اسلوبنا في العمل

صدر في صفر ١٣٨٣ هجري

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾

بهذه الآية الكريمة التي استمد محتواها من واقع المجتمع الذي انبعثت فيه الدعوة الاسلامية الاولى عن الداعية الاول الرسول الأعظم ﷺ تظهر تكاليف العمل للاسلام حيث كان الناس آنذاك ينظرون الى الاسلام نظرة الاستغراب لما فيه من مغايرة لعاداتهم وتقاليدهم وأوضاعهم الاجتماعية وطقوسهم العبادية وما اليها… فالاسلام باعتباره جديدا بالنسبة لهم على ضوء ماذكرنا فهو ثقيل عليهم.. وعلى أساس من جدّته ايضا يلاقي الداعية الاول الرسول الاعظم ﷺ من جرائه متاعب ومتاعب في سبيل نشره ودعوة الناس الى اعتناقه لما يصطدم به من عقبات تراكمت في ذلكم المجتمع بسبب العقيدة اللادينية المتفشية بسعة وبسبب العقيدة الدينية المحرفة المنتشرة فيه ايضا.

فالاسلام ثقيل على قريش وعلى العالم آنذاك لأنه جديد بالنسبة اليهم وغير مألوف على اساس ماذكرنا. وهو ثقيل على النبي فيلاقي في نشره من اعباء وعناء. ولكن النبي ﷺ والدعاة المسلمين معه استطاعوا ان يهيئوا الحياة فتتقبله بطواعية ورغبة لما اتسموا به من مضاء في العزيمة ورباطة في الجأش واستقامة في السلوك.

ونحن متى حاولنا ان نقارن بين الدعاة المسلمين الاوائل ايام الدعوة الاسلامية الاولى في مجتمعهم على اساس ما فيه من عقبات وعوائق وعراقيل كانت تعترض سبيل الدعوة وتقف في طريق الدعاة، وبيننا ـ نحن الدعاة المسلمين ـ الآن وفي مجتمعاتنا الحاضرة على اساس مافيها من عقبات وعراقيل تقف امامنا وتعترض طريق عملنا، نجد ان الدعوة الاسلامية الاولى كانت تحارب في جبهة واحدة، وهي جبهة دعاة الاحتفاظ بالواقع الاجتماعي القائم آنذاك المصارعين من أجل بقائه، بما فيهم من نزعات وعقائد مختلفة، او بمختلف اساليبهم من حرب بالسلاح وحرب اعصاب وما اليه. ونجد ان الدعوة الاسلامية الآن تحارب في جبهات متعددة، منها جبهة دعاة المحافظة على واقع المسلمين الهزيل المتهريء بدوافع مختلفة ربما كان اهمها:

  1. الجهل بواقع المبدأ الاسلامي.

  2. تخدير الاستعمار الكافر.

  3. الخنوع اخلاداً للراحة ولومع الذل والهوان.

ومنها جبهات الاحزاب غير الاسلامية التي تكالبت على هذا القطيع الضال من المسلمين. الااننا ولنا برسول الله اسوة حسنة، نستطيع ان نقاوم الجبهة الاولى بالطرق التالية:

  1. بيان واقع المبدأ الاسلامي بشرح بعض مفاهيمه وحلولِه للمشاكل شرحا وافيا مدعما بالادلة التشريعية المعتبرة كما أشرنا الى ذلك في نشراتنا السابقة.

  2. فضح اساليب ووسائل واهداف الاستعمار الكافر وكشف الستار عن واقعها الاستعماري بالشكل الذي يرى هؤلاء المخدرون من قبله مخالب العدو ناشبة في الفريسة من ابنائنا وبناتنا.

  3. تحسيس هؤلاء الخانعين واشعارهم بالمسؤولية الاجتماعية المفروضة على كل مسلم من قبل الله تعالى، بذكر الآيات والاحاديث والشواهد التاريخية المثيرة والمحفزة كما المحنا اليه في نشرة متقدمة.

اما مقاومة الاحزاب الكافرة فيتلخص اهم نقاطها بمايلي:

  1. بيان الدوافع التي دفعت الى تكوين هذه الاحزاب والتركيز على انها انما كونت في وضع اجتماعي وسياسي اوجده الكافر لمحاربة الاسلام لأنه الخطر الوحيد المهدد للاستعمار بمختلف الوانه.

  2. نقد اساليبها ووسائلها بالشكل الذي يكشف عن انها تعمل لمصالح حزبية وشخصية لالمصلحة الامة.

  3. تزييف نظرتها للحياة وفهمها لواقع الانسان ببيان فشل الاشتراكية والرأسمالية وفشلهما في مجال التطبيق حينما اعتبرت الاشتراكية الملكية العامة أساسا. والرأسمالية الملكية الخاصة اساسا.

  4. ذكر نماذج من حلول الاسلام للمشاكل التي تدعي الاحزاب غير الاسلامية انها تحاول ان تقوم بحلها، وشرح مدى تمشي الحل الاسلامي مع واقع الانسان والمجتمع والحياة وبُعد الحلول غير الاسلامية عن ذلك.

وفي ضوء ماتقدم تكون الدعوة الى الاسلام ثقيلة في البداية على النفوس (الجاهلية) و(المخدرة) و(الخانعة) و(الكافرة) وثقيلة من البداية على الدعاة في أعبائها ومتاعبها.

الا ان الداعية يستطيع ان يسهل كل هذه المصاعب ويذلل جميع تلكم العقبات متى حاول ان يفهم الاساليب المشروعة (بمضاء عزيمة) و(رباطة جأش) و(استقامة سلوك) كما كان اسلافنا المسلمون الاولون.. ولعل اهمها هو استقامة السلوك، وقد اكدنا عليه في عدة نشرات لاسيما ونحن ندعوا الى الاسلام عارفين تمام المعرفة ان من يدعو اليه غير ملتزم بأحكامه لايؤثر ولايستجاب له. ولنا من تعاليم قادتنا وائمتنا اهل البيت عليهم السلام خير موّجه في هذا المجال.. يقول الامام امير المؤمنين عليه السلام:

”ميدانكم الاول انفسكم فأن انتصرتم عليها كنتم على غيرها اقدر، وان خذلتم فيها كنتم على غيرها أعجز فجربوا معها الكفاح اولا“

ويقول الامام الصادق عليه السلام:

”كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم“

اي على الداعية ان يكون مسلما في كل سلوكه حتى يكون مايعطيه السلوك الاسلامي الى الداعية من كمال انساني هو المحفز القوي في اعتناق الاسلام. ثم انتهاج الاساليب المشروعة امر آخر لايقل اهمية عن سابقه لأنه الجزء الأهم للسلوك الاسلامي. فعلى الداعية المسلم ان يختلف في وسائل واساليب الدعوة عن الدعاة غير الاسلاميين بتمام ما تختلف به قاعدتا (الغاية تبرر الوسيلة) و(الغاية لاتبرر الوسيلة) فأنه

”لايطاع الله من حيث يُعصى“

وهي الطريقة التي أشرنا الى انها طريقة دعوتنا في اساليبها ووسائلها لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَ‌ى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَ‌سُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ.