كيف تكون المصلحة الخاصة خطرا على الدعوة

نشرت في "صوت الدعوة" العدد السابع جمادى الاولى ١٣٨٤ هجري

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾.

إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١٧٥﴾.

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَ‌كُوا أَذًى كَثِيرً‌ا ۚ وَإِن تَصْبِرُ‌وا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‌ ﴿١٨٦﴾.

صدق الله العظيم

من القضايا التي تعيشها الدعوة هي قضية اصطدام المصلحة الخاصة بمصلحة الدعوة فالدعوة تحتاج الى البذل في الوقت والمال والنفس وتحتاج الى التفكير الدائم في حاضرها وماضيها ومستقبلها. والدعاة هم أصحاب هذا الامر.. أصحابه الذين رضوا بتكاليفه الباهضة، رضوا بهجران الراحة والدعة في حياتهم البيتية وفي حياتهم الاجتماعية. رضوا بالتنازل عن الجاه والمركز الاجتماعي اذا اقتضى الامر. رضوا بترك التكالب على الدنيا خلافا لما عليه بقية الذين يعيشون معهم في هذه المرحلة من حياة الامة. رضوا ببذل المال وان كانوا بأمسّ الحاجة اليه.

رضوا بالتعرض لغضب من لايروقه العمل الاسلامي، رضوا بكل هذا وبغيره مما شاكله من الامور في سبيل مرضاة الله تعالى.

الدعوة اذاً عمل وعطاء وحمل هموم الامة جمعاء، حيث ان الفرد العادي عادة يحمل همّ نفسه، ثم هّم عائلته الخاصة، فاذا كانت له ميزة فأنه يفكر في بعض القضايا العامة من خلال مصلحته الخاصة كذلك. واما الداعية المجاهد فأنه يعيش مشاكل أمته الاسلامية جمعاء. يفكر في المآسي التي يعيشها المسلمون في ارتيريا ويفكر في اندونيسيا وفي الجزائر، وان كان بعيدا عنها مكانا. كما يفكر في تفرق كلمة المسلمين ويفكر في علاج الغفلة التي يحيون بها ويفكر في جميع قضايا أمته متخطيا الحدود القائمة في اذهان المسلمين اليوم. والتي يركزها الاستعمار من اجل ابعاد المسلمين بعضهم عن البعض الآخر ومن اجل ابعادهم عن اسلامهم.

الداعية يفكر ويعمل ضمن دائرة الاسلام ولحل مشاكل المسلمين كما هو مبين في خط سير دعوتنا المباركة. وهذا عبء ثقيل لايقدر عليه الا الصفوة من هذه الأمة: الصفوة القادرة على اجتياز المفاهيم المصلحية الضيقة السائدة، والتسامي عنها لنيل ما هو أعظم قدرا وأجدى نفعا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُ‌وا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَ‌بُوا فِي الْأَرْ‌ضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّـهُ ذَٰلِكَ حَسْرَ‌ةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّـهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‌ ﴿١٥٦﴾ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَ‌ةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَ‌حْمَةٌ خَيْرٌ‌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿١٥٧﴾.

وفقنا الله للاستمرار بلا تلكؤ وبلا اعذار وبخط واضح مستقيم لا التواء فيه ولا غموض في سلوك هذا السبيل وجعلنا من المتمسكين بحبل الله وبالدعوة اليه رَ‌بَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَ‌حْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾.

التلكؤ بالعمل داخل الدعوة من قبل المجاهدين يشبه الردّة لانهم عندما اختاروا سلوك هذا السبيل كان مقدّرا في أذهانهم أنهم انما اختاروا طريق رضوان الله تعالى، اختاروه في صفاء نية، وبعد تمحيص وتدبر، ولم يختاروه اعتباطا أو نتيجة لرغبة عابرة. ان ظروف دخول جميع الدعاة الى الدعوة لم تتغير من الناحية العامة ومن الناحية الاسلامية، وعليه فلا يجوز اعادة النظر من لدن أي فرد من أفراد الدعوة في العمل الاسلامي بتاتا وفي سلوك الطريق المرسوم، لأنه طريق نقي من جميع الشوائب النفسية من حب الانا، وتعديل هذا الطريق لايكون الا عن طريق اكتشاف اشتباه أو شبه واقعية، وهذا لايحصل الا بالولوج والانخراط الصحيح في الدعوة اذ انه يرى الحاضر مالايراه الغائب.

وعندما اختار الدعاة سلوك هذا السبيل كان مقدرا في اذهانهم أنهم انما اختاروا طريقا وعر المسالك مملوءا بالاشواك والعقبات في جميع مجالات العمل من الناحية الفردية ومن الناحية الاجتماعية. وكان هذا المعنى متصورا في اذهانهم قبل أن يمّس حياتهم الخاصة ثم يتحول هذا المعنى المتصور في الذهن الى واقع يعيشه الداعية بالتدريج عندما يتوغل في الطريق المختار. وعلى هذا فمن المتوقع ان يصيب رذاذ بعض الاذى الفردي والاجتماعي كثيرا من الدعاة منذ الآن لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَ‌كُوا أَذًى كَثِيرً‌ا ۚ وَإِن تَصْبِرُ‌وا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‌ ﴿١٨٦﴾. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُ‌وا وَصَابِرُ‌وا وَرَ‌ابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٢٠٠﴾.

ان حياة انسان الدعوة حياة نشاط في اجواء ركود وحياة عمل جذري في مجتمع لايعرف الا العمل الذي يلائم ذهنية راكدة ولايرغب الا بذلك.

أن أفق الدعوة أفق رحب مملوء بالنور الذي يعشو أعين الناس الذين ورثوا حياة الظلام. وان تحمل هذا النور ـ نور الاسلام ـ يحتاج الى بصائر عامرة بنور الايمان لاتتزعزع بهمهمات الظلاميين ولا تضيق بانتقادات اهل الافق الضيق واهل النفوس المريضة.

والمضايقات التي تصادف انسان الدعوة اذا تكاثرت قد تؤثر عليه، وتوجد لديه حالة خاصة ونفسية جديدة، يصبح فيها عائشابين مجالين يتجاذبانه، كل منهما يحاول ان يستأثر به: مجال المصلحة الضيقة الخاصة الذي يبعده عن هذه المضايقات.. ومجال المصلحة العامة الذي يدفعه الى الاصرار والاستمرار في سلوك طريق الحق برغم الاشواك والعقبات. وهنا تتوارد عليه الاستفهامات من داخله: هل يعيش لمصلحته الخاصة فقط؟ هل يعيش للمصلحة العامة ولا يعني بمصلحتة الخاصة؟ هل يمكن التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة؟

هناك حقائق لابد من ذكرها لمعالجة مثل هذه الحالة التي قد تصادف المجاهد أثناء جهاده.

  1. النفس الانسانية ميالة الى حياة الدعة، وميالة الى الجاه والمال فهي لابد وان تكون ميالة الى الابتعاد عن معيقات هذه الامور.

  2. المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون لايوفر حياة الدعة والطمأنينة، ولايضمن للانسان العزة والكرامة، ولايرحم ولايرعى من يحتاج الى الرحمة والرعاية.

  3. نعم هناك مجالات للحصول على الجاه الاجتماعي والحصول على المال لبعض من لديهم الكفاءات الخاصة أو الظروف الخاصة وهناك مجالات للحصول على الدعة عن طريق الخمول ولكن هذا الجاه وهذا المال وهذه الدعة انما تحصل وتنمو وتترعرع تحت ظلال لايرتضيها الله ولارسوله. في ظلال دويلات تتحكم فيها دول الكفر، وفي مجتمع تسوده احكام ما أنزل الله بها من سلطان، فهم كالانعام همها علفها الا من رحم ربي.

هذه النقاط الثلاث توضح الامر وتبين الطريق في أن لامصلحة خاصة حقيقية يمكن ان تتوفر في مثل هذه الاوضاع لمجموع الناس لان جميع افراد الامة تقريبا يفتقدون من يرعى مصالحهم فيبقى حينئذ مرجع المصلحة متوقفا على النفوذ الشخصي، فمن فقد هذا النفوذ فقد مصلحته. ومن هنا نعلم أن المجتمع الذي يفتقد افراده الرعاية الخاصة فأولى به ان يفتقد الرعاية العامة وعليه فالامر ينحصر بتغيير هذه الاوضاع الى اوضاع صالحة تتوفر فيها امكانية جلب المصالح الحقيقية ودرء المفاسد الحقيقية في شؤون الدنيا والدين.

واما من رضي بالنعيم الزائل تحت ظلال الكفر وهو يعلم ماهو عليه، فنحن لاكلام لنا مع من يرتضي لنفسه مايغضب الله عليه ا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِ‌ينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُ‌كُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ‌ ﴿٢٨﴾.

نحن متفقون ان المصلحة الحقيقية منحصرة في العمل من اجل اعلاء كلمة الله وتطبيق احكامه في الارض ونعلم ان هذا السبيل هو سبيل الدعوة.

ولكن هناك شبهة يدسّها الشيطان في أذهاننا تسبب انحرافا في سلوكنا. وهذه الشبهة هي: الخلط بين ماهو خالص للدعوة من عمل وبين ماهو شخصي،أو التفكير في أعمال الدعوة من خلال الظروف الخاصة للداعية فتكون في هذه الحالة الاعمال شخصية مصبوغة بصبغة الدعوة.

وعلى هذا فالواجب علينا أن نكون موضوعيين في تفكيرنا وتخطيطنا واعمالنا، حتى يمكن أن نصل الى نتائج سليمة. واما الخلط بين المصلحة الشخصية ومصلحة الدعوة أما ان يكون مقصودا فهو انحراف واما ان يكون عن غفلة فهو اتلاف للجهود ويوصل الى نتائج سيئة.

ان أي عمل لايستند حقيقة على تخطيط التغيير الجذري للمجتمع انما هو عمل غريب عن الدعوة, واي تفكير بالقضايا الشخصية من خلال التفكير بالدعوة انما هو تفكير خاطيء.

ايها الاخوة المجاهدون لا تترددوا اثناء عملكم الجهادي من تعب ونصب فأن الاجر عظيم عند الله تعالى:

لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ‌ أُولِي الضَّرَ‌رِ‌ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَ‌جَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرً‌ا عَظِيمًا ﴿٩٥﴾ دَرَ‌جَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَ‌ةً وَرَ‌حْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورً‌ا رَّ‌حِيمًا ﴿٩٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْ‌ضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْ‌ضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُ‌وا فِيهَا ۚ فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرً‌ا ﴿٩٧﴾ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّ‌جَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴿٩٨﴾ فَأُولَـٰئِكَ عَسَى اللَّـهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَفُوًّا غَفُورً‌ا ﴿٩٩﴾.

صدق الله العلي العظيم