الاعمال والاهداف

بقلم الشهيد السعيد الشيخ عارف صدر في جمادى الاولى ١٣٨٥ هجري

الانسان الهادف والانسان غير الهادف.

سبق ان بيَّنا في اكثر من مرة ان سلوك الانسان وتصرفاته وعلاقاته المتشعبة ما هي الا انعكاس لنوع الفكر الذي يؤمن به ذلك الانسان، ومن هنا نستطيع بملاحظتنا لنوعية سلوك واتجاه أيّ انسان ان نقرر الى حدّ كبير نوعية الشخصية التي يحملها، وعلى هذا الاساس فاننا حين نلقي نظرة عامة على الناس ونلاحظهم من ناحية افكارهم الموجهة لسلوكهم ومن ناحية اعمالهم الصادرة عن هذه الافكار نجدهم ينقسمون الى قسمين:

  • أ. الانسان الهادف.

  • ب. الانسان غير الهادف.

ونريد بالانسان الهادف الذي آمن بفكرة اجتماعية معينة ولم يخرج بتصرفاته واتجاهاته عن اطارها العام ويسعى في مجموع اعماله نحو تحقيق الوضع الافضل لهذه الفكرة.

اما الانسان غير الهادف: فنقصد به ذلك الانسان الذي يهمه قبل كل شيء ان يعيش بالشكل الذي يحلو له دون ان يهتم بتحقيق فكرة او تدعيم رسالة، وانما اصطلحناعلى هذا الصنف من الناس بأنهم غير هادفين لان قيمة حياة الانسان انما هي بقيمة الفكرة التي يؤمن بها ويسعى نحو تحقيقها، وعند فقدانه الفكرة ينزل عن المستوى الانساني الكريم الى المستوى الحيواني الوضيع، قال تعالى إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُ‌وا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ‌ مَثْوًى لَّهُمْ ﴿١٢﴾.

ثم ان تسمية هؤلاء بأنهم غير هادفين لا يعني انه ليست لهم افكار معينة توجه سلوكهم وتحدد علاقاتهم وانما نعني بالانسان غير الهادف ذلك الانسان:

  • أ. الذي يعيش لنفسه من خلال المقياس الفطري للسلوك.

  • ب. الذي لايترسم في اعماله واتجاهاته فكرة واحدة معينة، ولذلك فهو كثيرا ما يتناقض في اعماله واتجاهاته نظرا لانقياده وراء مصالحه وشهواته.

  • ج. والذي لا يحمل فكرة اجتماعية معينة وانما همَّه عيشته ولذته وراحته فلايسعى نحو هدف رسالي اعظم.

  • د. والذي اعمى قلبه وبصيرته واحساسه حب الدنيا بشهواتها الرخيصة وبلذاتها الفانية حتى اصبح غافلا عن تدبر آيات الوجود.

وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الفريق من الناس في قوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَ‌أْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرً‌ا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُ‌ونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ.

وهذا بخلاف الصنف الاول من الناس فاننا نعني بالانسان الهادف ذلك الانسان:

  • أ. الذي يعيش لنفسه ايضا ولكن من خلال مقياس اجتماعي للسلوك وهذه الصفة هي لعموم الهادفين لا لجميعهم، فان خاصتهم وقادتهم وقدوتهم لم يختاروا هذا اللون من الحياة لاستحسانهم الفكرة ولا رغبة فيما يطمعون فيه من ورائها ولا تجنبا للمفاسد التي يرونها في غيرها، وانما اختاروا هذا الاتجاه من الحياة لايمانهم بالفكرة ذاتها ولتجسد هذا الايمان في نفوسهم حتى ملكتهم الفكرة فأصبحوا يعيشون لها لا لانفسهم واروع مثل على هذا الصنف من الناس سيد البشرية وهادي الانسانية محمد رسول الله ﷺ الذي مثـَّل في ايمانه وجهاده وتضحياته المثال الاروع لشخصية الانسان الهادف وحسبه من ذلك خطابه لعمه ابي طالب وهو في احرج الظروف واشدها:

    ”يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى اهلك دونه“.

    وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام هو المثل الآخر لهذا الصنف من الهادفين فقد روي عنه في بعض مناجاته:

    ”الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك وانما وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك“.

    من هذا الصنف تـُنتظر التضحيات المثالية الحقة في سبيل العقيدة وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِ‌ي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْ‌ضَاتِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ رَ‌ءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴿٢٠٧﴾.

  • ب. ان الانسان الهادف يسير في تصرفاته واتجاهاته من حيث الاساس وفق منهاج اجتماعي معين، واما المفارقات الصادرة عنه فانها ـ في الاعم الاغلب ـ لاتخرجه عن الاطار العام لذلك المنهاج وهذا بخلاف الانسان الآخر الذي لا يترسم في اتجاهاته واعماله منهاجا اجتماعيا معينا.

  • ج. ان الانسان الهادف يسعى من مجموع اعماله نحو تحقيق الوضع الافضل للفكرة التي آمن بها، مراعيا في ذلك ما تمليه المصلحة العليا لتلك الفكرة حسب مقتضيات الحالة الاجتماعية التي تعيشها تلك الفكرة ولذلك فان الانسان الهادف لا يخرج في خدمته لفكرته عن الخطوط التالية:

    1. فهو اما ان يعمل لتحقيق القيادة للفكرة في ظروف تكون القيادة فيها لغيرها.

    2. واما ان يعمل لتثبيت وجودها في الظرف الذي تسلمت فيه مركز القيادة مع عدم استقرار الوضع لها.

    3. واما ان يعمل لتوسيع نطاقها في الظرف الذي تتهيأ فيه الامكانيات والاجواء.

ان هذا التقسيم للانسان الى (هادف وغير هادف) انما هو تقسيم عام مسلما كان ام شيوعيا ام ديمقراطيا او اشتراكيا ام غير ذلك. ويدخل في القسم الثاني كل من تمثلت فيه معالم الانسان غير الهادف وان الفائدة العملية التي عقدنا هذا البحث من اجلها هي:

  1. لكي نهتم بتكثير عدد الهادفين في اوساط الدعاة خاصة والامة بصورة عامة، فان الدعاة الهادفين هم القادة الحقيقيون الذين تعقد الامة عليهم آمالها من استئناف سيادتها واسترجاع عزتها الدولية وهيبتها العالمية.

  2. لكي نتعرف على الحالة الاجتماعية والاشخاص الذين نتفاعل معهم خلال معركتنا الجهادية الراهنة، فنميز الهادف ونتعرف على غير الهادف ثم ما هو اتجاه الهادفين من بينهم وما هي دوافع واتجاهات غير الهادفين. وحينذاك نستطيع بعد استيعاب هذه الدراسة ان نقرر مواقفنا من اصدقائنا واعدائنا سلبا او ايجابا.

وعلى العموم فان خطورة القوى الكافرة الهادفة على الاسلام والدعوة هي اكثر بكثير من خطورة القوى الكافرة غير الهادفة، والسبب في ذلك واضح لأن الاولى تملك تخطيطا اجتماعيا معينا وتعمل لتطبيقه وهي ترى في الاسلام تخطيطا معارضا لتخطيطها ومعرقلا لسيرها فتعمل للقضاء عليه وعلى العاملين له بخلاف القوى الاخرى فانها لا تملك مثل ذلك التخلطيط.

الاعمال الهادفة والاعمال العفوية:

ان لكل عمل يقوم به الانسان عادة هدفا او غاية يسعى نحو تحقيقها وكل عمل اذا خلا من أي هدف فانه يكون وجودا من غير حياة، ذلك لان الهدف او الغاية هي المبرر النظري لوجود العمل، فاذا فقد العمل ما يبرر وجوده فقد فقد حياته. لذلك فنحن لا نقصد بالاعمال العفوية ان تكون مجردة من أي هدف بحكم جعلنا لها مقابلة (للاعمال الهادفة) وانما نقصد بكل منهما اصطلاحا خاصا وهو: ان الاعمال الهادفة هي (تلك الاعمال الصادرة عن تخطيط فكري شامل والمشتركة فيما بينها في تحقيق هدف تغييري مشترك اعظم).

واما الاعمال العفوية: ـ فهي وان صدرت عن تفكير سابق بحكم تبعية السلوك للافكار عادة الا انها تختلف عن الاعمال الهادفة في نقطتين رئيسيتين وهما:

  1. عدم وجود التخطيط الفكري الشامل الذي يجمع فيما بينها في ترابط منتظم.

  2. عدم اشتراكها في هدف تغييري مشترك اعظم، وانما هي مجموعة اعمال متناثرة لا تلتقي في النهاية عند غاية اجتماعية واحدة. ونقصد بالتخطيط الشامل هو دراسة العمل دراسة واعية على ضوء الامور التالية:

    1. علاقته بالفكرة الرئيسية التي يؤمن بها الانسان ويعمل بتوجيهاتها.

    2. انسجامه مع مرحله العمل ( ان كان بتخطيط مرحلي منتظم).

    3. مدى ملائمة الظروف الاجتماعية القائمة للقيام بمثل هذا العمل.

    4. مدى توفر الامكانيات المباشرة وغير المباشرة اللازمة لتحقيق ذلك العمل.

ومن هنا نستخلص النتائج التالية:

  1. ان الاعمال الهادفة لاتصدر الا عن الانسان الهادف.

  2. ان الاعمال الهادفة غالبا ما تصدر عن اناس حزبيين وقد تصدر من غير الحزبيين اذا توفرت شروطها.

  3. ان العمل الهادف لا يختلف عن العمل غير الهادف الا في ناحيتين هما (التخطيط الشامل والهدف المشترك) واما من حيث الشكل ـ اي الوجود الخارجي ـ لكل منهما فانهما متماثلان ولذلك يجب الوعي التام والدقة المتناهية في دراسة الاعمال والمشاريع التي تعرض في دعوتنا. كي نميز الهادف عن العفوي من بينها وعلى ضوء ذلك نستطيع ان نقرر مواقفنا منها.

الاعمال توصيلية والاهداف اساسية:

ان الاعمال التي تقوم بها الدعوة والدعاة ـ ما هي الا اساليب ترسم وتخطط من اجل الوصول الى الاهداف المقدسة. ومن هنا كانت هذه الاهداف اساسية والاعمال توصيلية. ونقصد بكون (الاهداف اساسية) اي انها جزء من المبدأ ولا يمكن التنازل عنها او المساومة عليها بأي حال من الاحوال.

ونقصد بكون (الاعمال توصيلية) أي انها وسائل يحاول الانسان عن طريقها التوصل الى تحقيق هدف من الاهداف، ولما كانت الاهداف هي الاساس فانه لا مانع من تغيير هذه الاعمال وتبديلها بأعمال اخرى اذا اصبح من الصعب او العسير الوصول الى تحقيق تلك الاهداف بهذه الاعمال. ثم ان الاهداف تختلف فيما بينها بساطة وتعقيدا وصعوبة ويسرا، فهناك ما يكفي لتحقيقه فرد واحد في ساعة واحدة، وهناك ما يحتاج الى جهود وتضافر طاقات من عدة افراد ضمن خطة مدروسة منظمة حتى التوصل الى تحقيقه.

فاعداد الكتلة المؤمنة الواعية المجاهدة، وتهيئة وتعبئة الامة فكريا وروحيا كل منهما هدف من اهم الاهداف الرئيسية التي يجب على الدعوة تحقيقها في المرحلة الاولى، وان اصدار النشرات الحزبية والزام كل داعية ومشرف بحضور الحلقة، ومواصلة كل منهما مطالعة الكتب والمجلات، واقامة المجالس والاحتفالات وفتح المكتبات والمدارس والدورات وحضور الابحاث العلمية واستيعاب الدراسات الفقهية، وما شاكلها من الاعمال، كلها اعمال توصيلية تتوصل بها الدعوة الى تحقيق الهدفين المذكورين وهما اعداد الكتلة المؤمنة الواعية المجاهدة وتهيئة وتعبئة الامة روحيا وفكريا.

ولما كان المفروض في الداعية ان يكون هادفا في جميع اعماله فلا بدَّ ان تنسجم اساليبه دائما مع الهدف الاساسي الذي تسير الدعوة نحوه، حتى يكون مثلها كمثل الروافد التي تجري في مجرى واحد وتصب في مصب واحد. ومن هنا كان لا بدَّ لجميع الاعمال والاساليب والفعاليات ان تسير بخط واحد وهو خط سير الدعوة نحو تحقيق الاهداف العظمى المقدسة. وهذا يقتضي من الداعية مايلي:

  1. ان لا ينفرد الداعية في رسم اعماله واساليبه، وانما يجب عليه مراجعة التنظيم فيما ينوي القيام به من اساليب وفعاليات. ونخص بالذكر تلك المشاريع التي تستنزف منه الوقت والجهد الكثيرين وذلك من اجل ان تقرر الدعوة ما تراه مناسبا مع مراعاة الاهداف المقدسة التي قامت الدعوة من اجلها.

  2. ان على كل داعية مسؤوليات والتزامات تنظيمية خاصة والتي يقررها مكانه من اجهزة الدعوة، فيجب عليه الالتزام بأداء هذه المسؤوليات الخاصة واعطائها حقها بالنسبة الى بقية الاعمال والفعاليات الاخرى حسبما تقرره الدعوة فهذه المسؤوليات تصب في اتجاه بناء الكتلة الواعية المجاهدة. وبث الوعي التغييري يجب ان لا يكون على حساب بناء الكتلة، وكذلك العكس.