الارتباط بالله أساس في شخصية الداعية
الخوف من الله وحده
مسيرة الصفوة:
مسيرة الدعوة هي مسيرة الصفوة من الأمة، لا يواصلها الا الشجعان الذين آتاهم الله حظا كافيا من خشيته وعافاهم من مرض الخوف. فهؤلاء النخبة هم أصحاب الهمم العالية الذين يتحملون مصاعب طريق ذات الشوكة، وينهضون بأعبائها ويكملون أشواطها حتى يبلغوا احدى الحسنيين. أما الضعفاء الذين في قلوبهم مرض الخوف فيهابون الدخول في مسيرة الدعوة، أو يتخلفون عنها في خطواتها الأولى, أو بعد حين. نقول ذلك وأمام أعيننا مسيرة الدعوة الماضية في جادة التاريخ، يقطع أشواطها الأنبياء والأئمة وصفوة المؤمنين ويتخلف عنها الخائفون.وأمام اعيننا مسيرة دعوتنا المباركة يعبر صعابها صفوة المؤمنين ويتخلف عنها الخائفون. وأمام أعيننا تاريخ الأمم السالفة وحياة الأمم الحاضرة وأسباب قوتها وضعفها وانتصاراتها وهزائمها. وأمام أعيننا تاريخ امتنا الاسلامية وحاضرها وما ألقت فيه نفسها من تهلكة، وما وصلت اليه من وهن وهوان على الأمم بسبب خوفها وحبها للحياة وكراهيتها للموت.
لقد كان الخوف وما زال أحد العوامل الاساسية في عدم دخول الكثيرين في مسيرة الدعوة، وفي التساقط من صفوفها. بل وفي معاداتها. وسيبقى كذلك حتى يتم نصر الله.
انه لأمر مقصود أن يختار الله عزوجل لحمل الاسلام والانطلاق به الى العالم أرضية تتصف بالشجاعة والفروسية والاقدام. وامر مقصود ان يحرص عزوجل على ان تكون القوة والشجاعة سمة عامة في شخصية الامة، وطابعا عاما في سلوكها ومسارها. فقد بنى عزوجل هذه الامة بالقرآن الكريم وعلى يد رسوله ﷺ والائمة من بعده عليهم السلام بالاساليب التربوية البليغة، وبالدروس العملية المؤثرة فما ترك عنصرا من عناصر القوة في انفس افرادها وجماعتها الا أثاره وغذاه ونمّاه، ليكون طاقة وقوة في طريق ذات الشوكة. ولا ترك سببا من اسباب الضعف والخوف ولا مكمنا من مكامنه في انفس افرادها وجماعتها الا وكشفه وحلله وعالجه بعلاج شاف لمن تداوى به.
خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ.
فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي.
فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ.
فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴿٦٨﴾.
وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ.
إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ.
وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾.
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ.
أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ.
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ.
وما هذه الآيات الهادية الا نماذج من التربية على هذا الجانب الهام في شخصية المسلمين.
الخوف الدنيوي:
لانقصد بالخوف الخوف الطبيعي الفسيولوجي الذي هو من طبيعة التكوين الجسدي والنفسي للانسان ـ خوف المفاجأة والوهلة الاولى ـ والذي يكاد يعّم كل الناس وان تفاوت بينهم في الشدة والضعف والكثرة والقلة، ولكنه بشكل عام يزول بسرعة أو بطء، ومن أمثلته خوف رسول الله موسى عليه السلام عندما ألقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين، وعندما ألقوا حبا لهم وعصيهم فأوجس في نفسه خيفة.
كما لانقصد به الخوف المرضي الذي هو حالة من الوهم والهواجس تسيطر على الانسان بسبب مرض جسدي أو مرض نفسي.. فهذان النوعان من الخوف خارجان عن موضوعنا: لأن الخوف الطبيعي لا يعتبر نقصا مادام لايؤثر على السلوك المطلوب، ولأن موضوع الكلام، الجسم المعافى والنفس السوية.
ولكنا نقصد به الخوف الدنيوي والذي ينقسم من ناحية الى:
-
الخوف الأدبى: الخوف من الناس. وهو عدة فروع.
-
الخوف المادي: كالخوف من الفقر، من الخسارة المالية أو من فوات الربح، والخوف من المرض.
-
الخوف من الموت وخسارة الحياة الدنيا.
وينقسم من ناحية ثانية الى: خوف شامل لكل حالات الانسان التي يتعرض فيها لما يخيف. وخوف جزئي يصيب الانسان في بعض الحالات تبعا للمؤثرات التي تؤثر عليه من مفاهيم، وتقدير للضرر وظروف محيطة.
وينقسم من ناحية ثالثة الى: خوف شعوري يحس به صاحبه.. وخوف لاشعوري. فهذا النوع من الخوف باقسامه هو الداء الذي يفتك بالمسلمين ويقعدهم عن العمل للاسلام ومواجهة السلطات الجائرة التي تجثم على صدورهم بقوة عدوهم الكافر.
سبب الخوف:
والخوف الدنيوي بأقسامه ناتج عن مفاهيم يحملها الانسان والمجتمع من مصادر مختلفة، من النفس الأمارة والتربية الفاسدة والبيئة المادية وبشعور أو لاشعور. وترجع هذه المفاهيم بمجموعها الى صفتين اثنتين لاغيرهما: الحرص على الحياة الدنيا، وعدم اليقين بالآخرة. وتنشأ هاتان الصفتان من صفة واحدة لاغير هي: نقص الايمان بالله تعالى وخشيته.
مظاهر الخوف في حياة المسلمين:
بالرغم من استفحال داء الخوف الدنيوي في المسلمين فانهم بشكل عام اشجع من غيرهم من الامم، وأقل حرصا على الحياة الدنيا واكثر استعدادا للتضحية، وذلك لما بقي في نفوسهم وبيئاتهم من تأثير للاسلام ولقلة رفاهية حياتهم. ومن هنا نجد مرض الخوف اكثر مايستحكم في المتأثرين بمفاهيم الحياة الغربية، وفي المترفين منهم. اما العملاء الفكريون والعملاء السياسيون الذين يتسلطون على المسلمين فهم كأسيادهم المستعمرين احرص الناس على حياة، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ.
ومظاهر الخوف في حياة المسلمين عديدة، من اهمها:
-
الركون الى الظالمين والتبعية والتقرب الى الحاكم العميل وجهاز ظلمه من وزراء واتباع، بألوان من التزلف والتبعية والخضوع المهين المؤلم.
-
الحرص على الحياة الدنيا المادية، والتعلق بحطامها من ملبس ومأكل ومسكن ومظاهر. واراقة الكرامات وتحمل المذلات والمهانات من اجلها. وخوض العداءات والصراعات من أجلها. واستنفاد الطاقة بالليل والنهار ركضا وراءها. والانصراف والعمى عن آفاق الحياة الاسلامية الكريمة، آفاق الايمان والعمل الصالح والعيش العزيز.
-
تجنب العمل الصعب للاسلام، العمل في طريق ذات الشوكة لأنه يكلف الجهد والتضحية ويتجه نحو مقاومة الظلم والكفر الذي يتسلط على المسلمين. والاتجاه الى الاعمال الاسلامية السهلة من الوعظ والارشاد والشعائر والجمعيات والاعمال الخيرية.. كل ذلك بمضمون اسلامي سطحي وبروح مهادنة للواقع الفاسد ومسالمه للسلطة العميلة أو مواليه لها في بعض الاحيان.
-
تبرير القعود عن العمل الصعب للاسلام: بالخوف على العمل الاسلامي تارة، وبالخوف على حياة علماء المسلمين ومجاهديهم تارة، وبالخوف على زوال مابقي من الاسلام تارة. وبطرح اساليب عمل مقبولة من السلطات بديلا عن العمل الحزبي تارة.. الى آخر ما يتفنن به القاعدون عن الدخول في طريق ذات الشوكة من تبريرات يلبسونها أثوابا فكرية من فقه الاسلام ومفاهيمه أو من فهم مدّعى للواقع السياسي.
ومن غرائب ما وصل اليه بعض الخائفين في الآونة الاخيرة تبريرهم لعدم تأييد المسلمين في ايران في معركتهم مع الكفر لاقامة حكم الاسلام قولهم: ان قيادة الحركة ـ الخميني والعلماء الآخرين ـ يحركهم الشيوعيون أو القول بأنهم لايملكون تصورا كاملا لحكم ايران وادارتها بالاسلام.
وعندما يقال لهم لماذا لاتقدمون تصوركم الفقهي والسياسي لسير الحركة، أو تقدمون برنامجا للحكومة الاسلامية وتنشرون ذلك؟ يقولون: لافائدة في ذلك.
كل هذا وهم بعيدون عن ساحة المعركة.
-
الهروب من تحمل المسؤولية وترك الاهتمام بالقضايا العامة والانصراف الى قضايا جزئية وجانبية تنفع المسلمين قليلا أو كثيرا أو لاتنفعهم.
-
ومن مظاهر الخوف في حياة المسلمين: فقدان الثقة بالنفس والشعور بالضعف والصغار امام الأفكار والأوضاع والجهات المعادية للاسلام. والعيش في القلق والتردد ازاء العمل للاسلام.
كل هذه المظاهر المريرة المحزنة في حياة المسلمين وامثالها ما هي الامظاهر ونتائج للخوف الدنيوي الذي يسكن في قلوبهم سواء شعر به أصحابه أم لم يشعروا، وسواء ألبسوه أثوابا فكرية وفقهية وسياسية لتبرير قعودهم، ودعوة الناس الى القعود، أو صدقوا واعترفوا بأنهم يخافون.
معالجة الاسلام للخوف:
تتكون معالجة الاسلام للخوف، كما أشرنا، من جانبين:
الجانب الاول: اثارة عناصر القوة في انفس المسلمين وتغذيتها وتنميتها ودفع المسلمين بها في طريق الدعوة.
والجانب الثاني: توضيح اسباب الخوف وكشف مكامنه في انفس المسلمين وتحليلها وتقديم العلاج لها.
وكل من هذين الجانبين يعالجه الاسلام تارة بالتوعية على المفاهيم بأساليب متنوعة تهز أوتار النفوس وتأخذ بمجامع القلوب. وتارة بالدروس العملية والتوجيهات الميدانية البليغة قبل الموقف المطلوب، أو في أثنائه، أو بعد النجاح فيه أو السقوط.
ونكتفي هنا بتقديم نماذج من المعالجات القرآنية والتوجيهات الربانية، وعلى الدعاة الميامين ان يلاحظوا ذلك في القرآن الكريم والسنة الشريفة وحياة النبي والائمة عليهم السلام.
الخوف لأعداء الدعوة وليس للدعاة
حسبنا الله
كيف نخاف الذين من دون الله
مراحل الدعوة تكشف الخائفين
قديكون الامتحان ضروريا لنفي الخائفين من المسيرة
التبعية للنفوذ الكافر سببها مرض الخوف
الجبان لايكون مؤمنا
عن الامام جعفر الصادق عليه السلام:
”لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن. ولايكون المؤمن جبانا ولاحريصا ولاشحيحا“
”ثلاث اذا كّن في الرجل فلا تحرّج ان تقول انه في جهنم: الجفاء والجبن والبخل.“
وعن النبي صلى الله عليه وآله:
”اعلم ياعلي أن الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها سوء الظن بالله عزوجل“
وسئل امير المؤمنين عليه السلام:
أي ذل أذل؟ فقال: الحرص على الدنيا.
وعنه عليه السلام:
”البخل عار والجبن منقصة“.
مقياس الخوف والرجاء العمل وليس الادعاء
يدّعي بزعمه أنه يرجو الله كذب والعظيم. ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله؟! فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله. وكل رجاء الا رجاء الله تعالى فأنه مدخول، وكل خوف محقق الا خوف الله فأنه معلول.
يرجو الله في الكبير ويرجو العباد في الصغير، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب. فما بال الله جل ثناؤه يقصّر به عما يصنع به لعباده؟ أتخاف ان تكون في رجائك له كاذبا؟ أو تكون للرجاء موضعا؟ وكذلك ان هو خاف عبدا من عبيده، اعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه، فجعل خوفه من العباد نقدا، وخوفه من خالقه ضمارا ووعدا (الضمار ما لا يرجى من الديون والوعود) وكذلك من عظمت الدنيا في عينه، وكبر موقعها من قلبه وآثرها على الله تعالى، فانقطع اليها، وصار عبدا لها.
موقفنا من الخائفين:
ان الاشواط التي قطعناها في مسيرتنا المظفرة هي الاشواط السهلة، وان المصاعب والتبعات والاذى في سبيل الله، لا زالت أمامنا لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿١٨٦﴾.
هذا هو الطريق، ايها الدعاة الابطال، ولقد اخترناه بقلوب مطمئنة، وصدور منشرحة وعزيمة لاتلين. اطاعة لامر الله عز وجل وطلبا لمرضاته وخشية من غضبه. ونحن فيه ماضون. نواجه الصعاب ونتحمل التبعات ونصبر على البلاء والأذى. مستمدين العون من العزيز القدير منتظرين وعده الحق بالنصر على عدوه وعدونا أو بالشهادة في سبيله والفوز العظيم.
وهذه هي سنة الله تبارك وتعالى في الامة الداعية اليه. يمتحنهم بالمصاعب، ويفتنهم بالبلاء ويبلور نفوسهم بالاذى، ويرعاهم صنوف الرعاية، حتى يبلغوا أشدهم ويكونوا أهلا لحمل الرسالة، والشهادة على الناس في الدنيا والآخرة.
وهذه المهمة الربانية يا ابطال الاسلام لاينهض بحملها ولايثبت في خضم امتحانها الاصفوة المؤمنين الذين عظم الله عز وجل في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم، الاّ الابطال الأشاوس الذين يوفون بعهدهم ويستبشرون ببيعهم ويجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم.
اما الضعفاء المصابون بالخوف، فينفيهم الله من المسيرة كلّ في حينه ويذرهم في مواقعهم التي يستحقونها. فمنهم من ينحرف، ومنهم من يتخلف، ومنهم من يسير في الهامش، ومنهم من يتوب الى الله ويلتحق، ومنهم من يتوب ويواكب، ومنهم من يعود ويمشي وراء عمل الدعوة يقدم رجلا ويؤخر اخرى كأنما يساق سوقا.
وهم بشكل عام ثلاثة انواع:
-
فمنهم من يترك العمل وينسحب من آفاق الدعوة الفكرية والعملية ويتقوقع في افقه الضيق معترفا بخوفه وضعفه. وهؤلاء القليلون عادة المعترفون بخوفهم هم الأكثر صدقا وانسجاما مع انفسهم من الخائفين.
-
ومنهم اهل التبرير الشخصي، الذين يعللون تخلفهم عن الدعوة بمبررات شخصية ولكنهم يحصرونها في نطاق انفسهم، ولايزعمون شمولها لغيرهم. وهؤلاء ايضا قلة بين اهل التبرير.
-
ومنهم اهل التبرير الفكري، وهم اصناف ثلاث:
فبعضهم يلجأ الى التبرير الفكري فيلبسه لتخلفه وقعوده ليكون عذرا لموقفه الشخصي فقط، ولايعمل لتعميمه الى غيره.
وبعضهم يلجأ الى التبرير الفكري ويتبناه كرأي أو نظرية ويدعوا اليه ويعمل على تعميمه الى الآخرين، ولكن بدون معاداة للدعوة.
وبعضهم يتبنى التبرير الفكري لانسحابه وقعوده ويدعو اليه ويعمل على تعميمه، مع معاداة الدعوة ومحاربتها.
ان موقف الدعوة من هؤلاء (المعذرين) ليس واحدا، لأن منهم الخائفين المضرين بأنفسهم فقط وغير المضرين بالعمل للاسلام.
ومنهم الخائفون المضرون.
الموقف من الخائفين غير المضرين:
-
نبقي الصلة مع الخائف غير المضر بالشكل الذي يرغب ولايخالف مصلحة الدعوة.
-
نستمع الى اعذاره وتبريراته الشخصية والفكرية ونتحمل الانصات اليه بقلب كبير يتفهم ضعفه ويعطف عليه.
-
لانسيء اليه، ولانرضى بالاساءة اليه من احد: بل نعمل لدفع الاساءة عنه، ولانقوم ولانسمح بأحراجه في قول أو عمل حتى لايتحول الى خائف مضّر.
-
نعمل على تشجيعه وتقوية ضعفه بالتدريج بالحكمة والموعظة الحسنة، فنعامله باللين بالقول والعمل ولانجرح شعوره. ونكلفه باعمال غير صعبة، ونشكره بصدق على مايقدمه للدعوة.
الموقف من الخائفين المضّرين:
-
لانخاصم الخائف المضر، ولاننجّر الى مخاصمته مهما صدر منه تجاهنا. بل نحرص على ابقاء الصلة الحسنة معه.
-
لانخوض معه الجدال والنقاش في افكاره المثبطة والمعادية للدعوة: لأنا نعلم بأنها أثواب ألبسها لتركه العمل في طريق ذات الشوكة، بل نستمع اليه ونترك افكاره له، ونعامله بما نلتقي به معه وبما يتناسب مع السبب الحقيقي في معاداته للدعوة، وبدون ان نمسه شخصيا.
-
نرد شبهه وتشكيكه بخط الدعوة واشخاصها ردا مجردا عن ذكر الخصوصيات التي تدل على اسمه. بل يكون ردا على مفاهيم ومواقف خاطئة أو معادية.
-
نقوم بالفات الدعاة الى اعمال الخائف المضر وشخصه بما يناسب مصلحة الدعوة وما ينسجم مع موقفها من الخائفين.
-
اذا لم تنفع الاساليب المتقدمة في تقريب الخائف أو في تخفيف عدائه تدرس الدعوة فائدة واسلوب موعظته سرا “ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّـهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴿٦٣﴾.
التمييز بين الخائف والشجاع:
توجد عدة مؤشرات تدل على الشخصية الخائفة أو الشجاعة نذكر اهمها:
-
ملاحظة عمق ايمانه بالله عز وجل وبالاسلام. من مفاهيمه وعواطفه وعبادته، والتزاماته ومواقفه العملية.
-
ملاحظة مواقفه في حالات تعارض المكسب الدعوتي مع المكسب الشخصي. موقفه النفسي في الموازنة بين المكسبين وقراره، وموقفه العملي في التطبيق والظروف المحيطة به.
-
ملاحظة حاله في العمل للاسلام. وهل هو مجاهد؟ أو عامل؟ أو متباطيء؟ أو قاعد؟ وهل هو سخي أوبخيل؟ وذلك في حالات الشدة والرخاء، العاميّن والشخصيين.
-
ملاحظة المكونات الاساسية العامة لشخصيته، من بيئته وتربيته وتاريخه في الاقدام والخوف.
وينبغي للدعاة الابرار حفظهم الله ونصر بهم الاسلام ان يعرفوا ان هذه المؤشرات نافعة في تمييز الخائفين ولكنها ليست كافية في الحكم لأن تمييز الخائف والشجاع مسألة ميدانية تدخل فيها عدة عناصر لاتخلو من التعقيد.
فهي من ناحية تعتمد على وعي الداعية واستيعابه لثقافة الدعوة وافكارها العملية.
ومن ناحية تعتمد على معرفة الداعية بالمجتمع والاشخاص وموهبته وخبرته في تقييم الاشخاص.
ومن ناحية ثالثة تعتمد على قدرة الداعية على ابعاد المؤثرات العاطفية وغيرها التي قد تؤثر على تقييمه للاشخاص.
وكما ينبغي للدعاة حفظهم الله اذا ظهرت لهم المؤشرات والدلائل الكافية للحكم ان لايترددوا بحجة التثبت وعدم ظلم الآخرين، فأن الريب والاضرار بمصلحة الدعوة اشد ظلما عند الله وكذلك ينبغي اذا ظهرت بعض المؤشرات والدلائل غير الكافية للحكم بالخوف ان يعاملوها بما تستحق دون استعجال التقييم والحكم. فأن الخطأ في التمييز بين الاشخاص من القضايا التي توليها الدعوة غاية الاهمية لما لها من تأثير على الدعوة ومسيرتها. وفي موضوع كلامنا قد يقع الداعية في خطأ التمييز بين الخائف والشجاع.
بسبب نقص وعي الداعية ونقص استيعابه لافكار الدعوة العملية.
أو بسبب نقص قدرته وخبرته في تقييم الاشخاص.
أو بسبب حبه وبغضه واستيائه وارتياحه لشخص من الاشخاص.
أو بسبب وقوعه في خطأ التعميم والتسرع في الحكم، فيحكم على شخص بالخوف أو بالشجاعة بينما تكون صفة الخوف والشجاعة لدى ذلك الشخص في حالة دون حالة أو في حالات جزئية غير اساسية.
أو بسبب الاغتشاش بمظهر الشجاعة أو الخوف لدى بعض الناس.
بينما هو مظهر شجاعة أو خوف كاذب أو موقت أو حالة انفعال خالية من الفعل تبدو كأنها صفة شجاعة أو خوف.. الى آخر الاسباب التي توقع في الخطأ في التمييز.
ونعود لتأكيد ما اشرنا اليه من انه: اذا ظهر المؤشر أو الدليل الكافي فلا نتردد. واذا لم يكن ماظهر كافيا اخذنا الحيطة ولم نحكم. واذا لم نملك المؤشرات والدلائل توقفنا عن الحكم. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ .
موقفنا من أنفسنا:
ينبغي للداعية العامل في طريق ذات الشوكة الباذل نفسه في طاعة الله عز وجل:
-
ان يكون عارفا بنفسه، بصيرا بنقاط قوتها وضعفها، مستعينا بالله على اصلاحها، متضرعا اليه عزوجل طوال الطريق ان يمدّه بالمعونة والثبات.
-
ان ينظر الى الخوف الطبيعي في نفسه فيقلل من عمقه واتساعه مهما امكن.
-
ان ينظر الى الخوف الوهمي فيعالجه ان كان موجودا بمعالجة سببه الجسدي أو النفسي.
-
ان ينظر الى الخوف الدنيوي بأقسامه وأسبابه ويحدد ماقد يوجد في نفسه منه، بتحديد نوعه، ومداه، وعلاجه.
-
ان ينظر بشكل خاص الى نفسه في حالة التعارض بين مصلحة الدعوة ومصلحته الشخصية ويدرس حالة نفسه ويحللها. سواء الحالات الماضية والحاضرة والمتوقعة والمفترضة.
-
ان يستعين في تمييز صفة الخوف والشجاعة في نفسه بأخوانه المؤمنين، وكذلك في اختيار المعالجة النظرية والعملية لتقوية شخصيته.
-
وينبغي للدعاة جميعا ان يقرؤوا نماذج من الشخصيات الخائفة في تاريخ الدعوة في القرآن الكريم والسنة المطهرة والتاريخ. وكذلك في تاريخ الدعوة الحاضر. وان يقرؤوا نماذج من تاريخ ابطال الدعوة في تاريخها المجيد في القرآن والسنة وماضي المسلمين وحاضرهم.
ويستفيدوا من ذلك السمو عن المخاوف والاقتداء بأبطال الدعوة الى الله عز وجل: قمم الفروسية والشجاعة في تاريخ البشرية وحاضرها.
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ