عقبة ستذلل
دعوتنا لا تحمل الفكر الاسلامي الصحيح وحده، ولا تعي السياسة المحلية والعالمية فقط، ولا تدرك التنظيم والسير الحزبي فحسب ولا تجمع اشخاصا عاملين ليس الا…
دعوتنا ليست واحدة من هذه الاشياء وحدها، وانما هي هذه الاشياء جميعها. هي اشخاص مجاهدون وواعون ينمون باطراد كمّا وكيفا. يحملون الفكر الاسلامي الصحيح ويعرفون الاحداث السياسية التي تحدث في العالم وخاصة التي تؤثر في بلادنا.
ويسيرون بطريق واضحة المعالم في تنظيم حزبي دقيق وهي تنمي ادراكها الاسلامي والسياسي والتنظيمي باتباع نظام البحث والدرس والنقاش والنقد والنظر بدقة لاكتشاف الاخطاء التي تحدث لتصحيحها.
وهي تعمل على ازالة جميع العقبات التي تقف بوجه الدعوة سواء كانت ناتجة من داخل الدعوة أو خارجها وهذه العقبات متعددة: منها مايصحب الدعوة منذ ولادتها، ومنها مايحدث اثناء سير الدعوة. وستصدر عند الحاجة دراسات حول هذه العقبات ان شاء الله وستعالج هذه النشرة واحدا منها وهو ”اختفاء مفاهيم الدعوة على لسان الداعية وقلمه أو طغيان المفاهيم السائدة الخاطئة عليها في حديثه وكتابته“.
هذه العقبات في دعوتنا تنتج عن اخطاء يقع فيها الداعية لها اسباب عديدة ونتائج وخيمة، ولايمكن للدعوة ان تشق طريقها المرسوم الابتذليلها.
والاسباب الموجبة لوجود هذه العقبة منها ”المباشر“ مايتعلق بوضوح المفاهيم واهمية الثقافة، ومنها ”العام“ مايتعلق بفهم الدعوة وسيرها، وسنذكر الاسباب بالترتيب التالي:
الاول: عدم وضوح المفاهيم المتبناة في ذهن الداعية:
وذلك لتلقيه اياها بطريقة غير صحيحة كأن تقرأ منشورات الدعوة قراءة استعراض لاقراءة استيعاب وعند تلقيها لاينظر الى ما تعني بعناية ولايتصور مدلولها في الخارج.
الثاني: عدم ادراك اهمية الثقافة المتبناة: الثقافة التي تتبناها الدعوة فيها ماهو ناتج من تفكير الدعاة ومنها ماهو صالح للتبني من نتاج مفكرين آخرين وتستهدف الدعوة فيما تتبناه من افكار واحكام اسلامية وسياسية وتنظيمية الاغراض التالية:
-
أ. تيسير فهم الاسلام وفهم العمل السياسي والتنظيمي للدعاة.
-
ب. رفع المستوى الفكري.
-
ج. نقض ونقد الفكر المعارض للاسلام والمؤثر في المسلمين.
-
د. ايجاد هيبة للفكر الاسلامي في العالم.
ان ثقافة الدعوة هذه ستكون هي محور تغيير الامة فكرا وشعورا. وبتأثيرها ستتغير الاعراف والقوانين وينقلب سلوك الافراد والجماعة. وعلى المجاهدين الواعين ان يدركوا اهمية الثقافة المتبناة واثرها على نهضة الامة ليعطوها ماتستحق من جهود.
الثالث: الجهل بسير الدعوة وعدم التمرس بالعمل الجذري وقلة الخبرة فيه هذا السبب المتشعب من الاسباب العامة والذي يسبب اكثر من عقبة واكثر من خطأ واحد، فلا يسبب وجوده اختفاء المفاهيم فقط وانما يتعداه الى نتائج اخرى.
ان الداعية عندما يجهل سير الدعوة لايدرك اهمية الثقافة والتبليغ والتنظيم والتغلغل في صفوف الامة وقيادتها ومن ثم تكون جميع تصرفاته بعيدة عن سيرة الدعاة المرسومة.
ويأخذ الداعية عندما يكون قليل الخبرة بالعمل الجذري القضايا أخذاً هيّنا، بلا تصور لطبيعة العمل ولاادراك للنتائج المترتبة عليه وتغيب عن ذهنه صلة الحاضر بالمستقبل، وصلة الماضي بالحاضر، اي ان الداعية، وهو في حاضره يسهو عن ان عمله هو سلسلة لها حلقات سابقة وحلقات لاحقة لاتنفصل احدها عن الاخرى فاذا وهنت احدى الحلقات تضعف السلسلة كلها.
هذه الاسباب منفردة أو مجتمعة تحرف الداعية عن الدعوة واما اذا انتشرت بين الدعاة فأن نتائجها تكون خطيرة. ويتضح ذلك اذا عرفنا ان من النتائج مايلي:
أولا: تضييع معالم الدعوة وابقاؤها مجهولة لدى الناس، لأن معالم الدعوة تتميز بفكرها لابوجوه العاملين فيها. فالامة لاتهتم بتغيير أوجه العاملين ولابتغيير اسماء الاحزاب، وقد اعتادت على ظهور الحركات السطحيةالتي فقدت كل اتجاه فكري وكل فلسفة حياتية والتي لاتملك اي حلول حقيقية لمعالجة المشاكل وليس لديها الا الثرثرة المنمقة والتقليد السطحي والافكار المشوشة. فالامة ليست بحاجة الى مزيد من هذه الحركات بل انها بحاجة الى دعوة تزيل سطحية التفكير بين افرادها، وتزيل القوانين الوضعية السيئة المسيئة وتقلع نفوذ الكفار المستعمرين وتحطّم امل الكفار الطامعين وتعيد الامة الى مركزها الذي يريده الله تعالى لها فتكون خير امة اخرجت للناس.
ودعوتنا هي الدعوة القائمة على اساس ذلك اذن فأنها ان لم تهتم بثقافتها ولم تظهر مفاهيمها على لسان دعاتها وكتاباتهم فكأنها تجيز اعمال الاحزاب السطحية الاخرى وتصبح كأنها تجمع صداقات لاتجمع مبدأ انقلابيا.
ثانياً: خنق اشعاعات الدعوة الفكرية عن المناطق التي هي خارج منطقة عملها. فدعوتنا ليست محلية ولاعرقية وانما هي للناس كافة وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾. ومن الطبيعي انتقال دعوتنا الى انحاء المعمورة بعد ان تتمركز في احدى المناطق. وقبل هذا من الطبيعي ايضا انتقال اثر دعوتنا في مرحلتي الجهاد السياسي والجهاد العملي من الاقطار التي تعمل فيها الى الاقطار العالمية الاخرى وهذا التأثير يكون على شكل عطف وتأييد في الاقطار الاسلامية والاقطار المستعمرة غير الاسلامية ويكون عداءاً وحقدا في البلاد المتحكمة والبلاد الاوروبية بصورة عامة.
وهذا التأثير لايكون الا بواسطة آراء الدعوة واعمالها التي ستتناقلها امواج الاثير في العالم. وهذا لايتأتى اذا لم تظهر المفاهيم والافكار على لسان الداعية وقلمه منذ بدء الدعوة لكي تعبر الدعوة مرحلتها الاولى بنجاح.
ثالثا: عدم حصول نهضة حقيقية عند الامة، لأن الامة في تفكيرها سطحية ولاتنهض الا اذا اصبحت تنظر الى الاشياء بعمق وتفهم القضايا فهما صحيحا. وهذا لايكون الابتغيير طريقة تفكيرها وابدال مفاهيمها عن الاشياء تبديلا جذريا، وبتأثير ثقافة الدعوة يكون هذا التغيير. فاذا اختفت مفاهيم الدعوة عن لسان الداعية فلا تتأثر الامة بثقافة الدعوة وتبقى جامدة على سطحيتها.
هذه النتائج يمكن تلافيها بازالة الاسباب وذلك باتباع الامور التالية:
-
دراسة ماتتبناه الدعوة، ومطالعة مصادرها الثقافية. وتكون الدراسة اسلامية اي دراسة علم للعمل والتبليغ. وطريقة الدراسة الحقيقية هي الحلقة. وتعتمد هذه الدراسة على فهم المشرف لمواضيع الدرس لذا كان من واجب المشرف معرفة ثقافة الدعوة التي يتولى دراستها (تدريسها) بالتفصيل ومعرفة مقاصدها وتطبيقها واستحضار الامثلة للاستعانة بها وقت الحاجة هذا ويجب التأكد من بقاء المفاهيم بالذهن وكلما احس الداعية ان عامل النسيان طرأ عليها يرجع اليها في مواضعها.
-
حمل المفاهيم واعطاؤها للناس باستمرار بطريقة مؤثرة ومحاولةوضعها موضع الدرس والنقاش والحديث بينهم لايجاد الحركة الفكرية عند الامة، وجعل ثقافة الدعوة هي ثقافة الامة المفضلة وذلك بواسطة المناسبات العامة والاماكن العامة التي يجتمع بها الناس.
-
استنباط آراء جديدة من فكر الدعوة المتبنى وذلك باشتقاق آراء من الآراء الاساسية باستعمال مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ومعرفة تفصيلات الافكار الموجزة.
ايها المجاهدون والواعون.
ان ثقافة الدعوة هي سلاحنا الاقوى في الميدان وهو سلاح لايقاوم: لأنه الحق والصواب فلنشهره بوجه عدونا الكافر الذي استعمل سلاح الثقافة اثناء غفلتنا الفكرية اول الامر، ثم استعمل بقية اسلحته بعد ذلك، ان امتنا انحطت وبدأت تنهار عندما ضعفت قابلياتها الفكرية وتوقف الابداع الفكري فيها، وان يقظتها الحاضرة تعتمد كليا على الفعاليات الفكرية والعملية التي تقوم بها لتظهر آثار الجهاد على مرحلتنا الحاضرة مرحلة الجهاد الفكري.
صدق الله العلي العظيم