الشخصية الاسلامية

صدر في عام ١٣٩٢ هجري وتظهر منه الاستفادة من موضوع "الشخصية الاسلامية" بقلم الشهيد السعيد الشيخ عارف رضوان الله عليه

مقومات الشخصية:

الناس متباينون في عقائدهم الدينية وآرائهم الفلسفية واتجاهاتهم الفكرية والسياسية، وميولهم العاطفية والنفسية. ومعاملاتهم وعاداتهم الاجتماعية. فهم يسيرون دروباً شتى كما قال الله عنهم سبحانه إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ﴿٤﴾ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا.

هذه الاختلافات في شخصيات الافراد لا تخرج بشكل عام عن جوانب ثلاثة هي المقومات الرئيسة لشخصية الانسان وهي:

  1. الافكار وتدخل فيها النظرة الفلسفية الشاملة للكون والحياة، ومجموعة التعاليم والآراء التي تقرر اتجاه الانسان ونوعية سلوكه.

  2. العواطف وتدخل فيها مجموعة العوامل النفسية المنبثقة عن المفاهيم المؤثرة في سلوك الانسان في الحياة كالاندفاع والانكماش والحب والكراهية والتأييد والمعارضة والتسامح والحقد والعزة والضعة.

  3. السلوك ويدخل فيه جيمع التصرفات الفردية الايجابية والسلبية الناشئة عن المفاهيم والعواطف.

انواع الشخصية:

و بسبب اختلاف هذه المقومات للشخصية الانسانية تتباين شخصيات الافراد من فرد الى آخر ولكنها تنقسم بشكل عام الى قسمين رئيسين:

  • شخصيات ملتزمة: وهي تلك الشخصيات التي تبني مقوماتها على اي مبدأ او مذهب حياتي معين كالشخصية الاسلامية والشخصية الشيوعية والشخصية الرأسمالية.

  • شخصيات غير ملتزمة: وهي التي لاتبني مقوماتها على اي مبدأ او مذهب كشخصية الكثرة الكاثرة من المسلمين المعاصرين، حيث انهم اخذوا العقيدة الاسلامية كعقيدة نظرية ولم يأخذوها على انها اساس لمبدأ كامل ينتظم بموجبه اتجاه الشخصية وسلوكها في جميع المجالات.

ان الفرق بين هذين القسمين من الشخصيات شاسع، فالقسم الاول تكون فيه الشخصية وحدة متكاملة يسود التناسق بين افكارها وعواطفها وينظم الانسجام سلوكها وافعالها، فلا مجال للارتباك في الافكار والصراع بين المشاعر والتناقض في السلوك الا بمقدار ما يحمله المبدأ او المذهب من تناقض، بعكس الشخصية الاخرى التي لا ترتبط مقوماتها العامة برباط واحد فهي لا تعرف ابعادا معلومة لمفاهيمها وآرائها ولا تعرف التناسق بين عواطفها ولا الانسجام بين سلوكها وتصرفاتها، كما قال الله سبحانه: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِ‌نَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُ‌هُ فُرُ‌طًا ﴿٢٨﴾.

من هذا يمكن ان يتبين للدعاة المعالم الرئيسية للشخصية الاسلامية. فليست الشخصية الاسلامية شخصا ينطق بالشهادتين وكفى قَالَتِ الْأَعْرَ‌ابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُواوَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ كما انها ليست شخصا احاط بأفكار الاسلام وأحكامه علما ولكن دون ان تتجسد هذه الافكار والاحكام وما يتصل بها من مفاهيم في شخصيته فتوجه سلوكه وتنظم علاقاته بالله تعالى وبالناس.

قال الامام الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ يعني بالعلماء من صدّق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم.

وقال عليه السلام ايضا ”لا يقبل الله عملا الا بمعرفة ولا معرفة الا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له.. الا ان الايمان بعضه من بعض“.

كما انه ليس من الشخصية الاسلامية في شيء ان يرتبط الشخص بأعداء الاسلام بروابط الود والاحترام ويتبادل معهم مشاعر الحب والاخلاص.

قال الله تعالى لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَ‌تَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُ‌وحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَ‌ضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَ‌ضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾.

فالشخصية الاسلامية هي الشخصية المبدئية التي اتخذت من العقيدة الاسلامية قاعدة لنظرتها الكبرى واساسا لمقاييسها ومعينا لافكارها ومنهلا لعواطفها، ومن احكام الاسلام منهاجا شاملا لجميع تصرفاتها وعلاقاتها.

بناء الشخصية الاسلامية:

وهناك من الناس من يدرك رقي العقيدة الاسلامية وسمو نظامها ويستبعد امكانية ايجاد امثال هذه الشخصية في واقع الحياة، ويتصور ان محاولة ايجادها ضرب من العبث خصوصا في مثل هذه الاوضاع الاجتماعية الفاسدة. ان هؤلاء لم يتضح لديهم مفهوم الشخصية الاسلامية وحدودها، فليس المراد من الشخصية الاسلامية تلك التي وجبت لها العصمة وما عداها لا تكون شخصية اسلامية، وانما هناك مراتب ودرجات تدخل كلها ضمن عنوان هذه الشخصية وتكون شخصية المعصوم عليه السلام في القمة من هذه الدرجات والمراتب. فاذا كان الاصل في اتجاه الشخص وسلوكه في الحياة منسجما مع خط الاسلام ولا يخرج عن حدوده الا في حالات نادرة فشخصيته اسلامية.

كما فات هؤلاء ان الاسلام استطاع ان يجسد هذه الشخصية في الداعية الاسلامي الاول الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله في اروع صورها وارقى اشكالها ثم في اهل بيته المعصومين عليهم السلام ثم في شخصيات كثير من الصحابة والتابعين وغيرهم من المسلمين في كر الدهور. ويرجع سر نجاح الاسلام في تجسيد عقيدته ونظامه الى بساطة عقيدته وموافقتها للفطرة الانسانية، لذلك فان بلوغ هذه المنزلة السامية ليس بالامر المستحيل كما انه ليس بالامر البسيط المتيسر في كل حال، وانما هو امر ممكن لكل انسان اذا توافرت لديه شروطه من اخلاص النية لله تعالى والحرص على طاعة الله في السر والعلن.

ان من مهماتنا في هذه المرحلة ايها الاخوة اعداد اكبر عدد ممكن من تلكم الشخصيات الاسلامية التي تجسد الاسلام حيا في واقع حياتها والتي ستغير باذن الله مجرى التاريخ الانساني لتعيد للانسانية كرامتها وترفعها الى اعظم مستوى حضاري عرفه الانسان.

ايها الاخوة: ليس بمقدور كل انسان ان يواكب الدعوة في سيرها وارتفاعها، نقول ذلك لتجربة عشناها وستعيشها الدعوة في طريقها الشائك، فالذي يسير مع الدعوة ويستمر في السير يكون من نوعها في الاخلاص لله والصدق في الجهاد والسعي المتواصل الواعي من اجل نوال مرضاته، فالداعية الذي يجعل مصلحة الاسلام فوق جميع المصالح والاعتبارات ويعمل بنفسية اسلامية عالية مترفعة عن كل شعور اناني ضيق مهما كان مصدره ومتصلا بالله في هدفه وتصرفاته وحريصا على ان يدعو الناس بسلوكه قبل لسانه وقلبه… ان داعية اسلاميا كهذا لهو الشخصية الاسلامية التي ستساهم، باذن الله، في صنع المجتمع الاسلامي المرتقب، ومن هنا يتضح ان المقياس في تشخيص من يصلح من الدعاة لبلوغ تلك المنزلة الرفيعة ـ منزلة الشخصية الاسلامية ـ هو مقياس عملي محسوس يمكن للدعوة والداعية ان يلاحظاه في سلوك الداعية القويم.

الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿٢٠﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ‌ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴿٢١﴾ وَالَّذِينَ صَبَرُ‌وا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَ‌بِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ سِرًّ‌ا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَ‌ءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ‌ ﴿٢٢﴾

صدق الله العظيم