افكار جديدة مقنعة

صدر في ٤ صفر ١٤٠١ هجري

زار شامير وزير خارجية اسرائيل فرنسا زيارة غير رسمية في اواخر شهر تشرين الثاني ١٩٨٠م واجتمع مع رئيس جمهورية فرنسا فالري جيسكار ديستان، وقد اذاع راديو اسرائيل صباح يوم الاربعاء ١٩٨٠/١٢/٠٣ تصريحا لوزير الخارجية شامير قال فيه:

”ان المقابلة مع رئيس جمهورية فرنسا كانت ودية“..

وقال: ”سمعت من الرئيس ديستان افكارا جديدة ومقنعة“..

وقال: ”الا ان العلاقات بين اسرائيل وفرنسا لا تزال على وضعها..“

مر هذا التصريح البسيط في مبناه الخطير في معناه مرور الكرام على مسامع ملايين العرب ولم يحرك اي ساكن ولم يصدر اي تعليق، فهل ان الآية الشريفة: خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِ‌هِمْ غِشَاوَةٌ ۖ تنطبق على المسلمين اليوم فهم لا يفقهون ولا يسمعون ولا يبصرون! ان هذا التصريح الصادر عن احد حكماء صهيون يكشف عن امور ينبغي ان ننتبه لها، فما هي الافكار الجديدة المقنعة التي وضعها الرئيس الفرنسي امام السياسي اليهودي؟

ينبغي ان ننظر الى التصريح من ثلاث زوايا:

الاولى: انه صادر عن فرنسا التي تظهر بمظهر الصداقة للعرب.

والثانية: اكتشاف موضوع التصريح الذي لم يشر الى طبيعته السياسي الاسرائيلي ولا السياسي الفرنسي.

الثالثة: اهتمام فرنسا باسرائيل بحيث انها تحاول ان تكشف خطها السياسي لاسرائيل لازالة سوء التفاهم بينهما.

ان العلاقة الفرنسية الاسرائيلية مرت بمرحلتين: المرحلة الاولى التأييد المطلق لاسرائيل نتيجة للتأثير اليهودي القوي في الاوساط السياسية والفكرية والاعلامية في فرنسا، ونتيجة للانصهار الحضاري المادي المتجانس بين اليهود والاوروبيين. ولكن السياسة الخارجية الفرنسية تعرضت الى تغير في الاساليب من قبل الجنرال ديغول لأعادة الحيوية لنفوذ فرنسا الذي بدأ يتراجع ويتخلخل ويضمحل بعد الحرب العالمية الثانية.. وكان من جملة الاساليب تغيير الصورة الاستعمارية البشعة لفرنسا في نظر الشعوب المستضعفة ومنها الشعب العربي، فأنهت فرنسا مشكلتها المستعصية مع ثورة المسلمين في الجزائر، وبدأت تغير اساليبها مع بقية البلاد العربية.

وفي الوضعية الجديدة دخلت العلاقة الفرنسية الاسرائيلية مرحلة ثانية تراعي فيها مصلحة فرنسا التي تباينت مع مصحلة اسرائيل في المنطقة العربية. ولا يعني ذلك ان فرنسا لا تؤيد اسرائيل وانما تحول تأييدها المطلق الى تأييد مرتبط بالمصالح المتبادلة الامر الذي اغضب اسرائيل وجعلها تسعى بالقوى الخفية والظاهرة لاحباط هذا الاتجاه الجديد لفرنسا، وتسعى فرنسا من جهتها لتطمئن اسرائيل بانها معها بحدود مراعاة مصالح فرنسا العليا السياسية والاقتصادية.

ونتيجة لهذه السياسة الفرنسية الجديدة نمت العلاقات الاقتصادية بين فرنسا وكثير من البلدان العربية بمقدار ما تسمح الظروف السياسية للاقاليم العربية التي ترتبط بالسياسة الامريكية والسياسة البريطانية. ومن مظاهر هذا النمو تصدير السلاح الفرنسي الى البلاد العربية وتزويد فرنسا الفرن الذري الذي اشتراه العراق من روسيا في عهد عبد الكريم قاسم باجهزة جديدة تزيد من قدرته، فرفعت اسرائيل عقيرتها وملأت الدنيا صراخا واحتجاجا. وازدادت شقة الخلاف بين فرنسا واسرائيل. وبعد الاطلاع على مجمل العلاقة بين فرنسا واسرائيل يطرح سؤال عريض نفسه امامنا. ماهي الافكار الجديدة والمقنعة التي طرحها السياسي الفرنسي على السياسي الاسرائيلي؟ ان التبادر السياسي الاولي والواضح ان تكون هذه الافكار الجديدة حول نقاط الاختلاف بينهما، وهي في اساسها حول تسليح البلاد العربية، وحول الطاقة النووية وليس هناك اي اعتراض لاسرائيل حول العلاقات التجارية العادية بين فرنسا والبلاد العربية، فليس من المعقول ان تفكر اسرائيل مثلا بالاعتراض على استيراد النفط ولاعلى بيع السلع ليتوازن الميزان التجاري بين فرنسا والبلاد العربية. وعندما نريد ان نجيب عن التساؤل علينا ان نهتم بأمرين وهما حول الوصفين الذين وصفهما السياسي الأسرائيلي لافكار السياسي الفرنسي.

والوصف الاول: افكار جديدة والوصف الثاني: افكار مقنعة فما هي الاحتمالات للحديث الفرنسي الاسرائيلي؟

اسرائيل تعتبر السلاح العربي موجها بالاصل ضدها فاذا كان الاتجاه الفكري للسياسي الفرنسي البرهنة على ان هذا السلاح الفرنسي الذي تبيعه فرنسا للعراق وللسعودية هو ليس ضد اسرائيل عندئذ يكون الفكر جديدا وليس هناك احتمال آخر للحديث السياسي بين الرئيس الفرنسي والوزير الاسرائيلي.

واذا تمكن الرئيس الفرنسي من خلال اطلاعه الشخصي ومن سير الاحداث ان يبرهن على ان السلاح الفرنسي الذي يباع للعراق والسعودية انما يقصد منه محاربة التيار الاسلامي المتنامي في المنطقة فانه عندئذ يكون فكرا مقنعا.

وليس هناك احتمال آخر لأن الحديث صادر من الرئيس الفرنسي الى احد حكماء اسرائيل وكلاهما من ذوي الوزن السياسي والفكري الذي لايشك به ولايلقي احدهما الكلام على عواهنه. وليس في الحديث اي شبهة بانه للاستهلاك المحلي.

ان فرنسا احد اعمدة الكفر في العالم، وهي من الدول التي تعادي الاسلام بعمق شأنها شأن اليهود والانكليز والامريكان.

فالصليبية والصهيونية حليفتان تعاديان الاسلام وتعملان ما وسعهما من اعمال لضرب اي محاولة لعودة الاسلام الى الحياة.

التالي