من مهمات الداعية تكثير عدد الدعاة

نشرت في "الدعوة الاسلامية" العدد الثالث

وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ﴿٥﴾.

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣﴾.

علمنا من النشرات السابقة ان مرحلتنا الحاضرة تقتضي بناء اجهزة الدعوة بناءا يجعلها تتحمل الاعباء الملقاة على عاتقها ونشر الحقائق الاسلامية الغائبة عن اذهان عامة الناس بحيث يشيع بين افراد الامة كون الدين الاسلامي دين الحياة كما هو لادين عبادي فقط كما يريده الكافر المتسلط على بلادنا، وهذان العنصران يسيران جنبا الى جنب فلا يرجح جانب على آخر: لأن النقص في احدهما يؤدي الى تأخر الدعوة. وموضوع نشرتنا هذه من الأمر الاول اي من بناء أجهزة الدعوة. وهذا البناء يعني فيما يعني تنظيم اتصالات الدعاة بعضهم للبعض الآخر بحيث يؤدي هذا التنظيم الى وحدة سير الدعوة وتماسكها، فلا تتقدم فئة وتتأخر اخرى ويؤدي الى تيسير العمل وتيسير الوصول الى النتائج بأفضل الاسباب، وهذا البناء يحتاج فيما يحتاج الى دعاة فيهم من العدد ما يكفي وفيهم من القابليات ما يؤهلهم لتحمل اعباء الدعوة. وقد وردت اسئلة من بعض الدعاة حول كيفية اكتساب اعضاء جدد للدعوة، مما حدا الى نشر الموضوع اذ انه من المواضيع الحية مايشعر الدعاة في حاجة اليها في عملهم، فيكون اطلاعهم عليها له نتائج عملية بحيث توضع الفكرة موضع التطبيق رأسا. والاسئلة العملية في الدعاة دليل حيوية الدعوة في انفسهم.

من المعلوم انه لابد للداعية ولكل عامل في حقل من الحقول ان يفكر في العمل ويدرسه قبل الشروع فيه حتى يكون طريقه وغايته واضحين فان لم يكن كذلك فانه أما سيقف نهائيا أو يسير في طريق لا يوصله الى غرضه مما يؤدي الى خسران الجهد والوقت.

وفي مهمتنا ينبغي درس المجتمع الذي نحاول قلبه قبل الشروع في العمل.

والمجتمع في مفهومه الصحيح يتكون من العلاقات التي تربط هؤلاء الافراد، لا كما يفهمه الرأسماليون الغربيون من ان المجتمع يكونه مجموعة افراد فقط لذا يقتضي في عملية تغيير المجتمع ايجاد فئة مؤمنة يؤثر عملها في تغيير اتجاه الافراد وثم تغيير العلاقات القائمة بينهم.

وهذا يعني ان من جملة اعمال الداعية ان يفتش عن افراد جدد يجذبهم الى الدعوة. وهو في سبيل ذلك يتصل بالناس ويصادف مختلف الاشكال فيرى التقي والفاجر والفاسق ـ يرى المتعلم والجاهل ـ يصادف النشيط والكسول ويصادف المتبرم بالاوضاع ويرى الراضي عنها والمؤيد لها ـ يرى الحزبي والمستقل يرى هذه الاشكال من الناس. ومن المعلوم ان هؤلاء الناس فيهم قابلية التغيّر، فكثير من الخاملين ينقلبون الى نشيطين فيما اذا ازيلت اجواء الخمول في حياتهم. وكثير من الفساق ينقلبون الى ملتزمين بأحكام الاسلام فيما اذا وجد من يهديهم الى الصراط المستقيم، والداعية في استعمال الحكمة يعرف كيف ينتشل الافراد من وهدة ترك الدعوة الى نعمة العمل في سبيل الله، ويعرف كيف ينتشل هؤلاء الافراد اذ ان كثيرا منهم يصلحون لهذا العمل. وهذه سنة من سنن الحياة الانسانية حيث ان الناس في حياتهم ليسوا سواسية في منازلهم وفي قابلياتهم العقلية والعملية. وعملية الانتقاء هذه لاتتم الابعد الدرس والتمحيص فلا يجوز ان يقال ابتداءا فلان لايصلح للدعوة، وانما يعرف الشخص بعد الاتصال به ودرسه ومعرفة امكانياته وقابلياته الفكرية والعملية. فمن الافراد من هم في حكم مادة خام اي انهم ليس لهم اتصال سابق بأي عمل حزبي مبلور وليس لديهم افكار مركزة متبناة. وهؤلاء يختلفون من حيث السلوك الديني في القيام بالواجبات وترك المحرمات والقيام بالمستحبات وترك المكروهات. ويختلفون من حيث اهتمامهم بالقضايا العامة أو اهتمامهم بقضاياهم الخاصة فقط. ومثل هذا النوع من الناس ينتشرون في القرى والارياف والمدن الصغيرة بعيدين عن بهارج تقليد الكافر، وهم أكثرية ابناء الامة الاسلامية.

ومن الافراد من تأثر بسير الكافر وقلده بجميع اعماله ومنهم من تأثر بالكافر دون تحزب. وآخرون تأثروا بالكفر ودعوا اليه بتأليف الاحزاب التي تدعو الى افكاره وانظمته.

وهؤلاء الافراد المتأثرون بالكفر يجهلون حقيقة الاسلام جهلا مركبا، أى انهم يجهلون الاسلام وفي نظر انفسهم انه معروف لديهم. وهذه الصفة تغلب على الافراد ”الافندية“ وليس معنى هذا جميع ”الافندية“ هم من هذا النوع وانما هي الصفة الغالبة على اكثرهم.

فالداعية يتصل بالناس من كل الاصناف ويبدي ماعنده من فكر عام، فمثلا يتكلم عن صلاح الاسلام وفساد الانظمة الاخرى بجميع مسمياتها من رأسمالية وشيوعية ومن قومية ووطنية، ومن اشتراكية وديمقراطية. أو يتكلم عن فساد المجتمع وعن سيطرة الاستعمار وعن تفرق وتشتت المسلمين..الخ. فينتج من هذا الفكر ومثيله من فكر عام نقاش بين الداعية ومن يتصل به، وعندها يكون الداعية بحالة اليقظة لكي يعرف فكرة الطرف الآخر واتجاهه العاطفي، لكي يدخل من اضعف نقطة فكرية وعاطفية يمكن الدخول منها لتغييرها وابداء زيفها، حتى يسهل السيطرة على النقاش وتوجيهه الوجهة التي يريدها الداعية في اقناع الآخر ويكون الداعية في ذلك مبتعدا عن الجدل المقصود فيه التغلب والانتصار، وسالكا طريق التواضع في النقاش بقصد التفاهم والتعاون لأن القصد من النقاش جلب الطرف المقابل لاتحطيمه ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَ‌بِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ.

اما اذا كان الطرف المقابل يعادي الاسلام ويكابر ويعاند ويحاول ان يدعو الناس الى غير الاسلام ـ يعمل الداعية بالحكمة فقد تقتضي الحكمة ترك هذا الجاهل الكافر وقد يجب تحطيم افكاره لديه ولدى الناس فيما اذا كان هناك من الناس من يشارك بالسماع والحديث ويعمل الداعية على ابراز حقيقته بأنه يعادي الاسلام ويحاول ابعاد الناس عن دينهم، ومن ثم تتحطم شخصيته فيما اذا نجح الداعية في تحطيم افكاره بابراز حقيقتها.

وعند ما يجد الداعية ان هناك بعض الاستجابة لدعوته أو ان هناك نقاط التقاء مع الشخص الآخر يكرر اللقاء معه ويغذيه بالفكر الاسلامي المتبنى حسب حاجة الشخص اي ان التغذية الفكرية في البداية تكون سهلة الهضم: فان كان الطرف المقابل متدينا ملتزما بالواجبات والمستحبات مثلا يؤتى من باب ان الاسلام كل لايتجزأ فالصلاة ركن من الاركان الاسلام كما ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من اركان الاسلام. فلا يجوز الالتزام بواحد وترك الآخر او أن ترك تطبيق الشريعة الاسلامية واستبدالها بالقوانين الوضعية من اشد المنكرات، وان الله يحث الناس على الالتزام بشريعته والدعوة لها، ويلفت نظرهم مثلا الى تمسك اهل الضلالة من الاحزاب غير الاسلامية بضلالتهم وهم على باطل فيجدر بالمتدينين ان يتمسكوا بحقهم..

الى غير ذلك من الافكار المؤثرة فيهم حسب ثقافته ووعيه. وان كان الطرف الآخر يحب انقاذ بلاده من الويلات التي تعيش في دوامتها ـ يشرح له مثلا ان هذه الويلات نتيجة النظام الفاسد والقوانين الظالمة، وانه ليس هناك أية احكام صحيحة الا الاحكام الاسلامية لأن الأنظمة الوضعية وضعها الانسان وهو لايدرك حقائق الامور في كل الظروف بينما الاسلام وضعه خالق الانسان الذي يعرف الخفايا في جميع العصور، فوضع الله الاسلام خالدا الى يوم القيامة لردع جميع المفاسد ولجلب جميع المصالح.

وان كان الطرف المقابل ممن يهتم بطرد الاستعمار يبين له ان بغير الاسلام لايمكن ان يطرد الاستعمار طردا حقيقيا بجميع اشكاله ومسبباته لأن الاسلام يحرم جميع العلاقات الاستعمارية، اذ ان العزة لله ورسوله والمؤمنين وان من يتولى الكفار فهو منهم ثم ان غير الاسلام لايحرم العلاقات الاستعمارية حيث يبررها بشتى التبريرات لذا فأن القوانين في غير الاسلام مصدرها دول الكفر والاستعمار. وكذلك يشرح له عن المجتمع ونوازعه واظهاره على حقيقته المزرية والواقع المرير الذي نعيش فيه والحلول العامة لكيفية انقاذ الناس من هذه الظلمات ويلمح له تلميحا عن الفكر الحزبي والتحزبات واثرها بصورة عامة. والمخاطب يجب ان يلتفت لحرمة اعطائه اي معلومات عن هويته في هذه المرحلة أو هوية اي حزبي آخر وان يكون حذرا كل الحذر في ذلك. وهكذا يشرح الداعية حسب الحاجة ويذكر الشواهد والامثال لتفهم الطرف المقابل مما يعرفه الدعاة بممارستهم العمل.

ان هذه الاحاديث ربما تخاض ايضا فيكون طولها أو قصرها حسب ماقدمنا عن حالات الفرد. والاتصال عادة يكون لمن يعرف الداعية من اشخاص سواء كانوا اقرباء أو اصدقاء أو جيران. واقرب الناس الى التأثر بالدعوة الاسلامية هم المتدينون فيعين الداعية مكانا من اماكن التجمعات مثل الجوامع والحسينيات والجمعيات الاسلامية فيذهب اليها الداعية مبشرا بالالتزام الكامل بدين الله, داعيا الى الله بلسان مبين وبحجج ظاهرة , ولايصطدم معهم بقول أو عمل وانما يعطيهم المفاهيم بأيسر السبل. واذا رأى اعتراضا فليعلم ان هذا الاعتراض من هؤلاء المتدينين انما وجه لشبهة عالقة في اذهانهم، لنظرتهم الخاطئة لمن يدعو الى سبيل الله بشكل كفاحي نتيجة لضيق افقهم، ولفهمهم الخاطيء للاسلام. ولا يثبط الاعتراض همة الداعية بل يحفزه على التفتيش عن الاسباب وازالتها، فينتقل الداعية من جماعة الى اخرى عندما يجد ان تأثيره قد توقف عن النمو. وليس هناك تخطيط ثابت في الاتصال بالناس والتحدث اليهم وانما اهتمام الداعية والقائمين بالدعوة وتفكيرهم في نشر الدعوة هو الذي يفتح ابواب الاتصال بالناس ودعوتهم. ولايفهم من (ان المتدينين اقرب للدعوة) اهمال الفئات الاخرى بل الاهتمام يكون بجميع الناس والتكليف موجه للجميع، وعندما يجد الداعية عند الطرف الآخر استجابة لدعوته فعليه ان يتريث بعض الوقت ليقوم بعملين:

الاول: اخبار المسؤول تفصيلا ليشترك الحزب معه في العمل.

الثاني: هو دراسة شخصية هذا المسلم من ناحيتين:

الاولى: التأكيد من انه لايتصل بجماعة ما، تضر بالدعوة.

والثانية: كتمان السر وقوة شخصيته. فاذا عرف الداعية صلاحه يطلب منه التعاون في العمل من اجل الاسلام، ويطلب منه ان يحضر اجتماعا اسبوعيا منتظما، ويفهمه ان هذا الاتصال محدد في سلسلة الاتصالات وفي هذه الحالة ربما يرفض وربما يستجيب. فاذا كان الامر الثاني يكون هذا الشخص قد انتقل من حالة الاجتماع الفردي بالداعية الى حالة الاتصال المنتظم بالدعوة. وعندها يطلب من الداعية الجديد ان يكتم السر ولا يبوح بما سيعرفه من تنظيمات الدعوة. ويطلب منه نشر ما يعرفه من الفكر الاسلامي. وتتولى الدعوة الاجابة عن جميع اشكالاته الموجودة لديه. ويبدأ بتدريسه ثقافة الدعوة واسسها واعطائه بيانات الدعوة ونشراتها الدورية وغير الدورية.

ومن ثم يتدرج هذا الشخص في نموه في الدعوة حتى يصبح جزءاً منها. وذلك متروك لفعالياته وحرصه على نشر الدعوة الاسلامية اذ ان نمو الفرد يبدأ في ذاته بتحريك من الدعوة ويعتمد على مايبذله هو من جهد وسعي بتوجيه الدعوة وبما تبذله الدعوة نفسها من جهد، وبما تملكه من امكانيات سواء كان هذا النمو الذي نتحدث عنه فكريا من حيث المعلومات الاسلامية والتثقف بها أو بقية المعلومات مما تتبناه الدعوة، أو نفسيا من حيث التأدب بتلك المعلومات وتوطين النفس على السلوك بموجبها أو تنظيما من حيث التقيد بما تفرضه اعمال الدعوة من تنفيذ وحزم وذكاء ومهارة. اما اذا لم يستجب الفرد للدخول بحلقة فيستمر الداعية بالاتصال الفردي به الى زمن آخر. ولا بأس من اعطائه بعض المنشورات بمعرفة المسؤول، هذا ونرجو من الله ان يكثر اعدادنا فيقوينا على اعدائنا، انه ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.