التمزق في البلاد العربية

كان العرب متفرقين فجمعهم الاسلام وامتدّ بهم في اقطار الارض. وعند ما تركوه ضعفوا، وتقاسمتهم الدول مرة اخرى. وهم يعيشون في ظلالها اليوم.

كان العرب في شبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا ممزّقين الى دويلات وقبائل يتقاسم النفوذ المباشر فيها أو غير المباشر دولتا: الفرس والروم ودولة الاحباش. ففي العراق نفوذ فارسي وفي سوريا نفوذ رومي واكثر قبائل الجزيرة في دائرة النفوذ الرومي والفارسي. واليمن تحت نفوذ الحبشة. وكانت العصبيات القبلية تمّزق الكيانات شبه السياسية داخل الجزيرة. والكيانات السياسية في العراق وسوريا خاضعة على شبه استقرار تحت نفوذ الدولتين الاعظم في ذلك الوقت.

ثم توحد العرب تحت راية الاسلام وامتدّوا بسلطانهم شرقا وغربا. وكوّنوا قاعدة ومركزا ومنطلقا للكيان الاسلامي الجديد. حتى غدت الدولة الاسلامية اعظم كيان سياسي دولي في العالم يخاطب فيه رئيس الدولة الغمامة بأن خراجها سيرجع الى بيت المال أنى حطّ بها الرحال. وقال رئيس آخر لهذه الدولة: بأن الكرة الارضية لا تستأهل ان يحكمها اكثر من شخص.

ان موازين الكيانات السياسية تتبدل باستمرار عبر القرون منذ ان ابتدأت السيطرة السياسية في المجتمعات البشرية.. فالمصريون والآشوريون والبابليون واليونان.. ثم الفرس والرومان امثلة للسيطرة السياسية في التاريخ القديم.. وحين بدأت النهضة الاوربية كانت المنطقة الاسلامية قد اوغل فيها الانحراف عن الاسلام وفقدت حيويتها، فاقتسمت اوربا العالم الاسلامي ومنه العالم العربي، ويمكن ان نرى ذلك من خلال اتفاقيات ومعاهدات دولية هذه امثلة لبعضها:

  1. في مؤتمر سان ريمو في ٢٤ نيسان سنة ١٩٢٠م اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى واعطيت فيه فرنسا حق الانتداب على سوريا، واعطيت فيه بريطانيا حق الانتداب على العراق وفلسطين، واقتسمت موارد النفط في بلاد مابين النهرين وكانت فرنسا وبريطانيا وروسيا قد اتفقت على اقتسام املاك الدولة العثمانية فيما بينهم.

    وكان من جملة بنوده:

    • يسمح لكل من فرنسا في المنطقة الزرقاء (اشارة الى الخارطة التي اقتسمت الغنائم بموجبها) وبريطانيا في المنطقة الحمراء أن تنشيء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الادارة والحكومات ما تريده وما تراه مناسبا بعد الاتفاق مع الحكومة العربية، أو اتحاد الحكومات العربية.

    • تعطى بريطانيا مرفأ حيفا وعكا.

    • يكون ميناء الاسكندرونه ميناءاً حراً فيما يتعلق بتجارة بريطانيا.

  2. باعت مصر حقها من أسهم قناة السويس الى بريطانيا في ١٨٧٥/١١/٢٥.

  3. في ١٨٨٨/١٠/٢٩ دوّلت قناة السويس للتجارة العالمية

  4. عقد شيخ الكويت اتفاقا مع بريطانيا في ١٨٩٩/١/٢٣ لتغطية السيطرة البريطانية عليها، ومن بنود الاتفاقية:

    • ان لا يقبل شيخ الكويت اي ممثل اجنبي الاّ بعد مشورة بريطانيا.

    • ان لا يؤجر أو يرهن أو يعطي للتملك اي جهة الا بعد التشاور مع بريطانيا.

  5. ابرمت اتفاقية مع السودان في ١٨٩٩/١/١٩ بين مصر وبريطانيا لتغطية سيطرة بريطانيا على السودان ومن بنود الاتفاقية:

    • يعين حاكم للسودان برضاء بريطانيا التي تصدر القوانين.

    • لا يعيّن قناصل ولا يصرح لهم بالاقامة الا بعد الاذن من الحكومة البريطانية.

  6. ابرمت معاهدة بين بريطانيا وعبدالعزيز بن سعود أمير نجد في ١٩١٥/١٢/٢ لتغطية نفوذ بريطانيا عليها. ومن بنودها:

    الاعترافات بسلطة ابن سعود على بعض اقسام الجزيرة وحمايتها لسلطانه على ان لا يتعاقد ابن سعود مع اي دولة اخرى وأن لا يتصل بأي دولة اخرى وان لا يبيع ولا يرهن ولا يؤجر ولا يملّك احدا الا بمشورة بريطانيا، وان يتبع نصائحها التي لا تضر بمصالحه.

  7. عقد معاهدة مع السيد الادريسي امير صنعاء واطرافها مع الحكومة البريطانية في ١٩١٥/٤/٣٠ من بنودها:

    اعلان الحرب على تركيا من قبل السيد الادريسي لطردهم من اليمن وتحافظ بريطانيا عليه وتحميه.

تنقسم البلاد العربية الى مجموعة كبيرة من الكيانات السياسية لا يتعدى عدد سكان بعضها عدد سكان مدينة متوسطة في الكبر. والكيانات السياسية موزعة كما يلي:

عمان، اليمن الشمالية، اليمن الجنوبية، المملكة السعودية، قطر، البحرين، الامارات العربية المتحدة، الكويت، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، الاردن، مصر، السودان، ليبيا، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا، والصومال وارتريا. وانظمة الحكم فيها امارات وممالِك وجمهوريات حكم عسكري أو شبه عسكري أو حكم الحزب الواحد. وقد استكملت جميعها عدا ارتريا استقلالها السياسي الشكلي وبقيت مرتبطة من ناحية فكرية واقتصادية وسياسية ببعض الدول الغربية. واكثر الدول الاستعمارية نفوذا اليوم هي الولايات المتحدة وبريطانيا ثم فرنسا..

فالانقلابات العسكرية التي تحدث بين آونة واخرى غير بعيدة عن تخطيط المخابرات المركزية الامريكية أو المخابرات البريطانية ولم يصل الى الحكم في البلاد العربية اي شخص أو فئة الابمساعدة أو ارضاء هذه الدولة الاستعمارية أو تلك، وهناك اعتراف ضمني بمصالح الدول الرأسمالية في المناطق العربية، فاذا ثقل وزن بريطانيا مثلا من الدول الغربية، يعترف به ويسعى لتقليصه وهكذا.

ان الظروف الدولية الحالية ملائمة تماما للتخلص من النفوذ الاجنبي ولكن الاوضاع النفسية والفكرية لدى حكام العرب لا تطمح الى اكثر مما لديهم الآن.

ان التخلف الصناعي والزراعي والتخلف الاداري والتخطيطي والتخلف في المجال التعليمي والتربوي ظاهرة واضحة في العالم العربي ولذلك يوصف العالم العربي ضمن المنطقة المتخلفة في العالم رغم الثراء الذي وضح أمره بعد سنة ١٩٧٣م عندما ارتفعت اسعار النفط بعد التلويح بقطع النفط عن الدول المعتدية والتي تساعد اسرائيل.

ففي العراق مثلا كانت ملكية الاراضي في ايدي حفنة من الناس وبعد انقلاب ١٩٥٨م قامت السلطة بعملية اصلاح زراعي تغيرت الخطط فيه بعد كل انقلاب حدث في العراق وكانت من نتيجة الاصلاح الزراعي تدنّي الانتاج الزراعي.

ان عملية الاصلاح لم يتم منها اي اصلاح للتخطيط الناقص والتنفيذ الفاسد. وكلاهما مظهر من مظاهر التخلف في البلاد العربية.

وعلى رغم التجزئة السياسية في البلاد العربية فأن العرب وخاصة العامة الواعية والجماهير العربية الواعية وعيا قوميا طبعا لاوعيا اسلامياً، تتوق الى الوحدة، لأن الفكر العام والمعتقد السائد ليس فيه اي عامل من عوامل التمييز بين قطر وقطر وبين بلد وآخر.

ان البلدين المتجاورين كمصر وليبيا أو مصر والسودان متشابهان بالعادات والتقاليد والاعراف واللغة والمعتقد وليس للحدود السياسية بين هذا البلد وذاك البلد في الاقليمين المتجاورين اثر حقيقي يخلق فاصلا نفسيا أو فكريا بين السكان.

ان عوامل الوحدة بين البلاد العربية متوفرة بشكل كلي لا ينقصها شيء الا العمل المضاد للقوى التي فرضت التجزئة ومخلفات تلك القوى، وهذه العوامل هي:

  • وحدة الفكر والمعتقد.

  • وحدة اللغة.

  • تشابه العادات والتقاليد والاعراف.

  • تشابك المصالح الاقتصادية.

  • التاريخ المشترك.

  • الابتلاء المشترك بالاستعمار والتخلّف.

كلها عوامل تدعوا الى وحدة البلاد العربية وهي ليست متوفرة في كثير من الدول العظمى القائمة اليوم، فأن عوامل الوحدة بين البلاد العربية اقوى مما هي موجودة في الاتحاد السوفيتي مثلا، أو في الولايات المتحدة الامريكية، فأن اختلاف الشعوب واختلاف اللغات والتقاليد والاعراف فيهما لايقاس بما هو موجود في البلاد العربية، ومع ذلك فأن الاتحاد السوفيتي دولة متماسكة والولايات المتحدة دولة متماسكة والبلاد العربية متفرقة ومختلفة، ولذلك فأن الدعوة الى الوحدة العربية اذا صدرت عن سياسي موثوق من قبل الجماهير فأنها تلاقي تجاوبا كبيرا.

الا ان الدعوة الى الوحدة لم تكن مبنية من الناحية العلمية على اسس واضحة، ولذا فأن الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا سرعان ما انهارت تحت ضربة من ضربات العملاء في سوريا بتخطيط من انكلترا ولم تقم وحدة بين العراق وسوريا رغم تسلم السلطة فيهما من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي والذي حدث هو العكس فأن الحزب انفلق الى حزبين بدلا من ان يصبح القطران جزءا من دولة واحدة ولذلك اسباب لا مجال لشرحها الآن.

الجامعة العربية:

في ١٩٤٣/٢/٢٤ اعلن ايدن رئيس وزراء بريطانيا تأييده التام لأي مشروع يقدم عن وحدة العرب، وسعى عملاء الانكليز حكام مصر والعراق بصورة خاصة لتقدّم مشاريع تكتلات جزئية مثل السعي لأنشاء الهلال الخصيب، وانشاء اتحادات ثنائية ونجحت المبادرة المصرية لأنشاء الجامعة العربية بعد الحرب العالمية الثانية في ٢٢ آذار ١٩٤٠م ووقع الميثاق ملك مصر والعراق ورئيسا جمهورية سوريا ولبنان وامير شرق الاردن، وكلهم من المرتبطين ببريطانيا آنذاك، ووقع الميثاق كذلك ملك اليمن، وقد اكد الميثاق على صيانة استقلال وسيادة الدول الاعضاء وكان المقصود من ذلك الوقوف امام اي وحدة حقيقية بين بلدين أو اكثر من البلاد العربية ومن اغراضها ايضا: التعاون بحسب نظم كل دولة في الشؤون الاقتصادية والمالية وشؤون المواصلات والشؤون الثقافية وشؤون الجنسية والجوازات وتنفيذ الاحكام وتسليم المجرمين والشؤون الاجتماعية والصحية، وكان التأكيدعلى نظام لكل دولة يقصد منه المحافظة على الاوضاع السياسية وارتباطات الدول الاعضاء الدولية والحيلولة دون ذلك.

وبالجملة فأن مشروع الجامعة العربية يبدو في الظاهر انه خطوة الى الامام بالنسبة الى تمزيق البلاد العربية وهو بالحقيقة كان خطوة مفتعلة لمنع الخطوات الحقيقية وهو نوع من انواع يقظة الاستعمار الانكليزي على مصالحه في المنطقة العربية والدليل على انها خطوة مفتعلة:

ان الجامعة العربية ومنذ اكثر من ثلاثين سنة لم تتحرك بخطوة حقيقية واحدة نحو لمّ شعث الشعب العربي في المنطقة، فلا تزال الحواجز التي تقف عائقا دون تنقّل الانسان العربي بين اقطار واقاليم البلاد العربية، ولا تزال الحواجز امام نقل الاموال والبضائع بين بلد وآخر من البلاد العربية، ولا تزال الاختلافات على اشدها بين هذا البلد وذاك من البلاد العربية.

والجامعة العربية على وضعها الحالي كأنها مورفين لتخدير العرب لكي لايشعروا بالفرقة والتمزق ولكن المورفين قد زال اثره ومن المفروض ان يعادالنظر كليا بهذه الجامعة العربية وبأسلوب التعامل بين الدول العربية حيث تكثر الاتفاقيات ويهمل التطبيق اهمالا جزئيا أو كليا.

ان الحد الادنى من متطلبات الظروف الراهنة ان يقلل الالتزام بالحدود من ناحية انتقال الاشخاص والاموال والبضائع، وان تزال الحواجز في قوانين الجنسية والجمارك وان يتوحد النقد أو يتقارب وان تتوحد مناهج التربية والتعليم وان يعمل في مشاريع اقتصادية مشتركة وان تتكامل المشاريع الصناعية والزراعية.

ان هذه الامور تسعى نحوها الشعوب الاوربية المتناقضة المصالح فكيف بشعب واحد مزقه الاجنبي وتحول التمزيق هذا الى مسميات يدافع عنها حكام وكأنها اشياء مقدسة، فالمحافظة على الاستقلال في البلاد العربية اصبح مقابل الوحدة أو التوحيد بين البلاد العربية في السياسة المحلية، وليس معناها ازالة النفوذ الاستعماري عن الاقاليم.

ان الجدية في التفتيش عن النقاط المشتركة بين البلاد العربية يجب ان يكون مطلبا ملحا يقصد منه التطبيق الفعلي لا الاتفاق على الورقة والاختلاف في الواقع.

ان كل الخطوات التي سار فيها العرب نحو التوحيد قابلها التراجع والتمييع، فقد أعلن قيام اتحادات كثيرة منذ تأسيس الجامعة العربية الى الآن، منها اتحاد العراق والاردن واتحاد مصر وسوريا واليمن واتحاد مصر وسوريا والعراق واتحاد مصر وليبيا وسوريا، وكل هذه الاتحادات لم تخط اي خطوة عملية جيدة يشعر بها الناس.

ان نماذج الاتفاقات الثنائية والثلاثية التي وضعت على الورقة يمكن ان تطبق على نطاق جميع الدول العربية كمطالب ملحة لاصلاح الاوضاع السياسية العربية.

وبالاضافة الى هذه الاتحادات فأن هناك السوق العربية المشتركة ومعاهدة للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وغيرها من الاتفاقات الثنائية.

التمزق المذهبي والطائفي والعرقي والأقليمي

تتعدد الولاءات في المنطقة العربية بشكل يختلف عن العالم على اعتباره جزءا من المنطقة الاسلامية، فهناك ولاء ديني وولاء مذهبي وولاء قومي وولاء اقليمي، فقد تنسجم الولاءات بعضها مع بعض عند البعض وقد تتعارض.

ويمكن ملاحظة ذلك في اليمن والجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وفي المغرب. ومن هذه الحقيقة نلاحظ ان الناس في هذا الاقليم أو ذاك يعاملون معاملة سيئة أو جيدة تبعا لانتمائهم المذهبي أو العرقي أو الاقليمي، دون أن يكون لمواصفاتهم الشخصية وكفاءتهم واخلاصهم اثر مهم، فيقدّم فلان في مدارج الترقية لأنه من فئة كذا، ويتأخر آخر لأنه من جماعة كذا، والذي يعيش في عالمنا يلمس ويرى هذا الوضع بوضوح تام. وفي اقاليم كثيرة تضطهد الاقلية الحاكمة اكثرية الناس من رعيتها لانتمائها المذهبي وللحواجز الوهمية التي أثرت على العواطف وعلى السلوك بشكل واضح، والتي عمقها الاستعمار اثناء وجوده المباشر بوضع اسس عملية للحكم بقيت سائدة بعد خروجه من البلاد: ففي بعض البلاد العربية لا يقبل طلاب من فئة معينة في الكلية الحربية أو كلية ضباط الشرطة. وفي بلاد اخرى لا تفتح المدارس الابتدائية في مناطق معينة لانتمائها غير المرغوب فيه. ان ذكر الارقام في هذا المجال قد يفتح علينا بابا فيه صراع لا نرغب فيه، ولذلك نتغاضى عن ذكر الاسماء.

سعى الاستعمار حثيثا الى تثبيت الخلافات بربطها بالحياة السياسية لكل بلد بشكل ما، كأن يسلّم الحكم للأقلية وتسلط على الاكثرية، أو يقسّم الناس وتبث الخلافات الحادة بينهم، فالمذابح التي حدثت في العالم العربي كان اكثرها بتأثير وتغذية الاستعمار للاحقاد الموجودة في البلاد.

ان التعصب المذهبي والديني على نوعين: نوع يحمله المتدينون الذين يستمدون تعصبهم من الكتب التي يحترمونها ويعتبرونها من الواقع المعاش، ونوع آخر يتاجر بالمذهبية والتدين لمصالحه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ان التعصب المذهبي في بعض البلدان العربية مرض عضال وعلاجه من اعقد الامور التي تقف في وجه الاصلاح وفي وجه التغيير وقد يتبادر الى بعض الاذهان ان هذه الامور اصبحت في خبر كان. ان هذا التبادر صحيح في اوساط ضيقة، كالاوساط التي تحللت من التزامات الدين والمذهب في بعض الاقطار واتجهت كليا للنشاطات الاجتماعية والسياسية الحرة أو مايسمى بالليبرالية، وأمابين الناس فأن هذا الامر موجود وملموس.

ان المذهبية تؤثر على كثير من القضايا والاحداث.

والاقليمية هي التقسيم السياسي الذي فرضه المستعمرون بعد الحرب العالمية الاولى حيث مزّقت المنطقة شرّ تمزيق، وورث الحكام عن المستعمرين مناطق يقومون بحراسة حدودها، ومن يتجاوز حدوده يعاقبه الاستعمار. ونلاحظ الساسة العرب اليوم يؤمنون بالحدود الاقليمية ايمانا سياسيا يصل الى حد الاقتناع به، حيث ان البديل المطروح لايتعدى حدود الدعاية الكلامية. وقد وضع المستعمرون أوتادا فكرية وقانونية لتثبيت الحدود، فوضعوا قوانين الجنسية بشكل معتّد به حتى لايطمع مواطن للتحرك من اقليم الى آخر حيث تقف القوانين والاجراءات البوليسية حائلا دون عيشه وعمله وسكناه واستقراره، الا بشروط معقدة يصعب على الانسان غير المضطر تحملها،و لذا نرى في اكثر من قطر أقلية مضطهدة، واقليات مهاجرة تهاجر من أجل لقمة العيش من اقليم لآخر فيضطهدها القانون الاقليمي، ويزيد في الاضطهاد مطبّقوا القانون ويضطهدها الناس في المجتمع باعتبارها وجودا ”غريبا“ يزاحم اهل البلاد بعيشهم، وانها لرذيلة اجتماعية وسياسية من احط الرذائل التي أصيب بها العالم العربي وأصابت الحكام العملاء.

وفي البلاد العربية اقليات عرقية: فالاكراد موجودون في العراق وسوريا ولبنان، والشركس موجودون في فلسطين والاردن ولبنان وسوريا، والبربر موجودون في الجزائر و مراكش، والسريان موجودون في العراق، وهذه الاقليات يصيبها احيانا بعض الضيق لعدم فسح المجال أمامها كما يفسح المجال أمام غيرها.

الاحزاب في البلاد العربية

تنقسم الاحزاب في البلاد العربية بالشكل التالي:

  • أ. من حيث نظرتها الى المجتمع الى:

    1. احزاب محافظة مثل الاحزاب المارونية في لبنان، والحزب الدستوري في تونس وهي احزاب تعمل على المحافظة على اوضاع المجتمع وعلى الاسس السياسية القائمة.

    2. احزاب اصلاحية وهي الاحزاب التي تحاول ان تصلح اوضاع البلد الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية ضمن الاسس التي تتبناها ومن امثلة هذه الاحزاب: الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان.

    3. الاحزاب التغييرية وهي الاحزاب التي تعمل لتغيير اسس المجتمع وتغيير البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مثل الاحزاب الاسلامية وبعض الاحزاب الشيوعية.

  • ب. من حيث منشأها:

    1. احزاب مفتعلة وهي الاحزاب التي يلفقها الحاكم لتكون ركيزة منظمة يعتمد عليها في عمله الشعبي مثل الاتحاد العربي الاشتراكي في مصر وليبيا.

    2. احزاب سياسية وهي الاحزاب التي تنشأ من تكتل مجموعة من السياسيين مثل حزب الكتلة الوطنية، وحزب الدستوريين في لبنان.

    3. حزب ينشأ من خلال نواة حزبية صغيرة ثم ينمو على مرور الايام مثل حزب البعث والاخوان المسلمين.

    4. حزب ينشأ من التفاف حول زعامة سياسية أو دينية مثل حزب الوفد المصري، وحركة المحرومين.

    5. حزب ينشأ كمنظمة عسكرية وسياسية مثل القوميين السوريين والكتائب اللبنانية والتنظيمات الفلسطينية.

  • ج. من حيث مجال العمل:

    1. احزاب اقليمية لاتعمل الا داخل الاقليم الذي تعمل فيه مثل اكثر الاحزاب في لبنان، ومثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال في العراق، وحزب الاستقلال في مراكش، وجبهة التحرير في الجزائر.

    2. احزاب قومية تعمل في مجال البلاد العربية كلها مثل حزب البعث والاحزاب القومية الاخرى.

    3. احزاب تعمل داخل العالم العربي وخارجه مثل بعض الاحزاب الاسلامية.

  • د. من حيث الارتباط بالخارج.

    1. احزاب مرتبطة بالعالم الغربي فكريا مثل اكثر الاحزاب في المنطقة العربية.

    2. احزاب ترتبط بأحد الاستخبارات الغربية مثل بعض الاحزاب التي توصلت الى الحكم.

    3. بعض الاحزاب الشيوعية مرتبطة بروسيا وبعض الاحزاب الشيوعية مرتبطة بالصين.

    4. هناك احزاب ليس لها اي ارتباط فكري أو تنظيمي في الخارج.

والحزبية في العالم العربي بمجملها عدا القلّة القليلة تحاكي الاحزاب الاوربية بتنظيماتها واساليب عملها اضافة الى فكرها. واحيانا يسري التقليد الى رفع الشعارات التي ترفعها الاحزاب الاوربية أو الاحزاب العالمية ذات الشهرة الواسعة وغالبا ما تكون عملية التقليد سطحية الى حد ان الفكر يفقد المضمون فيكون الفكر شيئا والسلوك الحزبي شيئا آخر.

والاحزاب في العالم العربي أو قسم منها ساهم في نشر الوعي السياسي بين الجماهير وساهم في كشف كثير من الخطط التي خططتها الدول الكبرى للسيطرة على هذا الاقليم أو ذاك.

وساهمت الاحزاب كذلك في تكتل الطلاب واسقطت بعض المشاريع الاستعمارية وبذلك ساهمت بتقليص قبضة الاستعمار في بعض الاقاليم وفي المنطقة بصورة عامة.

كما ان قسما من الاحزاب كانت تعمل باستمرار مع اجهزة الاستخبارات الاجنبية لاحكام طوق الاستعمار في البلاد العربية.

ان الاحزاب في البلاد العربية تساعد على تجزئة البلاد العربية في بعض الاحيان وتعمل على تقليل التجزئة في احيان اخرى وذلك تبعا لهوية الحزب السياسية وتبعا للظروف السياسية المحيطة.