اسس اسلامية

بقلم الشهيد السيد الصدر رضوان الله عليه صدر في عام ١٣٨١ هجري، وهذه الصيغة جرى عليها تعديل، كما توجد لهذه الاسس تكملة وشرح لبعضها بقلمه.

الاساس رقم (١)

الاسلام

الاسلام في اللغة هو الاستسلام والانصياع، وبهذا المعنى كان صفة للدين الالهي بشكل عام في قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وآيات اخرى.

اما المعنى الاصطلاحي للاسلام فهو (العقيدة والشريعة اللتين جاء بهما من عند الله تعالى الرسول الاعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله) وهذا المعنى هو المقصود من الاسلام في قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا

ونقصد بالعقيدة (مجموعة المفاهيم التي جاء بها الرسول ﷺ التي تعرفنا خالق العالم وخلقه وماضي الحياة ومستقبلها ودور الانسان فيها ومسؤوليته امام الله وقد سميت هذه المفاهيم عقيدة لانها معلومات جازمة يعقد عليها القلب).

ونقصد بالشريعة (مجموعة القوانين والانظمة التي جاء بها الرسول ﷺ التي تعالج الحياة البشرية كافة، الفكرية منها والروحية والاجتماعية بمختلف الوانها من اقتصادية وسياسية وغيرها).

فالاسلام اذا مبدأ كامل لانه يتكون من عقيدة كاملة في الكون ينبثق عنها نظام اجتماعي شامل لأوجه الحياة ويفي بأمس وأهم حاجتين للبشرية وهما القاعدة الفكرية والنظام الاجتماعي.

الاساس رقم (٢)

المسلم

المسلم على قسمين:

مسلم واقعي، وهو من استسلم عن ايمان ويقين بالله واليوم الآخر ورسالة النبي ﷺ ويعبر عنه في القران الكريم كثيرا بالمؤمن وعن مقابله بالكافر.

ومسلم ظاهري، وهو كل من شهد الشهادتين ولم يظهر منه انكار لضروري من ضروريات الدين. ويعتبر كل من اعلن الشهادتين في عرف الدولة مسلما مساويا في الحقوق والواجبات لسائر المسلمين.

والدليل الشرعي على ذلك:

  • اولا: سيرة النبي ﷺ والمسلمين مع من كان يسلم تحت ضغط التهديد بالقتل، فانه كان يقبل اسلامه بمجرد اعلانه الشهادتين.

  • ثانيا: سيرة النبي ﷺ مع اشخاص علم نفاقهم بشهادة القران الكريم

  • ثالثا: نصوص السنة المصرحة بأن احكام الاسلام تدور مدار اعلان الشهادتين.

وعلى ذلك فالدولة الاسلامية تساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المشتركين في اعلان الشهادتين، في احكام الاسلام العامة: الطهارة، جواز التزويج، دخول المساجد ونحو ذلك. وان كان لا يجوز لها ان تسند الى من تخشى نفاقه ورياءه شيئا من الوظائف والمهام التي يشكل اسنادها خطرا على الاسلام، كما يجوز لها ان تضعه في رقابة وتحدد تصرفاته طبقا لمقتضيات المصلحة الاسلامية العليا.

كما ينبغي ان يعلم ان المرتد عن الاسلام سواء كان مليا او فطريا اذا تاب واناب فان الدولة تقبل اسلامه واقعا وظاهرا وتعامله كبقية المسلمين وذلك استنادا الى رأي فقهي تتبناه الدعوة.

الاساس رقم (٣)

الوطن الاسلامي

الوطن الاسلامي هو (ما يسكنه المسلمون من اقطار العالم).

يجب ان نميز بين استحقاق الدولة الاسلامية للارض وبين صفة الوطن الاسلامي التي يصح ان نصف بها الارض.

ان استحقاق الدولة الاسلامية للاراضي نوعان:

النوع الاول: الاستحقاق السياسي وهو ما تستحقه الدولة الاسلامية من الارض باعتبارها الادارة السياسية العليا للاسلام اي باعتبارها المسؤولة عن الكيان السياسي للمبدأ الاسلامي والموظفة الشرعية على تطبيقه ونشره وحمايته ودائرة هذا الاستحقاق ليست محدودة بحدود لان الكيان السياسي للدولة الاسلامية قائم على مبدأ فكري عام لا تختلف في حسابه الاراضي والبلاد. ولذلك كان الاسلام المتمثل في الدولة الاسلامية صاحب الحق الشرعي في الارض كلها وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ‌ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ‌ أَنَّ الْأَرْ‌ضَ يَرِ‌ثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥﴾ فيحق للدولة الاسلامية اخضاع جميع اراضي العالم لها سياسيا. غير ان طريقة استعمال هذا الحق وشكل تنفيذه يختلف باختلاف طبيعة الاشخاص المستوطنين للارض من حيث كونهم مسلمين او ذميين او كفارا غير ذميين الخ… وتشرح ذلك الاحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدولة الخارجية.

النوع الثاني: استحاق مالكي وهو ما تستحقه الحكومة الاسلامية من الارض باعتبارها الممثل الاعلى للامة الاسلامية والوكيل الشرعي عنها في حقوقها واملاكها. ودائرة هذا الاستحقاق هي الارض الخراجية فانها املاك عامة للامة المسلمة وتقوم بولايتها او وكالتها عنها بتولي شؤونها طبقا لمصالح الامة. وتشرح ذلك الاحكام الشرعية المتعلقة باملاك الامة العامة.

ومن الواضح ان صفة الوطن الاسلامي تختلف في طبيعتها عن صفة الاستحقاق السياسي والمالكي فان استحقاق الدولة السياسي للارض هو بسبب تحمل الحكومة حماية المبدأ مما جعل لها الحق في تنفيذ ارادة الاسلام في الارض طبقا لتشريعاته. والاستحقاق المالكي سببه املاك الامة مما جعل لها الحق في تنفيذ ارادة الامة طبقا لمصالحها، وهذا الاستحقاق بنوعيه حكم شرعي لابد في استنباطه وتحديد دائرته من الادلة الشرعية.

اما تحديد الارض التي يصح وصفها بالوطن الاسلامي فهو ليس حكما شرعيا فيكون المرجع فيه العرف السليم الذي يقضي في تعريف الوطن الاسلامي بأنه (كل ما يسكنه المسلمون من اقطار الارض).

الاساس رقم (٤)

الدولة الاسلامية

الدولة ككل على ثلاثة انواع:

  • النوع الاول: الدولة القائمة على قاعدة فكرية مضادة للاسلام كالدولة الشيوعية والدولة اليمقراطية الرأسمالية، فان القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الشيوعية تناقض الاسلام تماما، وكذلك القاعدة الفكرية الرئيسية للدولة الديمقراطية الرأسمالية، فانها وان لم تمس الحياة والكون بصورة محددة الا انها تناقض نظرة الاسلام الى المجتمع وتنظيم الحياة، فهي ايضا قائمة على قاعدة فكرية مضادة للاسلام. وهذه الدولة دولة كافرة لانها لا تقوم على القاعدة الفكرية للاسلام وهي بسبب تبنيها لقاعدة فكرية مناقضة للاسلام تعد كل امكاناتها للتبشير بتلك القاعدة ومحاربة كل ما يناقضها بما في ذلك الاسلام بعقيدته وافكاره وتشريعه. وحكم الاسلام في حق هذه الدولة انه يجب على المسلمين ان يقضوا عليها وان ينقذوا الاسلام من خطرها اذا تمكنوا من ذلك بمختلف الطرق والاساليب التبشيرية والجهادية لان الاسلام في هذه الدولة حتى بصفته عقيدة موضع للهجوم وموضع للخطر فتكون الحالة معها حالة جهاد لحماية بيضة الاسلام، غير ان وجوب جهاد هذا العدو لا يعني بطبيعة الحال القيام باعمال تعرض العاملين للخطر دون نتيجة ايجابية.

  • النوع الثاني: الدولة التي لا تملك لنفسها قاعدة فكرية معينة كما هو شان الحكومات القائمة على اساس ارادة حاكم وهواه او المسخرة لارادة امة اخرى ومصالحها. وهذه الدولة كافرة وليست دولة اسلامية وان كان الحاكم فيها والمحكومون مسلمين جميعا لان الصفة الاسلامية للدولة لا تنبع من اعتناق الاشخاص الحاكمين للاسلام وانما تنشأ من اعتناق نفس الدولة كجهاز حكم للاسلام، ومعنى اعتناق الدولة للاسلام ارتكازها على القاعدة الاسلامية واستمدادها من الاسلام تشريعاتها ونظريتها للحياة والمجتمع، فكل دولة لا تكون كذلك فهي ليست اسلامية ولما كان الكفر هو النقيض الوحيد للاسلام صح ان نعتبر كل دولة غير اسلامية دولة كافرة وكل حكم غير اسلامي حكما كافرا، لان الحكم حكمان: حكم الاسلام، وحكم الكفر والجاهلية، فما لم يكن الحكم اسلاميا مرتكزا على القاعدة الاسلامية فهو حكم الكفر والجاهلية وان كان الحاكم مسلما متعبدا بعبادات الاسلام ففي الحديث الشريف ان الحكم حكمان حكم الله عزوجل وحكم الجاهلية فمن اخطأ حكم الله فقد حكم بحكم الجاهلية.

    والاسلام في هذه الدولة وان كان لا يجابه منها حربا مركزة على عقيدته وافكاره الا انه حيث اقصي عن قاعدته الرئيسية اصبح يفقد ضمان الدولة بكل وجه من الوجوه، واصبح وجوده في خطر.

    والحكم الشرعي في حق هذه الدولة انها ليست دولة شرعية ويجب على المسلمين هدمها وابدالها بدولة اسلامية، وكذلك فان وجوب ابدالها لا يعني القيام باعمال تعرض العاملين للخطر دون احتمال نتيجة ايجابية، كما ان الطرق التي تستعمل في سبيل هدمها وابدالها تقدر من حيث درجة العنف والقوة طبقا لمدى الخطر الذي يتهدد الاسلام منها وطبقا لامكانات العاملين واحتمال عود جهادهم بنتيجة على الاسلام.

  • النوع الثالث: الدولة الاسلامية وهي الدولة التي تقوم على اساس الاسلام وتستمد منه تشريعاتها بمعنى انها تعتمد الاسلام مصدرها التشريعي وتعتمد المفاهيم الاسلامية منظارها الذي تنظر به الى الكون والحياة والمجتمع.

والدولة الاسلامية هذه على ثلاثة انحاء:

  • النحو الاول: ان تكون جميع التشريعات التي تقوم بها الدولة مستمدة من القاعدة الفكرية بحيث ان سير الدولة التشريعي والتنفيذي يكون منسجما ومتفقا مع متطلبات الاسلام واحكامه وبصورة مضمونة دون اي قصور او تقصير. وهذا انما يتأتي فيما اذا كانت السلطة الحاكمة معصومة من الخطأ والهوى كالسلطة الحاكمة ايام النبي ﷺ وامير المؤمنين عليه السلام.

وحكم الاسلام بحق الدولة من هذا النوع انه يجب اطاعتها ولا يجوز التخلف عن اوامرها وقراراتها التي تصدرها بصفتها سلطة حاكمة بحال من الاحوال.

  • النحو الثاني: ان تكون بعض التشريعات والتنفيذات متعارضة مع الاسلام تعارضا ناشئا من عدم اطلاع السلطة الحاكمة على حقيقة الحكم الشرعي او طبيعة الموقف. و حكم الاسلام بحق الدولة من هذا النوع:

    1. انه يجب على العارف من المسلمين ان يشرح للدولة ما تجهله من احكام الاسلام اداء لوجوب تعليم احكام الاسلام لمن يجهلها خاصة السلطة الحاكمة.

    2. كما يجب على المسلمين اطاعة هذه السلطة في كل الحقوق والمجالات التي تشملها صلاحياتها الشرعية.

    3. واذا اصرت السلطة الحاكمة على وجهة نظرها الخاطئة عن حسن نية ولم يمكن لمن يختلف معها في وجهة نظرها ان يثبت لها رأيه، فان كانت القضية من القضايا التي يجب فيها توحيد الرأي كالجهاد والضرائب وامثالها وجب على المخالف اطاعة امر الدولة وان كان معتقداً خطأها وان لم تكن القضية مما يجب فيه توحيد الرأي كان للمخالف ان يطبق في مجاله الخاص اجتهاده المخالف لا جتهاد الدولة.

  • النحو الثالث: ان تشذ الحكومة في تصرفاتها التشريعية او التنفيذية فتخالف القاعدة الاسلامية الاساسية عن عمد مستندة في ذلك الى هوى خاص او رأي مرتجل. وحكم الاسلام في هذه الدولة:

    1. انه يجب على المسلمين عزل السلطة الحاكمة واستبدالها بغيرها لان العدالة من شروط الحكم في الاسلام وهي تزول بانحراف الحاكم المقصود عن الاسلام فتصبح سلطته غير شرعية ويشترط في ذلك ان يتوصل المسلمون الى عزل السلطة الحاكمة بغير الحرب الداخلية.

    2. واذا لم يتمكن المسلمون من عزل الجهاز الحاكم وجب عليهم ردعه عن المعصية طبقا لاحكام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة المقدسة.

    3. واذا استمرت السلطة المنحرفة في الحكم فان سلطتها تكون غير شرعية ولا يجب على المسلمين اطاعة اوامرها وقراراتها فيما يجب فيه اطاعة ولي الامر الا في الحدود التي تتوقف عليها مصلحة الاسلام العليا كما اذا داهم الدولة خطر مهدد وغزو كافر فيجب في هذه الحالة ان يقف المسلمون الى صفها ـ بالرغم من انحرافها ـ وتنفيذ اوامرها المتعلقة بتخليص الاسلام والامة من الغزو والخطر.

والدولة في كل هذه الانحاء الثلاثة هي دولة اسلامية لقيامها فكريا على اساس الاسلام وارتكاز كيانها على القاعدة الاسلامية، ومجرد حدوث تناقض بين القاعدة التي تقوم عليها وبعض معالم الحكم ومظاهره لا يخرجها عن كونها دولة اسلامية، كما هو الشأن في كل دولة تقوم على قاعدة فكرية فانها تحمل صفة تلك القاعدة وان حصلت بعض التناقضات في جهاز الحكم.

ويترتب على الدولة الاسلامية في كل هذه الحالات بعض الاحكام الفقهية كسقوط الزكاة عن ذمة من تجب عليهم اذا اخذته الدولة منهم كما نصت على ذلك احكام الشريعة المقدسة.

الاساس رقم (٥)

الدولة الاسلامية دولة فكرية

لما كانت الدولة هي المظهر الاعلى للوحدة السياسية التي توجد بين جماعة من الناس فلا بد ان تكون وحدتها انعكاسا لوحدة عامة قائمة بين الجماعة.

وهذه الوحدة العامة بين الناس التي تنعكس في الوحدة السياسية تارة تكون وحدة عاطفية واخرى وحدة فكرية.

فالوحدة العاطفية هي العاطفة الواحدة التي يحسها ويشترك فيها جماعة من الناس بسبب من الاسباب كاشتراكهم في اقليم متميزبحدوده الجغرافية او اشتراكهم في قومية متميزة بلغة او دم او تاريخ معين.

واما الوحدة الفكرية فهي عبارة عن ايمان جماعة من الناس بفكرة واحدة تجاه الحياة يقيمون على اساسها وحدتهم السياسية، وهذه الوحدة هي الوحدة الطبيعية والجديرة بأن ينشأ على اساسها كيان سياسي موحد متمثل في دولة بعكس الوحدة العاطفية لان العاطفة لما كانت لا تعني بطبيعتها الموقف السياسي للامة ولا نظرتها العملية نحو الحياة فبالتالي لا يمكن ان توجد للامة حكما ونظاما , لان الحكم والنظام انما يوجده الفكر ولذا كان الفكر هو القاعدة الطبيعية للحكم وكانت الوحدة الفكرية هي الوحدة الصالحة لتعليل الوحدة السياسية المتمثلة في الدولة تعليلا علميا.

على ضوء ذلك نستطيع ان نقسم الدولة ولو بصورة غالبة الى ثلاثة اقسام:

  1. الدولة الاقليمية: وهي التي تعكس في وحدتها السياسية الوحدة الاقليمية.

  2. الدولة القومية: وهي التي تستمد وحدتها السياسية من القومية الموحدة.

  3. الدولة الفكرية: وهي التي ترتكز في وحدتها السياسية على وحدة فكرية معينة.

والدولة الاسلامية من القسم الثالث. ومن طبيعة الدولة الفكرية انها تحمل رسالة فكرية ولا تعترف لنفسها بحدود الا حدود ذلك الفكر، وبذلك تصبح قابلة لتحقيق رسالتها في اوسع مدى انساني ممكن، وكذلك الدولة الاسلامية فانها دولة ذات رسالة فكرية التي هي الاسلام، والاسلام دعوة انسانية عامة بعث بها النبي محمد ﷺ الى الانسانية كافة في مختلف العصور والبقاع بقطع النظر عن الخصائص القومية والاقليمية وغيرها كما يدل على ذلك قوله تعالى وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٨﴾ وقوله تعالى قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ‌ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّـهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنُ لِأُنذِرَ‌كُم بِهِ وَمَن بَلَغَ، مع آيات ونصوص اخرى كثيرة لا تدع مجالا للشك بأن الاسلام رسالة عالمية لا اقليمية ولا قومية.

الاساس رقم (٦)

شكل الحكم في الاسلام

تعريف الحكم في الاسلام:

الحكم في الدولة الاسلامية هو (رعاية شؤون الامة طبقا للشريعة الاسلامية) ولذلك يطلق على الحاكم كثيرا اسم الراعي وعلى المحكومين اسم الرعية كما في الحديث الشريف:

”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“

ولابد لكي تكتسب الرعاية صفة الشرعية ان يتوفر فيها امران:

  • الاول: تنفيذ رعاية شؤون الامة بالفعل وتطبيق احكام الرعاية في الاسلام عليها.

  • الثاني: ان تكون الرعاية نفسها متفقة مع نظام الحكم وشكل الرعاية في الاسلام فلا يكفي لان تكتسب الرعاية الصفة الشرعية ان تقوم فعلا بتطبيق الدستور والقوانين الاسلامية في ادارة شؤون الامة من جهاد واقتصاد وعلاقات سياسية بل لابد ان يراعى تطبيق الدستور والقوانين الاسلامية في الرعاية نفسها لان رعاية شؤون الامة من شؤون الامة ايضا فيجب ان تكون بالشكل الذي حدده لها الاسلام.

المهام التي تتطلبها الدولة الاسلامية

تتطلب الدولة الاسلامية عدة مهام هي:

  • اولا: بيان الاحكام وهي القوانين التي جاءت بها الشريعة الاسلامية المقدسة بصيغها المحددة الثابتة.

  • ثانيا: وضع التعاليم وهي التفصيلات القانونية التي تطبق فيها احكام الشريعة على ضوء الظروف، و يتكوَّن من مجموع هذه التعاليم النظام السائد لفترة معينة تطول وتقصر تبعا للظروف والملابسات.

  • ثالثا: تطبيق احكام الشريعة ـ الدستور ـ والتعاليم المستنبطة منها ـ القوانين ـ على الامة.

  • رابعا: القضاء في الخصومات الواقعة بين افراد الرعية او بين الراعي والرعية على ضوء الاحكام والتعاليم.

شكل الحكم الاسلامي

للحكم في الاسلام شكلان:

الاول: الشكل الالهي: وهو يعني حكم الفرد المعصوم الذي يستمد صلاحياته من الله مباشرة و يمارس الحكم بتعيين الهي خاص دون دخل لاختيار الناس وارائهم. وهذا الشكل من الحكم ثابت في الاسلام دون شك وباجماع المسلمين فمن المتفق عليه لدي المسلمين كافة ان حاكمية رسول الله ﷺ كانت من هذا الشكل كما يدل عليه قوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ‌سُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴿٣٣﴾و قوله تعالى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ أَمْرً‌ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ مِنْ أَمْرِ‌هِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿٣٦﴾ وغير ذلك من النصوص، ولم تكن البيعة التي يأخذها الرسول ﷺ من المسلمين تعني ان الرسول يستمد صلاحياته للحكم منها ولا المشورة المأمور بها في قوله تعالى وَشَاوِرْ‌هُمْ فِي الْأَمْرِ‌ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ تعني ان حاكميته مقيدة برأي الامة ومستمدة منها لان الله تعالى لم يوجب عليه الاخذ بما يشار عليه وانما علق الامر على عزمه خاصة.

وعلى هذا فوجود الشكل الالهي للحكم في الاسلام لا شك فيه ولا نزاع بين المسلمين و انما النزاع في تحديد الاشخاص الذين ثبت لهم الحق في ممارسة الحكم بهذا الشكل وهل ثبت بعده ﷺ لاحد ام لا، فيذهب السنة الى انحصار هذا الشكل من الحكم برسول الله ﷺ ويذهب الشيعة الى ان هذا الشكل من الحكم ثبت بعد الرسول ﷺ للائمة الاثني عشر المنصوص عليهم بصورة خاصة.

والضمان الاساسي في الشكل الالهي من الحكم هو العصمة من الهوى والخطأ التي تشكل الضمان الحتمي لاستقامة الحكم ونزاهته.

وبملاحظة المهام الاربع التي يتطلبها الحكم في الاسلام يتضح ان صلاحيات الحاكم المعصوم تشمل المهمة الاولى بوصفه مبلغا للشريعة الى الامة كما تشمل المهمة الثانية والثالثة بوصفه حاكما، كما تشمل المهمة الرابعة للقضاء بوصفه قاضيا اعلى فهو يمارس صلاحيات القيام بالمهام الاربع بوصفه مبلغا وحاكما ورئيسا اعلى للقضاء بينما يختلف الامر في الحاكم غير المعصوم كما سنرى.

الثاني: الحكم الشوري او حكم الامة:

والمصدر التشريعي لهذا الشكل من الحكم قوله تعالى وَأَمْرُ‌هُمْ شُورَ‌ىٰ بَيْنَهُمْ فان هذه الاية الكريمة الواردة في سياق صفات المؤمنين التي تستحق المدح والثناء تدل على ارتضاء طريقة الشورى وكونها طريقة صحيحة حينما لا يوجد نص من قبل الله ورسوله واما حيث يوجد النص فلا مجال لاعتبار الامر شورى لانه سبحانه يقول وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ أَمْرً‌ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ مِنْ أَمْرِ‌هِمْ. فالامر انما يجوز ان يكون شورى بينهم فيما اذا لم يقض النص الشرعي بقضاء معين، ومن الواضح ان مسألة شكل الحكم في الوقت الحاضر لم تعالج في نص خاص على مذهبي الشيعة والسنة معا.

وبكلمة اخرى ان الشورى في عصر الغيبة شكل جائز من الحكم فيصح للامة اقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الاحكام الشرعية ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدة منها، وتختار لتلك الحكومة الشكل والحدود التي تكون اكثر اتفاقا مع مصلحة الاسلام ومصلحة الامة، وعلى هذا الاساس فان اي شكل شوري من الحكم يعتبر شكلا صحيحا ما دام ضمن الحدود الشرعية، وانما قيدنا الكيفية التي تمارس بها الامة حق الحكم بأن تكون ضمن الحدود الشرعية لانها لا يجوز لها ان تختار الكيفية التي تتعارض مع شيء من الاحكام الشرعية كأن تسلم زمام الامر الى فاسق او فساق لان الاسلام نهى عن الركون الى فاسق بالاخذ بقوله في مجال الشهادة فضلا عن مجال الحكم ورعاية شؤون الامة.

فلابد للامة حين تختار كيفية الحكم والجهاز الذي يباشر الحكم ان تراعي الحدود الشرعية.

الاساس رقم (٧)

تطبيق الشكل الشوري للحكم في ظروف الامة الحاضرة

عرفنا ان الشكل الشوري للحكم شكل صحيح في اساسه في ظرف عدم وجود الشكل الالهي المتقدم وعدم وجود النص الشرعي على كيفية معينة لممارسة الحكم.

ولا بدان نعرف الشروط لممارسة الامة اختيارشكل الحكم والجهاز الحاكم وهي الشروط الثلاثة التالية:

  1. ان يكون اختيار شكل الحكم واختيار الجهاز الحاكم ضمن الحدود الشرعية الاسلامية وغير متعارض مع شيء من احكام الاسلام الثابتة.

  2. ان يكون اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم اكثر اتفاقا مع مصلحة الاسلام التي تعني الوضع الافضل للاسلام باعتباره دعوة عالمية وقاعدة للدولة.

  3. ان يكون اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم اكثر اتفاقا مع مصلحة المسلمين بوصفهم امة لها جانبها الرسالي والمادي.

ومن الواضح ان ممارسة اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم بهذه الشروط تتوقف على وعي الامة للاسلام من جهة ووعيها للظروف الحياتية والدولية من جهة اخرى فاذا تم للامة بشكل عام مثل هذا الوعي فان باستطاعتها ان تختار شكل الحكم وان تنتخب الجهاز الكف ء لرعاية شؤونها ويتساوى حينئذ في ممارسة هذا الحق كل المكلفين باحكام الاسلام من الامة ممن بلغ السن الشرعية من المسلمين والمسلمات.

اما اذا لم تكن هذه الشروط متوفرة في الامة لعدم وجود الوعي العام للاسلام وبالتالي عدم معرفة الحدود الشرعية التي يجب ان تراعى في اختيار شكل الحكم والجهاز الحاكم بما يتفق مع مصلحة الاسلام والامة فانه لا بد للدعوة بوصفها طليعة الامة الواعية لحدود الاسلام ومصلحته والواعية لظروف الامة ومصالحها ان تقيم في الامة شكلا للحكم الاسلامي وتختار جهازا حاكما، حتى يجيء الظرف المناسب لاستفتاء الامة لاختيار شكل الحكم.

الاساس رقم (٨)

الفرق بين احكام الشريعة والتعاليم

احكام الشريعة الاسلامية المقدسة هي الاحكام الثابتة التي بينت في الشريعة بدليل من الادلة الاربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل. فلا يجوز في هذه الاحكام اي تبديل او تغيير لانها ذات صيغة محددة وشاملة لجميع الظروف والاحوال فلا بد من تطبيقها دون تصرف.

ولنضرب لذلك مثلا بالزام الامة الاسلامية باعداد ما تستطيع من القوة في مواجهة اعداء الاسلام فهو حكم شرعي نصت عليه الشريعة في بعض ادلتها كما في قوله تعالى وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ولذلك فهو حكم ثابت شامل لجميع الظروف والاحوال.

اما التعاليم او القوانين فهي انظمة الدولة التفصيلية والتي تقتضيها طبيعة الاحكام الشرعية الدستورية لظرف من الظروف ولذا فهي قوانين متطورة تختلف باختلاف ظروف الدولة، ومنشأ التطور فيها انها لم ترد في الشريعة مباشرة وبنصوص محددة وانما تستنبط من احكام الشريعة على ضوء الظروف والاحوال التي هي عرضة للتغير والتبدل.

ويدخل في الاحكام الشرعية كل حكم دل عليه الدليل الشرعي بصفته المعينة كحكم وجوب الصلاة والزكاة والخمس والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكافة التفاصيل المحددة التي جاءت بها الشريعة المقدسة.

ومثال التعليم الزام المسلمين القادرين بالتدريب على القتال فان هذا الحكم ليس حكما شرعيا ثابتا في كل الاحوال ولم يدل عليه دليل من الادلة الاربعة بهذه الصفة المعينة ولذا لم يوجد الزام بالتدريب ايام الرسول ﷺ الا قليلا حيث كانت وسائل الحرب بسيطة ومتداولة والحاجة اليها والتدرب عليها يكاد يكون عاما، واما في الظروف الحاضرة فقد اصبح التدريب من أسباب القوى التي يجب رصدها واعدادها فهو لذلك تعليم تقتضيه طبيعة الحكم الدستوري الذي هو وجوب اعداد القوة القتالية.

وهكذا يدخل في التعاليم، كل احكام القوانين التي تقتضيها طبيعة الاحكام الشرعية كقانون الشرطة وقانون الاستيراد والتصدير وقوانين التعليم والتخصص وقانون العمل وامثالها مما تقضي به طبيعة الاحكام الشرعية في ظرف من الظروف.

وعلى ضوء ما سبق نعرف ان اصطلاح (الدستور الاسلامي) حينما يطلق على الشريعة المقدسة هو اوسع من المصطلح المتعارف للدستور لانه يشمل كافة احكام الشريعة الخالدة حيث تعتبر بمجموعها احكام دستورية، كما ان وصف التعاليم والقوانين بالاحكام الشرعية هو وصف صحيح وان كانت احكاماً ظرفية لانها تكتسب الصفة الشرعية ووجوب التنفيذ شرعا من الاحكام الشرعية التي اقتضتها ولأن الجهاز الحاكم العادل قد تبناها من اجل رعاية شؤون الامة والحفاظ على مصلحتها ومصلحة الاسلام العليا.

كما نعرف ان المرونة التشريعية التي تجعل احكام الاسلام صالحة لجميع الازمان ليس معناها ان الاسلام قد سكت عن الجوانب المتطورة من حياة الانسان وفسح المجال للتطور ان يشرع لها من عنده وانما معناها ان الاسلام اعطى في تلك الجوانب الخطوط العريضة الثابتة بحيث ان التطورات المدنية للانسان لا توجب تغير هذه الخطوط وتبدلها وانما تؤثر في القوانين والتعاليم التي تباشر تنظيم الحياة في ظروف تقصر او تطول.

الاساس رقم (٩)

مهمة بيان احكام الشريعة وتعيين القضاة ليستا من مهام الحكم

عرفنا ان قيام الدولة الاسلامية يتطلب مهاما اربعا وهي:

  1. بيان احكام الشريعة (الدستور)

  2. وضع التعاليم (القوانين التي تقتضيها طبيعة احكام الشريعة في ضوء الظروف الراهنة).

  3. تنفيذ احكام الشريعة والقوانين.

  4. القضاء في الخصومات.

وهذه المهام وان كانت لازمة للدولة غير انها ليست جميعا من شؤون رعاية الامة حتى تدخل في صلاحيات الحكومة بوصفها حكومة.

فقد عرفنا ان بيان المعصوم عليه السلام لاحكام الشريعة لم يكن منه بوصفه حاكما بل بوصفه مبلغا مأمورا بالتبليغ وكذلك قضاؤه بين الناس وتنظيمه لجهاز القضاء وعزل من لا يرى صلاحيته من القضاة كان بوصفه قاضيا اعلى. وفي الشكل الشوري للحكم الشكل الذي تقيمه الامة في غياب المعصوم عليه السلام لا تملك الحكومة الحق في حصر ممارسة بيان احكام الشريعة وتبليغها كما لا تملك الحق في حصر ممارسة القضاء في الخصومات كما لا يملك احد من الحكومة او غيرها حق القاضي الاعلى الذي يستطيع عزل القضاة وتعيينهم.

والشكل الذي تؤدى به هاتان المهمتان كما يلي:

الاول ـ مهمة بيان الاحكام الشرعية هي من حق وواجب كل من يتوفر من الناحية العلمية على درجة الاجتهاد ومن ناحية السلوك والصفات على درجة العدالة فالمجتهد العادل فقط من حقه ان يبين الاحكام الشرعية في ضوء الادلة الاربعة ويسمى بيانه للحكم الشرعي على هذا الاساس (افتاء) فان كان لايوجد في الامة الا مجتهد عادل واحد وكان هو الذي وقع عليه اختيار الامة واسندت اليه مهمة الحكم فقد اجتمعت عليه مهمة الحكم ومهمة الافتاء معا وان تعدد المجتهدون العدول فان لم يختلفوا في نتائج استنباطهم فلا مشكلة وان كان بينهم اختلاف في بيان الاحكام الشرعية وجب ان ينظر الى طبيعة الحكم المختلف فيه فان كان حكما يلزم على الدولة ان تتبنى فيه اجتهاداً معينا وتجعله الاجتهاد السائد في المجتمع الاسلامي كالاحكام التي تتصل بمجالات السياسة والاقتصاد والجهاد فان على الحاكم اما ان يكون مجتهدا او يختار اجتهادا من تلك الاجتهادات ويتبناه لان هذا الانتخاب والتبني لاجتهاد معين داخل في رعاية شؤون الامة ومن الواجبات الشرعية على الحاكم، غير ان تبني الدولة لاجتهاد معين لا يعني منع المجتهدين المخالفين لذلك الاجتهاد من استنباطهم او ابداء ارائهم وانما يعني اختصاص ذلك الاجتهاد المختار بالعمل والتنفيذ.

اما اذا كان الحكم الذي اختلفت فيه وجهات نظر المجتهدين من الاحكام التي لا يجب على الدولة توحيد الاجتهاد فيها عمليا ولا يضر بكيان الامة والمجتمع اختلاف الافراد في سلوكهم طبقا لاختلاف المجتهدين في ارائهم فلا يجوز للدولة والحالة هذه ان تتبنى اجتهادا معينا بل توكل كل مسلم الى راي مقلده الخاص او رأيه ان كان مجتهدا.

الثاني ـ القضاء وتعيين القضاة:

القضاء في نظر الاسلام لون خاص من الحكم لانه رعاية لشؤون الامة لدى وقوع المخاصمة ولكن السائد في لسان الشريعة هو التعبير عنه بالقضاء وعمن يباشره بالقاضي لا بالحكم والحاكم، غير ان حق القضاء لا يثبت للحاكم بمجرد كونه حاكما بل يثبت لمن نصت عليه الشريعة نصا خاصا كالقضاة الذين كان يعينهم المعصوم عليه السلام في زمانه او نصا عاما كما هو الحال في المجتهد العادل بصورة عامة فكل مجتهد عادل يتمتع بحق ممارسة القضاء. ويستمد القاضي في المجتمع الاسلامي هذا الحق من نصوص الشريعة التي دلت على جعل هذا الحق لكل مجتهد عادل وليس من جهاز الحكم.

ومما يتصل بذلك:

  • أ. لايجوز للدولة ان تمنح حق القضاء لغير المجتهد العادل الذي ثبت له هذا الحق في الاسلام، كما لا يجوز لها ان تمنع مجتهدا من ممارسة هذا الحق بل يجب عليها امضاء قضائه وتنفيذه.

  • ب. يجب على الدولة توفير المجتهدين العدول لممارسة القضاء بالدرجة التي تسد احتياج الامة في قضاياها وخصوماتها لان ذلك يندرج ضمن الرعاية الواجبة لشؤون الامة.

  • ج. اذا تعدد المجتهدون العدول ووقع الاختلاف في اقضيتهم فلذلك صورتان: احداهما ان يكون مرد الاختلاف بينهم الى الاختلاف في استنباط الاحكام الشرعية. والصورة الثانية ان يكون الاختلاف بسبب التطبيق.

    فان كان اختلاف الاقضية بسبب اختلاف الاجتهاد وكانت مصلحة الامة تتطلب اقامة القضاء على حكم شرعي معين كان على الحاكم ان يتبنى اجتهادا معينا ويفرض على جميع المجتهدين العدول ان يقضوا على اساس ذلك الاجتهاد فمن كان منهم مصوّبا لذلك الاجتهاد قضى طبقا لرأيه ومن كان منهم مخالفا قضى بالوكالة عن المجتهد الذي يرتأي نفس الاجتهاد المتبنى للدولة، وهذا التبني يكون واجبا على الحاكم لانه من شؤون الرعاية الواجبة للامة، اما اذا كان اختلاف الاقضية لا يضر بنظام المجتمع واستقراره فيجب ان يعطى لكل مجتهد حرية القضاء طبقا لاجتهاده.

    وان كان اختلاف الاقضية بسبب اختلاف المجتهدين في تطبيق الحكم الشرعي مع وحدة الرأي فيه اساسا، كما اذا كان هذا القاضي يرى شهادة زيد وعمرو بينة شرعية ولا يراها القاضي الآخر بينة لاعتقاده بفسقهما فان هذا الاختلاف لايولد مشكلة تستوجب تدخل الحكومة فيجب ان يسمح لكل منهما بممارسة حقه في القضاء وان يباشر القضاء حسب رأيه واذا قضيا في مسألة واحدة بقضاءين تنفذ الحكومة القضاء الاسبق زمانا منهما. وتفصيل الكلام في بحوث القضاء في الفقه.