العمل مع الأمة

صدر في محرم الحرام ١٣٩٩ هجري

ان بناء الحزب في الاساس هو وسيلة لابد منها للتأثير على الأمة وتغييرها وايجاد النهضة فيها عن طريق اعادتها الى الأسلام.

وسنستعرض من مجالات العمل بين صفوف الامة مايمكننا التحدث عنه، وسيدور الحديث في المجالات التالية:

  • التوعية الاسلامية.

  • العلاقة مع الحوزة.

  • العلاقة مع الاحزاب والتجمعات.

  • العلاقة مع الجماهير.

التوعية الأسلامية:

بذلت الدعوة جهودا كبيرة في نشر التوعية الاسلامية والسياسية، واحدثت مدا من النشاط الواسع والتأثير الواسع في الأمة.

استمع المسلمون وعلى مدار الايام وفي بقاع واسعة في العالم الاسلامي لآلاف الخطب الاسلامية التي تشرح لهم احكام الاسلام وتبين لهم الافكار وتوضح لهم المفاهيم الاسلامية وتريهم الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشون فيه.

واستمعوا الى مئات القصائد التي تثير فيهم النخوة وترهف احساسهم وتؤجج عواطفهم.

استمع المسلمون الى كل ذلك من على المنابر وفي الاحتفالات والمهرجانات والمسيرات والمناسبات ومن المساجد والحسينيات وفي المراكز والتجمعات المختلفة.

وقرأ المسلمون آلاف المقالات والابحاث والمنشورات والكتيبات والكتب التي تبين بعض معالم الاسلام وبعض معالم الواقع الذي يعيشون فيه. وظهرت مجموعة من المجلات واختفت، وتظهر من جديد حسب مايحيطها من ظروف وما يتاح للمسلم من حرية الفكر والعمل.

وشاهد المسلمون اساليب عمل جديدة، وتجديداً لأساليب متوارثة فأصبحت وكأنها جديدة، يتجمع الناس في حشود كبيرة تسير بهدي الشعارات الاسلامية، وفي نشاطات كثيرة تبشر بعودة الحركة الاسلامية الى ربوع الامة.

تحول مجموعة من العلماء المسلمين كانوا في عزلة عما يحدث في الحياة السياسية حولهم.. تحولوا الى قياديين يحركون الأمة نحو الاسلام. واخذ عملاء الاستعمار رغم مالهؤلاء العلماء من حصانة اجتماعية يقومون بمضايقتهم واضطهادهم.

وظهر مجموعة من المفكرين الاسلاميين صدر عنهم الفكر الاسلامي الصحيح والفكر السياسي الواضح، والعمل التنظيمي المؤثر لتغيير معالم المجتمع من مجتمع راكد الى مجتمع يملؤه الاسلام حيوية.

وظهرت آثار التوعية على البعض من المفكرين المسلمين المثقفين بالثقافة العامة السائدة، وعلى البعض من السياسيين ممن لم يتعاطفوا مع العمل الاسلامي. فظهر على السطح العام التفكير في جذور المشكلة الاجتماعية والسياسية في البلاد الاسلامية بعيدا عن نقل النظريات الفكرية الاوروبية واللبرالية والماركسية والفاشية.

وتحولت نظرة مجموعة من الناس من حالة اليأس من عودة الاسلام الى الحياة أو عدم التفكير في الامر نهائيا الى حالة الأمل بسيادة الاسلام مرة اخرى. وعادت مجموعة كبيرة من المسلمين الى الالتزام بالاسلام بعد ان كانوا ابتعدوا عنه.

وظهرت موجة جديدة من التدين على النشء الجديد في كثير من الاوساط وبشكل واضح في المساجد والمدارس والجامعات في ظروف اعلامية وسياسية تحاول ان تحبط كل عمل اسلامي.

واصبح الاسلام بحول الله قوة محلية مؤثرة من جديد في اقليم من اقاليم المسلمين بفعل الدعوة الاسلامية، وهو في طريقه لأن يكون قوة مؤثرة في اقاليم اخرى.

ان اعمال التوعية الاسلامية اتسع نطاقها، وحدثت طفرة كمية في الاساليب المتنوعة التي ظهرت في الساحة بتوفيق من الله. ان المأساة التي حدثت على الدعوة في العراق انتجت غير مايأمل الاستعمار وعملاؤه فقد نمت الدعوة ونمى اثرها على الأمة. يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ. وكان رد فعل الاستعمار الكافر من هذا الظهور الاسلامي ان ابدل العملاء بعملاء صفتهم الاولى انهم جلادون ليحاربوا العمل الاسلامي. وبالفعل نفذت الخطة الاستعمارية على ايدي حكام العراق، ولكن خطة المستعمر الانكليزي باءت بالفشل وان ظن انه نجح في ازالة العمل الاسلامي واثره على الامة. وان استمرار العمل الجدي بعيدا عن حبائل الاستعمار سيدفع الى الحياة موجة جديدة من الأثر الاسلامي وستحبط جميع خطط الاستعمار بحول الله. وسيظهر اثر هذا الاتساع في التوعية على اكثر من جهة: فسوف يتسع ادراك المفاهيم لدى فئات واسعة من المسلمين في انحاء واسعة من العالم الاسلامي. وسينجذب الى الاعمال الاسلامية افواج من العاملين في سبيل الله من اتباع كل المذاهب الاسلامية تأثرا بهذه الاساليب الخيرة.

وعلى الدعاة ان يفكروا بتوسيع وتنويع اساليب العمل للتوعية الاسلامية بجميع الاتجاهات:

  1. ان الصحافة الاسلامية احدى الوسائل المهمة في نشر التوعية، وكذلك العمل في مجال الصحافة العامة.

  2. التغلغل في مراكز التأثير أنى يتيسر ذلك، وذلك بالاتصال المباشر بها والتأثير عليها بتقويم الافكار العملية المستساغة.

  3. استعمال الاذاعة والتلفاز والتسجيل والنشرات العلنية والمسرح وغير ذلك من وسائل التأثير على الناس.

  4. اعطاء المفاهيم الاسلامية والتوعية السياسية يأتي على مراحل، وتختلف المناطق بعضهاعن بعض في هذا الموضوع، ويختلف الناس بعضهم عن بعض في هذا الموضوع. وكمثال على ذلك:

في أوساط المتزمتين تبّين مفاهيم شمول الاسلام لكل شيء، قبل القول بأن الاهتمام بالسياسة جزء من الاهتمام بالاسلام.

في اوساط الحزبيين تبين المقولات الاسلامية الحركية والمقولات المعادية للاستعمار قبل مقولات العقائد والعبادات.

يقول احد الدعاة حفظه الله في سياق تقرير كتبه:

”سوف لايكتفي المسلمون بالكلام.وسيجاهدون ويقدمون التضحيات التي ستكون شاهدا ناطقا على صدق ولائهم للاسلام وعلى صدق نيتهم من اجل التضحية في سبيله. ويكون للدعوة شرف المشاركة مع الامة بثقل اكبر في مناسباتها وجهادها بتخطيط وحكمه. ويكون للسلطة فرصة اتهام الدعوة بتدبيرهذه التحركات وسوف تقف الامة المشتعلة عاطفيا والمدربة عمليا الى جانب الدعوة، وهذا مانسميه بالمرحلة السياسية.

نحن لاننتظر ان يلتزم الافراد بما يلتزم به الدعاة. ان المشاركة الفعالة مع الامة في تحركها سينقلنا الى المرحلة السياسية، المشاركة تعني الشيء الكثير، والمهم فيها ان ينجذب الينا الملتزمون اسلاميا من الناس. وهذه ليست دعوة للانجرار وراء الاحداث حتى تصل الى حد الخروج عن المرحلة وطبيعتها“.

انتهى كلام الداعية حفظه الله.

ان العوامل التي تحدد موقفنا من الاحداث تتحدد بأمور ضمن الاحكام الشرعية. وهذه الامور هي: مصلحة الامة العليا. مصلحة الدعوة الاسلامية. علاقة الحادث بالنفوذ الكافر. الظروف التي تحيط بالعمل. وعندما تقوم الجماهير بأعمال اسلامية انما تقوم بها تأثرا بالدعوة التي نشرت الوعي الاسلامي والسياسي بينها، وليس للدعوة طريق الا ان تكون دليلا ومنظمة لهذه الجماهير، على ان تعي الدعوة مدى تحرك الجماهير ومدى وعيها على ابعاد التحرك.

ومشاركة الجماهير هذه لا تخرج الدعوة عن مرحليتها. ان المرحلية تعني القدرة على صنع الاحداث أما السير مع الاحداث فهو دليل الاندماج مع الامة وعدم الانعزال والتقوقع.

والمرحلة السياسية هي المرحلة التي تصنع الدعوة فيها الاحداث في صراعها السياسي، والمشاركة التي يعنيها الداعية حفظه الله ليست من المرحلة السياسية ولا تجرنا الى المرحلة السياسية.

العلاقة مع الحوزة:

علاقتنا بالحوزة علاقة ثابتة لا تتغير، فهي احدى المؤسسات الرئيسية التي لا تغيب عن اذهاننا، ونعتبر ان مصالحها جزء من مصالح الدعوة العليا، وما يؤذي الحوزة يؤذينا وما ينفع الحوزة ينفعنا. ويأخذ اعداء الاسلام هذا الامر في اعتبارهم، فعندما حاربوا الدعوة ابتدؤوا بالحوزة، وعند ما استمرت عمليات مطاردة الدعاة احاطوا الحوزة بحزام كثيف من الجاسوسية

ان الالتقاء بين الدعاة واصحاب الهمم من الحوزة واسع باتساع النشاطات التي يمارسونها حتى تكاد تتطابق في بعض الحالات.

ان التفكير في سلامة الحوزة طرح على بساط البحث في اوساط الدعوة منذ بضعة عشر سنة عند ما رأت الدعوة ان الجهات العميلة في العراق وايران تعمل وسعها بتخطيط من الاستعمار الغربي بجميع فئاته لضرب الحوزة واضعافها. وبدأنا نفكر في كيفية اتقاء الاضرار المحتملة من هذه الهجمة الاستعمارية. وكنا ننقل مخاوفنا الى المرجعية وزعامات الحوزة لتكون المشاركة في التصدي للمؤامرة بأوسع نطاق.

ان ضرب مراكزالاشعاع الاسلامي احد اهداف الاستعمار الأساسية في المنطقة. ويتولى الامريكان والانكليز هذه السياسة في قلب العالم الأسلامي.

انطلقت الدعوة في بدايتها مستفيدة استفادة كلية من الامكانات المتاحة في الحوزة،وكان زعيم الحوزة السيد الحكيم أسكنه الله فسيح جنانه ذا أفق واسع في استيعاب ابعاد المشكلة السياسية في العراق الامر الذي هيأ للدعوة فرص نشاطات واسعة لم يكن في امكانها بلوغها لو لا هذه العلاقة المتينة التي بين الدعوة والحوزة. واستمرت العلاقة المتينة بين الدعوة والحوزة وستستمر لأنها علاقة ثابتة لا تتغير. وان مايطفوا من حساسية من الدعوة من بعض افراد الحوزة، وما يتصور من وجود حالة منافسة سيتلاشى بفعل الدعوة وسيرها. فلا منافسة ولا اثنينية بين الدعوة والحوزة, ولا بين الدعوة وكل الوجودات الاسلامية في الامة، وليست الدعوة بديلا عن هذه الوجودات وانما هي بديل عن الاستعمار الكافر وعملائه ومسيرة تنظم فيها وتسير معها كل الامة بكل فئاتها وفاعلياتها.

لماذا كان التكوين الحزبي غير كامل عند العديد من الدعاة في الحوزة؟

ان موقع العلماء الاجتماعي يجعل الطالب في الحوزة يفتش عن المدرس الجيد لأن وقت المدرس الجيد محدود ولا يتسع لأكثر من طاقته. وينتج عن ذلك اعتزاز التلميذ بمدرسه وتأثره به ونشوء العلاقة الشخصية القوية بينهما. يضاف الى ذلك الراتب الشهري والمساعدات غير المنتظمة تصل الى الطالب من عدد محدود من العلماء ذوي المواقع الاجتماعية. وعندما ينتقل الطالب الى مركز العالمية في البلاد والقرى بعد ان ينهي المرحلة الدراسيه التي يكتفي بها يعمل للحصول على الوجاهة والقيادة. ويكون ارتباطه بمرجع معين امرا اساسيا في نجاحه فيوجه المتدينين الى تقليد ذلك المرجع ويستمد منه التأييد.

ان هذا الوضع في الحوزة والمجتمع يجعل الطلبة والعلماء يتنافسون على الخدمة العامة، واجتذاب الانصار والاتباع، ويؤدي الى تنمية الروح الفردية على الأعم الأغلب.

ومن ناحية ثانية: فأن طريقة الدراسة في الحوزة العلمية عامل آخر في عدم تكامل البناء الحزبي لدى الطالب. فعمل طلبة العلوم الدينية ينحصر بشكل اساسي في الدراسات الاسلامية لعلم الاصول والفقه وما يتصل بهما. وابحاث هذين العلمين تكتب باصطلاحات وتعابير تبلورت وتنامت بمرور الايام، ويحيط الطلاب الكتب الفقهية والاصولية ذات المستوى العالي بأطر ضخمة من الاعجاب والتقدير والاجلال.. ونظرا لعدم تطبيق الشريعة الاسلامية في الحياة فان الدراسة الاسلامية تحولت الى دراسة نظرية لا دراسة تطبيقية في اكثر الاحكام المتعلقة بالامور العامة، خلافا للطريقة الاسلامية في الدراسة.

بسبب هذين العاملين فان افكار الدعوة تحتاج من الطالب المتربي والمتعود على الروح الفردية وعلى اسلوب الدراسة النظرية ان يتجاوز هاتين الحالتين وعند ذلك يشق طريقه ويتبوأ مركزه في العمل بجداره. اما الذي يعيش الروح الفردية أو الذي ينظر الى النشرة على انها غير ملزمة فيبقى على هامش العمل مهما كانت صفته العلمية.

ويجد العالم الداعية صعوبة كبيرة في عملية التغيير الفكري والنفسي التي يتطلبها منه انسلاكه في الدعوة، وتأتي الصعوبة من الانتقال من التفكير النظري والسلوك الفردي الى التفكير العملي والسلوك الجماعي. وقد وضعت الدعوة المتخصصين في العلوم الاسلامية والمتفرغين للدراسة والتدريس في صفوفها موضع الصدارة عندما يلتحقون في العمل بصرف النظر عن الامور الحزبية الاخرى لأن لهم مزية الاطلاع على الاحكام والافكار الاسلامية التي هي روح العمل الاسلامي. وصار هذا الامر تقليدا تركز في الدعوة ولازالت تأخذ به.

كانت الحوزة العلمية اول المجالات الحيوية التي عملت الدعوة في ربوعها لقربها المبدئي والاجتماعي من الدعوة، ولكون الحوزة اذا تأثرت فعند ذلك يتقدم العمل الاسلامي بطريق الطفرة.

وكان اثر الدعوة الأولى على الحوزة هو بداية تحويل مجرى التفكير العلمي لأجل التعمق العلمي ـ أو مجرى التفكير العلماني كما عبر عنه الشهيد ابو عصام رحمه الله في بعض مواقفه ـ الى مجرى تفكير علمي اسلامي يبحث عما يحتاجه المسلمون في مجال صراعهم مع الفكر المادي المعاصر، ويقدمه لهم ليأخذوه في حياتهم يطبقونه ما استطاعوا ويعملون لتطبيقه ما استطاعوا.

وهذا العمل هو انتصار عظيم من انتصارات الدعوة التي لايمحى اثرها والحمد لله، وسيظهر اثرها العميق بمرور الأيام، وسيعجز الاستعمار وعملاؤه بما يملكون من قوة وامكانيات من ايقاف زحف هذا الاتجاه الاسلامي السليم في التفكير والذي سيساهم مساهمة فعالة في رفع منارة مفاهيم الاسلام عالية لتشع على العالم الاسلامي. وسيساهم مساهمة فعالة في ايجاد تيار فكري اسلامي كاسح في جميع انحاء العالم الاسلامي. وسيتكامل عمل الدعوة والحوزة في هذا المجال بحول الله وقوته.

وكان الأثر الثاني للدعوة: انصهار مجموعة من خيرة الطلبة والعلماء في الدعوة ممن تساموا على التربية الفردية متصفين بالاخلاق الاسلامية النقية الطاهرة. وانتشر في بقاع واسعة من العالم الاسلامي علماء يؤمنون بالعمل الاسلامي وعودة الاسلام الى الحياة من جديد، وظهر فيهم اسلوب جديد في التعامل مع الناس لم يؤلف لدى الناس في هذه الايام، ولانعرفه الا في بطون كتب التاريخ عندما نقرأ تاريخ امتنا المشرق.

ومن آثار الدعوة على الحوزة والمجتمع ظهور مدرسة جديدة للمنبر الحسيني ولأحياء ذكرى ثورة سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام، حيث تبدل اسلوب عرض تاريخ الملحمة الحسينية الخالدة.. فقد صدرت دراسات متعددة تربط ثورة الامام الحسين عليه سلام الله الاصلاحية بالمفاهيم الاسلامية، وكمثال بارز يحتذيه المسلمون لتصحيح الاوضاع وتغييرها، وابراز النصوص الاسلامية الحسينية كمفاهيم للعمل.

ان السلطات العميلة في العراق التي كانت لاتأبه للموسم الحسيني في المحرم اصبحت تحسب له ألف حساب.

وهذه نبذة من تقرير عن احداث محرم ١٣٩٧ هجري:

”خرجت الحشود المؤمنة في النجف الاشرف معلنة سخطها على الظالمين الذين يحاولون منعها من اداء ما اعتادت عليه في احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام في المحرم الحرام، واستطاعت الجماهير في ليلة العاشر من المحرم الحرام ان تتحدى اجهزة التجسس والقمع الذين لم يألوا جهدا في التضييق عليها وارهابها ومحاولة خنق تحركاتها في هذه المناسبة، وكان ذلك العمل من الاساليب التي كان لها رد فعل هام لدى مجموعة كبيرة من الناس فقد تشجع الكثيرون على مواصلة مواقفهم الاسلامية البطولية بالرد بعنف على الاذناب والعملاء…

ولم تمض الا أيام قليلة من شهر صفر حتى استدعى مدير أمن النجف الذي نقل الى النجف من مدينة كربلاء بعد ابعاد مدير الأمن السابق عبد الامير العامري ـ استدعى عددا من رؤساء المواكب الحسينية ومن الافراد الذين عرفوا بالاهتمام والنشاط لاقامة العزاء الحسيني واجتمع بهم وتوعدهم ان قاموا بتحريك ساكن، واغلظ لهم القول. وكان رد الجميع من الحاضرين عليه بأنه لايمكن عمل أي شيء والامة غير قادرة على القيام بأي شيء.

وانهم ليس لهم اثر بما يجري في الساحة. وكان الاعداد الشعبي قائما على قدم وساق لاحياء الذكرى الحسينية بالرغم من معارضة السلطة وتشددها غير الاعتيادي.

وقد قام بعض المندفعين من انصار الحسين عليه السلام بلصق منشورات مخطوطة على جدران المحلات في السوق الكبير وفي الشوارع والاماكن الهامة. وكانت المنشورات تدعو شباب النجف للانخراط في المسيرة الى كربلاء الى مشهد الامام الحسين.

وقد امتلأت نفوس رجال الأمن ذعرا من توزيع هذه المنشورات. وقد تم اعتقال بعض الشباب للاشتباه بهم، ومنذ ذلك الحين تدفق رجال الأمن على مدينة النجف بشكل لم يسبق له مثيل مما يدل على الذعر الذي دب في اعصاب قمة السلطة في بغداد.

وفي صبيحة الرابع عشر من صفر وزعت منشورات تدعو لزيارة الامام الحسين مشيا على الاقدام رغم الارهاب وتندد بالسلطة التي تبذل جهودها لطمس معالم احياء المناسبات الاسلامية بدلا من بذل جهودها في تعمير البلاد.

والصقت منشورات مخطوطة في الاسواق والشوارع الرئيسية تدعو للاجتماع والتظاهر قبل ظهر الجمعة ١٥ صفر، وظهر تحشد اعضاء حزب البعث ورجال الأمن والشرطة لمقاومة التحرك. وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة ظهر تجمع من الاطفال يهزج بأهازيج تحد للسلطة. واعقبه اندفاع جماهير غفيرة من طرف العمارة وطرف المشراق وطرف الحويش وطرف البراق والتحمت الجموع امام باب الصحن الشريف المواجه للسوق الكبير.

وانتظمت المظاهرة بتحد وصلابة تجوب السوق الكبير وشارع المصارف وشارع زين العابدين وسوق الحويش، ولم تحرك اجهزة الأمن اي ساكن، ولم يصمد رجال الأمن والسلطة الا دقائق وانهزموا امام المظاهرة مذعورين وانطلقت الرايات وهي تحمل شعارات يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ نَصْرٌ‌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِ‌يبٌ ۗ وتسبقها الاهازيج:

اهل النجف يا أمجاد
راياتكم رفعوها
اسلامــنا مانــنساه
أيّسوا يا بعثية

وفقدت السلطة السيطرة تماما على المدينة واتجهت المسيرة الى كربلاء بنظام بديع واندفاع رائع. وصلت المسيرة الى خان الربع وكان حشد من آليات الأمن والشرطة. وحدثت مصادمة حقيقية.

وفي اليوم الثاني استمرت المسيرة نحو كربلاء الى خان النصف. وقبل المساء وصلت المسيرة الى الخان. وقامت قوات الأمن والشرطة بمهاجمة الموقع اول الليل ولكن المقاومة صدت بشكل ادى الى انسحاب القوات المهاجمة.

وبات الزائرون في الخان، وتحركوا نحو كربلاء صبيحة اليوم الثالث. وقامت قوات السلطة بمهاجمة مجموعة اكثرها من الاطفال الكبار تخلفت عن المسيرة. هاجموها بالرشاشات والسيارات المسلحة وقتل البعض وجرح البعض ونقلوا الى مستوصف الناحية والتحق الباقون بالمسيرة يحملون الثياب الملطخة بالدماء كراية دموية حمراء للمسيرة.

ثم توجهت المسيرة الى النخيلة وكادت ان تتفرق لولا التحاق مئات الناس من مختلف قرى المنطقة التي جاءت تعزز المسيرة الحسينية الى كربلاء. ووصلت اعصاب الحكام الى قمة التوتر عندما استعملوا الطائرات لايقاف المسيرة العزلاء.

واستعملت السلطة ألعوبة المؤامرة السورية واعدت لها مسبقا. وقبيل ظهر اليوم التاسع عشر من صفر ظهرت مكبرات الصوت في سيارات الشرطة تحذر من مؤامرة سورية. وقاموا باخراج الناس من الصحن الحسيني الشريف واخذت المكبرات تحذر من المندسين عملاء النظام السوري الذين يحملون المتفجرات وخوفا من عدم تصديق الناس لهذه الاراجيف حاولوا ان يقتادوا بعض الزائرين ويطلعوهم على مكان الحادثة وعلى الحقيبة التي وضعت فيها المتفجرات.

ومن النكات في هذا الباب ان احد المعلمين في منطقة من مناطق محافظة الديوانية يذكر ان رجال الأمن رفعوا لافتات في منطقته وهي تندد بالجريمة النكراء التي حاولها عملاء سوريا وكان ذلك يوم الأحد السادس من شباط فسافر ذلك المعلم الى كربلاء فلم يجد اثرا للموضوع.وفي يوم الثلاثاء سمع النبأ وشاهد اللافتات في محافظة كربلاء تندد بتلك الجريمة التي نشرت باللافتات في الديوانية قبل وقوعها، وقبل ان تتجند لها كل وسائل الاعلام.

وفي سنة ١٣٩٨ هجري سمح للمواكب بالذهاب الى كربلاء فرديا. وارسلت كل محافظة مجموعة من معاوني الأمن وافراده لتتبع حركات المواكب الحسينية.

وكان التفتيش شديدا على منافذ بغداد لتفتيش زوار الامام الحسين عليه السلام. ولكن الحشود كانت كثيفة في كربلاء رغم المضايقات الشديدة على المتجهين الى كربلاء.

وقد اصدرت مديرية الأمن التعليمات التالية للسيطرة على الاجتماعات الحاشدة في المحرم وفي اربعين الحسين عليه السلام صدرت قبيل المحرم الحرام ١٣٩٨ هجري.

  1. يسمح بالزيارة الفردية لكافة المواطنين الى العتبات المقدسة بالطريقة التي يختارها المواطن دون اللجوء الى الوسيط ويمكن توجه وفود المحافظات الى مكان التجمع المخصص لهم في كربلاء مباشرة.

  2. يمنع جمع التبرعات النقدية لاقامة التعازي والمواكب ويمكن الاعتماد على الصرف من قبل اصحاب التعازي انفسهم.

  3. يفتح الرصيد بمبالغ مناسبة لكل محافظة لغرض الصرف على هذه المناسبة.

  4. يمنع منح الاجازات الاعتيادية خلال عشرة المحرم الحرام والاربعين لكافة موظفي الدولة وعمالها الافي الحالات الاضطرارية

  5. يبلغ الجهاز الحزبي والاداري بالابتعاد عن المشاركة في هذه الممارسات الا بتكليف خاص.

  6. يبلغ الجهاز الحزبي والاداري بتركيز التثقيف على المواطنين بالابتعاد عن هذه الممارسات.

  7. يتم عقد اجتماع رجال الأمن في كل محافظة لافهامهم واقناعهم بطريقة العمل المقررة في هذه المناسبة، ويكون بحضور اللجنة المكلفة لهذا الغرض وتعتمد خطة القيادة القطرية اساسا للعمل.

  8. يتم التركيز في التثقيف في هذه المناسبة على المباديء الوطنية والقومية.

  9. يتولى المحافظون التنسيق مع المنظمة الحزبية والأمن لاتخاذ بعض الاجراءات اللازمة في الحالات الطارئة، على ان يبلغ السيد وزير الداخلية أو عضو القيادة القطرية المختص بالاجراءات المتخذة وتحدد نسبة العناصر السيئة بشكل واضح.

  10. يكون المحافظون ومسؤولوا التنظيم ومدراء الأمن في اجتماع دائم.

  11. توجيه الحزبيين والامنيين والاداريين لرعاية المواطنين وحسن التصرف معهم وعدم الاحتكاك المباشر ويقوموا بدورهم في مراقبة وتشخيص الظواهر السلبية ورفعها الى المركز مباشرة لاتخاذ القرار المناسب.

  12. تتولى مديرية الأمن والشرطة تعزيز الاجهزة في كل من محافظتي كربلاء والنجف وتكون تلك المفارز بأمرة المحافظ وتحت توجيهه.

  13. في حال استغلال هذه المناسبة من قبل عناصر عميلة ورجعية ومشبوهة وتوجيهها بشكل صريح ضد الحزب والثورة تتخذ ضد تلك العناصر الاجراءات الرادعة، ويتم ذلك بقرارات القيادة ووفق توجيهها.

  14. افهام رجال الدين بشكل واضح بعدم التدخل في الشؤون السياسية، وان الدولة تحترمهم كرجال دين يكرسون حياتهم في الدين والعبادة والبحث الديني وفي حال تجاوزهم هذا الاطار فأن الدولة ستحاسبهم على ذلك.

  15. التقليل جهد الامكان من الوسطاء الذين يتعاملون مع الوسط الديني والتعاون المباشر مع رجال الدين والشخصيات المؤثرة من قبل المسؤولين الحكوميين والحزبيين كلما تطلب الحاجة ذلك.

ان هذه التعليمات تظهر مدى ما وصل اليه أثر الدعوة على الحوزة والمجتمع في التوجيه والتوعية على مفاهيم الاسلام في ثورة الامام الحسين عليه السلام، وبلورة ولاء المسلمين لأئمتهم عليهم السلام. وتكشف مدى خوف السلطة العميلة من التجمعات الاسلامية واستنفار جميع اجهزتها التي تستخدمها في حكم المسلمين والتسلط عليهم. وتكشف بالتالي عن طبيعة السياسة الكافرة التي يطبقها عملاء الاستعمار في بلادنا خاصة فيما يتعلق بعزل الاسلام وعلمائه عن الحياة السياسية والزامهم بتكريس حياتهم ”في الدين والعبادة والبحث الديني“.

العلاقة مع الاحزاب والتجمعات:

نمت علاقات الدعوة مع الاحزاب والتجمعات والكتل الاخرى بمرور الايام. وهذا امر طبيعي. ولم تكن العلاقات على طبيعة واحدة، فقد كانت علاقات حسنة أو تميل الى الحسن أو تميل الى السوء.

احتكت الدعوة بالاسلاميين في اول الامر لمحاولة جذبهم وتقريبهم من العمل الاسلامي التغييري. وقد نجحت الدعوة في جذب كتلة اسلامية كبيرة الى جانبها. وكان لها اثر ابتدائي ايجابي على العمل الاسلامي يذكر فيشكر، الا ان عمل هذه الكتلة كان مربوطا بظرف سياسي مؤات، وعندما اكفهر الجو السياسي ازاء هذه الكتلة خف نشاطها بعد ان كان لها وزن سياسي يحسب حسابه.

ان هذه التجربة تعطينا درسا بأن العمل الاسلامي لايمكن ان يستمر ما لم يقم به من يتحمل تبعات الاستمرار.

ان نعم الله تعالى على عباده المؤمنين متفاوته وعلينا ان نميز بين الذين يتحملون تبعات الاستمرار وبين الذين يسيرون معنا اشواطا أو خطوات في اوائل الطريق أو في مراحله المتقدمة.

لقد كان للدعوة اثرمباشرفي انشاء هذه الكتلة ذات الموقع الاجتماعي الهام وتحركاتها الجيدة، ويمكن اعتبار هذا العمل البكر من اعمال الدعوة دليل الحيوية الكامنة في الامة والامكانيات الواسعة التي يمكن ان تتفجر في اوساطهالتوقظها.

اتصلت الدعوة بالتكتلات الاسلامية الصغيرة المختلفة ولم تنجح في جذب اي منها الى جانبها، بل ولدت في اوساطها شعورا بالمنافسة ظهر على تصرفاتها ازاء الدعوة والدعاة بشكل معارضةوتحد. الا ان اسلوب الدعوة الجديد في توعية الامة اثر على سلوك هذه التكتلات وتحولت اساليبها الراكدة الى اساليب تقلد فيها بعض اساليب الدعوة في العمل وهذه نتيجة طيبة.

ان احد المقاصد من عمل الدعوة هو التوعية الاسلامية العامة واي جهة من الجهات تقوم بهذا العمل انما تحقق مقصدا من مقاصد الدعوة وتؤدي خدمة للعمل الاسلامي وبالتالي تساعد على تسهيل مهمات الدعوة في المدى البعيد.

بعض هذه التكتلات الصغيرة وقفت موقفا عدائيا ازاء الدعوة والدعاة.وقد استعملت في محاربتها للدعوة اساليب كثيرة منها استعداء السلطة على الدعاة واستعداء المرجعية ضد الدعاة والدعوة.

وقد قابل بعض الدعاة هذه التحديات بردود فعل خلافا لأوامر الدعوة، ولم يتوفقوا لضبط انفسهم مقابل التحديات الشديدة، مما ادى الى صراع محلي بين العاملين للاسلام لاختلاف اساليب العمل والهدف وقد كنا نرجو ان نتجنب هذا الصراع من جهتنا على الأقل.

واتصلت الدعوة اتصالا فرديا مع الحركات والتجمعات والزعامات الاسلامية بمبادرات فردية أو بمندوبية من الدعوة. وكانت هذه الاتصالات بمثابة تعارف اولي أو تعاون لاداء بعض المهمات الاسلامية التي تتماشى مع رغبة هذه الزعامات ومع اهداف الدعوة ولتمتين الصلة بيننا وبين الطرف الآخر.

نشأت الدعوة في ظرف الانطلاقة الشعبية المؤقتة التي حدثت اثناء وبعد انقلاب ١٤ تموز ١٩٥٨م. وبدأت نشاطها في جو الصراع بين انصار عبد الكريم قاسم وانصار عبدالسلام عارف، وكان انصار عبدالكريم قاسم ينظرون الى النشاط الاسلامي على انه نشاط معاد، ولذلك كانت الاجتماعات الاولية للدعوة تراقب مراقبة دقيقة من قبل الشيوعيين مما كان يسبب بعض الحرج للمجتمعين. وكان انصار عبدالسلام عارف ينظرون الى العمل الاسلامي وكأنه حليف جديد هبط على الساحة السياسية فجأة.

في هذه الاجواء قامت الدعوة مع حلفائها الطبيعيين من المسلمين ذوي الوجاهة الاجتماعية والنفوذ، قامت بدور بارز في تثبيت وجود الاسلام على الساحة السياسية. وكان القوميون والبعثيون ينظرون الى هذا النشاط نظرة الحليف الطبيعي ازاء المد الشيوعي. ولكن سرعان ماتحولت هذه النظرة الى نظرة عدائية عندما وجدوا ان هذا النشاط ليس رد فعل للمد الشيوعي وليس سحابة صيف سرعان ماتزول بزوال السبب كما كانوا يظنون بل هو اصيل يمتلك امكانيات البقاء والاستمرار.

وحاول بعض هؤلاء بأساليب مختلفة التأثير على مسيرة الدعوة بمحاربتها في احد مواقعها الهامة. وبالفعل تمكنوا من زحزحة بعض القياديين عن مواقعهم بتأثيرات اجتماعية معقدة لامجال لخوضها الآن. ثم تبلور موقف الاحزاب القومية والشيوعية وحزب البعث في موقف معاد للنشاط الاسلامي الجديد.

وكان حزب البعث وهو احد اجهزة التجسس والقمع الذي استعملته السلطة العميلة في العراق في حيرة من اكتشاف امر هذا التحرك الاسلامي حتى انه لم يتمكن من تسمية النشاط الاسلامي الموجود على الساحة باسمه في احد مؤتمراته القطرية.

وبعد ان اصبح حزب البعث واجهة من واجهات الحكم العميل في العراق تمكن من تشخيص نشاط الدعوة وتنظيمها بشكل ما.

ولكن الحيرة لا تزال مسيطرة على ذهنيتهم بسبب تناقض المعلومات وتعقيد العلاقات والنشاطات الاسلامية.

ونحن لا نعتبر الاعدامات التي استشهد فيها شهداؤنا الأبرار من فعل حزب البعث وانما نعتبرها امرا وخطة استعمارية نفذها العملاء الجدد الذين اتخذوا حزب البعث مطية للتوصل الى الحكم برعاية المخابرات البريطانية المتمكنة في العراق. ومع ذلك فأن حزب البعث هو احد اجهزة التجسس والقمع التي يستعملها العملاء حكام العراق الذين يتحكمون بالحزب في الوقت الحاضر.

ونتيجة لتوجيهات القيادة العميلة فأن اعضاء حزب البعث ومؤيديه يقفون من الدعوة موقف العداء لأفكارها واشخاصها، بل لقد اصبح الاسلام احد العقد امام البعثيين حتى ان اجهزة الاعلام الرسمية تهمل اخبار اي نشاط سياسي أو عسكري يوصف بالاسلامي يحدث في العالم.

ويقف الشيوعيون موقفا معاديا لنشاط الدعوة الاسلامية في كل الأقاليم التي يعملون فيها. وقد عمل الشيوعيون كجواسيس للسلطة على نشاطات الدعاة في بعض مناطق العراق، وكانوا يسجلون تحركات ونشاطات الدعوة في نشراتهم بصورة يشوهون فيها العمل الاسلامي. ولو انهم يدركون النظرية السياسية اللينينية القائلة بتحالف القوى المعادية للاستعمار لما وقفوا موقف التشنج ازاء العمل الاسلامي.

ان علاقتنا بالاحزاب الاسلامية شرحناها في مجموعة النشرات كان آخرها في العدد العشرين من صوت الدعوة ولاحاجة لتكراره.

وعلاقتنا بالاحزاب الاخرى مبنية على الاعتبارات التالية:

  1. ان غياب الفكر الاسلامي المبلور والنشاط الاسلامي الفعال على الساحة السياسية في الاقاليم الاسلامية وخاصة عدم ظهور الرأي الاسلامي الواضح ازاء المشاكل السياسية والاقتصادية المعاشة.. جعل المتحسسين بالمظالم الاجتماعية يتقبلون الفكر السياسي والمناهج الحزبية المادية الاخرى.

  2. ان احدى المهمات الكبرى التي قام بها الاستعمار الثقافي للعالم الاسلامي هي تشويه صورة الاسلام بنظر المسلمين وتحسين صورة العمل السياسي على غير أسس الاسلام. وقد شجع الاستعمار هذه الانواع من التحرك السياسي بأساليب شتى وخبيثة.

  3. الروابط الاقليمية والروابط العرقية وضعت في أطر سياسية براقة مثل الاستقلال والمصالح.. الخ لجذب الناس اليها بعيدا عن الروابط الاسلامية التي كانت تربط بين الناس.

  4. نشط المثقفون بالثقافة المادية وخاصة النصارى في تأسيس المؤسسات الحزبية والسياسية وانجذب اليها شباب المسلمين على اعتبار ان هذه المؤسسات وسيلة لطرد المستعمرين من البلاد.

  5. ان البيئة الاسلامية التي تربي الانسان على كره المستعمرين كانت عاملا من عوامل انجذاب شباب المسلمين الى التنظيمات التي تتظاهر بأنها عدوة للمستعمرين.

  6. ان العمل الاسلامي الجاد البعيد عن عقدة اليسارية أو عقدة اليمينية أو عقدة المذهبية كفيل بعودة المسلمين الى الاسلام وبجذبهم اليه، وبكشف الاعمال السياسية غير الاسلامية التي تعمل على الساحة في الاقاليم المختلفة لبلاد المسلمين.

العلاقة مع الجماهير:

الاتصال الجماعي يختلف من ناحية الشكل ومن ناحية المضمون عن الاتصال الفردي وهذه اهم نقاط الاختلاف:

  1. الاتصال بالجماهير يحتاج الى جهود اكبر لتجميعهم ومخاطبتهم مجتمعين.

  2. الاتصال بالجماهير لايقوم به فرد واحد وانما يقوم به مجموعة تتدارس الموضوع وتخطط له.

  3. الاجتماع الجماهيري يحتاج الى توقيت مناسب ومكان مناسب وتنظيم جيد واستعداد للاحتمالات المتوقعة.

  4. الجماهير تتأثر بالهزات العامة التي تصدم مشاعر اكثر الناس. أو بالاسلوب المناسب الذي يخاطبها من خلال ماتألف من أوضاع وافكار.

  5. التأثير في الجماهير يتناسب مع اثارة المشاعر الجماعية لدى الجماعة.

  6. اختيار الموضوع الذي يطرح عليهم يحتاج الى فهم دقيق وتوقيت صحيح اكثر مما يحتاج الاتصال الفردي.

  7. اسلوب طرح الموضوع يحتاج الى ملائمة لوضعية المكان والزمان وحجم الاحتياجات وكيفيته، والمستوى العام فيه.

  8. العمل الجماهيري يحتاج على الاعم الى ارتياح واخلاقية في مخاطبتهم والعمل معهم. واشعارهم بالقرب والمودة. وتفاعل عاطفي مع الافكار والمفاهيم التي تطرح عليهم. والى شجاعة مواجهة. وسرعة بديهية لمواجهة اي شئ غير متوقع. وكفاءة جسدية من ناحية الشكل العام والصوت والنشاط.

ولدى الدعوة تجربة ثرة في الاتصال بالجماهير يعرفها الدعاة، ومجال ذكرها ليس في هذه النشرة.

الاتصال الجماعي لدى ائمة المساجد في بلاد المسلمين هو اتصال اعتيادي، وهو من الاتصالات المكثفة. ويمكن لأئمة الجماعة ان يطوروا اتصالاتهم ويوسعوا آفاقها باعتماد اساليب مختلفة, كأن يحولوا العادات الاجتماعية الى اجتماعات مفيدة يبث فيها الفكر الاسلامي المناسب وان ينشؤوا عادات جديدة يجتمع فيها الناس، وا ن ينظموا اجتماعات دورية يدعى اليها جماعات اخرى، وان يتصل امام الجماعة بجماعة اخرى لتوسيع مجال تأثيره الفكري.

لقد قام الشهيد السعيد الشيخ عارف البصري بعدة اعمال متفرقة كان لها اثر كبير على جماهير منطقته، ومن الاساليب التي استعملها ما يمكن ان نذكره استطرادا فيما يلي:

  1. كان يقيم يوم الجمعة في منطقة عمله اجتماعا حافلا في الحسينية الكبيرة التي كانت مركز عمله وكان رحمه الله يلقي خطبة يأخذ موضوعها مما يدور من أحداث في ذلك الاسبوع، وقد خصص مكانا لاجتماع نساء المنطقة.

  2. كان يقوم بزيارات محددة تدور على البيوت.

  3. كان يقوم بزيارات جماعية لمناطق اخرى مما يحدث اثرا كبيرا على الجماعة المزارة. ويختار موضوعا مناسبا وحيويا يؤثر على الحاضرين مما اكسبه تعاطفا تنامى مع مرور الايام في جميع انحاء بغداد، وقد ظهر ذلك في الزيارات الجماهيرية التي قصده فيها الناس وهو في سجن ابي غريب محكوما عليه بالاعدام في ظروف ارهابية غير اعتيادية.

  4. كانت ايام المحرم اياما مشهودة في منطقته مما كان يربك دوائر الأمن لتلافي تأثيره الكبيرفي المنطقة.

  5. كان يقيم احتفالا سنويا لتوزيع هدايا رمزية على الطلاب المتفوقين في الامتحانات الدراسية. وقد احدثت هذه الاحتفالات ردود فعل عنيفة لدى اجهزة الطلاب المرتبطة بأجهزة السلطة.

  6. ايام المناسبات والافراح والاحزان حوّلها الى اجتماعات يلقي فيها مفاهيم التوعية الاسلامية.

  7. انشأ مكتبة كان في ذهنه ان يطورها لتكون مفيدة لطلاب الجامعة بجميع اختصاصاتهم وكان يفكر ان تكون في مركز قريب من الجامعة.

  8. كان يهتم بمصالح المجموعات المهنية ويدرس مشاكلهم ويسعى لحلها مما جعل الناس ينظرون اليه غير النظرة التقليدية للعالم الذي يهتم فقط في امور العبادات والزواج والطلاق.

الجامعات والمدارس الثانوية ومراكز التعليم الاخرى حيث يجتمع مئات بل آلاف الطلاب في مركز تعليمي واحد، مجال مفتوح وجيد للاتصال اليومي، ولعل مجال الدعوة بين الطلاب من اخصب المجالات، وذلك:

  1. لأن سن الطالب هي سن تفتح الفطرة لتقبل الاسلام تقبلا كاملا وجادا بعيدا عن تأثير الرواسب.

  2. لأن سن الطالب هي سن الحيوية والنشاط والتطلع الى المستقبل واثبات الذات. والمجال الحزبي هو انسب المجالات لارضاء الطموحات الاجتماعية لدى الطالب.

  3. القلق السياسي الذي تعيش فيه المنطقة ينعكس بصورة واضحة على المحيط الطلابي بحيث يسهل لفت نظر الطلاب واهتمامهم الى كثير من النواحي السياسية المؤلمة التي يعيش فيها الناس ويكتوون بنارها.

  4. عدم ارتباط الطلاب بمسؤوليات عائلية ومسؤوليات مالية يجعل تحركهم بسيطا سهلا.

  5. الجو الطلابي أو الجو الجماهيري يعطي للجماعة شجاعة جماعية يمكن من خلالها اقتحام كثير من الصعاب التي تحتاج الى شجاعة اقتحام.

لقد رعى الشهيد السعيد ابو عصام الحركة الطلابية خير رعاية. وابتكر اساليب ادت الى كسر الجليد بين فئات مختلفة ومتباينة من مجاميع الطلاب، وقد اثرت الاتصالات الطلابية على بعض العلاقات السياسية في الاقليم العراقي.

وقد استشهد اثنان من قادة الحركة الطلابية هما الشهيد السعيد السيد حسين جلوخان والشهيد السعيد السيد نوري طعمه رضي الله عنهم جميعا وارضاهم.

الاسواق مناطق يمكن ان يتكثف الاتصال بهاوتتحول كثافة الاتصالات الفردية الى اتصال جماهيري. وان تحرك التجار اهم من اي تحرك آخر لأنه يؤثر على مصادر السلع وعلى مستهلكي السلع وعلى المراكز المالية.

ان تحريك الاسواق التجارية من الامور الصعبة، واذا تحركت الاسواق التجارية وخاصة المركزية منها فأنها تهز البلاد سياسيا وكمثال على ذلك السوق المركزي في طهران واثره الواضح في التحركات الاسلامية الشعبية.

من الامور التي يمكن استخدامها لتحريك الاسواق:

  1. تكثيف الاتصال بأصحاب المحلات التجارية وتقريب تفكيرهم من القضايا السياسية وخاصة التي تؤثر على القضايا الاقتصادية.

  2. انشاء مسجد في وسط الاسواق ليرتاده التجار ومن خلال اوقات الصلاة يؤثر عليهم في التوعية الاسلامية.

  3. انشاء رابطة للتجار تعتني بمصالحهم وتكون بداية لتحويلهم من افراد متنافسين الى جماعة يفكرون بمصالحهم المشتركة.

  4. انشاء جمعيات تعاونية للقيام بخدمات مختلفة للتجار بقصد اضفاء الروح الجماعية عليهم.

  5. غرف التجارة في العواصم من مراكز التأثير على التجار لارتباط مصالحهم التجارية بها.

النقابات والهيئات العمالية والمصانع ذات الكثافة العمالية مراكز مهمة للاتصال الجماهيري. والعمال كالطلاب موضع اهتمام بالغ في الاحزاب التي تحاول ان تكسب ولاءاً شعبيا.

ويتميز العمال عن غيرهم من الفئات.

  • أ. بأن مستواهم المعيشي منخفض نسبيا، ويعيشون في اوساط المدن حيث يكون المستوى المعيشي مرتفعا مما يوجد في اوساطهم ميلا الى عدم القبول بالاوضاع المعاشة.

  • ب. العلاقات بينهم تميل الى الوئام والوفاق والتعاون، فهم بطبيعتهم كتلة بعكس التجار مثلا حيث يكون التنافس بينهم هو الغالب.

  • ج. المطالب الاقتصادية والسياسية ذات تأثير مباشر في اوساطهم.

  • د. الوعي السياسي لديهم اعلى مستوى من الوعي لدى الفلاحين عادة.

  • ه. المناطق التي يسكنوها تكون مكتظة، والاتصال بها اقرب الى صفة الاتصال الجماهيري بعكس مناطق السكن الاخرى يزور الانسان بيتا ولا يحس به الآخرون.

ان الاتصال بالعمال من جميع الفئات ونشر التوعية السياسية الاسلامية بينهم امر في غاية الاهمية. ومن الضروري الاهتمام بالمساجد في المناطق العمالية لأنها وسيلة مهمة ومباشرة للتأثير على العمال، وكذلك الاشتراك في الانتخابات العمالية وتأليف لجان خاصة بالعمال في المدن الكبرى.

ان الحركة العمالية لم تتبلور في اكثر البلاد الاسلامية بسبب الضغط السياسي الذي تمارسه السلطات الحاكمة، واذا وجدت الحركة العمالية فأنها تكون تحت سيطرة اجهزة السلطة أو مطاردة من قبلها.

خاتمة

ان الاشواط التي قطعناها في عمل الدعوة اوصلتنا الى مشارف نهاية المرحلة الاولى. وعلى الدعاة ان يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من شرف العمل في سبيله. وليعلموا حفظهم الله تعالى ان مامضى من عمل الدعوة هو السهل وان العمل الصعب امامهم، وهوالفرصة المتاحة لينالوا على درجات رضوان الله بالصبر على المكاره في سبيله تعالى.

إِن تَنصُرُ‌وا اللَّـهَ يَنصُرْ‌كُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴿٧﴾