مقدمة معالم المسيرة الحضارية للاسلام

صدر في جمادي الاولى ١٤٠١ هجري

هذا المقال مقدمة لسلسلة ابحاث جديدة عن الانطلاق الحضاري لمسيرة الدعوة الاسلامية، وهو عن البيئة الحضارية السائدة، ونسأل الله ان يجري على اقلامنا وألسنتنا واذهاننا الحق والصدق انه سميع مجيب وستتوالى مقالات هذه السلسلة بعون الله وتوفيقه.

آيات بينات

إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ.

رَّ‌بَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَ‌بِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَ‌بَّنَا فَاغْفِرْ‌ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ‌ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَ‌ارِ‌ ﴿١٩٣﴾.

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ.

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْ‌عَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَ‌اتِ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْ‌جِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨﴾.

البيئة الحضارية

تدنى وضع المسلمين بمرور الايام والسنين فكريا وسياسيا عندما ابتعدوا عن دين الله الذي أنزله الله تعالى على الرسول بالحق الى الناس كافة وتبيانا لكل شيء، فدبت بالمسلمين الامراض الاجتماعية والسياسية قبل قرون، وانحدرت اوضاعهم حتى وصلوا الى مرحلة الانحطاط الحضاري قبل الحرب العالمية الاولى.. واعقب ذلك انهيار حضاري عندما تحطمت بقايا القوى العسكرية والسياسية للمسلمين بصورة كاملة امام الغزو الاوروبي الكافر اثناء هذه الحرب، فاحتلت الدول الاوربية الاستعمارية الاقاليم الاسلامية أو سيطرت عليها.

ان الانحطاط الحضاري الذي عاش في كنفه المسلمون قرونا، ادى الى انهيار حضاري تشتت فيه المسلمون بفعل المستعمرين في اقاليم كثيرة حجزت عن بعضها بحواجز سياسية وقانونية عززها الاستعمار بحواجز فكرية ونفسية.

واقتسمت البلاد الاستعمارية بلاد المسلمين، واشترك في الحصول على غنائم الحروب بالسيطرة الكاملة المستعمرون الانكليز، والفرنسيون، والهولنديون، والاسبانيون، والبرتغاليون.. وحصل الامريكان على فتاة الموائد في تلك الفترة، وبسبب ذلك ونتيجة له انسلبت ارادة المسلمين الجماعية الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، وضعفت تأثيرات الارادة الفردية للمسلمين الذين لم يتأثروا تأثيرا كليا بهذا الانهيار الحضاري الذي شمل الاركان الاربعة للعالم الاسلامي، ولم ينج من أثره اي اقليم من أقاليم العالم الاسلامي سوى ان الغزو الاستعماري المباشر لم يصب الزوايا القصوى من اليمن والافغان وايران وتركيا اما لوعورة المسالك ولعدم اهمية الموقع أو لان المستعمرين وضعوا مقاليد الامور في ايد امينة على مصالحهم. ولكن ايران والافغان تعرضتا للاحتلال فيما بعد ولاتزال جراح الافغان تنزف دما.

الانهيار الحضاري ظهر للناس في اوضاعهم العامة باشكال مختلفة:

  • الغيت جميع القوانين العامة التي كانت تؤخذ من الاسلام وحلت محلها القوانين التي جاءت بها الجيوش الغازية.

  • وغيرت طريقة التربية والتعليم لتتلاءم مع مصالح المستعمرين ومع مسيرة حضارتهم الغازية.

  • ونظمت اجهزة خاصة للتجسس وللقمع في كل اقليم اسلامي لتتلاءم مع احكام السيطرة الاستعمارية وديمومتها.

  • ووضعت انظمة مالية ومصرفية تتلاءم مع مصالح المستعمرين في استعمال المال كوسيلة لاحكام السيطرة ولتسهيل حركة تسرب الاموال المنهوبة الى بلاد المستعمرين.

  • وأنشئت الاجهزة والمؤسسات والوسائل التي يحتاجها المستعمرون للتحرك العسكري ونقل المواد الخام والسلع بين الاقليم والبلد المسيطر.

  • ودب النشاط في اعمار السكك الحديدية والموانيء والمطارات والطرق الرئيسية الى الخارج والمصارف واجهزة الامن والمخابرات والشرطة على الطراز الذي يسيّر المصالح الاستعمارية.

وكانت اعمال الغزاة تسير في اتجاهات ثلاثة:

  1. السيطرة على الانسان المسلم وتغيير تحركه بالقوة.

  2. العمل على تغيير الانسان المسلم بالتربية والتعليم والتثقيف ووسائل الافساد المختلفة.

  3. نهب الثروات واستغلال امكانيات البلاد بجميع الوسائل ابشع استغلال.

وسار المستعمرون اشواطا كبيرة في هذا المضمار.. استفادوا من بيئة الانكسار والخذلان بعد ان حطموا جيوب المقاومة في الاقاليم الاسلامية كما في العراق والسودان والجزائر.. الخ.

وتعاون معهم مجموعة من القيادات الاجتماعية والسياسية والفكرية من الذين ضعفت في نفوسهم العقيدة الاسلامية وانبهروا بالحضارة الغربية وانجذبوا اليها وركضوا وراءها فاحتضنهم المستعمرون وتحولوا الى عملاء سياسيين وفكريين وسنوا في العالم الاسلامي السنن السيئة التي يتحملون اوزارها واوزار من عمل بها وتعاقبت اجيال العملاء يملؤون ارض الاسلام فسادا حتى امتلاءت الساحة الاسلامية بهم ولم يخل منهم اي اقليم من اقاليم الاسلام وحل هؤلاء العملاء في مقاعد الحكم في الاقاليم الاسلامية من خلال التسلط الاستعماري وتخطيط الاجهزة الشيطانية لديهم يرعون مصالح المستعمرين وينفذون تعليماتهم ويعيشون في اطرهم السياسية والفكرية والسلوكية، ويتشكلون بالاشكال التي يرسمها المستعمرون، فهذا العميل علماني، وذاك اشتراكي ليبرالي، وذاك اشتراكي ثوري، وهذا ديمقراطي، وهذا اسلامي يتعايش مع الاستعمار ومصالحه.

وكان للاوضاع وجهان: الوجه الاول يمثل الكفر والاستعمار والغزو والقوة والتسلط والنهب والنشاط التنظيمي والفكري والعسكري الذي يخدم اغراض المستعمرين، ويمثل التخطيط و الحزم والمتابعة، وكذلك يمثل الصراع.
وهذا الوجه كان يمثل الدول الاوروبية الاستعمارية الغازية.

والوجه الثاني يمثل الاستعداد الذهني والنفسي والسياسي والعسكري لتقبل الاستعمار وهو وجه يمثل القيادات السياسية والعسكرية. وبجانب ذلك خمول وركود وجمود فكري وسياسي وتنظيمي، وجهل بالدين والحياة ومستلزماتها وهو وجه عام. ولذلك فان القادة السياسيين والعسكريين انجذبوا الى معسكر الكفر والاستعمار ظنا منهم ـ اذا اردنا ان نحسن الظن بهم ـ ان الخروج من اوضاع التخلف يمر من خلال اتباع اهل النهضة الحضارية الاوروبية.

وفي هذه اللوحة القاتمة السواد كانت هناك نقاط خافتة الضياء في زوايا العالم الاسلامي تمثل المدارس الفقهية وعلماء المسلمين الذين يعضون بالنواجذ على البقية الباقية من الاسلام يحافظون عليها ويخافون ان تتأثر بالهجمة الكافرة الشرسة.

الانحطاط الحضاري ثم الانهيار الحضاري كان بمثابة انتهاء الحضارة الاولى للمسلمين، لتبدأ دورة ثانية لان حيوية الاسلام كفيلة بايقاظ المسلمين من غفوتهم، هذا الانحطاط والانهيار كان يخيم على العالم الاسلامي برمته ولكن ذلك كان حافزا حفز البعض للاحساس بالكارثة الفكرية والسياسية، وللمقاومة عند البعض الآخر وللهرب الى الامام عند آخرين، وللانكماش عند فريق رابع، وهكذا.. وسنعرض هنا لهذه الامور باشارات عابرة نرجوا ان يتسع وقت اخواننا الدعاة للتوغل فيها والخوض في تفصيلاتها.

ظواهر حضارية

ظهرت عند القيادات أو شبه القيادات أو من اقيم مقامها في العالم الاسلامي اربع ظواهر حضارية عامة اثناء فترة الانحطاط والانهيار الحضاري التي نعيش امتدادها وهي: ظاهرة الاستسلام، وظاهرة الخوف، وظاهرة الدفاع والمقاومة، والظاهرة الرابعة اتت متأخرة وهي الاندفاع والانطلاق الحضاري.

ظاهرة الاستسلام الحضاري:

كان من ابرز مظاهر الانحطاط والانهيار الحضاري قبل قرن من الزمن مظهر الاستلاب الحضاري والانبهار الحضاري والانسلاخ الحضاري والانجذاب الحضاري والتقليد الحضاري والتبعية الحضارية.. وهي مظاهر مجتمعة أو متفرقة برزت عند مجموعة قليلة من اهل البلاد في بداية الامر ثم انتشرت، عند الاوائل ممن اتصلوا بالحضارة الغربية اما عن طريق الزيارة لبلاد الغرب أو التعلم فيها أو المطالعة عنها أو السماع.

خميرة هذا التأثير الحضاري ابتدأت تتكاثر في بيئة نصرانية، امتدادا لاتصال القيادات النصرانية في بلاد الشام بالصليبيين حيث استمرت العلاقات بعد اندحار الغزو الصليبي، وتطورت العلاقة بعد انطلاق الموجة الاستعمارية التي تحمل وتبشر بحضارة الرجل الابيض من اوروبا بعد النهضة الصناعية داخل اوروبا، واوجد المستعمرون منافذ لنفوذهم في قلب العالم الاسلامي من خلال ايجاد وضع سياسي خاص لنصارى لبنان. فانحرفت القيادات الدينية والفكرية النصرانية في العالم العربي ابتداء من لبنان في بلاد الشام في تيار الحضارة الغازية بسبب عدم وجود حاجز ديني يمنعهم من التأثر والانحراف بل بالعكس فان الحافز الديني كان عاملا مساعدا لتأثر عامة النصارى بالغزاة وسيرهم في ركابهم. حتى اصبح هذا الامر فكرا ثابتا لدى نصارى لبنان وخاصة المارونيين، فانه يظهر على أدبهم وفكرهم ويظهر على السنة سياسييهم وقياداتهم وفي مناهج احزابهم ووسائل الاعلام لديهم. وفي المناطق التي للنصارى فيها كثافة سكانية تأثر المسلمون بما تأثر به النصارى لانهم يعيشون في مجتمع واحد تسري فيه المفاهيم الحضارية من خلال النصارى ومن خلال بعض المسلمين المتأثرين الاوائل الى المثقفين المسلمين وعامتهم سريانا هادئا، وسهل هذا الامر عدم وجود حاجز لغوي بين النصارى العرب والمسلمين الذين يختلطون معهم اضافة الى الغفلة وضعف الوازع الديني وشيوع الجهل بحقائق الاسلام وافكاره.

ان عدم وجود حاجز ديني بين النصارى والاوروبيين سهل التأثير الحضاري، وعدم وجود حاجز لغوي بين النصارى العرب ومن يختلط بهم سهل سريان التأثير الحضاري، واسهام اليهود والنصارى والاوائل من المتأثرين بالغرب في بقية العالم الاسلامي في عملية الاستسلام الحضاري في تركيا والهند، وايران والافغان.

واتخذت الفئة الفعالة النابهة من النصارى في البلاد العربية اتجاهين: اتجاه انعزال عن المسلمين ذا توجه فكري وعاطفي مكشوف نحو الغرب واتجاها تبشيريا بالنهضة العربية على اساس الحضارة الغربية المادية، يعمل بين المسلمين في نطاق قومي واقليمي امثال قسطنطين زريق وسلامه موسى وميشال عفلق وجورج حبش وكلهم من اتباع الكنيسة الشرقية.

وقد عملوا لانشاء تيار فكري وسياسي في الاقاليم الاسلامية يمثل الدعوة للانسلاخ من الحضارة الاسلامية تحت شعارات فكرية وسياسية زائفة وكان لهؤلاء امثال من المسلمين وسواهم في بقية انحاء العالم الاسلامي فألبسوا الناس العلمانية والاقليمية والقومية. ولم يقتصر الامر على هذا فظهرت ديانات جديدة وانبياء جدد مدعون تبعهم اناس امثال: بؤس ”النبوة“ احمد القادياني وبهاء الله، وكان ذلك كله وغيره مما يشابهه يحدث بتوجيه وتخطيط وتنظيم واشراف مباشر أو غير مباشر من قبل الاستعمار للقيادة العميلة.

الاستلاب الحضاري:

الاستلاب من السلب. والاستلاب الحضاري حالة متممة للغزو الحضاري وتعبير عن حالة بارزة من ظاهرة الاستسلام الحضاري.. الظاهرة التي يعيشها المسلمون منذ اكثر من قرن من الزمان عندما فقدوا السيادة الحضارية بابتعادهم عن الاسلام، واصبحت بلاد المسلمين مرتعا للكافر المستعمر الذي استلب سلطان المسلمين ونهب خيرات بلادهم وهيمن على المواقع الاستراتيجية وتصرف بمقدرات البلاد تصرف المالك.. فعلوا ذلك مباشرة أو بواسطة العملاء الذين سلبت منهم الشخصية الاصيلة واستعاضوا عنها بشخصية مهزوزة حقيقتها الضعف وظاهرها الظلم وكذلك يفعلون. وهذه الحالة تشمل الاوضاع الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية، وهي اطار عام يؤطر الاقاليم الاسلامية. وامثلة ذلك: تبعية الاعلام في البلاد الاسلامية. ارتباط حكام المسلمين بالمستعمرين. السيطرة على المواد الخام في البلاد الاسلامية. الاسواق المفتوحة امام السيطرة الاقتصادية. مناهج التربية والتعليم. طراز الحياة. سيطرة عالم الاشياء على حياة الانسان. وهذه امثلة قليلة لهذا المظهر الحضاري البغيض للتذكير.

الانبهار الحضاري:

تعبير عن حالة حضارية يعيشها بعض المسلمين وغيرهم من اهل البلاد يكون فيها المسلم قد فقد الثقة بامته، وابتعد ذهنه عن تصور حضارته، وغمره اليأس من اوضاع بلاده، وتطلع الى الحضارة المادية وحركتها الحضارية مأخوذ اللب بما يحس ويشاهد.. انبهر المسلمون بعالم الاشياء وبطراز الحياة، وبطريقة التفكير، وبجدية العمل. وسيطر على نفوسهم حب اهل هذه الحضارة وحب العيش في عالمها، يمنون النفس بسهولة العيش من خلال نظرتهم السطحية الى الامور ومن خلال الفراغ النفسي وفقدان التماسك الداخلي وامتلائها بالانبهار الخارجي. ويعيش مثل هؤلاء لاهم من قومهم في شيء ولاهم من اقوام الحضارة المادية في شيء. وينتشر هذا المظهر عند المترفين الذين يعيشون في بطالة مبطنة ومن يسير معهم في المدن الكبرى ذات الصلة الوثيقة بالغرب، وتعرض المجلات المصورة تفاهاتهم لاشاعتها في الحياة ولابعاد الناس عن النظرة الجدية الى الحياة.

الانسلاخ الحضاري:

تعبير عن محاولات بعض المثقفين بالثقافة الغربية ومن تاثر بهم لقطع صلة المسلمين بالاسلام وربطهم بعجلة الحضارة الغربية المادية ومحاولة هدم القيم والمثل والعادات والاعراف والثقافة التي في المجتمع والاستعاضة عنها بما لدى الغرب. وحجتهم في ذلك التخلص من مظاهر التخلف في المجتمع. ويمثل هذا الاتجاه مصطفى كمال اتاتورك وسلامه موسى وسعيد عقل وشاه ايران السابق. يعمل البعض من امثال هؤلاء لاحياء الجاهليات الميته ليعوضوا الخواء والفراغ في النفوس من تهديم القيم القائمة.

الانجذاب الحضاري:

وهو تعبير عن حالة ماقبل الانبهار حيث النظرة الى الحضارة المادية اقل انبهارا في الخارج واكثر تماسكا نفسيا في داخل النفس.

ينظر المتلبسون بهذه الحالة الى الحضارة المادية معجبين اعجابا لايؤثر بارتباطاتهم النفسية والاجتماعية في بلادهم ويمثل هؤلاء جمهرة من المثقفين والطبقة الوسطى في المدن.

ويهتم هؤلاء بتحسين اوضاع البلاد باختيارات معينة من الحضارة الغربية يودون تطبيقها في المجتمع.

التقليد الحضاري:

وهو تعبير عما يمثله جمهرة من الناس تهتم بالاشياء في المظاهر الحياتية بشكل فردي وشخصي من النساء والرجال، يركضون وراء الموديلات في الملابس ويقلدون احدث الصرعات الحديثة تقليدا ببغاويا. وهؤلاء يتأثرون بما يشاهدون في السينما والتلفزيون والمجلات المصورة من مشاهد دعائية للحياة الغربية. وهؤلاء يمثلون التفاهة الحضارية.

الاتباع الحضاري:

وهو تعبير عما يمثله جمهرة السياسين واهل الاحزاب الوطنية والاقليمية والمثقفين واهل الاعلام من فكر يدعو الى ان نسير في خطوات كالتي اتبعها اهل الحضارة المادية سواء أكانوا رأسماليين عند البعض أو شيوعيين عند البعض الآخر لنرتقي كما ارتقى اهل الحضارة المعاصرة. ويمثل هذا الخط جميع المنتسبين الى الاحزاب الديمقراطية والاشتراكية والقومية والوطنية والشيوعية. وهم يتبعون الفكر الاوروبي، كل منهم يتبع اتجاها من الاتجاهات الفكرية الاوروبية المعاصرة ويدعو اليه. ويهتم هؤلاء كذلك بعالم الاشخاص من اعلام الحضارة المادية امثال نيتشه أو جان بول سارتر أو لينين أو.. ويركضون وراء الافكار السياسية وينقلونها نقلا دون ترو وتفكير. ويفعلون ذلك بصورة مكشوفة أو مستورة.

ظاهرة الخوف الحضاري

الانحطاط الحضاري شمل الامة جمعاء واعقبه الانبهار الحضاري. وابرز الظواهر كانت ظاهرة الاستسلام الحضاري التي ابتدأت في الفئات السياسية والفكرية المرتبطة بالغرب وسرى منها الى الامة من خلال اتمام عمليات الغزو الحضاري كما تحدثنا في الفقرات السابقة. وظاهرة الاستسلام الحضاري لم تشمل الامة جمعاء فقد ظهرت فئات وتجمعات وتيارات رافضة للغزو الحضاري قامت بتحركات سياسية وعسكرية تقاوم الغزو الا ان ميزان القوى والاوضاع السياسية والاجتماعية والحضارية بصورة عامة لم تكن متوازنة فانتصر الغزاة وقضوا على جيوب المقاومة والرفض. وسرى في الاوساط المتدينة ظاهرة الخوف الحضاري التي من ابرز مظاهرها: الركود، والجمود، والتقوقع، والانكماش، والانعزال، والضعف. ولكن كانت بيئة الخوف هذه منبتا نبتت فيه ظاهرة المقاومة الحضارية ثم ظاهرة الانطلاق الحضاري، الظاهرة التي تعمل لاعادة الدورة الحضارية الاسلامية من جديد في هذا العالم.

حالات الخوف الحضاري

الركود الحضاري:

وهو تعبير عن حالة اجتماعية وقفت موقفا وسطا بين حركة الاستسلام الحضاري، الحركة العكسية للقيم والمثل والتقاليد والاعراف، وبين الحركة المعاكسة لحركة الاستسلام. فهي راكدة مهمتها المحافظة على مالديها دون بذل جهد في ذلك. فالمحافظة هي السير الروتيني اليومي الاعتيادي دون تغيير أو تبديل رغم الزحف الحضاري الذي يتغلغل في جميع الاوساط ويشمل جميع الاوضاع برعاية السيادة الحضارية الغازية وبتخطيط دقيق وشامل لتحطيم كل عوامل التماسك وجميع الحواجز النفسية والفكرية للحصول على الاستسلام الشامل امام الغزو. وهذا الموقف يمثل موقف الدفاع الضعيف الفردي الارتجالي وليس الهجوم الجماعي المخطط. وهذه الحالة الحضارية نجدها في الاوساط المتدينة في انحاء العالم الاسلامي.

الجمود الحضاري:

تعبير عن صفة عامة يتصف بها الافراد في اوساط الركود الحضاري حيث لايؤثرون في الاحداث بل يتأثرون بها، ويتهيبون من كل عمل نتيجة لليأس الذي يحيط بجميع عوالمهم الفكرية والنفسية.

التقوقع الحضاري:

تعبير عن حالة اجتماعية غلف المنتمون اليها انفسهم باغلفة فكرية ونفسية تقيهم من الحركة السياسية والاجتماعية في المجتمع التي تسير تحت ضغط الغزو الحضاري من الغرب, ونظموا حياتهم الاجتماعية الضيقة ضمن اطر يعملون وينشطون خلالها نشاطا لايراه غيرهم لانهم لايريدون ان يؤثروا على غيرهم ولايريدون ان يتأثروا بغيرهم. ولكن الحركة الحضارية الغازية الفاعلة في المجتمع تؤثر بهم من حيث يعلمون ومن حيث لايعلمون. وتتمثل هذه الحالة بالحركة الصوفية وبعض التنظيمات الحزبية الساذجة في العالم الاسلامي.

الانعزال الحضاري:

وهو تعبير عن صفة منتشرة بين الافراد في اوساط التقوقع الحضاري حيث يحاول الفرد ان يعزل نفسه عما يجري حوله بالانصراف النفسي والفكري عن الاحداث بقدر مايستطيعون.

الانكماش الحضاري.

وهو تعبير عن حالة اجتماعية يتراجع فيها الافراد عن مواقعهم امام الزحف الحضاري الغازي ومحاولة التمسك بالبقية الباقية مما لديهم من مفاهيم وقيم ومثل. وهذه الحالة تتمثل بالفئات الدينية المرتبطة بالسلطات العميلة والحكام العملاء ويكون لسلوكهم تبريرات تتلاءم مع الظروف المتغيرة.

الضعف الحضاري:

وهو تعبير عن حالة ضياعية، يكون فيها المسلمون ليس لديهم مقدرة على تصور لاوضاع حضارية غير التي يعيشون فيها لاهم في حالة رضى عنها ولاهم في حالة معارضة وهي حالة المسلمين الذين يعيشون في ظلال الفقر والجهل.

ويتصف الافراد بصورة خاصة في حالة الضعف الحضاري، وبصورة عامة في حالات الاستسلام الحضاري، بالصفات المعيقة عن الحركة ومن اهمها: الابتعاد عن الدين، والمفاهيم التبعية، والكسل والتواكل، والسطحية بالتفكير، والتفكك الاجتماعي، واليأس.

ظاهرة المقاومة الحضارية

تحسس بعض المفكرين المسلمين بما يصيب المسلمين من انحطاط حضاري شامل في القيادات السياسية والفكرية والاجتماعية، وفي الاوساط الشعبية، من ناحية التفكير والعمل، ومن ناحية الاقتصاد والتربية والتعليم، ومن ناحية السياسة الداخلية والسياسة الخارجية…الخ. وعملوا في مجال يظنون ان في ذلك اصلاح الاوضاع وكان من اشهر ابطال هذا الاتجاه السيد جمال الدين الافغاني رحمه الله وسار على نهجه أو مايماثل نهجه جماعة من علماء المسلمين على شكل فردي أو في تجمعات حول الفرد في حواضر العالم الاسلامي السياسيةوالدينية، وبرزوا في بيئة الخوف الحضاري وكانت لديهم بقية باقية من رفض للاستسلام ومن رفض للسكوت عن الاوضاع السيئة المعاشة.

تمت على يد هؤلاء المصلحين اعمال اصلاحية نرى آثارها في بلاد المسلمين، ونرى فعالياتها الى هذا اليوم في نشاطات تتسع وتضيق حسب امكانيات وافكار واعمال العاملين. وتعتبر اعمال المصلحين من اكثر الاعمال رواجا في الاوساط الشعبية وخاصة في الاوساط التي لاتزال بقايا المفاهيم الاسلامية الاجتماعية تؤثر في نفوس وافكار الناس فيها. ولذلك فان اثر العمل الاصلاحي في اوساط ظاهرة الخوف الحضاري يزيد في اسباب الانتقال من هذه الظاهرة الى ظاهرة المقاومة الحضارية وان من ابرز الصفات السائدة بين افراد ظاهرة المقاومة الحضارية مايلي: الاسلامية، الاصلاحية، النشاطات الفردية، الجزئية، ردود الفعل.

كما ونجد في بعض اوساطها: الغموض، والذيلية، والنقاش النظري، والاشكالات، والاعمال الشكلية.

وهذه الصفات تنتشر بين الاشخاص وقد يجتمع بعضها عند البعض ثم ان هذه الصفات قد تتسع وتتعمق عند البعض أو انها تكون غير ذلك.

الاسلامية:

وهي من ابرز الصفات في المدافعين عن الحضارة الاسلامية، والذين اطلقنا عليهم تعبير الدفاع الحضاري، فالالتزام بالاسلام والعمل من خلال تعليماته وافكاره يكون هو الطابع العام على القياديين والعاملين في هذا الاتجاه، ويظهر ذلك على التآليف التي يصدرونها والاعلام الذي يصدر عنهم. وكثير من المؤلفين الذين يكتبون عن الاسلام هم من اصحاب هذا الاتجاه. والحق ان كثيرا من الافكار الاسلامية العملية تبلورت على ايدي هؤلاء في شتى انحاء العالم الاسلامي.

الاصلاح:

اصلاح الاوضاع هدف عام لاهل الدفاع الحضاري، واصلاح وضع بعينه يشغلهم عن بقية الاوضاع، اما لانهم يظنون ان اصلاح هذا الوضع مفتاح لاصلاح بقية الاوضاع، او لان البيئة التي يعيشون فيها تستسيغ هذا العمل الاصلاحي، أو لانهم يعملون ضمن امكاناتهم الفعلية ولايمتد طموحهم الى ابعد من ذلك، أو لان الاصلاح العام الشامل لايغلب على تفكيرهم.

الفردية:

تغلب الفردية على اصحاب هذا الاتجاه اي ان يكون الفرد المصلح هو محور العمل ويكون من حوله اتباعا ينفذون ما يأمر به وتكون العلاقة بين المصلح والجماعة علاقة تابع ومتبوع، وتكون العلاقة بين الجماعة والناس علاقة تعصب تسودها آفاق ضيقة وتحملها صدور ضيقة.

الجزئية:

النظرة الجزئية الى اوضاع المسلمين لاترى جميع المشاكل ولاترى جميع الامكانيات الموجودة في المجتمع. النظرة الجزئية قد تكون مقيدة بعصبيات مذهبية أو عرقية أو اقليمية أو عصبيات عشائرية أو فردية أو حزبية، أو قد تكون متأثرة بفعل من افعال الاستعمار أو عملاء الاستعمار السياسيين أو الفكريين وقد تكون منشغلة بقضية أو اكثر من قضايا المجتمع المتعلقة بالعقيدة أو القيم أو الاعراف أو العادات أو التقاليد، وهذا الانشغال الجزئي يؤدي الى اعمال جزئية وترك الامور الاخرى.

الذيلية:

قسم كبير من المدافعين عن الحضارة والمتأثرين بهم وكبار السائرين بركابهم لايملكون ذهنية واسعة تستوعب المشاكل المعقدة المنتشرة في العالم الاسلامي، فلا تتضح لديهم الا بعض الامور ولذلك فانهم يتأثرون بالاعمال والافكار التي تكتسب شهرة أو التي تحوز على نجاح معترف به في البيئة التي يعيشون فيها أو في البيئة التي يعجبون بها ويقلدونها. وتتصف نشاطاتهم بالذيلية عندما يقلدون العاملين الآخرين ويسيرون خلفهم. وقد تكون الذيلية تقليدا لعمل أو لفكر تنظيمي في نفس البيئة، أو تكون تقليدا لعمل أو فكر صادر عن اهل الحضارة الغازية، فيكون ذلك وقوعا في شرك من اشراك الاستعمار.

الغموض:

يحتاج العاملون الذين ينشطون في ساحة العمل المترامية الاطراف المملوءة بالتعقيدات الاجتماعية والسياسية الى استيضاح لكثير من المسائل، وفي كثير من الاحيان لاتستوعب القيادات تعقيدات الواقع المعاش، فيضطر المسؤول الى اللجوء الى الغموض والرموز ليكسب الوقت أو ليحتال على السائلين فينصرف انتباه السائلين الى امر غامض يلفه برداء العمل. وعندما تكثر الامور الغامضة في التنظيم تتحول الجماعة الى عقدة في المجتمع او ان الوعي ينتشر بين العاملين من خلال نموهم الاجتماعي والسياسي ويلجأ الى الوضوح من كان يلجأ الى الغموض أو يتوارى الى المكان المناسب.

ردود الفعل:

الغزو الحضاري يفعل والدفاع الحضاري يرده ويتبادل المستعمرون وعملاؤهم واتباع عملائهم من جهة والمدافعون وتابعوهم من جهة اخرى الفعل ورد الفعل ثم يصبح رد الفعل عادة تسري بين اوساط الناس العاملين في الحقل العام. ويكون الاحساس السياسي والاجتماعي بليدا عند مثل هؤلاء فلا يبدعون عملا ولايحسون بالامور الا عندما تظهر بجلاء، فاما ان يقلدوها ويكونوا ذيليين أو يعملون ما يخالفها على نفس النسق فيكون عملهم رد فعل معاكس.

التردد:

صفة عند البعض الذين دخلوا محيط العمل العام بقصد الحصول على الشهرة أو الجاه أو اي مكاسب معنوية أو مادية، أو الذين دخلوه بتأثير الصداقة والالفة مع العاملين، والذين ورثوا مجالات العمل العام عن آبائهم أو ما الى ذلك.. فنرى هؤلاء وامثالهم لايقطعون بأمر ويتقدمون خطوة ويتأخرون اخرى.

النقاش النظري:

احد اعمدة العمل السياسي والعمل الاجتماعي، الفكر العملي الملائم للتطبيق الذي ينبثق من ادراك الواقع ومن الامور المساعدة على الادراك: التشاور في الامور. ان بعض العاملين يميلون الى تحويل اي نقاش عملي يساعد على ادراك الواقع أو يساعد على علاج بعض الامور الحياتية أو التنظيمية أو الفكرية الى نقاش يتعدى التطبيق. والسبب في ذلك الابتعاد عن الحياة العامة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

الاشكالات:

من مصاديق النقاش النظري الاشكالات النظرية المحضة على الامور العملية المحضة. ان الاشكالات اذا كانت موضوعية تغني العمل وتنميه وتجعله اكثر شمولا ودقة. واذا لم تكن موضوعية تعيق العمل وتجعله اكثر صعوبة.

الاعمال الشكلية:

هي الاعمال التي تهتم بالشكل وتهمل المضمون ويألفها:

الفرديون، والانانيون، واصحاب المصالح الخاصة في مجالات العمل العام، واصحاب النفس القصير في العمل الذين يريدون ان يصلوا بسرعة الى نتائج ظاهرية. ويستعملها كذلك الاصلاحيون الواسعو الافق في بعض الحالات لاضفاء بعض الدعاية والشهرة لبعض مشاريعهم واعمالهم في البيئة التي تهتم بالشكل اكثر مما تهتم بالمضمون.

معالم العمل الحضاري الاسلامي

وَالْعَصْرِ‌ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ‌ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‌ ﴿٣﴾ هذه الآيات القصيرة ترسم اتجاه الطريق الحضاري الاسلامي الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. ان طريق الدعوة الاسلامية طريق ذات الشوكة الذي يسير بهدي علاقة الانسان بخالقه وما يتطلبه هذا الطريق من بذل وعطاء تنطلق به النفوس المؤمنة في رحاب الأمة الاسلامية ومعها بما يقتضي ذلك من جهد وجهاد لتستعيد المسيرة الاسلامية عطاءها الحضاري لهذا العالم. ان الانطلاق الحضاري والاندفاع الحضاري هذا هو فعل مباشر مع الامة الاسلامية لنسف ظاهرة الاستسلام الحضاري من الجذور وتحويل ظاهرة الخوف الحضاري والدفاع الحضاري الى عملية اندفاع وانطلاق حضاري يعيد للأمة الاسلامية وظيفتها التي ارادها الله لها في هذا الكون. ويعيد الدورة الحضارية الاسلامية لتبدأ من جديد.

ان العمل الحضاري الاسلامي له معالم واضحة نجدها في كتاب الله سنعرض لها بالتفصيل فيما بعد ان شاء الله تعالى وسنشير اليها اشارة بسيطة في هذه المقدمة لتدل على الموضوع كي يساهم فيه من يساهم من الاخوة الدعاة حفظهم الله.

الاسس الحضارية:

اساس هذا الكون واساس هذه الحياة هذا الانسان واهم اساس للعقيدة الاسلامية هو

اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ‌ضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْ‌سِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴿٢٥٥﴾.

قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّـهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾.

لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَ‌أَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِ‌بُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُ‌ونَ ﴿٢١﴾ هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّ‌حْمَـٰنُ الرَّ‌حِيمُ ﴿٢٢﴾ هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ‌ الْمُتَكَبِّرُ‌ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِ‌كُونَ ﴿٢٣﴾ هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِ‌ئُ الْمُصَوِّرُ‌ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٤﴾.

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَ‌قَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْ‌ضِ وَلَا رَ‌طْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٥٩﴾.

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَ‌هَا ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴿٦٠﴾ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْ‌ضَ قَرَ‌ارً‌ا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارً‌ا وَجَعَلَ لَهَا رَ‌وَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَ‌يْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُ‌هُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦١﴾ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ‌ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْ‌ضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُ‌ونَ ﴿٦٢﴾ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ وَمَن يُرْ‌سِلُ الرِّ‌يَاحَ بُشْرً‌ا بَيْنَ يَدَيْ رَ‌حْمَتِهِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ تَعَالَى اللَّـهُ عَمَّا يُشْرِ‌كُونَ ﴿٦٣﴾ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْ‌زُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْ‌هَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٦٤﴾.

ان علاقة الله الخالق بهذا الكون والانسان والحياة هي اساس الحضارة الاسلامية. وعلينا ان نستكشف جوانب هذا الاساس والاسس الاخرى من التعمق في تلاوة القرآن، ومن خلال السنة النبوية، ومن خلال احاديث الائمة وادعيتهم فانها مفاتيح تفتح لنا آفاق الفهم والتعلم من القرآن كتاب الله وسنرى في هذه الاسس رعاية الله للعاملين في كل خطوة يخطونها في سبيله.

المنطلق الحضاري:

للمسلم صلة بالله تتعدد مجالاتها فَاذْكُرُ‌ونِي أَذْكُرْ‌كُمْ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْ‌فَعُهُ ۚ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ وَبَشِّرِ‌ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَ‌بِّهِمْ ۗ يَوْمَ نَحْشُرُ‌ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّ‌حْمَـٰنِ وَفْدًا ﴿٨٥﴾

المسلم يرجو ربه ويطمع في نعمه إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٤٥﴾ سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَ‌ةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْ‌ضُهَا كَعَرْ‌ضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُ‌سُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ

والمسلم يخشى ربه ويتقي عذابه فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَرْ‌كَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ‌ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُ‌ونَ ﴿١١٣﴾.

والمسلم يعلم بان جميع تحركاته يعلمها الله ويحصيها وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَ‌هُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِ‌جُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورً‌ا ﴿١٣﴾ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ‌ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ ۗ.

ان هذه الصلات والعلاقات بين الانسان وخالقه التي يصورها القرآن هي المنطلق التي تدفع المسلم للعمل في سبيل الله فهي علاقة عبودية وتقرب من الله وذكر ودعاء ورغبة في الثواب ورهبة من العقاب، وغير ذلك من تفصيلات علاقة الانسان بخالقه.

اصول الحضارة:

الحقائق الاجتماعية والسياسية لأوضاع الحياة الانسانية التي تخص المجتمع والافراد نراها في القرآن الكريم كأنصع ماتكون الحقائق واصدقها، واعمق ما تكون الحقائق معرفة بدقائق الحياة والانسان وتعقيداتهما.

إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ

فَإِنَّ الذِّكْرَ‌ىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥٥﴾.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿٢٠٤﴾

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ‌ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.

وَلَن تَرْ‌ضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَ‌ىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ.

وكذلك الحقائق الكونية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

ان هذه الحقائق نجدها في قصص الانبياء وفي الآيات التي تتحدث عن الكون والحياة والانسان. وهي اصول الحضارة الاسلامية لانها الحقائق الكونية والاجتماعية والسياسية والانسانية.

القواعد الحضارية:

الاوامر والنواهي في القرآن تشمل جميع الأمور التنظيمية والعمل الجماعي والصراع الفكري، والجهاد والتعامل مع النفس ومع الآخرين: وَذَكِّرْ‌ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تَرْ‌كَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ‌ وَالتَّقْوَىٰ ۖ أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَلِتُنذِرَ‌ أُمَّ الْقُرَ‌ىٰ وَاصْبِرْ‌ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَأَعِدُّوا لَهُم انفِرُ‌وا خِفَافًا وَثِقَالًا فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ.

وهذه الاوامر والنواهي هي نماذج للقواعد الحضارية التي ينبغي ان يلتزم بها المسلمون.

وتكون القواعد بصيغة اوامر مباشرة كما رأينا، وتكون بصيغة غير مباشرة مثل: ومن احسن قولا ممن دعا الى الله..

القيم الحضارية:

وهي شخصية الافراد وعامة المجتمع وتكون بمجموعها المرتكزات الحضارية للشخصية الاسلامية والمرتكزات الحضارية للمجتمع الاسلامي وهذه القيم تميز الحضارة الاسلامية من غيرها. وقد بّين القرآن الكريم في حديثه عن الانبياء والصديقين والصالحين والشهداء، المواصفات الشخصية والسلوكية للانسان كما يريدها الله تعالى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‌ ﴿٣﴾ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ‌ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِ‌ينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٥﴾ الصَّابِرِ‌ينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِ‌ينَ بِالْأَسْحَارِ‌ ﴿١٧﴾ وَاصْبِرْ‌ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ﴿١٤﴾ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿١٧﴾ حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ.

وبيّن القرآن الكريم كذلك مواصفات المجتمع والجماعة، كُنتُمْ خَيْرَ‌ أُمَّةٍ أُخْرِ‌جَتْ لِلنَّاسِ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُ‌وا وَصَابِرُ‌وا وَرَ‌ابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِ‌سَالَاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ ۗ.

الآفاق الحضارية:

للاسلام آفاق متعددة. تغوص الى اعماق النفس الانسانية وتتسع في ارجاء الكون. لاتعترف بحدود جنسية وعرقية، وسياسية أو اقليمية، اجتماعية أو اقتصادية وليس للاسلام حدود زمانية ولا مكانية. والافكار الاسلامية في القرآن تبيّن هذا اجلى بيان: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَ‌سُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ مَّا فَرَّ‌طْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ‌ لِّلْعَالَمِينَ ﴿٨٧﴾ وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ‌ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ‌فُوا ۚ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَ‌جَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ.

الموازين الحضارية:

الحلال والحرام والمندوب والمكروه والمباح موازين لأعمال الانسان في جميع المجالات ولها تفاصيل فكرية وردت في القرآن تشمل الموازين الحياتية والاجتماعية والسياسية والتنظيمية بيّنها الاسلام بأجلى بيان. وفي القرآن الكريم مفاهيم واسعة تشمل الحياة بدقائقها وهذه نماذج منها:

ميزان السمع وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿٢١﴾ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَ‌انَكَ رَ‌بَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‌ ﴿٢٨٥﴾ وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ.

ميزان البصر إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُ‌وا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُ‌ونَ ﴿٢٠١﴾ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ‌ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ‌ ﴿٤٦﴾.

ميزان اليسر يُرِ‌يدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ‌ وَلَا يُرِ‌يدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‌ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَ‌جٍ ۚ يُرِ‌يدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا رَ‌حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾.

ميزان الارادة قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَ‌ةٌ ﴿١٤﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَ‌بِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٤٠﴾ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ.

موازين اخرى:

قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَ‌ةُ الْخَبِيثِ ۚ إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴿٦٠﴾ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ صِبْغَةَ اللَّـهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً ۖ

واخيرا ميزان الكتاب والفكر والتلاوة: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ يَعْرِ‌فُونَهُ كَمَا يَعْرِ‌فُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ.

نماذج قرآنية تتسع لأكثر من مجال: وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتعدد ابعاد تأثيرها على النفس البشرية وهذه امثلة وَلَا تَرْ‌كَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قاعدة حضارية عملية. انها أمر مباشر هذا من جهة وهي قيمة من القيم الاسلامية الحضارية اذا اعتبرنا انها من المرتكزات الهامة للشخصية الاسلامية. واذا اضفنا بقية الآية وَلَا تَرْ‌كَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ‌ عندئذ يمكن ان تكون منطلقا للعمل رهبة من عذاب الله.

وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ‌ ﴿١٣﴾ حقيقة يخبرنا بها الله تعالى فهي اصل من الاصول التي نهتدي بها لمعرفة حقائق الحياة لأن هذه الآية من الحقائق الاجتماعية. ولو ان الداعية تأثر بهذه الفكرة الحياتية القرآنية ودفعته لكي يعمل في سبيل الله ليكون من هذه القلة من البشر لكان فعل هذه الآية فعل الدافع الحضاري أو المنطلق الحضاري.