هل الوضع الدولي في طريقه الى التبدل؟
يعرف الدعاة ان وجود الاسلحه النوويه لدى كل من المعسكرين الشرقي والغربي بكمية وافره وخاصه عند امريكا وروسيه قد ابعد احتمال اشتباك مسلح بين المعسكرين، لان المنتصر سيكون اشلاء محطمه. ونتج عن ذلك انفراج في الحرب البارده بينهما ووصل الى قمة في اجتماع خروتشوف وكندي الرئيس الامريكي السابق. وان كان الانفراج هذا تكدره احتكاكات آنيه سرعان ما تزول عندما يلوح شبح استعمال الاسلحه النوويه الرهيب. وعندما توارى شبح الحرب بين المعسكرين برزت الخلافات الكامنه داخل كل من المعسكرين وظهرت على المسرح الدولي خلافات حاده داخل المعسكر الشيوعي وداخل المعسكر الرأسمالي تمثلت في الصراع العقائدي الحاد بين الحزب الشيوعي الروسي والحزب الشيوعي الصيني وتمثلت ايضا بالصراع الفرنسي مع الولايات المتحده الامريكيه وبريطانيا وظهرت على المسرح السياسي خطة جديدة وضعها ديغول رئيس جمهوريه فرنسا تؤمن بزوال سياسة المعسكرين في العالم وايجاد سياسةالكتل الدوليه ذات المصالح المشتركه. بومبيدو رئيس وزراء فرنسا
”لقد مضى زمن تقسيم العالم الى معسكرين“.
ولتنفيذ الخطه يحاول ديغول ايجاد تكتل اوربي غربي بدون بريطانيا وبزعامة فرنسا لينافس امريكا من ناحيه وروسيا من ناحيه اخرى في التحكم بمصائر الامم والشعوب، وتقضي خطة ديغول ان يكون لهذه الخطة الجديدة دور قيادي في تسييردفة السياسة العالمية حيث تتسلم قيادة نفسها من امريكا فتضعف المعسكر الغربي لتقف بين القوتين الجبارتين الولايات المتحده وروسيا موقف من بيده الزمام. وتسعى لتغلغل نفوذها في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينيه.
ولكن هل نجح ديغول في تنفيد خطته هذه؟.
لابد من ذكر بعض العوامل التي تؤثر سلبا او ايجابا في هذه الخطة لنتبين مدى نجاحها.
-
ان هذه الخطه متأثره الى حد بعيد بشخصية ديغول ـ تاريخه وعقليته ـ وتنفيذها منوط ببقاء ديغول متسلطا على الحكم في فرنسا.
-
الرأي العام الاوروبي لايزال مشدودا الى ذهنية معسكرين شرقي وغربي سياسيا وعقائديا ولايزال يخشى الخط الشيوعي ولاسيما بعد ان خرجت الصين من ربقة الاستعمار الغربي وانطلقت نحو مراكز القوه.
-
الدول الغربية التي يريد ديغول الأندماج معها في الكتله الجديدة لاترى مبررا لاستبدال قيادة الولايات المتحدة بقيادة فرنسا ولاترى استبدال الوضع الحالي المتمثل بالمعسكر الغربي ذي القوى النوويه الهائله بوضع آخر يتمثل بتحالف اوربي غربي ذي قوة نافقة، وترى هذه الدول ان في ذلك انعزالا اوروبيا وانقساما في دول المحيط الاطلسي لامبررله. ورغم هذه العوائق فان ديغول جاد في السير بخطه ويستند على العوامل التاليه:
-
اعادة امجاد اوروبا السابقة في السيطرة والنفوذ مستغلا الروحية الاستعمارية الاوربيه وشعور الفرد الفرنسي بعظمة شعبه هذه الروحية وهذا الشعور الذي طرأ عليه الذبول نتيجه الانكسارات المتواليه التي ابتليت بها الحكومات الاوروبيه في مجال الاستعمار بعد الحرب العالميه الثانيه والتي يحاول ديغول اعادة حيويتها ورونقها السابق لاثبات نظرته في انتعاش اوربا الاقتصادى ونجاح اوربا في القانون الاقتصادي بعد ان خرجت من الحرب الثانيه منهوكه محتاجه الى مساعدة امريكا في تسيير امورها وللتدليل على امكانيات الشعوب الاوربيه الحيه التي. مكنتها في ظرف وجيز من تحويل النكسه الى انتعاش كبير الامر الذي يمكنها من سلوك سياسة مستقله عن بقيه الدول الكبرى لتكون سيدة نفسها المطلقة بلا ارتباطات تراعي منها مصالح غيرها.
-
يرى ديغول الارتباط الاوربي ضروريا لتجميع الامكانيات المتفرقه حتى تتمكن الكتله الجديده من مقابله الامكانيات الكبيره التي تمتلكها الولايات المتحده وروسيا كل على حده.
-
يعمل ديغول على تغذيه الحقد الاوربي على امريكا المنافسه القويه للدول الاروبيه داخل مستعمراتها والتي نجحت في كثير من محاولاتها في تقليص ظل الاستعمار الاوربي.
-
ويستند ديغول ايضا في تبرير خطته على ان امريكا عندما يجدّ الجدّ وتأتي ساعة الخطر فانهالاتتمكن من درء الخطر الذري عن اوربا لطبيعه السلاح النووي وانها عند ذلك لاتفكر الا في بلادها وشعبها وتبقى اوربا غير ذات فعاليه خاصه في هذا المجال.
-
سار ديغول في تنفيذ خطته وقام بكثير من الاعمال نذكر بعضها للتوضيح:
-
تخلص من الاشكال القديمه للسيطره التي كانت فرنسا تمارسها في مستعمراتها لانها لاتلائم الاوضاع الجديده في العالم.
-
سار في تركيز السوق الاوربية المشتركة خطوات بعيده ومنع بريطانيا من دخولها.
-
عقد معاهده خاصه مع المانيا لتكون المانيا وفرنساهما حجر الزاويه في التكتل الجديد.
-
قام باتصالات واسعه مع دول اوربا الغربيه المعنيه لاقناعها بالسير وفق الصالح الاوربي المشترك.
-
قام بمضايقات تجاريه كثيره لامريكا بواسطه السوق الاوربيه المشتركه.
-
تدخل كثيرا في مشاريع حلف الاطلسي التي وضعتها امريكا
-
انشأ قوة نووية خاصة بفرنسا.
-
اعترف بالصين الشعبية ويحاول ان يبني معها علاقات سياسية واقتصادية وثيقة.
-
قام بنشاط واسع في الشرق الاقصى في المستعمرات الفرنسية السابقة التي قسمت بين الشيوعين وامريكا لمضايقة امريكا.
-
وقفت فرنسا في هيئة الامم المتحدة مواقف مستقلة عن سياسة المعسكر الغربي خلافا للاصول المرعيه بين الدول المنتميه الى معسكر واحد حتى ان بريطانيا قالت بان فرنسا باعمالها هذه ستخرج من كونها دولة حليفة.
ان سياسة ديغول هذه لايقدر لها النجاح الآن ولكنها محاولة ناجحة لبذر بذور انهيار السياسة الامريكية والروسية ”المعسكرين“ في العالم وحلول سياسه التكتلات الدوليه المتعدده التي لاترتبط الا بالمصلحه الخاصه بصرف النظر عن نظام الحياة في كل دولة سواء اكان شيوعيا او راسماليا..