دعوتنا الى الاسلام يجب ان تكون انقلابية

صدر في عام ١٣٨٠ هجري، شارك في كتابته الشهيد السعيد آية الله الصدر.

ايها الدعاة المؤمنون المجاهدون في سبيل الاسلام لاعادة سيادته السياسية ووجوده الدولي:

في هذه الفترة من تاريخ الامة الاسلامية انبثقت من هنا وهناك دعوات اسلامية كثيرة تستهدف بناء كيان الامة واستئناف وجودها الاسلامي، ويمكننا ان نقسم هذه الدعوات الى قسمين: دعوات اصلاحية، ودعوات انقلابية: فالدعوة الاصلاحية هي التي تستهدف اصلاح جانب معين من جوانب الواقع متغاضية في حقل نشاطها العملي عن سائر جوانبه الاخرى وعن الركائز الاساسية التي يبتني عليها هذا الواقع بصورة عامة.

اما الدعوة الانقلابية فهي التي تدرك الواقع الذي تعيش فيه امتها ولا تدين بهذا الواقع لانه يناقض مبدأها جملة وتفصيلا فتعمل على تغييره وذلك بحمل رسالة فكرية تبشر بها لانشاء الحياة على قواعد تلك الرسالة وركائزها المحددة حياة جديدة يعيش فيها الفرد وينتظم المجتمع وتعمل فيها الدولة.

ويواجهنا قبل كل شئ السؤال عن الطابع الذي يجب ان تتخذه الدعوة الاسلامية وهل هو الطابع الاصلاحي؟ او الطابع الانقلابي؟ ومن الضروري ان نحدد الجواب في ضوء الظروف التي يعيشها الاسلام ومدى وجوده في واقع الامة الاسلامية: فالاسلام اذا كان هو القاعدة الرئيسية التي يبتني عليها نظام الحياة فان على الدعوة الاسلامية ان تتخذ الطابع الاصلاحي.

وقد كان الاسلام حتى الظرف الذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الاولى هو القاعدة الرئيسية التي يبتني عليها كيان الامة كلها، وكانت العقيدة الاسلامية هي القاعدة الفكرية للامة والقاعدة الدستورية للدولة والاساس العام لمختلف الوان النشاط الفردي والاجتماعي والسياسي.

غير ان اعتبار الاسلام هو القاعدة من قبل الامة بما فيها السلطة لم يكن يعني عدم وجود الانحراف عنها وعدم وقوع المخالفة والتحريف والاحتيال عليها فقد كان يختلف مدى الثبات على هذه القاعدة باختلاف مدى وعي الامة للاسلام ومدى اخلاص الحكام.

ومن الواضح ان ظرفا للاسلام كهذا كان يتطلب ـ بسبب ظهور الضعف والخلل الكبير في كيان الامة والدولة ـ قيام دعوات ذات طابع اصلاحي لا انقلابي، كما قامت بالفعل عدة دعوات اصلاحية استهدفت الحفاظ على القاعدة الاسلامية للدولة او اصلاح الجوانب التي لا تنسجم مع هذه القاعدة.

واما حيث يفقد الاسلام مركزه من القاعدة الاساسية ويستبدل بغيره من القواعد المعادية او اللاقاعدة فان الدعوة الاسلامية في هذه الحالة يجب ان تكون انقلابية، وهذا هو الواقع الذي تعيشه الامة منذ نهاية الحرب الاولى، اذ قوض المستعمرون الدولة الاسلامية ودخلوا بلاد المسلمين وتقاسموها فيما بينهم، وما ان تمت عملية الاستعباد هذه للعالم الاسلامي حتى تم بذلك انقلاب كلي في حياة الامة فأقصيت العقيدة الاسلامية عن موقعها من القاعدة الرئيسية لكيان الامة ووضعت الامة في أطر فكرية وسياسية غريبة عن عقيدتها من الديمقراطية الرأسمالية في كثير من المناطق الاسلامية ومن الاشتراكية في البلاد التي تخضع لحكم روسيا.

ان الواقع الذي لاشك فيه هو ان استبدال انظمة الحكم والمجتمع بأنظمة اخرى لايعني مجرد تغيير قانون بقانون، ولا يعبر عن حادث طارىء في كيان الامة، بل هو يعبر عن استبدال جميع الافكار والمفاهيم الاساسية عن الحياة والكون التي ترتكز الانظمة السابقة للحكم والمجتمع عليها بالافكار والمفاهيم التي تقوم عليها الانظمة الجديدة.وعلى هذا فقد كان الثمن الذي دفعته الامة للمستعمرين غالياً وغالياً جدا، فقد كلفها ذلك التنازل عن رسالتها في الحياة، وسر اصالتها في المجال الفكري والدولي معا، وكلفها التبعية والخضوع لاعدائها الظالمين وكتب عليها ان تستجدي افكارها ومفاهيمها من ابناء اعدائها الصليبيين القدامى!

ان قضية الاسلام في مثل هذه الظروف ليست قضية اصلاح بل قضية انقلاب، والدعوات الاصلاحية التي قامت بانشاء المدارس الدينية تارة واصدار الكتب والمجلات الاسلامية تارة اخرى، وتأسيس لجان للوعظ والارشاد مرة ثالثة، ونحو ذلك من الوان الخدمة، ان هذه الدعوات وان قدمت للاسلام خدمات جلى تذكر فتشكر، ولكنها لا تعدو جميعا ان تكون اعمالا جانبية وليست من صميم المعترك، فان المعركة الرئيسية التي يخوضها الاسلام اليوم مع اعدائه انما تستهدف قبل كل شيء استرداد القاعدة للاسلام وجعل العقيدة الاسلامية في موضعها الرئيسي من حياة الامة، والقضاء على الواقع الفاسد والكيان القائم برمته، وليست المدارس في مناهجها الدراسية ولا الصحف والمجلات بافكارها ومفاهيمها ولا المحطات ببثها وبرامجها الا ادوات بيد السلطة الحاكمة ونتائجها تتمخض عن قواعد المجتمع الذي تنشأ فيه، فلا يمكن ان يضمن تطويرها تطويرا اسلاميا الا اذا امتدت الدعوة الى الاسباب الرئيسية التي تمون تلك الادوات بطابعها وسياستها واهدافها.

الامر ـ ايها الاخوة ـ ليس أمر شبيبة تفسدها المدارس ولا امر جماعة تحتاج الى وعظ وتوجيه ولا امر بيئة يجب ان تهذب وتنظف من الدعاره والفساد، بل امر امة يجب ان تقام على اساس الاسلام لتسعد في الدنيا والآخرة وتقبض على المفتاح الذي يفتح لها بركات الارض والسماء وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَ‌ىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَ‌كَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْ‌ضِ.

ولهذا فان دعوتنا ايها الاخوة دعوة انقلابية لا نقاذ الامة من واقعها الفاسد، ممتثلة بذلك امر الله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَ‌ةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿١٠﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ يَغْفِرْ‌ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٢﴾ وَأُخْرَ‌ىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ‌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِ‌يبٌ ۗ وَبَشِّرِ‌ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٣﴾