ما نرتضيه من الدعوة الاصلاحية وما نرفضه منها

صدر في عام ١٣٨١ هجري، شارك في كتابته الشهيد السعيد آية الله الصدر.

ان من القضايا التي يجب على الدعوة ان تعطي فيها فكرا واضحا محددا قضية الدعوة الاصلاحية الى الاسلام، فان كثيرا من الجهود التي تبذل في سبيل القضية الاسلامية تتسم بطابع الدعوة الاصلاحية، فكثيرا ما تجدد حملات لمقاومة الانحلال الخلقي والخلاعة والسفور، وتثار ضجة حول تعاطي المسكرات والمخدرات، وتقوم جماعة بتنظيم نفسها للحفاظ على مظاهر شهر الصيام بالترغيب والترهيب، او لجمع الزكوات واستثارة العواطف الاسلامية في الاغنياء، وتوزيع تلك الاموال على الفقراء والمعوزين، وهذه الالوان من العمل اشتغل فيها كثير من غيارى المسلمين معتقدين وجوبها ووفاءها بمهمة الدعوة الاسلامية، بينما شجبها آخرون مؤكدين خطأ هذه الاعمال كليا وداعين الى العمل السياسي الذي يوجد المجتمع الاسلامي ايجادا صحيحا كاملا.

وقد يكون كل من الفريقين لم يدرك الحقيقة كاملة ولم يستوعب المفهموم الاسلامي كاملا عن تلك الاعمال والدعوات فلابد من ايضاح وجهة الخطأ في كل من الاتجاهين المتناقضين لتتضح الحقيقة بشكل كامل، فليست الدعوة الاصلاحية بالدرجة التي يعتقدها الاصلاحيون، كما ان شجب الاعمال التي قاموا بها والاعراض عنها ليس صحيحا ايضا كما يعتقده بعض الدعاة الانقلابيين.

اما وجهة الخطأ في الاتجاه الاول الذي تقوم على اساسه الدعوات الاصلاحية فهو ان الواقع الاجتماعي للامة اليوم واقع فاسد من جذوره، والقيام بدعوة اصلاحية اعتراف ضمني بأن الواقع سليم في أسسه وانه انما يحتاج الى الاصلاح والتنقيح، مضافا الى هذا ما تقوم به الدعوة الاصلاحية من ابعاد الامة عن معركتها الاساسية مع قوى الكفر والضلال واشغالها بأمور جانبية من صراعها العنيف واسدال الستار على التناقض المرير القائم بين متبنياتها من مفاهيم وانظمة وبين ما يفرض عليها من افكار وقوانين، الامر الذي يؤدي بالتالي الى انخفاض وعيها الحقيقي لواقعها الفاسد.

فطبيعة الدعوة الاصلاحية اذن لاتتفق مع طبيعة الاسلام وواقع الامة اليوم، ولهذا كانت الدعوات الاصلاحية ترتكب خظأ بتقديمها دعواتها للامة على انها قضية الاسلام التي لابد للأمة ان تتبناها.

ان قضية الاسلام اليوم ليست مسأله منظمة تجمع الزكوات من بعض المحسنين، او جماعة تؤدب المتجاهرين بالافطار او تحث على الحجاب او تطالب بزيادة اجور العمال، وانما هي قضية التغيير الكلي والانقلاب الشامل، فكل محاولة لتغطية هذه الحقيقة وابراز حاجة الامة بشكل غير شكله الحقيقي تكون تضليلا للأمة وابعادا لها عن جهادها الحقيقي مع قوى الكفر والتسلط ولكن هذا لا يعني بحال من الاحوال ان تكون الاعمال التي تقوم بها الدعوات الاصلاحية خطأ ولا يعني جواز اهمال تلك الاعمال واعتبارها لغوا، وهنا يكمن الخطأ الذي وقع فيه الاتجاه الثاني الذي اخذ به بعض الانقلابيين فشجب نشاطات الدعوات الاصلاحية واعتبرها معيقة عن العمل الاساسي للاسلام.

ان الدعوة الى السلوك الخلقي النظيف وتطهير المجتمع من مفاسد الانحلال ليست دعوة خاطئة وانما الخطأ القيام بذلك على شكل دعوة اصلاحية للواقع القائم، واعطاء كلمة الاسلام في الانحلال الخلقي على انها قضية الاسلام وهدف الاسلام، لان الهدف الحقيقي للاسلام هو قلب الواقع لا ترميمه، فحين يدعى الى القضاء على الرذيلة والشذوذ لا بد ان يدعى اليه على انه جزء من عملية التغيير والانقلاب في الامة، وحين تكون الدعوة اليه قائمة على هذا الاعتبار تصبح دعوة الى جانب من جوانب الانقلاب الاساسي الشامل، وهي وان لم تختلف في المظهر عن الدعوة الاصلاحية الا انها تختلف عنها في الوعي وفي الفكرة التي تحملها، وكذلك الامر في الدعوة الى احباط المعاهدات والاتفاقيات والاحلاف الاستعمارية، وكل الاعمال الاصلاحية.

وعلى هذا فليس من طبيعة الدعوة الانقلابية ان تمتنع عن القيام بمثل تلك الدعوات وانما من طبيعتها ان تنظر الى كل شيء تدعو اليه نظرة انقلابية بصفته جزءا من كل، وهي لذلك تؤكد وتشرح للامة دائما عدم رضاها عن الواقع بكامله وتوضح ان دعوتها لمحاربة تعاطي المسكرات والمخدرات في مدينة او بلدة او محلة ليست لأن الواقع يتطلب اصلاحا في هذا الجانب وحسب بل باعتبار ان جزءا من المخطط الاسلامي الانقلابي قد تهيأ له من الاسباب والاجواء ما لم يتهيأ لمحاربة الربا والقمار والرشوة مثلا. وليس من الصحيح شرعا ان يقال ان الدعوة الانقلابية لا ترضى بتبذير جهودها في هذه الامور البسيطة، فان الانقلاب الشامل لا يمكن ان يحصل دفعة واحدة في كيان الامة وحتى اذا اصبح الحكم اسلاميا فان هذا لايعني في بعض الحالات الانقلاب الشامل وانما هو الجزء الذي يختص بالحياة السياسية من الانقلاب.

الانقلاب اذن شيء يسار فيه بالتدرج وتكون كل مرحلة فيه وكل خطوة فيه ممهدة للخطوة الاخرى وكلما تهيأت الظروف والشروط للدعوة الى تطبيق حكم شرعي واحد من احكام الاسلام فلايجوز اهمال الدعوة اليه، وما دام الوعي الذي ترتكز عليه الدعوة في محاربة المنكر واقامة المعروف وعيا انقلابيا كما اكدنا عليه فسوف يكون نجاح الدعوة في كل جزء كسبا للانقلاب ذاته وتقريبا للامة نحو الحياة الاسلامية الكاملة.

وخلاصة الموضوع: ان خطا الدعوات الاصلاحية يكمن في وعيها لا في عملها الاصلاحي، ونحن مع ايماننا بالدعوة الانقلابية الجذرية لانرى جواز اهمال المجال الاصلاحي وانما نرى ان يفهم بروحه الانقلابية وباعتبار انه جزء من كل مما يريده الاسلام.

وفي هذا المجال علينا ان لا ننسى ان من الضروري للدعوة الانقلابية ان تقارن بين الاعمال الاصلاحية والجذرية وتعمل على تجنيد القوى والطاقات لما هو اكثر اهمية وتأثيرا في عملية الانقلاب الشاملة.

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾