العمل السياسي والثقافة السياسية

صدر في عام ١٣٩٥ هجري

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ يس ﴿١﴾ وَالْقُرْ‌آنِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْ‌سَلِينَ ﴿٣﴾ عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤﴾ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّ‌حِيمِ ﴿٥﴾ لِتُنذِرَ‌ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ‌ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴿٦﴾

وَاضْرِ‌بْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْ‌يَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْ‌سَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْ‌سَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْ‌سَلُونَ ﴿١٤﴾ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ‌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّ‌حْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَ‌بُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْ‌سَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْ‌نَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْ‌جُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾ قَالُوا طَائِرُ‌كُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْ‌تُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِ‌فُونَ ﴿١٩﴾ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَ‌جُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْ‌سَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرً‌ا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٢١﴾.

هذه الآيات تعطينا صورة للعمل السياسي التغييري، وفي القرآن الكريم صور غنية اخرى، وعناصر هذه الصورة كما تظهر لنا تحتوي فيما تحتوي على:

  1. عنصر الانسان العامل: انك لمن المرسلين، اذ جاءها المرسلون، وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى.

  2. المبدأ ومنهاج العمل: انك لمن المرسلين، على صراط مستقيم. تنزيل العزيز الرحيم، وما علينا الا البلاغ المبين.

    فالمرسل معه رسالة. والصراط المستقيم تعليمات واضحة للحياة. وتنزيل العزيز الرحيم ارتباط الرسالة بالله.

  3. المجتمع المراد تغييره: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون. اصحاب القرية.

  4. الفعاليات: لتنذر قوما. واضرب لهم مثلا. قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون، وما علينا الا البلاغ المبين. وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين.

  5. التنظيم: انك لمن المرسلين. اذ ارسلنا اليهم اثنين. فعززنا بثالث. وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى.

  6. الصراع: لتنذر قوما. فكذبوهما. ماانتم الا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء ان انتم الا تكذبون. قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون, وما علينا الا البلاغ المبين. قالوا انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم.

والعمل السياسي هو (العمل المرتبط بمصالح الناس او بمصلحة فئة منهم الذي يهدف الى تغيير اوضاعهم الحياتية الشاملة، او تغيير بعضها، او اصلاحها، او اصلاح بعضها، او تثبيتها والمحافظة عليها).

وفي العمل السياسي توجيه ومواجهة وتأثير وقيادة.

ويكون العمل السياسي في المجتمع ومع السلطة والاحزاب والقيادات السياسية والفكرية والاجتماعية.

وقد يكون العمل السياسي سريا او علنيا، منظما او غير منظم، وقد يتبع أساليب العنف او غير العنف. وقد يكون مبنيا على أسس علمية وقد يكون عملا سطحيا مرتجلا.

وقد يكون العمل السياسي منبثقا من داخل المجتمع او مرتبطا بالخارج. وقد يكون لمصحلة البلد الذي يعمل فيه او لمصلحة بلاد اخرى اجنبية.

واقع العمل السياسي في العالم:

ينقسم العمل السياسي كما هو في واقعه العالمي الى ثلاثة اقسام رئيسية:

  1. فالعمل السياسي في الديمقراطيات الرأسمالية يكون علنيا واصلاحيا وعلى شكل احزاب او افراد ويكون عادة مرتبطا بمنهاج معلن او معروف.

    والطابع العام للعمل السياسي في هذه الديمقراطيات الرأسمالية هو الالتزام بالأسس العامة للمجتمع والمحافظة عليها بابتداع خطط واساليب عملية لحل المشاكل الاقتصادية والسياسية.

    اما العمل السياسي الذي يدعو الى التغيير في الاسس العامة لهذه المجتمعات فهو قليل وغير فعال. حتى ان الاحزاب الشيوعية الاوروبية، تخلت عن بعض مبادئها الماركسية، مراعاة منها لهذه الأسس العامة.

    ويقوم بالعمل السياسي في البلاد الرأسمالية المتفرغون للعمل السياسي واصحاب الرساميل الكبرى. ويعتبر اصحاب القوة الاقتصادية فيها الدعامة الاساسية للمتفرغين للعمل السياسي.

  2. والعمل السياسي في العالم الشيوعي محتكرللحزب الشيوعي الذي يسيطر على جمبع الفعاليات في البلاد ولا يسمح لغيره ان يعصي له امرا فضلا عن السماح بنشاط سياسي، لأن الحزب الشيوعي هو الممثل الوحيد لمصالح الناس وهو المعبر عن حركة التاريخ كما يؤكد ماركس ولينين.

  3. والعمل السياسي في عالم آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية (وهوالعالم الاسلامي والعالم الهندوسي والبوذي عدا اليابان والعالم الوثني الافريقي والعالم المسيحي في اميركا اللاتينية)عمل سياسي عبر عنه احد المفكرين الزنوج اذ قال:

    ”مازال الفكر السياسي الافريقي يتحرك في قوالب مصممة في اوروبا“

    ويقول الرئيس البورمي بوتو:

    ”والمثل العليا وكلمات الثورة الاميركية لها ما لها من الاهمية العظيمة بالنسبة الى جميع اولئك الذين يكافحون في سبيل الحرية اليوم“

    واستعارة القوالب ليست المظهر الوحيد للعمل السياسي في العالم الثالث، وان كانت من ابرز المظاهر الواضحة خاصة في الاحزاب ذات الطابع التنظيمي في العالم الاسلامي الحاضر.

والعمل السياسي في العالم الثالث يقع في دائرة النفوذ الاجنبي اما بتسييره ضمن اوامر محددة ومباشرة او بسيره ضمن الدائرة العامة المسموح بها. ويأخذ العالم الرأسمالي القسم الاوفر من النفوذ على الحكومات والمؤسسات والاحزاب والزعامات الوطنية والاشتراكية والقومية والاقليمية في العالم الثالث. وتبقى الاحزاب الشيوعية الضئيلة النفوذ والتأثير والتي ترتبط بالاتحاد السوفياتي عن طريق احد الاحزاب الشيوعية الاوروبية او غيرها او ترتبط بالصين عن طريق البانيا او غيرها. اما الاحزاب غير المرتبطة بالاجانب والتي لم تقع في شرك دائرة النفوذ العامة فلم تبرز الى سطح الاحداث بعد.

وينتج عن هذا التقليد والارتباط والوقوع في دائرة النفوذ اكثر المآسي الناتجة عن الاوضاع السياسية في هذه المنطقة الواسعة من العالم.

ولكي يحافظ اصحاب النفوذ الحقيقي من الاستعماريين في بلاد العالم الثالث على نفوذهم وضعوا قاعدة عامة للعمل السياسي في الاقطار المنكوبة بالنفوذ الاجنبي وهي (ان الاصل في العمل السياسي انه ممنوع الا لمن سمحت له السلطة به) وعند استعراضنا لاقطار العالم الثالث نرى ان العمل السياسي محتكر لفئة دون سائر الناس ولا يستثنى من ذلك حتى الاقطار التي صممت قصدا ليكون فيها قدر كبير من الحرية مثل لبنان، لأن العمل السياسي العلني في كل هذه الاقطار يقابله عمل سياسي سري ويتخذ طابع العنف في كثير من الاحيان.

ويتميز العمل السياسي بصورة عامة في العالم الثالث بالسطحية والمظاهر الكاذبة والخداع.

كما ان المدرسة السائدة في العمل السياسي في جميع العالم هي مدرسة مكيافيلي ـ الغاية تبرر الواسطة ـ ولا ترى وجودا لغير هذه المدرسة الا ما ندر.ان خدمة مصالح الناس وبناء الامة والتفكير بمصالح الامم جميعها لاتزال بعيدة عن التطبيق.

ان عملنا السياسي الاسلامي المبني على الاسس القويمة التي تتبنى خدمة مصالح الانسان ودرء المفاسد عنه يحتاج اول ما يحتاج الى امكانيات لتأمين استمراره اذ ان اعداء هذه المدرسة من العمل السياسي يملكون الامكانيات التي تمكنهم من شن حرب ضروس وطويلة الامد لمحاولة خنق انفاس هذه المدرسة. ولذلك ما لم تتوفر امكانية الاستمرار لايجوز لنا الشروع بالعمل السياسي على النطاق الواسع السائر نحو الكفاية وتغطية ساحة العمل واستلام زمام الامور.

والامكانيات المطلوبة لذلك هي وجود الجهاز القادر على القيادة والصامد في وجه الهزات التي تصيبه والمقاومات الشرسة التي يتعرض لها، ووجود اجواء في المجتمع وفي جماهير الامة لتقبل العمل والتعاطف معه بشكل يتدرج وينمو بنمو العمل ونجاحه.

ان عملنا السياسي سيكون بعيدا عن الاساليب الرخيصة المتبعة في بلادنا وسيكون ذا حيوية تستوعب ذخيرة تاريخ الكفاح السياسي لأمتنا المباركة والامم السابقة ومستفيدا من جميع التجارب للعمل السياسي الصادق في تاريخ العالم القريب والمعاصر، ومبدعا في مسيرة العمل لخدمة اهداف الامة ومصالحها الحقيقية.

وعملنا السياسي يبرز في المرحلة الثانية من مراحل الدعوة ولكنه لا يختفي تماما من عمل المرحلة الاولى التي هي مرحلة البناء والتكوين المرحلة التغييرية المرحلة الثقافية حيث يكون العمل الثقافي هو البارز فيها ويأتي العمل السياسي عرضا وغير مقصود الا لبناء وتركيز اجهزة الدعوة وتهيئة الامة وتنمية استعدادها لاستقبال الدعوة واستقبال عملها السياسي.

الثقافة السياسية:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّ‌ومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْ‌ضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ‌ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَ‌حُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾

الثقافة السياسية هي المعرفة السياسية المؤثرة في السلوك السياسي والتي تكون منطلقة ومتأثرة بوجهة نظر سياسية عامة.

وجهة النظر السياسيه العامة تختلف بصورة عامة عند السياسي المسلم او السياسي الشيوعي او السياسي الرأسمالي ازاء الحدث الواحد وخاصة حينما يختلط الهدف السياسي بالعمل السياسي فيعطي كل واحد منهم تفسيرا معينا للحدث.

مثلا: الانكماش الذي يجده الشيوعي الروسي بين الشعب الاذربيجاني المسلم يفسره السياسي الشيوعي تفسيرا يختلف عن تفسير السياسي المسلم.

والتمييز العنصري في اميركا يفسره السياسي الاميركي تفسيرا يختلف عن تفسير السياسي المسلم.

والثقافة السياسية التي تلزمنا تشمل أسس الحياة السياسية في بلادنا الاسلامية وأسس الحياة السياسية في الدول الكبرى ذات التأثير في مجريات السياسة في العالم، كما تشمل الاحداث السياسية في بلادنا وفي العالم.

ومن الملاحظ ان انتشار الامية السياسية بين الناس وبين السياسيين وبين قيادات الاحزاب ظاهرة من ابرز الظواهر في الحياة السياسية في العالم الاسلامي لدى العارفين. فالمعرفة السياسية ليست حذلقة في الكلام ولا المعرفة السطحية لما يحدث ولا حفظ الاخبار السياسية ونقلها ولا تدبيج المقالات والابحاث السياسية التي تكون غالبا صدى لما يكتب في الغرب.

وانما هي المعرفة الاصلية المعتمدة على اصول واسس واضحة والتي تربط الاحداث بعضها بالبعض الآخر.

وكمثال على ذلك: تأميم شركة نفط العراق الذي يبدو كما اظهرته السلطة وكأنه عمل بطولي ضد الشركات النفطية الاحتكارية الانكليزية والاميركية.

ان التقييم السياسي لهذا العمل يحتاج الى معرفة واقع الاستثمار النفطي في العراق ومعرفة ملكية اسهم الشركات النفطية العاملة فيه، وربط علاقة استخراج النفط في شمال العراق باستخراجه في الجنوب, ومعرفة واقع الآبار النفطية الشمالية والجنوبية، ومعرفة المتغيرات التي طرأت على العلاقات النفطية في العالم، ثم كيف استقرت العلاقة النفطية في العراق.

والداعية المسلم يهتم بأمور المسلمين وهذا الاهتمام يستدعي الاهتمام بالمؤثرات العالمية على مجريات السياسة في بلادنا، ولذلك فان من البديهيات الاولية ان يتثقف الداعية بالثقافة السياسية بما تقدمه الدعوة من اسس للثقافة السياسية وبما يطلع عليه من ابحاث سياسية اصيلة.

تاريخ السيطرة السياسية والمؤثرات التي اهلكت ملوكا وأمما واستخلفت آخرين، والقوى المؤثرة في سياسة العالم اليوم، وموقع بلادنا منها… وما يتصل بذلك من الامور التي يجدر بالداعية ان يعرفها ويعيشها كسياسي قيادي يهتم بتغيير امته الى واقع افضل.

والصحف والمجلات السياسية والكتب والمذكرات للسياسيين والمحترفين ووكالات الانباء المختلفة كلها مصدر جيد لمعرفة الاحداث وتوسيع المعلومات السياسية.

اما ربط المعلومات والاحداث السياسية بالمجرى الحقيقي للسياسة العالمية فيقتضي عدم الخلط بينها وبين وجهة النظر حيث انها عادة متأثرة بوجهة نظر المصدر الذي تصدر عنه. فهناك احداث ليس من مصلحة الدول الكبرى والدويلات السائرة في فلكها اعلانها ولذلك تقوم بالتعتيم المطبق عليها. وهناك احداث لايمكن التعتيم عليها من جميع الجهات حيث يكون من مصلحة جهة من الجهات اعلانها فتقوم الجهة الاخرى باعلانها وصياغتها صياغة مملوءة بالتشويه والدس. ولذا فقد تعلن الحادثة الواحدة بشكل براق وجذاب من جهة من الجهات وبشكل مصغّر ومشوّه من جهة اخرى وبشكل باهت من جهة ثالثة وهكذا… والسياسي المتعمق هو الذي يميز بين خبر وآخر.

وعلى سبيل المثال يمكن الاطلاع على وجهة نظر بريطانيا في الاحداث بمطالعة جريدة التايمس والاستماع الى محطة الاذاعة البريطانية وتصريحات وزير الخارجية و الحكومة البريطانية ومراقبة اخبار وكالة رويتر. ويمكن الاطلاع على وجهة النظر الفرنسية من تصريحات السياسيين الفرنسيين ومطالعة جريدة لوموند الباريسية ووكالة الانباء الفرنسية. وعلى وجهة النظر السوفياتية من تصريحات مسؤولي الحزب الشيوعي السوفياتي وآراء جريدة البرافدا واخبار وكالة تاس. وعلى وجهة النظر الاميركية من تصريحات المسؤولين وبالخصوص الرئيس الاميركي ووزير الخارجية ومطالعة جريدة واشنطن بوست والنيويورك تايمز ووكالة الاسوشيتد برس. مع مجريات الاحداث السياسية لدى كل واحدة من هذه الدول الكبرى.

والذي يريد معرفة الحقيقة عليه ان يطلع على وجهات نظر مختلفة ويعرضها على ما يملك من خلفيات لتلك الامور ويعرضها على الاسس السياسية العالمية ثم يربط ويستنتج فيكون استنتاجه مؤكدا او ظنيا او احتماليا.

العلاقة بين العمل السياسي والثقافة السياسية:

وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَ‌نَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾.

العالم الاسلامي مليء بالعمل السياسي غير الهادف ومن ثم بالسياسيين عديمي الثقافة السياسية ولا يخلو من اصحاب الثقافة السياسية العاجزين عن القيام بالعمل السياسي جبنا وركونا الى الدعة.

والعمل السياسي في العالم المتحضر بالحضارة المادية من سكان اوروبا واليابان واميركا وروسيا (العالم الصناعي الفني) مقرون بالثقافة السياسية وقائم على اختصاصات تضفي الشمول والدقة على غالب النشاطات السياسية.

ان العمل السياسي عمل قيادي ومن بديهيات العمل القيادي معرفة الاهداف وتحديدها ومعرفة الوسائل لتحقيق الاهداف ومعرفة الظروف الموضوعية التي تؤثر بالمجتمع وتحيط به.

والثقافة السياسية غير المرتبطة بعمل سياسي ترف فكري بل سفه في بلاد خالية من العمل السياسي الهادف. والعمل السياسي بدون ثقافة سياسية تخبط وارتجال ضرره اكثر من نفعه والسياسي المثقف خط عمله واضح واهدافه القريبة واضحة واهدافه البعيدة محددة.

والثقافة السياسية تنمو وتتسع وتتعمق بتجارب العاملين ومن خلال المعاناة والسير في خط العمل السياسي، أي العيش السياسي بمعناه الواسع. ولايمكن ان ننتظر فكرا سياسيا صائبا صادرا من مفكر لايمارس العمل السياسي ولا يسير في خط الممارسة.

ان العمل السياسي والثقافة السياسية امران متلازمان في العمل الذي يستهدف خدمة المجتمع لتغييره او اصلاحه كليا او جزئيا.

وليس هناك من ضرورة لدعم فكرة ان العمل السياسي يحتاج الى ثقافة سياسية فانها واضحة وبحكم البديهة في نظر الجادين من ابناء امتنا.