوصول الى الغاية، ومن خلاله ندرك، ان اسلوب الداعية الاسلامي من اليسر والسهولة بمكان. لأن العمل قد وضع الاسلام العظيم خطوطه واضحة جلية ولان الغاية قد حددها الاسلام العظيم، والعمل سلوك يرضي الله والغاية هي رضا الله وتحقيق مصلحة الانسانية العليا (مصلحة الاسلام العليا) وقد اوضحه بالقاعدة المعروفة
”لايطاع الله من حيث يعصى“.
فمتى وضع الداعية هذه القاعدة نصب عينيه دائما وابداً استطاع ان يلتفت دائما الى الاسلوب الناجح وينتهجه بطمأنينة وأمان، لان الاسلوب أمامه واضح وخطوطه بيّنة ومناهجه جلية، وما علينا الا ان نلتفت الى مارسمه الاسلام لنا من الاساليب التي تمكننا الوصول الى الغاية، ومن تلكم الاساليب التي رسمها الاسلام العظيم هو ما امر الله تعالى بها نبينا محمداً ﷺ فترة بدء الدعوة الاسلامية المباركة، وهو مااشارت اليه الآية الكريمة: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩﴾.
ان هذه الآية الكريمة ترسم الاسلوب الذي تتطلبه طبيعة الدعوة المباركة في مرحلتها الاولى، وذلك لانتشار الذهنيات اللااسلامية والشخصية اللاسلامية آنذاك الامر الذي يتطلب المرونة والسماحة في تحديد المواقف تجاه الناس حينذاك، ونستطيع ان ندرك أن الاسلوب في الآية مقصور على المرحلة الاولى حيث امر الله تعالى نبينا ﷺ بعد ذلك باتباع اساليب اخرى مغايرة لهذا الاسلوب، وذلك في المراحل التي تلت الاولى بعد ان انطلقت الدعوة وتركزت وتوسعت وقويت شوكتها كما في قوله تعالى ”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٧٣﴾.
وحينما نعلم ان الآية الكريمة كانت تعليما لاسلوب الدعوة في مرحلتها الاولى يكون لزاما علينا ونحن نعيش مثل ظروف الدعوة الاولى أو مايقرب منها ان نتخذ منها بصفتنا دعاة الاسلوب الملائم لهذه المرحلة القائمة.
وهذه الآية الكريمة تشتمل على اخذ وعطاء وعفو وعرف واعراض. اما أخذ العفو فهو شيء طبيعي كاسلوب لمن ينطلق بدعوته في مجتمع مشبع بأفكار غير اسلامية وحامل لذهنيات غير اسلامية ولذلك نراه في الوقت الذي يدعي الاسلام يصدر منه الكثير من الافعال المنافية للاسلام، فاذا حاسبنا امثال هذا المجتمع على كل حركة وسكون وكل فعل وقول نبتعد عن الغاية ان لم نكن قد ابعدناهم اكثر عن الواقع الاسلامي، ونعود وقد تحولنا من دعاة يستهدفون الاصلاح والبناء الى محاسبين فقط، على ان وظيفة المحاسبة ايضا لا نقوى على استيعابها لأن المخالفين كثيرون والمحاسبين قلة.
فلأننا نعيش هذه المرحلة لابد لنامن مواصلة النشاط لتنمية الدعوة كميا وكيفيا على هدي الاسلوب الذي اشارت اليه الآية الكريمة. فعلى الداعية أن يعي قبل كل شيء طبيعة مرحلته وطبيعة متطلباتها ونوعية اعمالها واساليبها ليصل الى الهدف المنشود.
فالمرونة والسماحة هما اسلوبنا الآن في اصلاح الفاسد، ومقابلة الاوضاع والاعمال المنافية للاسلام بغية تغييرها واصلاحها بأسلوب هاديء لين رحيب.
والامر بالعرف يعني أخذ القبيح منهم وابداله بالحسن مكررا العملية بقول مركز هاديء وسلوك مستقيم حتى نأخذ ونعطي لنصل الى الغاية. فالعملية التي تضمنتها الآية الكريمة هي عملية اخذ وعطاء، تهديم لما يتنافى والاسلام تدريجيا وليس عن طريق الثورة الآن، ثم بناء المفاهيم والفضائل الاسلامية،
”صل من قطعك واعف عمن ظلمك واعط من حرمك…“
وآخر الاسلوب هو الاعراض عن الجاهلين، وهم الذين اشبعت قلوبهم بالضلالة والذين لا يريدون الحق وان كان بين أيديهم.
وقد منيت البشرية منذ فجر التاريخ بأمثال هؤلاء الذين لا يريدون الا الفساد والافساد حتى تحولوا في واقعهم الى فساد لا مجال فيه الى اصلاح وشر لا موضع فيه الى الخير والاعراض عنهم اسلم عاقبة وانفع نتيجة، لان الجهد مع هؤلاء لا يثمر والتعب معهم لا ينفع ولا ينتج وليس الا القوة لابادتهم، وحيث لا توجد فالاعراض عنهم اجدى ”الاعراض فقط“ هذا لون من اسلوب الدعوة في المرحلة الاولى كما يرسمه كتابنا الاعظم، اللهم وفقنا للاخذ بتعاليمك والسير على هديك انك ولي التوفيق.