من آثار الهجمة الشرسة
ان الهجمة الشرسة التي خطط لها الاستعمار ونفذها عملاؤه في العراق على العمل الاسلامي الجاد المؤثر كان لها آثار ايجابية واخرى سلبية.
من الآثار الايجابية:
-
انتشار اسم الدعوة بين الناس في العراق.
-
انتشار اسم الدعوة الاسلامية بين العاملين في سبيل الله، وبين المتدينين وبعض العاملين في الحقل السياسي خارج العراق.
-
زيادة مشاعر العطف على العاملين في سبيل الله.
-
كسر حدة المشاعر المضادة للدعوة الاسلامية عند بعض المتدينين الذين لايستسيغون العمل المنظم.
-
زيادة تأثير الفكر الاسلامي على مجموعة من الناس.
-
الشعور المتزايد بجدية واهمية العمل الاسلامي عند عدد كبير من الذين يأخذون العمل العام مأخذ التشكيك وعدم الجدية.
-
ظهور فوج جديد من العاملين في سبيل الله في العالم الاسلامي يشد ازر العاملين الآخرين ويوسع الآمال في عودة الاسلام.
-
القسوة المبكرة التي مارسها العملاء بحق الدعوة الاسلامية أضافت للعمل الاسلامي تجربة كبيرة يستفيد منها مستقبل مسيرته الظافرة بعون الله.
-
وضوح صحة اكتشاف قيادة الدعوة المبكر لنفاذ صبر السلطة الغاشمة من وجود عمل اسلامي في الساحة الشعبية ووضوح حكمة قيادة الدعوة في ترك بعض اساليب العمل التي كانت تسبب للسلطات الغاشمة ممارسة ردود فعل عنيفة.
-
ظهور رعاية الله تعالى في كثير من الامور والقضايا اثناء المحنة التي مرت بها الدعوة وبعدها.
من الآثار السلبية:
١ـ الخلل في الانضباط الحزبي، ومن مظاهره:
-
أ. محاولة بعض المجاهدين العمل باستقلالية منفصلا عن قيادة الدعوة. فقد حدث في الظروف الصعبة ان بعض المجاهدين النشطين لم يستوعب دقة الظروف وشراسة الاعداء ولم يتقيد بتعليمات الدعوة فقام بتوسيع خط عمله، ولما وصلت اليه الهجمة الشرسة اخبر الدعوة بالأمر وسلمها عمله.
كما حدث ان بعض الدعاة اسس خطا جديدا بقيادته ثم اضطر الى الهجرة وترك خطه من غير اتصال بالدعوة.
ان المجاهد النشيط الذي يجد امامه مجال العمل مفتوحا ولايتمكن من الاتصال بالدعوة اذا انشأ عملا مستقلا بقيادته فأن الدعوة تبارك عمله وتتبناه بشرط ان يكون منسجما مع خطها واسلوبها في العمل ورؤيتها للظروف والموقف.
-
ب. قيام بعض المجاهدين بأعمال تحت سمع العملاء وبصرهم. فقد حدث في الظروف الصعبة ان الدعوة كانت تضطر ان لاتمارس تصحيح بعض الاوضاع التي تنشأ من عدم الاتصال المنتظم ومن الميل الى عدم الانتظام، دفعا للأضرار المتوقعة, حيث ان الاجراء سيسبب الهمس والنقاش بين الدعاة والثرثرة والكلام الزائد الذي يظهر على ألسنة بعض الدعاة أو القريبين منهم ومن ثم سيلفت نظر الجواسيس القريبين والمندسين في الأماكن التي يظهر فيها النشاط الاسلامي.. مما يؤدي الى أضرار تفوق الفائدة من تصحيح بعض الاوضاع. ان هذه المواقف العصيبة التي كانت تحتاج الى اتخاذ قرارات في غاية الدقة توازن بين الاعمال ومردوداتها المختلفة كانت تقابل من بعض الدعاة بذهنية لاتستوعب دقة الموقف وصعوبة الظرف وشراسة العملاء وضيق صدرهم. ومن ثم انساق بعض الدعاة الى اعمال كانت تحت بصر الجواسيس وسمعهم. وهذه النقطة بالذات ينبغي ان تكون موضع تنبه وتفكير مركز لمن عاش هذه الفترة العصيبة لتكون عبرة ودرسا نستفيد منه اقصى استفادة.
٢ـ التساقط:
تساقط بعض الدعاة اثناء العمليات الفظيعة من المهانة والتعذيب التي كانت تمارسها الوحوش البشرية من ازلام العملاء في مديرية الامن وقصر النهاية واقبية التعذيب في بغداد وسجن الديوانية ومراكز التحقيق في البصرة والنجف وغيرها.
وقد اتخذ التساقط ثلاثة مظاهر:
-
أ. الاعتراف: فقد قدم عدد من الدعاة اسماء عدد كبير من اخوانهم الى السلطة الكافرة. والدعوة تميز في نظرتها الى هذا التساقط بين تأثير الاعترافات على مسيرةالدعوة، وبين الاضرار التي وقعت على الدعاة المعترف عليهم، وبين دلالة الاعتراف على ضعف شخصية الداعية.. أما تأثير الاعترافات على مسيرة الدعوة فهو تأثير قليل في نظرنا وليس كما يتصور البعض فأن باستطاعة الحركة الاسلامية ان تواصل عملها وتأثيرها في المجتمع حتى لو انكشف كل دعاتها للسلطة وكانوا في مدينة واحدة، وذلك لأسباب عديدة:
منها: ان اهتمام حكومات العالم الثالث ينصب على رصد القوى البارزة التي تنافسها على السلطة مما يجعلها مشغولة أو عاجزة عن رصدعمل الدعوة، خاصة بعد ان استفادت الدعوة من المحنة وتصورت السلطة انها قضت عليها أو كادت.
ومنها: ان اجهزة المخابرات الراقية تعجز عن منع النشاط الفكري الجاد كما نشاهد في العالم. ونشاط الدعوة هو نشاط فكري في مجتمع مسلم، وجهاز المخابرات الذي يرصده من اجهزة المخابرات العادية في العالم الثالث.
ومنها: ان مجموعة المعلومات التي حصلت عليها السلطة الكافرة معلومات متناقضة ومشوشة. وقد حصل هذا التضليل بسبب الاعترافات الوهمية الكثيرة التي قدمها الدعاة بأنفسهم أو بتوجيه الدعوة. وقد صرح بعض العملاء بأنهم حائرون في معرفة حزب الدعوة وتنظيمه وقيادته. ويدل على ذلك الاعدامات التي ساقها الله لشهدائنا الابرار رحمهم الله. ان الاحزاب السياسية العادية كثيرا ما يتعرض اعضاؤها للتعذيب والاعترافات والبراءة الخطية والعلنية من احزابهم، ثم تواصل نشاطها. واما الأضرار التي وقعت على الدعاة من الاعترافات فقد كان بعضها بليغا ومؤلما. لقد أدت بعض الاعترافات الى قتل بعض الشهداء رحمهم الله.
واما اعتراف الداعية في نظر الدعوة فهو معصية كبيرة توجب فسق الداعية حتى يتوب ويصلح لأن من احكام الاسلام المجمع عليها حرمة الحاق الضرر بالغير حتى لو كان ذلك سببا لرفع الضرر عن النفس. وحرمة نقض الداعية لعهد الله واضراره بمصلحة الدعوة و كشف اسرارها.
ان على الداعية الذي ارتكب معصية الاعتراف ان يتوب الى الله ويصلح ويحرص على تحصيل تقوى الله ونسأل الله ان ينصرنا على انفسنا. وان نظرة الدعوة الى الداعية المعترف تختلف تبعا لمدى توبته وصلاحه وتكفيره عن معصيته وتبعا لحالة اعترافه وما ترتب عليها من اضرار.. فالداعية الذي اعترف من اول وهلة اكبر جرما واقل صلاحا للعودة الى صف الدعوة من الداعية الذي صمد تحت التعذيب شهورا ثم اعترف. والداعية الذي كان يقدر ان اعترافه لايوقع الضرر على الدعاة يختلف عن الذي كان يقدر ابعاد اعترافه، والداعية الذي اخبر الدعاة الذين اعترف عليهم قبل ان تصل اليهم يد العملاء يختلف عن الداعية الذي سكت حتى وقع اخوانه في قبضة العملاء. والداعية الذي اعترف على اخوانه بمعرفتهم ورضاهم يختلف عن غيره… وهكذا، اما الداعية الذي اعترف على دعاة هم خارج قبضة العملاء بتوجيه الدعوة أو برضا المعترف عليهم، والذي قدم للعملاء اعترافات وهمية لاتلحق الضرر بمؤمن فهم مستثنون من معصية الاعتراف. وقد ابدع بعض الدعاة في الابتكار في هذا المجال.
كما ينبغي للداعية الذي وفقه الله للصمود والثبات وتحمل في سبيل الله ماتحمل ان يكون شاكرا ولايتبجح امام الذي وقع في الاعتراف ”ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا“.
-
ب. الانحراف: فقد انحرف بعض الدعاة بسبب قسوة التعذيب والمحنة انحرافا قليلا أو كثيرا، فبعضهم انحرف في سلوكه الشخصي وبعضهم تعامل مع السلطة الكافرة خوفا من الاذى في سبيل الله أو طمعا في شيء من حطام الدنيا، وبعضهم اصبح عدوا للدعوة والتدين والاسلام. وهذه مظاهر طبيعية في طريق ذات الشوكة. ”ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب“.
-
ج. اليأس: وقد حدثت حالة اليأس لدى بعض الدعاة، اليأس من انتصار الدعوة واليأس من جدوى العمل.. واليأس حالة مرضية في الشخصية سببها انهزام الداعية وفقدانه الهمة العالية، أو نقص في تصور العمل في سبيل الله, أو نقص الايمان بالله واليأس من رحمته ونصره ”ولاتيأسوا من روح الله، انه لاييأس من روح الله الا القوم الكافرون“.
٣ـ التفكير بالعنف
في اثناء الهجمة الشرسة وبعدها. بدأ التفكير بالعنف يراود اذهان بعض الدعاة ويشغل بالهم، وقد أبدى بعضهم رغبة نفسية في مناقشة المرحلية التي تتبناها الدعوة، أو رغبة في ان تقوم الدعوة بانشاء حركة مسلحة للانتقام من السلطة العميلة الكافرة.
ان الاتجاه الى العنف ظاهرة في الدعوة الاسلامية تنشأ من سببين:
السبب الاول: الحماسة واستعجال النصر وضيق الصدر عن تحمل العمل بالنفس الطويل. وتشتد حالة المتحمس واندفاعه العاطفي حينما تواجه الدعوة هجمة اعدائهاوبطشهم واذلالهم.
السبب الثاني: ردة الفعل في نفس الداعية وتأزمه من طغيان اعداء الدعوة وتنكيلهم بالدعاة وكيدهم للاسلام. ورغبته العميقة في الانتقام منهم. ان من الطبيعي ان يكره الداعية اعداء الاسلام ويشحن قلبه بالغيظ وحب الانتقام منهم ”ويخزيهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين“ ولكن من الخطأ ان يتحول ذلك الى ازمة وقضية تشغل الداعية وتضغط على تفكيره. ان قضية الداعية هي الدعوة الى الاسلام، اما الانتقام من اعداء الاسلام فليس سواء في كل الظروف والاحوال، فقد يخدم قضية الدعوة وقد يضربها.
ان على الداعية ان يستبعد التفكير في تجاوز المرحلة واستعمال العنف لأنه لايستطيع ان يقدر متى يكون الانتقام من اعداء الدعوة مفيدا ومنسجما مع المرحلة والظروف الدقيقة التي تمر بها الدعوة.
٤ـ الهجرة:
فقد هاجر كثير من الدعاة بدينهم الى بلاد المسلمين وعاشواعيشه التشرد والقلق والفاقة خاصة في الفترة الاولى. وللهجرة آثار ايجابية في ترقي شخصية بعض الدعاة وتحقيق بعض المكاسب للدعوة، ولكن لها آثارها السلبية كذلك.
٥ـ الانتقادات والتساؤلات:
فقد ظهرت تساؤلات وانتقادات كثيرة على الدعوة من قبل بعض المجاهدين الذين انهكتهم المطاردات البوليسية. وعندما امنوا منها لم يجدوا رعاية كافية وماوجدوا لطموحاتهم في اتمام المسيرة مجالا. فسألوا ولم يجابوا أو اجيبوا اجوبة لاتنسجم مع مفاهيم الدعوة التي يحملونهاأولاتليق بالوضع الذي يريدونه. فظهرت على ألسنتهم واقلامهم تساؤلات مريرة حول العمل والتنظيم. وسنعرض كمثال لتقريرين قدمهما مجاهدان نرجو لهما ولأنفسنا حسن العاقبة.
يقول احد المجاهدين:
”بعد المحنة القاسية التي مربها العمل في العراق في الاعوام الاخيرة ظهرت في الافق مؤشرات من داخل الحركة تدل على وجود ظواهر خطيرة“.
ويقول حفظه الله:
”ان العمل الاسلامي باعتباره قيادة للأمة الى الله سبحانه وباعتباره مكملا عضويا للخط الذي رسمه الأنبياء والقادة الرساليون (ع)، وما يحيط بالعمل من قوى الكفر التي تترصده بشكل ذكي… كل ذلك يحتم على العمل أن يتحصن بدرجة كافية من السرية الواعية، وان يكون حذرا وفي غاية اليقظة“.
ويقول حفظه الله:
”اقدمت الحركة على ممارسة اعمال فوق طاقة المرحلة بسبب اغراءات الساحة الفارغة“.
ويقول حفظه الله:
”ان القيادة وهي الطليعة الأوعى والانضج والأجدر لم تستطع ان تغذي الحركة كتيار بروحها وخصائصها الجوهرية في الفكر والتدين والتخطيط“.
وينتهي الاخ المجاهد في حديثه الى ”ان امام الدعوة الآن طريقين: اعادة التشكيل واعادة التأسيس وبناء الدعوة من جديد“. ويقترح اعادة التشكيل وتأسيس الدعوة ويذكر لذلك ثلاث مبررات تتعلق بنوعية الدعاة المغيرين الحقيقيين الذين يجب ان تبنى منهم الدعوة وبالسرية التي فقدت الدعوة منها الكثير وبالتلاحم العضوي الذي يجب ان يزداد بين الدعوة كطليعة للوعي الاسلامي تملك نظرة معاصرة وبين الحوزة العلمية باعتبارها موطن الاصالة الاسلامية والاستفادة من تراث الحوزة في ميدان التنظيم..
ويقول مجاهد آخر:
”وعند القاء نظرة فاحصة على سيرنا السابق تبدو لنا كثرة التغيرات والظواهر المرضية. واذا اردنا ان نعزوها الى اسبابها فاننا قد نجد صعوبة ما في الامر لأن الكثير منها بدأ صغيرا حتى نما بنمو العمل واتسع باتساعه، ومنها ما تسبب من الدعاة، ومنهاما هو من الدعوة نفسها، ومنها ماهو في التنظيم وآخر في التنفيذ وآخر في السلوك وهكذا.. وبصورة عامة يمكننا ان نرجع الثغرات والظواهر المرضية الى جانبين:
الاول: خط العمل واساليب التربية.
الثاني: الدعاة، قيادة وقواعد باعتبارين:
أـ انهم مؤمنون يسعى كل منهم الى الكمال في طاعة الله ورضوانه.
ب ـ انهم كتلة منضبطة بخط الحزب وأوامره.
ولاشك ان هناك تأثيرا متبادلا وتداخلا كبيرا بين كل عناصر العمل من خط وقيادة وقواعد. فالمفروض ان تلتزم هاتان الاخيرتان بالخط من جانب وتعملان على اغنائه بالمفاهيم والافكار الجديدة التي ترى صحتها من جانب آخر. والمفروض ان يسود قانون المحاسبة بين القيادة والقواعد، وعندما يسود قانون المحاسبة ومفهوم التشاور فأن حالة من التأثير المتبادل ستعم اوساط العمل ويقترب الدعاة مما تريده الدعوة من الوسطية بين المركزية واللامركزية في التنظيم.
ويعلق الداعية حفظه الله على ذلك فيقول:
”يبدو ان حالة الوسطية هذه غير واضحة تماما لدى القيادة نفسها، فالمفروض ان تتوصل الدعوة الى اعتماد خط اصيل في ذلك وتعطيه سمة خاصة بحيث يمكن التحاكم عنده في كل صور العمل دون اللجوء الى التلفيق من اتجاهي المركزية واللامركزية“.
ويتحدث الداعية حفظه الله عن خط عمل الدعوة واهمية النظام الداخلي والخطط التنظيمية الاحتياطية. وضرورة ايجاد تسلسل جديد وحلقات مفقودة كعقبات في وجه الانكشاف. وعن توفير لجان وهيئات وكوادر متخصصة متفرغة لانجاز الاعمال بأقرب وأقصر وأضمن الطرق، وعن الموارد المالية حيث بامكان الدعوة ان تفتح مشاريع اقتصادية تؤمن الموارد المالية الكافية لحاجاتها. وعن اهمية التنظيمات المهنية. وعن اساليب التربية وضرورة ان يجد الداعية اجلى الخطوط التنظيمية في ارفع حالات الانقطاع والتبعيد.
ويتحدث الداعية حفظه الله عن الدعاة قيادة وقواعد فينتقد الاستغراق والانجرار وراء الاعمال العامة على حساب سرية العمل والواجبات الاساسية للدعوة في المرحلة الحاضرة. وينتقد عدم اعطاء الفكر السياسي وجعله في درجة ثانوية في هذه المرحلة. وينتقد رأى الدعوة القائل (ان مركز الداعية في الدعوة يحدده مقدار مايقدمه للدعوة بالفعل) ويقترح استبداله بصفات: الورع، والفن والفكر، ويقترح انشاء لجان مختصة بالتربية نظرا الى سعة معارف العصر وسعة ابواب الفكر الاسلامي وشموليته ويقترح دراسة مايسمى حركات التحرر في العالم.
وفي حديثه حفظه الله عن الدعوة والحوزة يقرران انشاء الدعوة انما جاء نتيجة طبيعية لتخلي المجتهدين عن القيام بدورهم وعزلتهم عن المجتمع وان على الدعوة ان ترجع الحوزة ومجتهديها الى خط الرسالة والقيادة، ويفضل ان يكون العضو القيادي في الدعوة مجتهدا.
انتهى ما أردناه كمثال على الانتقادات والتساؤلات، وفيما يأتي من فقرات هذا الموضوع المتسلسل توضيح لموقف الدعوة، وشكرا للمجاهدين الذين يحملون هموم الدعوة ويهيئون انفسهم لاتمام المسيرة الصعبة رغم وحشة الطريق ورغم حدة الاشواك المزروعة فيها. وانا نعاهد الله على ان نستمع القول فنتبع احسنه ونستلهم الاسلام الحق في مسيرتنا الظافرة، وان نكمل الطريق الى النهاية ”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا“.
٦ـ القلق: ونعرض له بشيء من التفصيل.
عوامل الاطمئنان النفسي: ان الاستقرار النفسي عند الدعاة يأتي من القناعات والعلاقات والصفات التالية:
-
الايمان الحقيقي بالاسلام، بالله سبحانه وتعالى ورسالته والحياة الآخرة ”قال آمنتم له قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون، لأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولأصلبنكم اجمعين، قالوا لاضير انا الى ربنا منقلبون“.
-
الذكر الحقيقي لله سبحانه وتعالى ”الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب“.
-
الاعتقاد بضرورة العمل المنظم وانه الطريق الذي يؤدي الى رضوان الله سبحانه وتعالى وان الدعاة في هذا الطريق يبيعون انفسهم ابتغاء مرضاة الله ”ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله“.
-
تصور الداعية لمسيرة الدعوة في المجتمع وما يعترضها ويحيط بها من عقبات تصورا عمليا، أو تصديق التصورات العملية التي تنقلها اليه الدعوة لأن التصور العملي للمسيرة لايتأتى لجميع الدعاة دفعة واحدة وانما يتأتى للأكثر انغماساً بالعمل والاكثر عيشا لقضيته والأكثر التقاطا للمؤشرات الصغيرة وادراكا للامور وربطا بينها، فأن نعم الله على الناس متفاوتة.
-
الشجاعة الشخصية كصفة ذاتية تعين الداعية على اقتحام الصعاب، والأطمئنان في اداء الاعمال الصعبة، وما اكثرها في طريق العمل الاسلامي.
-
الصبر على مكاره الطريق الطويل الصعب ذات الشوكة، وتوطين النفس على العمل بطريقة النفس الطويل توطينا حقيقيا بحيث يتوقع الداعية المكاره، وعندما تقع عليه يصبر.
-
الثقة الكاملة بمجموع العمل من ناحية صحة المبدأ ووضوح الطريق وحسن الاساليب وصحة واخلاص التوجيه وادارة دفة التنظيم.
-
العلاقات الحسنة بين المسؤولين والدعاة، ودوام الاتصال المنتج منهم.
-
طاعة الداعية لأوامر الدعوة ومواصلة العمل في كل الظروف، حتى عندما يجد الداعية نفسه غير مقتنع بوضع تنظيمي أو اسلوب عملي تطلب الدعوة التنفيذ من خلاله.
-
الالفة النفسية وحب العمل والعاملين في سبيل الله بحيث لاتتأثر هذه الالفة بالصعوبات المحيطة والأذايا تأثرا عميقا ومستمرا.
-
رؤية أو ملاحطة نتائج العمل في المجتمع، ورؤية أو ملاحظة بوادر النجاح في تحقيق الهدف عند تطبيق الاساليب العملية.
حالة القلق:
الاصل في الداعية ان يكون مستقر النفس واضح الرؤية ماضيا في امرربه، لأنه اهتدى الى الطريق الذي ينجيه في الحياة العليا وان كان يتوقع المصاعب في الحياة الدنيا > ”ان الجبل ليستقل منه والمؤمن لايستقل من ايمانه“ > ”رحم الله مالكا لو كان جبلا لكان فندا ولوكان صخرا لكان صلدا“.
وينقسم القلق الذي يصيب الداعية الى: قلق فكري يأتي من عدم وضوح الفكر أو عدم وضوح الواقع، وقلق نفسي يأتي من خلل في شخصية الداعية، كما ينقسم الى: قلق طاريء يزول بزوال سببه، وقلق مستحكم يطبع شخصية صاحبه.
وعندما يتنبه الداعية القلق الى حالته عليه ان يبادر الى معالجتها ويطلب معونة الدعوة بتوضيح الفكر والواقع وارشاده الى الاسباب النفسية لقلقه ومساعدته بأزالة مايمكن من اسباب قلقه. واذا فشل الداعية في التغلب على قلقه فالذي يحدث عادة ان ينطوي على نفسه وينصرف عن عمل الدعوة الى شؤونه الشخصية وهواجسه. وفي بعض الحالات يتأزم الداعية وينشر قلقة في من حوله. وفي بعض الحركات ينتشر القلق من القاعدة الى القمة أو بالعكس فتصبح الحركة قلقة. وفي كل مسيرة اسلامية يوجد افراد يمرون في حالة قلق فيرتابون، وآخرون يستحكم عليهم القلق فيتراجعون. ولم تخل دعوة من دعوات الانبياء والائمة (ع) من حالات القلق الطارئة والمستعصية والدعوة تعمل على معالجة هذه الحالات.
تاريخ الدعوة مع القلقين:
صادفت دعوتنا المباركة في طريقها الصعب الطويل عدة حالات من القلق وأكثرها من نوع القلق النفسي وان كان اصحابها يلبسونها أثوابا فكرية: أول هذه الحالات في أواخر حكم عبد الكريم قاسم عندما أحس البعثيون بمسيرة الدعوة وكانوا تنظيما صغيرا لايتجاوز العشرات وكان الانكليز يهيؤون للاطاحة بعبد الكريم قاسم، فقام احد اركان البعثيين بعملية تخويف لمراجع التقليد وحذرهم من ان جماعتكم يعملون في السياسة. وأثرت حرب الاعصاب هذه قلقا لدى بعض المراجع فأمر اتباعه بالانسحاب من الدعوة، وقامت الدعوة بمعالجة هذا القلق فتغلب عليه بعض الدعاة واستسلم له البعض فتراجعوا. وقد تعلل بعضهم بعدم رضا المرجع، وآخربالاستشكال الفقهي في مسألة ميزانية الدولة الاسلامية وانه هل يجوز خلط الموارد المالية المختلفة في خزانة مالية واحدة. وتعلل آخر بأنه سيخدم الدعوة وهو خارج تنظيمها اكثر مما يخدمها وهو فيها.
وصادفت الدعوة بعد ذلك حالة اخرى، فعندما انتظمت جموع المؤمنين في مسيرة العمل رأى بعض الدعاة في انفسهم الكفاءة للمشاركة في قيادة الدعوة بحكم أن فيهم من شارك في التأسيس فقاموا بمحاولة انشقاق واصدروا نشرة في منطقتهم،ووفق الله الدعوة وتجاوزت محاولة الانشقاق وانتظم الدعاة مجددا في مسيرة الدعوة، ولكن بعضهم حصلت له بعد ذلك حالة قلق ولم يتمكن من التغلب عليها فتراجع.
ثم صادفت الدعوة حالات من القلق عند بعض الدعاة كانت في الغالب حالات اعتيادية عالجت بعضها وتخطت البعض الآخر.
ثم وقعت الهجمة الاستعمارية الشرسة على الدعوة فظهرت عند بعض الدعاة حالات من القلق وعلى الاخص عند بعض المهاجرين، وسرت مظاهر القلق من داعية الى آخر في بعض الاحيان وتوقفت عند البعض بسبب سريان الاطمئنان النفسي من المطمئن الى القلق في احيان اخرى. فعندما كان يواجه الداعية القلق داعية آخر عنده اهلية القلق يسري اليه القلق المبلور على شكل تساؤلات، أو اثارة شكوك حول العمل أو تنظيم العمل أو حول اشخاص مرموقين في العمل. وعندما يواجه الداعية القلق داعية آخر مطمئن النفس تنحل الشكوك ويعود الى الاستقرار.
نماذج من اسباب القلق ومظاهره:
-
ضغط السلطة المتزايد على الدعوة وبروز الصعوبات العملية على الدعاة نتيجة المطاردات البوليسية والمراقبة والاعتقالات ومشاق الهجرة وآلامها… حتى بدأ للبعض ان العمل الاسلامي سلسلة من المحن يتعرض لها العاملون.
-
صعوبة الاتصال بين المسؤولين والدعاة نتيجة الظروف الصعبة والاعتقال وتأخير تعيين مسؤول محل مسؤول آخر.
-
غياب بعض القيادات سواء بالاستشهاد أو السجن.
-
التفاوت في تقدير الاوضاع العامة واوضاع العمل بين قيادة الدعوة وبعض الدعاة.
-
الشعور بالتفوق لدى بعض الدعاة حيث وجدوا انفسهم يقودون خطا من العمل وقد استوعبوا ثقافةالدعوة ونظروا الى السلوك العملي الذي اعتادوا السير فيه على انه امر اعتيادي يمكن القياس عليه، وتصوروا أو وجدوا في بعض الاحيان ان المسؤول عليهم في مستواهم أو دون مستواهم واستنتجوا ان بامكانهم الانفلات من التنظيم والاستقلال في العمل تسهيلاً وتبسيطا ساذجا للعمل الاسلامي الاجتماعي والسياسي المعقد ومسيرته وظروفه المتجددة.
-
يتخلف لاسباب كثيرة بعض الدعاة من مواكبة الدعوة السائرة الى الامام بخطها المستقيم فيجد ان هناك فجوة بينه وبين الدعوة ويقع اسيرا في بعض اوجه تفكيره للمفاهيم الراكدة وهواجسها. ولذا نشاهد بين حين وآخر افكارا راكدة تطفو على سطح العمل في اقليم أو آخر من الاقاليم التي تعمل فيها الدعوة على شكل تشكيك في بعض الاعمال أو بعض الاساليب أو بعض الافكار وادعاء الخوف على مسيرة الدعوة. ان هذا المنطق يصدر من موقع متخلف عن العمل ويكون الكلام والتصور بعيدا عن الواقع الفكري والعملي للدعوة.وفي النقاط التالية امثلة لهذا المنطق المتخلف الذي هو جزء من مظاهر القلق النفسي لدى بعض الدعوة.
-
اشاعة ان الدعوة متأثرة بحزب كذا أو تيار كذا مع ان الواقع الفكري والعملي المشاهد لكل ذي بصيرة وهمة في العمل الاسلامي يؤكد خلاف ذلك. ان مسيرة الدعوة متميزة عن مسيرة الاحزاب الاخرى اسلامية كانت أم غير اسلامية، وفكرها وخطها الصحيح لاتشوبهما شائبة والحمد لله، وهما يزدادان تبلورا ووضوحا مع مسيرتها.
-
تصور البعض ان الدعوة ضاعت بين مراحل العمل المرسومة، نتيجة لاختلاط بعض المفاهيم التنظيمية مع بعض الوقائع التي حدثت والاعمال التي قامت بها الدعوة أو نتيجة للجهل بالظروف المعقدة التي احاطت بمسيرة الدعوة. بينما الدعوة تسير بخط ثابت ومستقيم مهما تكن ردود الفعل للمستعمرين وعملائهم ازاء مسيرتها الظافرة بعون الله.
ان كل فكر يعتمد على افتراض خاطيء يكون خاطئا ولذلك فان كل مايبتنى على التفسير الخاطيء لمسيرة الدعوة يكون خاطئا ويؤدي الى ضياع حزبي. واذا ظن الداعية الخلط بين المراحل المرسومة للدعوة فعليه الاستفسار من الدعوة.
-
النظرة الى ثقافة الدعوة وكأنها انتاج فردي يصدر عن تصور للعمل وكأنه مجموعة نشاطات اسلامية يقوم بها الدعاة، مع ان العمل هو نشاط اسلامي جماعي يقوم به الدعاة يصب في مصب واحد.
ان ثقافة الدعوة الايمانية والاسلامية والعامة مأخوذة من مصادرها الصحيحة باختيار مقصود، ومصاغة ضمن الخط العملي للدعوة بصياغة حيوية ومؤثرة، وهي انتاج دعاة يعيشون العمل عيشا مباشرا، فهي من انتاج تيار الدعوة وليست من انتاج فلان وفلان لأن فلانا بمجرد أن يتخلى عن العمل يفقد قدرة الاختيار الصائب والصياغة الحيوية المؤثرة، وعندنا تجربة فريدة في هذا المجال.
وان الثقافة التنظيمية والسياسية هي قراءة لواقع تنظيمي وسياسي معاش ينطوي على رؤى مستقبلية اثبتتها الايام والتجربة وهي انتاج دعاة يعيشون العمل عيشا مباشرا وليست نتاج اشخاص بوجودهم الشخصي.
ولذلك فأن مقولة (فكر الدعوة هو القائد) هي مقولة صادقة وحقيقية فالفكر المكتوب هو الموجه وهو الذي يدير العمل ولايمكن لشخص أو لمجموعة اشخاص ان يديروا دفة العمل دون قيادة الفكر. وان صوت الدعوة هي الفكر المركزي والخط المستقيم وهي النبراس كما قال الشهيد أبو عصام رضي الله عنه وأرضاه.
ان الكتابة المركزية في الدعوة ليست احتكارا على أحد وانما هي نتاج التلبس في العمل والعيش الكامل معه وله. مع البعد عن كل ما هو ذاتي واناني وفردي. ونعني بالعيش الكامل في العمل وله: التفكر الدائم بالعمل الاسلامي من خلال الاسلام والتفكر الدائم بالدعاة وانتاجهم وحياتهم بما تتسع له دائرة العمل، والتفكر الدائم بالمسلمين في كل اقطارهم والاهتمام الدائم في مصالحهم الفعلية والمستقبلية والتفكر الدائم بمكائد وخطط اعداء الاسلام لضرب العمل الاسلامي والكيد بالمسلمين. ونعني بالتلبس في العمل: الالتزام بالاسلام واداء فروضه والتخلق باخلاقه.
ان من لايتمكن من هذا كله لايتمكن من الكتابة التنظيمية والسياسية للدعوة، ولايتمكن من الكتابة الايمانية والعامة الملائمة لتوضيح السلوك الصحيح للداعية.
ان النظرة الى ثقافة الدعوة بغير هذا المنظار تخلف واضح عن العمل الاسلامي.
-
العودة الى شبهة الحوزة والدعوة وقيادة الحوزة والعمل الاسلامي المرجعي والحزبي،والعمل الشرعي وغير الشرعي، لقد اثيرت هذه المقولات في اوائل الستينات وقد كتب احد الذين خاصموا الدعوة كتابا عن العمل للاسلام شرح فيه فكرة العمل المرجعي. وبعد الهجمة الشرسة وما نتج عنها من التباسات على بعض الحوزويين والدعاة ظهرت هذه المقولات على بعض الألسنة بأشكال مبلورة وكثر حولها الكلام وكان في الغالب يفتقر الى الموضوعية وينطلق من منطلقات شخصية. واندفع بعض الدعاة في نقد المرجعية والحوزة واندفع بعض الحوزويين في نقد الدعوة والعمل الحزبي.
ان على الدعاة، وخاصة القلقين الذين لم يستوعبوا خط الدعوة في هذه المسألة ان يتفهموا النقاط التالية:
-
أ. في خط الدعوة المرسوم لااثنينية بينها وبين الحوزة. فالدعوة حركة منظمة لاعادة الامة الى الاسلام. والحوزة وجود يفترض فيه ان يحمل الاسلام ويدعو الامة اليه. ومن الطبيعي ان يستجيب للدعوة عدد من اوساط الامة المختلفة وعدد اكبر من وسط الحوزة، كما انه لايستجيب للدعوة عدد من اوساط الامة بما فيها وسط الحوزة. وان للدعوة نظرة ثابتة الى الحوزة ككل. ونظرة الى الطلبة والعلماء غير المجتهدين، ونظرة الى العلماء المجتهدين.
-
ب. ان نظرة الدعوة الى الحوزة العلمية ككل انها امتداد تاريخي لمجموعة الفقهاء والمبلغين الذين اخذوا الاسلام من مصادره وحافظوا عليه ودعوا الامة اليه. وهي الآن بوجوداتها المتعددة في المراكز العلمية وفي بلاد المسلمين وجود هام في الامة ووسط هام من اوساطها، تتبنى الدعوة المحافظة عليه والنهوض به حتى يصبح كيانا فاعلا يأخذ موقعه الرائد في حركة تغيير الأمة بالاسلام. ومن أجل الوصول الى هذا الهدف تعمل الدعوة على حماية الحوزة من اعداء الاسلام وتخليصها مما فيها من السلبيات والاستفادة مما فيها من الايجابيات ودفع طاقات جديدة من ابناء الامة للانضمام اليها.
-
ج. وان نظرة الدعوة الى طلبة الحوزة والعلماء غير المجتهدين ان الواحد منهم جزء من الحوزة تتبنى الدعوة الاهتمام به والحفاظ عليه ودفعه ليأخذ موقعه في قيادة الامة وتغييرها بالاسلام. وانه سواء مع بقية المسلمين في انه مقلد للمجتهد أو عامل بالاحتياط. وانه قد يتميز عن غيره من المسلمين في كمية الاحكام الشرعية والمفاهيم التي يحملها أو في الاخلاص والعمل والخبرة في مجال ما الخ.. وقد يتميز غيره عنه.
-
د. وان نظرة الدعوة الى المجتهدين تميز بين الموقع الذي يعطيه لهم الاسلام، وبين الموقع الذي تعطيه لهم الامة، والموقع الذي يرضاه الواحد منهم لنفسه.
اما الموقع الذي يعطيه الاسلام للمجتهد فهو مسألة اجتهادية وقد اختلف المجتهدون فيما استفادوه من نصوص الاسلام ومن الادلة العقلية: فذهب بعضهم الى ان الاسلام اعطى المجتهد حق العمل برأيه والافتاء وحق القضاء فحسب وانه فيما سوى ذلك كغيره من المسلمين. وذهب بعضهم الى ان الاسلام اعطى المجتهد الولاية العامة على الامة في كل الامور شبيها بولاية النبي والائمة عليهم السلام الخ…
والرأي الذي تتبناه الدعوة ان للمجتهد ولاية ليست من نوع ولاية المعصومين عليهم السلام وانها ككل ولاية شرعية مشروطة بالكفاءة فيما يستعملها فيه وانما يحتاج اليها في رفع بعض احكام الحرمة التي تحتاجها ادارة شؤون المسلمين ولذلك لايتمكن الحاكم من ادارة الحكم الا اذا كان مجتهدا أو موكلا فيما يحتاج اليه من مجتهد، كما قد يحتاج اليها في رفع بعض احكام الحرمة في مسيرة الدعوة قبل اقامة الحكم. وتفصيل ذلك في مجال آخر.
واما الموقع الذي تعطيه الامة للمجتهد فيتفاوت في اوساطها حسب وعيها للاسلام وجهلها به وتأثرها بأفكار الاستعمار في فصل الدين عن الدولة الخ.. وبشكل عام فأن الامة تنظر الى المجتهد نظرة احترام وقبول يجعل المجال مفتوحا امامه اكثر من غيره لقيادة الامة في طريق التغيير بالاسلام. وان كان تمييز الامة بين العالم المجتهد والعالم المقلد تمييزا قليلا وضعيفا. وهذه نقطة ينبغي ان يعيها الدعاة ويوعّوا عليها.
واما الموقع الذي يأخذه المجتهدون فعلا من حياة الامة أو يريدونه لأنفسهم فالمجتهدون الموجودون ثلاثة أقسام، فأكثرهم يطمحون الى مرجعية في التقليد وبعض الشؤون العادية في حياة الامة، وليس من نيتهم ان يتبنوا قضية تغيير الامة بالاسلام. وبعضهم يطمحون الى مرجعية في التقليد والعمل في الخط الاصلاحي في الحوزة والامة. وقليل منهم يعملون في الخط التغييري.
والدعوة التي اعطت منذ تأسيسها ولازالت مجتهديها دورهم القيادي تعمل على دفع المجتهدين جميعا لأخذ موقعهم في قيادة الامة وتغييرها بالاسلام وتتعامل معهم حسب عطائهم التغييري أو الاصلاحي.
-
ه. ان الواجب الكفائي في ان يكون في الامة في كل عصر عدد كاف لسد احتياجها من المبلغين والمجتهدين غير متحقق الآن في نظر الدعوة، فعدد المبلغين والمجتهدين لايغطي حاجات الامة خاصة بالنظر الى النقص في نوعياتهم، وستزداد حاجة الامة الى المبلغين والمجتهدين بتأثير الدعوة فيها. ولذلك تتبنى باهتمام دفع اصحاب القابليات من ابناء الامة للدراسة في الحوزات العلمية لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم. وتتبنى بشكل خاص دفع اصحاب المواهب والاخلاص من طلبة الحوزة وابناء الامة لمواصلة دراستهم وبلوغ رتبة الاجتهاد وتبذل لهم المساعدة الممكنة.