الارتباط بالله امر اساسي في شخصية الداعية

صدر في جمادي الاولى ١٣٩٧ هجري

الفهم الجاهلي للحياة الدنيا:

الفهم الجاهلي السائد تاريخيا للحياة الدنيا يتكوَّن من جانبين:

الجانب المادي ـ الاقتصادي. وجانب الاعتبارات المعنوية من القيم والمناقبيات الشخصية والاجتماعية. فهذا هو الهدف الذي يعمل الناس لتحقيقه من الحياة وان اختلفوا في مقداره بسبب بيئاتهم الحضارية والاجتماعية.

وفي هذا القرن طرأ تغير جزئي على فهم الحياة فقد تكثف الاهتمام بالجانب المادي من جراء سيطرة الحضارة الاوروبية وانتشار ذهنية الاوروبيين المادية في مختلف شعوب العالم، وتقلص جانب الاعتبارات المعنوية بسبب الفلسفات والحملات الفكرية والمجاهرات السلوكية المضادة التي حملتها حضارة الاوروبيين.

وانما كان هذا التطور الجاهلي جزئيا لان الاعتبارات المعنوية مسألة عميقة في فطرة الانسان وتكوين مجتمعه، وقدرة الناس على تقليصها محكومة بحدود. فالوفاء بالالتزام حتى في اكثر المجتمعات خيانة وتحللا يبقى قيمة محترمة في عمق الفطرة، والسلوك النظيف للزوجة حتى في اكثر المجتمعات تجاهرا بالفساد والاباحية يبقى قيمة محترمة.. وما حرص الدول والمفسدين في الارض على تبني الاعتبارات المعنوية الانسانية والقومية والشخصية ولجوؤهم الى التبرير او الرضوخ في حالات افتضاحهم الا دليلا على وجود مجموعة من الاعتبارات كعنصر مسلـَّم به من عناصر فهم الحياة والتعامل معها.

الفهم الاسلامي للحياة الدنيا:

لا زال الانبياء عليهم السلام منذ بعثهم الله تعالى مبشرين ومنذرين الى خاتم النبيين محمد ﷺ يكافحون الانحراف في فهم الحياة الدنيا ويجاهدون لارساء الفهم الاسلامي واسلوبه في التعامل مع الحياة.

ان الفهم الاسلامي لا يلغي الجانب الاقتصادي فهو يقر حاجات الانسان في ضرورات العيش وفي الرفاهية قُلْ مَنْ حَرَّ‌مَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَ‌جَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّ‌زْقِ ولكنه يحدث فيه تعديلا اساسيا فيرفض المساحة الواسعة التي يعطيها الفهم الجاهلي لهذا الجانب حتى ليطغي على نفس الانسان ووقته، ويعطيه الاسلام جانبا من وقت الانسان وجانبا اقل من اهتمامه النفسي بعد ان يشذب منه ما هو ضار.

كما لا يلغي الاسلام جانب الاعتبارات المعنوية ولكنه يحدث فيه تعديلا جذريا كبيرا فيلغي بعض القيم، ويبقي بعضها، ويصحح البعض الآخر ويضيف قيما جديدة.

ولكن هذا التعديل الذي يدخله الاسلام على فهم الحياة يحدث تأثيرا كليا على نظرة الناس الى الحياة وتعاملهم معها.

ان الاسلام فهم جديد للحياة واتجاه حضاري متميز بمقياسه واسلوبه عن غيره من الاتجاهات الحضارية. فاحجام الحاجات المادية والقيم المعنوية بمقياس الاسلام تختلف عن احجامها بالمقياس الجاهلي، واسلوب المسلم في التعامل مع الحياة يختلف كذلك عن اسلوب الجاهليين.

فرب حاجة مادية لها حجم كبير عند الناس تكون في مقياس المسلم فضولا وشيئا ضئيلا، والعكس صحيح. ورب اعتبار معنوي ضخم عند الناس يكون في مقياس المسلم وهما او تفاهة، والعكس صحيح.

وربما اقدم المسلم في موقف يحجم عنده الناس، والعكس صحيح. وربما فرح المسلم مما يحزن منه الناس، والعكس صحيح… الخ.

صعوبة الالتزام بمقياس الاسلام وعلاجها:

لا مشكلة ولا صعوبة في فهم نظرية الاسلام عن الحياة والاقتناع بها فالاسلام في عقيدته وشريعته قوي البرهان سهل التناول وَلَقَدْ يَسَّرْ‌نَا الْقُرْ‌آنَ لِلذِّكْرِ‌ ولكن المشكلة في التطبيق والالتزام العملي بمقياس الاسلام ومخالفة مقياس الجاهلية.

وتتلخص الصعوبات التي تواجه المسلم في التطبيق بانخفاض مستوى ايمانه ويقينه، وبالضواغط التي تضغط على تعامله بمقياس الاسلام.و بالمنسيات التي تنسيه مقياس الاسلام. وتتداخل هذه المخفضات والضواغط والمنسيات في تأثيرها على الشخصية وفي اسبابها من النفس والظروف المحيطة.

والاسلام هو تنزيل من العزيز الحكيم الى الناس بتكوينهم العقلي والعاطفي وظروفهم المحيطة لم يترك هذه المشكلة التي تواجههم في التطبيق بل وضع لها علاجا يتمثل بعدة تشريعات عملية تضع المسلم دائما في جو مفاهيم الاسلام واحكامه وتيسر عليه تطبيق مقياس الاسلام، ويجمع هذه التشريعات جامع (الارتباط بالله عزوجل).

ان مسيرة الناس في رأي الاسلام يجب ان تكون مرتبطة بالله في الدوافع والاساليب والاهداف، فبدون ارتباط المحدود بالمطلق والمخلوقين بالخالق تنحرف مسيرة المخلوقين وتضيع ويبقى الناس في أسر الفهم السطحي الجاهلي للاشياء والاسباب والاهداف.

وفي اطار الارتباط بالله فقط يمكن للناس ان يعيشوا الفهم الاسلامي للحياة ويعملوا فيها بمقياسه.

ولا يتحقق للناس ان ينعموا بهذا الاطار وهذه المسيرة بأن يعتقدوا ويعلنواان مسيرتهم مرتبطة بالله وسالكة في طريقه فهذا الاعلان بداية الطريق، اما التوغل فيه والتغلب على ما يعترض المسيرة ويحيط بها فلا يستطاع الا بأداء التشريعات العملية التي تجعلهم في جو هذا الارتباط واطاره.

واهم هذه التشريعات: الصلاة، ذكر الله كثيرا، والتسبيح، والدعاء والصوم والحج، والتفكير ومحاسبة النفس.. وبما ان الصلاة والصوم والحج فرائض محددة ومعروفة، فسنعرض لكل واحد من التشريعات الباقية ان شاء الله..

ذكر الله كثيرا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُ‌وا اللَّـهَ ذِكْرً‌ا كَثِيرً‌ا ﴿٤١﴾

من المسائل التي يجب ان تكون واضحة في اذهان الدعاة مسألة ذكر الله عزوجل.

فقد امرنا الله في تسع آيات من القران ان نذكره كثيرا.

والامر بالذكر الكثير غير الامر بالصلاة والدعاء وغير الامر بالذكر بمعنى التدبر والتفكير في العقيدة.

لقد كان التكليف بذكر الله كثيرا واضحا في اذهان المسلمين في عهد رسول الله ﷺ لا بسبب انهم كانوا يتلقون الاسلام واضحا صافيا منه ﷺ فحسب، بل لانهم كانوا يسيرون في مسار الدعوة الصحيح، وان جملة من تكاليف الاسلام ومفاهيمه يتوقف وضوحها على مسار المسلمين الصحيح في الدعوة لانها مرتبطه ارتباطا عضويا بهذا المسار ومنزّلة للسالكين فيه، شأن المبادىء ذات المفاهيم المنسجمة الموضوعة لمسار معين لاتباعها.

وقد ابتلى التكليف بذكر الله في مجرى حياة المسلمين ـ ككثير من التكاليف والمفاهيم ـ بألوان خاطئة من الفهم والممارسة لا زال امتدادها في حياتنا الحاضرة.

ان الانصراف عن ذكر الله، والغموض في فهمه وممارسته، وعناصر الفهم الصوفي التي دخلت عليه، حالات لا زالت تعيش في الامة وتمتد الى صفوف الدعاة الذين هم اقدر الناس على فهم هذا التكليف.

ان احدنا بايمانه بالاسلام وبدئه بالدعوة اليه يكون قد ربط مسيرته بالله في دافعها وهدفها وتعامل مع الفهم الاسلامي للدافع والهدف ولكنه اذا لم يحافظ على هذا الارتباط والتعامل ايام حياته ومختلف حالاته يفقد الارتباط بالله، يفقد طريقه.

انه ليس بمقدور احدنا ان يتغلب على هذه المعترضات المزعجة الداخلية والخارجية الا بتأكيد مسيرته في نفسه دائما وتأكيد مقياس الاسلام للامور وهذا التأكيد لا يأتي الا بذكر الله عزوجل كثيرا.

كيف نذكر الله كثيرا:

ان تكاليف الاسلام منسجمة في شكلها مع الهدف المقصود منها، ولما كان الهدف من التكليف بالذكر الكثير هو تقويم الانسان وضبطه بمقياس الاسلام واطاره، فقد جعل الله التكليف بالذكر مطلقا لم يقيده بعدد في اليوم او بحالة او بصيغة بل امر بالاكثار منه واوكل الى المسلم ان يختار الشكل الذي ينفع لقلبه وسلوكه ويلائم حالته وظرفه. قال الله تعالى وَاذْكُر‌ رَّ‌بَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّ‌عًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ‌ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴿٢٠٥﴾.

وفي الحديث الشريف:

لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما كان او جالسا او مضطجعا، ان الله تعالى يقول الَّذِينَ يَذْكُرُ‌ونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُ‌ونَ.

وفي الحديث الشريف:

ما من شيء الا وله حد ينتهي اليه الا الذكر فليس له حد ينتهي اليه. فرض الله الفرائض فمن اداهن فهو حدهن الا الذكر فان الله عزوجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي اليه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااذْكُرُ‌وا اللَّـهَ ذِكْرً‌ا كَثِيرً‌ا ﴿٤١﴾.

والذكر يكون باللسان ويكون بالعمل، ففي الحديث الشريف:

اشد الاعمال ثلاثة: انصاف الناس من نفسك، ومواساتك اخاك، وذكر الله تعالى على كل حال، ليس سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله الكبر وان كان هذا من ذاك، ولكن اذا ورد عليك شيء امر الله به اخذت به واذا ورد عليك شيء نهى عنه تركته.

ويكون في حالة الشدة إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ.

ويكون في حالة الرخاء فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ.

ويكون عند الوقوع في الذنب وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةًأَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُ‌وا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُ‌وا.

ويكون في المساجد مَسَاجِدُ يُذْكَرُ‌ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرً‌ا.

ويكون في المناسك وَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ.

ويكون اذا خلا المسلم بنفسه وَاذْكُر‌ رَّ‌بَّكَ فِي نَفْسِكَ.

ويكون في اثناء العمل للمعيشة وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَثِيرً‌ا.

و يكون عند الغضب وعند الرضا وعند الالم وعند الامل الخ…

صفة الدعاة الذاكرين لله:

يشرح اميرالمؤمنين علي عليه السلام اهمية ذكر الله عزوجل وصفة الدعاة الذاكرين لله فيقول:

”إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جَلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ اَلْمُعَانَدَةِ وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَسْمَاعِ وَاَلْأَبْصَارِ اَلْأَبْصَارِ وَاَلْأَسْمَاعِ وَاَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ اَلطَّرِيقَ وَحَذَّرُوهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ وَأَدِلَّةَ تِلْكَ اَلشُّبُهَاتِ وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ وَيَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُمْ قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلآْخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا…“

ان الدعاة وجود جديد من ابناء الامة ودم جديد في حياتها، فهم يجسدون مسيرة الاسلام في دافعها وهدفها ويجسدون مقياس الاسلام في نظرتهم وتعاملهم مع الامور.

وليس في استطاعتنا ان نحافظ على هذا المستوى في شخصياتنا وفي مسيرتنا وليس باستطاعتنا ان نؤدي واجبنا في دعوة الناس الى الاقلاع عن طرقهم الضائعة ومقاييسهم الخاطئة والسير في طريق الاسلام والتعامل بفهمه ومقياسه للامور الا بالاكثار من ذكر الله عزوجل في ايام حياتنا ومختلف حالاتنا والاكثار من تذكير الناس بالله عزوجل.

كيف نتعود على ذكر الله:

الداعية وجود جديد في الامة لانه متغير بالاسلام وعامل في سبيل التغيير. والداعية في نفس الوقت نبتة من نبتات المجتمع يحمل من صفاته ورواسبه. وما لم يواصل تغيير نفسه والاتصاف بالصفات الاسلامية يتراجع القهقرى. ومن الصفات الهامة في الداعية صفة (الذاكر لله كثيرا) بأن يكون ذكر الله تعالى طابعا لشخصيته يجري في قلبه وعلى لسانه ويظهر اثره في حالات رضاه وغضبه، واحجامه واقدامه، ويسره وعسره..

وهذه بعض الطرق لتحقيق الاتصاف بهذه الصفة والتعوّد عليها:

(١) تعميق ذكر الله في النفس:

بالتفكير المركز الذي يملأ العقل بوجوده تعالى وقدرته وحكمته وسائر صفاته الحسنى. الَّذِينَ يَذْكُرُ‌ونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُ‌ونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ رَ‌بَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‌ ﴿١٩١﴾ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَذِكْرِ‌كُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرً‌ا وينبغي ان يغتنم الداعية الفرص المناسبة للتفكير وهي كثيرة، او يخصص له جزءا من وقته فان الساعة من التفكير وربما الدقائق تترك اثرا كبيرا في النفس.

(٢) الالتقاء بمن يذكره بالله عزوجل:

فالمؤمن مع المؤمن يشكلان جوا اسلاميا هَارُ‌ونَ أَخِي ﴿٣٠﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِ‌ي ﴿٣١﴾ وَأَشْرِ‌كْهُ فِي أَمْرِ‌ي ﴿٣٢﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرً‌ا ﴿٣٣﴾ وَنَذْكُرَ‌كَ كَثِيرً‌ا ﴿٣٤﴾ وفي الحديث الشريف

”النظر الى وجه من يذكـّرك النظر الى وجهه بالله عباده“

وفي حديث آخر

”مازار مسلم اخاه المسلم في الله ولله الا ناداه الله عزوجل ايها الزائر طبت وطابت لك الجنة“

فينبغي للداعية ان يحرص في كل الظروف على الالتقاء ولو بأخ واحد يذكره بالله كلما احس بالحاجة الى ذلك، وحتى لو كان هدف الالتقاء خصوص التذكير بالله، وان ذكر امر الدعوة من ذكر الله عزوجل.

(٣) محاسبة الداعية لنفسه:

واستعراض الحالات والمواقف التي مر بها في النهار وهل انه ذكر الله تعالى فيها بقلبه ولسانه واستجاب لامره ونهيه؟ ام نسي وقصر؟ ثم مراقبة نفسه في اليوم التالي اثناء النهار ومحاسبتها آخر النهار لمعرفة التقدم الذي احرزه.. وهكذا.

وتوجد طريقة اخرى للمحاسبة والمراقبة: فقد ورد في الاحاديث الشريفة عبارات معينة من الذكر لحالات متعددة فينبغي للداعية ان يحفظها ويراقب تطبيقها:

(٤) اوراد الذكر والتسبيح:

بأن يكثر الداعية من قول: سبحان الله. الحمد لله. لا اله الا الله.الله اكبر. استغفر الله. ما شاء الله. لا قوة الا بالله. الخ.. يكرر احدها عشرات المرات او مئات المرات بعد صلاته او في اثناء عمله او عند منامه واستيقاظه.

فقد ورد ان تسبيح الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير.

و ورد عن يونس بن يعقوب قال:

سألت اباعبدالله الصادق عليه السلام من قال سبحان الله مئة مرة كان ممن ذكر الله كثيرا؟

قال: نعم.

و ورد ان ابليس يقول:

خمسة ليس لي فيهم حيلة وسائر الناس في قبضتي:

  1. من اعتصم بالله عن نية صادقة واتكل عليه في جميع اموره.

  2. ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره.

  3. ومن رضي لاخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه.

  4. ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه.

  5. ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم برزقه.

وورد ان سليمان بن داوود عليه السلام مر بموكبه وجنوده على حرّاث فسمعه يقول:

لقد أوتي ابن داوود ملكا عظيما

فنزل ومشى اليه وقال:

لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتي ابن داوود، لان ثواب التسبيحة يبقى وملك سليمان يفنى.

الانحراف في ذكر الله:

يوجد في المسلمين نوعان من الانحراف في ذكر الله تعالى وفي العبادة بشكل عام: الذكر الصوفي الذي يمارسه اصحاب الطرق الصوفية المتعددة والذكر التقليدي الذي يمارسه متدينون لا ينتمون الى الطرق الصوفية وهما انحرافان عن الخط الاسلامي للذكر:

  • أ. في الاطار العام للذكر والعبادة وفهم ارتباط المسلم بالله تعالى.

  • ب. في شكل الذكر من الاوراد المخترعة والحركات المبتدعة والدفوف والشعبذة الخ..

  • ج. في تصور ان هدف الاسلام الذي هو وصول المسلم الى الله وفناؤه فيه كما يدعون او كسب رضاه يتحقق بساعات الاوراد والحلقات، وكأن بقية السلوك ثانوي عن الهدف.

  • د. في اعطاء الناحية الكمية من الذكر قيمة اسلامية حتى لو كانت لقلقة لسان.

  • ه. في الرتب والالقاب والمقامات وعلاقات المريدين بالاقطاب والابدال مما ليس له اساس اسلامي.

  • و. في استعمال اوراد الذكر والادعية في اغراض منحرفة، حتى كأنه تعويذة يملكها بعضهم لتحقيق اغراضه واهوائه من تحصيل مال او استمالة قلب امرأة او الانتقام من شخص أو اماتة شخص لاخذ مركزه الخ.

ومع هذه الانحرافات فان العديد من الصوفيين والتقليديين يمكن للداعية ان يصحح خطأهم بالتدريج ويقربهم من الدعوة.

الغافلون عن ذكر الله:

كما يوجد في المسلمين انواع من الانحراف والغفلة عن ذكر الله تعالى:

  1. الناسون لله. اصحاب المعاصي والمنكرات الذين لا يحملون من الاسلام الا اسمه نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ وهم قسم كبير من المسلمين.

  2. المسلمون العلمانيون. وهم قسم من المثقفين والمتعلمين تضغط عليهم اجواء الحضارة المادية وسيطرتها على بلاد المسلمين، ويستهويهم تقدمها العلمي و ثقافتها، فيتجهون الى تقديم جوانب من تشريعات الاسلام وآدابه وتاريخه وآيات من القران.. بأسلوب الثقافة المادية ومقاييسها كتدليل على ان في الاسلام ما هو مقبول ومواكب للعصر. ويهملون الاساس الذي قام عليه الاسلام وهو قضية الاعتقاد بالله عزوجل حتى لا يكاد يحس بالله في مؤلفاتهم ومحاضراتهم واحاديثهم.

  3. المسلمون السياسيون. وهم قسم من المسلمين العاملين يوجدون في بعض الاحزاب الاسلامية يضغط عليهم الواقع السياسي الذي يعيش فيه المسلمون وسيطرة المستعمر الكافر وعملائه فيعيشون الاسلام وكأنه ازمة حكم او أزمة انتقام من عميل معين، ويتوجهون بكلهم الى هذه المسألة الكبيرة من قضية الاسلام فيكون ذلك على حساب التوجه الى مسائل اخرى من الدعوة ومنها مسألة ذكر الله تعالى.. حتى قد يفقد احدهم طابع الداعية الى دين الله الذاكر له تعالى.

    ان الوعي السياسي والاهتمام به اساس في الدعوة الى الاسلام وان اكثر الاحزاب الاسلامية ينقصها الاهتمام والوعي للواقع والاحداث السياسية، ولكن مشكلة هؤلاء الاخوة ان نوع اهتمامهم السياسي يشبه اهتمام الاحزاب المادية الاخرى ويفقد بعض العناصر الاسلامية، ومساحة اهتمامهم السياسي قائمة فعلا على حساب مسائل اخرى في شخصية الداعية وعمل الدعوة.

  4. اصحاب الارتباط المنحرف بالنبي والائمة عليهم السلام والاولياء:

    وأكثره انحراف عملي في الارتباط والتقديس، لأن اصحابه يعتقدون بأن النبي والائمة عليهم السلام والاولياء عباد مخلوقون لله لا يملكون نفعا ولاضرا وأنهم مبلغون وقدوة في عبادة الله تعالى ذكره.. ولكنهم في سلوكهم العملي ينحرفون في تقديسهم لهم عليهم السلام فتراهم يذكرونهم اكثر مما يذكرون الله تعالى! ويطلبون منهم حاجاتهم أكثر مما يطلبونها من الله تعالى! ويعيشون في أنفسهم وأمورهم العلاقة بهم أكثر مما يعيشونها مع الله تعالى! فيطغى ارتباطهم بهم على ارتباطهم بالله تعالى حتى لاتكاد تحسه.

    ان الارتباط الذي يريده الاسلام بهؤلاء الاسوة والقدوة عليهم السلام انما هو لغرض تعليم المسلم على الارتباط بالله وذكره وقد بذلوا عليهم السلام اعمارهم لهذه الغاية وكانوا امثالا في ذكر الله تعالى في جميع الامور.

    اما حينما يصبح ارتباط المسلم بهم عليهم السلام طاغيا على سلوكه وتعامله فهو ارتباط وتقديس منحرف يحجبه عن ذكر الله تبارك وتعالى.

  5. اصحاب الخمول الروحي:

    فان الداعية يعيش في اجواء هذه الحضارة المادية الكريهة عيشة الغربة والمعاناة من اناس بعيدين عن الله تعالى لا يحبونه ولا يذكرونه، يتهافتون على الظلم والمعاصي والدنيا المحرمة.. بين نفوس منكوسة وعقول مدخولة وقلوب جامدة، وافكار ضالة، واجواء فاسقة.. يتعامل معها الداعية أكثر أوقاته في ساعات عمله ورواحه ومجيئه وعلاقاته الاجتماعية ووسائل الاعلام، وقد تمتد الى بيته وأسرته!

    ان نفس الداعية فيها التقوى وفيها الفجور ولكن هذه القلوب العاصية والاجواء الفاسقة تثير شرور القلب وتفتح منافذ الشيطان وتؤثر على الداعية تأثيرا متفاوتا:

    • أ. فبعض الدعاة يمر بين الحين والحين بحالة انخفاض في مستوى ايمانه وتعامله بالاسلام، ثم لا يلبث بمعونة الله ان ينهض منها.

    • ب. وبعضهم تزداد حالته فيفقد خشوع صلاته وتأثير كتاب الله على قلبه وحلاوة طاعته ونداوة مشاعره ويصاب بخمول في روحه.

    • ج. وبعضهم تزداد حالته وتطول فيغلظ قلبه وتموت مشاعره ويختلط فكره وتذبل شعلة الايمان بين جنبيه.

    • د. وبعض الناس يتمكن الخمول الروحي من قلبه فيكون مرضا مستحكما فيفقد حياة الايمان وقد يفقد ايمانه بالتدريج.