الهزات الاجتماعية

صدر في عام ١٣٩٦ هجري

الهزة:

الهزة التي تحدث في المجتمع (حركة غير اعتيادية فيه تؤثر على ركوده ان كان راكدا، وعلى استقراره ان كان مستقرا).

والهزة في المجتمع تصيب افرادا وفئات, تصيبهم في مصالحهم او في امنهم او تؤثر على حياتهم اليومية فتحدث تغييرا على مجرى حياتهم او تغييرا على مجرى تفكيرهم.. وقد تسبب الهزة هجرات فردية او جماعية، او تسبب تبديلا في بعض القوانين تبديلا يوجب زيادة في الظلم او تخفيفا.

عوامل الهزات واقسامها:

والعوامل التي تسبب الهزات كثيرة: اقتصادية وسياسية وفكرية ويمكن تقسيمها الى قسمين: عوامل داخلية من نفس المجتمع، وعوامل خارجية.

والهزات الاجتماعية: منها هزات صغيرة تنحصر في مجتمع او في منطقة معينة، ومنها هزات كبيرة تعم امة بكاملها او منطقة واسعة وقد تعم العالم.

ومنها هزات خفيفة تؤثر في المجتمع تأثيرا قليلا، وهزات عنيفة تؤثر فيه تأثيرا كبيرا.

تأثير الهزات:

وبصورة عامة فان للهزات تأثيرا على حياة المجتمعات والامم، لكن هذا التأثير يكون متفاوتا بين الامم تبعا لوضع كل أمة.

فالأمة المستقرة،أي الامة التي تملك مصيرها وشؤونها ويكون الانسان فيها مستقرا في حياته وانتاجه في مجتمع تظهر عليه القوة الاقتصادية والتقدم العلمي، في هذه البلاد تؤثر الهزات على النمو الصناعي والنمو التجاري، كما تولد الانقسامات والخلافات المضرة في استقرار المجتمع، كما تؤثر على مجرى النفوذ الخارجي حيث تهبط هيبة الامة ذات النفوذ نتيجة الهزات التي تصيبها في الداخل.

اما الامة الميتة: التي تعيش في الظلام الدامس مستقرة في الحضيض تحت السيطرة الاستعمارية، الامة التي لاتعي حاضرها ولا تفكر في مستقبلها ولا تتحسس آلامها، فان الهزات الاجتماعية تؤثر عليها تأثيرا سلبيا فتضاعف من انحطاطها وركودها وتؤثر فيها تأثيرا ايجابيا بطيئا في ايقاظها.

وكذلك الامر في الامم التي تستنفذ طاقتها ومقوماتها الحضارية والحياتية, كما حدث للدولة الرومانية واليونانية والفارسية.

اما النوع الثالث من الامم، وهي الامم المغلوبة التي لا تزال تملك طاقة حياة، أيَّا كان نوع هذه الطاقة, رسالة الهية، امجادا حضارية كافية، طموحات مادية، الخ… فان تأثير الهزات عليها على العموم تأثيرات ايجابية تحركها نحو النهوض.

ومن امثلة ذلك في العصر القريب الامة الصينية، ومن الامثلة المعاصرة امتنا الاسلامية.

ان واقع امتنا الآن مؤلم جدا، ومع ذلك فهو واقع مليء بالامل.

ففي الخضم العالمي المتلاطم بالمصالح والمبادىء والافكار يعيش عالمنا الاسلامي تحت سيطرة الكفار على هامش الحياة، منفعلا بالاحداث لا فاعلافيها.

لقد ابتليت اقاليم واسعة منه بالاحتلال المباشر، واخرى بالنفوذ السياسي او الاقتصادي او الفكري او العسكري، ببعض هذه الاوضاع او بها جميعا.

والتعبير الدقيق عن الحالة الحاضرة التي تعيشها الامة الاسلامية انها (حالة الضياع بين الالم والانبهار) انبهار بالحضارة السائدة وألم لما تدركه من سوء واقعها بدون وعي للداء ولا معرفة للدواء.

لذلك نجد ان المسلمين يتحركون في بعض الاحيان تحرك المتحسس بالالم والمنبهر بالحضارة في نفس الوقت. نراهم يقاومون الواضح من مكائد المستعمرين في كل مكان بالقلب وباللسان وباليد حسب الظروف وبذلك يحبطون قسما من مكائده. ونتيجة لذلك نرى تبدلا في اوضاع بلادنا الاسلامية تبدلا جزئيا.

ونرى المسلمين يؤيدون باخلاص القادة الذين يظهرون بمظهر الاخلاص والجد في العمل ضدالاستعمار.

ان الفعل الاستعماري المستمر في اذلال امتنا ونهب ثرواتها واخضاعها لنفوذه وابقاء هذا النفوذ يقابل من الامة بردود فعل دفاعا عما تدركه من اخطار ومكائد. وهذا الفعل وردود الفعل يسببان هزات عنيفة وغير عنيفة,وهذه الهزات تؤثر ايجابيا على تزايد ادراك امتنا لمشاكلها وزيادة وعيها لوجودها.

وما الحركة المهدية في السودان والسنوسية في ليبيا والثورات المتتابعة في مصر وسوريا والعراق وتركيا وايران والافغان، وقضايا القارة الهندية ومقاومة الغزو اليهودي لفلسطين وما جاورها،و حركة المسلمين في الارتريا، وبداية حركتهم في الفليبين، واعمال العنف الداخلية والتحركات العشوائية للفئات والسياسيين والاحزاب داخل العالم الاسلامي… الا امثلة على الفعل الاستعماري وردوده لدى الامة وهي بالتالي امثلة للهزات الاجتماعية والتأثر الايجابي بالهزات، هذا التأثر الذي بدأ ينمو عند المسلمين.

وما تبديل المستعمرين المستمر لاوضاع الانظمة والتيارات داخل العالم الاسلامي الا محاولات مستمرة لاحتواء هذا التأثر وردات الفعل لدى الامة واجهاضها.

انما حدث ويحدث من تبدلات جزئية نحو الاحسن في بلادنا الاسلامية ما هو الانتيجة لبدء وعي الامة لمكائد المستعمرين، فكثير من اقطارنا نفت عنها الاحتلال العسكري المباشر، وبعضها الآخر يجاهد لرفع انواع اخرى من النفوذ او تخفيف حدتها.

وكمثال بارز على التأثير الايجابي للهزات الكبيرة التي تمر بها امتنا نأخذ اثر الهزة العنيفة للهجمة اليهودية على فلسطين وما جاورها من البلاد. والتي ساعدتها فيها الدول الكبرى مدفوعة بالفكر الاستعماري وبالفكر الصليبي وبالنفوذ اليهودي الداخلي في تلك الدول.

كان من اثر هذه الهزة:

  • ان تشرد مئات الآلاف من مسلمي فلسطين من الرعب والخوف بعد ان قامت المنظمات اليهودية بقتل جماعي في بعض مناطق فلسطين واشاع اليهود بأن مصير من يبقى في فلسطين من المسلمين هو القتل.

  • اكتشفت الامة الارتباط الوثيق بين الدول الاستعمارية وبين الحكام السابقين مما اضطر الاستعمار الى تبديل الكثير من عملائه بسرعة في عدة من الاقطار الاسلامية المجاورة لفلسطين.

  • اكتشفت الامة خطأ مثل تلك الهجرة واصبح من البعيد جدا ان تتكرر بشكلها الواسع العشوائي مرة اخرى.

  • اكتشفت الامة الاساليب الواضحة للعملاء في تخديرها، بسرعة نسبية فقد كان بالامكان تغطية الاستعمار لهذه الاساليب والقائمين بها في الامة الى مدة اطول، ولكن بعد هذه الهزة وفي نطاقها اصبح مجال التغطية اضيق، واخذ الاستعمار يبتكر اساليب جديدة.

  • تراخت قبضة الاستعمار على المنطقة نسبيا واصبح نفوذه اقل من السابق، حيث كان المستشار والسفير للدولة الاجنبية يأمر فيطاع، اما بعد الهزة فقد تعقد الامر على الاستعمار والعملاء، واصبحوا يبذلون جهدا اكبر لتثبيت نفوذهم وبألوان وطموحات استعمارية جديدة.

  • ظهرت اهمية المنطقة في العالم من ناحية استراتيجيتها وثرواتها. وافاق المسلمون من اهل المنطقة على اهمية وجودهم في هذا المجال.

  • ظهرت مقاومة مسلحة للنفوذ الاستعماري والوجود الصهيوني بأشكال وافكار وقيادات متنوعة.

  • بدأت الامة تتحسس التحدي المصيري الذي تواجهه في المنطقة، واصبحت تفكر بالاستفادة من الاسلام في هذا التحدي.

علينا ايها الاخوة ان نكون واعين للهزات التي تمر بها امتنا في افكارها المختلفة حاضرا ومستقبلا.

وللآثار التي تحدثها فانها عامل من عوامل تحريك الامة وانهاضها وتغيير واقعها، وان نستفيد من هذه الهزات في دعوة الامة الى الاسلام:

  • في تعرية الاستعمار واعوانه ومكائده.

  • في اظهار فشل الحلول اللااسلامية.

  • في ازالة انبهار الامة بالحضارة الغربية السائدة في العالم وتوطيد ثقتها باصالتها ورسالتها.

  • في تحسيس الامة بالداء الحقيقي الذي ترجع اليه كل امراضها، وبتبصيرها بالعلاج الاسلامي.

هناك فائدة تحصل للامة من الهزات بصورة تلقائية وهناك فائدة تحصل بجهود الطليعة الواعية الذين نذروا انفسهم لتوعية الامة على رسالتها المقدسة وعلى واقعها السيء.

فالى العمل الدائب يا من نذرتم انفسكم في سبيل الله حتى يتحقق هدف دعوتنا المقدس في بناء امة الاسلام ودولة الاسلام، وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِ‌هِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢١﴾.