لماذا لانبحث الاحداث المهمة في مناطق العمل؟

صدر في ربيع الاول ١٣٨٣ هجري

هذا السؤال قفز الى ذهن كثير من الدعاة عندما توالت الاحداث والتقلبات السياسية في كثير من مناطق العالم الاسلامي وخاصه في الشرق العربي وايران. وكأن في النفس عتاب على الدعوة فهي لاتزودهم بهذه الحاجه التي تبدو ضرورية لرجل يعمل وسط المعركة، في وقت تنبهت فيه احساسات اكثر قطاعات الامة وكثرت الآراء وشاعت الاحاديث السياسية بين عامه الناس، الامر الذي جعل كثيرا من اوساط الامة في الحيره من امرها، فلاتدري اي الاتجاهات اسلم وآمن فبدت وكأنها مستعدة لأخذ آراء جديده وحفز هذا الوضع الدعاة لملء هذا الفراغ..

ولكن لم يروا دفعاً واضحاً من قبل الدعوة ولم يروا خطه مناسبة للوضع الجديد، وسادت في اوساط كثير من الدعاة ـ نتيجه لهذا ـ افكار عاطفية لاتستند الى منطق العمل المرحلي وظهرت آراء اندفاعيه تحاول ان تطفر عن المفاهيم العملية التنظيمية المدروسة وتجتاز الخطوط العريضة المتبناة، ويمكن ان يكون عتب هؤلاء الدعاة وآراؤهم في محلها لو كانت الدعوة تعيش المرحلة التي تتطلب تبني مثل تلك الآراء وقد نسوا اننا لسنا كغيرنا من السياسيين والمنظمات التي اصبح هواهم تغيير الحكام على غير مااساس، ولانحن طلاب كراسي حكم، ولامحترفو سياسه ولا من رغبتنا المغامرات السياسية وانما نحن دعاة انقلابيون، نعمل على تغيير المجتمع من جذوره وتغيير جميع الاسس التي تستند عليها الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكريه والروحيه والفلسفية، وهذا العمل يحتاج الى بناء قوي وسليم يستند على الفهم الدقيق والجهاد الديني المنظم، وليس كتلك التكتلات السياسيةالتي تقوم على الاسس العاطفيه ولاتملك الا الحقد على الحاكم ولاتستند الا على رأي شائع وشعار محبوب وافكار مزركشة لامداليل واضحة لها. ان سير الدعوة واضح ومراحلها معروفه ولما كان السير بالدعوة يستند الى ماترسمه الدعوة فان حركة السير تنطلق من داخل الدعوة لا من خارجها، واذن فاننا كدعاة في الوقت الذي نواكب فيه الاحداث السياسية، يجب ان نكون مستفيدين منها مؤثرين فيها ان امكن ـ لاسمح الله ـ فان تأثرت الدعوة من خارجها فكريا بهذه الحوادث فلا يلومن الداعيه الانفسه لأن الدعوة انما ستعمل بعمل دعاتها.

وللجواب عن السؤال المذكور في عنوان هذه النشره بالصيغه المنطقيه نقول:

اولا: ان الامة في وضعها الحاضر تحتاج الى إلفات نظرها للاسلام حتى تلتف حوله، وهذه العملية بحد ذاتها تحتاج الى جهود جبارة، لأن كل العاملين في الحقل العام في بلادنا اشخاص ومنظمات واصحاب نفوذ يهملون هذه القضية او يعارضونها، واي عمل اسلامي قبل ايجاد قاعدة اسلامية قوية لاينتج عنه اي ناتج صحيح.

فالدعاة هم المسؤولون عن هذا الامر واذا اندفعوا وراء تفسير الاحداث السياسيه فمن يعمل للتفكير الاسلامي اذن؟

ولاسيما ان الاحداث السياسيه متتاليه على مر الايام لاننا نعيش في منطقه فقدت استقرارها فهي في كل يوم على وجه يختلف عن الآخر ولو بالشكل وكل يوم تعيش ازمه جديده.

ثم ان الدعوة اذا اخذت على نفسها نشر رأيها بالاحداث السياسيه فان الدعاة عند ذلك يرون انفسهم ملزمين على اذاعة هذه الآراء، ولاسيما ان اجواء التحدث في القضايا السياسيه متهيئه والحديث بالسياسه سهل ومحبب الى النفس، فاذا فعلت هذا فانها تقع في اُخطاء إهمال الفكر الاسلامي، وانه لخطأ خطير نتيجته تمديد بقاء الاوضاع السيئه السائده الى امد اطول، وهذا مما لانرتضيه.

ثانيا: معنى تبني الاحداث السياسيه إيجاد جو من المقابله بين الدعوة وبين الفئة الحاكمة وغيرها من الفئات السياسيه، ومعنى هذه الطفرة بالدعوة وهي لاتزال في مرحلة التكوين والبناء الى عملية الصراع السياسي، وهي عملية رسمت لها الدعوة مرحلة اخرى بعد لم يكمل التهيؤ لها ولا الاعداد، وينبغي ان يكون واضحا قضيه تعداد المراحل وكيفيه بلوغ كل منها واكمالها.

ثالثا: في المسرح السياسي الآن اكثر من فئه تتصارع على تولي الامور وليس بين هذه الفئات فئه اسلاميه فنشر الرأي السياسي المحلي قد يؤثر على الاُمة فيضعف فئه ويقوّي اخرى وبنفس الوقت لاتستفيد الحركة الاسلامية لانها لم تصل بعد الى هذا المستوى، وهذا العمل فيه خدمه بدون مبرر وبدون فائده مرجوه.

رابعا: ثم ان الدعوة لم تنس القضايا السياسيه، فهي تعطي ما ينسجم مع مرحلتها العملية، وبالفعل فان الدعاة مزودون بفكر سياسي يمكنهم الانطلاق منه الى اى حديث تماما وابداء الرأي في كل امر سياسي وفي اغلب الاحيان يكون موقف الداعيه اكثر وضوحا وحجة من رأي غيره لأن الداعيه يملك في ذهنه تصورا عاما لماهو موجود الآن من سياسات فعليه عامه في العالم كما هو مشروح في نشراتنا السابقه، ويملك مخططا واضحا لعمله، وعنده ضوابط فكريه تجعل رأيه موزوناوغير مبعثر وغير مشوش وتكون آراؤه منسجمة مع بعضها بخلاف الآخرين الذين يتأثرون بمختلف المؤثرات المتناقضة في كثير من الاحيان بلا ضوابط فكرية ولا فكر عام ولاتخطيط واضح، والداعية على كل حال عنده رأي خاص عن الاحداث المتتابعه، وهذا الرأي في هذه المرحلة كاف ليتزود به في معركته الفكرية التي تحتاج الى رأي سياسي لحدث من الاحداث.

وفي هذه المرحلة لايضر بعض الخطأ او عدم الدقة في الرأي السياسي لأن مرحلتنا الآن كما ذكرنا هي مرحلة بناء الدعوة بناءا سليما، وهي مرحلة لفت نظر المسلمين الى الاسلام للالتفاف حوله ولبث مفاهيم عامه او على شكل اخبار سياسيه موجهه لتركيز الفهم السياسي، وتهيأة الدعاة الى الوقت الذي يكونون فيه مصدر الوحي لفهم الجماهير في مختلف القضايا عندما يستقر الاسلام بخطوطه العامه الشامله في اذهان امتنا السائره في طريق اليقظه والتحرك الى اهدافنا العليا بعون الله.