المراحل

صدر في شوال ١٣٩٨ هجري

مقدمة

قلنا في الحلقة الثانية من ”توضيح بعض المسائل التنظيمية“ ”اننا نعتبر أن الخط العملي لدى الدعوة واضح. ويجب علينا أن نستمر في القاء الضوء على الطريق العملي الذي نسلكه، ليراه الجميع داخل الدعوة بوضوح ويراه من هو خارجها في الوقت المناسب“

وفي هذه الحلقة نقدم بحث المراحل الذي هو التخطيط الرئيسي لمسيرة الدعوة، لأنه من الابحاث التي تحتاج الى مزيد من النور

ان اول نشرة تنظيمية كتبت لتنير طريق العمل كانت موضوع المراحل فقد اجتمعت النواة الأولى للدعوة في حلقة لبحث كيفية سير الدعوة، وقد تبلور الموضوع بنقاش اشترك فيه الجميع وبدرجة من الاستيعاب تلفت النظر، ثم كلف احد الأعضاء بكتابة الموضوع.. وهكذا فأن العديد من الأفكار التنظيمية التي هي الآن من بدائه عملنا خرجت الى النور بعد معاناة ونقاش.

وكانت الكتابة الثانية للمراحل من قبل الشهيد السعيد أبي عصام رضوان الله عليه بعد ان تبلورت لدى الدعوة مفاهيم وتصورات جديدة في الموضوع.

ثم كتب الموضوع مرة ثالثة.. وها نحن نقدمه من جديد، وسيحتوي البحث في المرحلة الأولى النقاط الرئيسية التالية:

  • كلمات عن المراحل.

  • نشوء الدعوة.

  • بناء الحزب.

  • العمل مع الامة.

  • خاتمة.

كلمات عن المراحل

  1. استضاءت الدعوة في رسم مراحل العمل بفهمها للطريق الذي سار عليه رسول الله ﷺ وهو الطريق العقلي والفطري لكل عمل يستهدف تغيير المجتمع كله بعقيدة وشريعة.. فان هذا التغيير لايمكن ان يتم دفعة واحدة، فقد شاء الله سبحانه ان يكون الوقت أو الزمن احد ابعاد الحياة بمعناها الواسع، ومن ضمنها حياة الانسان. والعمل الحزبي لايمكنه ان يتخطى هذه الحقائق والسنن التي جعلها الله تعالى للحياة.

  2. و لنتذكر قبل الاستطراد في الحديث ان مراحل عمل دعوتنا اربعة:

    • المرحلة التغييرية. وسميت المرحلة الفكرية ومرحلة البناء والتكوين.

    • المرحلة السياسية.

    • مرحلة قيادة الامة.

    • مرحلة تطبيق احكام الاسلام.

    وان الطابع العام للمرحلة الاولى هو الطابع الفكري، وان كانت لاتختفي فيها الاعمال السياسية. وان من اهداف المرحلة تكوين كتلة من المجاهدين والواعين تتمكن من الناحيتين الكمية والكيفية من مباشرة عمل الدعوة والتأثير على الامة تأثيرا فكريا وسياسيا لتتعاطف الأمة مع الدعوة والعاملين فيها.

    وان تخفي وجودها عن العملاء مهما استطاعت الى ذلك سبيلا.

    وان واجبات الدعاة فيها الوعي الجيد للاسلام والتنظيم والسياسة والامة والمجتمع والمؤثرات التي تؤثر عليه، وبناء الدعوة بناءا قادرا على تحمل تبعات العمل.

  3. ستختلف كتابة مراحل الدعوة هذه المرة وخاصة المرحلة الاولى عن الكتابات السابقة لاختلاف موقعنا في المرحلة. لقد تحدثت النشرة التنظيمية الاولى عن المراحل حديثا مستقبليا، حديث تخطيط عام يبين مسرى الدعوة.. بينما نتحدث اليوم عن فترة من تاريخ الدعوة وعن حياة نعيشها في المرحلة، ونتحدث عن المراحل حديثا بطريقة الكتابة المستقبلية لزيادة توضيح طريق العمل.

    مرحلتنا الاولى مسيرة قطعنا بعون الله أكثر اشواطها.. تمتعنا بحلاوتها: حلاوة العمل الايماني بكل ابعاده.. عبادة الله في كتابة النشرة.. واستنساخ النشرة وطباعتها وتوزيعها عبادة الله في حضور الحلقة في التدريس والدراسة فيها.. عبادة الله في نشر الوعي الاسلامي والوعي السياسي في المقهى والشارع والمعمل والمسجد والحفلات والمهرجانات والمسيرات والمواكب عبادة الله في تلاوة القرآن بتدبر، والاهتداء بهديه.. عبادة الله في الانتقال من بلد لآخر في سبيل الله.. عبادة الله في التزود للدعوة والارتفاع الى آفاق عليا في الصلاة والصيام والحج.

    وتجرعنا مرارتها: مرارة قسوة الاستعمار الكافر وعملائه.. ومرارة غفلة المسلمين عن اسلامهم وعن اعدائهم.. ومرارة اخوان لنا كنا نرجو ان يكونوا عونا في تحمل المشاق أو على الأقل حلفاء نتشاور معهم ونتناصح ولكنهم بغوا علينا.. ومرارة انقلاب بعض الاخوة المؤمنين يطعنون العاملين من الخلف وكأنهم اعداء ويشنعون على العمل الاسلامي.. ومرارة تخلف بعض الأخوة عن المسيرة الصعبة ورجوعهم الى حياة المجتمع الراكد، وكنا نرجو ان نبقى سوية في مسيرتنا الطويلة..

    ايام مديدة عشنا انتصاراتها، انتصارات اساليب وخطط عملنا فيها مع الامة فتقبلها الله تعالى وكللها بنجاح كامل.. وايام عشنا فيها ولا نزال نتخفى عن اعين المراقبين من ادوات الكفر والظلم ونترقب طرق الابواب بعد منتصفات الليالي لاعتقال وتحقيق. وحياة نعيشها بجميع ملابساتها، وكفاح نخوضه في طريق ذات الشوكة، اصابنا ويصيبنا فيه الشيء الكثير، ونستقبل ما أصابنا ويصيبنا برضى واطمئنان وصبر واحتساب ولن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

  4. سوف نقرأ في هذا الحديث اسفار عملنا قراءة مخلصة لا التواء فيها ولامداراة، قراءة اخلاص لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين وللاسلام وللدعوة الاسلامية. وسنسلط الأضواء على ما لنا وما علينا من خلال مسيرتنا الظافرة بحول الله وقوته….

    لقد اخترنا مسيرتنا الصعبة لأنها سبيل الله الذي امرنا باتباعه. وبحمد الله فان المسيرة تخطو الى الامام بخطوات ثابتة. قد نتعثر اثناء المسيرة، وقد نكبو،وقد يحدث في عملنا ثلم.. ولكن التعثر والكبو في الطريق والثلم الذي يصيب العمل ليس هو صورة العمل. انه جزء من ضريبة العمل وعوارض تعرض عليه.. والصورة الحقيقية للعمل هي استمراره ونمو تأثيره على الناس.

وليعذرنا من تمسه بعض الكلمات في هذا الحديث فان ما يكتب انما يكتب لحاجة العمل وهو مقصود.

مقصود للعلاج.

ومقصود للوقاية.

لعلاج بعض الاخطاء أو بعض الانحرافات.

وللوقاية من سريان الخطاء واشاعة الانحراف.

ولولا التأكد من فائدة هذه الكلمات الماسة مع تصورنا لما يحيط بالموضوع لما ذكرت.

فليست النشرة الانبراسا نستضيء به، ولايقال فيها الا ماينفع عمل الدعوة.

نشوء الدعوة

١. خلفية ابتداء الدعوة

اهتز العراق من أقصاه الى أقصاه بالانقلاب العسكري على الحكم الملكي الذي قاده عبد الكريم قاسم برعاية الاستعمار الامريكي. وكما يحدث عادة في الانقلابات العسكرية من خلافات حدث في هذا الانقلاب. فلم تمض اسابيع حتى بدأ الخلاف بين زعيم الانقلاب الأول عبد الكريم قاسم وزعيم الانقلاب الثاني العقيد عبد السلام عارف. وسبب هذا الاختلاف. الصراع الشخصي بينهما وتراجع عبد الكريم قاسم عن الخط الوحدوي الذي كان الانقلاب سائرا فيه بعد ان ضغطت بريطانيا على امريكا في هذا الأمر.

وانقسم العراق الى قسمين سياسيين رئيسيين: قسم يؤيد الزعيم وآخر يؤيد العقيد. وظهرت القوى المؤيدة للزعيم متمثلة بالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي.والقوى المؤيدة للعقيد متمثلة بالقوميين العرب والناصريين والبعثيين. ورفع مؤيدوا قاسم الشعارات الاقليمية ومؤيدوا عارف الشعارات القومية والوحدوية.

وامتلأ الشارع في مدن العراق وقصباتها بالصراع السياسي وحركت هذه الاحداث جميع الناس وخلقت أجواء جديدة للتفكير بالسياسة والاعمال الحزبية.وتأثرت الحوزة العلمية في النجف الأشرف بهذه الاحداث وتحسس عدد كبير من خيرة افراد الحوزة بسوء الاوضاع وغياب الاسلام عن الساحة السياسية وامكانية العمل من اجل الاسلام، وكان هذا التحسس بداية لكسر الجمود السياسي الذي اصاب الحوزة بعد فشل استثمار ثورة العشرين ضد الاستعمار الانكليزي.

٢. تكوين قيادة الدعوة

في هذا الجو الملائم للعمل تلاقى مجموعة من المؤمنين الواعين للاسلام والممارسين للعمل الحزبي، ومجموعة من الحوزة أرهفت الاحداث نفوسهم وتهيأت عقولهم لخوض العمل العام، وافراد من العلماء والمؤمنين المتمرسين بالأعمال الاصلاحية من ذوي الخبرات الجيدة في التعامل مع الناس.. التقى هؤلاء الأفراد والمجموعات بواسطة افراد منهم ذوو علاقات متعددة الجوانب وأنشئت تعارفات ودارت نقاشات وحدثت مباحثات متعددة وفي اماكن مختلفة وفي اجتماعات كانت تتسع وتضيق وتتكرر حسب وسطاء الخير الذين عملوا لايجادها أو بفعل افراد من هؤلاء الأفراد والمجموعات.. وكانت الافكار تتلاقى في بعض الاحيان وتتباعد في أحيان اخرى.. وانسحبت جماعة، وبقي على اتصال دائم كوكبة منسجمة اخذت افكارها تتلاقى وتتوحد..

بحث هذا المجتمع الصغير الأوضاع السياسية واوضاع الامة وضرورة العمل على ضوء العقيدة والشريعة الاسلامية، اطاعة لأمر الله تعالى وتقربا اليه وانقاذا للامة الاسلامية من القيادات الفكرية المتأثرة بالغرب التي تضع الأمة في متاهة من الأفكار والمباديء تزيد في الهوة التي تعيش فيها الامة.

ومن تأثير الاحزاب المصطنعة والاحزاب الاقليمية والعرقية العميلة والتي تعتبر بشكل ما امتدادا للحكام أو بدائل لهم تفعل ما تؤمر حسب اللعبة الدولية في منطقتها.

توحدت الأهداف، وتقاربت المفاهيم، واتجهت العواطف والمشاعر نحو الالفة والتجانس.. وشاء الله رب العالمين سبحانه فكانت النواة الاولى للدعوة.

وكان من اهم عوامل الانسجام والتفاهم: ان كل واحد منهم يعرف لنفسه ولغيره حدوده وامكانياته التي يمكن ان تسخر للعمل دون اتفاق مسبق بينهم وبتطابق مع الواقع والظاهر، فالنزاهة والاخلاص والتسامي والجذوة الايمانية والاندفاع نحو العمل متوفر لدى الجميع ولا وجود لأدنى تفكير فردي أو أناني.

وكانت هذه النواة المباركة متكاملة يكمل افرادها بعضهم بعضا، فهي ذات امكانيات ظاهرة وكامنة كافية لقيادة الامة الاسلامية للسير نحو تطبيق الاسلام. ففيها قابليات يندر اجتماعها لفهم الاسلام وفهم الواقع وفهم التنظيم والوعي على الأحداث في البلاد الاسلامية وفي العالم، وقدرات فذة للفهم النظري، وامكانيات للتحرك وللتأثير في اوساط قيادية شعبية عليا في المنطقة والمناطق التي ستعمل بها.

وكانت المجموعة بعيدة عن تيارات ومشاعر التعصب الذميم بكل أشكاله العرقية والاقليمية التي يزخر بها العالم الاسلامي، وكان جميع أفرادها واضحي الهوية ونقيي السريرة، قد تطهرت نفوسهم من مواصفات الركود بفعل الاحداث والممارسات السابقة وبفعل البحث والتنقيب المخلص للسير في طريق التغيير.

ومن ظواهر طهارة النفوس ان الذين عملوا لتحريك المتحسسين من الحوزة بسبب الهزة السياسية وجمعهم مع المتفهمين للاوضاع من اصحاب الممارسات العملية.. هؤلاء الذين كان لديهم تحسس سابق على الهزة السياسية ودفعهم الى التفتيش عن عمل يشبع رغبتهم في أداء الخدمة العامة للأمة والمجتمع ويرضي فهمهم للاسلام، وكانت لديهم عدة محاولات في العمل العام يتقدمون فيها خطوة ويتأخرون اخرى لعدم وضوح طريق العمل لديهم، وكان آخرهاهذه الاتصالات والمسعى الذي نتجت عنه مسيرة الدعوة الظافرة بمجرد ان نجحوا في جمع مجموعة ابتدأت سيرها تواروا الى الخط الثاني من العمل.. انها ظاهرة الحس الاسلامي النقي، ظاهرة النفوس السامية الطاهرة.

ان سبب نجاح هؤلاء الاخوة في هذه المحاولة وهذا المسعى التاريخي هو: خلو الساحة التي تحركوا فيها من العمل الاسلامي المنظم والظرف السياسي المواتي. والصدمة النفسية التي هزت المشاعر لدى جمهور المسلمين. والاستعداد الكامل لدى مجموعة من الصفوة للعمل الاسلامي.

٣. بدء المسيرة

وبعد فترة بسيطة تجمع حول النواة مجموعة خيرة من المجاهدين والواعين فتضاعف عدد العاملين وتركزت القيادة في النواة الأولى في باديء الامر وفي الشوط الاول من اشواط المرحلة الاولى من حياة الدعوة المباركة.. وانطلقت مسيرة العمل الاسلامي الجديدة بحول الله وقوته.

بناء الحزب

١. القيادة

تبلورت القيادة في الخلية الاولى التي أدارت دفة العمل بفعالية وحكمة، فقد استفادت من الامكانيات المتاحة في ساحة العمل ومن الظرف السياسي المواتي، استفادة كاملة جعلت من الاسلام وجودا بارزا ازاء التيارين المتنازعين تيار عبدالكريم قاسم وتيار عبدالسلام عارف، وقد التجأ التيار الثاني الى الاقتراب من الزعامة الاسلامية البارزة والمؤثرة لكي يقوي نفسه شعبيا، وكانت الفعالية الشعبية المؤيدة لعبد الكريم قاسم تتمثل بأعمال الشيوعيين الصبيانية التي كان منها اظهار العداء للاسلام.

وفي تلك الفترة طرحت الدعوة افكارا اسلامية مبلورة كان لها تأثير سياسي جيد في أجواء كان ينتقد فيها الفكر الاسلامي علانية.

ان اهم الجوانب التي توفرت ويجب ان تتوفر في القيادة هي معرفة الاسلام والالتزام به. ومعرفة مقتضيات العمل الحزبي من تخطيط وتحريك وحيوية وحمل هموم الامة والالتزام بمقتضيات ذلك في الساحة الاسلامية الممزقة الأوصال.

ان الاحزاب التي يقودها شخص واحد تعمل على احاطته بهالة من الصفات البراقة حسب اوضاع المجتمع الذي تعمل فيه، فهي تضفي عليه من الصفات ماليس فيه. ان زعماء الاحزاب يتمتعون دون شك بصفات متفوقة في نواحي العمل السياسي والاجتماعي والتنظير الفكري والا لما تمكنوا من الوصول الى مراكزهم ـ هذا في الأعم الاغلب ـ الا ان مايضفى عليهم من صفات هو اكثر بكثير مما يملكون.

ان وضعية القيادة الجماعية التي تحرص عليها الدعوة في مختلف مستويات عملها فيها بعض التعقيد. ومن هذا التعقيد هو ان صاحب الاختصاص قد يكون في اختصاص آخر أقل مستوى عن كثير من المجاهدين وهذا الامر قد يسبب بعض المتاعب عندما يتجاوز القيادي اختصاصه فيصطدم بالمجاهدين أو لايصطدم فيعرقل العمل.

وعلينا ان نتحمل هذه المتاعب لأننا نؤمن بتجميع الطاقات لابهدرها، على ان يكون التجميع ذا أثر ايجابي على مسيرة الدعوة في عملها الواسع.

تعرضت القيادة في حياتها الى صدمات وهزات كانت عنيفة في بعض الاحيان فقد اصيبت بانسحاب اعضائها، وفقدان البعض الآخر بسبب الضغط الاجتماعي والضغط السياسي والاعدامات.. الا انها كانت من الحيوية والكفاءة بحيث كانت تعوض نفسها من مجاهديها باختيار دقيق يأخذ العوامل المنظورة جميعها بنظر الاعتبار مما كان يدفع العمل الى الامام بدلا من اهتزازه وتضعضعة. وكان يتراكم في نفوس بعض الدعاة هموم اضافية وهزات عاطفية عنيفة بسبب هذه الصدمات.. وكانت تعالج بصبر وأناة. ولكن الدعاة المجاهدين المنتظمين كانوا من الوعي والكفاءة والروحية العالية والاخلاص لله وللعمل الاسلامي انهم كانوا لايأبهون لانسحاب منسحب أو تراجع متراجع.

وكان الاخوة المنسحبون من الايمان وروحية التعاون وحب العمل الاسلامي بحيث لم تصدر منهم عند انسحابهم اشارة للتأثير على العمل في نطاقه العام، ولم يقطعوا علاقتهم بالدعوة وتعاونهم حسب الظروف التي يعتقدون انها تسمح بذلك. ان العلاقة الايمانية التي تربطهم بالدعوة وتربط الدعوة بهم من المتانة بحيث لا تتأثر بشكل جذري بالمؤثرات. وقد كان لأسلوب الدعوة في التعامل معهم أثر كبير في استمرار العلاقة الحسنة، وستبقى كذلك رغم ماصدر من بعض الدعاة تحت الظروف القاسية، ورغم ماصدر من البعض تحت الظروف القاسية بحق الدعوة، أو ماربما يصدر في ظروف اخرى.

ان القياديين الذين تركوا الدعوة قدموا لها خدمات جلى نسأل الله ان يعطيهم أجرها، وان باب الدعوة مفتوح لمن ترك الدعوة من جميع المستويات. والذي صدر منه شيء بحق الله تعالى والعمل في سبيله والعاملين في سبيله عليه ان يتوب توبة نصوحا ليعود الى صفوف المجاهدين.

في الاشواط الأولى من مسيرة الدعوة أثر المد الاسلامي الشعبي على الاحزاب القائمة التي كانت تطمح ان تقود وحدها الجماهير الشعبية في تلك المنطقة، وبعد ان لاحظت الاحزاب ان هناك عملا حزبيا وراء هذا النشاط الاسلامي العام، قام احد رجالها بعملية خبيثة أدت الى انسحاب مجاهدين لهم وزن كبير في العمل. ولو ان مثل هذا الحادث وقع في حزب آخر لترنح العمل وتخلخل سيره، أو تساقط بسبب الاهمية الكبيرة التي كانت لهذه الثلة من المجاهدين والسمعة الكبيرة التي كانت لهم داخل الدعوة وفي الاوساط الشعبية، وكان الانسحاب نتيجة تهيب الانكشاف وأثره في المجتمع الخاص الذي يعيش فيه هؤلاء المجاهدون.

وتشاور أولو العزم من الدعاة وسأل احدهم الآخرين: كيف ترون أنفسكم الآن بعد انسحاب الاخوة المجاهدين من ساحة الجهاد؟ هل أثر فيكم ذلك؟ فكان الجواب: لا. فلنتوكل على الله..

واستمرت المسيرة بانسجام أكبر وبعزيمة أقوى وبحكمة عملية أعمق وبحمل أثقل لهموم الأمة والدعوة والحمد لله..

وكانت وحشة عظيمة عاشتها قيادة الدعوة لفراق اخوان الجهاد في الطريق الصعبة الموحشة. ولكن الحكمة في العلاقة بين الدعوة وبين المنسحبين خفف الصدمة الكبيرة وامتصها وأكسب الدعوة مناعة كبيرة لتلقي الصدمات الداخلية التي هي أشدوأمضى على النفس من الصدمات الخارجية.

وكان من أثر انسحاب هذه الكوكبة من العمل ان تخلخل الصف الثاني في منطقتهم وحدثت بلبلة فيه ادت الى انقسام سرى أثره الى منطقة أخرى وحدث انشقاق في الدعوة بقي نطاقه ضمن مدينتين فقط، ولكن المدينتين أصيلتان في العمل الاسلامي، وقد وفق الله تعالى الدعوة وتجاوزت الانشقاق وامتصت أضراره وعملت على ازالة آثاره بالتسامي وطول المسيرة الشاقة.

وفي فترات غير بعيدة جرت محاولات ساذجة واستعملت اساليب ملتوية لقطع ارتباط بعض الخطوط بالمركز، الا أنها بقيت جنينا لأنها اصطدمت بصخرة التنظيم الصلبة.

ومن الطبيعي ان تتعرض الدعوة لمثل هذه المحاولات فذلك شأن المسيرة الحقيقية في مجتمع تسوده الفردية، ولكن الاساليب الملتوية في الاستمالة والعرقلة قد تؤدي أغراضها في اوساط اخرى.. اما في الدعوة فلاتؤدي اغراضها. وسيكون موقفنا من اصحاب المحاولات اننا سنداري من يسايرنا أو يسير معنا وسنأخذ من العاملين بقدر مايعطون من أنفسهم وجهدهم ومالهم.

وان الموقع الحقيقي للداعية من العمل يتحدد بمقدار الكفاءة والاخلاص والالتزام والبذل من النفس والوقت والجهد والمال.. ونحن مصممون كل التصميم على ان يبقى العمل سائرا في خطه الأصيل وساميا على كل فردية وأنانية.

٢. الداعية القيادي

ان الغالبية من الدعاة القياديين (الكوادر) انضموا الى الدعوة من الأوساط التي لاتزال تحافظ على بقايا الالتزامات الاسلامية، وممن يتحسسون عن قرب ببعد المجتمع عن الاسلام وما فيه من آلام الظلم والفقر والمرض والجهل، ومن اهمال السلطة لاقل العناية والخدمة للمسلمين.. وقد فتحت الدعوة لهم آفاق الفكر والعمل.. فانطلقوا الى الاغتراف من المفاهيم الاسلامية والى الالتزام النقي بالاسلام والعمل الدائب لانقاذ المسلمين.

لقد تحولت الحياة عند المجاهدين من حياة راكدة تافهة الى حياة حركة وعمل وفكر.

وتحولت اهتماماتهم من اهتمامات شخصية الى اهتمامات عامة وتحولت همومهم من هموم ذاتية الى هموم الامة بأجمعها.

ان مسيرة الدعوة هي مسيرة الصفوة من هذه الامة.. الطلائع الذين يشقون طريق الكرامة بأذن الله.. أباة الضيم الذين يفضلون السير في طريق ذات الشوكة طريق المضايقات والمطاردات البوليسية، والاعتقالات والتحقيقات الرهيبة والسجون و الاعدامات على طريق الدعة والراحة والخمول.. مسيرة الذين قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا واليك المصير، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

وقد اعتمدت الدعوة على هذه الصفوة في توزيع اعمالها من خلال نموها الطبيعي، فهي تعطي المسؤولية للأفراد عندما لا يتاح تأليف اللجان، وتفضل تأليف اللجان عندما يتيسر لها ذلك لتوزيع الحمل الثقيل على عدد اكبر، وللحصول على ثمار المشاورة والتدارس في تسيير اعمال الدعوة.

وانطلق الدعاة في عملهم ضمن خطوط الدعوة المرسومة. واعتمدت هذه الانطلاقة على مقولة الدعوة (لا شيء يقيد الداعية في عمله ما دام ملتزم بالخط العام للدعوة). ان هذه المقولة من منجزات دعوتنا والتي ينبغي ان يستوعبها الدعاة ويعرفوا قيمتها فالمجتمع الراكد الذي نعيش فيه يحتاج الى مجموعات من القياديين الدعاة الى الله عزوجل ولايجوز ان تنحصر قيادة الامة بقيادة واحدة وتتعطل امكانات الدعاة التي تتفتح بالعمل والفكر.

ان الامة التي تشكو من الهبوط الفكري، والتي تقع تحت الهيمنة الفكرية للكافر المستعمر اضافة الى الأنواع الاخرى من السيطرة.. الاقتصادية والعسكرية والسياسية الخ…ان امة بهذا الوضع تحتاج الى عمل واسع ودؤوب لأيقاظها، تحتاج الى عمل جميع الدعاة كقياديين ومفكرين ومخططين وليس الى عمل قيادة الدعوة وحدها، ويكون الدعاة صدى لها، ان الصدى ليس كالصوت الأصيل.

ان التفاعل الحي بين القيادة والكادر الحزبي والحزبيين بأجمعهم هو الكفيل بتحويل الدعاة الى قياديي هذه الأمة التي هي بأمس الحاجة اليهم. وانهم كذلك اليوم يعملون في الأمة كقياديين ويحرصون على ان يختفي اسلوب قيادتهم عن العيون كما هو مرسوم في هذا الظرف من حياة الدعوة والامة، حتى تظهر هذه القيادات كل في وقتها المناسب.

ان هذه المقولة لا تعني الانفلات الحزبي وانما تعني الانطلاق. ولا تعني اهمال الظرف العملي المحيط وانما تعني ايجاد اساليب جديدة وتحقيق ظروف جديدة.

لقد وضعت الدعوة هذه المقولة لعلاج حالة مرضية تمنى بها الاحزاب والأجهزة بشكل عام، حالة التعبد الحزبي الآلي الصارم الذي يجعل العضو يتحرك في المجتمع وكأنه حجر شطرنج.

وقد أعطت هذه المقولة ثمارها في الاوقات الصعبة فقد استعادت الدعوة تماسكها بعد ان اعتراها فقدان بعض حلقات الاتصال، بالاعتقال والسجن والهجرة والاعدام، وذهبت ادراج الرياح محاولات ايقاف عجلة الدعوة بحجة التمهل والتعقل والحكمة.

ان المفهوم الراكد الذي يحاول ايقاف عجلة العمل مآله الاهمال عند الكادر الحزبي من اي مصدر صدر.

ان الهجمة الاستعمارية الشرسة على الدعوة في العراق لم تفقد الدعوة فيها توازنها بالرغم من ان المقصود اماتة الدعوة في مهدها. فقد قطعت الصلات في بعض قطاعات الدعوة وكان أمام اعادتها صعوبات بالغة في جّو محموم من الملاحقات البوليسية والحذر الشديد والحيطة. وقد اعيدت العلاقات رغم بعض التصرفات الخاطئة من بعض الدعاة. وكان لمبادرات فردية من بعض الدعاة من أصحاب الهمم العالية مساهمة فعالة في هذا المجال، وكذلك مبادرات ساهمت في بذل العون لأسر الشهداء والمسجونين والمهاجرين. ولو لا اثر هذه المقولة التي هي من خط الاسلام الحيوي في العمل لكان تأثير الضربة بشكل آخر……

والحمد لله على جميع نعمه..

صفات الداعية القيادي:

للداعية القيادي صفات عديدة لابد ان يتحلى بها. وبمقدارما تتجسد فيه هذه الصفات القيادية تكون قابليته وقدرته على القيادة والعمل في سبيل الله. ونذكر هنا اهم هذه الصفات التي تصلح الواحدة منها لأن تكون موضوعا للكتابة.

  1. يحمل هم الامة ويعيش مسؤوليته تجاهها.

  2. يفهم خط سير الدعوة والمرحلة.

  3. يميز بين الفكر التنظيمي الصائب والخاطيء.

  4. يميز بين الاشياء والقضايا والاشخاص، فلا يختلط في ذهنه أمر بأمر.

  5. يكتشف الاخطاء في سير العمل من بدايتها ويعرفها على حقيقتها.

  6. يتذكر القضايا والامور الاساسية.

  7. يحدد الاولويات.

  8. ينظر الى حركة الحزب وحركة الامة من واقعها المتطور.

  9. يعمل باستمرار للتخلص من الجمود والركود والتقوقع.

  10. يعرف القدرات الممتلكة والانجازات المحققة.

  11. يعمل على تطوير الاساليب لملاءمتها مع مختلف الاهداف

  12. يعطي القرار المناسب في الوقت المناسب.

  13. يقدر قيمة الوقت والعمر ويحرص على الالتزام بالمواعيد.

  14. يكون قدوة في ممارسة المحاسبة لنفسه وتقبل المحاسبة من غيره.

  15. لا يمن بعطائه وتضحياته وجهاده على أحد، بل يستشعر التقصير مهما بذل.

٣. الثقافة

أ. تكامل ثقافة الدعوة:

وضعت الخطوط العريضة وابعاد الثقافة التي تحتاجها الدعوة في عملها في الاجتماعات الأولى لقيادة الدعوة. وكان واضحا ان الدعوة بحاجة الى ثقافة اسلامية تتضح فيها معالم الفكر الاسلامي والى ثقافة اسلامية خاصة اطلقنا عليها فيما بعد اصطلاح الثقافة الايمانية تتفتح بها مكامن الفطرة الايمانية لدى المسلم لتدفعه الى السلوك الايماني وترهف معاني التقوى لديه ليتدرج في معارج التقرب الى الله تعالى ويتهيأ لمواصلة طريق ذات الشوكة الى النفس الاخير من حياته. والى ثقافة تنظيمية تبين كيفية العمل الحزبي وكيفية التنظيم فيه والخطوط العريضة في التعامل الداخلي بين الدعاة والتعامل مع الامة والعلاقات العامة الاخرى. والى ثقافة سياسية تبين الاوضاع السياسية التي تحيط بالدعوة في الاقاليم التي تعمل فيها وفي العالم الاسلامي، ومايؤثر على الدعوة في الساحة العالمية.

وبدأت الدعوة تعطي الفكر حسب الحاجة وحسب الامكانيات… وسارت ثقافة الدعوة في طريق التكامل.

كان واضحا لدى الدعوة منذ البداية ان ذلك يحتاج ان تنشر الدعوة فكرها بما يناسب المقام، فلا بد من نشر سرّي، ولابد من نشر علني، كما انه لابد من اعطاء الفكر على شكل مواضيع متكاملة أو على شكل مواضيع تقدم حلولا لمشاكل قائمة أو مشاكل متوقعة.

وصدرت افكار الدعوة منذ البداية نشرات سرية، وكتب علنية وتوصيات وتوجيهات شفوية، ونمت الأفكار وتبلورت… ولازالت تنمو وتتبلور.

وكمثال لتنامي فكر الدعوة وبلورته فأن الثقافة الايمانية اجتازت مجموعة من المحاولات التي لم تكن لتفي بالغرض، الى ان تبلورت وبدأت تظهر بشكل واضح وجلي بعد مرور اكثر من عقد من الزمان، وكانت الدعوة في هذه المدة تعيش في نقد متبادل يصل الى حد الاتهام بالتقصير. ولم يكن بالحقيقة تقصيرا بل كان قصورا عن بلوغ الحد المطلوب لتلبية حاجة الدعوة. ولم يتمكن اي من المنتقدين لهذا الامر أن يسد الثغرة.

كانت الثقافة الايمانية موضوع تفكير دائم في الدعوة ولم تتبلور الا بعد معاناة طويلة ومعقدة، فقد كان التفكير في البداية ان تكتب الدعوة في ثقافتها مايثبت العقيدة في نفوس الدعاة، وكان هذا الطرح واضح الضعف اذ ان دافع المسلم للدخول في رحاب الدعوة انما هو عقيدته الاسلامية. ووضع طرح آخر هو القيام بتكاليف محددة. الا ان ذلك لم يكن طرحا واضحا.. وكانت الدعوة في هذه الاثناء تضع بعض الافكار العملية لتنمية جذوة الايمان في نفوس الدعاة. وأول وصية حزبية صدرت في هذا المجال منذ الاجتماعات الاولى لقيادة الدعوة ان يتلو الدعاة في القنوت في صلواتهم الدعاء المأثور

”اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعزبها الاسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة“.

وبدأت الافكار الايمانية تتسلل الى ابحاث الدعوة المختلفة ببطء ولكن بثبات.. ثم ظهرت بعد ذلك ابحاث ايمانية مستقلة نشرت وتنشر في النشرة المركزية.

ولم تصدر هذه الابحاث الاخيرة نتيجة ردّ فعل للانتقادات وانما صدرت بعد ان اتضح المفهوم العملي للثقافة الايمانية المطلوبة.

ان ثقافة الدعوة كلها ثقافة عملية، ولذلك فان نموها يكون من خلال التطبيق والتفكير.

ان بعض الموضوعات التي طرحتها الدعوة في نشرة من صفحة واحدة أو اكثر تكاملت بالتطبيق وأعيدت كتابتها حتى اخذت صيغتها المتكاملة بشكل نهائي أو غير نهائي. وبعض النشرات تتكامل في مدة وجيزة وبعضها في سنين عديدة.

ان عوامل التكامل في ثقافة الدعوة هي:

  • أ. ملاحظة القيادة لسير الثقافة في التطبيق والتأثير, والنتائج واعادة النظر في المواضيع، وطرح الخبرة الجديدة والافكار والمزيد من النور على ثقافة الدعوة.

  • ب. ملاحظة القياديين والدعاة لسير الثقافة واقتراحاتهم وكتاباتهم التي تنفع القيادة وتغني الدعوة.

  • ج. التغيرات المستجدة على وضع الدعوة وسيرها، والظروف المحيطة بها والتغيرات المستجدة على الفكر الاسلامي.

وان جوانب التكامل في ثقافة الدعوة هي:

  • أ. التكامل الفكري: اي تكامل افكار الموضوع من حيث العمق والترابط.

  • ب. التكامل الشمولي: اي تكامل شمول الموضوع للجوانب اللازمة والافكار اللازمة.

  • ج. تكامل الوضوح والتحديد: اي بلورة افكار الموضوع وتحديدها ونفي الغموض والتعابير الخاطئة والغائمة.

  • د. تكامل الاسلوب: وصياغة النشرة بأسلوب ”السهل الممتنع“ الذي تتبناه الدعوة، والذي يستوعبه مجموع الدعاة والابتعاد عن الاساليب الأخرى ذات التعقيد أو الحشو أو التطويل.

  • ه. تكامل الاصالة: ونقصد بها الأصالة في مطابقة الموضوع لأحكام الاسلام ومفاهيمه ونفي الأخطاء والانحرافات. والأصالة في مطابقة افكار الموضوع وروحيته لذوق الاسلام وروحيته ونفي التأثر بالافكار والمذاقات الروحية الكافرة والضالة. والأصالة في المصطلحات الاسلامية، مصطلحات القرآن الكريم ومصطلحات النبي ﷺ والائمة عليهم السلام ومصطلحات المسلمين المشتقة من نصوص الاسلام وروحيته.

ان هذا السير التكاملي لثقافة الدعوة يحتل اهتماما دائما من الدعوة ويلاحظه الدعاة فيما صدر في النشرة المركزية، وينبغي ان يكون محل اهتمام لديهم.

ب. مواقف من ثقافة الحزب:

تركزت ثقافة الدعوة في اذهان الدعاة ونفوسهم بالدراسة المركزة في الحلقات وكانت المادة الرئيسية للدراسة هي النشرة الحزبية والكتب التي اصدرتها الدعوة أو دفعت الى اصدارها. وكان للدعوة اهتمام خاص بدراسة القرآن الكريم وبتوجيه الدعاة الى التدبر وبدروس التفسير التي كانت الدعوة تنظمها بأساليب مختلفة. ومن الواضح ان الاهتمام بالقرآن قبل الدعوة كان ضئيلا في اوساط الأمة في مناطق الدعوة، وان الاهتمام بدراسة القرآن والكتب الاسلامية كان معدوما في غير الحوزات.. ومن حلقات الدعوة والدروس التي نظمتها ودعت اليها تخرج مفكرون ومجاهدون قياديون.

ومن الظواهر البارزة في الدعوة ان الداعية الذي لم يهتم بالنشرة الحزبية بما فيه الكفاية بقي متخلفا عن اللحاق بآفاق الدعوة العملية ونظرتها الشاملة الى حياة المسلمين اليوم وكما تريدها في المستقبل ومتخلفاعن اللحاق بمسيرة الدعوة وأساليبها العملية للوصول الى الاهداف القريبة والبعيدة.

ان استيعاب ثقافة الدعوة مع السلوك الايماني يحددان موقع الداعية في العمل الاسلامي لأنهما اللذان يدفعانه الى النشاط والتأثير.

يقول احد المجاهدين:

اما صوت الدعوة التي هي النبراس كما قال الشهيد السعيد ابو عصام رضي الله عنه وأرضاه فهي مركز اهتمامنا، ونريد أن نجعل منها المحور الذي يدور حوله الدعاة والعروة الوثقى التي يتمسك بها العاملون في هذه الظروف الحرجة لاعتقادنا ان الوحدة الفكرية والعاطفية والتغيير الذي تحدثه صوت الدعوة هو الاساس العملي في التغيير.

ونرجو اعادة موضوع صوت الدعوة هي النبراس والتأكيد عليها لأن هناك بعض التهاون عند البعض بقراءتها وتدريسها..

وكتابة كل مايتعلق بتأصيل خط الدعوة وتوضيحه وتعميقه حتى لايتحمل اكثر من تفسير. كما نرجو ان تكثروا من الدراسات الايمانية.

ويقول مجاهد آخر عن بحث انتقده بعض الدعاة:

بخصوص العدد… في نظري رائع في توضيح وبلورة كثير من الأفكار والمفاهيم الدعوتية وكثير منها كانت موضع نقاش.

ويقول مجاهد ثالث:

ابتدأ سير الدعوة وانشق درب العمل ولن تتوقف بحوله تعالى.. نقول هذا مطمئنين واثقين بنصر الله لأن افكارها تغلغلت في نفوس آمنت بالاسلام فوعت تلك الافكار وسارت على هداها من اجل خدمة دين الله ونيل رضوانه.. ان سيرنا بحمد الله يسير قدما الى الامام رغم الظروف المناوئة.. استلم النشرات، واستنسخها ثم سلمها…

هكذا يتلقى الدعاة العاملون ثقافة الدعوة ويحرصون على استيعابها وهو الامر الطبيعي والصحيح في تنظيم الدعوة.

وقد يكون العنوان (مواقف من ثقافة الحزب) مستغربا الا أنه يعبر عن حقيقة موضوعية فالا لتفاف حول ثقافة الدعوة ليس اجماعيا عندنا، فهناك شذوذ عند البعض وهم يعدون على اصابع اليد الواحدة ولله الحمد. وهذه نماذج من مواقفهم:

كتب احد الدعاة بحثا عن ثورة الامام الحسين عليه السلام ووصفها بأنها ثورة انقلابية، ولما سئل عن مخالفته لرأي الدعوة في اعتبارها ثورة الحسين عليه السلام ثورة اصلاحية لتغيير الحاكم المنحرف ولتركيز الاسس التي قام عليها المجتمع الاسلامي.. أجاب بأنه كتب ذلك لكي لاتنكشف علاقته بالدعوة..

ان هذا التفكير الاستقلالي عن فكر الدعوة يجعل سلوك الداعية متماوجا، يميل الى هذه الجهة حينا والى الجهة الاخرى حينا آخر.

في مجال ابداء اهمية الثقافة الحزبية في بداية الدعوة وصفت الدعوة كتاب ”معالم في الطريق“ بأنه نموذج للثقافة الحزبية المطلوبة فأبدى الداعية ذو الفكر الاستقلالي استهانته بالكتاب وقال انه كتاب خطابي ليس فيه عمق علمي، ولعله يقصد أن الكتاب سطحي. وكان ذلك تعريضا بالثقافة الحزبية المطروحة ثم بعد ان حوكم سيد قطب اعتبر الشخص نفسه كتاب ”معالم في الطريق“ كتاب دعوة من الدرجة الاولى وذلك بعد ان سلط الاعلام المصري الأضواء على الكتاب على انه وثيقة ادانة في محاكمة سيد قطب.

عندما اشتدت الهجمة الشرسة على المسلمين في العراق وخاصة على قيادة الحوزة العلمية المتمثلة بالمرجع الكبير المغفور له السيد محسن الحكيم قدس الله نفسه وعلى الحوزة العلمية في النجف الاشرف ظن البعض من الدعاة الذين يغلب عليهم التفكير المستقل ان هذه المحنة تشبه المحنة التي مر بها المسلمون في الاتحاد السوفيتي ايام ستالين والفرق واضح بين الوضعين عند من يرتبط بمفاهيم الدعوة السياسية، فهؤلاء حكام عملاء موقتون يعملون مايأمرهم الاستعمار الكافر ولايقاس حكمهم بحكم الحزب الشيوعي في روسيا. وفي تلك الفترة الحرجة نفسها طلب الداعية ان تقوم الدعوة بعمل مناسب للمقام على اعتبار ان الاسلام والمسلمين معرضون لخطر داهم من جراء اعمال السلطة..ولما أجيب بأن هؤلاء العملاء اقل بكثير من ان يؤثروا على الاسلام والمسلمين واتفه من ان يؤثروا تأثيرا حقيقيا في البلاد وما هم الافئة من الفئات التي تعاقبت على حكم العراق بارادة المستعمر الكافر بعد ان منح الانكليز للعراق استقلالا صوريا.. وقيل له بأنا نلتزم بمرحلية العمل.. فرفض الاخ الداعية تقدير الدعوة للموقف ورفض الالتزام بالمرحلية على اعتبارها ليست فتوى ملزمة، وانما هي قول من الأقوال لايجب الالتزام به.

ولم تهدأ اعصاب الاخ الداعية الاعندما اجيب بأنه اذا كان الخطر على بيضة الاسلام خطرا حقيقيا فعلى جميع المسلمين اذن بمن فيهم الدعاة ان يستميتوا في الدفاع عن الاسلام.

ان الالتزام بالمرحلية ليس ترفا فكريا، ولا هو كلام، يقال وانما هو استقراء دقيق للحركات السياسية والاجتماعية. وهو نتيجة للتفكير العقلي وفهم الفطرة والسنة التي أجرى الله المجتمعات عليها.

قيل لأحد الدعاة وكان ذلك في ايام الدعوة الأولى هل قرأت النشرة التي صدرت، فقال: النشرة التي تكتبونها؟! لاضرورة لقراءتها فانها تكتب لمن لايعرف.. وبأمكاني ان اكتب مثلها. ولم يصادف للاخ الداعية ان كتب مقالا أو شطرا من مقال أو اعطى فكرة مبلورة للدعوة.

يصف احد الدعاة نشرة عالجت بعض محاولات نشر الفكر الاستقلالي بين صفوف الدعاة فيقول: ”ان المادة ضعيفة جدا….

ويقول: ”ان في البحث افكارا غير صحيحة من الناحية الاسلامية الفكرية ويؤسفني ان لا أضع يدي على نقطة بالذات فأن اكثر من نصف المقال فكر غير صحيح ونصفه الآخر ضعيف“ وقد كتب هذا الاخ الداعية عددا من الصفحات حول هذه النشرة ولكن لم يستطع ان يضع يده على نقطة بالذات فيناقشها ويقدم البديل الصحيح لها.

نرجوا من الله عز وجل ان نتجاوز هذه الهنات بالنظر البعيد والأفق الواسع والأخلاص لله تعالى بالقصد.

ان هذه الظاهرة تعيق بعض الامور في الدعوة، بمعنى لو ان هؤلاء استوعبوا فكر الدعوة المترابط المتسلسل الذي يبنى على اسس واضحة. ويتكامل بناؤه الفكري بانسجام وبأهداف واضحة محددة لساهموا مساهمة فعالة في تسيير دفة العمل.. ولكنهم لميلهم الى التفكير المستقل فأن تصرفاتهم الاستقلالية تحتاج احيانا الى معالجة وبذل جهد وضياع وقت ونحن احوج ما نكون الى بذل الجهد والوقت للعمل المجدي المثمر بين صفوف الامة لا أن نصرفه في اتجاهات فرعية.

ج. أهداف ثقافية:

هناك بعض الاهداف الثقافية نسير نحوها، ونحصل على بعض النجاح فيها ونستمر في بذل الجهد الى تحقيق مانصبوا اليه على صعيد الدعاة وعلى صعيد الامة بعون الله تعالى.

ومن أهم هذه الاهداف:

  • بلورة وتبيان جوانب الفكر الاسلامي فقد ساهمت الدعوة مساهمة فعالة في توضيح كثير من الافكار الاسلامية، ولابد ان نستمر في هذا المجال فنصدر الكتب والمجلات الاسلامية التي تبحث المسائل والمشاكل الفكرية والحياتية من وجهة نظر الاسلام بأعلى مستوى من الموضوعية والأسلوب.

  • الثقافة السياسية بنوعيها: الاسس الفكرية لفهم السياسة العالمية من وجهة نظر الاسلام. وشرح وتبيان الاحداث السياسية التي تحدث من وجهة نظر الاسلام. والدعاة مدعوون الى شرح مفاهيم الدعوة في هذين المجالين بمقالات ودراسات موسعة ونشر ما يمكن نشره.

٤. الانتشار البشري

ظهرت الدعوة كيانا حزبيا جديدا في قلب العالم الاسلامي من خلال اعمالها. وقد حظيت بعطف اوساط واسعة من الناس في بعض الاقاليم ونظر اليها بترقب في اوساط اخرى بالرغم من انها لم تعلن عن نفسها الافي مجال ضيق، ان اعمال حزبنا أنبأت عنه قبل ان ينبيء عن نفسه بعكس كثير من الاحزاب التي تعلن عن نفسها ثم لاتظهر نشاطاتها أو أن اسمها يسبق عملها.

ان الاستعمار الكافر يخشى عودة الاسلام الى الحياة السياسية في العالم الاسلامي ويحاول ان يبطش بالعاملين ليخنق العمل الاسلامي قبل ان ينتشر. ولذلك فأن الدعوة حفظا للعمل ونموه اتخذت اسلوب عدم الاعلان عن وجودها الا في نطاق المفاتحين للعمل الاسلامي لتتقي بذلك ضربات عملاء الاستعمار المبكرة.

ان اسلوب السرية والكتمان في عملنا اسلوب ضروري لما يترتب عليه من نتائج هامة في العمل، ولكن الخطأ ان نتوقع منه اكثر من نتائجة الطبيعية في سير العمل واتقاء الضربة المبكرة وتخفيف تأثير العداء والضربات للدعوة واحتفاظها بقدرتها على استعادة وضعها وفاعليتها.

ان تأثير الدعوة في تحريك الامة وملء الساحة بالنشاط الاسلامي لابد ان يظهر ولابد أن يتساءل الناس عن وجود تنظيم وراء ذلك، خاصة الذين يرقبون الساحة ويرصدون تغيراتها من الكفار وعملائهم.

وقد ظهر العمل في العراق كقوة مؤثرة مما حدا بعملاء الاستعمار ان يقوموا بالهجمة الكافرة على الدعوة بتصفية الدعاة بالاعدام والسجن والتعذيب والمطاردات البوليسية.

لقد انتشرت الدعوة في اوساط دون اخرى ووقفت امام انتشارها عقبات متباينة ومعقدة بمقدار مايحمل مجتمعنا الراكد من تعقيدات وعقد.

ان اجواء المساجد والبيئات المتدينة اجواء ملائمة للعمل الاسلامي وان لنا تجربة تدعو للفخر بنعم الله في انتشار العمل الاسلامي في هذه الاوساط.

والاوساط الطلابية في المدارس والجامعات اوساط خصبة للعمل الاسلامي.

ولم تنتشر الدعوة في اوساط النساء كما انتشرت في اوساط الرجال رغم اهتمام الدعوة بأن يعمل في صفوفها الرجال والنساء. وفي الدعوة مجاهدات نعتز بوجودهن ونرجوا أن ينمو وجود المرأة في عالم الدعوة الى الاسلام.

اتجهت الدعوة في الاساس الى المسلمين دون غيرهم لأن مهمتها الرئيسية الاولى اعادة المسلمين الى اسلامهم. لأن ذلك اسهل من دعوة غيرهم الى الاسلام. ان الاسلام دعوة عالمية ومع ذلك فالمسلمون وهم الأقربون أولى بالدعوة الى الالتزام الكامل بالاسلام، وعلينا أن نبين الاسلام لغير المسلمين الذين نعيش معهم في بلاد المسلمين أو عند ما نهاجر الى بلاد غير اسلامية ونوضح موقف الشريعة منهم بوضوح وبحكمة.

عقبات وقفت امام الانتشار البشري:

انتشرت الدعوة بصعوبة بالغة واعترضتنا مصاعب جمة، ووقفت امامنا عقبات. ان السواد الأعظم من الناس يميلون الى الاستقرار في نمط الحياة الراكدة، والاهتمام البارز لديهم تلبية متطلبات الحياة المألوفة، وتسودهم قناعة بعدم جدوى التحرك نحو التغيير، ولذلك لا يستجيبون بسهولة للتوعية وللحديث الفردي عن امكانية تغيير الاحوال بالفعل الجماعي وبأرادة الناس خارج نطاق ارادة السلطة المرتبطة بالاستعمار الكافر..لذلك ينحصر التأثير في الحديث الفردي بأنواع معينة وقليلة من الناس. اما التأثير على الجماعة فأن المناسبات التي يجتمع فيها الناس مدخل يمكن ان تدخل الدعوة منها للتأثير على الناس كما ان الاحداث التي تهتز لها الأمة وترتبط بمشاعر موحدة مدخل آخر يمكن ان تدخل منها الدعوة.

ان تحريك مشاعر الناس والتأثير عليهم فن من الفنون على الدعاة ان يتقنوه ويتمرسوا عليه ويطلبوا من الله تعالى دائما ان يمدهم بالهداية والعون.

ان فئات خاصة من الناس وقفت امام الدعوة وتصدت لها بشكل علني منذ أن أحست بتحرك الدعاة:

  1. وقف المتدينون الجامدون وكانوا عقبة امام دخول كثيرين الى رحاب الدعوة هؤلاء الذين يعترضون على العمل الاسلامي ويعتبرونه بدعة في الدين أو خطرا يثير اعداء الاسلام ممن بيدهم السلطة والسيطرة فيقضوا على البقية الباقية من الدين والمتدينين. لقد تعود هؤلاء على الالتزام بالعبادات وابتعدوا عن الفكر الاسلامي والاحكام الاسلامية التي تعالج الأمور الأخرى من حياة المسلمين. اعتادوا على الالتزام الفردي واعتبار الحديث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري من وجهة نظر الاسلام خروجا على التعاليم الاسلامية النقية…وتختلف خلفية هذا التفكير عندهم:

    فمنهم من تاثر بالفكر الصوفي و(الزهد) في الدنيا والانعزال عن الناس.

    ومنهم من اعتبر أن سلوك ائمة المسلمين عليهم السلام يوحي بهذا الاتجاه.

    ومنهم من اعتبر ان الخوض في الصراع ضد القوى الكافرة مآله الانكسار وخسران المسلمين للمواقع الاسلامية التي بقيت في ايديهم الآن.

    ومنهم من يؤثر السلامة في دنياه تحت رحمة الحكم الكافر، على العمل والأذى في سبيل الله.

  2. و وقفت الحواجز المذهبية عقبة امام انتشار الدعوة وامام بعض اعمالها. فهناك جماعة من المتدينين يعارضون العمل الاسلامي بمشاعر مذهبية جماعية ويرون في الحديث الاسلامي بأبعاده الفكرية والسياسية والاجتماعية خروجا عن المذهب ويتطيرون من العمل الاسلامي الذي ينظر الى المسلمين بجميع مذاهبهم نظرة حب وتعاون.. وبسبب هذه العقبة لم تنم الدعوة كما ينبغي الافي الاوساط الشيعية ولم تنتشر كما ينبغي في الاوساط السنية. ونعتز بمن يعمل بين صفوفنا من اخواننا الدعاة السنيين الذين دخلوا الدعوة رغم الحاجز النفسي المذهبي الذي يفصل بين المسلمين.

    وسوف يكتشف الجميع ان دعوتنا هي الطريق الذي يستوعب المسلمين ليسيروا في سبيل اعادة الاسلام.

    ان المسلم المتدين لابد ان يلتزم بأحكام الاسلام بالاجتهاد أو التقليد وفق مذهب معين، وان الموضوع المطروح في العمل الاسلامي ليس هو الالتزام بمذهب إذ أنّ هذا الامر مفروغ منه والنقاش فيه هو تضييع للوقت. وانما المطروح هو العمل لتطبيق احكام الاسلام الثابتة بالادلة الصحيحة من مصادر الاسلام القطعية والمطروح هو التعارف والتعاون والتآخي والتحابب بين جميع العاملين من المذاهب والعمل في سبيل مصلحة الاسلام العليا. وهذا لاينافي ان يحتفظ كل منهم بشخصيته الفكرية المذهبية التي يتدين بها بالاسلام.

    ان الاسلام تحاربه وتعاديه قوى عالمية ضخمة والمسلمون واقعون تحت نفوذ من يعادي ويحارب اسلامهم فاذا تباينوا فيما بينهم وتفرقوا فانهم بذلك يقدمون لاعدائهم اعظم هدية ويطعنون انفسهم بأيديهم.

    ان المسلمين يعيشون اليوم بفرقة وتباعد، يتألم من جرائها الواعون منهم اشد التألم ولن نتمادى في وصف المأساة التي يعيشها المسلمون اليوم من هذه الناحية.

  3. ومن الفئات التي لاتستسيغ العمل الاسلامي ووقفت عقبة امام انتشاره: اولئك الذين يتمادون في تقليد الحياة الغربية وينصرف جل اهتمامهم بمتابعة مايفرزه مجتمع الاستهلاك ومجتمع الاقبال على الرفاهية المادية والملذات الجسدية واللهو.

    هذه الفئة تعيش بين جذورها الاجتماعية التي تحاول ان تبتعد عنها وبين التشبه والتقليد للمجتمعات الكافرة التي تحاول ان تقترب منها، وتنظر الى العمل الاسلامي وكأنه يمثل خطر العودة الى الجذور القديمة.

  4. وهناك فئة اخرى من المقلدين ينجذبون نحو تقليد نتاج التفكير الغربي ويعادون الفكر الاسلامي على اعتبار انه فكر متخلّف. وهذه الفئة تعمل على اشاعة طريقة الحياة الغربية بين الناس وتعرضها بشكل مغر من خلال امتلاك المراكز العليا في الاعلام في بلاد المسلمين. وهم ينقسمون الى قسمين: ليبراليين وملتزمين.

    فالليبراليون يأخذون الامور أخذاهينا ويسيرون بالطريق الميسر لنشر فكرهم.

    والملتزمون يعملون من خلال الاحزاب والتنظيمات.

    ويمثل الفئة الاولى طه حسين وسلامه موسى وقاسم امين والزهاوي وعلى الوردي وساطع الحصري وكتّاب النصارى في بلاد الشام.

    ويمثل الفئة الثانية قسطنطين زريق وميشال عفلق وجورج حبش وكامل الجادرجي.. وفي بلاد فارس والترك والافغان والهند امثال لهؤلاء وهؤلاء.

    ان الاحزاب القومية والاقليمية اليمينية واليسارية المحافظة والاحزاب الثورية تجري في هذا المسرى الذي يرعاه الاستعمار الكافر باستمرار، كما يعمل لبقاء الفئات الاخرى على وضعها لكي يبقى طريق العمل الاسلامي الجاد مسدودا.

    ان صراعا فكريا بين الدعاة وبين الفئات الراكدة والفئات الجامدة والفئات المقلدة للحياة الغربية والفكر الغربي…يتنامي مع الايّام. لقد تعرض الدعاة ومن تأثر بهم الى الفكر الغربي المادي الرأسمالي والاشتراكي بالنقد والفضح والتجريح وناقشوه مناقشة عقائدية وفكرية واسعة وصدرت كتب وابحاث ومقالات في هذا الموضوع، ويتعرض له الدعاة في عملهم اليومي.

    وستكون لنا جولات صراع فكري اخرى مع من يقف في طريق العمل الاسلامي الجاد.

    ان الدعاة في مجال صراعهم مع الفئات الاخرى ينفتحون على الآخرين متخلين عن عقدة اليسار واليمين والمذهبية وغيرها من العقد والحواجز النفسية التي تمنع نجاح دعوتهم، وهم بذلك يسيرون في خط الدعوة المرسوم، ويجب ان يكون هذا الخط واضحا لديهم.

    انه الخط الواضح.

    الخط الواثق من نفسه.

    يسير فيه الدعاة فيؤثرون ولايتأثرون لأنهم يغيرون الامة ويوضحون خطوط الفكر الاسلامي لجميع المسلمين ومن يعيش في كنفهم، ويهيؤون انفسهم لقيادة الامة جميع الامة بكل فئاتها.

٥. الانتشار الجغرافي

قررت الدعوة منذ البداية ان لايقتصر العمل على اقليم واحد من الاقاليم الاسلامية، وعينت الاقاليم التي قدرت انه يمكن ان تنتشر فيها.

وسار العمل في طريق واسع تجمعت فيه زمرة مؤمنة هم الصفوة من ابناء امتنا. وكان من بينهم دعاة من اقاليم مختلفة ودعاة من طبيعة عملهم الانتشار في البلاد، فانتشرت الدعوة في عدة بلاد واقاليم دون بذل جهود اضافية. وفي العالم الاسلامي مدن هامة تحتضن العمل الاسلامي ويعمل فيها الدعاة بنشاط وحذر، وستتوهج هذه المدن بالعمل الاسلامي عندما يحين الوقت.. وما تشاؤون الا أن يشاء الله.

واجهت الدعوة مشاكل الاتصال بالاقاليم فقد اتسعت رقعة الدعوة في اقاليم بعيدة نسبيا، كان من الصعب عليها لأسباب عديدة ان تمد الاقاليم بالتعليمات الكافيه والنشرات. وبسبب ان الدعوة لم تبذل جهودا اضافية في انضاج وتركيز من انتقل الى الاقاليم فقد أصبح سير الدعوة في الاقاليم يختلف عن العمل الاصيل بعض الاختلاف ولايوازيه في التربية الحزبية وفي الانتشار والتأثير. فقد كانت تنقص العاملين في الاقاليم بشكل عام الخبرة الحزبية في التنظيم والعمل السياسي.

في بلد هام لم تأخذ التربية الحلقية والتنظيم الحزبي مجراها الطبيعي فيه ولم تدرس النشرة المركزية دراسة صحيحة.

فلم تنضج في دعاته الاخيار الثقافة الحزبية كما ينبغي وحيثما وجدت هذه الظاهرة وجد عدم النضوج الحزبي وبالعكس فان الخبرة الحزبية تظهر بجلاء في الاوساط المندكة في العمل والتي كانت تأخذ التعليمات الموجودة في النشرات الحزبية اخذا عمليا.

ومن الصدف ان هذا البلد خرج منه دعاة مجاهدون نشروا الدعوة في بعض الاقاليم مما اوجد تفاوتا في الدعوة بين اقليم وآخر.

ومن الصدف ايضا ان اتصال الدعوة ببعض الاقاليم كان بواسطة قيادي كبير تراجع عن العمل فانقطعت الصلة الحقيقية بين الدعوة والاقاليم وبقيت صلة ضئيلة، وبذلت الدعوة جهدا مضنيا في الظروف الصعبة لاستمرار الصلة المباشرة لأن الصلة غير المباشرة امر غير مقبول.

كان من حمد الله تعالى ان الدعاة عندما كانوا يتركون التنظيم يتحملون تبعات الامور المتعلقة بهم فيتركونها بالتدريج ويتعاونون مع الدعوة افضل التعاون.

اتصلت الدعوة باقليم من الاقاليم بواسطة الشهيد السعيد ابي عصام، وكان الاتصال يقتضي قطع العلاقة غير المباشرة لربطها بالعلاقة المباشرة بالدعوة، وكان هذا الامر في غاية الدقة اذ كانت الصلة القديمة من المتانة بحيث يصعب تحويلها والقي الامر لأبي عصام ليعالج الموضوع بعقله الراحج وبقدرته على النقاش والمفاوضة، ونحج ابو عصام بذلك وانحلت واحدة من عقد تصحيح سير الدعوة في الاقاليم.

واتصلت الدعوة باقليم آخر بواسطة الشهيد السعيد الشيخ عارف فوضع الصلة بين المركز والاقليم بصيغتها الصحيحة، وكانت بدايات ناجحة والحمد لله.

ثم كانت الهجرة الواسعة من العراق وتغيرت اشكال الصلة الوثيقة بين الاقاليم وقيادة الدعوة.. ”وَعَسَىٰ أَن تَكْرَ‌هُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ‌ لَّكُمْ ۗ. ولا تزال الدعوة تسعى لاستكمال جهدها في ربط الاقاليم المختلفة بالقيادة برباط وثيق لا ينفصم بحول الله وقوته.

تعمل الدعوة في اقاليم متعددة اهمها خمسة اقاليم. تسير الدعوة في اقليمين منها بصورة منسجمة متكاملة، وتعمل جاهدة ان يلحقها اقليم ثالث. وتعتبر أن بقية الاقاليم فيها دعاة وليس فيها دعوة.

لايمكن ان تسير الدعوة في اى اقليم ويصبح الدعاة دعوة الا بعد استيعاب عدد منهم لفكر الدعوة، وبعد ان يتهيأ عقل عملي مخطط لتوضيح تفاصيل الاعمال وادارة التحرك اللازم لتسيير العمل.

وهذه بعض الخطوط كدليل للعمل للدعاة الذين يريدون ان يشقوا طريق الدعوة في اقليم من الاقاليم. وهي اربعة خطوط تسير بشكل متواز يكمل أحدها الآخر واذا فقد احدها أو اهمل انتقص العمل ولم يعد هناك دعوة.

اول الخطوط: تجميع طاقات المؤمنين بالعمل للاسلام.

ثانيها: انطلاق الطاقات للعمل في المجتمع وبين صفوف الامة.

ثالثها: تنظيم علاقة العاملين المجاهدين والواعين والمؤيدين.

رابعها: ادارةالعمل بتوجية الطاقات المنتظمة ومتابعة المسيرة والجامع المشترك بين هذه الخطوط الاربعة هو الالتزام بجميع التزامات الاسلام والاهتداء بالقرآن والسنة. والالتزام بفكرالدعوة وتنظيمها.

كيف نجمع طاقات المؤمنين بالعمل للاسلام:
  1. ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَ‌بِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ.

  2. إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ.

  3. وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‌ ۖ إِنْ أَجْرِ‌يَ إِلَّا عَلَىٰ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٠٩﴾

  4. خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ.

  5. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ .

  6. ”فارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم“.

  7. ”من علم الله فيه خيرا كان اسرع الى هذا الامر من الطير الى وكره“.

هذه النماذج من القرآن الكريم والسنة المطهرة من قواعد وأسس العمل بين الناس لجذبهم الى العمل الاسلامي ويمكن ان يكون كل واحد منها موضوعا يبحث عنه ويكتب فيه ويدرّس.

أين نجد الاشخاص الذين يعملون معنا:

في البداية يجب ان نلتزم نفسيا بالحقيقة التي وجهنا اليها رب العالمين بقوله تعالى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ فالذين يستجيبون للدعوة في مراحلها الاولى ويواصلون السير في مسيرتها هم الصفوة الذين شملهم قانون الهداية الرباني إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ وَلَوْ عَلِمَ اللَّـهُ فِيهِمْ خَيْرً‌ا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ. لذلك ينبغي ان يكون حرصنا على دعوة الناس واعيا فلا نضيع الوقت والجهد سدى مع من لاتظهر عليهم بوادر الاستجابة والتغير، حتى لو كانوا من المقربين الينا، ولانهمل دعوة من نأمل فيه الاستجابة والتغير وان كان بعيدا.

ان عملنا في تقريب الناس الى الدعوة وكسبهم الى صفوفنا هو اختيار للعناصر القابلة للهداية، وليس ايجاد قابلية مفقودة.

ان مهمة الداعية في فهم الناس وتقييمهم والتفرس في قابليتهم لحمل الاسلام والعمل في الدعوة، ومهمته في اثارة قابليتهم وتنمية شخصيتهم مهمة دقيقة تحتاج الى البصيرة والنظرة النافذة الى عالم الشخصية، وما يحمل من امكانات ايجابية وسلبية. وان الممارسة الواعية المهتدية بالقرآن الكريم والسنة المطهرة تنمّي قدرة الداعية وتبلورها في التقييم والانتقاء والتربية: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ

نتوجه في دعوتنا الى الناس جميعا، والى المسلمين خاصة والى الاقرب فالاقرب على وجه الخصوص.

ولانقصد القرابة النسبية فقط وانما القرب الجغرافي ايضا، والقرب بالامل في الاستجابة. فالداعية يتحدث مع من يعرفه في البيت ومع الجار والاقارب، ومن يعرفه في مكان العمل ومع الزملاء والاصدقاء والمعارف.. ومع الاوساط المتدينة من طلاب الحوزات العلمية ورواد المساجد والمراكز الاسلامية واصحاب الجمعيات والنشاط العام.. ومع طلاب الجامعات والمدارس والمعاهد.. فهؤلاء مهيئون بشكل عام لتلقي الحديث الاسلامي الاجتماعي والسياسي بصدر رحب اذا احسن الداعية ادارة الحديث.

ومع ذلك فنحن مأمورون بدعوة جميع الناس. ومخاطبة كل وسط منهم حسب مستواه وحسب قربه وبعده من الدعوة.

كيف تنطلق الطاقات للعمل في سبيل الله بين صفوف الامة:
  1. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَ‌ى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَ‌سُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ.

  2. اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ.

  3. وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ ۚ.

  4. أُبَلِّغُكُمْ رِ‌سَالَاتِ رَ‌بِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ.

  5. وَسِعَ رَ‌بُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَ‌بَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ‌ الْفَاتِحِينَ ﴿٨٩﴾.

  6. قَدْ نَصَرَ‌كُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَ‌ةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَ‌تُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْ‌ضُ بِمَا رَ‌حُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِ‌ينَ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَ‌سُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَ‌وْهَا.

  7. ”من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه..وهو اضعف الايمان“.

هذه نماذج من القرآن الكريم والسنة المطهرة هي هدى، ونور، وموعظة، ورحمة وذكرى واسس، واصول، وقواعد للعمل الاسلامي. ويمكن ان يكون كل واحد منها موضوعا يبحث عنه ويكتب فيه ويدرس ليكون دليلا من ادلة العمل.

ان النشاط العام الذي يمكن ان يقوم به الدعاة موضح في نشرة اوراق عمل، ونشرة التحريك، ونشرة الوعي التغييري، ونشرات اخرى. وعلى قيادي الاقاليم والمناطق ان يترجموا الفقرات الموجودة في نشرات الدعوة المتعلقة بالعمل الى واقع عملي يضع النقاط على الحروف ويحول الفكرة الى خطة عملية تطبق على واقع معين في زمن معين من قبل اشخاص معينين.

ان العمل الاسلامي لايحتاج الى اذن من احد، فالله تعالى اذن وامرنا بالدعوة الى سبيله وليس لمخلوق أمر يخالف أمر الخالق. ولذا فأن الحديث عن تجميد العمل الاسلامي حديث باطل. نعم في الظروف الصعبة يستبدل الدعاة اسلوبا بأسلوب ويتقوا الاعداء، ما استطاعوا، اما ان يوقفوا الدعوة الى الله، فلا.

يمكن ان يختفي الداعية جزئيا أو كليا. ويمكن ان يعتقل ويسجن اما ان يترك الدعوة الى الله، فلا.

ويمكن ان نترك الكلام مع من نعرف ومن لانعرف، ونقتصر في الكلام على من نعرفَ أو من نأمن منه. اما ان نترك الكلام بالاسلام والسياسة، فلا.

ويمكن تحويل الاجتماع الاسبوعي الى اجتماع شهري، ويمكن ان نغير مكان وزمان الاجتماع، ويمكن ان نجتمع اثنين بدلا من اجتماع جماعة، واما ان نلغي الاجتماعات، فلا. وهكذا في كل الامور.. نستبدل مالايمكن بما يمكن. ولانقف.

الساحة أو البقعة الجغرافية في اي جهة من جهات بلاد المسلمين لاتخلو من العمل السياسي، وان كان الاستعمار الكافر يحاول ان يجعل العمل السياسي محتكرا للحكام العملاء ومن يسير بركابهم.

والعاملون على الساحة السياسية على اساس الوطنية أو القومية أو الليبرالية أو الاشتراكية أو الشيوعية.. جميعا مرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر بالاستعمار الكافر. اما الارتباط الفكري فواضح كل الوضوح لأن اي تفكير في بلادنا الاسلامية غير التفكير الاسلامي ورد مع الاستعمار الحديث قبل مئة عام واكثر. وكثير منهم يرتبطون بأجهزة كافرة واستخبارات كافرة.

والعاملون في نطاق الحركة الاسلامية يعملون بطرق متنوعة من العمل ـ ونحن نعتقد اننا نعمل بوعي اسلامي وسياسي اوضح من غيرنا، وان طريق عملنا هذا هو الذي يقربنا من الله تعالى. ولذا فلا بد ان يكون الدعاة احد الاطراف العاملة في الساحة التي يتواجدون فيها، فلا يقال ان العمل غير ممكن وان الساحة مملوءة بالعمل فلا مجال لمزيد. ان هذا القول انما يصدر عن ادراك غير متكامل لطبيعة العمل التغييري في المجتمع. فالامتلاء الذي يبدو للبعض في الساحة الاسلامية هو امتلاء مصطنع، أو فراغ على شكل امتلاء.

ان نظام القمع والتجسس في بلاد المسلمين لايقف عائقا امام العمل الاسلامي. وان التهيب من نظام القمع اشد خطرا من النظام نفسه. وعلى الدعاة ان لاتسري عليهم موجة الخوف التي تسري على الناس من جراء القمع والتجسس. وعليهم ان يميزوا بين الحقائق والاوهام وبين الاعمال والاشاعات بنظرة شاملة وبالاستعاذة بالله رب العالمين من تثبيط الشيطان والنفس. وعليهم ان يعلموا ان ليس بامكان نظام القمع والتجسس ان يطلع على التحركات اذا كانت مدروسة ومخططة وواعية. ان قدرة انظمة التجسس تبقى محدودة. وامكانيةاتقائها وتضليلها تبقى كثيرة. وان الله الآخذ بناصية الكفار وعملائهم واجهزتهم يحفظ من يعمل في سبيله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّـهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْ‌قَانًا .

وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَ‌جًا ﴿٢﴾.

فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ﴿١٥﴾.

ان اختلاف اتجاهات الناس، والاختلاف في المدارس الفكرية. ووجود المشيخات والزعامات الدينية، والزعامات العشائرية المختلفة.. يجب ان لايقف عائقا امام الدعوة. ان اختلافهم يمكن ان يتلاشى بتصحيح اتجاههم، من الاتجاهات المعاشة الى الاتجاه نحو تطبيق الشريعة الاسلامية. ان هذا هو عملنا مع الجميع، واننا القاسم المشترك الحقيقي الذي تبدأ الاتجاهات بالالتقاء عليه وتبدأ اختلافاتهم بالتلاشي.

إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَ‌بُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴿٩٢.

كيف ننظم علاقة المجاهدين والواعين والمؤيدين:
  1. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ‌ وَالتَّقْوَىٰ ۖ.

  2. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‌ ﴿٣﴾.

  3. أَتَأْمُرُ‌ونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‌ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ .

  4. وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ.

  5. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا.

  6. وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِ‌يحُكُمْ ۖ.

  7. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ.

  8. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرً‌ا كَثِيرً‌ا ۗ.

  9. إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُ‌وا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ.

  10. مَن كَانَ يُرِ‌يدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْ‌فَعُهُ ۚ.

  11. أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ‌ رُ‌حَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ.

  12. ”من وعظ اخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه“.

  13. ”اذا كنتم ثلاثة فأمّروا احدكم“.

  14. ”خير الرفقاء اربعة وما زاد قوم عن سبعة الا كثر لغطهم“.

هذه نماذج من قواعد واصول العمل الاسلامي يستفاد من نورها كيفية تنظيم العلاقة داخل الدعوة، ويمكن ان يكون كل واحد منها عنوانا لموضوع مفصل يبحث عنه ويكتب فيه ويدرس.

المجاهد والواعي والمؤيد، اصطلاحات استعملتها الدعوة لبيان مدى عطاء المؤمن العامل في الدعوة. ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِالْعَظِيمِ ﴿٤﴾.

الحلقة الخاصة لدراسة ثقافة الدعوة اساس هام من أسس تنظيم الدعاة. وتسعى الدعوة الى تعميم الدراسات الاسلامية في حلقات عامة مغلقة ومفتوحة يحضرها المؤيدون والمتعاطفون والمتدينون بصورة عامة.

لابد للدعوة من تعيين مسؤولين أو لجان في كل بقعة جغرافية محددة في القرية والبلدة والمحلة في المدن الكبيرة.

لكي تتوزع الاعباء، وتنطلق الطاقات، وتنتشر الاعمال، وتنمو القيادات وتتسع الاتصالات بالناس، وتتنوع الاساليب: فانتشروا في الارض واذكروا الله كثيرا.

المسؤولون أو اعضاء اللجان هم هيكل العمل الدعوتي، ويكون اختيارهم من المجاهدين الذين آمنوا بالاسلام والعمل الاسلامي، والتزموا التزاما كاملا بخط الدعوة وتوفرت فيهم صفات المجاهد القيادي أو من الذين فيهم القابلية للوصول الى هذا المستوى.

الارتباط بين المركز وبين الاطراف يكون باجتماعات دورية لتدارس اوضاع الدعوة وعلاقات الدعوة مع الامة، ولوضع خطوط العمل، أو تفاصيل الخطط الضرورية للعمل خاصة في بدايات تنظيم العمل في الاقليم.

ادارة العمل ومتابعة المسيرة:
  1. ”كَمَا أَرْ‌سَلْنَا فِيكُمْ رَ‌سُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿١٥١﴾ فَاذْكُرُ‌ونِي أَذْكُرْ‌كُمْ وَاشْكُرُ‌وا لِي وَلَا تَكْفُرُ‌ونِ ﴿١٥٢﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ‌ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِ‌ينَ ﴿١٥٣﴾ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُ‌ونَ ﴿١٥٤﴾ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَ‌اتِ ۗ وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿١٥٧﴾.

    هذه صورة من صور متابعة المسيرة.

  2. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا ۚ وَاذْكُرُ‌وا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَ‌ةٍ مِّنَ النَّارِ‌ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠٣﴾ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ‌قُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٠٥﴾.

    وهذه توجيهات للاستمرار بالمسيرة.

  • ان العمل الاسلامي يحتاج الى دأب واستمرار ومتابعة. الى قيادة والى توجيه. الى وضع التفصيلات اللازمة لمتابعة الاعمال الكبيرة والصغيرة. وكلما كانت القيادة دقيقة في عملها، وكلما كان التوجيه واضحا ودقيقا وعمليا، وكلما كان العمل متصلا بالله تعالى.. رجونا من الله ان يوفقنا في اعمالنا..

  • ان توزيع الاعمال على الدعاة وتحديد الواجبات بوضوح امر حيوي جدا، وان ربط الاعمال بالوقت امر حيوي جدا لعدم انفلات الاعمال وضبطها. ولذلك على قيادات الاقاليم ان تهتم بتوقيت الاعمال بالمناطق:

    • أ. ان تعين موعد ابتداء العمل.

    • ب. ان تحدد وقت انجاز العمل بشكل تقريبي.

    • ج. ان تتابع العمل ضمن الوقت المحدد.

    • د. ان تعدل التوقيت حسب التنفيذ.

    ”ان الله يحب من عبده ان يتقن عمله“.

    ”ان الله يحب من عبده ان يكمل عمله“.