المهاجرون

صدر في عام ١٣٩٥ هجري

المهاجرون في سبيل الله:

قَالَ أَرَ‌اغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَ‌اهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْ‌جُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْ‌نِي مَلِيًّا ﴿٤٦﴾ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ‌ لَكَ رَ‌بِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿٤٧﴾ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَأَدْعُو رَ‌بِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَ‌بِّي شَقِيًّا ﴿٤٨﴾

فَأَرَ‌ادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَ‌بِّي سَيَهْدِينِ ﴿٩٩﴾

وَجَاءَ رَ‌جُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُ‌ونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُ‌جْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢٠﴾ فَخَرَ‌جَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَ‌قَّبُ ۖ قَالَ رَ‌بِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢١﴾ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَ‌بِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿٢٢﴾

فَفَرَ‌رْ‌تُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَ‌بِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْ‌سَلِينَ ﴿٢١﴾

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْ‌يَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَ‌بْوَةٍ ذَاتِ قَرَ‌ارٍ‌ وَمَعِينٍ ﴿٥٠﴾

هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَ‌ىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ‌ لَكُمْ رَ‌بُّكُم مِّن رَّ‌حْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِ‌كُم مِّرْ‌فَقًا ﴿١٦﴾

وَإِذْ يَمْكُرُ‌ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِ‌جُوكَ ۚ وَيَمْكُرُ‌ونَ وَيَمْكُرُ‌ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ‌ الْمَاكِرِ‌ينَ ﴿٣٠﴾

وَكَأَيِّن مِّن قَرْ‌يَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْ‌يَتِكَ الَّتِي أَخْرَ‌جَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ‌ لَهُمْ ﴿١٣﴾

وَالَّذِينَ هَاجَرُ‌وا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ‌ الْآخِرَ‌ةِ أَكْبَرُ‌ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾ الَّذِينَ صَبَرُ‌وا وَعَلَىٰ رَ‌بِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٤٢﴾

وَمَن يُهَاجِرْ‌ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يَجِدْ فِي الْأَرْ‌ضِ مُرَ‌اغَمًا كَثِيرً‌ا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُ‌جْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرً‌ا إِلَى اللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ ثُمَّ يُدْرِ‌كْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُ‌هُ عَلَى اللَّـهِ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورً‌ا رَّ‌حِيمًا ﴿١٠٠﴾

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَ‌بَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْ‌ضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُ‌ونَ أَجْرَ‌هُم بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ ﴿١٠﴾

في تاريخ المسيرة الانسانية في الطريق الالهي هجرات كثيرة، كهجرة ابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وهجرة فتية الكهف، وهجرات كثيرة غيرها.

والهجرات في دعوة الرسول صلى الله عليه وآله ثلاث اولى وثانية الى الحبشة وثالثة الى المدينة. فبعد ان اتسع نطاق الدعوة الاسلامية في مكة وأسلم فئة من اهلها ضاق أصحاب السلطة وجمهرة أهل مكة بالدعوة وقابلوها بأسوأ ما تقابل به دعوات التغيير. وسمح الرسول للمستضعفين بالهجرة الى الحبشة اولا، وامرهم بالهجرة ثانيا, وكانت الهجرة الثالثة الى يثرب بعد ان انتشر فيها الاسلام واصبحت صالحة لان تكون مركزا للدولة ومنطلقا للدعوة الاسلامية الى العالم.

ثم تتالت هجرات المسلمين الى الله وفي سبيل الله فرارا بأنفسهم ودعوتهم من ظلم الظالمين.

واليوم ونحن نعيش تحت كابوس احكام الكفر وظلم الكفار والمستعمرين ووكلائهم حكام المسلمين يطفح كيل الظلم على العاملين للاسلام فيهاجرون فرارا بانفسهم وحفاظا على العمل الاسلامي حتى اصبحت هجرة العاملين للاسلام ظاهرة في الامة في عصرنا الحاضر.

متى تبدأ ظاهرة الهجرة:

عندما ينمو التحرك الاسلامي في بلد من بلاد المسلمين ضمن تنظيم معين يظهر بآثاره في المجتمع في الآراء الاجتماعية والسياسية المطروحة على نطاق ضيق يتسع بالتدريج ويظهر في بعض الناس كحركة ذات حيوية جديدة نحو التغيير تسير في مسيرة تختلف عن اوضاع الناس الاجتماعية الراكدة وعن حركتهم العشوائية.

وعندما يظهر التحرك الاسلامي يراه اول من يراه الاجهزة الاستعمارية التي تراقب مجتمعات المسلمين لتحافظ على سيطرتها عليهم. وانما يرى المستعمر ما يحدث في مجتمعاتنا قبل غيره لان امتنا في هذه الحقبة تعيش في مستوى هابط من الوعي الاجتماعي والسياسي والمستعمرون يعيشون في مستوى متقدم من الاهتمام بأمور الدنيا وبذل الجهد الذهني والعضلى للسيطرة على امورها وتسخيرها لمصالحهم.

ان الاجهزة الاستعمارية في بلاد المسلمين تنظر الى الامور نظرة شاملة، فهي تراقب الحركة الفكرية والنمو الاقتصادي وتطور القضايا الاجتماعية وترى ما يلائم خططها الموضوعة لكل ذلك وما يخالفها اذ ان تخريب المجتمعات في البلاد الاسلامية لايسير بوتيرة واحدة وانما هو خاضع لعوامل موضوعية متغيرة،ولذلك فان اساليب التخريب التي يستعملها المستعمرون متغيرة بين فترة واخرى.

ان ظهور التحرك الاسلامي في أي بلد من بلاد المسلمين يعني ظهور خط الارتداد على جهود المستعمرين، وان رعب كلمة (الله اكبر) لايزال في نفس اوروبا وامتدادها في القارات الجديدة، والذي اثارهم في الماضي لا يزال يثيرهم وان اصبحت الاثارة محصورة في الاوساط الحاكمةو الاوساط السياسية والفكرية والدينية العليا.

ولهذا فان ظهور الحركة الاسلامية يحرك الاجهزة الاستعمارية المباشرة أي الاجهزة الخاصة بالمستعمرين كأجهزة الاستخبارات والدعاية والاجهزة الاستعمارية غير المباشرة أي التي اوجدها المستعمرون من ابناء المسلمين والاجهزة التي نشأت ضمن الاطر الفكرية والسياسية التي وضعوها والتي تتعاون معهم في مجالات معينة. وعلى رأس هذه الاجهزة غير المباشرة السلطات التي تقوم بمعونة الاستعمار لحكم بلاد المسلمين. وأي بلد من بلاد الاسلام قام الحكم فيه بارادة حرة على اساس الاسلام او غير الاسلام؟ تتحرك هذه الاجهزة لمكافحة نمو التحرك الاسلامي فيتبعون في هذا الصدد اسلوب ارهاب المسلمين وتخويفهم لصرفهم عن الدعوة الاسلامية بالتجسس عليهم وملاحقتهم وايداعهم السجون ووضعهم تحت سياط التعذيب وقتل قياداتهم. وعند ذلك تعم البلوى على المؤمنين ويضيق تأثير الداعية الى الله بسبب الحصار الارهابي الذي يطوق به. عند ذلك تبدأ ظاهرة الهجرة في الدعاة.

متى تسمح الدعوة او تأمر بالهجرة:

تبدأ السلطات الظالمة والعميلة في بلاد المسلمين عمليات الاضطهاد في بداية ظهور الحركة المعادية للاستعمار على شكل فردي وفترات متباعدة بقصد اختبار التنظيم الجديد وجمع المعلومات عنه، وتحاول اجهزة التجسس التي تعمل في الساحة التي تظهر فيها الحركة ان تندس في الحركة لتعرفها من الداخل ولتتعرف على تحركاتها قبل حدوثها. وعندما ترى السلطة نفسها عاجزة عن معرفة ما يجري داخل الحركة وعاجزة عن التأثير عليها بواسطة الترغيب والترهيب او عندما تعرف السلطة قوة الحركة يصيبها الفزع من وجودها وتبدأ بتوسيع عمليات الاضطهاد.

ان اضطهاد العاملين في سبيل الاسلام له اثران:

وعندما تشتد المحنة تمر على كثير من الدعاة حالة تجمد نشاطهم ويجد الداعية نفسه محصورا مراقبا تحصي السلطة حركاته وسكناته، ويصبح اتصاله بأخوانه كشفا لهم، وحديثه مع الناس موجبا للخوف بينهم بسبب ملاحقة السلطة له، ويجد نفسه مهددا بالسجن وهذا يعني التعذيب الشديد او القتل. وعندئذ تقرر الدعوة ما اذا كان على الداعية ان يجمد نفسه او يختفي او يهاجر او يسلم أمره الى الله وينتظر القبض عليه، أو تترك الامر اليه. وتنطلق الدعوة في هذه الحالة من نظرة خاصة للداعية ونظرة شاملة للدعوة والامة والسلطة، فقد يكون السجن افضل من التخفي والهجرة وقد يكون التخفي افضل وقد تكون الهجرة افضل. وبشكل عام فان التخفي والهجرة افضل من السجن لان السجن يعني ابتعاد الداعية عن الاتصال بالمجتمع وخسران الدعوة لمجاهد على قلة المجاهدين في الامة والحاجة العظمى اليهم.

ومن الحقائق التي يجب ان تكون واضحة ان الحركة الاسلامية مهما كانت على معرفة بالحقائق الموضوعية المتعلقة بالوضع العام وبالوضع الخاص للداعية التي تستند اليها في تقرير ما يجب على الداعية ومهما كانت الامكانات لديها جيدة والظروف مؤاتية فان النتيجة لكل حركة اسلامية تخوض صراعا مع السلطة ان يعتقل قسم من اعضائها ويتخفى قسم آخر ويهاجر قسم ثالث ويقتل قسم رابع، ويبقى قسم خامس بعيدا عن الفتنة.

حقيقة الهجرة:

ان طريق الجنة محفوف بالمكاره ومن جملة المكاره ان يضطر الداعية في حياته الى الهجرة ويصادف في غربته ضغط الحاجة وضغط الوحدة والوحشة. انه طريق ذات الشوكة فلا يفتّ في عضده مواجهة الصعاب وتراكهما وَاصْبِرْ‌ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‌ ﴿١٧﴾.

ان التخفي والهجرة في ظروفنا الحاضرة قد لا تقل مرارة عن السجن خاصة اذا انتهت فترة التعذيب والتحقيق وواجه الداعية الحكم بالاعدام فعرف مصيره واستبشر بلقاء ربه. او واجه الحكم بالسجن لمدة طويلة او قصيرة وأمكنه ان يقضي وقته بالتأمل والدراسة والكتابة، وقد نقل عن مجاهدين في سجون ايران انهم يشكون من ضيق الوقت لسعة برنامج الدراسة والكتابة الذي وضعوه لانفسهم.

الهجرة غربة مضاعفة، غربة عن المجتمع وغربة عن الاهل والاصدقاء والارحام وعن البيئة المحلية وعن مرابع الصبا والذكريات.ان في النفس هوى لما ألفته من اوضاع وامور كثيرة تمتد بامتداد العمر ابتداء من الطفولة المبكرة يجدها المهاجر لانه غريب عن مجتمعه يعمل لتغييره فيقف له القيمون على الاوضاع السيئة اوضاع التخلف والجهل والتميع وفقدان الشخصية القيمون على اوضاع الخضوع للمستعمر الكافر يقفون له بالمرصاد ولا يتمكن المجتمع من حمايته فيضطر الغريب للهجرة ليعيش في غربته ”وطوبى للغرباء“.

ويعاني المهاجر في مهجره العديد من المصاعب والآلام المادية والنفسية ابتداء من الفقر والعوز ومرورا بمشكلة السكن والعمل وعقبات التكيف مع الجو الجديد خاصة حينما يضطر الى تقديم مبرر يفسر هجرته للناس من حوله والحصول على هوية او جواز سفر دائم الصلاحية وما يصاحب ذلك من مضايقات متكررة وضغوط متنوعة تنبعث من ارتباطه بأهله وعائلته الذين ربمالم يترك لهم من يرعى شؤونهم،وما ربما يصاب به البعض من مرض الوحشة والحنين الى الاهل والوطن…

ان الهجرة في عصرنا الحاضر تختلف عن الهجرة في العصور الماضية. المهاجرون الاوائل الى الحبشة هاجروا الى مأمن وحصلوا على اللجوء السياسي والحماية الرسمية. والمهاجرون الى المدينة هاجروا الى مدينة كانت مؤهلة لأن تصبح مدينة الرسول ودولة الاسلام وكان اخوانهم من الانصارهم المسيطرون والمالكون للمدينة.

اما الداعية المهاجر في عصرنا الحاضر فهو مضطر للارتباط بسلطة البلد الذي هاجر منه بجواز السفر، ثم هو لايستطيع ان يعلن سبب هجرته لأن البلد الذي هاجر اليه لا يختلف عن البلد الذي هاجر منه كثيرا فأوضاع بلادنا الاسلامية واحدة لا اختلاف بين اقليم واقليم الا اختلافا كميا فضغط المجتمع وضغط السلطة وعداء الاستعمار للدعوة في كل مكان بلا استثناء، والظلم الشديد الذي يقع على الدعاة في قطر معين سيقع على الدعاة في قطر آخر بشكل من الاشكال مادام خط عمل الدعوة واحداً في مسيرة ذات الشوكة.

ان هجرة الداعية في عصرنا الحاضر من بلد الى بلد تشبه الى حد كبير انتقال الداعية من جانب من مكة الى جانب آخر، فالعالم كله مكة وموقف سلطاته ومجتمعاته منه شبيه بموقف مكة ومجتمعها.

الدعوة ومشكلة الهجرة:

ان اهتمام الدعوة بمشكلة الهجرة مؤطر بالظروف الموضوعية والامكانيات المتاحة لها وهذا امر بديهي. وتبدأ الظروف والامكانيات من تأمين مغادرة الداعية من القطر الذي تلاحقه فيه السلطة مغادرة اعتيادية او غير اعتيادية، والقطر الذي يهاجر اليه وهل فيه وجود للدعوة وما مدى امكانية الدعوة فيه، وهل فيه للداعية صلات شخصية صداقة او قرابة او معرفة وما مدى صعوبة قوانين الاقامة والعمل فيه، وما مدى امكانية العمل الاسلامي للداعية.

ان الموازنة في هذه الامور تستهدف بذل كل ما في الامكان للمحافظة على سلامة الداعية وما يكفيه من اسباب العيش والمحافظة على العمل الاسلامي.

وكل هذه الامور صعوبات حقيقية على الدعوة ان تحسب لها الحساب الحقيقي وعلى الدعاة ان يقدروها التقدير الحقيقي.

تعليمات للداعية المهاجر:

  1. الداعية الذي يبتلى بشدة الضغط والملاحقة البوليسية عليه ان يتدارس وضعه مع الدعوة ومدى صلاحية اختفائه او هجرته او بقائه على حالته الفعلية.

  2. تقرر الدعوة مدى صلاحية الهجرة او الاختفاء او غير ذلك بالنظر الى مصلحة الداعية ومصلحة الدعوة، وتصدر القرار بصيغة امر اومنع او تخيير. وعلى الداعية ان يلتزم بقرار الدعوة.

  3. عندما تتقرر الهجرة يقوم الداعية بتصفية اعماله الدعوتية في وطنه ويتزود من الدعوة بالتعليمات اللازمة عن هجرته وحياته في دار الهجرة ومن يتصل به هناك.

  4. اذا اضطر الداعية ان يترك بلده دون التزود بالمعلومات المطلوبة يحاول الاتصال من دار هجرته بالدعوة في البلد الذي هاجر منه لارشاده الى من يتصل به. واذا لم يتمكن من ذلك يحاول ان يتصل بالدعوة في دار هجرته ان كان فيها دعوة بطريقة مدروسة تتسم بالهدوء والسكينة النفسية بخطوات متتالية. يهتدي اولا الى الامكنة التي يحتمل ان تكون مجالا لوجود الدعاة ويستعمل الحديث غير المباشر ويتعرف على الدعاة من خلال الحديث والسلوك ولا ينتقل الى المصارحة مع احدهم الا بعد ان تتجمع لديه القرائن الكافية.

  5. يجب على الداعية ان يتقيد بتوجيهات الدعوة المحلية في دار هجرته وان يسلك سلوكا مدروسا بعيدا عن الارتجال ويحسب الحساب لكلامه وخطواته، فالدعوة المحلية تعرف مالا يعرفه الداعية من الاوضاع والاشخاص والجهات المختلفة التي تعادي الاسلام وتعمل ضده وتتبع خطوات العاملين له للايقاع بهم. والسلوك الارتجالي من الداعية قد يكون له مضاعفات على الداعية والدعوة المحلية.

  6. على الداعية ان يكون في هجرته صبورا هادىء النفس يتذكر ما أصاب الائمة والمؤمنين ويؤكد في نفسه انه عمل لله وهاجر في سبيله ولا ينتظر جزاءه الا منه. وان يكون خفيف المؤونة والحاجات على الدعوة والناس.

  7. اذا هاجر الداعية الى بلد ليس فيه دعوة يعتني اول ما يعتني في تدبير اسباب معيشته ثم يبدأ بالعمل للاسلام مع الاخذ بعين الاعتبار وضعه في ظل قانون يعتبره اجنبيا وفي مجتمع تسوده أفكار الاقليمية والقومية الضيقة وتعمل فيه جهات مختلفة.

تعليمات للدعوة المحلية بشأن الهجرة:

  1. واجب الدعوة ان تبذل كل ما في وسعها للمحافظة على سلامة الداعية المهاجر وتأمين سبب عيشه وعمله الاسلامي.

  2. اول ما يجب ان تقدمه الدعوة للمهاجر المعلومات عن الوضع العام في دار هجرته والتوجيهات اللازمة لسلوكه.

  3. على الدعوة ان تراعي الظروف النفسية للمهاجر وتشعره بعطفها واهتمامها ورعايتها وان لا تضيق بطلباته والحاحه، وتنبيهه الى اخطائه في تصرفاته بالحسنى.

  4. اذا لم يتقيد المهاجر بتوجيهات الدعوة المحلية وخشيت الضرر من تصرفاته فمن حقها ان تجمد علاقته وان تبعده عن وسطها وتقدم له ما تستطيع من خدمات.

  5. على الدعوة المحلية ان تتعرف على المهاجرين الذين تظن انهم دعاة من الدعوة في البلد الذي هاجروا منه وان تعاملهم معاملة حسنة ومتحفظة حتى تعرف امرهم.

  6. اذا كثرت الهجرة الى بلد تكلف الدعوة بعض الدعاة او تؤلف لجنة لشؤون المهاجرين للعمل على تأمين استقرارهم وعملهم وتنظيم علاقتهم العامة وعلاقتهم بالدعوة وتوجيه طاقتهم في العمل بما يناسب الاوضاع العامة وخط سير الدعوة.

آثار الهجرة:

للهجرة آثار هامة على الداعية والدعوة، ينبغي ان تكون موضع دراسة واستفادة، منها الآثار السلبية التي تضر ومنها الآثار الايجابية التي تنفع.

من الآثار السلبية فراغ موقع الدعاة المهاجرين وخسارة الدعوة لنشاطهم في وطنهم، واذا توسعت الهجرة وشملت العديد من الدعاة القياديين فان ذلك يؤدي الى ضعف الدعوة بصورة عامة في تلك المنطقة.

ومن الآثار السلبية ما يلاقيه الداعية في هجرته من مصاعب وعقبات وآلام تنعكس على شخصيته بالضجر واليأس والاستسلام، وقد يتحول ذلك الى عقدة نفسية تصرف الداعية عن الاهتمام بأمر الدعوة.

ومن الآثار الايجابية للهجرة شعور الامة بمظلومية الدعوة حينما تتعرض للارهاب والتنكيل والتشريد وعطفها على الدعوة وعلى الدعاة الذين لاقوا الاذى في سبيل الله، هذا العطف الذي يولد ويتنامى في نفس الامة سواء في المنطقة التي لاقت الدعوة فيها الارهاب او في المناطق الاخرى وان كان الخوف يمنع الامة في الغالب من احتضان المهاجرين وتقديم الخدمات اللازمة لهم.

ومن الآثار الايجابية تأثير الدعاة المهاجرين في دار هجرتهم خاصة اذا انتشروا في مناطق متعددة واستطاعوا ان يقوموا بالدعوة الى الاسلام بأساليب حكيمة فعالة. ان تأثير الداعية في دار هجرته وان بدا صغيرا وبسيطا لكنه قد يكون نواة لدعوة كبيرة في تلك المنطقة.

ومن الآثار الايجابية الارتفاع في مستوى شخصية الداعية المهاجر حينما يستطيع التغلب على مشاق الهجرة وآلامها. احساسه بقضية الدعوة التي تحمَّل الاذى من اجلها وهاجر في سبيلها. تعوده على تحمل المشاق والمتاعب في سبيل الدعوة.ارتفاع مستوى ايمانه ووعيه. الخبرات المختلفة التي يكتسبها من هجرته. كل ذلك يؤهل الداعية للقيام بدور اكبر في الدعوة.