حول العلاقات بين التنظيمات الاسلامية

صدر في جمادي الاولى ١٣٩٧ هجري

مقدمة:

يلاحظ المتتبع لاوضاع العالم الاسلامي حركة بطيئة ولكنها على اية حال حركة وذلك افضل من الركود. من ظواهر هذه الحركة ازدياد التحسس بالانتماء الى الاسلام ثم تمييزه عن غيره من المبادىء ثم التحسس عند مجموعة كبيرة من الناس بضرورة العمل لعودة الاسلام الى حياة المسلمين اطاعة لامر الله.

نجد ذلك في الجزر المنتشرة في المحيط الهادي في الفلبين واندونيسيا وماليزيا وفي البلاد الهندية في الباكستان والهند وبنغلادش وفي البلاد الايرانية والتركية والافغانية وفي افريقيا المسلمة كما في البلاد العربية، وكذلك نجد هذا التحسس بنطاق ضيق في البلاد التي تتحكم فيها الاحزاب الشيوعية في الصين والاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا والبانيا.

والتحسس بالانتماء الى الاسلام وتمييزه عن غيره يرتبط بالتحسس بابتعاد العلاقات بين المسلمين ومن ثم انتشار المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ان هذا التحسس يختلف اختلافا كميا بين المجموعات الاقليمية ويزداد اتساعا ويتعمق في النفس عند الانسان المسلم ويتحول الى:

  • أ. سعي لمعرفة الافكار والمفاهيم والاحكام الاسلامية.

  • ب. الى وعي على الاوضاع الحياتية في المجالات الفكرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها.

  • ج. الى جهاد في سبيل الله.

  • د. وقد تحول فعلا الى ما نراه حركة بطيئة تحدث في المجتمع بفعل النشاطات الاسلامية المختلفة التي تصدر من الافراد والمنظمات والاحزاب الاسلامية في هذا الاقليم او ذاك من العالم الاسلامي.

ان هذه الحركة البطيئة ينظر اليها الاستعمار بالمنظار المكبر ويشعر بخطرها على وجوده باعتبار ما سيكون في المستقبل، فالاستعمار ينظر الى الاسلام كعامل مؤثر في العالم الاسلامي ويحاول بشتى الوسائل صرف العمل الاسلامي عن اهدافه ويتخذ اساليب شتى لذلك، منها الاضطهاد الوحشي الذي يوقعه عملاؤه بالمجاهدين في سبيل الله، ومنها التعتيم الاعلامي الذي اشتركت به الصحافة العربية حين اعدم خمسة من مجاهدي الدعوة الاسلامية في بغداد، والتعتيم الاعلامي على النشاط الذي قاده السيد الخميني في ايران.

نظرة عامة عن الاختلافات بين الاحزاب الاسلامية:

ان الدعوة لتعميم فتح باب الاجتهاد بين المسلمين الذي اغلقوه هو اقرار بفتح باب الاختلافات في فهم القرآن والسنة واستنباط احكام مختلفة لقضية واحدة، وهذه يشترك فيها اكثر الناس اهتماما بالقضايا الاسلامية المعاشة من الفقهاء ومن له صلة بالفكر الاسلامي وهي دعوة صحيحة وضرورية لتحريك جمود بعض الجوانب من الحياة الفكرية للمسلمين.

ويمكن اعتبار تعدد الاحزاب الاسلامية اختلافا بالاجتهاد حول المواضيع والقضايا السياسية والاجتماعية وكيفية التحولات التي تجري عليها.

ان العمل السياسي الاجتماعي الهادف يقع تحت تأثير عاملين رئيسيين:

العامل الاول هو فهم المبدأ او الافكار المتبناة والالتزام بها.

والعامل الثاني هو فهم الواقع الذي يشتمل على فهم تعقيدات مشاكل المجتمع والتعقيدات في العلاقات الدولية.

ويتبلور هذان العاملان بفعل الامكانات البشرية المتاحة للعمل السياسي والبيئة المحيطة به.

واذا نظرنا الى واقع المسلمين نراهم يعيشون ضمن كيانات سياسية كثيرة تفصلها الحدود السياسية وفواصل اخرى يعيشون في مرحلة حضارية انتقالية من حالة الركود والاستسلام الى حالة الحركة والمقاومة الحقيقية للاستعمار والتخلف. وفي مثل هذه الحالة الحضارية يتنامى عدد اليقظين والمفكرين والعاملين في بلاد المسلمين، نتيجة لذلك كله تتعدد الاحزاب الاسلامية.

ان مظاهر الاختلافات بين الاحزاب الاسلامية تشمل المجالات الفكرية والتنظيمية والتربية الحزبية.

ففي المجالات الفكرية تتراوح الفروق بينها في ثلاثة منطلقات:

  1. تتبنى بعض الاحزاب ما هو ضروري لتسيير العمل الحزبي وتأثيره على الامة وما هو ضروري لدفع المجتمع للارتقاء والانسجام.و ترك ما يختلف فيه المسلمون من أحكام تتعلق بالعبادات والمعاملات المتعلقة بالافراد الى الاجتهاد والتقليد وتشجيع البحث والاختصاص والابداع بين افرادها.

  2. تتبنى بعض الاحزاب افكارا خاصة لاكثر ما هو مطروح في ساحة العمل والفكر سواء كان يخص الافراد او المجتمع وترفض ما عداه من فكر اسلامي.

  3. تترك بعض الاحزاب امور التبني الفكري ولا يهمها ان يكون في رصيدها الفكري تناقض وتترك امور الاقاليم كليا الى القيادات الاقليمية.

وفي المجالات التنظيمية والخط العملي للحركة الحزبية يتراوح الاختلاف:

  • أ. بين السرية والعلنية في التنظيم.

  • ب. بين المركزية الدقيقة واللامركزية في الصلاحيات.

  • ج. بين الالتزام بالاجتماعات الضيقة والاجتماعات الموسعة.

  • د. بين الانتماء المفتوح والانتماء ضمن اصول ملتزمة.

  • ه. بين الالتزام بالمرحلية وعدم الاهتمام بها.

  • و. بين العمل المخطط والعمل الآني.

  • ز. بين الفعل ورد الفعل.

وان هذه الحدود من الاختلاف تستوعب اكثر من خطين من خطوط العمل، فمثلا بين المركزية واللامركزية طريق ثالث يأخذ من كلا الحدين، يوزع المركزية لبعض جوانب العمل واللامركزية للجوانب الاخرى، وهذا التوزيع يمكن ان يعدد طرق العمل الى طريق ثالث ورابع وخامس.

والمجال الآخر لاختلاف الاحزاب الاسلامية هو مجال التربية الحزبية او التكوين النفسي للحزبيين وتتبلور شخصية الداعية الاسلامي داخل تنظيمه نتيجة لطريقة التربية الحزبية في التنظيم.

  1. فقد يعلو الولاء للمبدأ على كل شيء فيكون الاسلام هو قطب انجذاب النفس ويكون هو محور الاهتمام.

  2. وقد يكون الولاء للحزب هو الاساس على اعتبار ان الحزب هو الامل في عودة الاسلام وهو الحياة التي ينصب فيها نشاط واهتمام المسلم الملتزم.

  3. وقد يكون الولاء منصبا على زعامة الحزب على اعتبار ان نجاح الحزب يعتمد على كفاءة ومقدرة وابداع القائد وان عودة الاسلام تعتمد على نجاح هذه القيادة والتفاف الامة حولها وعلى اعتبار انها الرمز المادي الملموس للعمل الاسلامي.

  4. وقد تتحول طريقةالعمل لدى بعض الاحزاب الاسلامية الى عادة يألفها العاملون فيحملون الولاء لها دون غيرها بصرف النظر عن العوامل الاخرى المرتبطة بها.

  5. والجهاد المشترك بين العاملين في تنظيم واحد يخلق تماسكا قويا بين الافراد وولاء عاما للعلاقات الجهادية المشتركة.

هذه بعض اتجاهات التكوين النفسي للعاملين في المجال الاسلامي تبدو في بعض الاحيان واضحة جلية وتختلط في بعض الاحيان الاخرى.

نقاط الالتقاء بين الاحزاب الاسلامية:

  1. الاهداف العليا للاحزاب الاسلامية هي اهداف مشتركة فالكل ينادي بالسعي الى رضوان الله والى تطبيق الشريعة الاسلامية واتخاذ الاسلام دينا اي طريقا للحياة.

  2. وترى الاحزاب الاسلامية ضرورة التزام افرادها بأحكام الشريعة الاسلامية.

  3. تؤمن الاحزاب الاسلامية بالرابطة العقائدية الفكرية ولا تتخذ الروابط الاقليمية والعرقية والمصلحية روابط يرتبط بها افرادها.

  4. تؤمن الاحزاب الاسلامية بالعمل الجماعي موصلا الى التأثير والنجاح.

  5. يعتبر المسلمون العاملون أنفسهم امتدادا للحركة الاسلامية الاولى التي أسسها الرسول صلى الله عليه وآله، في مكة.

  6. ينظر اعداء العمل الاسلامي الى الاحزاب الاسلامية نظرة مشتركة وكذلك عاديو الناس فانهم لا يفرقون بين حزب اسلامي وآخر في كثير من الاحيان.

النظرة الى العلاقات:

تتفاوت النظرة الى العلاقات بين الاحزاب الاسلامية وتتبلور في ثلاثة مواقف:

  • الموقف الاول رفض التعاون بين الاحزاب الاسلامية.

  • الموقف الثاني الاندماج بينها.

  • الموقف الثالث التعارف والتعاون.

الموقف الاول:

  1. في العالم الاسلامي حزب او اكثر يرى انه توصل الى طريق العمل الاسلامي من خلال فهمه الحكم الشرعي الذي يحدد معالم العمل بالتفصيل ولذلك يرى مثل هذا الحزب ان طريق العمل الذي يتبناه بدليل شرعي يلزمه العمل به كما يلزم غيره من المسلمين وعليه لا يجوز للعاملين في سبيل الاسلام ان يتجاوزوا الطريق الذي يسلكه.

    ونتيجة لهذا المفهموم الحزبي للعمل الاسلامي السياسي الاجتماعي فان مثل هذا الحزب يرفض التعاون مع احزاب اسلامية اخرى لانها في نظره لاتتبع الطريقة الاسلامية في العمل.

  2. بعض الاحزاب الاسلامية تخضع عملها الى مراحل وقد تكون المراحل الاولى للعمل سرية وعند ذاك ترى عدم البوح بوجود تنظيمها لأي كان وهي في المرحلة السرية، ولذلك فأنها لاتقدم على التعاون معها بشكل تنظيم، وان كانت تقوم بالتعاون معها بشكل فردي بحيث لا ينكشف التنظيم.

  3. بعض الاحزاب الاسلامية تختار طريق العمل المسلح للوصول الى اهدافها ومن الصعوبه بمكان ان يقوم تقارب بين حزب مسلح وتنظيم سياسي لايقوم فعلا باعمال مسلحة اضافة الى ان مقتضيات تنظيم العمل المسلح وتحركه لايجوز البوح بها.

الموقف الثاني:

يحيط بعض العاملين في الحقل الاسلامي السياسي الاجتماعي قلق نفسي أو عدم شعور بالطمأنينة النفسية وذلك نتيجة:

  1. لصعوبة العمل في طريق ذات الشوكة.

  2. الاستيحاش من كثرة اعداء العمل الاسلامي وشراستهم في مقاومة العاملين.

  3. من عدم ملاحظة تأثير العمل الاسلامي في المجتمع حيث ان التأثير لايظهر الا بملاحظة المتغيرات التي تطرأعلى اوضاع الامة والمجتمع ولا يتأتى ذلك الا لأولي البصائر النافذة.

  4. ومن عدم وضوح الطريق العملي للمسيرة الاسلامية.

  5. ومن الرغبة في تقصير طريق العمل للوصول بسرعة الى الهدف. ومن عوامل اخرى.

ويتبع هذا القلق التمسك بشعارات تبدو وكأن تحقيقها علاج للحالة النفسية التي يعيشها العامل فتبقى ملازمة لتفكيره لايمل من ترديدها والدعوة اليها. واهم هذه الشعارات دمج المنظمات والاحزاب الاسلامية في حزب او منظمة واحدة ويظهر هذا الشعار في حالات منها:

  • الحالة الاولى: عاملين في سبيل الاسلام تركوا تنظيماتهم لسبب ما ولم يركنوا الى تنظيم اسلامي آخر وحافظوا على ولائهم للعمل الاسلامي.

  • الحالة الثانية: عاملين في سبيل الاسلام داخل تنظيم حزبي ولكن لم تتركز ثقتهم بقيادة الحزب بعد ولم يتكامل انسجامهم مع خط العمل.

  • الحالة الثالثة: عاملين في سبيل الاسلام داخل تنظيم حزبي اهتز ولاءهم للحزب نتيجة خلافات فكرية او تنظيمية او شخصية.

  • الحالة الرابعة: متحمسين للعمل الاسلامي بتأثير اتصالات حزبية متعددة الاطراف او بتأثير بيئة متأثرة بالعمل الناتج عن نشاط اكثر من تنظيم اسلامي.

الموقف الثالث:

تمتليء نفوس العاملين في سبيل الاسلام على الاعم الاغلب بمشاعر الود والالفة نحو اخوانهم العاملين. فالداعية المسلم في تنظيم الدعوة الاسلامية في العراق ينظر بارتياح وألفة الى العمل الاسلامي في تنظيم آخر في أي اقليم من اقاليم العالم الاسلامي وينطبق هذا القول على عضو التنظيم في جماعة الاخوان المسلمين في مصر والداعية الاسلامي من الجماعة الاسلامية في الباكستان والمنتمي الى جماعات النهضة الاسلامية في اندونيسيا وجماعة النور في تركيا.

من اجواء الألفة والمودة هذه تنبثق محاولات للتعارف والتعاون بين العاملين وترفع شعارات لتحقيق ذلك. وفي اقاليم نلاحظ تعاونا بين جماعات اسلامية في عدد من المجالات.

الخط العملي الذي نتمسك به:

  1. نعتبر ان طريقتنا في العمل هو الخط العملي الاسلامي المناسب ونتمسك بها ما لم يثبت ان هناك انفع منها.

  2. نفترض حسن القصد في كل تنظيم اسلامي ما لم يثبت العكس.

  3. نتمسك بقاعدة، وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان وذلك من خلال مايلي:

    • أ. نفتش عن نقاط الالتقاء وهي كثيرة مع المنظمات الاسلامية، ونتخذ مواقف عملية مناسبة ازاءها ونتعرف على نقاط الخلاف دون ترتيب أي أثر سلبي على ذلك ما لم يمس ذلك الشريعة الاسلامية او المصالح الاسلامية العليا او مصلحة الدعوة العليا.

    • ب. نحاول بكل جدية ان نتعارف مع كل التنظيمات الاسلامية بطريقة فردية في المرحلة التي يكون فيها العمل سريا.

    • ج. ويمكن ان نتعارف مع تنظيمات اسلامية عن الطريق الحزبي بقرار من قيادة الحزب.

    • د. نتعاون مع العاملين للاسلام على شكل فردي في المجالات العملية الملائمة والمتاحة.

    • ه. نتعاون مع التنظيمات الاسلامية الاخرى بطريقة حزبية عندما تتيح الظروف ذلك.

  4. نعتبر انفسنا جزءا من الحركة الاسلامية التي تكونها جميع التنظيمات والاحزاب والنشاطات الاسلامية العامة.

  5. ندعو الاحزاب الاسلامية كلها الى الالتزام بقاعدة (سابقوا الى الخيرات) التي سيكون من نتائجها حمل الراية الاسلامية التي انتكست عندما انتكس المسلمون عن اسلامهم.

ان احد اهداف عمل الاحزاب السياسية الاسلامية هو قيادة الامة سياسيا وان تكون العلاقة بين الامة والحزب الاسلامي علاقة معرفة بأهداف الحزب وآرائه وثقة به وبقيادته وتأييدا له ولشعاراته.

والذي سيتبوأ قيادة الامة سيتعرض الى صراع مع الاستعمار وعملائه على الساحة السياسية وهذا ما نعنيه بحمل الراية الاسلامية وسيسير جميع المسلمين بمن فيهم من منظمات سياسية اسلامية وراء حامل الراية.

وسنحمل الراية الاسلامية باذن الله وسيسير معنا المسلمون لأن الوجدان الاسلامي سيتحرك وتندفع المشاعر الاسلامية وتتعدل التربية الحزبية لتنسجم مع الخط الكفاحي الجديد وسيهتز الوجود الاستعماري من جذوره مقدمة لقلعه بصورة كاملة.

ان السالك في هذا الطريق يعرف نفسه منذ البداية وان جهله الآخرون يعرف نفسه ومستقبله ويعامل الآخرين كما يجب ان يتعامل القائد الواعي المتسامح مع من يسير معه.