مسائل تنظيمية ـ الخلل في التنظيم

صدر في عام ١٣٩٤ هجري

مقدمة:

تؤخذ ثقافة الدعوة التنظيمية من القرآن والسنة كَمَا أَرْ‌سَلْنَا فِيكُمْ رَ‌سُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿١٥١﴾. والاستهداء بالقرآن في شؤون التنظيم امر غير مألوف، فمثلا المنظمات الحزبية وبعض التنظيمات الاسلامية تستهدي بالنظرية الماركسية اللينينية، ولوجاهدت قياداتها ودرست ما في القرآن والسنة لاستغنت عن ذلك.

ان الاستفادة من النظريات الاجتماعية والسياسية ومن تجارب الامم والاحزاب شيء مقبول، اما التأثر بها فلا.

وتؤخذ الثقافة التنظيمية من مسيرة الدعوة فنستفيد من الاخطاء التي يقع بها افراد من الدعوة ونكمل النقص الذي نلاحظه ونصحح الخطأ الذي نكتشفه ونبين مزايا العمل والعاملين ما يحتاج منه الى تبيان، كما تؤخذ الثقافة التنظيمية من المحيط الذي يتعايش معه الدعاة ومن الناس الممتازين ومن حيث تظهر الحكمة.

وفي هذا البحث مسائل مترابطة يربطها العمل، صدرت بأشكال مختلفة ومتفرقة ضمن فقرات في أبحاث سابقة وضمن مناقشات بين الدعاة لحل بعض المشاكل المطروحة.

وفقرات هذا البحث كما يلي: لب البحث عن الخلل في التنظيم، واطار البحث عن الداعية والمسؤول وما يقتضي العمل من معرفة وما يحيطه من ظروف لها علاقة بلب البحث، وستكون الفقرات كما يلي: الداعية، المسؤول، ناحية من علاقة الداعية بالمسؤول، الظروف الحرجة التي تعمل فيها الدعوة، الوعي الكامل على الواقع المعاش، التخلخل في التنظيم، الاسباب الفكرية، الاسباب التنظيمية، مظاهر التخلخل، التساقط، التسلق، التمرد، الانشقاق، التصدع، واخيرا الخاتمة.

الداعية:

يعمل الداعية داخل امة منقسمة بفعل داخلي وبفعل خارجي، تفرقها الاقليمية والعرقية والعشائرية والمذهبية، وتجمعها العقيدة الاسلامية وبقايا من الافكار والاحكام الاسلامية، وفي مجتمع تسوده اعراف وتقاليد، وتحكمه قوانين جامعها العام القلق وعدم الاستقرار، يعمل داخل تنظيم يتسلح بالاسلام، وعمل الداعية الالتزام بالتنظيم ونشر الوعي الاسلامي والسياسي والتنظيمي في المجتمع بين الافراد، وعندما يجد بعد الجهد الذي يبذله من يؤمن بأن الاسلام هو الدين الحق دون غيره، وبأن شريعته الكاملة تصلح للانسان الى يوم القيامة وتحل جميع المشاكل الحياتية الآنية والمستقبلية للفرد والمجتمع والدولة، وعندما يجد من يؤمن بامكانية النجاح ضمن هذه الامة وامكانية تغيير هذا المجتمع بفعل التنظيم والعمل الدائب، ومن يلتزم بالتزامات الاسلام وبالتزامات التنظيم،ولديه امكانية استيعاب الفكر وتحمل الاعباء والتخلق بأخلاق العاملين في سبيل الله، عندما يجد الداعية مثل هذا الشخص، يطلب موافقة الدعوة على ضمه للتنظيم، فتحدد الدعوة في حال الموافقة مسؤوله المباشر. وعندئذ يعمل الداعية الجديد في الحزب بارشاد مسؤوله:رَّ‌بَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَ‌بِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ.

المسؤول:

كل من يتولى الشؤون الثقافية او التنظيمية لداعية او اكثر، يعتبر مسؤولا.

والحد الادنى لمؤهلات المسؤول الايمان بالاسلام والالتزام به، والإقتناع بامكانية عودة الاسلام الى الحياة من خلال العمل بالحزب والقناعة بامكانيات الدعوة التنظيمية والفكرية على القيام بهذه المهمة والالتزام بالانضباط التنظيمي وبما يقتضيه التنظيم. وان تكون للمسؤول مؤهلات ثقافية من الثقافة الحزبية تمكنه من تصور مراحل العمل وطبيعة كل مرحلة وان يكون مستوعبا لمجموعة من النشرات الحزبية بحيث يمكنه تدريسها وشرحها للدعاة، وان تكون لديه ممارسة دعوتية مع الناس بالاضافة الى مؤهلات شخصية قيادية.

والمسؤول هو صلة الوصل بين الداعية والدعوة، وبين الدعوة والداعية، يعطي الثقافة ويعطي التوجيهات ويأخذ المعلومات والاقتراحات،و هو صلة بين الفرد والجماعة، يعطي للفرد قوة العمل الجماعي ويعطي العمل الجماعي مردود نشاط الافراد وتأثيراتهم المتداخلة في المجتمع، وهو صلة بين المنظم والتنظيم. وهذه اوجه متعددة للشخصية العاملة ضمن التنظيم.

ومن اهم واجبات المسؤول في ادنى سلم المسؤولية هو خلق قيادات جديدة للامة، فالمسؤول ازاء الدعاة يتعامل مع قادة لا مع تلاميذ، فالعلاقة بين الاستاذ وتلميذه هي عرض المعلومات وتركيزها، والعلاقة بين المسؤول والداعية هي بحث فكر تنظيمي وسياسي ومبدئي، وبحث قضايا مجتمع وافراد. انها عمل سياسي ترعى فيه شؤون الامة من الناحية النظرية ومن الناحية العملية.

والمسؤولية ليست منحة تعطى للداعية وانما هي حق يكتسبه الداعية بالجهود الفردية والعمل الجماعي والجهاد الاسلامي. والدعوة هي التي تحدد موقع المسؤول في التنظيم ويعتمد ذلك على درجة الانضباط،كما يحدد ذلك فكر الدعوة التنظيمي، وعلى درجة الوعي على الاحداث والاشخاص والافكار وعلى الالتزام والجدية في العمل ضمن الخط، وعلى مقدار حمل هموم الدعوة والامة وعلى مقدار النشاط.

ان التوازن في ترجيح هذه القضايا عند تقييم الاشخاص من الامور المعقدة والتي تحتاج الى هدى من الله تعالى والى تجربة واسعة والى نظر ثاقب والدعوة ليست معصومة عن الخطأ وقد لا توفق في تعيين درجة المسؤولية في بعض الاحيان وفي بعض الاماكن وقد يكون مرد ذلك الى الصعوبات الجمة التي تحيط بالدعوة ويمكن تعديل الخطأ بالنقاش، فيمكن ان يبادر الداعية الذي يرى نفسه في موقع يستحق اكثر مسؤولية منه داخل التنظيم الى الاعتراض ومناقشة الامر وعليه اطاعة الامر الذي يبلغ اليه. ومجال الدعوة في الامة يتسع لاضعاف مضاعفة من النشاط وتبقى الساحة بحاجة الى الكثير الكثير.

قيل لمسؤول نشيط ذي همة عالية ونشاط جم ـ رغب أن يأخذ مسؤولية عمل آخر يقوم به رجل تركز ايمانه وانضباطه فكان لهذا خبرة النشاط ولذاك خبرة الانضباط والايمان ـ قيل للمسؤول النشيط ان نسبة ما لدى الدعوة من افراد ونشاط وتأثير في منطقة عملك الى ما يجب ان يكون لديه نسبة ضئيلة جدا فدونك هذه الساحة الواسعة من العمل، اعمل فيها وتعاون مع صاحبك.

وجاء صاحبه يطلب ان يتخلى عن المسؤولية له لنشاطه الجم ولشعوره بأن ذلك يرضيه، ولكن الدعوة لم تقبل لانه لايوجد مبرر كاف للتغيير بل البقاء هو الاصلح.

وفي تاريخنا قيل لاحد كبراء الفقهاء كيف اعطى الامام المهدي عليه السلام السفارة لحسين بن روح وانت افضل منه، فأجاب بأن الحسين بن روح ان قرّض بالمقاريض على ان يدل على مكان الامام لما فعل، ولوكان تحت ذيله،ولو اني احتجت المهدي لمراجعته في مسألة اناقش فيها لما ترددت للرجوع اليه توا.

واعترض مجموعة من كبار الفقهاء والفلاسفة على جعل المفضل بن عمرو من قبل الامام الصادق عليه السلام مسؤولا عليهم وهم افضل منه علما، فأجابهم الامام جعفر جوابا عمليا بيـَّن فيه ان المفضل بن عمرو افضل للمسؤولية منهم.

وهكذا فان درجة المسؤولية تحتاج الى مواصفات انسانية معقدة يحتاج تقييمها الى نفاذ البصيرة.

ناحية من علاقة الداعية بالمسؤول:

ليس الداعية أي شخص دفعه الاحساس بألم الواقع الى العمل للاسلام، او دفعه التقليد الى العمل على اساس الاسلام، بل الداعية شخص تغيرت نظرته للاشياء والافكار والاحداث والعلاقات وانتظم في عمل جماعي تغييري شامل، توضـَّح لديه الماضي و الحاضر والمستقبل.

والداعية سواء أكان مسؤولا ام غير ذلك، يحتاج الى مراجعة مسؤوله بالنواحي الثقافية والتنظيمية والاحداث الجارية والمشاكل التي يصادفها في عمله، وقد يتمكن المسؤول من اجابته بصورة مباشرة فيبحث معه ما يحتاجه وما يطرحه عليه، و يسهل بذلك مهماته، الا انه في بعض الاحيان وفي بعض النقاط والقضايا لا يتمكن المسؤول من الاجابة المباشرة، اذ يرى المسؤول ان يراجع التنظيم في المسألة للحصول على الجواب، فيحصل على جواب سريع او لا يحصل على الجواب بسرعة تبعا للظروف المحيطة من قرب او من بعد. فقد تكون الجهة التي تجيب في بلد آخر او تكون الاوضاع المحيطة بالمسؤول صعبة، كأن يحاط بأعداء سياسيين او يراقب من قبل السلطة، فيصعب عليه ان ينقل القضية بسهولة، فاذا حدث مثل هذا فلا يكون ذلك مدعاة للضجر بل يكون مدعاة لتصور ظروف العمل الصعبة التي تحيط بالدعاة وبالعمل، ومدعاة لزيادة الحرص على العمل وبذل الجهد المناسب للتغلب على الظروف.

ان النظرة الى المشاكل بهذا المنظار هو الذي يعين مقدار تغير الداعية وانسجامه مع التنظيم وما يخالف ذلك من السلوك الذي يسبب متاعب للدعوة انما ينتج عن شخص لم تنضج لديه عوامل التغيير ومتطلبات التنظيم.

الظروف الحرجة التي تعمل فيها الدعوة:

لايعتمد وجود الحكام وانظمة الحكم في البلاد الاسلامية على اختيار حر من قبل الامة وانما هو مفروض من هذه الدولة الاستعمارية او تلك، والحكام على نوعين:اما ان يختار المستعمر من القادة السياسيين المحليين من يتعاون معه،و اما ان يرفع احد المتعاونين معه فيضعه على سدة القيادة بمؤامرة تسمى انقلابا او ثورة او انتخابا. (يطالع بعض الكتب التي يصدرها موظفو الاستخبارات للدول الاستعمارية للاطلاع، مثل كتاب لعبة الامم).

والوظيفة الاساسية للحاكم المحافظة على المصالح الاستعمارية للدولة المسيطرة على حساب الامة وحساب مصالح الاستعمار وذلك حسب الظروف الدولية والمحلية. فالذي يطلب من عميل قد لايطلب من آخر. اما الوظيفة الاخرى التي يقوم بها الحاكم فهي المحافظة على السلطة. ولذا فان أي عمل يؤدي الى وعي الناس تحاربه السلطة أشد المحاربة لأن التحسس على الاوضاع السيئة لدى الامة يحركها ويتيح للقيادة السياسية الحقيقية ان تقاوم مصالح الاستعمار والقيمين عليها ويكون دور البوليس ودوائر القمع التفتيش عن مصادر الوعي والتحرك ومراقبتها لتخنق اي تحرك محتمل ضد مصالح الاستعمار وضد التسلط الظالم والعميل.

ان الدعوة تعمل في اسهل ظروفها في هذه الاجواء الصعبة، والدعوة وكل عمل اسلامي تغييري، محرم في البلاد الاسلامية، ولذا كانت التكتلات الاسلامية سرية واعمالها محاطة بالكتمان: نرى ذلك في مصر كما نراه في العراق ونراه في الحجاز كما نراه في ايران وفي جميع اقطار الاسلام.

وقد تعرض العاملون للاسلام في العراق الى الاضطهاد المتواصل منذ سنة ١٩٦٩ ولعل احد اسباب الانقلاب الذي حدث سنة ١٩٦٨ هو ضرب نمو الوعي الاسلامي في العراق، وقد اشتد الاضطهاد في السبعينات حتى وصل الامر بالسلطة العميلة ان اعدمت مجموعة من خيرة المجاهدين المسلمين الذين جاهدوا بالكلمة الطيبة والعمل الصالح لنشر الوعي الاسلامي الحقيقي بالاتجاه الصحيح بين الجماهير ولم يصدر من الحكام الظلمة اي كلمة حول هذا الظلم الفاضح وكأن مطاردة وسجن وتعذيب وقتل الانسان ليس له أي مدلول سياسي او اجتماعي او انساني وهم بهذا يؤدون خدمات عظمى للمستعمرين بخنق كل صوت حر وفكر صحيح. ومن الغريب ان هذه الاعمال الفظيعة التي يعامل بها الانسان تحاط بتعتيم اعلامي في جميع الاقطار مما يدل على تضامن العملاء وارتباطهم بجهة واحدة او بجهات متضامنة واذا شذت جهة من الجهات لغرض سياسي فانها تشوه الوجه الحقيقي لهؤلاء المجاهدين من استشهد منهم ومن ينتظر. الا ان هذا التعتيم يخرق بعمل ادبي او بيان سياسي او عمل اجتماعي هنا او هناك. وسنستشهد بنفثة شاعر اكتوى بنار الظلم وتشرد رغم اننا نختلف معه في النظرة الى الحياة، يقول الشاعر:

”يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي: يا حامل وحي الفسق الغامض في الشرق على ظلمة ايامي.

احمل لبلادي حين ينام الناس سلامي.

للخط الكوفي يتمّ صلاة الصبح بافريز جوامعها.. لشوارعها.. للصبر.. لعليّ يتوضأ بالسيف قبيل الفجر.

انبيك علياً، ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف. مازلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف.

مازالت عورة عمرو بن العاص معاصرة وتقبح وجه التاريخ.

ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية.

مازال ابو سفيان بلحيته الصفراء، يؤلب باسم اللات العصبيات القبلية.

ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها وتراك زعيم السوقية.

تنفرط الكلمات.. واشعر بالخوف وبالحيرة.

تختلط الريح بصوت صحابي يقرع باب معاوية ويبشر بالثورة. ويضيء الليل بسيف يوقد في المهجة جمرة.

ماذا يقدح بالغيب الازلي؟؟ أطلوا.. ماذا يقدح بالغيب؟ أسيف عليّ؟ قتلتنا الردة يا مولاي كما قتلتك بجرح في الغرة.

هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد.

هل عرب انتم؟ ـ والله انا في شك من بغداد الى جدة.

هل عرب انتم وأراكم تمتهنون الليل على ارصفة الطرقات الموبوءة ايام الشدة؟

قتلتنا الردة قتلتنا الردة قتلتنا الردة.. قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده.

من أين سندري ان صحابيا سيقود الفتنة في الليل باحدى زوجات محمد؟

من أين سندري ان الردة تخلع ثوب الافعى صيفا وشتاء تتجدد؟

يا ملك الثوار انا ابكي بالقلب لان الثورة يزنى فيها والقلب تموت امانيه

يا ملك الثوار تعال بسيفك ان طواويس يزيد تبالغ في التيه

يا غرباء الناس، بلادي كصناديق الشاي مهربة. ابكيك بلادي ابكيك بجحر الغرباء وكل الحزن لدى الغرباء مذلة.

الى متى ستبقى يا وطني ناقلة للنفط مدهنة بسخام الاحزان واعلام الدول الكبرى.

ابكيك بلاد الذبح كحانوت تعرض فيه ثياب الموتى…

يا بلدي، يا سوق اللحم لكل الدول الكبرى. لكنك يا بلدي بالرغم من الدول الكبرى بلدي..

والكل اذا ركب الكرسي يكشر في الناس كعنترة. فتعالي نبكي الاموات ونبكي الاحياء فانت حزينة والحزن ثقيل في الليل.

… وانادي… عشقتني أبالخنجر والهجر بلادي

هذا وطن أم مبغى. هل ارض هذه الكرة الارضية أم دجر ذئاب.

ماذا يدعى الدولاب الدموي في بغداد.“

وقد مرت وتمر على الدعوة الاجواء الحالكه التي صورتها القصيدة، شأن العاملين في الحقل السياسي من غير المرتبطين بخيوط الاستعمار. وهذه الاوقات الحرجة تظهر للدعوة قبل اشتدادها فتأخذ حذرها، الا ان هذه الرؤية لا يراها كل العاملين فينظرون الى الاجراءات الحزبية نظرة خاطئة، وتحدث مشاكل طفيفة او غير طفيفة، من اختلاف الرؤية وعدم التقيد بالافكار العملية المطروحة مراعاة للظروف الطارئة. فالوعي على العمل يحتم ان يكون لكل مقام ووضع جديد اسلوبه الخاص.

الوعي الكامل على الواقع المعاش:

العمل التغييري متعدد الجوانب، في المجال الفكري الثقافي، والمجال الحزبي التنظيمي، والمجال السياسي. ولكل من هذه المجالات ارتباط وثيق بالواقع لان القضية الاساسية هي معالجة الواقع وحل مشاكله.

وتتغير هذه الحالة التي يعيشها الناس الى حالة اخرى، وتأتي اهمية المعرفة هذه من كون الابتعاد عن الواقع يحوّل المعرفة الى معرفة نظرية او خيالية ويسبب فشلا في العمل.

ومن مقومات الوعي الكامل على الواقع المعرفة المبكرة لما يحدث او ما سيحدث من احداث سياسية واجتماعية وملاحظة بعض القضايا الضائعة او تلك التي لا ينتبه الى اهميتها الناس، ومعرفة ما يسمى بالمنعطفات التاريخية التي تمر بها الامة، والتمييز بين ما هو خداع وبين ما هو حقيقي. ولنضرب لذلك امثلة:

  • العمل الفلسطيني المسلح في فلسطين سنة ١٩٦٥ اوجد عاملا جديدا في المنطقة وساعد على حلحلة قبضة الاستعمار فيها.

  • تغيير الحكام في البلاد الاسلامية غير بعيد عن نشاط الاستخبارات الاجنبية.

  • تحوّل الفلسطينيين من لاجئين الى ثوار بعد سنة ١٩٦٧ كان منعطفا في الحياة السياسية في لبنان.

  • لاميركا هيمنة على اكثر البلدان الاسلامية. ولانكلترا بقية نفوذ في بعض الاقطار الاسلامية.

  • الماركسية تسبب بعض العمى السياسي لمعتنقيها في بلادنا فمثلا لا يعيرون اية اهمية لعمق التأثير المذهبي او الديني في بلاد المسلمين.

  • تختلط عمالة بعض السياسيين في نظر الناس، فحكام العراق عملاء للانكليز وقد يبدو خلاف ذلك للناس.

  • كان تأسيس اسرائيل بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة والدول الاستعمارية الاخرى منعطفا تاريخيا على مستوى الامة الاسلامية فبدأت بوادر يقظة حقيقية في العالم الاسلامي.

  • الذي يعمل في منظمة عمل تغييري لا يأمن الى أي وضع سياسي مهما تظاهر الحكام بتعاطفهم معه. ويخشى على الحركات التغييرية ان تقع بمثل هذه المطبات، فبعد ان ييأس الاستعمار من القضاء عليها بالعنف والارهاب يهيء اجواء سياسية لاغرائها و احتضانها وحرفها عن خطها.

  • كثير من اعمال تأميم النفط التي حدثت في الدول النفطية كانت لصالح الشركات المستغلة مثل تأميم آبار النفط في ايران وبعض اقطار الجزيرة العربية، وكذلك تأميم شركة نفط العراق.

ان هذه الافكار السياسية تبدو كأنها حقائق بسيطة ولكنها بمستوى السهل الممتنع، وان امثال هذه الامور وما يحدث من ردود فعل للعمل التنظيمي من قبل السلطات،او ما يحدث في الامة ويحتاج الى فعل معين من التنظيم لايدركها الانسان الاعتيادي وبالتالي لا يستهدي الى عمل او تخطيط مناسب يقوم به ازاء التعقيدات الاجتماعية. ويحتاج ذلك الى بصيرة ونظر ثاقب، ومن هنا تأتي بعض المفارقات في التنظيم عند بعض الاشخاص عندما تصدر عن الدعوة بعض الافكار العملية التي تراها الدعوة ولا يراها بعض اعضاء التنظيم، وقد يؤدي تكرار هذا الامر ـ وخاصة عندما تمر الدعوة في فترات حرجة يصعب فيها الاتصال الدائم ـ الى عدم اطاعة الاتجاه العملي لهذه الافكار فيحدث تخلخل في بعض الاماكن.

التخلخل في التنظيم:

ليس بدعا ان تصاب الدعوة في بعض المناطق وخاصة في الظروف الحرجة (التي تمر على الدعوة من داخلها او بعوامل خارجية تمر عليها، او على الامة ككل) بتخلخل في بعض تنظيماتها. الا ان التخلخل اذا استمر واتسع نطاقه يتحول الى تصدع او انشقاق.

وكل التنظيمات الحزبية تصاب بالتخلخل والتصدع والانشقاق، ومن اشهر الامثلة انشقاق الشيوعيين في روسيا الى بولشفيك ومنشفيك، وتفتت الحزب الديمقراطي في تركيا بعد الانقلاب عليه.

وقد اصاب الدعوة في مسيرتها الشاقة بعض التخلخل في بعض المناطق عولج بالحكمة واعيدت الامور الى مجاريها احيانا كثيرة، ووضعت لها حلول تتلاءم مع الظروف التي تمر بها الدعوة في تلك المناطق في احيان اخرى.

ولابد من الاستفادة من التجارب وذلك بتحويل التجربة الى فكر وقائي لما يحتمل ان تصاب به الدعوة.

والتخلخل في التنظيم يكون له اسباب ومظاهر، والاسباب فكرية وتنظيمية. والمظاهر تساقط وتسلق وتمرد وانشقاق وتصدع، وسنبين ذلك فيما يلي:

الاسباب الفكرية:

الاسباب الفكرية ثلاثة: عدم استيعاب فكر الدعوة،والتأثر بفكر من خارجها، وعدم التقيد بفكر الدعوة.

ان خط الدعوة يحدده فكر الدعوة وهو يوضح الطريق الموصل الى الهدف بخط مستقيم ولكنه وعر وشاق. انه اقصر الطرق رغم انه طويل، وانه الطريق الوحيد الموصل الى عملية التغيير الشامل.

ان سياسة المراحل وبث الوعي السياسي والاسلامي وتكثير عدد الدعاة والتوجيه القيادي لهم تعين استقامة العمل، وان عدم وضوح هذا الخط يبدل سياسة المراحل بأعمال ارتجالية حسب الظروف الآنية تتشكل بالانفعال الشخصي المتأثر بالمحيط الاجتماعي. فالذين لم تتضح لديهم الافكار ينظرون الى بث الوعي نظرة خاطئة، فيعتبره البعض انه يؤدي الى الكشف، فيتقدم خطوة ويتأخر خطوتين، وعندما يتاح له ظرف اجتماعي يعتبره ملائما، يخرج في طور بث الوعي عما تقتضيه المرحلة، وهذا يعني السير في خط متعرج بدلا من السير في خط مستقيم.

ان عدم وضوح الاهداف القريبة والاهداف البعيدة تجعل العمل ينتقل من موقع لآخر بشكل قفز او السير بطريق مغلق، او الدوران بحلقة مفرغة. ففي احيان، يرى من لم يستوعب الفكر، القضية الصغيرة التي يمكن اجتيازها كأنها عقبة صعبة الاجتياز، والعكس يحدث ايضا، او يسير بسرعة عندما تكون السرعة مؤذية فيرتد الى الخلف ويسير ببطء عندما لايحتاج الامر الى ذلك.

ان السرية التي تمنع من النشاط، دوران بحلقة مفرغة لا يصل فيها السائر الى هدف، وان الاعمال الارتجالية المتأثرة بالمؤثرات الآنية قفز بين نقاط السير، وهو بعيد عن الانتظام وبعيد عن التصور المسبق للعمل. كما ان الورم الحزبي في الظروف السهلة والضمور الحزبي في الظروف الصعبة، سير الى الامام وتراجع الى الوراء. هذه كلها امثلة عن عدم استيعاب فكر الدعوة، تسبب التخلخل في التنظيم.

ومن الامراض الشائعة بين احزاب البلاد الاسلامية، التأثر بالافكار المأخوذة من التجارب الحزبية او الافكار الحزبية من الاحزاب والمفكرين في اوروبا، حيث تنقل الافكار الحزبية والتنظيمية نقلا حرفيا وتلصقه بنشاطاتها لصقا، ومن الدعاة من تدفعهم الرغبة في العمل الى أخذ الافكار الجاهزة تلك واعتبارها مفاتيح العمل الحزبي والتنظيمي مع عدم الالتفات الى انها مفاتيح لمغلقات اخرى. فقد يكون الفكر الحزبي موضوعا لمرحلة يكون الحزب فيها ذا سلطان في بلاده او موضوعا في مجتمع يكون العمل الحزبي فيه مباحا، وقد يكون الفكر الحزبي لأمة في مستوى حضاري وسياسي مختلفا اختلافا كليا عن بلادنا، وما الى ذلك من مفارقات ومعارضات و متناقضات بين مجتمعنا وما يحتاج، وبين المجتمعات الاخرى وما تحتاج من فكر لتغييرها او اصلاحها.

والتقليد في الاحزاب يصل الى حد الغباء،ففي اواخر الاربعينات، نشط الحزب الشيوعي في العراق واقام مظاهرة بواجهة من واجهاته (عصبة مكافحة الصهيونية) التي كان اعضاؤها من اليهود، وكان شعار المظاهرة الرئيسي (نريد الخبز) وهو شعار قد يستغرب العامي سماعه لان الخبز متيسر تماما لكل الناس ومن المعروف ان هذا الشعار رفعه الحزب الشيوعي الروسي ايام الثورة وكان شعارا مناسبا لان الناس كانوا فعلا يريدون الخبز ولا يجدونه بسبب الازمة التي كانت سائدة في روسيا آنذاك.

وقد يظن السذج من العاملين للاسلام ان اقتباس شعار من هنا وشعار من هناك، وفكرة من هنا وفكرة من ذاك الكتاب يصحبها نشاط تنتج حزبا اسلاميا، وقد يصل التأثر الفكري عند البعض الى حد متدن حيث يكون اقتباسا من مقلدين وليس اقتباسا من الاصل، وعند ذلك يزدوج التشويه. ان هذه الظاهرة عندما تظهر لدى عامل نشيط، قد تسبب بعض الخلل.

اما ثالث الاسباب الفكرية فهو عدم التقيد بفكر الدعوة، وتبدو هذه الظاهرة عند داعية دخل الدعوة قبل ان يفهم معنى الحزب والتنظيم فيرى ان الدعوة تجمع اشخاصا يعملون للاسلام بشكل مفتوح ويظن ان عمل الدعوة هو مجموعة اعمال افراد متدينين يعملون بخط مفتوح… بينما عمل الدعوة هو نتيجه عمل مجموعة افراد يعملون منسجمين بقيادة واحدة الى هدف واحد عام واهداف صغيرة محددة ومرسومة، فهو عمل مجموعة من الدعاة وليس مجموعة اعمال لدعاة كل يعمل على هواه.

واحيانا تزدوج شخصيات بعض الدعاة فيلتزم بما يناسبه من فكر الدعوة ويترك مالا يناسبه، ومثل هذا الشخص لا يعتبر من الدعوة وانما هو في اطار الدعوة، واما اذا اعتبر من الدعوة فذلك يعني ان هناك خللا بالفهم او تسامحا يؤدي الى خلل بالتنظيم، وتبدو هذه الظاهرة عند بعض الدعاة كنوع من الانفلات الفكري حيث تتحول قناعات الالتزام الى تراخ بالالتزام،و يتحول التراخي الى انفلات، اما لاعتبار ان ثقافة الحزب قد استوعبها الداعية وعليه ان ينشيء شيئا جديدا فينحو سيرا خارج نطاق التنظيم او انه يتأثر بأشخاص منفلتين لا يدركون معنى التنظيم الحزبي او انه يكون ذا نفس قصير في العمل يرى في الخط التغييري طريقا طويلا لا يرى فيه وصولا الى الهدف فيأخذ من هنا وهناك لتحقيق اهداف على طريقة الفكر السائد بلا دراسة ولا دراية. او انه يسيء فهم التوجيه القيادي،او ان يكون مسؤوله اساء عرض الفكرة لديه وسببت له الفكرة التمحور حول نفسه وبروز الفردية في تصرفاته.

وتشيع هذه الظاهرة عند بعض اصحاب الامكانيات الفكرية او من يظن انه لديه امكانيات فكرية.

ان عدم الالتزام بفكر الدعوة اذا اتسع في اي مكان تعمل فيه الدعوة يحدث تخلخلا في التنظيم. ان الطريق الذي يرسمه فكر الدعوة السياسي هو طريق الدعوة، وعدم استيعابه او التأثر بغيره او عدم الالتزام به يغير طريق المسير ويحدث تخلخلا في التنظيم،ولا يوصل الى الاهداف التي تسير اليها.

الاسباب التنظيمية:

والاسباب التنظيمية ثلاثة ايضا: عدم استيعاب العمل التنظيمي، والتأثر بالتنظيمات الاخرى، وعدم الانضباط التنظيمي.

من الفكر التنظيمي للدعوة تنمية الصفات القيادية لدى الدعاة وتنمية الاعتماد على النفس في معرفة الامور وفي اتخاذ القرارات المناسبة كل في موقعه مع الاحتفاظ بملزمات التنظيم وان يعتبر الداعية نفسه وكأنه يواجه العالم وحده في ساحات العمل، فان كل عمل اجتماعي وسياسي يبدأ بتحرك انسان ويتسع نطاق العمل ويكثر عدد العاملين.ان هذا التوجيه قد يساء فهمه او يساء توجيهه بسبب عدم التقيد بفكر الدعوة او بسبب عدم استيعاب العمل التنظيمي او لفقدان التوازن بين الانطلاق بالعمل والتقيد بالتنظيم،و هو امر دقيق يختلف من شخص لآخر.

واساءة الفهم او التوجيه تبدو وكأنها دعوة الى عدم الطاعة وعدم الانتظام او ما شابه. قيل لأحد الدعاة النشيطين ـ وكان القول خاطئا ـ وقد كان الداعية النشيط يتذمر من عدم استجابة مسؤوله لتساؤلاته ولمتطلباته العملية، قيل له انطلق ولا تأبه لمسؤولك فان الدعوة ليست حكرا له او عليه، فانطلق الداعية متجاوزا التعليمات الشفوية والمكتوبة واحدث فجوة عملية عولجت بالحكمة وبضغط الظروف. وهذا الخطأ كان من التوجيه ومن الاستعداد للانفلات، وقد حدث هذا في مكان من الاماكن التي كانت الدعوة فيها تعاني من تطويق بوليسي وارهاب مستمر ومضايقات وظلم لا يطيقه الا المجاهدون الابرار وكان المسؤول واقعا تحت تأثيره شاعرا بما فيه من مخاطر، ولكن الداعية كان يعمل بحرية وكأنه في ساحة عمل سياسية مفتوحة، وهكذا انتج النقص في الوعي والنشاط الجم والتوجيه الخاطيء، خللا في التنظيم.

ومن مظاهر عدم استيعاب العمل التنظيمي، الفضول لدى بعض الدعاة حيث يحاول ان يعرف كل شيء وان يعرف كل الاشخاص وان يتحدث بذلك ليحصل على المزيد، وهذا فرع من فروع عدم التقيد بالسرية، ولكن دافعه حالة نفسية اخرى.

ومن المظاهر الاخرى عدم التمييز بين ما هو تنظيمي وبين ما هو سياسي وبين ما هو فكري عام، استنادا الى امكانيات فكرية جيدة لدى الداعية تجعله قليل الاهتمام باستيعاب ما تنشره الدعوة استنادا الى ثقته بسرعة تلقيه للاشياء والى الثقاقة العامة التي لديه، الامر الذي يسبب تقصيرا في استيعاب الفكر التنظيمي ومن ثم السير الخاطيء في اعمال الدعوة،و خاصة ان اصحاب الامكانيات الفكرية الجيدة يتقدمون الصفوف لامكانياتهم المتميزة فيكون لهم دور بارز في اماكنهم في توجيه الامور.

ومن الامور بل من المظاهر ايضا استناد بعض الدعاة على التوجيه الشفوي اكثر من محاولة الاستفادة مما تنشره الدعوة من فكر تنظيمي في نشراتها مع ان توجيه المادة المكتوبة اولى بالاهتمام. ان هذه الظاهرة قد تؤدي الى تراكم الاخطاء لدى الدعاة وتجعل الدعوة في أماكن مختلفة وكأنها تنظيمات تختلف الواحدة منها عن الاخرى.

ان مواد الدعوة المكتوبة هي دائما المقياس لكل التوجيهات الشفهية.

ومنها ايضا عدم السرية او عدم التقيد بسرية التحرك لعدم ادراك خطورة ذلك على العمل، فالمخاطر غير الآنية غير مدركة من بعض الدعاة.

وفي احيان اخرى تكون السرية سببا في بطء التحرك او في تضييق نطاق الاتصال، فتكون السرية وكأنها عائق عن العمل، فيتباطأ بعض الدعاة في اعمال الدعوة في كسب اشخاص جدد تريثا او تحسبا من التسرع وكأن امور العمل اما ان تكون سريعة، او تكون بطيئة، مع ان الامور الدعوتية قد اوضحت بما فيه الكفاية، وهناك موازين مكتوبة يمكن التقيد بها وعندئذ لا حاجة للتريث ولا للاستعجال وانما للجدية والجودة في التطبيق. وهذا الامر يسبب تعطيلا لطاقات اسلامية نحن بحاجة عظمى لها ولاعداد مضاعفة لكي نغطي هذه الساحة الاسلامية المملوءة بأصحاب التقليد الببغائي الاعمى لاعداء الاسلام.

ان هذا البطء في العمل انما هو خلل في التنظيم يمكن تسميته خلل تعطيلي للعمل.

تمضي الايام وعمل الدعوة يقف دون حراك! لماذا؟

يقول بعض الدعاة، الساحة مملوءة بضجة الحركة الفلانية ونشاط الجماعة الفلانية وقد سدت منافذ العمل امامنا، ويقول البعض الآخر ان الدعاة محاطون بعيون السلطة وان دهاء الاستخبارات وقسوتها كبيرة جدا. الجواب الصحيح هو نقص في استيعاب العمل التنظيمي وكيفية غزو المجتمع لتغييره، ان الاوضاع السياسية واوضاع السلطة في البلاد الاسلامية مبحوث مرات ومرات في نشرات الدعوة وليس هناك أي اختلاف جذري بين اقليم واقليم والدخول الى ساحة العمل السياسي والأجتماعي بنجاح يقتضي استيعاب الفكر العملي وبدء الممارسة العملية بدون احتياطات اكثر من اللزوم.

ومن الاسباب التنظيمية التأثر بالتنظيمات الاخرى ويجب التفريق هنا بين شيئين، بين التأثر بتنظيم آخر وبين الاستفادة من تجارب عمل الآخرين.

ان تنجرف بتيار الفكر العملي للتوجيه الشيوعي العالمي فتصنف الناس الى يمين ويسار وتقف ازاءهم موقف عداء او صداقة حسب التصنيف، يعتبر تأثرا. وان تنشيء جمعيات ومنظمات مهنية في محيط ملائم وتوجهها توجيها صحيحا ينسجم مع تعاليم الاسلام ووضعية الامة ومرحلة عمل الدعوة يعتبر استفادة من تجارب الآخرين.

في البلاد الاسلامية تنظيمات حزبية على غرار الاحزاب الديمقراطية الغربية وهي بصورة عامة احزاب حاكمة في اقاليمها سواء أكانت تمثل الحكم ام المعارضة وهي في الاساس احزاب انشئت من قبل العملاء للاستعمار واذنابهم كما في تركيا وايران والباكستان ومصر قبل سنة ١٩٥٢ والعراق سنة ١٩٥٨ والهند وغيرها من البلدان، وهذه الاحزاب لا يلتفت احد من العاملين في الحقل التغييري في العالم الاسلامي اليها.و هناك احزاب ينشؤها الحكام وتكون جزءا من السلطة في الاقليم كما في مصر والجزائر وليبيا والصومال وغيرها. وهناك احزاب تصل قياداتها الى السلطة بحكم قبول تعاونها مع الاستعمار كما في العراق وتونس.وهناك تنظيمات حزبية اخرى مرشحة للسير في نفس الطريق.

هذا بالاضافة الى التنظيمات الاسلامية والشيوعية المختلفة. وبعض هذه التنظيمات واسعة النشاط وبعضها يدور في فلك ضيق واكثرها متأثر بالتنظيمات العالمية المشهورة.

واهم الاحزاب والتجارب الحزبية في العالم التي تنظر اليها الاحزاب بانبهار، التنظيم الماركسي اللينيني في روسيا والتنظيم الماوي في الصين والتنظيم الفيتنامي الذي قاده هوشي منه والتنظيم الكوبي الذي قاده كاسترو وجيفارا، ولكل من هذه التنظيمات مدرسة سياسية تنظيمية لها تأثيرها في شتى انحاء العالم.

وحظ العالم الاسلامي من ذلك هو التقليد البعيد عن الدرس والتمحيص. والمسلمون في بعض الاحيان يقلدون المقلدين فيكون التشويه مضاعفا، وسواء كان التقليد للاصل ام للمقلد فان ذلك لا يؤدي الى عمل تغييري مطلقا.

والدعوة في مرحلتها الحاضرة لم تصل في فكرها التنظيمي الى حد الشهرة ولذا ترى بعض الدعاة ممن لم يستوعب الفكر متأثرا بالشهرة، ويربط الشهرة بصحة التنظيم ـ وهذا الضعف احياناً يجعل الداعية يتأخر عن الالتحاق بتنظيم الدعوة الى ان تصل الدعوة الى حد ينبهر بها الناس وتخلفه هذا قبل اشتهار الدعوة لايكون لسبب نقص في امكانياته العملية وانما لنقص في تصوره للعمل.

ومن الامثلة البارزة على الالتحاق بركب العمل بعد الاشتهار مع وجود الامكانيات الضخمة، سيد قطب، رحمه الله، فانه التحق بجماعة الاخوان المسلمين بعد اشتهاره، وما اسرع ان وصل الى قيادتهم. ولدينا من الشخصيات الكثر من يؤخرهم عن الانخراط في العمل او الانخراط بشكل جدي، هو عدم تصور العمل بشكل صحيح ويودون ان تقلد الدعوة في تنظيمها التنظيمات الاخرى المشهورة لان ذلك في نظرهم يوصل الى تحقيق الهدف.ان هذا التأثر بتنظيمات الاحزاب الاخرى المشهورة هو من اسباب الخلل في التصور او الخلل في التنظيم.

ومن الاسباب التنظيمية عدم التقيد بالتنظيم. وعدم التقيد بالتنظيم قد يكون مرده الى الفردية او الذاتية او الانانية او يكون مرده عدم استيعاب الفكر والعمل او التأثر الفكري والتنظيمي بالغير، وقد يكون مرده الاندفاع والرغبة في العمل او الخوف والتحفظ الزائد، ومن الامثلة على ذلك:

  • أ. لانرى من الضروري ان نتعرف عن قرب على تفصيل ما يحدث في الاحزاب والمنظمات الاخرى لان المعرفة الدقيقة للاتجاهات السائدة في البلاد يغني عن المعرفة التفصيلية، وان متابعة التفصيلات في رأينا عمل اقرب الى التجسس منه الى أي شيء آخر… ولكن البعض يرى معرفة الامور عند الآخرين عن قرب يفيدالعمل والتنظيم، وعندما يقوم هذا البعض بهذا الامر يكون قد خالف التنظيم ويكون قد بدد طاقة كان من الممكن ان تصرف بشيء مفيد.

  • ب. ان ظاهرة ابي ذر حصلت وتحصل في الدعوة حيث يدفع الايمان بعض الاشخاص الى فعل او قول اشياء تعرض أنفسهم للاذى او الخطر من غير حاجة الى ذلك.

    عندما اسلم ابوذر رحمه الله، خرج الى ندوة قريش يعلن اسلامه، فتعرض للاذى وتحداهم في ندوتهم ثانية وثالثة مع ان الرسول اوصاه بكتمان ايمانه والعودة الى قبيلته.

    ان هذا النوع من عدم التقيد مصدره الايمان ومردوده الاذى النفسي، ونسميها ظاهرة ابي ذر في التنظيم، اما اذا كان عدم التقيد بالاوامر يضر بالآخرين او يضر بالتنظيم دون ان يضربالنفس فانها تكون ظاهرة معاكسة لظاهرة ابي ذر.

    كما ان هناك اعمالا يقوم بها البعض دون التقيد بالتنظيم لاتضر بالناس ولا تضر بالنفس ولا تضر بالتنظيم.

  • ج. وتقابل ظاهرة ابي ذر ظاهرة الانكماش عن العمل والتحفظ الزائد وهذه الظاهرة قد تكون عندما لايستوعب الداعية التنظيم وقد تكون لأن مزاجه العملي يسوده التحفظ وما لم يحاول الداعية تعديل مزاجه المتحفظ فانه يسير في خط غير خط العمل، ويكون غير متقيد في التنظيم، ومثله كبخيل متدين يرى صعوبة في أداء حق الله في ماله فان تغلب على هذه الصعوبة قام بواجبه وان لم يتغلب عليها فانه يقع في معصية حكم من الاحكام.

  • د. عندما يستوعب الداعية ثقافة الدعوة يرى البعض نفسه وكأنه ليس بحاجة الى مسؤوله فيطلب ان ينتقل الى مسؤول آخر وقد يتكرر الطلب ثم يتحول الى عدم تقيد عندما يجد نفسه مستوعبا للنشرة او عندما يجد ان بامكانه ان يكتب موضوعا مشابها فيطمح ان يستقل بالعمل، ان هذا البعض يكون مزاجه فرديا يحاول ان يعلو على الآخرين ولايستطيع ان يتقيد بأوامر او تنظيم، انه يحب ان يكلف غيره وان لا يكلفه أحد، يحب ان يكون قائدا لا مقودا.

    ان ابواب التنظيم في الدعوة مفتوحة للمؤمنين، للعاملين في سبيل الله المتقيدين بنظام العمل، الذين يعطون من جهدهم ومالهم ونفسهم لله،والباب مفتوح لمن يكون العمل محور نشاطه وليس للذين يريدون ان تكون اشخاصهم محورا للعمل.

    ان هذه الظاهرة قد تؤثر على العاملين، اما عندما يشذب المزاج فان الفردية تتحول الى شيء لايضر العمل وان ظلت تظهر في بعض تصرفات الداعية.

  • ه. وقد تكون الفردية طاغية لدى بعض الاشخاص فيأتي للدعوة منذ البداية لابنية العمل الجماعي وانما بنية اخذ المعلومات للاستعانة بها على عمل يمحوره حول نفسه.

    ومثل هذا الانسان تنطبع تصرفاته الحزبيه بخلق الفجوة بين من يتصل بهم ممن يقع تحت تأثيره وبين التنظيم وكثيرا ما يزرع التشكيك بكفاءة الاشخاص او ببعض الافكار ويحاول ان ينشيء افكارا جديدة يبثها بنشاط خارج نطاق التنظيم.

    ان التنظيم الصحيح يمكنه ان يتبنى أي أفكار جديدة تتلاءم مع فكرته وخطه العملي وخاصة ممن يكون داخل صفوفه. ولكن الواضح ان من لايريد العمل بشكل حقيقي ضمن التنظيم يتصف بالفردية المتقدمة.

  • و. المزاج الاناني يسبب الاختلافات بين صاحبه ومن يحيط به في عمل جماعي، لان الأنا يذوب معظمها في التنظيم مع الجماعة وتطغى مصلحة العمل واخلاقية المبدأ. وصاحب المزاج الاناني يعمل دائما للمخالفة ان لم يعالج نفسه.

  • ز. صاحب المزاج الذي ينكفيء على نفسه وذاته، لا يستسيغ الصراع الفكري ويبتعد عن الجماعة ولا يتصدى للآخرين فلا يطيع ما يخالف مزاجه.

    والعمل الجماعي بطبيعته يخالف الذاتية المنطوية، وما لم يجاهد صاحب هذه الصفة نفسه يبقى مترددا يطيع ويخالف.

    ان عدم التقيد بتنظيم الدعوة سواء أكان سببه ما ذكرنا او غير ذلك من الاسباب الكثيرة فانه يسبب تخلخلا في التنظيم.

مظاهر التخلخل:

ان العمل السياسي الاجتماعي التغييري يتعامل مع الناس، والناس منهم المؤمن ومنهم المنافق والكافر ويتعامل مع علاقات المجتمع: الاعراف والعادات والتقاليد والقوانين والعلاقات التي يرتبط بها هؤلاء الناس… فالعمل السياسي الاجتماعي التغييري اذن عمل معقد جدا ولاينتظر ان يقاس كما تقاس الاشياء الجامدة: المسافات والمساحات والاحجام، ولا ينتظر ان تسير الاعمال بدون عوائق ودون عقبات او تسير على وتيرة واحدة،ولاينتظر تحديد الاهداف بسهولة وتحقيق الاهداف بدون الوقوع في خطوات فاشلة، ولا ينتظر ان يكون التنظيم منسجما مع نفسه انسجاما كاملا، فان المجتمع الانساني ليس مجتمع ملائكة. ولنتأمل بصورة من صور تعقيد المجتمع كما صورها القرآن الكريم، قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَ‌ةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّ‌بِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْ‌تَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْ‌هُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِ‌هِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُ‌ونَ ﴿٩﴾ فِي قُلُوبِهِم مَّرَ‌ضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَ‌ضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿١٠﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْ‌ضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُ‌ونَ ﴿١٢﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ﴿١٣﴾ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿١٤﴾ اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿١٥﴾.

ولنحلل ما نتمكن من هذه الصورة الانسانية الحية التي اخبرنا بها الله سبحانه وتعالى في قرآنه:

فالمؤمنون:

يؤمنون بالغيب، يقيمون الصلاة، ينفقون مما رزقهم الله، يؤمنون بالقرآن، يؤمنون بالانبياء، يوقنون بالآخرة، يهديهم الله،مفلحون.

والكافرون:

قلوبهم مختومة، اسماعهم مختومة، ابصارهم مختومة، لايتأثرون بالانذار.

والمنافقون:

يدّعون الايمان كذبا، يخادعون الله, يخادعون الذين آمنوا، وهم بالحقيقة يخدعون انفسهم، لايشعرون بفعلهم المخادع لأنفسهم، في قلوبهم مرض، زاد الله مرضهم، يعذبهم الله، يكذبون، يفسدون في الارض، يدّعون الاصلاح، عندما يجتمعون بالمؤمنين يدّعون الايمان، وعندما يجتمعون بشياطينهم يقولون بأنهم مستهزؤن، الله يستهزيء بهم، يمدهم الله تعالى بطغيانهم.

وفي المعاملات:

المؤمن ينفق، الداعية ينذر، الكافر المتعنت لايسمع ولا يبصر ولايتحرك قلبه، الكافر يخادع الله ويخادع المؤمنين، ينافش الداعيه المنافقين لاتفسدوا في الارض، يناقش المنافقين الذين يدّعون الاصلاح، يطلب الداعية من المنافق ان يؤمن، يصفه الكافرون بالسفاهة، يلبس المنافق وجوها مختلفة، يدّعي الايمان بين المؤمنين ويجاهر بالكفر بين الكفار.

وفي رعاية الله:

ختم الله على قلوب الكفار وعلى سمعهم وعلى ابصارهم ولهم عذاب أليم، فزادهم الله مرضا، الله يستهزيء بهم ويمدهم بطغيانهم يعمهون.

المؤمنون على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون.

وفي الصراع:

انذرتهم، يخادعون الله والذين آمنوا، واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض، واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، واذا لقوا الذين امنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انـَّا معكم انما نحن مستهزؤن.

فالمجتمع الانساني مليء بالمتناقضات، والتنظيم الحزبي لايخلو من مشاكل ولكن ليست كل المشاكل تسبب خللا في التنظيم وقد تتعقد بعض المشاكل ولكنها لاتصل الى ان تكون خللا وعلينا ان نقدر الامور بموازينها الصحيحة فلا نعتبر وجود المشاكل خللا ولا نعتبر تكرار المشاكل على وتيرة واحدة امرا اعتياديا.

ان مظاهر التخلخل في التنظيم هي التساقط والتسلق والتمرد والانشقاق والتصدع. وبعض هذه المظاهر تظهر في الافراد المنتظمين وبعضها يظهر على التجمع نفسه.

التساقط:

يسقط الانسان من العمل عندما يترك العمل، والتشبيه مأخوذ من تساقط الحب الضعيف من الغربال حيث تتغربل مجموعة الحبوب الجيدة من الحبوب الضعيفة والحبوب التي تختلف في نوعيتها، وكذلك العمل يحتاج الى نوعية من الناس فيها من صفات الايمان بالمبدأ والعمل والاخلاقية المبدئية واخلاقية العمل الجماعي والشجاعة وغيرها من الصفات المميزة.

وعندما يختلط مع هذه الزمرة من لايحمل هذه الصفات يسقط، والعمل والزمن والصراع هو الغربال الذي يصفي وينقي الدعوة ممن يطرأعليها خطأ.

ويحدث عادة التساقط في الازمات او عندما يجد الانسان نفسه داخلا ساحة هو ليس اهلا للدخول فيها فينسحب.

ولكن عندما يتساقط او يتنحى عاملون من العمل بدون محنة وازمة مخيفة، فعند ذلك يكون التساقط نتيجة لخلل في الدعوة تجدر دراسته.

التسلق:

هو محاولة اجتياز المسؤولين بقصد معرفة تنظيمات الدعوة ومحاولة الوصول الى القيادة وهذا من صفات اصحاب المزاج الفردي.

وقد ينطلق صاحب هذا المزاج من المفهوم القيادي للدعاة عند الدعوة، فيظن ان القيادة هي الاطلاع على التنظيم والتطلع الى معرفة الاشخاص والاعمال، بينما القيادة هي حمل همّ الامة وتهيئة النفس من الناحية النفسية والعقلية والجسدية للعمل في سبيل الله بين صفوف الامة ضمن خط الدعوة ومراحل العمل. والقيادة هي السير في استقامة وبذل الجهد لتكثير عدد الدعاة وبث الوعي السياسي والتنظيمي بين صفوف الامة وابداع الاساليب المناسبة للعمل لخدمة اهداف الدعوة القريبة والبعيدة.

ان المتسلقين يقعون في اخطاء كثيرة تنظيمية وفكرية. اما الاخطاء التنظيمية فهي محاولة تبديل المسؤول والتعرف على الدعاة والقيادة بأساليب ملتوية. واما الاخطاء الفكرية فهي محاولة البروز بين الدعاة من خلال الاتيان بأفكار مبتكرة طابعها الاثارة وطريقة استنباطها وعرضها التسرع. وتكون الافكار المبتكرة تلك اما أفكارا منقولة بتصرف يشوهها أو أفكاراً فجة.

ان مهمة المتسلق عندما تمر الدعوة بظروف صعبة يقل فيها الاتصال بالتنظيم لامور موضوعية فيقوم المتسلق باتصالات لاتأبه للظروف الموضوعية فتنجح مهمته ولكن الى امد.

التمرد:

التمرد ان يتكرر عدم الطاعة للتنظيم، وان يتكرر العمل خلاف اساليب الدعوة المتبناة وان يحدث ذلك من بضعة من الدعاة او اكثر.

والتمرد يحدث بين افراد متمسكين في العمل ولكن يختلفون عن التنظيم برفض الاسلوب، فيعملون باجتهاد مغاير.

ويعالج التمرد بطرح الموضوع بوضوح وربطه بمراحل العمل وضرب الشواهد التنظيمية والاجتماعية بدقة، وتحتاج هذه المعالجة الى سعة صدر وعلاقات جيدة.

وما لم يعالج التمرد بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن، يخشى ان يتحول الى انشقاق.

الانشقاق:

هو ان يعلن مجموعة من الدعاة الانفصال عن تنظيم الدعوة باسم جديد او يحملون نفس الاسم وقد تعرضت الدعوة لعدة محاولات لشق صفها ولكنها انتهت ولله الحمد، وأسفرت عن تساقط البعض وبقائهم على علاقة ما مع الدعاة. وتكثر الانشقاقات بين الاحزاب في الازمات واشتداد الصراع وتحدث عندما يكون التنظيم سريا او الخط العملي غير واضح لدى قسم من الدعاة، او يكون التجمع الحزبي مبنيا على أسس توفيقية بين مجموعات من الناس او على مصالح شخصية.

واسباب الانشقاق كثيرة، يمكن تلافي بعضها ويصعب تلافي القسم الآخر، اذ ان بعض الامور يمكن التنظيم ان يسيطر عليها على اساس حل وسط بين الفئات مثلا ولكنه لا يمكنه التخلي عن السرية ولايمكنه السيطرة على الاوضاع الصعبة والحرجة التي تحيط بالعمل والمفروضة عليه من قوى خارجية.

ومن الامثلة البارزة على الانشقاق في البلاد الاسلامية انشقاق الرابطة الاسلامية في الباكستان، وحزب الشعب في تركيا وحزب مصدق في ايران وحزب الوفد في مصر والحركة الناصرية وحركة القوميين العرب وحزب البعث في البلاد العربية والاحزاب الشيوعية في اكثر بلاد العالم.

ان قوة الايمان وخوف الله من شق الجماعة وحسن التنظيم ووضوح الفكر والتخلق بأخلاق الاسلام والوعي الكامل لما يجري داخل الدعوة وخارجها امور تساعد كثيرا على حفظ كيان الدعوة من الانشقاق.

التصدع:

ان يصاب الحزب بأنواع متعددة من الخلل التنظيمي في آن واحد وفي فترات متقاربة يتسع خلالها الخلل ويصعب علاجه، ويحصل هذا الامر عندما يهمل الحزب اموره التنظيمية او يتساهل في علاجها، وتتراكم داخله الاخطاء، او عندما تبنى علاقات التنظيم ومحاوره على الاشخاص دون الافكار وما اسهل ما يختلف الاشخاص عندما تتزاحم المصالح او تتعارض او تتناقض. واذا استمر التصدع في الحزب ينهار التنظيم وينتهي او يتجدد. وكمثال لتصدع الاحزاب وانهيارها او تجددها مرة ثانية، ما اصاب الحزب الديمقراطي في تركيا، فانه تصدع وانهار بفترة زمنية متقاربة بضربة واحدة من الجيش، وكذلك تصدع وانهيار الحزب الفاشي في ايطاليا وتجدده وتصدع وانهيار الحزب النازي وتجدده باسم آخر في المانيا، وتصدع حركة الاخوان المسلمين في مصر نتيجة الضربات المتلاحقة من قبل الحكومات المتعاقبة.

خاتمة:

هل الميزان الذي نقيس به الخلل هو ميزان نسبي يختلف فيه فلان عن فلان ام انه ميزان عقلي يخضع لمنطق نظري ثابت بقطع النظر عن الظروف والاشخاص؟؟

ان الميزان الذي نقيس به هو مالدى الداعية من موازين مكتوبة او يستند الى مالدى الداعية والدعوة او ما يبتكر من افكار في نفس السياق والاتجاه، انه ميزان العقل العملي الذي يرى المجتمع ويرى ما يحدث فيه بالتفاصيل ويرى المبدأ الذي يعالج ادواء المجتمع.

فالعقل العملي هو الميزان الاسلامي الذي يأمر بالعمل الجماعي المنتظم في المجتمع وضمن تعاليم المبدأ،وهو الذي يكتشف التخلخل في التنظيم ويعالج هذا التخلخل،وهو الميزان الذي كان يقيس به الانبياء والائمة الخلل في دعواتهم ويعالجونه به.

والعقل العملي الفعال في المجتمع المؤتمر بأوامر الاسلام هو السائد والذي يسود في دعوتنا بعون الله ومشيئته. وما عداه اسم بلا مسمى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا ۚ وَاذْكُرُ‌وا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَ‌ةٍ مِّنَ النَّارِ‌ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠٣﴾ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾.