حول الحلقة الحزبية

الحلقة:

اسم يطلق على مجموعة الدعاة المنتظمين في اصغر وحدة تنظيمية في بناء الدعوة.

ولهذه الوحدة التنظيمية واجتماعاتها وما يدور فيها من دراسة مفاهيم وافكار الدعوة والتداول في شؤونها العملية اهمية بالغة. فمن مجموعها يتكون الهيكل العام للبناء الدعوتي. وعلى قدر نضجها وقوة لبناتها الداخلية تتوقف قدرة الدعوة على العمل والمقاومة والعطاء.

وعناصر الحلقة هي: موعد زمني محدد، وحد أعلى من الدعاة العاملين، ومادة فكرية واضحة، ومباديء عمل اساسية تمارس مسؤولياتها على اساس منها، ومسؤوليات محددة للأعضاء، وتوجيه قيادى سليم.

ومن ذلك نفهم ان الحلقة ليست موعدا للدرس والتثقيف فحسب كما يتصور البعض من الدعاة، لأن هذه النظرة ستحول الدعوة الى مؤسسة ثقافية صرفة بعيدة عن مسؤولياتها التغييرية… وستحول الداعية الى كتلة سلبية من القابليات، همّه التلقي والاستيعاب النظري فقط.

ان فهمنا للحلقة هو: ان هدفها العمل الدعوتي بكل مقوماته وعناصره وليست الثقافة الاللعمل.

ولكي يتضح للدعاة المفهوم الدعوتي عن هدف الحلقة وعملها، نتحدث عن مادة الحلقة وعن التعليمات الاساسية الخاصة بها، وعن دور مسؤولها وواجباته.

أ. مادة الحلقة:

ونعني بها كل ماينبغي ان يطرح في الاجتماع من ثقافة وافكار وقضايا تهم الدعوة، في حدود صلاحيات الحلقة وامكانياتها، ونلخص ذلك بما يلي:

  1. ثقافة الدعوة التي تصدرها وتقررها على شكل نشرات أو محاضرات أو كتب أو كراريس أو افكار شفهية.

  2. كل ثقافة اسلامية تتفق وخط الدعوة الفكري العام (اذا لم يمكن دراستها خارج الحلقة) ويركز على الدراسة القرآنية ومحاولة استخراج المضامين الحركية التي تنطوي عليها الآيات.

  3. وضع ومناقشة مشاريع وخطط العمل الخاصة بمحيط الحلقة، وبحدود مسؤولياتها.

  4. عرض ومناقشة الاخبار المحلية والعالمية التي تخص الاسلام والمسلمين أو الاحداث الاخرى ذات العلاقة.

  5. متابعة الاعمال التي سبق اقرارها والمحاسبة عليها.

  6. دراسة التقارير ومناقشتها واتخاذ مايلزم من قرارات بشأنها.

  7. الاستماع الى الاقتراحات والمناقشات الخاصة بالدعوة ومشاكل العمل، ونقل خلاصتها الى الدعوة عن طريق المسؤول.

ب. تعليمات اساسية خاصة بالحلقة:

لكي ينتظم عمل الحلقة، وتتحقق فاعليتها، لابد من مراعاة مجموعة من التعليمات الاساسية:

  1. يجب تحديد الزمان والمكان بشكل يناسب جميع افراد الحلقة ويوفر لها الأمن والحماية، بالاضافة الى السرية. ويجب على كل داعية ان يلتزم بالموعد المتفق عليه، ولايجوز له مخالفة ذلك الالضرورة قاهرة. ويجب على مسؤول الحلقة ان يحاسب الداعية الذي يخالف الموعد ويستوضح منه سبب عدم التزامه.

    والالتزام بالموعد الذي هو ضرورة تنظيمية تتصل بها سلامة البناء التنظيمي من طاعة وانضباط، هو خلق اسلامي نبيل يدل على الصدق والاخلاص والجدية. فقد ورد في الحديث الشريف ان من علامات المؤمن انه

    ”اذا وعد وفى، واذا حدّث صدق“.

  2. مراعاة للسرية يحدد العدد الاقصى لأفراد الحلقة بأربعة اشخاص بالاضافة الى المسؤول. ويجوز ان تتكون الحلقة من عدد أقل. ولا يصح تجاوز الحد الاعلى الا لضرورة قاهرة تحددها القيادة المسؤولة في الدعوة.

  3. تنعقد الحلقة في كل اسبوع مرة ليبقى الاتصال متقاربا والتفكير والعمل متواصلا. ويجوز التصرف بهذه المدة بعد اخذ موافقة الدعوة كلما دعت الضرورة لذلك. ولو فوجيء افراد الحلقة بما يوجب الغاء الاجتماع وجب ذلك دون مراجعة الدعوة.

  4. يجب على كل داعية ان يكون مهيأ للاجتماع قبل حلول موعده. الداعية المخلص يعيش بكامل وجوده وامكاناته من اجل الدعوة الى الله وهو راض بذلك.. إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَ‌ىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ

    ولايستطيع الداعية ان يساهم في الاجتماع وان يؤدي الغرض المنشود منه اذا حضر الاجتماع وهو لايدري ماذا سيفعل ولماذا حضر.

    وبالتالي ستكون الحلقة مجلسا للحديث وللّقاء المرتجل المعزول عن صميم العمل.

    اما الدعاة الذين يعّدون الاقتراحات ومشاريع العمل ويتزودون بالافكار والاخبار والملاحظات ويفكرون بصورة جدية بكل مايهم العمل والعاملين قبل حضور الاجتماع، فانهم يحولون الاجتماع الى خلية عمل، ويقدمون كل مرة للدعوة شيئا جديدا، ويضعون في بناء التغيير لبنة جديدة.. فلا كسل ولاخمول في صفوف الدعوة بل جّد دائم ومثابرة.

  5. يفتتح اجتماع الحلقة بتلاوة بضع آيات من القرآن الكريم ويحبذ ان يكون من آيات الدعوة والجهاد والتشويق للعمل.. والهدف من ذلك هو ان نرتبط دائما بكتاب الله عزوجل: ربيع قلوبنا، ومحور دعوتنا ومصدر الهامنا، الذي نستمد منه عزيمتنا وقوتنا، ونغير على اساس هداه نفوسنا وواقعنا. فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام:

    ”والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه.. ولكن لايبصرون“.

  6. يجب اعداد منهاج عمل للاجتماع يتضمن كل مايمكن بحثه ومناقشته في حدود مسؤوليات الحلقة وحاجاتها وامكانياتها ومسؤول الحلقة يعد المنهاج مسبقا مضيفا اليه مايقترحه الدعاة

    وينبغي عدم الانتقال من مادة الى مادة اخرى الاّ بعد اشباعها بالبحث والمناقشة من قبل الدعاة واتخاذ القرار بشأنها.

  7. يجب ان تسود بين اعضاء الحلقة روح الاخوة والود والانسجام النفسي. عن الامام الصادق عليه السلام:

    ”اتقوا الله وكونوا اخوة بررة متحابين في الله متواصين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا امرنا“.

    بهذه الروح الايمانية البناءة تنطلق مسيرة العمل ويتمكن الدعاة من تأدية واجباتهم ومهماتهم.

  8. يختم اجتمع الحلقة بالدعاء والاستغفار، فالدعاء وسيلة ارتباط بين الداعية المؤمن وخالقه سبحانه وتعالى مصدر القوة والتوفيق والنصر: رَ‌بَّنَا اغْفِرْ‌ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا. رَ‌بَّنَا أَفْرِ‌غْ عَلَيْنَا صَبْرً‌ا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْ‌نَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِ‌ينَ ﴿٢٥٠﴾.

ج. دور المسؤول وواجباته:

المسؤول هو الداعية المكلف بادارة الحلقة وتوجيه نشاطها. والمسؤولون عن ادارة الحلقات في الدعوة هم العناصر القيادية التي تصنع وتبني بمجموعها جهاز الدعوة. وعلى مدى نضجهم وقدرتهم الفكرية والتنظيمية وايمانهم برسالتهم يتوقف تطور الدعوة ونموها وقدرتها على التغيير والوصول الى اهدافها. أما اذا كان المسؤولون لايتمتعون بهذه الدرجة من النضج والاستيعاب، فان بناء الحلقات سيكون ركيكا وعرضة للتصدع. ولن يتربي فيها الاّعنصر ضعيف غير مؤهل لحمل رسالته ولا معد لمواصلة المسؤولية التغييرية الثقيلة الملقاة على عاتقها.

نظرا لذلك كان من الضروري أن نبين دور المسؤول وواجباته لنتجاوز بعض الوسائل الخاطئة في اختيار المسؤولين والتي لاتستند الى التخطيط. كأن يتولى احدهم مسؤولية مجموعة من الدعاة فقط لكونه هو الذي تولى ضمهم الى العمل أو أن ينظر في المسؤول الى مكانته الفقهية أو الفكرية فقط دون الالتفات الى مستوى نضجه الحركي أو ملاحظة مدى تربيته الحزبية.

واهم الاسس التي ينبغي مراعاتها في اختيار المسؤولين، هي في رأينا التالية:

  1. ان يكون المسؤول مستوعبا لخط الدعوة، وثقافتها كي يستطيع توجيه افراد حلقته بوضوح، وليتمكن من رفع مستواهم وتربيتهم دعوتيا بالشكل المطلوب.

  2. ان يكون المسؤول على مستوى مناسب من الثقافة الاسلامية والفهم الشرعي.

  3. ان تكون له خبرة وممارسة عملية كافية.

  4. ان تكون له شخصية قيادية، محترمة ومؤثرة.

  5. ان يتمتع بدرجة كافية من الذكاء الحزبي كالفراسة والابداع والقدرة على وضع الخطط العملية المناسبة.

  6. ان يتحقق الانسجام الكامل بينه وبين افراد حلقته، ويعمل معهم بتواضع، يحترم آراءهم وملاحظاتهم، ويتقبل منهم النقد البناء، ويلفتهم الى نقاط الخطأ في تصرفاتهم وطروحاتهم بالطريقة المناسبة.

  7. ان يكون قدوة لأفراد الحلقة ونموذجا مصغرا للدعوة امامهم.

هذه هي اهم الشروط التي ينبغي توفرها في مسؤول الحلقة. أما واجباته، فنوجز ابرزها بما يلي:

  1. الواجب الاول للمسؤول، هو توجيه افراد الحلقة واعدادهم وفق خط الدعوة ومنهاجها الفكري والعملي. ولا يجوز له ان يوجههم بطريقة مزاجية ارتجالية، ففي ذلك خيانة للامانة، واخلال بسلامة البناء الدعوتي.

  2. المسؤول يمثل الدعوة امام الدعاة، والوسيط بينها وبينهم، لذلك فأن من واجبه نقل وايصال كل ماتريد الدعوة ايصاله عنها واليها.

  3. ان للمسؤول حدودا لا يحق تجاوزها أو التصرف خارج دائرتها فمثلا لوسئل عن رأي الدعوة في قضية أو تفسير حدث ولم يكن الرأي واضحا لديه، فليس من حقه ارتجال الجواب، لأن الدعاة يعتبرون ذلك رأي الدعوة.

  4. من واجب المسؤول ان يعد نفسه اعدادا قياديا خاصا من جهة الفكر والوعي والالتزام الحركي عن طريق التحصيل والتدريب الذاتي، ليستطيع ان يقوم بمهمة اعداد افراد حلقته

  5. المسؤول هو المكلف بتنفيذ مقررات الدعوة داخل الحلقة، وتحويل المباديء النظرية الى مقررات عملية.

  6. من واجب المسؤول ان يعتني بالقابليات المتفتحة والاستعدادات المتقدمة في افراد حلقته ليساعدها على النمو والتكامل كي تأخذ دورها الأكثر فاعلية وتأثيرا في بناء الدعوة.

ان المسؤول الذي لا يجد من نفسه الكفاءة أو يعاني الفشل في ادارة عمله، يتوجب عليه ان يتخلى عن مسؤوليته بعد مصارحته للدعوة بذلك. فالمسؤولية واجب وتكليف وليست موقعا أو منصبا يجلب لصاحبه المكانة والتأثير، والداعية المؤمن لا يهدف من عمله سوى مرضاة الله سبحانه، ويستشعر دائما بمراقبته عز وجل وبأنه سيحاسب امامه ان فرّط بمصلحة الاسلام.

يقول تعالى مخاطبا رسوله الكريم: وَاصْبِرْ‌ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَ‌بَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِ‌يدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِ‌يدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِ‌نَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُ‌هُ فُرُ‌طًا ﴿٢٨﴾.