النشاطات الاسلامية تقوم بها الأمة بتخطيط الدعوة وقيادتها

يتراءى لنا بين حين وآخر هنا وهناك من مناطق العمل الاسلامي اخطاء في السلوك التفصيلي في عمل الدعوة، أومايسمى بالتكتيك. ينتج عن هذه الاخطاء ظواهر متعددة تختلف باختلاف نوعية الخطأ. وقد كان ابرز هذه النتائج التي ظهرت في مختلف مناطق الدعوة مايلي:

  1. انكشاف الدعوة وبعض الدعاة للسلطة والامة في الوقت الذي يقتضي فيه ان تكون غير واضحة الوجود.

  2. انعزال الدعاة عن كثير من اوساط العمل.

  3. تبعية الدعاة في النشاط العام لغيرهم ـ تبعية حقيقية لاظاهرية.

  4. تفكك التنظيم.

ان هذه النتائج لم تأت دفعة واحدة، ولم تنتج من خطأ أو عمل واحد وانما نتجت بعد تراكم الاخطاء الصغيرة التي تتابعت بدون الالتفات لوجودها وتصحيحها أو تلافيها ومن ثم تلافي نتائجها السيئة على الدعوة.

الاخطاء الصغيرة خطورتها في انها تمر خلسة بلا ضوضاء وبأثر جزئي غير ملموس، لكن بتكرارها تصبح وكأنها من روتين الاعمال من ناحية ومن ناحية اخرى تتراكم نتائجها فتصبح ذات خطورة على الدعوة والدعاة. وعند التفتيش عن هذه النتائج الخطيرة من قبل المعنيين بالامر في تلك المناطق لايلتفت الى الاسباب لأنها أخطاء صغيرة متراكمة اصبحت امورا متعارفا عليها وكأنها جزء من عمل الدعوة والدعاة.

وسنذكر أدناه بعض هذه الاخطاء:

  1. الخلط بين الدعوة للافكار وبين الثرثرة عن الاعمال:

    الداعية يشرح مفاهيم الاسلام للناس ويدعوهم الى فهمها والتمسك بتعاليم الدين الحنيف. يدعوهم الى فهم الاسلام ونصرته بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذا عمل حسن وجليل وهو من الاعمال الرئيسية في الدعوة. الداعية يتكلم عن الدعوة للناس ويشرح أهدافها ويتكلم عن اعمالها ونشاطاتها. وهذا عمل قبيح يضر بمصلحة الدعوة التي هي مصلحة الاسلام والمسلمين.

    وهذا الكلام في غير محله ولانبيح العمل في هذه الفترة من حياة الدعوة.

    الداعية يتكلم عن اعمال الدعوة واشخاص الدعوة لأصدقائه المقربين بقصد جذبهم للدعوة.. وهذا خطأ في طريقة الدعوة:

    لأن جذب الاشخاص يكون على اساس فكري وعاطفي اسلامي بالأساليب والطرق الموافقة لخطوطنا العامة.

    الداعية يتكلم عن أعمال الدعوة المكلف هو بها لغيره من الدعاة على سبيل المباهاة أو على سبيل آخر… وهذا خطأ:

    لأن الاعمال يجب ان تحصر معرفتها في أضيق نطاق ممكن والاحبطت.

    ونتيجة لهذا الخلط نرى في بعض المناطق أن الدعوة تعيش مكشوفة التنظيم بين الدعاة، ثم مكشوفة الوجود بالنسبة للامة والسلطة، ثم مكشوفة الاعمال والاساليب. ومن الواضح ما لهذا الكشف من نتائج وخيمة.

  2. الطاعة:

    بعض الدعاة يرى في نفسه كفاءة تزيد على كفاءة المسؤول عنه أو أنه متساو في الكفاءة معه. ومن هذا المرتكز الذهني ينطلق ارتباطه بالدعوة الذي هو في الحقيقة ارتباط مع مسؤوله المباشر، ويكون ارتباطه واهنا. وينتج من هذا المرتكز الذهني انتقادات تخرج في كثير من الاحيان عن نطاقها الضيق الى نطاقها الواسع داخل الدعوة، ومن ثم تخرج الى خارج الدعوة.

  3. التقدير الخاطيء لقيمة الداعية:

    على الداعية ان يعرف نفسه انه في موضع قيادة الأمة مهما كان مركزه الاجتماعي في الوقت الحاضر..فأن مركزه الحقيقي على رأس هذه الامة. ويترتب عليه ايضا ان يتصرف تصرفا قياديا في حالة التفكير أو العمل كما يجب عليه ان يفهم ان المركز القيادي يتطلب عملا دائما وتواضعا جما وأفقا واسعا وصدرا رحبا، وكل تقدير لايكون على هذا الاساس يسبب فشل الداعية في عمله.

  4. اهمال بعض قضايا الدعوة المهمة:

    ان عدم التقيد بحضور الحلقة وعدم تدارس قضايا الدعوة والامة وعدم التقيد كما ينبغي بافكار وتعليمات الدعوة بسبب الاهمال ينتج ضعف العلاقة والتفكك، أما العلاج فهو:

    1. النظر الى افكار الدعوة وتعليماتها بصورة أدق واوسع مما عليه الآن.

    2. الدرس والتخطيط قبل العمل.

    3. ان تكون النشاطات العامة صادرة عن الامة.

    4. ان تكون النشاطات العامة بقيادة الدعوة.

واليكم تفصيل ذلك:

أولا: النظر الى افكار الدعوة وتعليماتها بصورة أدق وأوسع مما عليه الآن.

الشيء الذي يجب ان يكون واضحا هو أنّ ماتنشره الدعوة من مفاهيم تنظيمية خاصة أنما تنشره لشعورها بالحاجة الآنية لهذه المفاهيم. وما من مفهوم واحد كان قد صدر عن الدعوة لمجرد التفكير والنظر بل لابّد أنه قد كان عن حاجة عملية اقتضت بيانه. لذا لايجوز التردد في جعل المفاهيم المتبناة من قبل الدعوة الا حية ظاهرة على أقوالنا بحدود الاقتضاء طبعا.

وكل اهمال لهذا الطلب انما هو اهمال للدعوة.

عندما نقول ان الحلقة ركن اساسي من اركان التنظيم في الدعوة فينبغي ان يترجم هذا القول فعلا الى عدم نسيان الحضور اليها في الوقت المحدد والى الاعتناء كما ينبغي بالتثقيف فيها والى اعطائها حقها في جميع جهاتها الاخرى.

وعندما نقول ان المرحلة الحاضرة تقتضي اخفاء أمر وجود الدعوة فلا يجوز التحدث عن الدعاة واعمالهم وانما ينصّب الحديث عن الاسلام وعما تتبناه الدعوة من فكر لتوعية الامة وحتى بين الدعاة انفسهم كذلك. وهكذا فأن كل التعليمات والمفاهيم التنظيمية انما تكتب على الورق لا لأجل القراءة والكتابة فحسب وانما من أجل العمل والتطبيق.

الذي نشاهده في الدعوة عن التعليمات والمفاهيم انها تؤخذ أخذاً فيه كثير من الليونة، ولذا نرى التطبيق غير كامل فقسم من الدعاة يؤدي واجباته بانتظام وآخرون لايكملون واجباتهم وقسم ثالث لايلتزم أبدا مع أن الجميع كانوا قد التزموا أمام ربهم وأمام الدعوة وأمام أنفسهم بالتقيد. ان هذا الامر يؤثر تأثيرا يوميا على سير الدعوة. فما لم يعدّل ويصوّب فأن موكب الدعوة سيكون بطيء السير قليل التأثير، وستكون هناك نتائج سيئة غير متوقعة.

ثانيا: الدرس والتخطيط: الارتجال في العمل يسيء الى العمل نفسه اثناء التطبيق ولايوصل الى النتيجة المرجوة بعد الانتهاء. وعلينا ان لانقوم بأي عمل الا بعد الدرس وبعد وضع تفاصيل الخطوات لذلك العمل أو وضع خطة له. فمقومات اي عمل من اعمال الدعوة له ثلاثة أمور:

  • الاول: فكرة عملية واضحة تنسجم مع خطوط الدعوة العامة.

  • الثاني: التنظيم.

  • الثالث: التنفيذ.

اما الامر الاول فيحتاج الى معرفة احوال المنطقة من ناحية افراد الامة ومن ناحية السلطة ومن ناحية الفئات العامة الاخرى المؤثرة وجميع العوامل الفرعية. ويحتاج ايضا الى معرفة افكار الدعوة ومرحلتها ومخطط الدعوة العام. وبمساعدة هذه العوامل يمكن وضع فكرة عملية لها هدف واضح. وأما تحقيق هذه الفكرة فيقتضي رسم طريق لتنفيذها ودراسة جميع العوامل المؤثرة على تنفيذها فاذا تم ذلك تكون الخطة قد وضعت.

ثم يأتي دور تنظيم وهو ترتيب وتعيين العاملين على التنفيذ وتعيين أوقات العمل. ثم يأتي الامر الثالث وهو التنفيذ وهو تطبيق الخطة وتنظيماتها على الواقع. ويجب ان يكون التنظيم مرنا قابلا للتغيير الجزئي لملاءمة احتمالات غير محسوبة ولملاءمة ظروف طارئة. اما التنفيذ فيجب ان يكون دقيقا وملائما ملاءمة تامة للتنظيم. وهذه الامور الثلاثة تكون معقدة في الاعمال الضخمة، وتكون بسيطة في الامور والاعمال الاعتيادية. ولكن مهما يكن العمل اعتياديا فلابد من توفر هذه الامور في العمل ابتعادا عن الارتجال.

ثالثا، ورابعا: ان تكون النشاطات العامة صادرة من الامة وبقيادة الدعوة.

لسنا في حاجة للكلام عن العمل الانفرادي وعدم جدواه، فاذا انفرد الانسان في عمل فأن مآله الفشل. وكذلك اذا انفردت الدعوة من الامة فأن النجاح لاينتظرها. وكيف تنفرد الدعوة في عملها؟

ان هناك كثيرا من الاعمال والافكار التي تساعد على نشر الوعي الاسلامي يتبناها كثير من المسلمين ويستسيغها اكثر المتدينين فهي اذن نقطة التقاء واسعة مع من يتبنى هذه الاعمال.

ولتكن هذه الاعمال وهذه الافكار منطلقا لتوسيع دائرة الأصدقاء العاملين المتضامنين معنا في هذا المضمار. وكلما توسعت دائرة الأصدقاء عندنا كان عملنا أسهل وأنفذ الى قلوب الأمة. ان هذه النقطة بالذات ”توسيع دائرة الأصدقاء“ يجب ان تكون موضع اهتمام متزايد من قبل الدعاة.

ان القيام بمثل هذه الاعمال ونشر هذه الافكار مع من يتبناها من افراد الامة هو بحد ذاته مشاركة مع الأمة في هذا العمل:

لأن الامة تستسيغ مثل هذه الاعمال.

ولكن هناك اعمالا وافكارا بعيدة عن اذهان الامة يقتضي تهيئة ذهن الامة لقبولها بالحكمة والموعظة الحسنة، لكي لانقع في اخطاء شاهدنا نتائجها في حياتنا المعاصرة.

وسنعرض لبعض الحالات التي نصادفها بالعمل لتوضيح معالم الطريق: بروز الدعاة في الاعمال العامة يلفت النظر اكثر مما ينبغي ويجعلهم موضع مراقبة الامر الذي يؤدي الى صعوبات جديدة في العمل.

بروز النشاط العام من قبل الاشخاص متعددي الاطراف ائمة جماعة ووجهاء وتجار وكسبة ومعلمين وطلاب مع الدعاة يكسب النشاط الاسلامي التوسع والقوة من عدة جهات، فمن جهة يصعب مكافحة مثل هذا النشاط لاشتراك جماعة يعتدّ بها في العمل ومن جهة ثانية يصعب مكافحة مثل هذا النشاط لتعدد وجهاتهم ومن جهة ثالثة تختفي قيادة العمل عن الانظار تحت ستار قيادة ظاهرية. ومن جهة رابعة يتوسع أو يزداد النشاط الاسلامي ويكسب انصارا جددا. واذا كان هؤلاء الانصار من ذوي الوجاهة في المجتمع فأن ذلك يعتبر كسبا كبيرا للعمل الاسلامي.

في الدعوة عاملون بمختلف الدرجات من العمل وبذل الجهد وللدعوة انصار ومؤيدون بدرجات متفاوتة ايضا، وللعمل الاسلامي بصورة عامة انصار ومؤيدون. ونحن في عملنا نفتش عن جميع هؤلاء للتعرف والتعاون معهم بالمقدار الذي يسمحون به. وفي بلاد المسلمين في هذه الفترة التي تفكك فيها المجتمع الى تجمعات صغيرة في المدن والقصبات والقرى يكون مركز هذه التجمعات فقيها أو رئيس عشيرة أو تاجرا وجيها أو خيرا من الاخيار أو شاعرا واديبا شعبيا أو رجلا ذا وجاهة عند الدولة.

فيجدر بالدعاة ان يتعرفوا على هؤلاء ويتعاونوا معهم في الامور والخدمات العامة على صعيد شخصي في هذه الامور، وفي هذه الفترة من فترات الدعوة. وليكن الداعية في مظهر القوي المتواضع ولتكن الخدمات العامة والنشاطات العامة ذات صلة بالحياة المعاشة وبالاسلام.

المناسبات الاسلامية على مدار السنة يحتفل بها المسلمون وموقفنا ازاءها: تطويرها فكرا وتنظيما، وتوسيع مداها بحيث تكون منابر دعوة للاسلام ومظاهر قوة للامة ومجال اتصال وتعارف بين مختلف المناطق المتقاربة. ويتوقف هذا على عدة امور منها: ان يكون تخطيط الاحتفالات بيد الدعوة ومظاهر العمل بيد البارزين من الامة. وخطباء المنبر الحسيني منهم من يعي على الاسلام وعلى الحياة وهؤلاء نروج لهم لبث الوعي الاسلامي وتهيئة اجواء للدعوة، ومنهم من يسلك السلوك التقليدي وهؤلاء نرفع مستواهم بقدر الامكان وبمختلف الوسائل.

والشعراء الشعبيون الاهتمام بهم ضروري لاتصالهم الفكري مع عامة الناس وهؤلاء يمكن توسيع نشاطاتهم وتنظيماتهم بالشكل الذي يوافق المصلحة الاسلامية، مثلا نفكر بجعل رابطة لهم ونفكر بادخالهم في مجالات لم يكونوا دخلوها كاشراكهم في احتفالات اسلامية كبرى واقامة مهرجانات للشعر الشعبي أو ندوات ادبية وغير ذلك من الاساليب الملائمة.

الفقهاء وائمة الجوامع الاتصال بهم مفيد على كل حال والدراسة الفقهية والاصولية وبقية الدراسات الاسلامية التي هي اساس ثقافتنا هي بحد ذاتها عمل من اعمالنا. والجوامع والحسينيات مراكز طبيعية للدعوة. ومن حق بيوت الله والمنتديات الحسينية علينا ان نعمرها بالعبادة سواء أكانت صلاة أم تعلما للاحكام ام عملا لاعلاء كلمة الله. ووجود الكتب الاسلامية في مثل هذه الاماكن اصبحت من الضروريات. اقامة تمثيليات تخدم الفكرة الاسلامية وعرضها على الجمهور باسلوب جيد في الدعوة يمكن اتباعه.

الاشتراك بالنوادي الرياضية والاجتماعية وسيلة من وسائل التغلغل في المجتمع لبث الوعي وانتخاب الواعين.

انشاء الجمعيات الخيرية والاشتراك بها مظهر آخر من مظاهر النشاط المفيد.

السفرات والزيارات في خلطة بين الدعاة وآخرين من النشاطات المحببة. اقتباس اسلوب الكشافة ليجتمع الشبيبة والطلاب يمكن التفكير به وتطبيقه ضمن الحدود المعترف بها.

المساهمة بالمواكب الحسينينة اذا كانت موجودة، وانشاؤها ان لم تكن موجودة، والسيطرة عليها.. من الامور التي يجدر القيام بها.

التجول بين القرى والارياف لايصال الاحكام الاسلامية وبقصد التوعية العامة من الامور الهامة سواء أكان بواسطة تجار متجولين أو فقهاء جوالين.

توسيع دائرة الوعظ والارشاد في المدن وأساليب جديدة تغزو المقاهي واماكن التجمع أمر يجدر التفكير فيه ايضا.

هذه نماذج من النشاطات التي يمكن ان نمارسها للاندماج في دعوتنا مع الامة، ويمكن التفكير في رسم كثير من امثال هذه الاساليب لتطبيقها في نطاق واسع وملائم لعملنا في سبيل نشر كلمة الحق، والله من وراء القصد.