مقدمة

بين يدي هذا الكتاب

قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَ‌ةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِ‌كِينَ ﴿١٠٨﴾

لماذا نحرص على اعادة طبع فكر ”الدعوة الاسلامية“ رغم مرور ربع قرن من الزمان على صدور بعض مفرداته؟ أليس في ما صدر من أفكار في الآونة الاخيرة غنى عن هذه الافكار التي يبدو للبعض أنها دخلت في اطار المفاهيم التراثية التي عفا عليها الزمن؟

ولكي يكون الجواب معتمدا على أسس واضحة ومعقولة لابد من تسجيل الحقائق الآتية:

اولا: ان فكر (الدعوة الاسلامية) يشكل بمجموعه نظرية في العمل الاسلامي الاجتماعي مازالت الساحة بأمس الحاجة اليها فرغم ان الدعوة الاسلامية تمتلك كافة المقومات الشرعية لأستمرارها ودعمها من قبل المكلفين بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فان الوضع الحضاري للامة من ناحية قربها أو بعدها عن الاسلام، اضافة الى شراسة التحدي الكافر الذي يواجه مسيرة المسلمين في العصر الحاضر١ يستدعي الاسلوب المخطط للامر بالمعروف والدعوة لدين الله تعالى.

ولعل في طليعة المقومات الشرعية لهذا الاسلوب من العمل للاسلام كون هذا العمل تنفيذا لفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة دين الله وتحكيم شرعه القويم.

ان المكلفين اذا عجزوا عن تنفيذ عملية اقامة المعروف وانكار المنكر في الارض وتوقف امر اقامة هذا الامر على حشد الطاقات وتنظيم الجهود، وجب عليهم اللجوء الى اسلوب من هذا القبيل يقول امام المسلمين آية الله العظمى السيد الخميني دام عزه بهذا الصدد:

لو توقفت اقامة فريضة أو اقلاع منكر على تظافر جماعة وقيامهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجب عليهم جميعا، ولا يسقط الوجوب بقيام بعضهم.٢

وتتضمن مهمة (الدعوة الاسلامية) في العمل عملية القيام بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اطار حشد الطاقات وتظافر الجهود من أجل انجاز هذه المهمة الشرعية العظيمة. بعد القناعة التامة ـ النابعة من دراسة الواقع المعاش للمسلمين ولوضع اعدائِهم في الارض ـ بأن مواجهة مخططات اعداء الله ورسوله ﷺ ودينه الحنيف ليس لها الّا العمل المخطط المدروس، وان هذه القناعة لازالت تمتلك كافة المقومات الشرعية والواقعية كما اشرنا، رغم شعورنا بأهمية مراعاة ظروف كل بلد يعيش فيه العاملون في سبيل الله تعالى، فحيثيات الواقع الذي يحياه الاسلام والمسلمون يحدد طبيعة التحرك واساليب ومصاديق العمل فيه.

ثانيا: ان فكر (الدعوة الاسلامية) يمثل في قيمته التاريخية تسجيلا وثائقيا لمنحى التطور في العمل الاسلامي ـ ضمن اطار الدعوة واطار الأمة على مدى ربع قرن من الزمان أو يزيد ـ اضافة الى تسجيله للعقبات الحضارية والسياسية والاجتماعية التي عانى من وطأتها العاملون عبر مسيرتهم الجهادية في سبيل اعزاز هذا الدين، وفوق هذا وذاك فان هذا الفكر المبارك قد ارسى مضمون السير المخطط في اطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفيته وابعاده، ففي هذا الفكر تتضح للعامل في سبيل الله تعالى مثلا طبيعة مهمته في اقليم يعادي حكامه الاسلام، كما يتضح للعامل دوره الرسالي في اقليم يباشر عملية تنفيذ شريعة الله تعالى وترفرف فيه راية الاسلام الحنيف، ويقف الكفر العالمي بكل امكاناته لحربه، محاولا أطفاء نور الله الذي شع في ارضه تحت راية هذا القائد المظفر اعز الله تعالى نصره كما تتضح في اطار هذا الفكر طبيعة المرحلة التي يعمل ضمنها العاملون، اخذا بنظر الاعتبار موقع الاسلام في الاقليم الذي يعملون فيه، كما تحدد من خلال هذا الفكر طبيعة العلاقة مع العاملين الاسلاميين الصادقين الى غير ذلك من المفاهيم الحيوية لمسيرة العاملين في سبيل الله تعالى الامر الذي يعني ان نشر هذا الفكر ووضعه في متناول ايدي العاملين انما يعني مهمتين اثنتين في آن واحد:

  1. تيسير مهمة تقديم نظرية (الدعوة الاسلامية) في العمل للمؤمنين.

  2. توفير فرص الاطلاع على التطورات التاريخية لهذا الفكر وماعاناه العاملون في سبيل الله تعالى على مدى اكثر من ربع قرن من الزمان.

ومن اجل ذلك فأننا نقدم هذا (الفكر) بشكله الذي كتب فيه مشيرين الى التاريخ الذي كتب فيه لتحقيق هذه الخطة العملية في بعديها، ونخالف اشد المخالفة عملية تشويه الافكار بحجة تغير الظروف، فالحركات الحية في العالم احتراما لتاريخها ـ بعد مراعاة اهمية افكارها بما هي افكار ـ تلجأ عادة الى الاهتمام بالبعد التاريخي لأفكارها ـ واذا استجدت لها قناعات جديدة فلها ان تبدل أو تعدل أو تغير من خلال انتاج فكري جديد، الامر الذي سلكته (الدعوة الاسلامية) عبر مسيرتها تحت شعار (ان فكر الدعوة لايصل الى حد فكر المعصوم عليه السلام اللهم في ما عداما كان بالنسبة للافكار الرئيسية التي تشكل مجموعة المعتقدات الاسلامية، وجملة من الخطوط التشريعية) (واننا نؤمن بصحة افكارنا مالم يثبت العكس)٣

نسأل الله العلي القدير أن يأخذ بايدينا وايدي المؤمنين جميعا الى حيث العزة والكرامة، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

  1. التحدي للاسلام والمسلمين لايحتاج الى الحديث عن مصاديقه واساليبه لشدة وضوحها. ^

  2. من هنا المنطلق (سلسلة من المسائل) مقتبسة من كتاب تحرير الوسيلة لسماحة الامام دام عزه مطبعة الاداب في النجف الاشراف ص ٧٢ سنة ١٩٧٤م. ^

  3. نظرات للتأمل في التدين والتخطيط صدر عام ١٣٩٢م راجع ثقافة الدعوة ج ٢ ط ١، ١٤٠١ هجري. ^

السابق