مقومات الشخصية الاسلامية
ان من يلاحظ الافراد من بني الانسان بشكل عام يجد التباين بينهم شاسعا من ناحية عقائدهم الدينية وآرائهم الفلسفية واتجاهاتهم الفكرية والسياسية وميولهم العاطفية والنفسية، ومعاملاتهم وعاداتهم الاجتماعية. فهم يسيرون في دروب شتى كما قال الله تعالى وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ.
والذي يتأمل هذه الاختلافات المتصلة بشخصيات الافراد. يجدها لا تخرج بشكل عام عن جوانب ثلاثة يمكن ان نعتبرها المقومات الرئيسية لشخصية الانسان وهي:
-
الافكار: وتدخل فيها النظرة الفلسفية الشاملة عن الكون والحياة،ومجموعة التعاليم التي تقرر اتجاه الانسان ونوعية سلوكه.
-
العواطف: وتدخل فيها مجموعة العوامل النفسية المنبثقة عن المفاهيم المؤثرة في سلوك الانسان في الحياة كالاندفاع والانكماش والحب والكراهية والتأييد والمعارضة والتسامح والحقد والعزة والضعة…الخ.
-
السلوك: ويدخل فيه جميع التصرفات الفردية الايجابية ومواقفه السلبية الناشئةعن المفاهيم والعواطف وهي تشمل المعاملات والاخلاق والعبادات بمفومها العام الذي يشمل جميع المقدسات.
وفي اختلاف هذه المقومات للشخصية الانسانية في احوالها ومحتواها تتباين شخصيات الافراد بعضهم عن البعض الآخر.
وشخصيات الافراد بعد هذا التقسيم تنقسم الى قسمين رئيسيين:
-
شخصيات ملتزمة: وهي تلك الشخصيات التي تبني مقوماتها الرئيسية على مبدأ أو مذهب حياتي معين كالشخصية الاسلامية والشيوعية والرأسمالية. والرأسمالية هنا اصطلاح فكري مأخوذ من الاصطلاح الاقتصادي.
-
شخصيات غير ملتزمة: وهي التي لاتبني مقوماتها على أي مبدأ أو أي مذهب حياتي كشخصيات الكثرة الكاثرة من المسلمين المعاصرين، حيث انهم اخذوا العقيدة الاسلامية كعقيدة نظرية ولم تؤخذ على اساس مبدأ كامل ينتظم بموجبه اتجاه الشخصية وطابعها في جميع المجالات.
ان الفرق بين هذين القسمين من الشخصيات شاسع فالقسم الاول تكون فيه الشخصية وحدة متكاملة يسود التناسق بين افكارها وعواطفها وينظم الانسجام سلوكها وافعالها، فلا مجال للارتباك في الافكار والصراع بين المشاعر والتناقض في السلوك ـ الا بمقدار مايحمله المبدأ أو المذهب من تناقض كما هو الحال في فجر الاسلام بعكس الشخصية الاخرى التي لاترتبط مقوماتها العامة برباط واحد، فهي لاتعرف ابعاداً معلومة لمفاهيمها وآرائها ولاتعرف التناسق بين عواطفها والانسجام بين سلوكها وتصرفاتها ولعل اروع مثال على تلك الشخصية تلك التي نهى الله تعالى عن طاعتها في قوله سبحانه وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿٢٨﴾ من هذا العرض الموجز للشخصية وعناصرها وأقسامها بشكل عام يمكن ان يتبين للدعاة الميامين المعالم الرئيسية للشخصية الاسلامية.
فليست الشخصية الاسلامية شخصا ينطق بالشهادتين وكفى، وان كانت الشهادتان تعبران عن الركن الاساسي للجانب الفكري من هذه الشخصية قال تعالى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ كما أنها ليست شخصا احاط بأفكار الاسلام واحكامه علما ولكن دون ان تتمثل في نفسيته هذه الافكار وما يتصل بها من مفاهيم واحكام فتوجه سلوكه وتنظم علاقاته بالله تعالى وبغيره من الناس وبنفسه في حدود اختياره. قال الامام الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ:
”يعني بالعلماء من صدّق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم“.
وقال عليه السلام ايضا:
”لا يقبل الله عملا الا بمعرفة ولا معرفة الا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له الا ان الايمان بعضه من بعض“.
كما انه ليس من الشخصية الاسلامية بشيء ان يرتبط الشخص بأعداء الاسلام بروابط الود والاحترام ويتبادل معهم مشاعر الحب والاخلاص، قال تعالى لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾.
فالشخصية الاسلامية هي تلك الشخصية المبدئية التي اتخذت من العقيدة الاسلامية قاعدة لنظرتها الكبرى وأساسا لمقاييسها ومعينا لافكارها ومنهلا لعواطفها واتخذت من احكام الاسلام منهجا شاملا لجميع تصرفاتها وعلاقاتها ولعل هناك من الناس من يدرك رقي العقيدة الاسلامية وسمو نظامها ويستبعد امكان ايجاد امثال هذه الشخصية في واقع الحياة ويتصور ان محاولة ايجادها ضرب من العبث خصوصا في مثل هذه الاوضاع الاجتماعية الفاسدة. والذي يظهر ان هؤلاء المشتبهين لم يتضح لديهم مفهوم الشخصية الاسلامية وحدودها.
فليس المقصود من الشخصية الاسلامية تلك التي وجدت لها العصمة وما عداها لاتكون شخصية اسلامية وانما هناك مراتب ودرجات تدخل كلها ضمن عنوان هذه الشخصية وتكون شخصية المعصوم في قمة هذه الشخصية وفي قمة هذه الدرجات والمراتب وهناك حد ادنى للشخصية الاسلامية، ويتقوم هذا الحد بأن يكون الأصل في اتجاه الشخص وسلوكه في الحياة منسجما مع المبدأ الاسلامي ولا يخرج عن حدوده العامة الا شذوذا وفي حالات نادرة. فكل من اتصف بهذا الوصف كانت شخصيته اسلامية. كما فات هؤلاء ان الاسلام استطاع ان يجسّد هذه الشخصية في الداعية الاسلامي الأول الرسول الاعظم ﷺ ثم في شخصيات كبيرة من الصحابة والتابعين وغيرهم من المسلمين في كل الدهور.
ويرجع سر نجاح الاسلام في تجسيد عقيدته ونظامه الى بساطة عقيدته وموافقتها للفطرة الانسانية لذلك فان بلوغ هذه المنزلة السامية ليس بالأمر المستحيل كما انه ليس بالأمر البسيط المتيسر في كل حال، وانما هو امر ممكن لكل انسان ان توفرت لديه الشروط من الاخلاص في النية لله تعالى وصفاء النفس من ادران الشهوات والحرص على طاعة الله في السر والعلن والاهتمام بتنمية الثقافة بشكل عام
أيها الاخوة ان من مهماتنا في هذه المرحلة بصورة خاصة اعداد اكبر عدد ممكن من تلكم الشخصيات الاسلامية التي تجسد الاسلام حياً في واقع حياتها والتي ستغير باذن الله مجرى التاريخ الانساني لتعيد للانسانية كرامتها وللشعوب عزتها برفعها اوهج مشعل حضاري عرفه الانسان.
أيها الاخوة ليس بمقدور كل انسان ان يواكب الدعوة في سيرها وارتقائها، نقول ذلك لتجربة عشناها وستعيشها الدعوة في طريقها الشائك، فالذي يسير معها ويستمر في السير يكون من نوعها في الاخلاص لله تعالى والصدق في الجهاد في سبيله والسعي المتواصل الواعي من أجل نوال مرضاته، فالداعية الذي يجعل مصلحة الاسلام فوق جميع المصالح والاعتبارات ويسعى بنفسية اسلامية عالية للتعاون مع اخوانه الدعاة في جميع المجالات في العمل والجهاد مترفعا عن كل شعور اناني ضيق مهما كان مصدره ومتصلا بالله في جميع حركاته وسكناته وحريصا على ان يدعو الناس بسلوكه قبل لسانه وقلمه.
ان داعية اسلاميا كهذا لهو ذو الشخصية الاسلامية التي ستساهم باذن الله في صنع المجتمع الاسلامي المرتقب، ومن هنا يتضح ان المقياس في تشخيص من يصلح من الدعاة لبلوغ تلك المنزلة الرفيعة ـ منزلة الشخصية الاسلامية ـ لهو مقياس عملي محسوس يمكن للدعوة وللداعية نفسه ان يلاحظاه في سلوك الداعية القويم وشعوره الاسلامي الرفيع وعلمه الواعي.
وفي كتاب الله العزيز عدة مشاهد حية يستعرض فيها الباري عز وجل بعض جوانب الشخصية الاسلامية في اروع امثلتها واسمى اشكالها ويقارنها سبحانه وتعالى بغيرها من الشخصيات ومن هذه المشاهد قوله تعالى: