التخلف السياسي

صدر في شهر رمضان ١٣٩٧ هجري

مقدمة

الاوضاع السياسية في بلد ما وفي زمن ما هي جزء من الحالة الحضارية لذلك البلد. والحالات الحضارية لا تثبت على حال الا ان يشاء الله وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولا تتقوم بلون او جنس او لغة او منطقة جغرافية كما يعتقد العنصريون والاقليميون وان تأثرت بذلك.

والحالات الحضارية متعددة في الحياة:

  • أ. الحالة الحضارية البدائية: وهي الحالة التي يعيش فيها الناس منقطعين عن المفاهيم الدينية الالهية او المفاهيم التي تطورت وتغيرت عنها، ويعيشون في أفق حياتي بدائي وفي مناطق جغرافية ضيقة نسبيا كالمجتمعات الوثنية في أفريقيا واميركا.

  • ب. الحالة الحضارية المتمدنة المنقرضة: وهي التي عاش الناس فيها في حركة حضارية متطورة وتوصلوا الى اوضاع حياتية متقدمة من ناحية فكرية ومدنية كالحالات الحضارية القديمة في مصر والعراق وايران واليونان وغيرها.

  • ج. الحالة الحضارية القلقة: وهي الحالة التي يعيش فيها الناس بمفاهيم مختلطة تتجاذبهم اتجاهات مختلفة ويكون في المجتمع قابلية للتغيير والانتقال الى حالة حضارية اخرى كما هي اوضاع الجزيرة قبل الاسلام وحالة بعض المسلمين اليوم.

  • د. الحالة الحضارية المنطلقة: وهي الحالة التي تعقب الحالة الحضارية القلقلة بعد ان تنمو في داخل المجتمع مفاهيم جديدة تستقر ويتغير على اساسها المجتمع وتنطلق الحضارة الجديدة لتنشر نفوذها. كما هي الحالة في الحضارة الاسلامية والحضارة المادية بقسميها الرأسمالي والشيوعي في بداية انطلاقتها.

  • ه. الحالة الحضارية المستقرة: وهي الحالة التي تعقب انطلاق الحضارة كالحضارة في العالم الرأسمالي الغربي والعالم الشيوعي اليوم.

  • و. الحالة الحضارية الشائخة: وهي الحالة التي تعقب الاستقرار الحضاري بعد ان يطرأ التفسخ على المجتمع كالحضارة الاسلامية بعد العهد العباسي الاخير.

  • ز. الحالة الحضارية الراكدة: وهي امتداد للحالة الحضارية الشائخة بعد ان تتجمد المفاهيم الحياتية وتنتهي الحيوية في المجتمع كما هي حال المسلمين في القرنين الاخيرين. ولكن ظهور التحسس عند كثير من المسلمين يجعل المسلمين يعيشون الركود الحضاري والقلق الحضاري.

ان الدعوة للاسلام تقوم بالمحاولة الجادة للتغيير وتتأثر بها المجتمعات الاسلامية الاقرب فالاقرب.

الاوضاع السياسية في عالم اليوم

الاوضاع السياسية في العالم الرأسمالي والشيوعي تأخذ دور الاستقرار تبعا للحالة الحضارية فيها، فالاهداف السياسية واضحة والسلوك اليها بيَّن… وفي كلا العالمين افكار وعادات وتقاليد واعراف سياسية لها معالم واتجاهات واضحة.

والسياسة التي هي رعاية شؤون الناس في الداخل والخارج لها اسس وتفاصيل تسير عليها الدولة ويتعامل بها السياسيون بلا تغيرات وتذبذب الا بمقدار ما هو مقبول ومتوقع ولكل من الدول الرأسمالية والشيوعية طريقة خاصة في ذلك مأخوذة من فكرها الاساسي.

اما الاوضاع السياسية في العالم الاسلامي فهي قلقة تبعا لحالته الحضارية القلقة تتجاذبها عوامل التغيير وعناصر الركود وتضغط عليهاالقوى الاستعمارية وتقاوم هذه الضغوط بردات فعل متفاوتة.

من الذي يرسم السياسة الداخلية والخارجية في بلاد المسلمين؟ هل يتولى ذلك الحكام أنفسهم؟ أم ممثلو الشعب؟ أم الاختصاصيون من اهل البلاد؟

ان الاطر التشريعية والقانونية السياسية المعمول بها قد وضعها المستعرون انفسهم وروضوا المسلمين على قبولها وتركوا لهم حرية الحركة ضمن هذه الاطرتحت رقابتهم القريبة وعلاقتهم المباشرة، ولذلك فاننا نرى المستعمرين يحاصرون الحاكم الذي يصل الى الحكم خارج دائرة مؤامراتهم كي يضطروه للارتباط او السقوط. ويتآمرون على الحاكم المرتبط الذي يختلف معهم في امور يعتبرونها جوهرية.

ان السياسة الخارجية والداخلية في العالم الاسلامي هي من رسم الدوائر الاستعمارية الكافرة وتطبيق حكام المسلمين والا فبماذا نفسر:

  • أ. تدفق اموال المسلمين الى الدول الغربية؟

    ان الولايات المتحدة حصلت من اموال الاوبيك على اثني عشر بليون دولار سنة ١٩٧٤ وعلى عشرة بلايين دولار سنة ١٩٧٥، والسوق المصر في الاوروبي حصل من اموال الاوبيك على ٢٢.٥ بليون دولار سنة ١٩٧٤ و٨ بلايين دولار سنة ١٩٧٥، والسوق المصر في البريطاني حصل من اموال الاوبيك على ٧.٥ بليون دولار سنة ١٩٧٤ و٤ بليون دولار سنة ١٩٧٥، وبقية الدول المتقدمة حصلت من اموال الاوبيك على ٦ بلايين دولار سنة ١٩٧٤ و٧.٧٥ بليون دولار سنة ١٩٧٥، وان الدول الفقيرة حصلت من اموال الاوبيك على ٤ بلايين دولار سنة ١٩٧٤ و٦ بلايين دولار سنة ١٩٧٥ تحت اشراف وتوجيه الدول الاستعمارية، وان المؤسسات المصرفية الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي حصلت من اموال الاوبيك على ٣.٧٥ بليون دولار سنة ١٩٧٤ و٤.٢٥ بليون دولار سنة ١٩٧٥.

    هذا التبذير في اموال المسلمين الهائلة بينما البلاد الاسلامية من اكثر البلاد حاجة الى الاموال لاعمارها.

  • ب. اضطهاد المسلمين في بلادهم:

    الدعوة الاسلامية في العراق، والحوزات العلمية في العراق وايران والحركات الاسلامية في الباكستان ومصر والصومال واندونيسيا والمغرب وايران واضطهاد الفلسطينيين في لبنان وغيره.

    تقول مجلة الدعوة المصرية:

    ”تجري مطاردة كل شاب مؤمن وايداعه في السجن بمجرد اتهامه بانتمائه الى الاسلام والدعوة اليه مع تعريضه لأقسى انواع التعذيب في احد ملاحق قصر النهاية الرهيب او الامن العام او مديرية مكافحة النشاط الرجعي (؟)“ في بغداد والفرات الاوسط او الفروع الاخرى وعلى ايدي اقسى الجلادين المدربين على التعذيب والتنكيل في المانيا الغربية امثال فاضل الزركاني ومحمد عباس وعبدالحميد البكاء وعلي الخاقاني وعبدالله وفيق السامرائي واحسان وفيق السامرائي وغيرهم..

    وفي سجن الفضيلية ببغداد وحده ما يقرب من ٤٠٠ معتقل من الشباب الجامعي والاساتذة والمثقفين وكل تهمتهم الانتماء الى الاسلام فكرة وعقيدة وسلوكا. ولا يألو النظام البعثي جهدا في حمل الشباب على الانتماء لحزب البعث بكافة الطرق والوسائل والا فان مستقبله معرض للضياع وذلك بمنعه من دخول الجامعة او الالتحاق بوظيفة او عمل. ومطاردة العلماء الاسلاميين والدعاة الى الفكر الاسلامي لاتفتر، واعدام خيرة العناصر منهم امر ليس بغريب على الحكام ولعل الشيخ الشهيد عبدالعزيز البدري والشيخ الشهيد عارف البصري الذين اعدمهما البعث مع مجموعة من كبار علماء بغداد لأكبر دليل وشاهد.

  • ج. وبماذا نفسر الانقلابات العسكرية المتلاحقة في بنغلادش والعراق وسوريا والافغان وباكستان؟ وبماذا ظهور قوانين متشابهة في اقاليم واقطار لاتنسيق قانوني و تشريعي بينها.

    لا يمكن تفسير هذه القضايا وغيرها في السياسة الخارجية والداخلية في بلادنا الا بأنها مرسومة في الخارج ومطبقة في الداخل من قبل الحكام.

التخلف السياسي

تأمل في اوضاع حضارية في امة ناهضة وقارنها بأوضاعنا الحياتية. هل تجد فرقا بين السياسة الخارجية في بريطانيا والسياسة الخارجية في مصر.

هل تلاحظ الفرق بين الانتاج الصناعي في المانيا والانتاج الصناعي في العراق؟

هل تجد فرقا بين التطور الزراعي في الدنمارك وسوريا؟

وهل تشاهد الفرق بين الانتاج الحربي في فرنسا وايران؟

الفروق واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. انها التخلف والامية الصناعية وامية التطوير الزراعي وامية التربية والتعليم والامية العسكرية الخ..

وان اهم مفردات هذا التخلف وهذه الامية التخلف السياسي ونقصد به:

”فقدان الفهم السياسي الصحيح في عالمنا الاسلامي على اعتبار ان السياسة رعاية شؤون الامة في الداخل والخارج. وفقدان الاهداف السياسية الصحيحة. وفقدان العمل السياسي الصحيح“.

اسباب التخلف السياسي

التخلف السياسي متعدد الجوانب والاسباب، ومن اهم اسبابه ما يلي:

  1. اختلاط الاشياء والاحداث والموازين، لغياب القاعدة الموحدة فقد اخذ بعض المتعلمين المسلمين بالفكر الماركسي، والسياسيون بصورة عامة بالفكر الرأسمالي، والاسلاميون بالفكر الاسلامي، وعامة الناس تتأثر بهذا الميزان وذاك.

  2. عدم المبالاة بالقضايا العامة، وهو شائع بين الناس، والفرق بين الفئات المختلفة فرق كمي لانوعي، ولذا فان حمل هموم الامة من الامور النادرة, وما يظهر من اهتمامات لدى الاحزاب والسياسيين انما مرده على العموم الى الاهتمامات الخاصة التي تصبغ بالصبغة العامة خداعا ورياء.

  3. غياب الاسس الفكرية والعملية للفهم السياسي، الامر الذي يجعل السياسيين يتخبطون في فهم الاحداث السياسية وتفسيرها، ويجعل الناس يتخبطون في فهم الاحداث وفهم الاخلاص في العمل السياسي، وكأمثلة على ذلك:

    • أ. التفاف المسلمين في تركيا حول اتاتورك وفي ايران حول رضا شاه وفي البلاد العربية حول عبدالناصر.

    • ب. تفسيرات السياسيين ورجال الاحزاب لهزيمة العرب امام اليهود عام ١٩٦٧. ومن اطرف التفسيرات ما جاء به القوميون العرب وهم من اكثر الفئات السياسية اهتماما بالثقافة السياسية فقد فسروا الهزيمة بسبب سيادة الفكر البورجوازي لدى قادة العرب وقد استعرضوا الحركات الثورية المعاصرة فوجدوا ان الحركة الثورية في كوبا وفيتنام قد نجحت، وبما انها ماركسية فان النجاح الثوري منوط باعتناق الفكر الماركسي ولذلك تحولت حركة القوميين العرب الى حركة ماركسية وتسمَّت باسم الجبهة الشعبية وحزب العمل الاشتراكي الخ…

    • ج. عندما يتحدث الشيوعيون والماركسيون عن السياسة في البلاد الاسلامية يتحدثون من خلال القوالب الجاهزة في الفكر الماركسي عن الطبقية والاقطاعية والرأسمالية ويضعون انفسهم في واد وما يحدث في العالم الاسلامي من احداث سياسية واقتصادية في واد آخر، وكذلك الاحزاب والسياسيون الآخرون ينظرون الى الحياة السياسية لا بملاحظة الواقع وربط قضاياه بعضها بالبعض الآخر من خلال جذورها وفروعها وانما بمنظار مفاهيم وقوالب منقولة عن الاحزاب الاوروبية ومختلفة كلية عن البيئة السياسية الحضارية للعالم الاسلامي.

    ان الفهم السياسي ينبغي ان يبنى على حقائق سياسية موجودة في الواقع والحقائق السياسية في العالم الاسلامي لا يمكن فصلها عن جذورها.

  4. منع العمل السياسي: الا على الحكام ومن يسير في ركابهم مما يجعل مجال التعايش السياسي ونشر الوعي السياسي لا يتم الا في نطاق ضيق او يبقى المجال الاعلامي مفتوحا للاجهزة الاستعمارية والسياسيين والاحزاب التي تسير في ركابها. ان ابواب التضليل السياسي في عالمنا الاسلامي مفتوحة على مصراعيها ومجال التوعية السياسية مغلق.

  5. الاطلاع السطحي: على ما يحدث من احداث واعمال للسياسيين والاحزاب وما يكتب عنها وعدم التمحيص والتدقيق فيها ومن ثم الابتعاد عن الفهم السياسي.

    وقد تهكم موشي دايان على ذلك عندما سأله الصحفيون الغربيون كيف تنفذ في حرب ٦٧ خطة اعلنت عنها ونشرتها من قبل، ألا تخشى ان يكون العرب قد احتاطوا للامر؟ فأجاب بأن العرب لا يقرؤون.

    ان كثيرا من الحقائق السياسية تنشر بوسائل مختلفة ويمكن لأي متتبع مؤهل للفهم ان يعي ما يحدث في العالم بالرغم من التضليل، ولكن الاكتفاء بالاطلاع السطحي يجعل السياسيين وعامة الناس لا يفرقون بين القول المقصود به الدعاية والتضليل، والقول الذي يدل على الحقيقة.

  6. النظرة السطحية للمستعمرين وتتجلى بـ:

    • أ. الانخداع بالاساليب الاستعمارية الخبيثة كما انخدع العرب بشعار القومية العربية الذي رفعوه لهم لضرب الدولة العثمانية والاستيلاء على المنطقة، وكما انخدعوا باعلانات الحكم الوطني والاستقلال وبالثورات التحررية، وكما انخدعوا باعلانات تأميم النفط، وكما انخدعوا بجون كنيدي وجيمي كارتر من حكام الولايات المتحدة مع ان سياسة اميركا لا تتغير بتغير الحكام.

    • ب. الاندفاع في تأييد استعمار مقابل استعمار آخر كاندفاع جمهرة الناس في تأييد المانيا النازية في الحرب الثانية مع ان المطامع الاستعمارية لالمانيا لا تختلف عن مطامع فرنسا وبريطانيا في ذلك الوقت. ويشبه ذلك اندفاعهم في تأييد روسيا في صراعها مع اميركا.. الخ…

    • ج. الانخداع ببعض مظاهر الاستعمار الانسانية والتقدمية (..) والغفلة او التغاضي عن مشاريعه ومخططاته الرامية لفرض سيطرته الفكرية والسياسيةو العسكرية والاقتصادية كما ينخدع جمهرة الناس بشعار الديمقراطية والحرية الرأسمالية وشعار العدالة الشيوعية ومؤسسات التبشير والثقافة.. الخ.

  7. العيش بالنفس القصير، وفقدان ارادة العمل للهدف السياسي بالنفس الطويل، حيث لا يشعر الناس الا بحياتهم الآنية ومشاكلهم الفعليه، ويلتفون حول من يرفع لهم شعار الخروج منها دون النظر الى ما سيصلون اليه بعد سنوات. مما يجعل المستعمرين الكفار وعملاءهم يستغلون هذه الحالة ايما استغلال، كما هو الحال في تعب الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بشكل خاص من الصراع مع اليهود.

أمثلة على التخلف السياسي

ان اوضاعنا السياسية المعاشة في أقاليم العالم الاسلامي بأجمعها مثل بارز وكبير على التخلف السياسي والامية السياسية، ولكن لابد من ذكربعض المفردات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر لان استعراض اشكال التخلف والامية السياسية يحتاج الى مجال آخر. وحبذا لو ان احد الدعاة جلس جلسة المراقب ليطل على شارع السياسة في العالم الاسلامي او في اقليم اسلامي ويسجل ملاحظاته حول ما يرى ويصدر مجموعة من الكتيبات السياسية المثيرة. ولنضرب بعض الامثلة:

  1. ارادت اسرائيل ان تسحب مياه نهر الاردن لارواء اراض في صحراء النقب وقد نفذت ما تريده. هذه حقيقة واقعة، فهل هي حقيقة اروائية هندسية أم حقيقة سياسية ام حقيقة استعمارية؟ هذا ما نراه من ملاحظة جوانب أحاطت بتنفيذ هذه الفكرة:

    • اسرائيل صاحبة الفكرة والقوى العالمية المساندة لها، والعرب هم الجانب الضعيف أي الجانب المتخلف والامي سياسيا.

    • انقدحت الفكرة في رأس اسرائيل فنقلتها الى الولايات المتحدة والامم المتحدة، وجاء رجل من اميركا للمنطقة يعرض مشروع اقتسام مياه نهر الاردن وسمي المشروع باسمه (مشروع جونسون) وانقدح في رأس العرب رفض المشروع فماذا فعلت اسرائيل وماذا فعل العرب؟

    • ابتدأت اسرائيل تجر القنوات من صحراء النقب الى نهر الاردن، وهذا يتطلب جهدا هندسيا ووقتا. وملأ العرب دنياهم بالكلام ضد الاستعمار وضد اسرائيل.

    • اتم الاسرائيليون شق القنوات وجاء وقت سحب المياه اليها. وتنادى العرب الى مؤتمر قمة (ومن هنا بدأت لعبة مؤتمرات القمة) وتحدثوا كثيرا ولم يعملوا شيئا وسحب الاسرائيليون الماء الى القنوات.

    • نفذ الاسرائيليون مشروعهم وحولوه الى حقيقة، ونسي العرب نهر الاردن ومياهه علما بأن نسبة كبيرة من مياه نهر الاردن تخص سوريا ولبنان بالاضافة الى الاردن.

    هذه الحادثة مثل واحد اذا تتبعها احدنا لأخرج فيها كتيبا جديرا بالمطالعة عن السياسة العربية من محيطها الى خليجها.

  2. اعتبار اليهود مسيطرين وقابضين بيدهم على الولايات المتحدة الاميركية. ان وجود جسم غريب في العالم الاسلامي من الامور التي اتفق عليها ساسة الغرب بقصد تمزيق المنطقة لتسهيل السيطرة الغربية عليها واطالتها.. وفي هذا الامر تطابقت وجهات النظر الغربية مع وجهة نظر الحزب اليهودي الذي هو جزء من القوى السياسية الفعلية في العالم الغربي. وبسبب تطابق وجهة النظر هذه اقنعت اسرائيل اكثر من يتحدث بالسياسة من المسلمين بأن اليهود مسيطرون على الولايات المتحدة, علما بأن اليهود لم يصلوا الى مراكز سياسية الا في عهد الرئيس الاميركي جون كنيدي ومن بعده.

ان نظرة الاميركيين يمكن فهمها من كلمة جورج بول احد كبار موظفي وزارة الخارجية الاميركية. يقول:

”ينطلق معظم الاميركيين في معالجتهم مشاكل الشرق الاوسط من نظرات متحيزة لاسرائيل, وهم على حق في ذلك، فان رغبة شعب شتت في الحصول على وطن له يستدر بلا شك عطف اولئك الذين ليس لهم جذور يهودية، ولايمكن لأي رجل او امرأة ذي احساس الاان يتحرك بالقصص العديدة من الشجاعة ونكران الذات في سنوات قبل وبعد انشاء اسرائيل.. واذا نظرنا الى الماضي الاسود في ابادة اليهود فان قصة اسرائيل هي استمرار لاحداث حب المغامرة حيث ان عملية عين تيبة واحدة منها. ومع ذلك فان الاعجوبة انه في الوقت الذي تنشغل فيه اسرائيل في كفاح لا نهاية له، فانها تمكنت من تحويل الصحراء الى حديقة. ولا يحب الاميركيون اسرائيل فحسب فليس ثمة شك في ان لهم مصلحة ومسؤولية نحو ذلك الشعب الشجاع.

لقد كنا اول دولة تعترف بالدولة الجديدة، وكناولا نزال ندافع عنها خلال العقود الثلاثة الماضية… ولم تعد المسألة ما اذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في المساهة بضمان بقاء اسرائيل ورفاهيتها انما كيف يمكننا نحن الاميركيين في محاولتنا لحل مشاكل الشرق الاوسط ان نتحمل مسؤوليتنا كاملة، ليس تجاه اسرائيل وانفسنا فحسب بل نحو جميع شعوب العالم التي قد تتعرض مصالحها الى الخطر بوقوع نزاعات مسلحة جديدة“.

هذا ما يمثل موقف اميركا من اسرائيل، فيه تماثل مصلحة، وفيه عطف وفيه امتداد حضاري وفيه عداء مشترك للاسلام والمسلمين بالاضافة الى تأثير النفوذ اليهودي في اميركا.

ومن امثلة التخلف والامية السياسية هذه الحساسية الخاصة الشائعة في العالم الاسلامي لدى الاسلاميين تجاه بعض القوى الكافرة المتمثلة بالشيوعيين او ما يسمى باليسار، دون سائر القوى الكافرة.

ولو نظرنا الى الواقع السياسي في البلاد الاسلامية، لوجدنا ان النفوذ الاستعماري المسيطر والذي يشكل الخطر الاول بالنسبة للاسلاميين هو النفوذ الاستعماري الغربي.

وقد اتهم الكثير من المتدينين السيد الخميني بأنه واقع تحت تأثير الشيوعيين، نظرا لاتصاله بهم ومشاركته في محاربة السلطة. وسبب هذا الاتهام هو الحساسية الخاصةازاء الشيوعيين والنظرة القصيرة لحركة المجتمع والفكر.

فهو بالنتيجة المستفيد الاول من الشيوعيين وليس العكس.

ان الخلل الذي وقع فيه الاسلاميون والمتدينون بشكل عام انهم يعيشون الحساسية تجاه ذات الفكر الرأسمالي اليميني ولكنهم نتيجة الالفة لايعيشون الحساسية تجاه من يمثل هذا الفكر من حكام وزعامات واشخاص واجهزة سياسية مسيطرة. ويعيشون الحساسية الى حد العقدة من الفكر المادي الشيوعي اليساري وممن يمثل هذا الفكر او ينتمي اليه ممن يسمون باليسار. وسبب هذا الخلل: ان عداء الفكر اليساري واليساريين للاسلام ظاهر لهم في اكثر جوانبه، وعداء الفكر اليميني واليمينيين مغطى عليهم في كثير من جوانبه، وان المستعمرين الغربيين استغلوا عامل الاسلام في صراعهم ضد النفوذ الشيوعي وعبؤوا المتدينين ضدالشيوعيين واليسار على اساس انهم الخطر الداهم والعدو المقابل لا بدافع الحرص على مصلحة الاسلام طبعا وانما لمصلحة نفوذهم ولضرب الطرفين ببعضهم واشغالهم عنهم. والخط الذي نتسمك به في هذه المسألة:

  • أ. في المجال الفكري، نتمسك بالحاجز النفسي ازاء الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي على السواء. ونخوض الصراع الفكري في كل مراحل الدعوة مع كل الافكار الكافرة الموجودة في الامة والتي قد توجد دون ان نفضل بعضها على بعض او نناصر بعضها على بعض (الكفر ملة واحدة).

  • ب. وفي مجال التعامل: في المرحلة الفكرية ليس عندنا عقدة من فئة من الامة والمسلمون كلهم حقل دعوتنا من ضل منهم عن الاسلام وسمي باليمين او ضل وسمي باليسار. ولا مودة لدينا لفئة فالكل محادون لله تعالى ورسوله ولا تجد قوما يؤمنون بالله ورسوله يوادون من حاد الله. ومعركة الاسلام التي نعدلها انما هي مع السيطرة الاستعمارية الكافرة على الامة ومع محاولات السيطرة.

    والاستعمار المسيطر بالفعل هو الاستعمار الغربي والاستعمار الذي يحاول السيطرة هو الاستعمار الشيوعي، ولا معركة للاسلام في صراع النفوذ الدائر بينهما والمسمى صراع اليمين واليسار حتى نقف الى جانب هذا او ذاك.

  • ج. وفي المرحلة السياسية: نخوض الصراع السياسي مع الفكر الغربي المسيطر وموقفنا من الفئات ذات الفكر الكافر التي تخوض الصراع مع هذا الاستعمار يتحدد على ضوء مصلحة الدعوة، فقد يكون الموقف ان نخوض الصراع معهم اولا، او نهادنهم، او نسعى للاستفادة منهم في صراعنا، او نخوض الصراع معهم ومع عملاء الاستعمار الغربي دفعة واحدة… حسب مصلحة الدعوة والظروف المحيطة.

وشهد شاهد من اهلها

نشر الكاتب الصحفي احمد بهاء الدين مقالا جادا يتحسس اوضاعنا السياسية وهو من اوائل البشائر في بدء انتشار الوعي السياسي في اوساط جديدة من الامة. يقول الكاتب:

”هل من المبالغة ان أسمي الظاهرة التي وقعنا فيها جميعا انها وجه آخر من وجوه الاستعمار؟ او اقول في تفسيرها ما قاله ابن خلدون منذ مئات السنين ان المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب، او أرجع الى عشرات السنين فقط حين سمى الفيلسوف الالماني شبنجلر تلك الظاهرة بأنها ظاهرة التشكل الكاذب. كل هذه العبارات تشير الى ظاهرة عمرها من عمر المجتمعات الانسانية وهي ان الدول الناشئة او النامية بلغة عصرنا تتأثر من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر بالبلاد المتقدمة عنها في شتى انماط حياتها واخطر من ذلك في انماط تفكيرها؟

التهمة هنا اوجهها الى كل الكتاب والمفكرين والساسة تقريبا في العالم العربي الذين عملوا وكتبوا واجتهدوا خلال ربع القرن الاخير وهو ربع قرن حفل بأحداث تساوي ما شهده هذا العالم العربي ربما في الاربعة قرون السابقة. اوجه التهمة ولاأقف خارجها او اعفي نفسي فالظاهرة قد شملتنا جميعا من دون استثناء لأي لون او مذهب او تيار فكري او حركة سياسية. ليس مهما اننا قلدنا الغرب في ثيابه وفي أساليب معيشته وفي مستحدثاته العلمية، ولكن المهم والخطير حقا هو اننا استعرنا منه قاموسه السياسي والاجتماعي بكل كلماته وبكل تفسيراته لهذه الكلمات.اخذنا تعبيرات اليمين واليسار مثلا، واخذنا تعريفاته للاقليمية والوطنية والقومية وغيرها مما استخدمناه وما زلنا نستخدمه من مصطلحات.

والمسألة ليست مسألة لغوية فالمصطلح له دلالته ونحن نستخدمه في تفسير وتحليل مجتمعاتنا العربية وأي مجتمعات؟ مجتمعات تختلف اختلافا جذريا عن المجتمعات التي ولدت فيها هذه المصطلحات.هل حقا ان اليمين في فرنسا له ملامح اليمين نفسها في مصر مثلا؟ وكذلك اليسار ويمين الوسط ويسار الوسط الخ…

لا اتحدث هنا عن المثقفين الذين كثيرا ما يكتبون لأنفسهم ويظنون ان شعوبهم على نمطهم ولكن اكتب عن اغلبية الشعب الساحقة في بلاد قديمة كبلادنا العربية مثقلة بعشرات الرواسب ومعظم أهلها أميون سواء أمية القراءة والكتابة أو أمية المعرفة.

دارت مثلا حرب طويلة مريرة في اليمن وسمينا الفريقين ملكيين وجمهوريين وبالمعنى الصحيح للكمة، ودهشنا لدوافع القتال لديهم، كان التقسيم الحقيقي الاعمق والمحرك للقاعدة الواسعة هو بين الشافعيين والزيديين الاماميين، بين سكان الحضر والشواطىء والسهول الزراعية، وبين قبائل الجبال الوعرة وكان القدامى اذكى في ادراك ذلك من المجددين. مجرد نموذج يوضح لنا كيف ان تطبيق القاموس الاوروبي على اليمن اطال الحرب سنوات لأننا ضعنا عن المفتاح الحقيقي. ولبنان،ألم تكن المصطلحات الحديثة تضللنا عن الرواسب القديمة التي حركت غرائزكثير من الناس الى ارتكاب افظع الاهوال. اني اتهم كل صانعي السياسة في العالم العربي او معظمهم وكل مفلسفي السياسة أو معظمهم بأنهم وضعوا على عيونهم نظارات اوروبية فرأوا صورة غير حقيقية للعالم العربي وقادهم هذا الى انواع من التخبط وقادنا معهم الى انواع من الكوارث ما كان لها ان تحدث لو اننا بالاضافة الى العلم الحديث الذي لا أشك في قيمته ولا اطالب بتجاهله درسنا مجتمعاتنا العربية كما هي على الطبيعة وفي الواقع ولاءمنا بين ما نريده لبلادنا من تحديث وما يجب علينا سلوكه من طرق، واستخدامه من مسميات. كان هناك ما يشبه الهروب من الواقع العربي بالتحليق في معان اوروبية عمرها من عمر القرن التاسع عشر والقرن العشرين.

كنا وما نزال لا نعترف بأن بلادنا تسودها العادات القديمة ولا تفهم الا لغة اخرى مختلفة. لانعترف بأن مجتمعاتنا قوامها القبائلية والعصبية العشائرية وانها لم تحل مثلا مشكلة الاقليات وان بعضنا يخوض بحسن نية معارك القرن العشرين بينما الافكار الطاغية بين سواد الناس مشغولة بمعارك قرون طويلة مضت. ألم يقف حاكم دولة عربية ـ عبد السلام عارف ـ يخطب في بغداد عن العباسيين والامويين وايهما المسؤول عن تقهقر العرب. ألم يقف وزير الاوقاف في القاهرة يخطب في الازهر الشريف مفاضلا بين الشيعة الذين اقاموا المسجد والسنة الذين آل اليهم فما بالنا بالبسطاء، ملايين البسطاء في بلادنا من المحيط الى الخليج. ونشكوا بعد ذلك من الانفصام بين المثقفين والجماهير الواسعة ومن ضعف اثر المثقفين العرب على مجتمعاتهم وبعدهم عن مراكز القيادة بل ومراكز المشورة وعلاقة الشك المتبادلة بين السلطة أي سلطة وبينهم. ان المطلوب اقل من حزب فكري جديد ولا اقصد الحزب بالمعنى التنظيمي المعروف بل بمعنى التيار الفكري المتماسك المتحاور الذي يقوم حقا بمهمة التجديد في العالم العربي, التجديد بدراسة الواقع والانطلاق منه والتعامل معه بلغته وحل مشاكله المغطاة بورق متفضفض من اصطلاحات القاموس الاوروبي.“

انتهى المقال وفيه اتجاه جاد لفهم الواقع السياسي رغم ما فيه من هنات فكرية وضعف في رؤية المستقبل.