اللعبة الاخيرة

صدر في شهر رمضان ١٣٩٩ هجري

حرص الاستعمار على الاحتفاظ بمصالحه واعطاء نفوذه صفة الديمومه في كل البلاد التي ابتليت به، وسلك من اجل ذلك الهدف سياسة تطوير اساليبه في ادارة شؤون البلاد التي خضعت لنفوذه او التأثير عليها مراعيا في ذلك:

  1. درجة التحسس واليقظة على النفوذ الاستعماري لدى الشعوب واظهار التذمر من ذلك.

  2. طبيعة الصراع الدولي والتغيرات السياسية والدولية، ومن هنا فقد شهدنا في تاريخ المنطقة الاسلامية الحديث وغيرها من البلاد المستعمرة تغيرات واسعة في اشكال الادارة والانظمة السياسية والاقتصادية والشخوص والمؤسسات.. فقلما نجد بلدا في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث لم يتعرض الى سلسلة من التغيرات السياسية في تاريخه الحديث. ويمكن ان نلاحظ اطراف معادلة التغيير في التاريخ السياسي الحديث لهذه البلاد من خلال مايلي:

أولا: تغيير اشكال الادارة من ادارة عسكرية اجنبية مباشرةالى حكم محلي مدعوم بقواعد عسكرية او مستشارين اجانب، الى حكم يختفي فيه دور القواعد والمستشارين بالتدريج، وقد يصحب التنفيذ الاخير عملية عنف يستبدل من خلالها الحكم الملكي الى جمهورية مثلا ليكون مثيرا وملفتا لانظار الناس واكثر قدرة على استغفال الامة وتضليلها. وقد يرافق هذه الاشكال السماح بظهور احزاب وجمعيات سياسية متعددة تحت عنوان الديمقراطية، او لايسمح الا بظهور حزب واحد، يعقبه ـ اذا اقتضى امر اللعبة الدولية ـ مشروع التعدد. وما يجازله العمل من الاحزاب عادة لابد ان يكون من الطراز المسموح به في نظر الاستعمار، سواء لعمالته المباشرة للاجنبي او لتبعيته في الفكر والمنهج.

ثانيا: تغيير مناهج الحكم والتشريع من نظام راسمالي ديمقراطي الى نظام اشتراكي او بالعكس، ومن دكتاتوري الى ديمقراطي او بالعكس، وذلك حسب اوضاع الشعوب وحسب اوضاع الصراع الدولي. واثناء الحرب العالمية الثانية، وبعدها بدأ الفكر الاشتراكي يشد انتباه شعوب المنطقة تحت تأثير الاعلام الروسي المعادي للاستعمار الغربي، وتزايد النقمةعلى الاستعمار الغربي وعملائه في المنطقة، مما اثار قلق الدوائر الاستعمارية الغربية. فقد نشأ كثير من الاحزاب الشيوعية في العالم الاسلامي والبلاد المستعمرة الاخرى ما بين الحربين العالميتين، ولم تكن الشعوب يومذاك في وضع يمكنها من الانفتاح على افكار الشيوعية الاجتماعية والسياسية. ومن هنا فان بروز الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية اوجد عاملاً جديداً ومؤثراً، اهّل لقبول الفكر الاشتراكي من قبل قسم من الطبقة المتعلمة، بسبب ضغط الحاجة لأطروحة اجتماعية بعيدة عن جو الاستعمار الغربي وتأثيره.. غير ان الدوائر الاستعمارية الغربية قد واجهت المتغيرات الجديدة باسلوب غاية في المكر والدهاء يسير في ثلاثة اتجاهات:

  • أ. التسلل لقيادات الاحزاب نفسها، لادارتها وتوجيهها بما يخدم المصلحة الاستعمارية. وهذا اللون من القيادات قد شهد امثلة في الحزب الشيوعي في العراق، والحزب الشيوعي السوداني والحزب الشيوعي الايراني (توده)، وفي العالم الثالث امثلة كثيرة في هذا المضمار.

  • ب. رفع نفس الشعارات التي رفعتها الاحزاب الشيوعية في المساواة وحقوق العمال والفلاحين والطبقات المسحوقة وغيرها..

  • ج. ايجاد احزاب سياسية تحمل اسماء ومفاهيم الماركسية في اطر جديدة او من خلال نفس الاطر. وهذا اللون من العمل تمثل في الجزائر بالحزب الشيوعي الذي كان يحرص على ابقاء الجزائر فرنسية وبحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، وحزب الامة الاشتراكي في العراق وحزب المؤتمر الهندي وغيرها…. وكان الغرض من ايجاد هذه الاحزاب ذات الشعارات الاشتراكية الماركسية ان تملأ الساحة الفكرية والسياسية بقوى واجهزة صنعت على عين الاستعمار الغربي، للحيلولة دون نمو تيار مماليء للمعسكر الاشتراكي حقيقة وواقعا.

وقد شهد العالم الاسلامي من هذه النماذج التي وصلت الى سدة الحكم الكثير، كالقيادة الصومالية الحالية التي وصلت الى الحكم بقناع شيوعي. وبعد ان انتهى الدور الموكول اليها في حرب الا بادة على المسلمين الملتزمين رفع الحكم القناع عن وجهه، والغى معاهدة الصداقة الصومالية السوفياتية، فاذا به وجه امريكي بلا مكياج. ومثلها قيادة اليمن الجنوبية التي حملت باسم الماركسية ـ اللينينية الى سدة الحكم، عندما انسحبت القوات البريطانية لتفسح امامها المجال، وتضيق على الجبهة القومية الموالية لعبد الناصر، حينذاك. هذه الحركة السياسية المشبوهة التي صنعت على عين الحكم البريطاني ستكشف الايام حقيقتها وقيادتها لمن ينخدعون بدعاواها.

ونظير هذه القيادة قيادة العراق البعثية التي تتشدق بالفاظ اليسار في حين ترتع في مستنقع العمالة لبريطانيا.

ونفس المفهوم ينطبق بتغيرات طفيفة على الحكومات المختلفة في العالم الاسلامي. وهكذا تكون هذه الحركات السياسية ومثيلاتها ـ رغم دعاواها ـ صنائع بيد النفوذ الغربي، وان كانت تتبنى افكاراً ماركسية، فان استراتيجية الوجود الدولي للاستعمار الغربي، تفرض، فيما تفرض، هذا اللون من الحكومات والاحزاب.

وتستفيد القوى الاستعمارية كثيرا من هذا النمط من الحكومات، فهي تعمل من خلالها على تصفية كل القوى المختلفه في البلاد الاسلامية منها على وجه الخصوص. كما تعمل بواسطتها على افراغ التيار الشيوعي من الفمالية الحقيقية في المنطقة، وتزرع الحقد الشعبي في ذات الوقت على الاشتراكية والماركسية، بسبب هذه النماذج التطبيقية المشوهه. ولسنا هنا في موقف الدفاع عن اليسار والشيوعية والاشتراكية، فهي لاتختلف في مضمار التطبيق والاساليب عن سواها، ولكن الذي نريد ان نثبته هنا ان التجارب الاشتراكية في العالم الاسلامي والعالم الثالث قاطبة (عدا كوبا) بما فيها من حكومات واحزاب، تغرق في مستنقع العمالة للغرب وان اصطبغت باللون الاحمر.

وبناء على ذلك، فانه يخطيء من يذهب به الظن الى ان الحكومات والاحزاب ذات الصبغة الاشتراكية او الماركسية غارقة في التبعية لموسكو، اذ ان من الثابت:

  • أ. ان الفكر الماركسي والاشتراكي بالذات لايمنع من التبعية السياسية والاقتصادية للغرب اطلاقا.

  • ب. ان الاحزاب الاشتراكية في اوروبا الغربية تمثل اقوى حصون الغرب في وجه انتشار الشيوعية والاشتراكية التابعة للنفوذ الروسي.

    ومن الاحزاب الشيوعية الاوروبية تبدأ الان الزوابع العاتية امام الاممية الشيوعية التي تكاد تكون في مرض الموت.

  • ج. ان قناع الاشتراكية والشيوعية يوفر الكثير لمصلحة الغرب، فالمقنعون بهذه اللافتة اكثر ضراوة في ضرب الاسلام والاصالة عند الشعوب المستعمرة، وهم حريصون على تحقيق المصالح الغربية على الوجه الاكمل. وفي الوقت نفسه يزرع هذا الاتجاه الحقد على الشيوعين والاشتراكيين في نفوس الناس، من دون ان يكلف الغرب اية خسائر مادية او معنوية، فعامة الناس يعتقدون ان مايرون ليس قناعا، وانما هو حقيقة قائمة بذاتها.

ان هذه التجربة الماكرة تعاد صياغتها اليوم بشكل يناسب المتغيرات الجديدة في المنطقة الاسلامية.. فتصاعد تأثير التيار الاسلامي التغييرى في المنطقة ونزوله الى ساحة العمل السياسي كقوة يحسب حسابها، لاسيما بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران، واستمرار الثورة الاسلامية في افغانستان، وتصاعد الصراع السياسي بين المسلمين والسلطة العميلة في العراق، ونمو الاتجاه في تركيا، ومقاومة المسلمين للسلطة في سوريا، جعل الغرب الاستعمارى يعيد النظر في سياساته في المنطقة ليضع الخطط والبرامج لمواجهة التيار الاسلامي.

ويبدو انه اختار نفس الاسلوب الذي سلكه في مواجهة الشيوعية المحلية مع اختلاف في التفاصيل..من ايجاد احزاب سياسية تحمل شعارات اسلامية، واقامة حكومات تسمي نفسها اسلامية وتسليط الاضواء عليها اعلاميا، وتوفير اقلام وقيادات ذات صبغة دينية لاحتلال مواقع معينة لعرقلة المسيرة الصاعدة، وادعاء الايمان والاسلام من قبل بعض القيادات السياسية.

وفي المخطط الاستعماري الخبيث الذي وضعته الادارة المصرية بتوجيه المستشارين الامريكان واليهود، الدليل الكافي على طبيعة المواجهة مع الاسلام والتيار الاسلامي بفصائله المتقدمة.

ومن استقراء سريع لطبيعة المتغيرات الجديدة يشعر المتتبع ان اليقظة الاسلامية المعاصرة، اضافة الى الاساليب التقليدية الموسومة بالعنف والكبت، ستواجه من الاخطار كعمليات التحريف والتمييع والاستيعاب، ما لم تشهد الساحة له مثيلا قط، بالنظر لما يمثله الاسلام من خطر حقيقي يهدد المصالح الاستعمارية في المنطقة. واغلب الظن ان مواجهة المسيرة الاسلامية، ستكون بالاساليب التالية:

أولا: اقامة حكومات تضفى عليها الصبغة الاسلامية، فتمارس تطبيق جوانب من الشريعة الاسلامية، خصوصا ما يتعلق بالحدود والعقوبات، مع تجاهل الاوضاع الاجتماعية المتدهورة.

ولعل التجربة الباكستانية الحالية ايام الجنرال ضياء الحق خطوة على هذا الطريق. وتهدف هذه العملية فيما تهدف، الى تشويه الاسلام واعطاء الشعوب انطباعا سيئا عنه في مجال التطبيق حيث تجري المظالم الاجتماعية في هذه الحالة باسم الاسلام..

كما تهدف العملية ذاتها الى سحب البساط من تحت الحركات الاسلامية، وتفريغ شعاراتها من مضامينها، وضربها باسم الاسلام فانها في حالة كهذه ان سايرت الاوضاع وسارت مع التيار الدعي خسرت مواقعها في نفوس الامة، وان وقفت موقفا معاديا من الوضع صفيت باسم معارضة التطبيق الاسلامي.

ثانيا: اثارة النعرات العرقية والطائفية بين المسلمين وتجنيد كل الطاقات الممكنه لاحياء الصراع القديم بين مذهب ومذهب، وفرقة وفرقة.

ثالثا: تسخير مؤسسات ذات صبغة دينية وشخوص لهم وزن معين للمساهمة بنصيب وافر في عرقلة المسيرة.

رابعا: خلق احزاب وواجهات تتقنع بالاسلام، او دفع مؤسسات اسلامية موجودة فعلا لمعارضة العمل الاسلامي الجاد المؤثر.

خامسا: العمل على التسلسل لقيادات العمل الاسلامي، بتوفير صنائع تتدرج بمرور الزمن حتى تحتل مواقع اساسية في الحركات الاسلامية.

سادسا: تهويل الاتجاه نحوالتغيير الاسلامي وكأنه اتجاه تخريبي يعرض البلاد الى هزات غير مأمونة العواقب.

سابعا: استدراج بعض القيادات للعمل في مجالات معينة تخضع للحكومات العميلة، كما تقوم به اليوم المملكة العربية السعودية حيث تجذب اليها المفكرين والعاملين الاسلاميين وتستوعبهم في اجهزتها المختلفة. كما انها تحاول باموالها ان تؤثر على مختلف المؤسسات الاسلامية في الخارج لاستمالتها واخضاعها الى نفوذها.

ثامنا: تسخير اقلام ومفكرين يتولون طرح المفاهيم الاسلامية بصيغ جديدة مبتدعة، لاشغال المسلمين بمتاهات لااول لها ولاآخر ولاظهار الاسلام كما لو كان تابعا للتفسيرات الشخصية والذوقية وليس له طبيعة اصيلة.

تاسعا: اعلان حالة استنفار داخلي لجميع القوى العميلة داخل ايران، سواء كانت تمثل التيار اليساري او الليبرالي او (ما يسمى بالتيار الاسلامي القومي ـ المعتدل)، لعرقلة المسيرة الاسلامية التغييرية التي تريدها الثورة الاسلامية ممثلة بقيادتها الامام الخميني.

عاشرا: وكذلك اعلان الاستنفار لجميع القوى العميلة في المنطقة خارج الدولة الاسلامية، لبذل كل طاقاتها لحرف جهود الثورة الاسلامية في ايران عن المضي قدما في التعجيل لتطبيق الاسلام وترسيخ اقدام الدولة المباركة.

حادي عشر: التوجيه العالمي الاعلامي وبضمنه الاجهزة الاعلامية للحكومات في بلاد المسلمين ضد تحرك القوى الاسلامية الاصيلة في ايران.

ثاني عشر: تبني الحكومات العميلة في المنطقة سياسة التطبيق لبعض الاحكام الاسلامية، كمنع تعاطي الخمر، والغاء بعض معاملات الربا في المصارف، وتطبيق بعض الحدود…. مع المحافظة على سائر الاوضاع المخالفة للشريعة. وتجري هذه العملية من خلال موج اعلامي لتضليل المسلمين وقلب الحقائق امامهم… ولعل هذه السياسة قد بدأت تأخذ طريقها الى واقع التطبيق، فكثير من الحكومات بدأت تعلن، في مناسبة واخرى، عن تطبيق الشريعة الاسلامية، وانها ستعد دساتيرها بما يتماشى ومتطلبات الحكم الاسلامي.. وبالفعل عمدت بعض الحكومات في المنطقة الى اجراءات عملية في هذا السبيل، فقد تم منع الخمرفي بلد عربي خليجي

واصبح الرقص غير المحتشم (كذا) ممنوعا رسميا في بلد آخر.. ومن المحتمل ان تقوم اشكال مختلفة من التعاون بين الدويلات في المنطقة كتعاون اقتصادي وعسكري وغيره، كما ستزداد الدعوات الى مؤتمرات ولقاءات ”اسلامية“ للتنسيق والتفاهم وتوحيد وجهات النظر ازاء قضايا متعددة…

تجري كل هذه الامور والنشاطات من اجل تقوية حكومات المنطقة وشد ازرها، للوقوف امام التيار الاسلامي الذي سيتنامى بعون الله تعالى.

ماينبغي عمله

ولئلا يقع التيار الاسلامي الصاعد في حبائل الاستيعاب، وفريسة لمخطط التحريف والتخريب ينبغي ان تتصرف فصائل العمل الاسلامي قاطبة، بحكمة وذكاء ويقظة، ازاء كل ما يجري حولها من احداث ومواقف. وعليها ان لا تبت في موضوع ولا تتخذ موقفا الا بعد ان تكون على بينة تامة لكي لا تنزلق في الشرك المنصوب لها.

ولايتأتى للحركات الاسلامية تجاوز الاخطار والعقبات مالم تلتزم بالمباديء الآتية في مسيرتها الحاضرة والمستقبلية.

أولا: تأييد كل خطوة تخطوها اى مؤسسة او افراد او حكومة نحو تطبيق حكم او مجموعة الاحكام الاسلامية وعدم معارضتها مطلقا على اساس ان هذه الخطوة انما اتخذت نتيجة للوعي الاسلامي الذي يجريه الله على يد الدعاة الى الاسلام. ويكون التأييد هذا مرافقا للمطالبة بالسير نحو الاسلام الكامل غير المنقوص، كما نبينه في النقاط الاخرى.

ثانيا: دراسة واقع كل حركة او زعيم يظهر على المسرح السياسي، مناديا بتطبيق الاسلام بدقة ووعي، لمعرفة الاهداف والدوافع الحقيقية الكامنه خلف دعواه. ولا يتم هذا بالطبع الا بدراسة تاريخ تلك الحركة وذلك الزعيم دراسة تفصيلية من ناحية المواقف والثقافة في خطوطها العامة والارتباطات. وهو امر غير متعذر على المتتبع الواعي، فان الحركات الاسلامية والزعامة الاسلامية لايمكن ان تتكون وتفرض نفسها على مسرح الاحداث بين عشية وضحاها، بل لابد لها من بذل وعطاء وجهاد ومراحل عمل، هذا اذا لم نقل لابد لها من اخفاقات وانتصارات وشهداء.. فاذا وثقنا بسلامة خطها ونظافة تاريخها وطهارة مولدها، تعاملنا معها واذا قدر ان حركة او زعيما مزق جدار الاحداث واعلن وجوده العملي من دون تاريخ جهادى ولاتضحيات، فان الامر يحتاج الى تأمل كثير، لان طريق الاسلام طريق ذات الشوكة، لايمكن ان يجتازه المدللون، اومن يقدم تضحيات مسرحية كالتي اعتاد الاستعمار ان يجيد تمثيلها لمن يشاء اظهارهم بمظهر الابطال الوطنيين، فيوكل اليهم مهمة قيادة مظاهرات، او يعتقلهم او يتعقبهم لكي يخدع الجماهير بهم، فاذا تعلق الشارع بهم ظنا باخلاصهم لقضاياه ونضجت الطبخة.. صعدوا على اكتاف الجماهير كقادة مناضلين، او نحو ذلك من القاب واسماء.. وهكذا ينفذ الاستعمار خططه لحماية مصالحه واطالة عمر وجوده.. كذلك فان الاستعمار يلجأ، عندما تضيق به سبل تطويق الحركة الاسلامية شعبيا، الى الانقلابات العسكرية التي تحمل هوية مزورة، تحمل الشعارات التي تطلبها الجماهير.. ليمتص بعض الولاء الجماهيري ويعمل لعزل او ضرب الحركة الاسلامية الجادة…

ومن هنا يتعين على الحركات الاسلامية ان تحدد مواقفها ومسيرتها في المرحلة الحاضرة وتدرس كل ظاهرة سياسية تدعي ارتباطها بالاسلام لتحكم لها او عليها.

ثالثا: ان عمليات التخدير والتسكين الممثلة بالتطبيق الصوري لبعض احكام الاسلام التي يمارسهاالحكام في العالم الاسلامي يجب ان تدرس على انها ليست مواقف مبدئية، وانما محاولات للتكيف مع المتغيرات الجديدة، فحكام العالم الاسلامي يشعرون بتصاعد المد الاسلامي من حولهم، وان استمرارهم في انتهاج سياسة التنكر للاسلام والتجاهل لتيار اليقظة يعجل بانتهاء دورهم واذن فماذا يضيرهم لو خرجوا عن صمتهم ونادوا بضرورة تطبيق الاسلام افتراء وعند النتيجة،لايطبقون غير الاحكام التي لا تتعلق بمجريات الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والتربوية لكي يخدعوا الامة من خلال هذه العملية، او يخدعوا المغفلين منها على الاصح..ومن هنايتعين على الحركات الاسلامية ان تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية:

  • أ. ان التطبيق الحقيقي للشريعة الاسلامية مشروط بوجود اسلاميين صادقين من صفوة الامة، همهم اقامة صرح الاسلام واعادة المسلمين الى عبادة الله رب العالمين وحده لاشريك له، وحكام العالم الاسلامي لا يوجد في صفوفهم من يحمل هذه السمة اطلاقا، فان الواقع يشهد بكونهم دمى يحركها الاجنبي كيفما يشاء.

  • ب. اذا كان الحكام الحاليون صادقين في تطبيق الاسلام فلم التلكؤ والدعاوى العريضة؟ وِلمَ يكتفوا بتطبيق جزء يسير من الاسلام دون جميع احكامه؟ ثم لماذا لبثو عمرا طويلا يسوسون عباد الله بما لا يرضي الله تعالى؟ انه الانحناء لعاصفة الاسلام وليس موقفا مبدئيا اطلاقا.

    هذه حقائق ينبغي ان يحيط بها المسلمون الواعون بل وكل المسلمين ممن يعلمون علم اليقين ان من يغرق في الضلال عن شريعة الله تعالى لا يمكن ان يتحول بين عشية وضحاها الى امام يقتدي به الناس، ويسوسهم بشريعة الحق.

  • ج. وعلى المسلمين الواعين ان يستفيدوا من فرص توجه الحكام للاسلام مع الاخذ بنظر الاعتبار ان ما يتبنى الحكام تطبيقه من احكام اسلامية لايمثل الحد المطلوب. ثم ان هذا اللون من التطبيق لن يؤتي ثماره دون ان توفر له التربة الصالحة للتطبيق، كما ان عملية بتر بعض الاحكام الاسلامية وتطبيقها مع تجاهل الاحكام الاخرى، سيؤدي حتما الى تشويه الاحكام المطبقة بالذات، والاسلام عامة في نفوس الناس.

مثال ذلك: لو اجرت سلطة ما تطبيق حكم قطع اليد على السارق قبل ان تتبنى سياسة توزيع الثروة كما يحددها الاسلام، فان اجراء الحكم المذكور، سيؤثر تأثيرا سلبيا. وانما يؤتي ثماره حينما يجري في ظروف خاصة، لا يمكن ان تتوفر الا في مناخ اسلامي شامل.

رابعا: ان الحركات الاسلامية جميعا مدعوة لدعم الثورة الاسلامية في ايران التي احيت الامل في نفوس المسلمين، وصعّدت جهاد الامة الاسلامية ورفعت معنوياتها واعادت الثقة في نفوس الجماهير المسلمة، مما لم يتسن للحركات الاسلامية كلها تحقيقه.

وان الثورة المباركة قد روعت قوى الطاغوت في الارض وهم يبذلون كل طاقاتهم من اجل اسقاطها او حرف مسيرتها. واذا قدر ان ينجح العدو في واحد من هدفيه، لا سمح الله، فان الخسارة ستكون غالية، وغالية جدا. انها العودة بقافلة النهضة الاسلامية الى الوراء. ومن هنا كان على جميع فصائل الحركة الاسلامية ان تبادر لدعم الثورة وترسيخ اقدامها بالنصح والتوجيه تارة، وكشف مخططات اعدائها تارة اخرى.

خامسا: على الحركات الاسلامية ان تكون حذرة مما قد يثير الاستعمار واعوانه من مفاهيم العنصرية والطائفية في الوقت الحاضر،وان تتسلح بالوعي لمواجهة كل محاولة من هذا النوع لقبرها في مهدها، فان سلاح الطائفية ذو اثر مزدوج في هذه المرحلة، فهو يحجم الطاقات الاسلامية في نطاق ضيق من جهة، ويخلق التدابر والشتات بين القوى الاسلامية فيفت من عضدها من جهة ثانية. وكلا الامرين يجني الاستعمار ثماره. وقد بدا لكل واع ان القوى المعادية باتت في الآونة الاخيرة تتحدث كثيرا عن موضوع القوميات والسنة والشيعة، مما يعد سابقة خطيرة يتعين على الاسلاميين التنبه الى مخاطرها والقصد من اثارتها في هذا الظرف، والعمل على تطويقها ومواجهتها، بالتعاون والتعارف والتلاحم كخير رد على مؤامرة الاعداء وماذا يمنع لو طرحت القضية المذكورة في لقاءات او مؤتمرات اسلامية عامة تتجاوز كل آثار محتملة بحكمة وجد وروح اسلامية سليمة.

سادسا: العمل على فضح الاقلام المشبوهة والعملاء الفكريين المسخرين لخدمة الاستعمار وكشفهم للامة لمقاطعة واماتة مايروجون من افكار دخيلة على الاسلام.

سابعا: على الحركات الاسلامية ان تصون نفسها من محاولات الاستيعاب والاستدراج التي تمارسها حكومات عميلة في المنطقة باسم الاسلام، كالمملكة السعودية والحكم الباكستاني الذي يتظاهر بالسعي لتطبيق الشريعة، مع ان المتغيرات الجديدة هي التي املت هذا الموقف لكي يتكيف الحكام مع الظروف الجديدة، فان اخوف ما يخاف منه على الحركات الاسلامية ان تكون فريسة لحسن الظن ببعض الانظمة العميلة التي تتبرقع بالاسلام. وان محاولة جادة لمعرفة واقع هذه الانظمة ومثيلاتها من خلال الارتباطات، والمنحى في السياسة الداخلية والخارجية، وتاريخ الحكام الشخصي يكشف بعمق، ماتبيته تلك الانظمة من سوء للاسلام والمسلمين.

على الدعاة ان ينقلوا هذا الفكر للحركات الاسلامية حتى يعم الوعي الصحيح ونكون امناء على حمل الرسالة الالهية.