المرحلية في جهاد الدعوة

صدر في عام ١٣٩٦ هجري.

ملاحظة: ورد في البحث تسمية المرحلة الثورية بالقيادية وهي تسمية صحيحة تعبر عن قيادة الدعوة للامة وقيادة الامة لنفسها في مقابل قيادة الاستعمار، ولكن الاسم التاريخي والسائد للمرحلة هو: الثورية.

قامت دعوتنا منذ انطلاقها على اساس العمل المرحلي انسجاما مع سنـَّة الله تبارك وتعالى في تغيير المجتمعات والامم على خطى من سبقونا في شق طريق العمل الاسلامي الرسالي الهادف.

وقد اصدرنا عدة نشرات تتعلق بالمراحل، خاصة المرحلة الحاضرة، وهذه النشرة تشتمل على اهم الافكار عن نظريتنا المرحلية وما يتعلق بها. وقد تضمنت جملة من افكار المرحلية الواردة في النشرات السابقة مضافاً الى الافكار المستجدة وما استفدناه من تجربة عملنا في الدعوة.

المرحلية سنة كونية واجتماعية:

ان المرحلية في جهادنا شرط موضوعي تفرضه ضخامة هدف الدعوة وتواضع امكانياتها، فالعمل التغييري الهادف لا يمكن تحقيقه في الناس دون التمرس بعمل الدعوة في خطوات يتلو بعضها الآخر. بل ان المرحلية تتعدى ذلك لتمثل قانونا وسنـَّة كونية واجتماعية. فالله سبحانه جلـَّت قدرته خلق السماوات والارض في ست مراحل وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴿٣٨﴾ وخلق الانسان في عدة مراحل وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَ‌ارٍ‌ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ‌ ۚ فَتَبَارَ‌كَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾ وخلق الكائنات الحية على اطوار. واودع في الجميع خاصية النمو التدريجي، كما نشاهد فيما حولنا من خلق الله.

وكذلك سنته تعالى في تحوّل المجتمع من وضع الى آخر سواء كان التحول جزئيا أم كليا، حيث يتم هذا التحول على مراحل. خاصة اذا كان التحول بجهود فئة من المجتمع. والسبب في ذلك:

  • ضرورة استكمال الفئة المغيرة للحد الادنى من مقومات البناء الذاتي اللازم كما ونوعا.

  • صعوبة تقبل المجتمع للتغيير دفعة واحدة.

  • العقبات التي يحدثها اعداء التغييرو التي تستدعى زيادة طاقة الفاعلية والاستمرار لدى القوة المغـيَّرة.

وتختلف المرحلية في التحول والتغيير الاجتماعي باختلاف الظروف الموضوعية الموجودة في المجتمع وباختلاف القدرات التي تملكها الفئة المغيرة، وطبيعة الاهداف التي تعمل لها، وحجم القوى المعارضة التي تقف في طريقها والحقبة الزمنية التي تمر على المجتمع والفئة العاملة لتغييره.

ان ادنى نظرة الى جهاد الانبياء عليهم السلام ترينا كيف كانوا يتدرجون في عملهم لتحويل الناس وتغييرهم برسالة الله تعالى وكيف كانوا يتقيدون بالتدرج والمرحلية.

وقد التزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الحقيقة وطبقها جيدا حيث صدع بدعوته المباركة على ثلاث مراحل:

  • الاولى: بناء النواة الطليعية من المتغيرين بالاسلام والذين يتحملون اعباء المسيرة، وكان طابعها سرياً في اكثر اشخاص الدعوة، ودامت ثلاث سنوات.

  • الثانية: مرحلة التبليغ العام والتفاعل مع المجتمع في صراع فكري وسياسي مرير، وكان طابعها علنيا في اكثر اشخاص الدعوة ودامت عشر سنوات.

  • الثالثة: مرحلة تأسيس الدولة الاسلامية والمجتمع الاسلامي في المدينة وخوض الصراع الكامل مع اعداء الدعوة وتحرير اوسع بقعة ممكنة من المناطق المحيطة بالدولة وضمها الى الدولة.

وكذلك ائمة المسلمين عليهم السلام اعتمدوا المرحلية في جهادهم لاستئصال الانحراف والفساد في المجتمع المسلم. فكان القسم الاول منهم يركز على تثبيت الاسلام في نفوس الامة بعدما عصفت فيها الاهواء وظهرت بوادر الردة اثر وفاة الرسول ﷺ وكان الاسلام بأمسّ الحاجة لتثبيته في نفوس وحياة الناس خاصة الذين دخلوا في دين الله افواجا منذ فتح مكة وما بعده والفتوحات الاسلامية.

وكان القسم الثاني يولي اهتمامه لبناء الكتلة العقائدية كطليعة رائدة للمسلمين تعمل لتصحيح مسيرتهم وتقويمها ما امكن وحفظ الاسلام متجسدا والتمهيد لانتصار الاسلام الكبير الذي وعد به الله تعالى لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ هذا الانتصار الذي يبلغ مرحلته الكاملة بالدولة الاسلامية العالمية على يد الامام محمد بن الحسن عليه السلام الخليفة المهدي الذي بشر به الرسول ﷺ.

وقد برزت المرحلية في جهادهم عليهم السلام ككل وفي جهاد كل واحد منهم.

المرحلية في الحركات الحديثة:

”ينبغي للمسلم ان يكون مالكا لنفسه، مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه“.

كل شيء من حياة الناس بالنسبة الى الداعية مادة للدراسة ومصدر للفائدة، ومن معرفة اهل زماننا وتجاربهم نأخذ الدروس والعبر في جهادنا الطويل. وكثيرا ما نتعلم من عدونا كما نتعلم من صديقنا، ومن اخطاء الغير وصوابهم كثيرا ما نوفر على انفسنا مشقة المرور في تجربة الخطأ والصواب.

وفي مجال المرحلية نرى ان الحركات الاجتماعية كلها تقريبا على اختلاف مبادئها واهدافها تتبنى المرحلية لانها تجد نفسها محكومة بالسنـَّة الالهية في تحول المجتمعات وتغيرها سواء الى الخير او الشر.

فالثورة البلشفية مثلا التي قادها لينين في روسيا والتي دفعت بالحزب الشيوعي الى الحكم مرت في مرحلتين رئيسيتين كما نرى في تاريخهم وكتبهم امثال كتاب الماركسية والثورة البلشفية، والحزب الثوري في النظرية الماركسية، وعلم الثورة في النظرية الماركسية:

مرحلة الاعداد للثورة: وقد تركز الجهد فيها على بناء الحزب البلشفي الذي كان يضم مجموعة قليلة نسبيا جلها من الثوريين المحترفين. وكانت السرية اجمالا تغلب على هذه المرحلة نظراً لسياسة القمع الشديد من السلطات القيصرية. وقد خاض الحزب البلشفي في هذه المرحلة نضالا سياسيا بأشكال مختلفة وكان له اعضاء في المجلس الدوماـ الهيئة النيابية الروسية ـ والنقابات العمالية ولجان الاحزاب والفصول المسائية والاندية.

مرحلة اندلاع الثورة: وقد انتهزالحزب البلشفي فرصة الاضطراب السياسي الذي حصل بسبب الانتفاضة العفوية العارمة للشعب الروسي احتجاجا على الهزيمة الساحقة التي لحقت بالجيش الروسي في الحرب العالمية الاولى والشلل الاقتصادي والسياسي والكوارث المالية التي خلفتها الحرب، وقد استعملت في الثورة البلشفية اشد اساليب العنف والقمع.

وواضح ان المرحلية التي اتبعها لينين لم تتقيد بالنظرية الماركسية خاصة في نظرية (الحتمية التاريخية) التي تفترض قيام المجتمع الاشتراكي على انقاض المجتمع الرأسمالي الصناعي لا على انقاض المجتمع الزراعي المتخلف كما حدث في روسيا، والتي تفترض ايضا ان تكون طبقة البروليتاريا (أي عمال المصانع الذين يعيشون من كدهم اليومي) هي الاداة المفجرة للثورة وليست الاقلية الثورية المنظمة او المحترفة.

والحركات الاسلامية التي شهدها العالم الاسلامي في الحقبة الاخيرة، من طليعتها حركتا الاخوان المسلمون والتحرير، كلتاهما تتبنيان المرحلية وضرورة التدرج في الخطوات. فالاخوان المسلمون يرون ان دعوتهم لا بد لها من ثلاث مراحل كما يستفاد من كتاب رسائل البنا وغيره.

مرحلة التعريف: والتبشير بالفكرة وايصالها الى اوسع الفئات. ونظام حركتهم في هذه المرحلة كنظام الجمعيات الادارية، ومهمتها العمل للخير العام، ووسيلتها الوعظ والارشاد بشتى الاساليب الاعلامية الممكنة واقامة المنشآت النافعة. والحركة في هذا الطور عامة يدخل فيها من اراد من الناس ومن رغب في المساهمة في اعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها.

مرحلة التكوين: وهي مرحلة استخلاص العناصر الصالحة لحمل اعباء الجهاد وتنظيمها من الناحية الروحية على اساس صوفي بحت، ومن الناحية العملية على اساس عسكري بحت، وشعار هاتين الناحيتين دائما (امر وطاعة من غير تردد ولا حرج) وتمثل الكتائب الاخوانية هذه المرحلة من حياة الحركة، ويتلوها في الاهمية فرق الكشافة والجوالة والفرق الرياضية. ونطاق الحركة في هذه المرحلة خاص اذ تتصل فقط بمن يستعد استعدادا حقيقيا لتحمل اعباء الجهاد الطويل.

مرحلة التنفيذ: والسعي لتطبيق الحكم الاسلامي. وشعار الحركة في هذه المرحلة (جهاد لا هوادة فيه) وعمل متواصل في سبيل تحقيق الاهداف. ولكن ذلك لا يعني القبول بمنطق الثورة العامة للوصول الى الحكم وانما باستخدام (القوة العملية) في الحدود الضرورية وبعد الانذار المسبق للجهاز الحاكم بوجوب التزامه بأحكام الاسلام. ولا يهم الاخوان ان يكونوا هم الفئة الحاكمة بقدر ما يهمهم تطبيق الحكم الاسلامي على يد اية جهة صالحة لذلك. ويتلو تطبيق الحكم الاسلامي في مصر، كما كان مخططا، العمل على توحيد البلاد العربية على اساس الاسلام، ثم الانطلاق لتوحيد البلاد الاسلامية ونشر الفكرة في العالم.

اما حزب التحرير فالمراحل عنده ثلاث ايضا كما يستفاد من كتاب التكتل الحزبي وغيره.

مرحلة الدراسة والتعليم: لايجاد الثقافة الحزبية الحركية. ونطاقها خاص وطابعها شبه سري.

مرحلة التفاعل مع المجتمع: الى الحد الذي يعتبر فيه الاسلام مبدأه والحزب قائده، وفي نفس الوقت الكفاح السياسي الصريح ضد كل من يقف حائلا دون تطبيق الاسلام من الاستعمار والحكام والقوى المعارضة.

مرحلة تسلم الحزب للحكم: عن طريق الامة تسلما انقلابيا كاملا ودفعة واحدة دون القبول بالمشاركة في الحكم مع أي فئة. والحكم هو الطريق لتطبيق المبدأ على الامة، وتكون الدعوة الى الاسلام هي العمل الاصلي للدولة والحزب الحاكم.

ان تقييم النظرية الحركية والتجربة العملية لحركتي الاخوان والتحرير جدير بموضوع مستقل. وغرضنا في هذه النشرة عرض نظريتهم في المرحلية.

المرحلية في دعوتنا

موجبات المرحلية:

بالاضافة الى ان المرحلية من سنن الله تعالى في تغيير المجتمعات، هناك عوامل موضوعية اخرى اوجبت ان تقوم دعوتنا الى الاسلام منذ انطلاقتها المباركة على اربع مراحل: التغييرية , السياسية، القيادية، التطبيقية.واهم هذه العوامل هي:

  1. الطبيعة الخاصة للاسلام: التي تعتمد الاقناع طريقا للايمان دون الاكراه والارهاب والتضليل. ثقة من الاسلام بأن الاقناع به يواكب الفطرة البشرية والحاجة الاجتماعية، الامر الذي يجعله يرفض الوصولية المكيافيلية القائلة ان الغاية تبرر الوسيلة بل يؤكد ان شرف الغاية واحقيتها لا ينفصل عن شرف الوسيلة واحقيتها.

    هذه الطبيعة تفترض مرحلة زمنية يستغرقها اقناع عدد من الامة ليتغيروا بالاسلام ويتحملوا مسؤولية الدعوة، واقناع اوساط من الامة لنصرة التغيير وتأييده وتقبله.

  2. الطبيعة الخاصة للواقع المعاصر: حيث تتضاعف في زمننا العقبات الموضوعية التي تجابه عادة كل عملية تغيير اجتماعي بفعل كيد المستعمرين وعملائهم الفكريين و السياسيين المندسين في صفوف امتنا والمتسلمين لقيادها. فالفروق الموضوعية بين الجاهلية المعاصرة والجاهليات التي عملت فيها الدعوة في الازمنة السابقة تجعل لواقعنا المعاصر طبيعة خاصة تفترض على الدعوة قدرة لا تحصل الا بالزمن والعمل الدائب اليقظ والتخطيط المرحلي.

  3. الاستهداء بتجربة الرسول ﷺ في عمله الرائد لبناء الامة، وتجربة الائمة عليهم السلام في عملهم الرائد لاستكمال هذا البناء وتثبيته للاجيال، ومع ان الدعوة ترى ان التقيد بتجربة الرسول والائمة في عملهم للاسلام غير واجب شرعا لان اسلوب عملهم من السيرة التي تدل على الاباحة ولا تدل على الوجوب الا بدليل خاص. ولان اسلوب العمل للاسلام متروك للظروف والمعطيات في كل عصر ضمن الاحكام الشرعية العامة وَمَا أَرْ‌سَلْنَا مِن رَّ‌سُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ وعصرنا يختلف في ظروفه ومعطياته عن العصور التي عمل فيها الرسول والائمة. الا ان تجربة جهادهم صلوات الله عليهم في العمل المرحلي والتنظيم ومواجهة العقبات ثروة كبرى ومنارة هداية للعاملين في الدعوة في كل عصر لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَ‌ةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ.

  4. استفادة الداعية من الحركات الاسلامية المعاصرة: من صوابها وخطأها في النظرية والتطبيق.

ان الاستفادة من الحركات الاسلامية المعاصرة تنسجم مع النهج الموضوعي الاصيل الذي التزمنا به وسرنا عليه منذ انطلاقة دعوتنا المباركة، وكما ان التقليد في نظريات العمل الاسلامي وتجاربه ينافي النهج الموضوعي والاصالة، كذلك الاعراض والاستخفاف بنظريات وتجارب العاملين للاسلام.

ونخص بالذكر في مجال المرحلية حركتي الاخوان المسلمين والتحرير بوصفهما ابرز الحركات هذه. ونشير هنا الى الاستفادة من الخطأ في نظرية المرحلية عندهما:

فالاخوان وهم اصحاب الفضل في بلورة بعض اسس العمل الحركي الاسلامي الحديث ووضع بعض الاسس الاخرى اخطأوا حين اعتبروا مرحلة التعريف سابقة على مرحلة التكوين ولم يكن هذا الخطأ اقل من خطأ التركيز على القيادة الفردية. وقد كان من نتائجه ان تعرضت حركتهم للتضعضع والانحسار لدى حصول اول مجابهة حاسمة مع اعدائهم لان مرحلة التعريف عرفتهم للسطة والمستعمر ووجهت اليهم الانظار فواجهوهم بمحاولة التصفية قبل ان يستكملوا استخلاص العناصر وبناء الكتلة القادرة على الصمود.

ان هذه المقومات التي تمد الحركة بالقدرة على الصمود لا يمكن ان تستكمل الا في وضع سري بعيد عن انظار الخصوم، ولايجوز ان تسبق مرحلة التعريف مرحلة التكوين بل لا بد ان يتواكبا في مرحلة واحدة وايضا لابد ان تتناسب نشاطات التوعية في الامة والتعريف مع نمو الكتلة وقدراتها.

وحزب التحرير الذي برز بعد انحسار موجة الاخوان المسلمين وساهم في بلورة العمل الحركي الاسلامي نستفيد كذلك من تقديره الخاطئ لمرحلتي التكوين والتفاعل مع الامة وعمله احيانا لاستلام الحكم عن طريق الانقلاب العسكري معتقدا انه استكمل المرحلتين اوانهما تستكملان من خلال محاولة استلام الحكم.

ونستفيد من خطأه كذلك في رفض الاعمال الاصلاحية الاسلامية حتى لو كانت بروح تغييرية ونعته اياها بأنها هدر للطاقات وترقيع.

يضاف الى هذه العوامل والموجبات ما تمدنا به تجربتنا ذاتها في العمل المرحلي والتي هي عامل ارفاد مستمر يبلور نظريتنا المرحلية ويزيدها وضوحا وتجديدا.

المراحل الاربع:

ليس التخطيط المرحلي لعمل الدعوة من قبيل التخطيط لبناء دار حتى نختار شكلا من اشكال عديدة، بل هو في فهمنا تعبير عن النمو الطبيعي للدعوة كالنمو الطبيعي التدريجي للنبات والكائن الحي، فالدعوة حركة في الامة تتمثل في كتلة ووعي عام. تولد وتترعرع وتكبر وتشتد وتخوض الصراع وتنتصر وتطبق الهدف ومراحلها ليست الا اطوار وجودها الطبيعية المنسجمة في تعاقبها وتسلسلها مع سنة الله تعالى لحياة حركة التغيير.

ان التخطيط المرحلي يعتمد على اكتشاف الواقع وادراكه وليس على هندسة واقع مفترض. ان ادراك واقع الاسلام وواقع الامة وظروفها وواقع طريق التغيير الناجح هو الذي يحدد نوع المسيرة التي يجب ان تسلكها الدعوة ويمكننا بالتالي ان نقسم هذه المسيرة الى اقسام ومراحل.

ولأن المراحل تعبير عن اطوار الوجود للدعوة لذا قد يتفق رأيان في نظرية مسيرة الدعوة ويختلفان في عدد المراحل واسمائها ولا يكون ذلك اختلافا لانه اختلاف في التقسيم والتعداد والاسماء ليس الا، وقد يتفق رأيان في عدد المراحل والاسماء ولكنهما يكونان مختلفين اختلافا حقيقيا في نظرية مسيرة الدعوة.

ان الامر الجوهري في المرحلية ليس التقسيم والتسميات ولكنه المضمون الذي هو نظرية مسيرة الدعوة وتدرجها الى الهدف. ولذلك تنظر الدعوة الى مضمون المراحل في الحركات الاسلامية التغييرية لا الى عددها وتسمياتها، كما لا ترى ضررا من زيادة عدد المراحل او تنقيصها ما دام المضمون الذي تتبناه الدعوة مستوعبا ومحفوظا.

ان عدد المراحل في الدعوة تقسيم اخذناه من الاطوار البارزة لمسيرة الدعوة في نظريتنا كما ان اسم كل مرحلة استمديناه من الطبيعة الغالبة لنوع الجهاد فيها.

فمرحلة التغيير استمدت اسمها من نوع الجهاد الذي تمارسه الدعوة لتغيير الامة بالاسلام.

والمرحلة السياسية استمدت اسمها من الجهاد السياسي القولي الذي تخوضه الدعوة مع اعداء الاسلام.

ومرحلة القيادة استمدت اسمها من جهاد الدعوة في قيادة الامة لا ستكمال الصراع السياسي واقامة حكم الاسلام.

ومرحلة التطبيق استمدت اسمها من جهاد الدعوة لتطبيق الاسلام على جزء من الامة ومواصلة العمل لتطبيقه على الامة ودعوة العالم اليه.

المرحلة الاولى، مرحلة التغيير:

والطابع العام لجهادنا في هذه المرحلة هو التغيير الفكري، فهي تتميز بالتركيز على نشر الوعي التغييري في اوساط الامة وتكوين وتربية الكتلة المغيرة. وهي المرحلة الاساس للمراحل المقبله وعليها يتوقف الى حد كبير مستقبل الدعوة ومستقبل الامة لانها تمتد بنتائجها ما امتدت الدعوة وتشكل الينبوع الاساسي لكل انجازات المستقبل. وككل المراحل تتميز هذه المرحلة التغييريةـ او الثقافية او الفكرية او التكوينيةـ التي نحن فيها بهدفها النهائي، وطابعها العام، والطريقة العامة للعمل فيها، والواجبات الاساسية.

الهدف النهائي:

الهدف النهائي لهذه المرحلة في الحزب: ان يصبح كتلة من المجاهدين تتمكن من الناحيتين الكمية والكيفية من مباشرة عمل الدعوة بشكل علني وعام. فالناحية الكمية تعني اتساع الكتلة وبلوغ عددها الدرجة التي تجعل التنظيم قادرا على اسماع صوته للامة واشعارها بوجوده وممارسة نشاطه العام.

والناحية الكيفية تعني ان تتمثل في الكتلة ثقافة حزبية متكاملة من وعي الاسلام وروحيته والوعي السياسي والتنظيمي ويوجد لدى قادتها القدرة الفكرية والعملية على تموين هذا الوعي وامداده بما يحتاج لقيادة الامة وتحقيق الهدف.

والهدف النهائي لهذه المرحلة في الامة: ان يصبح في الامة جماعات من اوساطها المختلفة على درجة من الوعي تجعلها تناصر الدعوة وتؤيدها او تتعاطف معها او تلهج بالاسلام او لا تعاديه، بحيث تشكل هذه الاوساط جمهورا للدعوة يعمل بتوجيهها ويقوم بقدر من حمايتها والدفاع عنها ويكون مدخلا لقيادتها لجمهور الامة.

فاذا استكملت الدعوة هذا المستوى في الكتلة وفي الامة تكون قد حققت هدفها النهائي للمرحلة واصبحت مؤهلة للانتقال الى المرحلة الثانية.

الطابع العام:

الطابع العام للدعوة في هذه المرحلة هو الطابع الثقافي ومنه تستمد اسمها كما ذكرنا لان الغالب على جهادنا في هذه المرحلة هو الجهاد الثقافي الفكري لتغيير الناس بثقافة الاسلام وفكره، فنحن نتجه في مرحلة التغيير بصورة رئيسية الى الجهاد الفكري وبصورة ثانوية الى الجهاد السياسي. وتستمر دعوتنا كذلك حتى تدخل المرحلة الثانية فيختلف الحال في طابع الدعوة حينئذ.

الطريقة العامة:

الطريقة العامة في عمل الدعوة في هذه المرحلة هي السرية، لان الدعوة يجب ان لا تبرز الا في الوقت الذي تصبح فيه من الناحية الكمية والكيفية بدرجة من الاتساع والصلابة تجعل من العسير على اعدائها خنق انفاسها والقضاء عليها. والسرية التي نعنيها في هذه المرحلة هي سرية تنظيم الدعوة وسرية الاعضاء والخطط والاجتماعات والتحركات التنظيمية فلا يجوز للداعية ان يكشف للناس وجود الدعوة او اسماء من يعرف من الدعاة حتى لو تعرّض للاذى والضرر لانه لا يجوز في الاسلام ايقاع الضرر بالغير حتى لدفعه عن النفس، مضافا الى ان كشف الدعاة يوقع الضرر بمصلحة الدعوة.

واما الافكار والاهداف التي تتبناها الدعوة فليست سرية ولا داعي للتكتم بها وقد شرحت حدود السرية اللازمة نشرات عدة كنشرة الكتمان في مسيرة الدعوة.

الواجبات الاساسية في المرحلة:

الواجب الاول:

الوعي الجيد للاسلام. على الداعية ان يستوعب الحد الادنى على الاقل من الثقافة الحزبية المطلوبة التي حددتها الدعوة في نشرة ثقافة الدعوة وغيرها ضمن خطوط فكرية اربعة:

  • ثقافة فكرية عامة: وهي الثقافة التي توضح معالم الاسلام والمجتمع.

  • ثقافة ايمانية: وهي الثقافة التي تتعلق بتحسين سلوك الداعية بحيث يصبح الاسلام هو الموجه الحقيقي لشخصيته.

  • ثقافة تنظيمية حركية: وهي التي توضح الجانب العملي للدعوة من التوجيهات الحركية اللازمة لجعل الدعوة جهازا منتظما وصفا مرصوصا تؤدي مهماتها بشكل سليم وفي مختلف الظروف.

  • ثقافة سياسية تشمل القضايا والاوضاع السياسية في العالم الاسلامي والعالم التي يجدر بالدعوة ان تعيها وتعيشها كطليعة سياسية تعمل لتغيير الامة بالاسلام وهنا ينبغي توضيح بعض النقاط:

    1. تفترق الثقافة السياسية في مرحلتنا الحاضرة عن العمل السياسي بأنها معرفة وليست ممارسة الا في حالات قليلة، بينما العمل السياسي في المرحلة الثانية ممارسة للصراع السياسي وتصد للسلطة بالفضح الاعلامي.

    2. ان العمل السياسي الذي هو طابع المرحلة الثانية لا يأتي في المرحلة الاولى الا جزئيا وعرضا في سبيل بناء وتركيز اجهزة الدعوة وبلورة وعيها السياسي وتهيئة الامة وتنمية استعدادها لاستقبال الدعوة واستقبال عملها السياسي.

    3. تقوم في الامة صراعات سياسية مختلفة بقصد السيطرة على قيادة الامة والمزيد من التآمر على رسالتها ومقدراتها، كما توجد انواع اخرى من الصراع يكون بعض اطرافها قوى اسلامية غير واعية او شبه اسلامية. وموقفنا من هذه الصراعات كما يلي:

      • أ. عدم التدخل بأي شكل يستوجب جر الدعوة الى المرحلة السياسية.

      • ب. عدم التدخل في الصراعات التي تنحصر بين القوى اللااسلامية دون ان تمس بقية الامة بشكل مباشر.

      • ج. اذا كان التدخل يخدم المرحلة او كان فيه مصلحة للامة دون ان تنجم عنه مضاعفات سلبية مضرة بالمرحلة فان الدعوة تتدخل في الصراع بصفة اعضائها الشخصية او بالصفات العامة التي لا تتنافى مع السرية.

و بالاضافة الى الصراعات هناك ضغوط الواقع المعيشي والمعنوي السيء للامة، وضرورة العمل لانتزاع مكتسبات من السلطة وموقف الدعوة من هذا الموضوع هو المساهمة في الحدود الممكنة التي لا تتنافى مع المرحلة.

الواجب الثاني:

نشر الوعي التغييري في اوساط الامة: ونقصد منه ايقاظ الامة على واقعها الفاسد، على واقع الحكم الفاسد، وواقع الاسرة الفاسد، وواقع العلاقات الفاسد، وواقع الضمير الفاسد، وواقع الاقتصاد الفاسد، وواقع الكيان الاجتماعي الفاسد، وعلى كل الفساد الذي ينتشر في الامة. وايقاظ الامة على فشل الحلول المستعملة والمطروحة وغير المطروحة ما عدا الحل الاسلامي، وايقاظها على الحل الاسلامي: على احقيته لانه من عند الله واحقيته لانه الحل الكامل الناجح.. وعلى انها مكلفة من الله تعالى بالعمل لتطبيق الاسلام على واقعها والا اعتبرت عاصية لله مستحقة لعقابه وغضبه، وايقاظها على ان تصوراتها عن الاسلام: عن عقيدته ونظامه ومجتمعه هي في الغالب تصورات خاطئة ظالمة جاءت من الجهل بالاسلام ومن دعاية اعداء الاسلام واعداء امته.

ان من هدف الدعوة في مرحلتها الحاضرة ان تستيقظ جماعات من اوساط الامة المتنوعة فتدرك الواقع الفاسد الذي تعيش فيه وتتعقل الحل الاسلامي وتؤيد الدعوة اليه او تلهج به او لاتعاديه.

ولتحقيق هذا الهدف نعتمد كل ما من شأنه ان يوسع الوعي التغييري ويعمقه في الامة، من التوعية الفردية والندوات والمحاضرات والتدريس والنشر والتأليف والاحتفالات والمؤتمرات والمواقف الفكرية وكل الوسائل النافعة في هدفنا.

الواجب الثالث:

البناء التنظيمي الجيد، ونقصد به:

  1. بناء النوعية والكمية الجيدة من الدعاة، ونقصد بالنوعية الدعاة الذين يتوفرون على صفات الشخصية الاسلامية الحركية، الوعي، التقوى، الكفاءة، روحية العمل الحزبي. ونقصد بالكمية كثرة العدد والشمول الاجتماعي لأغلب قطاعات المجتمع والشمول الجغرافي للمناطق الممكنة من الامة والشمول للكفاءات التي تحتاج اليها الدعوة.

  2. تركيز ثقافة الدعوة بحيث تكون في المجالات الاربعة ثقافة حزبية شاملة غير ناقصة اصيلة غير مقلدة، ومستوعبة نظريا وعمليا من الدعاة بما يحقق وحدة الحزب الثقافية.

ولا بد من الاشارة هنا الى ان البناء التنظيمي الجيد يأتي في نفس الاهمية مع نشر الوعي التغييري وان عملنا يسير فيهما معا ولا نقدم احدهما على حساب الآخر، لان البناء التنظيمي اذا كان على حساب التوعية العامة تصاب الدعوة بالتقوقع والعزلة، واذا كان نشر التوعية العامة على حساب بناء الكتلة ذهبت جهود التوعية هدرا او كادت.ان الدعاة الذين لايقدرون اهمية واجبهم في التوعية العامة او يقفون موقفا سلبيا من التوعية اذا قام بها آخرون ينتقدون الدعوة او يخاصمونها هم بموقفهم هذا يقدمون الذات على الرسالة. ان الذين يقومون بالتوعية العامة نؤيدهم في عملهم ايا كان موقفهم منا.

الواجب الرابع:

ارساء الهيكلية التنظيمية: ونقصد به:

  1. النظام الداخلي الذي يحدد الحقوق والواجبات والعلاقات في اجهزة الدعوة والذي يتبلور ويتنقح من تجربة الدعوة ومقترحات الدعاة القياديين.

  2. تنمية المواهب والقدرات القيادية وجعلها تأخذ موقعها في الدعوة.

  3. تنمية روح العمل التنظيمي والانضباط الحزبي في كل اجهزة الدعوة.

الواجب الخامس:

الاهتمام بالواجهات المعلنة من مؤسسات عامة وشخصيات وتوجيهها بصورة مباشرة وغير مباشرة باعتبارها وسيلة فعالة من وسائل نشر الوعي التغييري. و كسب العناصر الكفوءة الى صف الدعوة.