قيادة الجماهير

تشارك جماهير الفلاحين والعمال والكسبة والحرفيين وامثالها مشاركة فعالة في حياة الامة الاقتصادية لأنهم يشكلون اليدالعاملة المنتجة في حياة الامة ويشاركون في كثير من الاحيان مشاركة في حياة الامة السياسية.

ويمكن ان تتحول طاقة الجماهير الى طاقة انسانية هائلة تؤثر على سير الحوادث وتغير مجرى التاريخ السياسي للامة.

الا ان هذه الطاقة البشرية العملاقة كثيرا ماتكون ثروة جهادية كامنة وقوة حركية غير مكتشفة.. يهملها كثير من الاحزاب الاسلامية وخصوصا تلك الحركات التي تتجه اتجاها فكريا وثقافيا. فهي تركز جل اهتمامها في مثل هذه الحالة على اجتذاب العناصر المتعلمة والعقول المفكرة، ولكنها تخطيء تماما بموقفها هذا. عندما تخسر اهم قلاع يمكن ان تحمي العمل الاسلامي. وتخرج من ميدان الصراع قوة حركية ضاربة يمكن ان يربحها الخصوم واعداء الاسلام بتضليلها وتعبئتها وتحريكها.

ويتركز خطأ الموقف هذا في نقطتين اساسيتين هما:

  • أ. ان الحركة الاسلامية بطبيعة تكوينها واهدافها حركة هداية واصلاح لكل البشر لذا فهي ليست معذورة من الناحية الشرعية بترك هذا القطاع الواسع من كيان الامة، وعليها ان تمارس مسؤولية الهداية والتغيير في صفوف ابناء الامة كافة لتسمع صوت الاسلام لكل ابناء هذه الامة.

  • ب. ان الجمهور قوة سياسية وجهادية فعالة ومؤثرة في عملية الصراع والتأثير التاريخي الحاسم. واهمال هذه القوة يفقد الحركة الاسلامية مادة اساسية وعنصرا فعالا من عناصر القوة وملجأ امينا يحتمي به العاملون.

ومن هنا كان واجب الدعاة المجاهدين ان يركزوا نشاطهم باهتمام بالغ في هذه المرحلة الجهادية من تاريخ الدعوة في اوسع قطاعات الامة وهو الجمهور، فيعبئوا هذه الطاقة البشرية العظيمة ويوجهوا امكاناتها توجيها بناءا في عملية الصراع والجهاد التي يخوضونها ضد خصوم الاسلام واعداء امتنا.

ايها الدعاة المجاهدون:

ان عليكم واجبا جهاديا فذا في تاريخ امتنا شاء الله ان يمنحكم شرف النهوض به. انكم تخوضون ملحمة بطولية رائعة تتصدرون طليعة الوعي والجهاد، وعليكم مسؤولية تاريخية كبرى تحتاج الى وعي اسلامي اصيل، وقدرة قيادية فذة، وروح جهادية شجاعة، وثقة عظمى بالله لاتتزعزع.

ان الجماهير تحب القائد الشجاع الذي يجسد اهدافها ويتحدى القوة التي تقهرها، لذا فانكم مطالبون بالتحلي بهذه الصفة صفة الجرأة والاقدام، وان تختاروا المواقف الشجاعة التي تشعر الأمة بوجود القيادة المؤهلة لممارسة دورها ومسؤولياتها بشجاعة وبطولة.

ايها الدعاة: اتصلوا بالقرآن اتصالا دائما لتعرفوا ما أعد الله تعالى للمجاهدين وما أعد سبحانه لأعداء الدين.

ايها الدعاة المجاهدون:

عليكم ان تتمرسوا على العمل مع الجمهور وتتقنوا التعامل معه وتبدعوا في اساليب التأثير عليه.

وعليكم ان تتحسسوا التعقيدات الاجتماعية السائدة عند الجمهور: عادات.. عصبيات.. عواطف.. ولاء.. عوامل تقارب.. عوامل تباعد..الخ…

وكذلك عليكم ان تتحسسوا التعقيدات الذاتية أو الفردية لدى الاشخاص الذين تتعاملون معهم: حب الظهور.. تربية المزاج.. الولاءات المختلفة.. عشائرية، اقليمية، مذهبية.. الشجاعة.. الاقدام.. التردد.. التهور.. الخوف.. التذبذب.. الخ.

واذا سرتم نحو ازدياد الحس المرهف لمعرفة الوقائع التي تعيشون معها ازددتم قربا من الله رب العالمين تدعونه وتلحون في الدعاء. سيكون وصولكم الى اهدافكم اقرب منالا بمشيئة الله ورعايته.

ايها الدعاة: عليكم ان تكونوا على درجة عالية من الوعي وفهم طبيعة التركيب الاجتماعي لدى جماهير امتنا. عليكم ان تتعرفوا على اتجاهه الفكري والنفسي، وحاجته المادية.وتشخصوا مواطن الاثارة وعناصر التحريك ومراكز التأثير الفاعلة في اعماق الامة.

عليكم ان تكونوا مدركين لكل العوامل الؤثرة في قيادة الجمهور كي يسهل عليكم تعبئته وقيادته.

ان الجماهير تتأثر بشكل حاد وسريع بدافع الانفعال والتحرك الوجداني والعاطفي اكثر من تأثرها بالاقتناع المنطقي والمخاطبة الفكرية والثقافية.. لذا فأن قيادة الجمهور تتوقف الى حد كبير على توفير هذا العنصر واختيار الاوقات والمناسبات والمثيرات القادرة على التعبئة الانفعالية وتحريك غضب الجماهير ضد الظالمين العملاء أو كسب تأييدها…. ان العمل مع الجمهور لايكون مفتوحا ولايترك للعمل العفوي. وعلينا ان نختار مدن العمل التي نبدأ بها عملنا الجماهيري الواسع ونختار اماكن العمل حسب طبيعة العمل المطلوب.

دراسة المدن، كل على حده، امر ينبغي ان يكون موضع الاهتمام الخاص. والمعرفة العامة قد تكفي لبعض الاعمال، الا ان التركيز والاستمرار في العمل وتطويره تحتاج الى معرفة كاملة بالارضية والمحيط الذي نعمل فيه.

الجمهور الذي نعمل معه ينبغي ان يكون مؤهلا لاستقبال العمل الاسلامي واحتضانه وعنده القابلية لأن يكون بعون الله مصدر اشعاع وتأثير، فتنتقل عدوى التحرك الجماهيري من محلة لأخرى، ومن منطقة الى مناطق اخرى مجاورة أو غير مجاورة، فأن الانسان لايعلم مدى توفيق الله له اذا اطاعه ولايعلم مدى ارادة الله في جعل الانتصارات تتوالى للمسلمين عندما يعملون لنصرة دين الله.

واختيار الجمهور يعتمد على مدى ادراك الداعية لطبيعة المنطقة ولطبيعة العمل.. ويمكن ان نضع مجموعة نقاط كدليل يستفاد منه في اختيار منطقة العمل الجماهيري:

  • في الغالب الجمهور الفقير يستجيب للتحرك قبل الجمهور الميسور اقتصاديا.

  • الجمهور الكثيف السكان اكثر استمرارا واندفاعا في التحرك عندما يتحرك على الأغلب الأعم.

  • الجمهور المتدين اسرع للاستجابة من الجمهور الذي لايشيع فيه التدين عندما تتساوى بقية العوامل.

  • الجمهور يهوى وضوح القيادة لاغموضها. والقيادة التي ينبغي ان يعرفها الجمهور يمكن ان تكون جماعة، أو ان تكون فردا،ويمكن ان يكون القائد علما معروفا مسبقا أو يكون شخصا يعرف بالممارسة، وقد يطلق على اسم القائد اسمه الحقيقي أو اسما رمزيا حركيا.

  • الجمهور يتأثر بالقيادة القريبة من مشاعره، الواعية على الاحداث والتي تتخذ القرارات في وقتها دون تأخير أو تقديم..

  • القائد المعروف في منطقة ينبغي ان يعمل في المنطقة التي تعرفه لكي تكون الثقة عاملاً اساسيا في تسريع التأثير على الجماهير.

ان معرفة المنطقة للقائد الجماهيري مفيدة جدا، الا ان الاعمال غير الجماهيرية من الافضل فيها ان لايكون الشخص معروف لأن المعرفة احيانا كثيرة تعيق العمل وتؤثر عليه.

ان جماهير الامة هي التي تكوّن الرأي العام، وهي في الوقت نفسه تكون مرتعا خصبا لنشاطات القوى والاحزاب المختلفة التي تخطط للسيطرة على الرأي العام والهيمنة على الوضع السياسي لذا فأن اخذ زمام المبادرة من قبلكم وتوعية الجمهور وتعريفه بطبيعة الصراع واهدافه شرط ضروري من شروط التأثير فيه والتمكن من قيادته.

عليكم ان تقوموا بتحسيس الجماهير بواقعها المؤلم وكشف الاضاليل والدعايات والاراجيف التي ينشرها عملاء الاستعمار والسلطة الظالمة كل ذلك بروح اسلامية وايمانية واضحة.

علينا ان نستفيد درسا واعيا من الثورة الاسلامية الرائدة في ايران فقد استطاعت هذه الثورة ان تعبيء الجماهير وتثورها وتوظف طاقاتها في عملية الصراع، فاستطاعت ان تكتسح اشرس واعتى طاغوت جاهلي في العالم الاسلامي، وان تحقق النصر وتقلب موازين القوى وتسقط كثيرا من الحسابات والمعادلات.

فالجمهور هو القوة التي تشكل وقود الصراع المضيء في طريق الجهاد، وهو الدرع الواقي ضد ضربات العملاء واعداء الاسلام.

وعندما نلاحظ ان الجماهير تعيش حالة من التوتر والترقب والانتظار بعد اشتداد الازمات وطغيان استبداد وتوالي المحن والكبت والاضطهاد وعندما نراها تتوق الى الانفلات من القيد والانتقاض على الركود.. نبادر الى احتلال موقع القيادة ونتجاوب مع احاسيس الامة فلا نتخلف عنها لكي لاتقفز قوة سياسية فتركب ظهر الموجة.

ان الامة الاسلامية اصبحت في كثير من الاقاليم تشعر بافلاس القوى السياسية المختلفة واتجهت الحركة الجماهيرية اتجاها اسلاميا. لذا فأن القيادة الاسلامية عليها ان تكون مهيأة للتحريك بعد ان تكون قد عبأت الامة تعبئة كافية لتنطلق في اتجاه العمل الاسلامي الفعال.

ان القيادة الاسلامية ولله الحمد هي القوة الوحيدة الرائدة في الميدان في بعض الاقاليم الاسلامية. وان الجمهور ينظر الى القيادة الاسلامية بأنها المنقذ الرائد وسفينة النجاة في البحر السياسي الهائج.

فأمسكوا بموقع القيادة بقوة، وكونوا طلائع رائدة لجماهير امتكم. عليكم ان تتواصوا في اعمالكم لتكون عملا واحدا يصعب اختراقه.