الروابط الحزبية

نشرت في "صوت الدعوة" العدد الحادي عشر جمادي الاول ١٣٨٦ هجري

تشكل الروابط الحزبية بين الاعضاء في اي حزب من الاحزاب اهمية خطيرة، يترتب عليها ـ تبعا لنوعيتها وسلامة بنائها وقوتها أو ضعفها ـ نجاح الحزب أو فشله الى حد كبير. وذلك لأن هذه الروابط ـ أو العلاقات الحزبيةـ هي التي تجعل من الافراد المبتعدين (كتلة) حزبية واحدة، تفكر بذهنية واحدة، وتحمل ثقافة واحدة، وتستشعر بمشاعر واحدة، وتسير بطريقة واحدة لتصل الى أهداف واحدة، ولهذا كان على الحزب الحي الواعي أن يولي هذه العلاقات بين اعضائه والروابط التي تشد بعضهم ببعض عناية خاصة بالتوثيق والتعميق بالشكل الذي يجعل من التنظيم القائم كتلة حزبية متراصة متلائمة جديرة بتحمل اعباء المسؤولية والثبات بوجه اعدائها. وبدون ذلك فأن هذه العلاقات الخاصة وما تتسم به من طابع حزبي خاص ستتحول بالتدريج الى علاقات ذات طابع شخصي وعندئذ يكون ذلك التكتل قد تحول بالتدريج ـ أيضا ـ من (حزب سياسي) الى (تجمع) بين افراد تجمعهم الأماني والآمال.

من هنا وجب علينا ان نهتم بدراسة هذه العلاقات لنتعرف عليها وعلى طابعها وعلى ثمراتها وآثارها في المجالين:

الحزبي والفردي، آخذين بنظر الاعتبار تطبيق هذه الدراسة على العلاقات القائمة فعلا بين الدعاة، لتصل في نموها وارتقائها، وعمقها وطهارتها الى الوضع النموذجي الامثل في عالمي الحزبية والاسلام.

الروابط الحزبية: ان اهم مايربط بين اعضاء الحزب السليم سيرا وتكوينا ـ مبدئيا كان أوغير مبدئي ـ ثلاثة أمور:

  1. الايمان المشترك بعقيدة اي بفكرة الحزب.

  2. تبني ثقافة الحزب بصورة مشتركة.

  3. انتهاج طريقة واحدة في التفكير، وفي معالجة المشاكل وتحديد المواقف ازاء القضايا والاحداث.

ان هذه الامور الثلاثة هي الاصول الرئيسية للروابط والعلاقات التي تربط بين اعضاء اي حزب متكامل من الاحزاب. وعلى مقدار وضوحها في ذهنياتهم وعمقها في نفسياتهم يتقرر نجاح الحزب أو فشله الى حد كبير.

طابعها:

من المعلوم الواضح ان لشخصية العضو الحزبي مجالين رئيسيين وهما: المجال الحزبي والمجال الشخصي (الفردي).

وهذان المجالان في تفاعل مستمر، وكل واحد منها يؤثر في الآخر ويتأثر به الى حد كبير، كما ان هذه الروابط الحزبية في الوقت الذي تتفاعل فيه بين الاعضاء في مجال علاقاتهم كاعضاء في حزب فانها تتفاعل بينهم في مجال علاقاتهم كافراد في مجتمع أو اسرة أو شركاء في عمل أو غير ذلك. ومن هنا فانه يحسن بنا ـ ونحن نريد ان نتعرف على طابع هذه الروابط والعلاقات ان ندرسها في كلا المجالين على انفراد.

  • أ. طابعها في المجال الحزبي: تتميز الروابط الحزبية بين الاعضاء في المجال الحزبي بـ (الطابع الفكري) بمعنى اتخاذ الناحية الفكرية اساسا تقوم عليه الروابط بين الاعضاء وذلك هو نتيجة حتمية لطبيعة الروابط الرئيسية التي تربط بين الاعضاء والتي مر ذكرها قبل قليل. فمن الالتقاء عند هذه الاسس الفكرية تلتقي اهداف الاعضاء وآمالهم ونظراتهم واتجاههم في الحياة واذواقهم ومناهج حياتهم في خطوط واحدة، وهي امور اشد ما تتوثق الروابط والعلاقات بسببها. وان اتخاذ الناحية الفكرية اساسا للعلاقات هو اسلم طريق لحماية الحزب المبدئي من الهبوط الى مستوى التجمعات ولقد استطاع الاسلام ان يضرب المثل الاعلى في هذه الناحية نظريا وعمليا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ‌ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾.

  • ب. طابعها في المجال الفردي:المفروض في العلاقات الفردية بين الاعضاء في اي حزب من الاحزاب ان تكون ذات طابع اخوي متبادل، لأن العلاقة في اساسها قامت على الايمان المشترك في الفكر والمصير. الا اننا لم نجد حزبا من الاحزاب غير الاسلامية استطاع ان يمثل هذه العلاقات بين اعضائه، ولو بشكل عام، كما استطاع ان يحققه الاسلام في تنظيمه الاول، وفي كثير من التنظيمات اللاحقة بعده. ولا شك ان السر في ذلك يكمن في العقيدة الاسلامية ذاتها، وفي نوعية الرابطة التي ربطت بين قلوب المؤمنين، حتى استطاعت ان تثمر الاخوة في الله تعالى، والاخوة في العقيدة، وليس الاخوة في المصالح والاغراض الدنيوية الرخيصة. ولذلك فأن الاسلام صور هذه الاخوة ـ على لسان قائده الاعظم ﷺ في اروع صورة حيث قال:

    ”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى“

    كما ان الامثلة العملية الحية التي استطاع ان يحققها الاسلام في هذا المجال والتي زخر بها التاريخ الاسلامي ـ هي في الحقيقة معجزات باهرة تضاف الى معجزاته الاخرى في مجالات التربية والبناء.

ثمرات ونتائج الروابط الحزبية:

  • أ. الثمرات والنتائج في المجال الحزبي الخاص: ان اهم ثمرات هذه الروابط والعلاقات بين الاعضاء في هذا المجال هي:

    1. التعاون الحزبي: وهو من ابرز هذه الثمرات واهمها، حيث لا يمكن ان يصل الحزب الى تحقيق اهدافه المقررة، مالم يصل التعاون بين اعضائه والمسؤولين في اجهزته في انجازالاعمال والمهام الى الحد المطلوب. كما ان هذا التعاون الحزبي لا يمكن ان يتحقق بشكل حيوي مثمر ما لم تتوفر بين الاعضاء الشروط التالية:

      • أ. احراز الثقة المتبادلة بين الاعضاء.

      • ب. احراز الاهتمام المتبادل بقضايا الحزب وتحمل اعبائه بشكل متوازن بين الاعضاء.

    2. التواضع الحزبي: من ثمرات الروابط الحزبية السليمة (التواضع الحزبي) وهو يتمثل في ارتباط عضو ما ارتباطا حزبيا منظما بعضو آخر اصغر منه سنا أواقل منه مكانه اجتماعية، أو ثروة مالية، حسبما تنسبه الجهات المسؤولة في ذلك الحزب، وينبغي ان يتحقق التعاون المنتظر بينهما وعدم الالتفات الى التفاوت الاعتباري بينهم في هذه المجالات.

    3. القيادة والامتثال: ومن ابرز ثمرات الروابط الحزبية السليمة ايضا (القيادة والامتثال) فعلاقة المشرف بأفراد حلقته مثلا ليست علاقة تعليمية وانما هي علاقة قيادية في المجالات الفكرية والتنظيمية والروحية. ولا شك ان طبيعة هذه العلاقة القيادية، يجب ان تثمر الطاعة والامتثال من قبل الاعضاء لما يصوره لهم المشرف من توجيهات فكرية أو تعليمات تنظيمية من شأنها ان تجلب للحزب مصلحة أو تدفع عنه ضررا. ولايفوتنا التنبية الى ان هذه الطاعة من قبل الدعاة يجب ان تكون طاعة عن وعي للمسؤولية امام الله سبحانه، وادراكا لاهميتها في مجرى التغيير الاسلامي الشامل.

    كما ان هذه الطاعة من قبل الدعاة في الوقت الذي تكون فيه طاعة وامتثالا لأوامر الحزب هي قيادة وتوجيه من قبل الداعية للامة، وذلك لان الداعية في الوقت الذي يكون فيه جنديا من جنود الحزب، هو قائد من قادة الامة.

  • ب. ثمرات الروابط الحزبية في المجال الفردي بين الاعضاء: لاشك ان العلاقات والروابط الحزبية بين الاعضاء لابد أن تنعكس آثارها وتظهر ثمراتها في مجال علاقاتهم كأفراد. ومن أبرز ثمرات هذه العلاقات في هذا المجال اذا بنيت بشكل سليم على عقيدة انسانية صحيحة، ان يظهر التعاون المشترك بين الاعضاء في شؤون حياتهم الشخصية، والاهتمام المتبادل من قبل كل عضو بشؤون ومشاكل الاعضاء الآخرين الى ارفع مايكون التعاون والاهتمام بين الافراد، حتى يتمثل في تبادل العون والمساعدة المادية والمعنوية مع بعضهم كلما دعت الحاجة الى ذلك. ولقد استطاع الاسلام من بين سائر المباديء والنظم ان ينجح في تحقيق هذه الثمرات بين اعضاء تنظيمه المبارك الاول الى ما عجز عن تحقيقه اي مبدأ أونظام آخر، حيث وصل الى قمة الايثار بين المهاجرين والانصار وهم في حالة من العوز والحرمان وَيُؤْثِرُ‌ونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ.

واخيرا فأن (الدعوة الاسلامية) في الوقت الذي تبارك فيه هذه الروابط والعلاقات بين الاخوة الدعاة وما اثمرت لحد الآن من التحابب الطاهر والتعاون الصادق في مختلف المجالات، وهي في الوقت الذي تقدر فيه قيمة هذه الثمرات واهميتها وضرورتها وخصوصا في ظروف الشدة والاضطهاد، وتهتم في تعميقها وتعمل لتنميتها في اوساط الدعاة الميامين، الا انها تحرص على تذكير الاخوة المجاهدين بضرورة الالتفات دائما الى الاساس الذي قامت عليه هذه الروابط والعلاقات وما اثمرت من ثمرات وذلك الاساس هو (الاسلام) الذي عقد بين قلوبنا بعقد الاخوة المقدسة في الله تعالى، و(الدعوة) التي ثقفتنا وفتحت عيوننا على مسؤوليتنا وقادتنا ومازالت تقودنا الى مافيه عزتنا وسعادة امتنا ومرضاة ربنا.

ولذلك فيجب ان نتذكر دائما هذا الاساس الذي قامت عليه هذه الروابط والعلاقات بيننا، لكي يتسنى لنا ان نبني كياننا بالشكل النموذجي السليم، ولئلا تنحدر العلاقات بيننا من هذا المستوى الاسلامي الرفيع الى المستوى الشخصي الهزيل.

روي عن رسول الله ﷺ انه قال: ان من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم الانبياء والشهداء.

قيل من هم يارسول الله؟

قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير ارحام ولا انساب وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون اذا خاف الناس، ولا يحزنون اذا حزن الناس.. ثم قرأ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾.