الخط العام في مجابهة الاحداث
تختلف الحركات السياسية فيما بينها في الخط العام الذي تنتهجه في مجال مجابهتها للاحداث التي تواجهها فمنها ما يؤكد على المركزية حتى في ابسط واوضح القضايا والاعمال والافكار، فلايسوغ للعضو فيها ان يقوم بعمل او يقرر موقفا او يأتي بفكرة من الافكار مالم يعرضها على الحركة اولا، بينما تقف بعض الحركات السياسية الاخرى على الطرف المقابل لهذا الخط حتى يصبح العضوفيها يتمتع بالصلاحيات الى ابعد حد واوسع مجال فله ان يقرر الموقف الذي يناسبه من الاحداث وان يتبنى ما يحلو من الآراء والافكار على ان لايخرج عن الاطار العام للمبدأ او النظام الذي يتبناه الحزب.
ونريد ان نعرف الآن اين تقف دعوتنا من بين هذه الحركات في هذا المجال.
لقد درست الدعوة هذه الخطوط العامة في مجابهة الاحداث وتقرير الافكار فوجدت في كل من الاتجاهين المذكورين حسنات نافعه وسيئات مهلكه.
اما الخط الاول فان اهم حسناته هو توحيد اتجاه الحزب في المجالين الثقافي والسياسي واهم سيئاته تجميد الطاقات الذهنيه لدى الاعضاء وتعطيلها عن النمو والابداع وزرع الشعور بالعجز عن تقرير المواقف وابداء الآراء.
واما الخط الثاني فان اهم حسناته فسح المجال امام الاعضاء ليعبروا عن طاقاتهم المبدعه في مجالي الفكر والعمل واهم سيئاته انتشار البلبلة الفكرية والتضارب في المواقف السياسيه وزرع الاعتداد والمواهب الشخصيه والشعور بالقدرة على القيام باعباء المسؤولية بصورة استقلالية.
فكان من حصيلة هذه الدراسات لهذه الخطوط والاتجاهات ان توصلت دعوتنا بتوفيق الله تعالى الى رسم خط تتمثل فيه كل هذه الحسنات ولاتترتب عليه واحده من تلك السيئات.
وسنقتصر الآن على شرح ما يتصل بهذا الخط العام في تقرير المواقف من القضايا والاحداث من الناحيه العمليه مؤجلين البحث فيما يتصل به من تبني المفاهيم والافكار الى مناسبة اخرى انشاء الله. علما بان كلا من هذين الجانبين ـ العملي والفكري يقومان من حيث الاساس على هذا الخط العام فنقول:
تقسم الدعوة الاحداث التي تجابه الدعاة الى قسمين
فالقسم الاول هو مايجابه الدعاة لاول مرة ولايندرج تحت قاعده من القواعد العامه المقرره في مجال العمل والاساليب.
والقسم الثاني بخلاف القسم الاول وله ثلاثة انواع:
-
ان يكون متكرر الوقوع وقد سبق للدعوه ان بينت رأيها فيه.
-
ان يقع قبله ما يشابهه وقد بينت الدعوة رأيها فيه ايضا.
-
ان يكون داخلا في خط او اكثر من الخطوط التي تبنتها الدعوة في مجالات العمل والاساليب.
هذا مع الاخذ بنظر الاعتبار تشابه الظروف ووحدة المرحله في هذه الانواع الثلاثه. ولنعرف رأي الدعوة في كل قسم من القسمين:
اما بخصوص القسم الاول، فالرأي الصحيح هو ان من حق القيادة وحدها بل من واجبها في كثير من الاحيان دراسة هذا النوع من الاحداث وتقرير الرأي المناسب فيه وتبليغه الى الدعاة بالسرعه الممكنه تبعا لما تقتضيه الظروف والاحوال. وانما كان من حق القياده وحدها ان تتبنى في هذا القسم من الاحداث، لان المفروض في هذه الاحداث انها غريبه على الدعاة ولاتدخل في خط او قاعده من القواعد العامه المقرره، ولذلك فانه لوترك للدعاة الاختيار فيها فسوف ينتهي الامر الى اعطاء آراء مقدره، وتقرير مواقف متضاربه في المسأله الواحده وربما كان ذاك في المنطقه الواحده وهذا من شأنه ـ بطبيعة الحال ـ ان يضعف الحركه ويربكها في سيرها لفقدانها الوحده في الاتجاه.
واما بخصوص القسم الثاني من الاحداث فان واجب الاجهزه المسؤوله عن الدعوة في المناطق ان تدرس الحدث الراهن فان كان من النوع الاول او الثاني فالامر اوضح من ان يخفى وذلك لسهولة التعرف على رأى الدعوة بالنسبة الى هذا الحدث في هاتين الحالتين، وان كان من النوع الثالث فانه بامكان الاجهزه المسؤوله في المناطق ان تستخلص الموقف المناسب ازاء هذا النوع من الاحداث برجوعها الى الخطوط والقواعد العامة المقررة لدى الدعوة في دراساتها الفكريه والتنظيميه والسياسيه فلم تكتف الدعوة بتزويد الدعاة بما يحتاجونه من الخطوط العامه التي تمكنهم من استنباط الرأي المناسب لما يجابههم من مشاكل واحداث فحسب، بل عمدت الى تقرير طريقه خاصه في دراسة القضايا والاحداث التي تتطلب تقرير مواقف ازاءها. ولاتتوفر لدى الداعيه هذه الطريقه الابعد استيعابه القسط الاوفر من ثقافة الدعوة وتبلور المقومات الرئيسيه للمراحل ووضوح الخطوط العامه المقرره في مجال الاساليب والعمل ومعاناته لعدة تجارب في هذا النوع من الاحداث، وبذلك تصبح طريقته في دراسة الاحداث نفس الطريقه العامه المقرره التي تنهجها الدعوة في هذا المجال.
وتتلخص هذه الطريقه ـ كما اوجزتها الدعوة في العدد الثالث من هذه النشره ـ بدراسة القضيه من خلال اربع نواح وهي:
-
علاقة الامر بمصلحة الامة.
-
علاقته بمصلحة الكفار المتسلطين.
-
علاقته بالظروف الراهنة.
-
علاقته بمصلحة الدعوة.
ثم بعد تحديد المشكله او الحدث من هذه الجهات، يلاحظ الخط التشريعي العام الذي يدخل هذا الحدث فيه وبذلك يتقرر موقف الدعوة من القضية.
ثم ينتقل التفكير بعد مرحله التقرير الى مرحله التخطيط ونقصد بها كيفيه الوصول الى الاسلوب الصحيح المناسب لايصال الرأي الى مسرح الوجود، وتتلخص مرحله التخطيط بدراسة الاسلوب المقترح من خلال هذه الامور:
-
من ناحية المعالم والمقررات الرئيسية للمراحل.
-
من ناحية الخطوط العامة المقررة في مجال العمل والاساليب.
-
من ناحية الامكانيات المتوفرة ـ المباشرة وغير المباشرة
-
من ناحية الاجواء المحيطة بالدعوة.
وبهذا الخط العام الذي تبنته الدعوة في مجال تقرير المواقف من القضايا والاحداث تكون الدعوة قد وفرت كل المزايا الحسنه التي يجب ان توفرها في الخط العام، وتخلصت من جميع السيئات والاخطاء التي وقعت فيها بقيه الحركات.
ولعل اهم هذه المزايا الحسنه ـ مضافا الى ماعرفناه من الحسنات في كل من الخطين ـ هو تربيه الروح القيادية لدى الدعاة. وذلك ان الدعاة المجاهدين بصوره عامه، والاجهزه المسؤوله عن الدعوة في المناطق بصوره خاصه، سيتناولون الحدث الراهن بالدراسة بنفس الطريقه الخاصه المقرره، فان وجدوه بعد الدراسة انه من القسم الاول من الاحداث انتظروا رأي الدعوة وان وجدوه من القسم الثاني، فان من حقهم بل من واجب الجهاز المسؤول بصوره خاصه تقرير الموقف المناسب للدعوه بالكيفيه التي عرضناها في مرحلتي التخطيط والتقرير.
وبذلك تكون اجهزة الدعوة قادرة على قيادة الامة في جميع المناطق التي امتدّت اليها لانها هي التي قررت الرأي فيه وخططت الاسلوب الاصلح له وهذا خلاف الخط المركزي العام الذي لايربي هذه الناحية المهمة لدى الدعاة بل يجعلهم ينتظرون الاوامر والقرارات في ابسط الاشياء. وفي هذه الحاله يشك في قدرتهم على تنفيذ المواقف والقرارات وقيادة الامة على ضوئها، نظراً لرسوخ النزعه التقليديه لديهم وضعف الروح القياديه في شخصياتهم وهو خلاف الخط الثاني (اللامركزي) ايضا فأن حصر التبني في النوع الاول من الاحداث بالقياده وحدها من ناحيه، وتحديد الدعوة للمعالم والمقومات الرئيسيه للمراحل وتقريرها للخطوط العامه في الاساليب من ناحيه اخرى، وصياغتها لذهنيات الدعاة صياغه واحده في مجال دراسة الاحداث من ناحيه ثالثه كل ذلك من شأنه ان يمنع الى حد كبير جدا وقوع الفوضى والاختلاف بين الاجهزة في مجال تقرير المواقف من الاحداث، ويقتلع الشعور بالاعتداد بالمواهب الشخصيه والاستقلاليه في تحمل المسؤوليه.
الدعوة والدعاة على محك الاختبار:
وقد كان في الاحداث التي وقعت اخيرا في العراق والتي تمثلت في اعلان قرارات التأميم خير محك لمعرفة مدى نضج الدعاة واجهزة الدعوة بوجه خاص في جميع المناطق وقدرتها على التوصل الى الموقف المناسب، فماذا كانت النتيجه؟.
لقد وقفت الدعوة ولله الحمد في جميع مناطق العراق موقفا واحدا وقد كان هو الموقف المناسب الذي يقتضيه الحكم الشرعي وطبيعة المرحلة الراهنة والخطوط العامة والظروف الاجتماعية الراهنة.
(وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين)