نحن وما حولنا
هذه السطور ليست دراسة تستند الى وثائق، وانما هي مفاهيم عامة لها مصاديق مرئية مبثوثة حولنا. نتجت عن اطلاع ومعرفة بكليات الاشياء، وتبلورت بنقاشات دارت حولها على مدار الايام.
اعتمد اختيار هذه المفاهيم على حس سياسي ينتبه الى القضايا السياسية في مجتمع تبلد فيه الحس السياسي، وعلى خبرة عملية وتتبع وعلى فهم دقيق لاتشتبه عليه الاشياء.
وستقتصر هذه السطور على ذكر (الاشياء) السياسية دون غيرها: الاشياء الفاعلة في مجتمعنا او في المجموعة الدولية.
الاشياء التي تمثل شخوصا متحركة: تريد، وتتحرك، وتنتج وتؤثر بالافراد وبالمجتمع بسعة تختلف فيها الواحدة عن الاخرى فبعضها يمتلك قدرة تأثيرية كبرى، واخرى تؤثر بحدود ضيقة. واذن سوف لانتطرق الى الافكار العملية ولا الحوادث، وانما نستقريء الموجود فنذكر عنه ما يهمنا معرفته وعلاقتنا به، ان اتسع المقام.
التعرف على الاشياء ذات العلاقة او جمع المعلومات عنها هو سنة العاملين الفاعلين في المجتمع البشري، وهو اساس من اسس نجاح العمل القيادي. اوحى الله لرسوله يعلمه كثيرا عما حوله،وقام الرسول ﷺ بتخطيط لجمع المعلومات بواسطة اصحابه عن كثير من الاشياء: عن اعدائه، عن المواقع والاماكن التي يستعملها في زحفه المقدس لنشر الاسلام.
الزيارة التي تقوم بهافرق الاستطلاع في الحرب والسلم والتي تطورت الآن واصبحت اجهزة تلتقط اسرار الدول من الفضاء وعلى ظهر المحيطات ما هي الاركض وراء التقاط المعرفة التي تستخدم لوضع الخطط الدفاعية والهجومية.
الجمعيات التبشيرية والثقافية والصحية التي تملأ عالمنا الخاص من قبل الدول الخارجية المختلفة ماهي الامراكز لتجميع المعلومات واعطائها الى دوائرها المغلقة لتكون عونا لدولها في بث سمومها وتمشية مصالحها.
دور وشركات الصحف ومراسلوها ما هي الاّ شبكات عظيمة لتزويد بلادهم بالمعلومات العلنية والسرية.
دوائر الاستخبارات المدنية والعسكرية ذات الامكانيات المالية والفنية والبشرية الهائلة ماهي الا اجهزة لتجميع المعرفة واستخدامها.
السفارات وكثير من الدوائر التجارية والصناعية والزراعية والعلمية تعمل بالاضافة الى وظائفها الظاهرية على جمع المعلومات الاخرى واعطائها لذويها من الاختصاصيين.
لسنا هنا في معرض تعداد وسائل تجميع المعلومات وانما نريد ان ننبه الى اهمية هذا الامر.
وبالنسبة لنا ونحن نحتل مكانا متقدما من مرحلتنا الاولى..
لابد لنا من الاهتمام بهذا النوع من العمل. والتقصير فيه او التأخر عنه هو تقصير في حق من حقوق حل اوان ادائه. نحن بالتأكيد في حاجة تتزايد باضطراد في مسيرتنا الطويلة الى دراسات وثائقية تغور الى الاعماق لمعرفة اسس الاشياء وتتسع لكي تشمل كل ما نحتاج الى معرفته.
وهذه الدراسات يقوم بها الدعاة من ذوي الهمم العالية الذين لايؤثر عليهم ازدياد الاعباء وثقلها الا اندفاعا في العمل تقربا الى الله تعالى. يعطون من انفسهم ومما يملكون قسطا وافرا للحصول على المعرفة، يأخذونها بعناء ويعطونها لدعوتهم وامتهم بسخاء.
والدعوة والامة بانتظار ابطالها اصحاب المعرفة والاختصاص لتأخذ منهم خلاصات وتفاصيل القضايا التي نحتاجها ويهمنا الاطلاع عليها. وستتدفق نتائج فرق العاملين الاختصاصيين، المتطوعين والمكلفين بهذا العمل العظيم من الدعاة، على شكل ابحاث ينشر على الملأ بعضها، وتحتفظ الدعوة الى حين ببعضها الآخر. وستتناسب كمية النتاج وسعة موضوعاته حسب الامكانيات الموجودة التي ستتطور بعون الله الى حد الكفاية.
سنصنف ما نتحدث عنه الى ثلاث مجموعات. ومن عنوان البحث سنأخذ صورة في الذهن نعتبر فيها الدعوة تشغل حيزا ماديا تحيطها ثلاث دوائر في هذا العالم. تشتمل الدائرة الاولى على مجموعة من الاشياء تعيش معنا في المجتمع، نلتقي بها في عملنا اليومي نحاول ان نؤثر عليها لنقربها الى رحاب العمل الاسلامي اذا كان ذلك يتناسب مع طبيعة عملها، او لابعادها عن معاداة العمل الاسلامي اذا كان ذلك يتناسب مع طبيعة عملها، اولعرقلة تأثيرها على الامة ان كان الصالح باعمالها معدوما. وهذه الاشياء بدورها تؤثر على عملنا سلبا او ايجابا حسب قربها او بعدها عن الاسلام وحسب قوة علاقتها وتأثيرها بالامة.
وسوف نستعرض اهم مفردات الاشياء في الدوائر الاولى ونعطي عنها فكرة عامة موجهة. اما تفاصيل المعلومات كماً وكيفاً فيحصل عليها صاحب العلاقة لتكون عونا له لرسم خط السير التفصيلي معها حسب المرحلة التي نعيشها.
وتشتمل الدائرة الثانية على دويلات العالم الاسلامي وسنقتصر على ذكر اهم النقاط السياسية في بعضها. وعلاقتنا بهذه الدائرة علاقة تباين في الاعمال والاهداف، وعلاقة انتباه وحذر. وسوف نبتلي بتتبع واهتمام من قبل الاجهزة المختصة بها.. وستبتلي هي برياح التبدل التي ستهب من تيار عملنا المتنامي بمشيئة الله تعالى.
المواصفات العامة التي تنطبق على مفردات هذه المجموعة هي انها ترتبط بشكل ما بواحدة من الدول الكبرى او بأكثر من واحدة وان تصرفها مقيد ضمن اطار ارادة خارجية ولذا تكون مصالحها الحقيقية مهملة، ومصالحها المفتعلة مرتبطة بمصالح خارجية واذن فان الدائرة الثانية واقعة بمفرداتها تحت النفوذ الاجنبي ويختلف هذا النفوذ باختلاف الدول المرتبطة به وباختلاف كيفية وصول الحكام المحليين الى الحكم فمن يتسلم السلطة بواسطةخارجية يرتبط كليا بتلك الواسطة. ومن يتوصل الى الحكم بعمل ذاتي يرتبط بواسطة الذهنية العامة وبواسطة الخطوط الوهمية التي يحاول الاستعمار ان يضع الحكام داخلها ولايسمح بهيبته الوهمية ان يتعداها الحكام.
”والامبريالية“ ذلك الاصطلاح السياسي المشاع والذي يعبر عن النفوذ والتسلط الاجنبي تشمل كل المنطقة بشكل مستور او مفضوح.
وتشمل الدائرة الثالثة: المحيط الدولي. وسنختار منه الدول والفئات ذات القوة والنفوذ والاطماع في عالمنا الاسلامي.
ان الاعمال التسلطية التي يقوم بها افراد هذه المجموعة تستند على افكار عملية ظهرت قبل ظهور هذه الاعمال، وسنورد فقرات منها بقصد ابراز قيمة الافكار العملية.
ان الفكرة الاساسية العملية لها نتائج ضخمة قد تكون مصدر شروبيل، وقد تكون مصدر خير وبركة. الفقرات التالية صدرت في بداية ما يسمى بعصر النهضة في اوروبا:
”عندما تكون الدول التي تم احتلالها قد الفت الحرية في ظل قوانينها الخاصة فهناك ثلاثة سبل للاحتفاظ بها: اما السبيل الاول فهو تجريدها من كل شيء، واما الثاني فهو ان يذهب المحتل ليقيم في ربوعها، واما الثالث فهو ان يسمح لاهلها بالعيش في ظل قوانينهم مكتفيا بأخذ الاموال ومخلفا فيهم حكومة تعتمد على الاقلية الموالية“.
…ولعل من خير الوسائل للاحتفاظ بمقاطعات تختلف في اللغة والعادات والقوانين عن اهل البلاد الغازية هو ان يقرر الغازي اقامة مقره في الممتلكات الجديدة وهذا القرار يجعل الامتلاك اكثر سلامة واطول امدا…
…وعلى حاكم المقاطعة الاجنبية المحتلة ان يقيم من نفسه زعيما لجيرانه الصغار وحاميا لهم وان يحاول اضعاف الاقوياء منهم وان يعتني بحمايتهم من غزو آخر…
…واذا اراد الحاكم ان يسيء الى احد من اهل البلاد المستعمرة فيجب ان تكون الاساءة على درجة بالغة لايضطر بعدها الى التخوف من انتقامه…
…ومن يسع الى تقوية غيره من الحكام يحكم على نفسه بالخراب والدمار…
هذه نماذج من الافكار العملية السياسية التي استحالت بالتطبيق الى خراب ودمار ودماء ودموع ونهب ثروات ومآسي انسانية متعددة الاشكال لايعلم مداها الا الله. ولاتزال كثير من المناطق في العالم تئن من جور الافعال الاستعمارية التي قام ويقوم بها الاوروبيون وابناؤهم المستوطنون خارج اوروبا وسيستمرون على القيام بهاهم وغيرهم من الدول الاستعمارية التي تسير على نفس المنوال، او على منوال مادي آخر مشابه.
الدائرة الاولى١
الاحزاب والنقابات والجمعيات والقيادات السياسية والدينية والاجتماعية الاخرى اعتبرناها اشياء سياسية واجتماعية او شخصيات معنوية نعيش معها ونلتقي بها في عملنا اليومي، هذه الاشياء تتولى المراكز القيادية عند الامة، وباسمها تجري الحركة الاجتماعية والسياسية. وتبدو وكأنها هي مصدر التحريك.
تتألف هذه الاشياء من افراد يظهر عليهم بشكل ما الاهتمام بما يدور وما يحدث في المجتمع. ونحن ازاء هؤلاء يتوجب علينا تشخيصهم، والتعرف عليهم، والتقارب مع من يتفق هدفه مع بعض اهدافنا، والتعاون مع من يتعاون معنا منهم، والتنافس مع من لايتعاون معنا، والتصارع مع من يتعارض هدفه مع اهدافنا بالحكمة.
وبالمناسبة، ينبغي ان يكون واضحا الفرق بين الفردالمنتمي لهذه الاشياء وبين التجمع الذي يكون هو الشيء نفسه، اذ ان التجمع هو نفسه الذي يرسم الهدف والوسيلة لتحقيق غرضه فيكون اذن هو حقيقة الشيء الذي يتحرك ويريد كما قلنا آنفا ويكون هو نفس الشيء الذي هو مدار بحثنا، وهو الذي يشكل بعضا مما حولنا. اما الفرد المنتمي لهذا التجمع فقد يكون تابعا، وقد يكون مؤثرا، وقد يكون قائدا، وربما كذلك يدور في الفلك وعليه فاننا نحكم على هذا الشيء من خلال مجموع معطياته التي تؤثر بما حولنا. اما الفرد فيكون الحكم له او عليه بمقدار اعطائه لنفس ذلك الشيء.
ومثال ذلك الاحزاب التي تريد ان تبدل المجتمع الى غير اسلامي تكون هي نفسها محكومة بالكفر، اما المنتمون اليها فان فيهم من يدين بالاسلام.
وسوف لانتكلم هنا عن الافراد، وانما عن هذه الشخصيات المعنوية لنأخذ عنها انطباعا اوليا يكون قاعدة لمعرفة التفاصيل من قبل الدعاة المكلفين بالاعمال المباشرة حيث سيكونون هم اصحاب الاختصاص.
الاحزاب
يمكن اعتبار الاحزاب التي تعمل في منطقة عملنا نموذجا يتكرر في جميع انحاء العالم الاسلامي. وهي تنقسم بصورة رئيسية الى احزاب: اقليمية، عرقية، شيوعية، اسلامية. والمفروض ان هناك أسسا فكرية تحدد ايديولوجية كل من هذه الاحزاب، الا ان الملاحظ في هذه الاحزاب غالبا تجاوز تحديداتها في كثير من اعمالها او فعالياتها السياسية، فحزب البعث العراقي مثلاً في الوقت الذي تهدف ايديولوجيته للوحدة بين دول العالم العربي يحاسب دولة سوريا بالنسبة لماء الفرات حسابا على اساس المصلحة الاقليمية باعتباره حاكما للقطر السوري. وهكذا نرى في الواقع المعاش ان هذه الاحزاب تختلط عندها الافكار الاقليمية والعرقية، والافكار الاقليمية والاسلامية، والافكار الاقليمية والعرقية والشيوعية والافكار الاقليمية والشيوعية. وهذا الاختلاط بين الاسس الفكرية رغم تباينها يعود الى الفكر الاستعماري الذي عمل في البلاد تمزيقا، حيث قد ثبت الفكر الاقليمي محافظة على هذا التمزيق.
ويعود ايضا الى الهبوط الفكري الواضح بين المسلمين الذي يجعل الفكر الاقليمي فكرا شائعا، لأنه ابسط الافكار والصقها بالمصالح الآنية التي لايحتاج ادراكها الى بعد نظر انساني.
ولذا نجد ان الفكر الاقليمي يغلب في بعض الاحيان حتى على الذين نبذوه، لتمكنه من عقول الناس. وهذا هو سبب التصاق الفكر الاقليمي بالفكر السياسي: العرقي، والشيوعي، والاسلامي.
ومن أجل تسليط الاضواء على الاحزاب نورد فيما يلي بعض الملاحظات العامة:
الانشقاقات المتكررة:
من الظواهر الملحوظة عند الاحزاب الانشطارات المتكررة في الاحزاب القومية والشيوعية والوطنية واستمرار هذه الظاهرة يؤدي الى احداث فكرة مؤداها ان وجود الحزب ملازم لحدوث الانشطارات، ولنسمها ”الظاهرة الاميبية في الاحزاب“ ولكن هذه الظاهرة ليست مسببة عن اصل التجمع الحزبي ولا عن العمل الحزبي، ولذا فانه ليس كل حزب يبتلى بها. انما هي تعود لسببين سنذكرهما الآن. فالحزب الذي يتوفر فيه هذان السببان تحدث فيه ظاهرة الانشطار وغيره لا. والسببان هما:
-
فقدان الميزان النظري.
-
طغيان العنصر الشخصي.
ولعل السبب الثاني يترعرع وينمو بسرعة عندما يكون السبب الاول موجودا.
اما فقدان الميزان النظري فيؤدي اول ما يؤد الى اختلاف الرأي لأن الغشاوة التي تحيط بالافكار وخاصة العملية منها تجعل الرؤية غير واضحة وتفتح باب الاختلاف الى النهاية. واما طغيان العنصر الشخصي والانانية فانهاتتحكم بالعمل، لأن الروح الجماعية عند الموجهين ضعيفة، والتغيير الحقيقي للافراد لم يحدث فالفرد قبل الانخراط في سلك التجمع وبعده سيان في الروحية والذهنية العامة سوى ما يطرأ من تغيير كمي في المعرفة والحركة.
الغموض في الاهداف والخطط:
تسلمت بعض الاحزاب حاملة الشعارات البراقة الحكم ولم يشاهد اي تغيير سوى خروج اشخاص من الحكم ومجيء آخرين. وسوى بعض الاضطراب في الامور المتعلقة بالاعمال الحكومية نتيجة لخروج بعض اهل الخبرة في الادارة والروتين ودخول عديمي الخبرة محلهم في اوضاع قائمة على اسس واحدة. وهذا امر يراه كل متتبع. فما هو السبب؟ اين الشعارات المرفوعة والبرامج المذاعة؟ ماهي الموانع التي حالت دون وضع الشعار موضع التطبيق والتي حالت دون خروج البرامج الى حيز التنفيذ.
ولعل اقرب جواب الى الصحة على هذا التساؤل هو ان الشعارات والبرامج لم تكن الا افكاراً غامضة لها تأثير وقتي على الناس.
في بعض الازمات التي تمر على الامة.. ترفع الاحزاب شعار مكافحة الاستعمار مثلا ولكن لايخطر ببالها خاطر لتغيير مخلفات الاستعمار من اوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية، فقد رتّب الاستعمار اجهزة ادارية تعرقل اعمال الناس تخرب ولاتبني، تعقد المشاكل ولاتحلها، ومع وضوح هذه القضايا فان الاحزاب لاتفكر بهذه الاجهزة وان فكرت فعلى سبيل الاصلاح لا التغيير، وكيف يصلح البناء اذا كان اساسه منهارا.. هذا مثال واحد للغموض، وقد سرى مرض الغموض الى كل قضايا الاحزاب، فمن الغموض في الاهداف.. الى الغموض في الوسائل.. الى الغموض في فهم الاحداث وبالتالي الى تحديد المواقف ازاءها.. وان هذا المرض يعود في الاصل الى نوع من اللامبالات، وفي الحقيقة لايمكن ان يبلغ الحزب درجة الوضوح الكامل الا اذا شعر شعورا معمقا بالانفراد وعدم وجود المعين وبالشعور المعمق بالانقطاع عن كل شيء عدا الحزب نفسه.
فاما ان يعتمد الحزب على غيره او على خطط غيره فضلا عن ان يقلد غيره، اما ان يعتمد الحزب كل ذلك او بعضه فستشيع ظاهرة التشوش في جوانبه وسيحل الغموض محل الوضوح. ومن الامثلة على الغموض في الاهداف او في الوسائل او في فهم الاحداث انخداع الحزب الشيوعي بعبد الكريم قاسم، موقف حزب البعث من نفسه ومن الناس عند توليه الحكم، فهم الاحزاب القومية ونظرتها الى الهزيمة العسكرية التي منينا بها في حزيران ١٩٦٧م، موقف حزب توده ايام تأميم النفط من مصدق، موقف الاخوان من الاحداث في سوريا، نظرة فدائيان اسلام الى الامور. وبعد فلابد ان نقول عن نجاح بعض الاحزاب في بعض الاحيان وحصولها على نتائج ايجابية فانما يكون ذلك بفضل الظروف اكثر مما يكون نتيجة تخطيط قيادي مدروس.
الخداع والتمويه:
تختلق الاحزاب الاكاذيب لشد الاعضاء الحزبيين ومؤيدي الحزب الى العمل. ويصل الحد في بعض الاحزاب الى اختراع الاكاذيب المتسلسلة لاشغال الحزبيين ودفعهم للعمل تحت تأثير الاوهام. ولايقتصر الكذب والخداع على الحزبيين داخل الحزب وانما يتعداه الى الاحزاب الاخرى في التنظيمات الجبهوية التي يشارك في تاسيسها الحزب. ويتعداه كذلك الى الامة للكسب الآني في المعارك الانتخابية المهنية والنيابية.
وينجح في كثير من الاحيان هذا الاسلوب عند الاحزاب التي تؤمن بالاسس الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي يتقوم بها المجتمع المعاش ويستعمل الحزب الكذب ايضا للمكاسب الحزبية الخاصة والضيقة ولايهمه ان تبقى الاوضاع المتدهورة للامة كما هي.
الزعامات والوجاهات
داخل الامة زعامات ووجاهات تقليدية تكونت وتركزت على مر الإيام واصبحت في البلادالاسلامية ذات تكوين وتقاليد خاصة وذات تأثير ملحوظ،منها الزعامات العشائرية والزعامات الدينية.
الزعامات العشائرية:
تتراوح الزعامة العشائرية من ناحية الكم من زعامة الاسرة كما في المدن والقصبات الكبيرة الى المشيخة العامة التي تنضوي تحت لوائها عشائر وافخاذ عشائر تنتشر في بقعة كبيرة في الارض تدخل ضمن اكثر من قطر من الاقطار في بعض الاحيان ويتراوح تأثيرها السياسي من الحصول على مناصب في الدولة الى التأثير على الحكم وتهديد الاوضاع السياسية في بعض الفترات.
تعيش العشائر على الزراعة اكثرها وعلى الرعي بعضها ويغلب عليهم الجهل ويحترمون اهل الدين ويلتزمون بالشعائر الاسلامية التزاما يغلب عليه الجهل وهي مادة خام يمكن استخدامها لدعم نفوذ الاسلام السياسي في المنطقة ولها تاريخ طويل في مقاومة الكفار اثناء الغزو الاستعماري يدفعهم في ذلك الايمان الديني وللخطباء والعلماء والوعاظ تأثير غير قليل على العشائر يجدر توجيهه الوجهة الصحيحة.
الزعامة الدينية
تتمثل الزعامة الدينية بعلماء المسلمين ومن اليهم، وهم فئة من الناس تفرغت لتعلم الدين وتعليمه وللقيام بنشاطات اسلامية، او نشاطات لها علاقة بالاسلام وتشمل الزعامة الدينية الفقهاء والوعاظ ومشايخ الطرق…
ومن الواضح ان مستوياتهم العلمية مختلفة، فمنهم المتبحرون في العلوم الاسلامية المختلفة، ومنهم من تقتصر معلوماته على معرفة مسائل عبادية من الشريعة، كما انهم يتفاوتون في الالتزامات الاسلامية، فمنهم التقي الورع ومنهم الخدّاع المرائي
ونحن في هذا الموضع لانتكلم عن المدرسة العلمية العظيمة في النجف الاشرف، او عن الجامعة الاسلامية المشهورة في المسجد الازهر، وانما نتكلم عن مجموعة من يعمل في نطاق الاسلام، سواء من يتصل في النجف او الازهر، او اي تجمعات اسلامية اخرى كمشايخ الطرق الصوفية او غيرها… ولكل فئة من هذه الاصناف نظام متبع متوارث تسير عليه.
وعلماء المسلمين وفقهاؤهم اليوم يتبعون مدرستين رئيسيتين وهناك مدارس اخرى غيرها.
فمن ناحية اجتماعية وسياسية واقتصادية، فئة تتمول من اموال الزكاة والخمس، وفئة تتمول من مديريات الاوقاف ووزاراتها فللاولى ميزة عدم ارتباطها بالحكام، وللثانية ميزة عدم ارتباطها بالعوام. وكلا الفئتين وان كانتا تدرسان الاحكام الشرعية التي يفترض بطبيعتها ان تحرك الذهنية للتعمق في فهم القضايا الاجتماعية والسياسية، فانهما ينحدران بالفهم السياسي والاجتماعي الى المستوى العامي. وذلك لأن طريقة الدراسة اخذت تنمو في الجانب النظري وفي مستوى البحث العلمي، ومن ثم فانه يغفل الجانب التطبيقي، ولاتعالج كيفية تطبيقات الامة للاحكام.
ومن ناحية ثانية فان الفئة الاولى حافظت على تعمق في الدرس يتوارثه العلماء جيلاً بعد جيل، ويرتبط بايام الرسالة الاسلامية الاولى. والفئة الثانية غلقت باب البحث والاجتهاد، وفي العقود الاخيرة ظهرت دعوات داخل المدرسة الثانية للمطالبة بفتح باب الاجتهاد مرة اخرى. وقد تبلور الرأي على شكل فتح باب الاجتهاد الجماعي، ومنع الاجتهاد الفردي، وهو رأي سقيم، اذكيف تحصل ملكة الاجتهاد عند جماعة افرادها لايملكون هذه الملكة وعلى تقدير حصول ملكة الاجتهاد عند فرد من الافراد لأي سبب من اسباب العلم فكيف تسلب منه وهي ملكة حصلت بارادته نفسه؟… ولعل المقصود بسد باب الاجتهاد الفردي هو سد باب التقليد، ولكن الامر اشتبه على ذوي الافهام الضيقة.
للخطباء والوعاظ صلة مباشرة مع الناس، ولهم تأثير على توجيه الامة، ولمشايخ الطرق اتباع لهم سلوك وتعليمات خاصة ولبعض هذه الطرق تشكيلات خاصةكذلك، ولكنها اشبه ما تكون بالكتل الحزبية الجامدة، اذ ان حيوية التشكيلات والافكار ترتبط بحيوية اصحابها. وواضح ان جميع تلك التشكيلات سواء منها الطرق الصوفية او الفئات الاسلامية الاخرى اصبحت تعيش على فتات الماضي من تاريخها، ولذا هذه التشكيلات صارت جامدة ولاتقدم اية خدمة في انهاض الامة.
ونحن نعمل جاهدين للعمل في جميع هذه الاجهزة الدينية بكفاءة اجتماعية عالية ونعتبر انفسنا مخطئين فيما اذا حدثت فجوة بيننا وبين هذه الاجهزة. وعملنا في تعبيد الطريق الاسلامي امام الامة يشمل بالتأكيد نجاحنا في تقريب هذه الاجهزة الاسلامية من خط العمل الاسلامي الواعي.
ولهذا الموضوع اهمية خاصة وفيه كذلك حساسية خاصة ويحتاج الى دراسة اشمل وعرض ملائم.
التنظيمات المهنية
في المنطقة تنظيمات مهنية واسعة يستعمل جديدها كواجهات سياسية للنشاطات الحزبية ان فسح لها المجال بالاضافة الى نشاطاتها المهنية ويقتصر قديمها على خدمة الممتهنين، اوعلى بعض النشاطات الاجتماعية.
ولهذه التنظيمات اسماء مختلفة، نقابة، صنف، جمعية، اتحاد ولكل منها قانون خاص وتعليمات. وتشمل هذه التنظيمات اكثر فئات العمال سواء كانوا في المصانع او المهن الحرة والفلاحين والطلاب والمعلمين والاطباء والمهندسين والمحامين والاقتصاديين.
ولهذه التنظيمات تأثير اقتصادي واجتماعي وسياسي على اصحاب المهنة، يكبر شأنه او يقل، حسب قيادة التنظيم ومستوى المهنة ولها كذلك تأثير سياسي واجتماعي عام حسب اهمية التنظيم في المجتمع وعلاقاته بالاوساط المؤثرة في السلطة والاحزاب والقيادات السياسية الاخرى.
ويمكن ان تستعمل هذه التنظيمات في عملية التغيير الشامل فيما اذا انقادت الى قيادات واعية مدركة بالرغم من انه لم يظهر لهذه التنظيمات في منطقتنا اي اثر حقيقي في المجتمع سوى كونها وسيلة لتسلق بعض الافراد وانضوائهم الى زمرة الحكام، او لاستخدام هذه التنظيمات في رفع شعارات سياسية خاصة ببعض الاحزاب وسوى القيام ببعض الاعمال الشعبية المتعارفة كتنظيم المواكب الحسينية.
من المفاهيم السياسية السائدة في بلادنا ان توجد للتنظيمات المهنية اهمية خاصة، وخاصة التنظيمات المهنية التي تشمل جمهرة كبيرة من الناس، كالجمعيات الفلاحية، واتحاد نقابات العمال. وفي الوسط السياسي لبعض نقابات اصحاب الشهادات الجامعية اهمية خاصة كذلك تؤهل قياداتها للوصول الى مستوى الترشيح للمناصب الوزارية والحصول على مغانم السلطة من مال وجاه.
وفي رأينا ان فعاليات هذه التنظيمات يجب ان تتطور الى فعاليات ذات انتاج وعمل اكثر جدية، تساهم في رفع المستوى المهني والعلمي والاجتماعي والفكري، وتسير في الخط التغييري الذي يؤدي الى ازالة جميع اشكال التخلف.
فما هو السبيل الى تطوير هذه التنظيمات يا ترى؟…
ولنرى واقع هذه التنظيمات الفاسدة اولاثم لنبحث عن كيفية تطورها.
نشأت النقابات والمؤسسات المهنية في الاوساط المطلوبة:
عمال المصانع تحت ظل النظام الرأسمالي الجائر في مراحله الاولى في اوروبا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لرفع الغبن الفاحش، والتعاون لاجبار اصحاب العمل على الاستجابة لمطاليبهم وتخفيف الحيف عنهم، ثم انتقل التنظيم المهني الى بقية الاصناف للدفاع عن مصالح اصحاب المهنة. ثم انتقلت هذه الاشكال التنظيمية في اوروبا الى العالم الاسلامي كما انتقلت بقية القوانين والتشكيلات الكافرة على سنة تقليد الامة المغلوبة للامة الغالبة. واتخذت التنظيمات شكلا فعالا في بعض الاقطار كما امكن استعمال بعضها ضمن حركة مقاومة الاستعمار، واتخذت في اقطار اخرى كواجهات يستعملها الحاكم او تستعملها بعض الاحزاب كواجهات سياسية ـ وهي الآن بصورة عامة الاماشذ وندر ـ لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق اصحاب المهنة، وتستعمل كمراكز مرموقة يرتقيها الاذكياء اصحاب المطامع الشخصية حزبيين او مستقلين.
ومن الضروري تحويل هذه التنظيمات الى مؤسسات تساهم في بناء البلد وتطويره الى الاحسن.. او بعبارة اخرى على هذه المؤسسات ان تسير على طريق التغيير بالصورة الملائمة لها، وبالامكانيات الميسرة فعلا. ومن هناكان من الضروري ان نضع بعض الافكار العملية الواضحة لتسير هذه المؤسسات على الطريق الموصل لها.
وينبغي ان يكون واضحا ان هذه الافكار العملية تعطي بعض ثمارها بمجرد ان ينفذها الدعاة حتى في هذه الفترة، وليس فقط عندما تستطيع الدعوة ان تسيطر على النقابات نفسها. وذلك ان الدعوة في هذه المرحلة قد تشترك في انتخابات بعض النقابات وقد لاتقدر ان تشترك في بعضها الآخر، فضلا عن السيطرة تبعاً لقوة الدعوة الفعلية.. الا ان هذه الافكار العمليةتنفع في ايديولوجيتها مباشرة:
-
الاهتمام الفعلي لاالقولي بمصالح اهل المهنة وقضاء ما يمكن قضاؤه من المصالح الخاصة بهم، وان يكون الاهتمام دائميا لاينتهي بانتهاء مشروع معين.
ومن الواضح ان قضاء مصالح الناس عمل اسلامي
”خير الناس من نفع الناس“
-
الاهتمام بمصالح المهنة نفسها برفع الكفاءة العلمية والعملية بالتدريب والثقيف المهني وعلى جميع المستويات الموجودة
-
المساهمة بالتفكير بالقضايا العامة ذات العلاقة بالمهنة فمثلا نقابة العّمال تهتم بمكافحة الامّية، وبالتعليم والتدريب الفني، والتصنيع لتهيئة مجال العمل.. الخ ونقابة الاطباءتهتم بنشر الوعي الصحي في القرى والارياف والمدن، وبالصحة العامة وبالاختصاصات الطبية غير الموجودة، وصناعة الادوية…
والجمعيات الفلاحية تهتم بمكافحة الامّية، والمستوصفات الجوالة وتيسير المواصلات، وقضايا الري والبزل، وهكذا تكون المصلحة العامة والمصلحة الخاصة على حد سواء موضع الاهتمام المباشر..
-
اشتراك اكبر عدد من اصحاب المهن بنشاطات المؤسسة ولايقتصر الامر على الهيئة الادارية فقط كما هو الحال الآن. وذلك بتكوين مختلف اللجان على اوسع نطاق ممكن، لاستيعاب مختلف النشاطات وادامة الصلة بين ما يسمى بالهيئة العامة وبين الهيئة الادارية.
-
ايجاد علاقة متينة بين المؤسسات المهنيةالمختلفة داخل القطر الواحد للتعاون في الخدمات العامة، وايجاد علاقةاخرى بين المؤسسة المهنية ومثيلاتها في الاقطار المجاورة، والاقطار الاسلامية الاخرى.
ان الشكل القائم الآن وان كان في اصله نشأ في بلاد الكفر الا ان هذا الشكل يمكن استخدامه كوسيلة لخدمة الاسلام والمسلمين والقيام بالاعمال المباحة والمستحبة في درء المفاسد وجلب المصالح. ونستخدم هذه الوسيلة مادام نفعها الموافق للشريعة قائما. ونكون بذلك قد ابدلنا اساس تكوين هذه المؤسسات المعتمد على الانقسامات الطبقية الى اساس المشاركة بالخدمات الشرعية العامة والخاصة.
الجمعيات والنوادي
من الاعمال المألوفة جدا في بلادنا والبلاد الاخرى: تأليف الجمعيات المختلفة، وتأسيس النوادي الخاصة والعامة كالجمعيات الخيرية والصحية والثقافية والعلمية الخ. وهذه الجمعيات والنوادي تتفاوت اغراضها من الخدمات العامة المختلفة الى الاعمال الترفيهية لفئة خاصةمن الناس.
تعتبر اقسام كثيرة من هذه الجمعيات والنوادي من جملة الاعمال الاصلاحية في البلد. وتتوسع خدمات بعض الجمعيات حتى تعم خدماتها آلاف الناس.
موقفنا من هذا النوع من الاعمال هو استخدامها لخدمة الاغراض التغييرية في البلاد، والعمل على تأسيس مايمكن تأسيسه منها وتوجيه ما يمكن توجيهه، والتأثير بشكل ما على مانقدر عليه، والرأي حول هذه القضية بحث اكثر من مرة في نشرات سابقة.
القائمون على كثير من هذه الاعمال يحصلون على نفوذ شعبي ونفوذ رسمي. اما النفوذ الشعبي فلأن نتائج هذه الاعمال تظهر آنيا، فتلهج الالسن بذكر الاعمال ومدح القائمين بها. واما النفوذ الرسمي فلأن العقلية السائدة في المجتمع هو اكبار هذه الاعمال. والرسميون لايتفاوتون على عامة الناس في النظرة الى هذه المؤسسات ثم ان صاحب الشعبية يحظى باحترام السلطة ان كان موقفه منها مسالما او مداهنا. ثم ان الاتصال الضروري بين اصحاب المؤسسة والسلطة لتمشية الاعمال لابد له من ايجاد علاقة ما، ولابد له من ارضاء السلطة القائمة.
وكلما كانت فكرة العمل الاصلاحي مستساغة ومألوفة من الجمهور كان نجاحها اقرب للمنال اذ يتوفر عند ذلك الاموال والانصار لانهاض المشروع، بعكس الفكرة الاصلاحية غير المعروفة او غير المستساغة فانها تلاقي فشلا في الغالب. ولايعني هذا ان كل مشروع غير معروف محتمل الفشل، فان المشروع غير المعروف يمكن تعريفه للناس ومن ثم يصبح مستساغا، ويحتاج الى جهد ابتدائي قبل الشروع بتنفيذه.
الاقليات
تشمل الاقليات المسيحيين واليهود والصابئة والفرق الضالة:
الدروز والنصيرية واليزيدية والديانات الجديدة التي تدعي انها امتداد للاسلام كالبهائية والاحمدية.
علاقتنا بهم جميعا حددها الشرع الشريف.
واما واقعهم فان المسيحيين واليهود يشعرون بالانفصال عن جسم الامة، ولذا تراهم اقرب من المسلمين الفسقة الى تقبل الارتباط باجهزة الاستعمار التي تعمل في بلادنا.
وهذه الاقليات جميعها تكون عقدة في البلاد الاسلامية، نحلها بوعينا على واقعهم ومشاكلهم.
حسن المعاشرة مع النصارى يكون عاملا اساسيا في ضبط سلوكهم.
ودعوة بعضهم بالتي هي احسن قد توصلهم الى حضيرة الاسلام. وازالة آثار الجهل عن الفرق الضالة يرجعهم الى حضيرة الاسلام كذلك وتوضيح علاقات الديانات الجديدة بالاستعمار يبعد الناس عنها.
اما اليهود فالحذر والريبة منهم اولى، لارتباطهم بالسرطان الاسرائيلي.
المشاكل الناتجة من وجود هذه الاقليات هي جزء من مشاكلنا العامة التي هي بالاساس ناتجة عن وجود الاستعمار الذي يبتدع المشاكل ابتداعا. وعندما تصبح امور المسلمين بايديهم لايبقى اثر يذكر لمشكلة الاقليات.
وللاقليات نشاطات سياسية واجتماعية واقتصادية، فكثير من النصارى ارتبطوا ارتباطاً وثيقا بالجمعيات التبشيرية وبالاجهزة الاستعماريةالاخرى، والشركات الاوروبية التي تعمل في بلادنا تعتمد عليهم في تسيير اعمالها داخل البلاد. واليهود يعتبرون جزءا من الحزب اليهودي في العالم، وعملهم الدائب:جمع الاموال عن طريق الاعمال التجارية وغيرها. وللبهائية نشاط ملحوظ وخاصة في ايران فان النفوذ الاجنبي واليهود يعملون على نشر نفوذهم بين افراد امتنا.
وشيء آخر بالنسبة لموضوع الاقليات: ان الاستعمار قد وهب النصارى شبه وطن قومي في بلاد الشام اسماه لبنان. واعطى لليهود جزء آخر من بلاد الشام في فلسطين، ولايزال يمتد في البلاد كداء السرطان الخبيث. ولو تمكن الاستعمار لوضع لكل اقلية دينية في بلاد المسلمين دولة يستعملها عندما تقضي الحاجة الى ذلك وسنتطرق الى الدولة اليهودية عند البحث في مفردات الدائرة الثالثه.
الى هنا ينتهي الكلام عن الدائرة الاولى مما حولنا.
الدائرة الثانية٢
تشتمل الدائرة الثانية على الكيانات الدولية القائمة في العالم الاسلامي، وهي كيانات هشة تتكسر، ويمكن ان تنجرف بتيار فكري وعملي فعال الى غير رجعة. ولن يحدث هذا التيار الا بفعل انسان المنطقة: الانسان المسلم.
هذه الكيانات تتمتع بالمظهر الشكلي للدولة:
لها سيادة شكلية على ارض، وفيها اجهزة حكم وقوانين خاصة. والى غير ذلك من المظاهر التي تتمتع بها الدول. ان هذه الكيانات السياسية الموجودة وجدت بعد احتلال المستعمرين للمنطقة، حيث قد شيدوا بعد الاحتلال مؤسسات تديرها اجهزتهم بالتعاون مع اهل البلاد وقد بقيت هذه المؤسسات فترة غير قصيرة من الزمن وكانت على نمطين:
-
نمط يختص بتمشية المصالح المباشرة للجيش المحتل، مثل المؤسسات النقدية ومؤسسات القمع المحلية، وغيرها.
-
ونمط يختص بتمشية امور الناس اليومية كدوائر الطابو والادارات المحلية والتعليم وغيرها.
فاما النمط الاول فقد وضعت له اسس واضحة وبسيطة يمكن ان تسير الامور بموجبه. واما النمط الثاني فوضعت له من القوانين ما يؤدي به الى عرقلة الاعمال وتعقيدها.
وكان من مصلحة المستعمر ان يختفي جهازه المباشر ليظهر محله جهاز محلي يؤدي نفس الدور، ويقوم بنفس الخدمات لتمشية مصالحه دون تحد مباشر لمشاعر المسلمين المعادية له. وكان له ما اراد فظهرت الاجهزة المحليه التي تعمل بعقلية المستعمر، وتتقيد بارادته، وقد كان المستعمر يعمل منذ الوهلة الاولى على خلق اجهزة (احتياط) يستبدل بها الحكام متى ما شعر بافتضاح عملائه او متى ما ظهرت مقاومة المسلمين لمشاريعه واعماله وكان قد تمكن من خلق هذه الاجهزة ايضا.
ان هذه الكيانات السياسية المفتعلة بشكل مباشر او التي ظهرت فيما بعد في الاجواء السياسية التي اوجدها المستعمر في بلادنا لا تمثل دولابالمعنى الدقيق ولذا اطلقنا عليها اسم ”دويلات“ لأن حقها من التسمية لايتعدى ذلك اذا اردنا ان ينطبق الاسم على المسمى.
وعند النظر في الكيانات السياسية القائمة نرى ان اكثر من واحد من المقومات الاساسية للدولة مهزوز وغير مستقر بشكل ما:
التصرف بالشؤون الخارجية مرتبط بالنفوذ الاجنبي وتصريف الامور المحلية التي تخص الشؤون الاقتصادية والعسكرية تلاحظ به المصالح الاجنبية اكثر مما تلاحظ به المصالح المحلية.
وكذلك الارتباطات السياسية والاقتصادية والعسكرية المسجلة على شكل اتفاقيات ومعاهدات والتي يرتبط بها اكثر دول المنطقة.
الانظمة والقوانين المفروضة والتي لا علاقة لها بعقيدة الناس من قريب ولا من بعيد انما هي استيراد مفروض من الخارج فرضه المحتل، واستمر الحاكم المواطن بالارتباط به تمشيا مع الخط الاستعماري العام.
هذه امور تبين ان المقومات التي ذكرت كشروط لقيام دولة غير متوفرة في الكيانات القائمة. ولذا يمكن ان نطلق على الكيانات القائمة اسم دويلة او دولة تنقصها بعض المقومات.
على اننا لانريد في هذه الكلمة العابرة ان نحدد مفهوم الدولة.
الحدود التي تفصل الكيانات القائمة هي خطوط وهمية يجدر بنا ان لانتأثر بوهميتها.
والحدود السياسية بصورة عامة هي حواجز وهمية يضعها الاقوياء ويحترمها الضعفاء، ويرتضيها الوارثون القانعون، ثم ينسفها اصحاب الرسالات واهل الطموح من قادة الامم، لذا فانه يشاهد على مدار الزمن مد وجزر يعتري الحدود السياسية، وتشاهد موجات الغزو تتلو بعضها بعضا، جيوش الاسكندر تجتاح آسيا، الجيوش الاسلامية تنطلق من الجزيره العربية لتحطم العقبات امام الدعوة الاسلامية، جيوش جنكيز خان تنشرالخوف والهلع وتنطلق من الصين زاحفة مدمرة، الجيوش الاوروبية تخترق البحار وتستعمر آسيا وافريقيا وامريكا.
ولم يقف امام هذه الغزوات قانون دولي ولاحدود معترف بها:
انه منطق القوة، سواء تسلح بالحق ام بالباطل.. يقول احد الساسة الامريكان تعليقا على حوادث احدثها الاخطبوط الاستعماري في قلب العالم الاسلامي او ما يسمى بالشرق الاوسط:
”يجب تخطيط الحدود السياسية وفقا للمصالح البترولية الامريكية“.
وبعد انتصار الحلفاء بعد الحرب العالمية الاولى جلس المنتصرون في مؤتمرات، وبالاقلام الملونة اقتسموا العالم الاسلامي كما يقتسم المحارب الغنائم.
انها سنة الله في الامم والشعوب ”يهلك ملوكا ويستخلف آخرين“ وما نراه من اوضاع سياسية قائمة، من حدود سياسية واشكال حكم وانظمة وقوانين، واشخاص ذوي سلطان ماهي الانتيجة للنفوذ الاجنبي في بلادنا.
وقبل الحديث عن بعض مفردات الدائرة الثانية نود ان نتطرق الى امتيازات عامة تتميز بها مناطق العالم الاسلامي:
-
تتوزع على امتداد المنطقة مراكز استراتيجية لها اهمية حربية وتجارية ـ كما ان للمعابر المائية التي تصل البحار بعضها بالبعض الآخر كقناة السويس ومضيق جبل طارق وباب المندب والبوغاز الواقع في المحيط الهادي بين الملايو والجزائر الاندونيسية ـ اهمية مثلها.
-
البلاد التي يمتلكها المسلمون تمتلك من الثروات الطبيعية ما فيه الكفاية وزيادة لو عمل واستغلها الانسان كما ينبغي وفيها تتكامل الاحتياجات التي تتطلبها دولة قوية في هذا العصر.
-
شواطيء البلاد الاسلامية تشمل المحيط الهادي والمحيط الهندي والمحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر والبحر الاسود وبحر الخزر وبحر ايجه.
ولهذه الحقيقة اهمية استراتيجية عظمى لدولة تريد ان تشمل العالم.
-
للمنطقة فضل حضاري معترف به عالميا في تاريخ الامم ولذا فهي مؤهلة لاستلام مركز قيادي في العالم.
-
العدد الهائل من السكان حيث يقطن هذه المنطقة مايزيد على سبعمائة مليون مسلم.
مفردات للدائرة الثانيه
سوف نتناول بالذكر عن هذه الكيانات اهم النقاط وابرز القضايا ونذكر النقاط الحساسة في قضيتنا الاسلامية والتي ستكون موضع عناية الحركة الاسلامية العالمية وفي الدعوة بصورة خاصة. وبعبارة اخرى نريد ان نسجل من زاوية النظر الاسلامية الخطوط العامة للوضع السياسي لهذه الكيانات. اما تفصيلات الكلام عن هذه الكيانات فنتركه لمن يتخصص من الدعاة للكتابة في هذا الباب كما ذكرنا في الحلقة الاولى من هذا البحث, وبخصوص المفردات فاننا سنتناول بالذكر اهم هذه الكيانات وكبرياته ونترك الباقي كما اننا سنترك العراق.
مصر
اكبر بلد عربي، تمتاز بموقعها الجغرافي بين افريقيا وآسيا وعلى البحر الاحمر والابيض، وبمركزها الثقافي ـ بوجود الازهر ـ الممتاز في البلاد الاسلامية. لذا كانت مصر ولاتزال مطمح انظار الدول الكبرى، تود كل منها ان تتسلط عليها، لتنعم بالنفوذ وتشق طريقها الى بقية الاقطار في منطقتها في آسيا وافريقيا.
ولذا نرى الدول الكبرى كذلك تصر على ابقاء القيود التي الزمت فيها مصر مثل استمرار تطبيق اتفاقية القسطنطينية المعقودة سنة ١٨٨٨ م التي تعتبر قناة السويس ممرا دوليا مع انه ممّر اقليمي داخل الاراضي المصرية، ونرى الدول الكبرى كذلك تتسابق على تعبيد مصر برؤوس الاموال ليكون لها موطيء قدم في داخل البلاد. تحتل مصر اليوم المركز القيادي في ركب الدويلات العربية وتتعلق انظار سواد الناس في المنطقة بالاعمال ذات البريق والضوضاء التي تقوم بها السلطات هناك، وما ذلك الا لتفاهة من يعمل على المسرح السياسي في اقطار هذه المنطقة، وتتصدى مصر في المنطقة العربية للدعوة الى الاشتراكية ويقود هذه المعركة الفكرية اصحاب كروش مترهلة ينبيء مظهرهم عن الترف والكسل الجسمي، ويظهر عمليا التنافض بين اقوالهم وافعالهم.
وتلاقي هذه الدعوة استحسانا في الاوساط المتعلمة، وهي على كل حال تمثل اقلية معزولة لاتتحسس ولاتعقل مشاكل الامة الحقيقية ومآسيها وانما تدور حول افكار نظرية محضة ومشوشة ليس لها اساس موحد، وليس لها وضوح في التفصيلات.
الازهر في مصر مركز اشعاع اسلامي ترتبط به الاقطار الاسلامية والمسلمون في انحاء العالم بشكل ما. ويمكن استخدامه بصورة فعالة مؤثرة عندما يتسلم العاملون الاسلاميون رعاية المسلمين في مصر. وقد طرأ على نظام الازهر اخيرا تغيير يضر به اضرارا بالغا في المستقبل، فالازهر جامعة اسلامية يحترمها المسلمون بصفتها تلك التي بدلها النظام الجديد واضفى على الازهر صفة الجامعات الاعتيادية الاخرى. ومصر بعد ذلك قطر اسلامي مؤهل لتقبل الدعوة الاسلامية من ناحية شعبية. والسلطات تضع امام العمل الاسلامي العقبات: عقبات، وعقبات لن تقف امام اصحاب العقيدة الاسلامية ان شاء الله تعالى.
المملكة العربية السعودية
تحتوي على نجد والحجاز والقطيف والاحساء، وهي بلاد واسعة تمتاز، اول ما تمتاز، بوجود الكعبة المشرفة والمدينة المنورة فيها، وهذه الميزة تجعل للبلاد اهمية خاصة في نفوس المسلمين وتعطيها اهمية سياسية خاصة لمن يريد ان يتولى النفوذ على البلاد الاسلامية، ومن هنا كان البلد مطمع انظار المستعمرين.
يمثل السعوديون فئة من حكام المسلمين يحملون الولاء الكامل للاستعمار الغربي ولعمالة الحكام في السعودية اهمية خاصة، اذ ان الاستعمار يمكن ان يستخدم تلك البلاد واولئك العملاء لمكافحة العمل الاسلامي باسم الاسلام والديار المقدسة. وهذا احتمال وارد ويشكل خطرا جسيما على العمل الاسلامي وعقبة كأداء امامه، وقى الله المؤمنين شرور الكفار ومن والاهم، وفي هذه المملكة تشتت قبلي، وتشتت اقليمي، ونزاع مذهبي يكوّن فجوات يمكن للعمل الاسلامي من خلالها اختراق حواجز السلطة التي تقف امام كل عمل سياسي داخل البلاد.
في السعودية جهاز يطلق عليه رابطة العالم الاسلامي عمله الدعاية للملك، وهو جهاز له صلات واسعة في انحاء العالم الاسلامي، ويمكن الاستفادة منه للتعرف على كثير من نشاطات المسلمين في بقاع الارض.
يدعي الحكام انهم يطبقون الشريعة الاسلامية، وهو ادعاء باطل يقولون ان ليس لهم دستور غير القرآن، وان القاضي يحكم بالشريعة وليس عندهم قانون آخر. وفي الحقيقة ان رغبات الملك في الداخل وولاءه لامريكا في الخارج هو الاساس في الحكم لاالشريعة ولا القرآن. ودليل ذلك ان الفسق والفجور يعم العائلة المالكة وحاشيتها المترفة وثروات البلاد التي هي ملك عام للمسلمين يحتكرها الامريكان، ويتمتع بفضلاتها الفئة الحاكمة فقط. ولايقل ابتعاد الاحكام الشرعية عن الحياة العامة في السعودية، وخاصة مايتعلق بالحكم، عن غيرها من الاقطار الاسلامية وكل ما يختلف ان التأثر بالحضارة المادية يختلف فيه المسلمون من بلد الى بلد آخر، وليس من العسير حل هذا التناقض الذي يبدو من وجود بعض المظاهر الاسلامية في البلاد من جهة ومن الارتباط بالكافر وما يرتكب من مخالفات للاسلام من جهة اخرى.. ذلك ان مجموع هذه الاوضاع مقبول لدى المستعمرين وغير ضار بمصالحهم. ان الظروف التاريخية والكيفية التي استولى بها آل سعود على هذه المنطقة الواسعة في الوقت الذي كان ذلك بفعل بريطانيا كان ذلك كذلك يفرض هذا اللون من المظاهر لدى الامة. ولظروف تاريخية كذلك بقيت الاوضاع هكذا حتى بعد ان اكتشف النفط ودخلت امريكا مناطق النفوذ البريطاني. ان المظاهر الاسلامية والدينية في هذه البلاد في الغالب ليست مفتعلة ولكنها لاتقوم على اسس كيان الدولة الاسلامية، فهي لاتلبث ان تزول الا اذا تداركتها عناية الله سبحانه.
اندو نيسيا
بلد اسلم بالكلمة الاسلامية التي انطلقت من افواه التجار المسلمين. وهي اليوم تحتوي على مجموعة جزائر تحتل مساحة واسعة توازي خامس دولة في العالم من حيث المساحة الجغرافية.
هذا من ناحية السعة، ومن ناحية الاهمية فهي في بقعة يمكن ان تسيطر في يوم من الايام على المحيط الهادي والمحيط الهندي.
ومع ان العقيدة الاسلامية بصفتها عقيدة الاكثرية الساحقة الا ان المفاهيم الاسلامية والسلوك الاسلامي لم يتعمق في نفوسهم ولم يتضح لعقولهم، لأن الفترة التي اسلموا فيها كانت فترة انحسار فكري وسياسي في العالم الاسلامي.
وقد يستغرب المسلم عندما يعلم مثلا ان ليس للحجاب عند المرأة الاندونيسية المسلمة اثر، على اعتباره، مظهرا لايؤثر في جوهر الدين الاسلامي. ومثل هذا الامر كثير والنشاط من اجل الاسلام هناك لايعي الاسلام بتفاصيل احكامه ومفاهيمه، ولعله لايتعدى الاعتزاز بالعقيدة وتبني بعض المفاهيم الاسلامية العامة التي لا تتعارض مع الاعراف السائدة المختلطة مع المفاهيم البوذية الديانة القديمة لاهل البلاد.ومن الامور الحسنة ان التأثير على النشاط الاسلامي غير عسير، ومن السهولة تمتين العلاقات بيننا وبين جميع الحركات الاسلامية العاملة هناك. وسوف لانألوا جهدا للقيام بهذا العمل عندما يحين الوقت او يحتاج العمل الاسلامي لذلك.
يتكلم اهل الجزائر الاندونيسية اللغة اللاوية، ولهم علاقات اقتصادية مع الملايو والجزائر الاخرى المنتشرة هناك. بل يمكن القول ان المصالح متشابكة بينهم وبين هذه البلدان.
الوضع السياسي في اندونسيا:
تتجاذبه من الداخل ثلاث قوى القوة الوطنية الحاكمة وتتصل هذه القوة بالاستخبارات المركزية لامريكا، والقوى الشيوعية المتصلة بموسكو وبكين، والقوى الاسلامية التي تعيش في اضطراب فكري وسياسي تتجاذبها الاحداث.
الجزائر الاندونيسية ستقوم بدور فعال وعظيم تؤديه للدعوة الاسلامية على المحيط الهادي وما يتصل به من بحار حيث لم تكن قد وصلت الدعوة الاسلامية بصوتها الهادر في غابر الايام.
الهند
دخلت شبه القارة الهندية ضمن الممتلكات الاسلامية في اواسط القرن الاول للهجرة. وتغلغل الدين الاسلامي فيها بتعاقب الحكام المسلمين عليها الى ان احتلتها بريطانيا في موجة الغزو الاوروبي للعالم الاسلامي.
تنقسم شبه القارة الهندية الى دويلة الهند ودويلة باكستان.
حدث هذا الانقسام في الاجواء الانفعالية والتعصبية التي اوجدها الاستعمار بين المسلمين والهندوك، اذ ان من المعلوم ان المسلمين حكموا البلاد قرونا عديدة ولم يحدث خلال تلك القرون ما حدث ايام الحكم الانكليزى من مشاكل طائفية معقدة بين المسلمين والهندوك.
الدولة الهندوكية في الطرف الشرقي للعالم الاسلامي اوجدها الاستعمار ضمن مخطط التمزيق الذي مارسه لحل ما يسمى ”المشكلة الشرقية“ الخطرة، مشكلة العالم الاسلامي الذي حاول ان يبتلع اوروبا من طرفها الغربي تارة، ومن طرفها الشرقي تارة اخرى.
وكان المخطط هو تمزيق المنطقة وتحويلها الى دويلات واقطار منفصلة الواحدة عن الاخرى انفصالا سياسيا واقتصاديا وفكريا…
حتى آل الامر الى انشاء مشيخات لايتجاوز عدد نفوسها بضعة آلاف ثم اوجد كيانات معادية للاسلام بصورة قاطعة كبعض سكان المنطقة الذين يدينون بغير الاسلام كدويلة الهند وبعض الدويلات الاخرى الصغيرة في بلاد الشام، احداها للنصارى واخرى لليهود. واوجد نقاط خلاف كثيرة في المنطقة لتكون اداة الهاء وامتصاص للطاقات الموجودة بالمنطقة مثل كشمير وقبرص وارتريا واجزاء صوماليا المحكومة من قبل اثيوبيا ومن قبل كينيا وغيرها. كل ذلك احتياطا من يقظة المارد الجبار العالم الاسلامي، وامتداد نفوذه عبر المنطقة وكل هذه عوائق وضعها ليعيق العمل الاسلامي الذي يخشاه اشد خشية.
والدويلة الهندية لها دور اساسي في هذا التخطيط، ولذافهو يرعاها ويمدها بمساعداته وازاء هذا الدور اخذت الدور السياسي الذي يمثل الحياد في الصراع الدولي القائم، وهو حياد موهوم.
والهند قطر مملوء بالمشاكل وهو عاجز تمام العجز عن النهوض برغم كل المساعدات. الفقر والمرض والجهل وتعدد الديانات واللغات امراض مستعصية الحل لفقدان امكانيات العمل الاصلاحي فيهاوليس هناك اي امكانية منظورة لعمل انقلابي فيها، فلا العقيدة الهندوكية التي ينتمي اليها اكثرية السكان تدفع لعمل حياتي ولا الافكار الغربية لها واقع يعتمد على اسس متينة داخل الامة ولا المبدأ الشيوعي ومعتنقوه بمستوى الاصلاح لانهم ببغاوات يقتصر نشاطهم على خدمة اغراض الدولة الشيوعية التي يحملون لها الولاء، ولا الاسلام له امكانية حالية لعمل اي نشاط، فالمسلمون مغلوبون على امرهم ومضطهدون اي اضطهاد وليس لديهم قابلية منظورة للقيام بدعوة اسلامية. فالهند لاترتقي في مستوى الدول على كبرها، وعلى مالها من اهمية تشاع عليها من الخارج، وعلى ما لها من خصائص جغرافية وبشرية وتاريخية.
ومع ذلك كله ورغم كل العوائق التي وضعها الاستعمار.. فان الاسلام لن يلقى عقبات مستعصية عن الحل امامه في الهند عندما يحين وقت الغزو الاسلامي للعالم.
تركيا
موطن شعب اسلامي شجاع، ومنبثق الدولة العثمانية التي رفعت راية الجهاد، وسارت بها قدما الى أن وصلت الى اواسط أوروبا، وكونت خطرا حقيقيا على كيانات الدول الاوروبية الكبيرة ثم تقلص نفوذها بفضل النمو الحضاري المادي الذي احيا الفعاليات والقابليات عند الانسان الاوروبي، والذي حول هزيمة اوروبا امام العثمانيين الى انتصار ساحق على الدولة العثمانية وجميع انحاء العالم الاسلامي، ولايزال المسلمون يعيشون نتائج الهزيمة حتى اليوم.
انقلبت تركيا على اعقابها بعد هذه الهزيمة وانشأ كمال اتاتورك دويلة علمانية برعاية الكفار المنتصرين، ابرز ما فيها عداء الاسلام، ولكن هذا الامر مع ما صحبه من اعمال دعائية ضخمة داخل تركيا ومع ما له من انصار يمثلون القيادات السياسية في تركيا فان هذا العداء السافر للاسلام لم يستسغه عامة الناس وبدأ ينحسر في الفرصة الاولى التي تسنى فيها للشعب المسلم في تركيا ان يقول كلمته. وجاء للحكم الساسة الذين لايظهرون العداء للاسلام وان كانوا في جوهر سياستهم نسخة لاتختلف عن حزب الشعب التركي الذي اسسه اتاتورك.
للمسلمين في تركيا نشاط ملحوظ ولكنه على مستوى ردّ الفعل لعمل اتاتورك المعادي للاسلام والمظاهر السلوكية للمسلمين فقد كانت النشاطات محصورة بالتمسك بالتقاليد الاسلامية الموروثة للدولة.
ولجهاز الحكومة في تركيا هيبة واحترام في نفوس عامة الناس على خلاف اكثر الشعوب الاسلامية التي تنظر للدولة على انها ترتبط بشكل ما بالاستعمار وعملها ظلم وجور. وهذا امر جدير بالاعتبار، لأن الهيبة والاهمية التي تتمتع بهاالحكومة عند شعب اسلامي تكون عائقا حقيقيا امام العمل الاسلامي، كما هو الحال في السعودية.
وفي تركيا اقلية عربية واخرى كردية مضغوط عليها بتأثير الفكر القومي المركز الذي ادخله الاستعمار لتركيا. كما ان هناك اتراكا في اكثر من قطر الاسلامي.
هذه عوامل يمكن الاستفادة منها جديا في عمل اسلامي مهم داخل الدويلة التركية، رغم ما تتمتع به الدولة التركية من هيبة داخل قطرها. ولتركيا اهمية سياسية خاصة في العالم تختلف فيها عن بقية الاقطار الاسلامية الاخرى للاسباب التالية:
-
تركيا في الغرب عند عامة الناس تمثل الشرق كله. وهذا ناتج عن تأثير الدولة العثمانية البالغ في العقل الاوروبي ولذلك يطلق على المسلم في الغرب كلمة تركي.
-
التراث العثماني السياسي لم تفقده تركيا جميعه، ولذا تعتبر في العرف السياسي دولة كبيرة خسرت الحرب العالمية الاولى فلم تكن مستعمرة بل كانت امبراطورية مستعمرة بعكس بقية اكثر الاقطار الاسلامية الاخرى التي تعتبر في المفهوم الغربي اقطاراً كانت مستعمرة لتركيا مما يعطي تركيا ثقلا سياسيا في العالم يختلف عن نظرة الدول لبقية اقطار المسلمين.
-
الاتراك يؤلفون الاكثرية الساحقة من الشعوب التي تسكن البلاد التركية، وهم كذلك منتشرون في آسيا الوسطى، اذإن اكثر السكان المسلمين الواقعين تحت الحكم الشيوعي الروسي هم من الاتراك. وهذا يعطي تركيا قيمة سياسية اضافية.
-
اعلان علمانية الدولة بعد الحرب العالمية الاولى، وحمل لواء الدعاية لذلك، واظهارها من قبل القادة السياسيين دولة تنتمي للغرب في ثوبها الجديد وليس للشرق كما كانت.. جعلتها قريبة من نفسية الانسان الاوروبي. وليكن معلوما ان هذه الاهمية الخاصة لاتقدم ولاتؤخر في واقع الامر، الذي يفرض كون تركيا جزء من العالم الاسلامي يبتلي بجميع مشاكله وآلامه وآماله.
الدائرة الثالثة٣
الدائرة الثالثة تحيط الدائرة الثانية والاولى، وتمثل شخوصا دولية ومؤسسات ذات نفوذ خارجي.
علاقتنا بافراد هذه الدائرة علاقة مقاومة وحذر، تملي هذه العلاقة الوضعية التي يقفها منا افراد هذه الدائرة.. نقاوم الاستيلاء والنهب ونحذر من المطامع.
وعلاقتها بنا علاقة استيلاء وطمع. العلاقة هذه مرتبطة بالوضعية الحاضرة التي تعيشها الامة، وستتبدل ان شاء الله بالتغيير الذي سيحدث ويبرز وجود الامة وجودا مختلفا تماما عما هو عليه الآن، وستقرر العلاقة الجديدة القوى الاسلامية الصاعدة على ضوء مصالح المسلمين ومصالح الدعوة الاسلامية.
هناك ظاهرة جغرافية يحسب بعض الناس لها حسابا خاصا:
تقع جغرافية دول ومؤسسات الدائرة الثالثة في القسم الشمالي من الكرة الارضية، ويأخذ بعض الناس العامل الجغرافي والعامل التاريخي اخذا اساسيا في تصنيف البشر، ونمو الحضارات لأن العقول المدبرة المبدعة والايدي الماهرة تنشأ وتترعرع فعلا في الدائرة الثالثة.
ان المستوى الحضاري والمناخ الاجتماعي الذي ينمي التفكير والابداع ليس مقصورا على ارض دون ارض، وفي مناخ طبيعي دون مناخ، وانما للارض والمناخ تأثير ثانوي، والعامل الاصيل هو الانسان العقائدي المفكر.
تحتوي هذه الدائرة على دول كبرى تتصارع فيما بينها ويستقطب الصراع فيها الولايات المتحدة: اضخم دولة رأسمالية، وروسيا، اقوى دولة شيوعية.
ولا يقتصر الصراع على هذين القطبين وانما يتعداه الى دول اخرى ذات نفوذ وذات قوة، تعمل كل منها لاضعاف الاستقطاب ليكون لها قسط اكبر في حل المشاكل العالمية. واهم هذه الدول المشتركة في حلبة الصراع: الصين وبريطانيا وفرنسا. ان وضعية الدول ذات النفوذ الدولي المتفاوت غير ثابتة: لم تكن امريكا وروسيا قطبي الرحى في عالم السياسة الدولية قبل الحرب العالمية الثانية. ولم يكن للصين وزن عالمي قبل استيلاء الحزب الشيوعي الصيني على الحكم.
ولوتتبعنا التاريخ السياسي في العالم لوجدنا نمو حضارات واندثار اخرى، وبروز امم وانخفاض امم، مد من ناحية وجزر من ناحية اخرى. ولرأينا من ناحية سياسية تسلق دول الى منصة الزعامة.
وكل وضع سياسي عالمي تقف منه الدول والامم والشعوب مواقف مختلفة لأن الوضع السياسي العالمي يكون في مصلحة دول، ويكون مخالفا لمصالح دول اخرى. ويكون بين هذا وذاك لغير هذين الطرفين من الدول.
ويعبر عن الوضع السياسي العالمي في فترة زمنية بـ ”الموقف الدولي“، تعبيرا عن موقف كل دولة من الدول ازاء العالم بمجموعه، وازاء الدول المتنفذة في هذا العالم.
ويعبر عن العلاقات التي ترتبط بهاالدول الكبرى والدول الطموحة التي ترشح نفسها لكي تحتل مكانتها بين الدول الكبرى والتي ترتبط كل واحدة منها ببقية الدول و الشعوب ارتباط متسلط او تأثير ايجابي او سلبي، ارتباط تبعية او عداء… يعبر عن هذه العلاقات جميعها بـ ”التوازن الدولي“ تعبيرا عن ثقل كل دولة من هذه الدول بميزان يعين ثقل وزنها الدولي سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفكريا بالنسبة الى الدول الاخرى.
والمتتبع للاحداث الدولية يرى ما يلي:
-
تعمل امريكا وروسياعلى المحافظةعلى الموقف الدولي الحالي لأنه في صالحهما، وبالرغم من كونهما على رأس عالمين متصارعين، هما العالم الشيوعي والعالم الرأسمالي، فانهما اليوم تمثلان الدولتين الاكثر نفوذا في هذا العالم.
وتتخذ هاتان الدولتان للمحافظة على هذا الموقف هيئة الامم المتحدة وذلك للوقوف عند حد معين في صراعهما ولفصل القضايا بينهما، ولتقف حائلا دون اصطدام الواحدة بالاخرى. يستعملان هذا في المحافظة على الموقف الدولي.
ان اتفاقهما على المحافظة على الموقف الدولي لايعني ان روسيا لاتعارض امريكا وان امريكا لاتعارض روسيا، ان اتفاقهما يعني فقط ان الصراع بينهما لايصل الى حد الاصطدام النووي، ولا الى مايؤدي الى ذلك، ولكنه يصل الى دون ذلك.
وتستعمل الدولتان في صراعهما الاحلاف العسكرية والتسابق الصناعي لتطوير ثرواتهما العسكرية والعلمية. وتستعملان اجهزة تجسسية واعلامية واساليب اخرى لتثبيت وتوسيع نفوذهما في الدول والاقطار الاخرى.
-
تقف بريطانيا وفرنسا ازاء الوضع الدولي موقف المعدل له، فهما تحاولان ايقاف انهيار نفوذهما العالمي السابق الذي كانتا تتمتعان به قبل الحرب العالمية الثانية، وتحاولان استرجاع ما يمكن استرجاعه من نفوذهما السابق. ولذا نراهما تقفان في بعض الاحيان موقف المعارض للولايات المتحدة مع انهما وامريكا في جبهة واحدة مقابل العالم الاشتراكي. ونراهما تتعاملان مع دول العالم الاشتراكي سياسيا واقتصاديا في مجال تبادل المنافع والمصالح.
واما بالنسبة لمصالح العالم الرأسمالي فان مواقفهما ازاءه كمعسكر اصبحت تتضاءل بمرور الايام، ونرى ذلك واضحا في السياسة الفرنسية وخاصة بعد ان نمت قوة كل من الدولتين: روسيا والولايات المتحدة، بحيث اصبحت هناك فجوة واسعة بين ما تملكه هاتان الدولتان من امكانيات مادية وبين ما تملكه الدول الاخرى
-
اما موقف الصين فانه يختلف عن موقف امريكا وروسيا اللتين تريدان المحافظة على الموقف الدولي. ويختلف عن موقف فرنسا وبريطانيا اللتين تريدان تعديل الموقف الدولي بتضييق سعة الفجوة بين نفوذهما العالمي وامكانياتهما الذاتية وبين ما تملك كل من روسيا والولايات المتحدة.
ان الصين ترى نفسها جديرة بقيادة العالم ايمانا منها بمقدرتها الذاتية وامكانياتها المادية المتصاعدة، ولذا فهي تسعى بشتى الوسائل لخلخلة التوازن الدولي وتغييره لصالحها ولذا فان الدول الكبرى صاحبة المصالح الاولى وخاصة الولايات المتحدة تحاول ان تحاصر الصين سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
ان سلوك الصين في الدائرة العالمية يتميز بمعاداة الولايات المتحدة ومحاربة مشاريعها ونفوذها، وتعتبرها عدوتها الاولى.
وتعادي روسيا وان كانت تدين بدينها ولكنها لاتعامل الدول الكبرى الاخرى نفس المعاملة، فان المرونة السياسية عند الصين تتناسب مع قوة تلك الدول، ومع ضخامة مصالحها في الشرق الاقصى فكلما كانت الدول ذات مصالح كبيرة في ”الشرق الاقصى“ ولها نفوذ عالمي كبير كان نصيب الصين في التعامل معها كبيرا.
-
تحاول كل دولة من هذه الدول ان توجد اجواء مساعدة لاعمالها ونشاطاتها، وتستعمل الدعاية الواسعة والعلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية والسياسية.. الخ. وتستعمل كذلك المنظمات والمؤسسات السياسية والاقتصادية الاقليمية منها والعالمية وكذلك تستخدم الاحلاف والاتفاقيات العسكرية لخدمة اغراضها العامة.
وما نراه اليوم من هذه الاشكال المذكورة في العالم فأنها موضوعة بتخطيط واشراف واحدة او اكثر من الدول الكبرى لقضاء مصالحها. ولانستثني من هذا التعميم كبرى الهيئات والمنظمات كهيئة الامم المتحدة او اصغر هيئة اقليمية في العالم.
-
هناك تأثير فكري وسياسي متبادل بين الشعوب والدول فالتفكير الاشتراكي والعالم الرحيب تقاربت مسافاته بواسطة اللاسلكي والاقمار الصناعية. ان الدعاية لجميع الاطراف المتصارعة تغطي الكرة الارضية بفضل وسائل العلم الحديثة التي تجتاز المسافات وتعبر المحيطات والاجواء بيسر وسهولة. ولاتقف الافكار الخاصة بوجه الفكرالوافد على ارض صلبة، وتضطر الى التأثر بها لشيوع الاخطاء في الفكر والتطبيق عند الاطراف المتنازعة.
-
تقسم الدول المتصارعة العالم جغرافيا الى مناطق وفي كل منطقة من هذه المناطق يظهر الصراع الدولي، حيث تتضارب المصالح، ويظهر في مناطق منها الصراع والاحتكاك بين العالمين الشيوعي والرأسمالي، ويظهر في مناطق منها الصراع بين الشعوب المستعمرة والدول المستعمرة، وهذه المناطق هي:
وسط اوروبا:
في اوروبا دول كبيرة تشارك في زعامة العالم الرأسمالي، هي بريطانيا وفرنسا. وفي اوروبا: روسيا زعيمة العالم الشيوعي واقوى دولة فيه.وتتواجد القوى الرأسمالية والقوى الشيوعية وجها لوجه في المانيا او في برلين على وجه الخصوص. وتعتبر هذه المنطقة من المناطق التي يحتك بها العالم الشيوعي مع العالم الرأسمالي باستمرار. وهي من المناطق الخطرة في العالم.
الشرق الاقصى:
المنطقة الخطرة الاخرى في العالم هي منطقة ”الشرق الاقصى“ حيث يقف العملاقان الرأسمالي والشيوعي وجها لوجه، كانت المنطقة الى وقت قريب مستعمرات غربية تشارك اليابان في استعمار جزء منها. وباستمرار المقاومة الشعبية للاستعمار الغربي والياباني وتهيئة الظروف الدولية المواتية حصلت انتصارات مهمة، اهمها تحرر الصين من ربقة الاستعمار، وانسحاب فرنسا من الهند الصينية فانتصرت بذلك الجبهة الشيوعية في المنطقة انتصارا عظيما ادى الى دخول الولايات المتحدة الى المنطقة، كدولة استعمارية تحافظ على الكيان والنفوذ الرأسمالي حاليا. وتقف الآن الاحزاب الشيوعية تسندها الجبهات الشعبية المقاومة للاستعمار الغربي وتسند الجميع ماديا ومعنويا الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وتوابعها من الحكومات العميلة في المنطقة وبعض الاقطار الرأسمالية من جهة اخرى، وجها لوجه في صراع عسكري وسياسي وفكري.
العالم الاسلامي:
وزع السياسيون العالم الاسلامي الى مناطق يعاملونها معاملة مشتركة في بعض القضايا ويفرقون بينها في قضايا اخرى. ويغيب على السياسات الجديدة التفريق بين منطقة واخرى، لأن السياسيين لايعتبرون الاسلام كمحرك فعال ويرون انه فقد تأثيره بمرور السنين عليه، بعيدا عن الوجود السياسي الفعال. وتبدو هذه النظرة جلية في السياسة الامريكية.
فالعالم الاسلامي يقع اكثره في مايسمى بالشرق الادنى والشرق الاوسط وبعضه في الشرق الاقصى وفي بقية المناطق الاخرى.
والشرق الادنى يشمل بلاد المغرب وليبيا ومصر وبلاد الشام. والشرق الاوسط يشمل ايران والافغان وبلاد الهند، وتتداخل الجزيرة العربية والعراق وتركيا بين الشرق الادنى والشرق الاوسط تبعا للاشخاص، لأن التقسيم بحد ذاته ليس حدياً. والنسبة فيه الى اوربا، والشرق الادنى هو ادنى بالنسبة الى بعده عن الدول الاستعمارية الاوربية. وشاع اخيرا عندهم استعمال ”الشرق الاوسط“ لبلاد الشام.
وتشترك الدول الغربية الثلاث الكبرى في الهيمنة على هذه المنطقة، فالثروات النفطية بيدها، ولها قواعد عسكرية منتشرة بحيث يسهل استعمالها للسيطرة على المنطقة جميعها. واللغات الفرنسية والانكليزية هي السائدة كلغة تعلم للثقافة العليا..
والعقلية الاستعمارية تسود العقليات السياسية. ورجال السياسة من الصف الاول والصف الثاني. وتحاول روسيا والصين دخول المنطقة بشتى الوسائل، ولم تنجح المحاولات نجاحاً يؤدي الى وجودهما سياسيا في الظروف الاعتيادية. وان كان لروسيا الآن قدم في المنطقة الا انه قدم غير مثبت في مكانه. وتتصارع على النفوذ دفاعا وهجوما في المنطقة الدول الغربية الثلاث امريكا وبريطانيا وفرنسا وتقف ثلاثتها حائلا دون تمكين روسيا من الشركة بها.
افريقيا السوداء:
كانت افريقيا السوداء الى عهد قريب تحكم مباشرة من قبل الدول الاوروبية، ثم تبدل شكل السيطرة على قسم كبير منها. ولا تزال افريقيا باجمعها ترزح تحت نير الاستعمار الغربي المباشر وغير المباشر. وامر تحررها من هذا الاستعمار ليس سهلا، لانه ليس في افريقيا السوداء قاعدة فكرية يعمل على اساسها اهل افريقيا سوى القاعدة الفكرية التي جاء بها الاستعمار نفسه وهي كفيلة ببقاء الاستعمار فيها الى ان تجتاج قواه المادية والفكرية قوة من الخارج.
تحاول روسيا والصين الدخول الى هذه القارة التي ما زالت مغلقة بوجههما، وتتصارع الدول الغربية الثلاث فيها، وتتعاون للحيلولة دون دخول الصين وروسيا الى افريقيا.
اقطار المحيط الهادي:
ويقع قسم منها في الشرق الاقصى، وهي واقعة تحت النفوذ الامريكي والنفوذ الانكليزي. وتحاول روسيا والصين بمختلف الوسائل ان توجد لنفسها قدما فيها، وتعاونها على ذلك الاحزاب الشيوعية فيها.
امريكا اللاتينية:
وتقع تحت رحمة الاستخبارات والشركات الاحتكارية الامريكية ولم ينج من هذا الطوق الخبيث سوى كوبا. والمنطقة مشحونة بالكراهية الشديدة للاستعمار الامريكي.. الامر الذي يهيء للثورة على نفوذ الولايات المتحدة المناخ الملائم.
استتب الامر للويات المتحدة بعد الرئيس (مونرو) الذي قرر ان كل تدخل اوروبي في القارة الامريكية يعتبر عملا غير مقبول. ومن المعروف ان بريطانيا واسبانيا والبرتغال وفرنسا كانت تسيطر على القارة الامريكية، وقد تحررت من نفوذها السياسي والعسكري، وبقي النفوذ الثقافي والعاطفي، ولم يبق لبريطانيا الا بعض الجيوب في المنطقة، واغلقت منافذ النفوذ من قبل الولايات المتحدة الامريكيه. الا ان كوبا فتحت هوة من الصعب غلقها ولاسيما ان اقطار امريكا اللاتينية فيها احزاب شيوعية، وفيها ثوار يسيرون على هدى الثورة الكوبية.
وتشجع روسيا والصين الاحزاب الشيوعية والكاسترويين ماديا ومعنويا لضرب النفوذ الامريكي.
والآن سنتعرف فيما يلي على مفردات الدائرة الثالثة: الدول الخمسة الكبرى، والحزب الكاثوليكي، والحزب اليهودي، على اعتبار انهما حزبان مؤثران في الدائرة الثالثة، وخاصة فيما يتعلق بنا كمسلمين. وسنذكر الاحتكارات النفطية على حده، لما لها من اهمية وتأثير عالمي، ولما لها من قوة ذاتية خاصة بها في العالم، ثم ان لها علاقة وثيقة بنهب ثرواتنا بشكل واسع.
الحزب اليهودي:
يؤلف اليهود حزبا كبيرا منظما وفعالا منتشرا في انحاء المعمورة، اذا اخذنا بنظر الاعتبار الحزب نفسه، وامكانياته الذاتية، وقد نجح هذا الحزب بمساعدة الاستعمار في بناء قاعدة، اسماها ”اسرائيل“ وهو يخطط ويعمل لتوسيع هذه القاعدة.. حتى تشمل جغرافيا بقعه كبيرة في اعز بقاع العالم الاسلامي. وتشمل نفوذا سياسيا يعم آسيا وافريقيا، وبقية انحاء العالم.
يقول ناحوم جولدمان احد قادة الحزب اليهودي في خطاب القاه سنة ١٩٤٧م قبل قيام دولة اسرائيل:
”وكان ممكنا لليهودان يحصلوا على اوغندا او مدغشقر او غيرها لينشئوا هناك وطنا قوميا لهم، ولكن اليهود لايريدون على الاطلاق سوى فلسطين، لا لاعتبارات دينية او بسبب اشارة التوراة الى فلسطين، ولا لأن مياه البحر الميت تستطيع ان تعطي عن طريق التبخير ما قيمته خمسة آلاف مليار دولار من المعادن والاملاح، ولالأن تربة فلسطين الجوفية كما يقولون تحتوي على كميات من البترول تزيد على احتياطيه في الامريكيتين فحسب، بل لأن فلسطين هي ملتقى الطرق بين اوروبا وآسيا وافريقيا، ولأنها هي المركز الحقيقي للقوة السياسية العالمية والمركز العسكري الاستراتيجي للسيطرة على العالم“.
وهنا نريد ان ندرس بعض الامور الهامة في شأن هذا الحزب الكبير:
-
العلاقة بين الصهيونية والاستعمار..
-
الاطماع التوسعية لاسرائيل..
-
النشاطات الفردية لليهود وتجمعهم..
-
موقف مسلمي اليوم ازاء الخطر اليهودي..
-
ما ينبغي على المسلمين القيام به..
العلاقة بين الحزب اليهودي والحركة الاستعمارية تمتد الى بداية ظهور الحركة الصهيونية بشكل فعال سنة ١٨٩٧م، وان كانت هناك جذور صهيونية ظهرت قبل هذا التاريخ، عند بعض مفكرّي الطوائف المسيحية في اوروبا الذين انتبهوا الى ما سطرته التوراة المتداولة بين ايدي النصارى اليوم ككتاب مقدس حول حقوق ”شعب الله المختار“ في فلسطين. والعلاقة بين الحزب اليهودي والاستعمار تتأثر بالمصالح المشتركة وبجذور تاريخية ودينية في اوروبا.
اما المصالح المشتركة فانها نتجت عن اهمية هذه المنطقة فهي اولا قلب العالم الاسلامي الذي لم ينس الاستعمار بعد خطر سطوته وسلطانه الذي تعرض له من قبل، وما يزال يتوقع منه هذا الخطر، فيما اذا زال الجمود والخمول الذي يعتري انسان هذه المنطقة: الانسان المسلم.
وهي ثانيا تمثل مركزا جغرافيا لايماثله اي مركز جغرافي آخر، وتحتوي ارضه كنوزا تتمنى كل دولة من الدول الحصول عليها.
فمن مصلحة اليهود لاسباب دينية وسياسية الحصول على هذه المنطقة. ومن مصلحة الاستعمار كذلك ان يحصل اليهود عليها.
وقد رأينا قبل اسطر رأي احد قادة الصهيونية في هذا الامر ولنقرأ الآن اسطرا من تقرير وضعه اقطاب الاستعمار الغربي من سياسيين واقتصاديين ومفكرين برعاية المستر كامبل باترمان رئيس الوزراء البريطاني وشاركت في وضع هذا التقرير اجهزة من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا والبرتغال وايطاليا.
وكان الوضع الدولي يوم ذاك يجعل الدول الاوروبية الناهضة تتطلع لابتلاع العالم. وكان من ابرز المناطق التي يتطلعون اليها الدولة العثمانية والدولة القاجارية المنهارتان.
استعرض المؤتمر الوضع الدولي والنقاط التي يمكن ان يتفق الجميع عليها، حيث تحقق مصالح الاستعمار ككل دون الاضرار بمطامع اي دولة من الدول المشتركة. وكان من جملة قرارات هذا المؤتمر ما يلي:
”ان من اهم الاقطار التي تواجه الاستعمار الغربي ما يكمن في البحر الابيض المتوسط الذي يؤلف حلقة الاتصال بين الشرق والغرب والذي يقيم على سواحله الشرقية والجنوبية شعب واحد له تقاليد وعقيدة واحدة، ويتميز بكل مقومات التوحيد والترابط، ويسكن ارضا مملوءه بالكنوز والثروات الطبيعية الامر الذي يتيح له مجال التقدم والرقي“.
واوصى التقرير بان تعمل الدول الاستعمارية على تجزئة هذه المنطقة والابقاء على تفككها، والسعي الدائب في تمزيقها عمليا وفكريا وتاريخياً. واقترح المؤتمر اقامة حاجز بشري قوي وغريب بين الاجزاء الآسيوية والافريقية. وهكذا كان فقد طبق الاستعمار قراراتهم بشأن المنطقة بحذا فيرها. ولكن الخوف والهلع من سكان المنطقة مايزال قائما تحسبا من نهوضهم من كبوتهم.
ـ تقرير كلوب عن هلع الغرب من شبح الاسلام ووحدة المسلمين:
وبالمناسبة فلنسمع كلام الجاسوس البريطاني الشهير الجنرال كلوب الذي عاش ردحا من الزمن بين ظهرانينا. قال هذه الكلمات في كتابه ”الجندي مع العرب“:
”ان بريطانيا ليرعبها ان تتصور ان تجارتها مع الشرق قد تنقطع في يوم من الايام بسبب اقفال الممرات العربية في وجهها“.
وقال في كتابه بريطانيا والعرب:
”ان وجود دولة مقاتلة عظيمة ثابتة الدعائم في الشرق الاوسط يوجد وضعا يستطيع ان يوجه الضربات القاصمة في اوروبا وافريقيا حسب مشيئة هذه الدولة“.
وقال:
”وتستطيع مثل هذه الدولة ان تشن الهجوم في اي وجهة تشاء وعلى اي مكان تشاء، في اوروبا وآسيا وافريقيا، وان تفصل اوروبا عن آسيا، والقارتين معا عن افريقيا, كما تستطيع التفريق بين الحلفاء وضربهم بعضهم ببعض وابادتهم جميعا الواحدة تلو الاخرى“.
ومن الواضح ان هذا الكلام لا ينطبق الا على الدولة الاسلامية التي يتوقع قيامها هذا الجاسوس. كما نرى ان كلامه يعبر عن اهمية هذا الموضوع وعن مصلحة بريطانيا والاستعمار الغربي في درء هذا الخطر المتوقع.
وحينئذ فلا شك ان وجود اسرائيل في قلب العالم الاسلامي يكون وسيلة فعالة في يد الاستعماريين لعرقلة المسيرة التي تقوم بها الامة للتخلص نهائيا من التخلف والاستعمار.
ـ الكفاح اليهودي من اجل تفهم الغرب حقيقة امكان قيام مصلحة:
رأينا الآن ان وجود اسرائيل وبقاءها يحقق مصلحة مشتركة بين الحزب اليهودي والاستعمار الغربي، ولكن هل يتم التقاء هذه المصالح بسهولة ويسر دون العمل السياسي؟ انها لاتكون سهلة ميسرة دائما وانما تكون في اغلب الاحيان دروبا تعتورها المصاعب من كل جانب.
ان الحزب الصهيوني اليهودي بنشاطه ودأبه وكذبه ووجوده في مختلف انحاء الدول الاستعمارية وبجهود استغرقت سنينا طويلة تمكن من تنفيذ اغراضه الخبيثة، فلنقرأ صورا من نشاطات الحزب اليهودي هذا.
ـ نداء الى امريكا:
يقول وايزمان احد حكماء صهيون والرئيس الاول لدويلة اسرائيل في رسالة بعثها الى رئيس الولايات المتحدة الامريكية ولسن سنة ١٩١٨م:
”ان فلسطين اليهودية التي ستخلقها بريطانيا العظمى وتساعدها امريكا تكفي ضربة مميتة للسيطرة الاسلامية. ويجب ان يكون واضحا ان ثمة ارتباطا كليا بين المصالح الامريكية والبريطانية والصهيونية“
ولننتبه ان الرسالة كتبت في ١٩١٨م ولننتبه الى من ستوجه الضربة، والى ان الضربة ستكون مميتة ثم لننتبه كذلك الى الارتباط الكلي بين المصالح والارتباط الجزئي.
ـ مذكرة الى فرنسا:
وتقول مذكرة صهيونية قدمت الى فرنسا:
”ستكون البلاد التي نعتزم احتلالها مصر السفلى والاقسام الجنوبية من سوريا ولبنان. وسيمكننا هذا الوضع من ان نصبح سادة التجارة مع الهند وشبه الجزيرة العربية وافريقيا الشرقية والجنوبية. ونحن نعتقد أن ليس في وسع فرنسا الا ان ترغب في رؤية الطريق الى الهند والصين وفي شعب يسير وراءها الى الموت. وهل هناك من شعب يصلح لهذا الهدف اكثر من اليهود الذين شاء القدر لهم منذ بداية عصور التاريخ ان يرتبطوا بمثل هذا الهدف وليس ثمة من شك في ان اليهود والفرنسيين قد خلقوا منذ الاول ليعملوا معا“.
نلاحظ ان اليهود يتكلمون اكثر من لغة ويتقمصون اكثر من شخصية في سبيل قضاء مصالحهم. ونلاحظ النفسية المتذللة عند اليهود وفي نفس الوقت المتجبرة. فهم يسيرون وراء فرنسا حتى الموت وهم يريدون ان يصبحوا سادة التجارة.
ـ مذكرة الى المانيا:
وفي مذكرة اخرى قدمها اليهود الى قيصر المانيا غليوم الحليف الطامع في الدولة العثمانية. تقول المذكرة:
”نحن نريد ان نقيم على الشواطيء الشرقية للبحر الابيض المتوسط حضارة عصرية، ومركزاً تجاريا يكون دعامة للسيادة الالمانية مباشرة او غير مباشرة. وستكون فلسطين عن طريق الهجرة اليهوديه قاعدة سياسية وتجارية“.
ومن المعلوم ان هناك تنافسا دوليا آنذاك بين المانيا من جهة وفرنسا وانجلترا من جهة اخرى. ونلاحظ ان اليهود يتملقون لجميع الاطراف. ولكن حرارة العرض واللقاء بين الدول الاستعمارية واسرائيل يختلف من دولة الى اخرى. وقد احتضنت انجلترا الدعوة اليهودية لانشاء دولة اسرائيل.
ـ رأي تشرشل في دولة اليهود قبل قيامها:
يقول ونستن تشرشل في مذكراته:
”واذا اتيح لنا في حياتنا وهو ما سيقع حتما ان نشهد مولد دولة يهودية لافي فلسطين وحدها بل على ضفتي الاردن معا تقوم تحت حماية التاج البريطاني وتضم نحو ثلاثة او اربعة ملايين من اليهود.. فاننا سنشهد وقوع حادث يتفق تمام الاتفاق مع المصالح الحقيقية للامبريالية البريطانية“
ونحن نرى الرغبة الجامحة لدى بريطانيا لانشاء دولة يهودية تضم ملايين اليهود على ضفتي الاردن. وقد اتيح لبريطانيا ان تنشيء هذه الدولة، ولكن لم تتمكن منذ البداية انشاءها بالحجم الذي كان يخططه اليهود والاستعمار وذلك للمقاومة العنيفة التي اظهرها المسلمون، والتي لم تكن حسب الظاهر متوقعة من قبل اليهود والاستعمار.
ـ رأي ولسن في اسرائيل بعد قيامها:
يقول جون فولستر ولسن وزير خارجية امريكا:
”ان اسرائيل خلقت لتعيش وان الولايات المتحدة تعتبرها حقيقة واقعة“.
وقال ايدن رئيس وزراء بريطانيا:
”ان اي تحالف نكون نحن شركاء فيه لايمكن ان يوصف بانه موجه ضد اسرائيل“.
وقال احد نواب حزب العمال البريطاني:
”لو قامت اسرائيل بالاعتداء على الدول العربية فان حزب العمال سيكون سعيدا جدا“.
الجذور التاريخية للقضية:
المصالح المتشابكة التي قرأنا عنها بين اليهود والاستعمار هي ركيزة واحدة من ركائز العلاقات. وهناك ركيزة اخرى تتعلق بتأثيرات الجذور التاريخية والدينية للوجود اليهودي في اوروبا وهي رد فعل للافعال التي قام بها الاوروبيون وللعلاقات التي كانت سائدة في السابق بين اليهود والاوروبيين.
اضطهاد اليهود:
تعرض اليهود الى سلسلة من الاضطهادات في اوروبا، ففي عام ١٠٩٦م اقيمت في بلاد الراين مجزرة اطارت برؤوس (٨٥)الف يهودي، ثم تبعتها مذابح مماثلة في فرنسا وانجلترا في اوقات لاحقه. وفي اوروبا الشرقية حدثت مذابح لليهود سنة ١٨٨١م، وفي المانيا الهتلرية كذلك.
سبب اضطهاد اليهود:
ولم تحدث هذه المجازر اعتباطا وانما كانت هناك اسباب كثيرة ادت اليها. اولها: العقيدة الدينية المتنافرة بين اليهود والنصارى. ثم الانعزالية والتكالب على جمع المال عند اليهود، فالاوروبي المسيحي ينافسه بقوة رجل يتبادل معه الكره الديني. ومن هنا انطلقت الاضطهادات المتلاحقة.
ونتيجة لمفاهيم الحرية الدينية والسياسية والاقتصادية تمكن اليهود في العالم الغربي ان يستغلوا الاضطهادات السابقة لصالحهم وتمكنوا من الحصول على تأييد كثير من قادة الفكر الاوروبيين واستطاع اليهود ان يستغلوا شعار ”عداء السامية“ كسلاح فعال يستعملونه في ضرب العوائق التي تقف امام نشاطهم.
مدى التغلغل اليهودي في وسائل الاعلام:
وقد بذلت اليهودية جهودا جبارة حتى جعلت من هذا الشعار قوة سياسية فعالة. ولو علمنا مدى التغلغل اليهودي في مختلف وسائل الاعلام في مختلف الدول الغربية والدول الاخرى لعرفنا الامكانات التأثيرية الضخمة التي يمتلكها اليهود والتي تلائم و تسيّر تيار الاجواء الاجتماعية والسياسية والمفاهيمية بصورة عامة. ولابأس من ملاحظة قوة هذا المفهوم في الاجواء العامة.
دفاع البابا بولس السادس والكنيسة عنهم:
يقول البابا الحالي دفاعا عن احد البابوات الذي اتهم بانه ساهم بطريق غير مباشر بالمذابح التي تعرض لها اليهود ايام هتلر:
”اذا غمرت البشرية شرور لاحصر لها ولاحد فان ذلك لا يعزى الى جبن البابا وعدم اكتراثه“.
واذا علمنا ان الكنيسة الكاثوليكية هي رأس الرمح في اضطهادات اليهود المتكررة فاننا نجد ان رد الفعل الذي طرأ على موقفها هو تغيير كبير في سلوكها ازاء اليهودية والنشاط اليهودي. وهذا التغيير في موقف الكنيسة الكاثوليكية نتج اولا عن النشاط اليهودي الجم، وثانيا عن رأي الكنيسة البروتستانتية التي ظهرت في عصر النهضة الاوروبية، والتي دعت ابناءها للعودة الى الكتاب المقدس والعهد القديم منه الذي هو في مجمله تاريخ اليهود وخاصة في فلسطين. فصارت فلسطين نتيجة لذلك معروفة في اذهان الكثيرين منهم بصورة خاصة. ومن النصارى بصورة عامه.
ونتيجة لذلك اعتبروا ان البشرية جميعها مسؤولة عن دم المسيح.
وفي العالم الغربي بصورة عامة التقاء بين الخطة الصهيونية ومؤيديها وبين خطط المعادين للصهيونية. وهذا الالتقاء ينحصر في تسهيل مهمة الهجرة الى فلسطين والاستيطان بها، وذلك يعتبر من ناحية ارضاء لشعب مضطهد وحلا لمشكلة. ومن ناحية اخرى يعتبر واحة خضراء دائمة لمطامع الاستعمار في اجواء صحراوية هوجاء بالنسبة له.
الاطماع التوسعية لاسرائيل:
الحركة الصهيونية اوروبية المنشأ استفحل امرها بعد مؤتمر ”بال“، المؤتمر الصهيوني الاول في نهاية القرن التاسع عشر حيث قرر فيه قادة الصهيونية وطنا للشعب اليهودي في فلسطين.يضمنه القانون العام، ويتوصل الى ذلك بما يلي:
اولا: العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق اسس مناسبة.
ثانيا: تنظيم اليهودية العالمية بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل بلد.
ثالثا: تقوية وتغذية الشعور والوعي اليهودي.
رابعا: اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية.
وانطلقت القيادات اليهودية ضمن اطر محلية مختلفه، تعمل بضراوة بين الاوساط الحاكمة في العالم يومذاك. واندفع القادة الصهيونيون في الدعوة.
ومجمل القول ان الاضطهادات التي تعرضت لها اليهودية في اوروبا احدثت عطفا كبيرا في الغرب وفي اوروبا بصورة خاصة تجاه قضايا اليهود، كرد فعل طبيعي للمذابح التي تعرضت لها اليهودية في الغرب. فالانسان الاوروبي يعتبر امته وتاريخه مسؤولا عن تشريد اليهود، وهو اذ يعطف على اليهود يحاول ان يكفر عن تلك الاضطهادات التي تعرض لها هذا الشعب المضطهد في حسابه.
فوسائل الاعلام اليهودية تحاول ان تؤكد هذا العطف بين حين وآخر، وذلك بالعرض العاطفي المثير لهذا الشعب المضطهد والمطارد في الشرق والغرب: في الغرب بين مخالب النازيين وفي الشرق بين مضايقات العرب والمسلمين.
وهذا الفهم للامة اليهودية يحدد لنا نوعية الاعلام والدعاية ضد اليهودية التي ينبغي ان نقوم بها نحن المسلمين. فالاعمال الوحشية التي قام بها اليهود وتقوم في دير ياسين والضفة الغربية وصحراء سيناء، وفي سيناء بالنسبة الى المسلمين الفلسطينيين وتشريد الملايين منهم، والزج بهم في السجون والقساوة الوحشية واليهودية، والجشع المادي الذي يتصف به اليهود.. يجب ان يحتل جزءا كبيرا من دعايتنا ضد اليهود.
وقد عمل اليهود على تطبيق اهدافهم وتقريبها الى خدمة المصالح الاستعمارية للدول الكبرى فاتصلوا بالحكام الانكليز والفرنسيين والنمساويين والالمان والروس والعثمانيين والامريكان والبابا وهكذا.. ولكن مساعيهم كانت تحبط لوقوع فلسطين ضمن اراضي الدولة العثمانية التي لم تقتنع بسلامة قصد الصهاينة في تسليم فلسطين بالذات وان كانوا يوافقون على تأسيس مستعمرات يهودية في مناطق اخرى من العالم الاسلامي مقابل الهبات والقروض المالية المغرية التي كان اليهود يقدمونها للسلطات العثمانية آنذاك. ولم تتمكن جموع اليهود من التسلل الى فلسطين بشكل محسوس الا بعد الحرب العالمية الاولى، عندما استولى الانجليز على فلسطين. وعملت اليهودية العالمية بنشاط مخطط مدروس لاقامة الدولة اليهودية في فلسطين. وحققوا ذلك بمعاونة الحكومة البريطانية فقامت اسرائيل في جزء من فلسطين سنة ١٩٤٨م. فهل اكتفت اليهودية العالمية بذلك ام لها ماوراء ذلك من اطماع وغايات..؟؟
اذا اردنا ان نعرف ماذا يريد قادة اليهود.. علينا ان نرجع الى اصول التفكير اليهودي، والى اقوال قادتهم، والى مقررات مؤتمراتهم الدورية، والى مراقبة نشاطاتهم داخل اسرائيل وخارجها: النشاطات السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية..
وليس هنا مجال تفصيل هذا الموضوع الحيوي الهام، ولكن لاتمام البحث لابد لنا ان نرجع بصورة استعراضية الى بعض اقوال بعض القادة الصهيونيين لمعرفة الاهداف التي يريدون تحقيقها في بلادنا.
يقول هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة:
”ان فلسطين التي نريد هي فلسطين داوود وسليمان“.
ويقول:
”سألني الامير جو هنلوحي مستشار الامبراطور الالماني عن الارض التي تريدون هل تمتد شمالا من بيروت او ابعد من ذلك وكان جوابي: سنطلب ما نحتاجه.. تزداد المساحة المطلوبة مع ازدياد عدد المهاجرين“
ويقول:
”المساحة من نهر مصر الى نهر الفرات، لابد من فترة انتقالية لتثبيت مؤسساتنا يكون فيها الحاكم يهوديا، وما ان تصل نسبة السكان اليهود الى الثلثين حتى تفرض الادارة اليهودية نفسها سياسيا“.
وقال ماكرو نورا احد قادة الصهاينة:
”يدعي خصومنا ان فلسطين غير قادرة على استيعاب اليهود في حين انها قادرة على استيعاب مليون من البشر. على ان يكون من الواضح ان فلسطين تشمل الاراضي المجاورة“.
ونشرت لجنة فلسطين البريطانية في نشرتها المسماة فلسطين في ١٥ شباط ١٩١٧م مقالا بعنوان ”حدود فلسطين“ جاء فيه:
”لكل كاتب معني بالشؤون الفلسطينية تعريفه لحدود ذلك البلد. ولكل استنتاجاته الخاصة المنسجمة مع طبيعة الهدف الذي يقصده في المجالات الدينية او العلمية او السياسية. وبالتالي فأن الاستنتاجات تختلف باختلاف القاعدة التي يستند اليها التعريف اي ما اذا كان التعريف يستند الى نصوص التوراة او التاريخ او الجغرافيا. ان الحدود التي نريد ان نتكلم عنها هي حدود فلسطين المستقبل. ان الارض اللازمة تشمل ارث قبائل اسرائيل الاثني عشر ايام التوراة بالاضافة الى الامتدادات الضرورية للحفاظ على وحدة الارض وسلامتها“..
ثم يفصل المقال الكلام عن الحدود واهميتها الاقتصادية والاستراتيجية. ثم بينت نشرة فلسطين ان الحدود ينبغي ان تحقق الامور التالية:
-
سهولة الدفاع.
-
مساحة كافية للتوسع الاقتصادي.
-
تحدد جميع المناطق التي قد تشكل مصدرا للمتاعب في المستقبل.
وقالت نشرة فلسطين التي تشرف عليها قيادة من قيادات الحركة الصهيونية في عدد آخر:
”على فلسطين اليهودية ان تضم فلسطين برمتها ولن نرضى بأي تقسيم لفلسطين. ان اتفاقية سايكس بيكو السرية الموقعة عام ١٩١٥م هي اتفاقية تقسيم فالمطالبة الفرنسية تمس الحدود الشمالية. ولكن فلسطين الموحدة تشمل شرق الاردن والخليل وساحل البحر الابيض المتوسط“.
وتقول النشرة في مكان آخر:
”لشرق الاردن اهمية حيوية من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية لفلسطين اليهودية ان مستقبل فلسطين اليهودية برمتها يتوقف على شرق الاردن فلا امن لفلسطين الا اذا كانت شرق الاردن قطعة منها.. ان شرق الاردن هي مفتاح البحبوحة الاقتصادية في فلسطين“.
وقالت:
“ ما من منطقة مقدر لها ان تكون اكثر تأثيرا على تطور فلسطين الحديثة من حوران“.
وتقول مذكرة صهيونية مؤرخة في ٣ كانون الثاني سنة ١٩١٩م:
”ان الحقيقة الاساسية فيما يتعلق بحدود فلسطين هي انه لابد من ادخال المياه الضرورية والقوة الكهربائية من الحدود وذلك يشمل نهر الليطاني من مياه الاردن وثلوج جبل الشيخ“.
وقال بن غوريون:
”ان دولة اسرائيل شيدت فوق جزء من ارض اسرائيل“
وقال:
”نحن لم نرث ارض بلاد واسعة، اننا وصلنا بعد مجهود سبعين سنة الى اولى مراحل استقلالنا في قسم من وطننا“.
وقال:
”فليفهم الجميع ان اسرائيل قد قامت بالحرب وانها لن تفرط بحدودها وان الامبراطورية الاسرائيلية سوف تمتد من النيل الى الفرات ”.
وقال (آبا ايبان) في صيف ١٩٦٥م:
”ليس من السخف ان نتصور ان قادة العرب يطالبون في المستقبل وبالحاح بالعودة الى حدود سنة ١٩٤٧م تلك الحدود التي رفضوها في الماضي.“
وقال موشي دايان:
”لن نعود الى اتفاقية الهدنة والحدود التي نصت عليها. قواتي ينبغي ان تبقى في سيناء يجب ان لا ينازعنا احد في قطاع غزة والضفة الغربية من الاردن“.
هذه بعض اقوال بعض قادة صهيون وهي في جملتها تنقسم الى قسمين: اقوال قيلت في تخطيط الدولة المنتظرة. واقوال قيلت بعد قيامها.
ان الظروف التي كان يعمل بها قادة صهيون هي ظروف ذروة بالنسبة الى الحركات والخطط للاطماع الاستعمارية الاوروبية وكان الموضوع الرئيسي عندهم هو تقسيم الدولة العثمانية التي كان اليهود بدورهم يطمعون في احتلال جزء منها تحت رعاية الدولة الاستعمارية الاقوى ولمصلحتها. وكانت انجلترا هي التي تحتل هذا المركز العالمي الخطير. ولو تتبعنا افكار قادة اليهود العملية لوجدنا ان خلف تصريحاتهم التي توضح اهدافهم الصريحة المعلنة اهدافا خفية لايعلنون عنها ولكنها تظهر على فلتات السنتهم.. ولسنا هنا بصدد تحليل افكارهم المعلنة فانها من الوضوح بمكان ويجدر بنا ان نوضح هذه الافكار للامة.
ان نوايا اليهود التوسعية العدوانية لاتشمل حدود دولتهم من النيل الى الفرات فقط وانما تشمل اكثر من ذلك بكثير، يقول هرتزل:
”سنطلب من الاراضي ما نحتاج“
وهل هناك حد لحاجة من يريد التسلط؟ وتقول لجنة فلسطين التي تصدرها في لندن قيادة رئيسية من قيادات الحركة الصهيونية:
”وان حدود الدولة اليهودية يجب ان تشمل جميع المناطق التي قد تشكل مصدرا للمتاعب في المستقبل“.
واذا تيسر للمخطط الصهيوني ان يسير بمسيرته لا سمح الله فان هذا القول يعني ان السيطرة اليهودية ستشمل العالم الاسلامي باسره وفي التطبيق العملي نجد حكام اسرائيل يسيرون على المخطط الصهيوني التوسعي وهم يصرحون دائما ان اسرائيل تقع في جزء من اراضيها وان بقية اراضي اسرائيل محتلة وسيحررونها وان حدودها من النيل الى الفرات. ولم يقفوا عند حدود الكلام العلني وانما عملوا منذ البداية على تأسيس كيان عسكري توسعي داخل جزء من فلسطين ثم على توسيع الرقعة التي يحتلونها حسب الظروف العالمية والمحلية المواتية لهم , وقد وسعت اسرائيل حدودها ثلاث مرات فمنذ تأسيسها احتفظت بالجزء الذي احتلته في المرة الاولى، وتراجعت عن الجزء الذي احتلته في المرة الثانية تحت ضغط الظروف الدولية، ولاتزال محتفظة بالجزء الذي احتلته في المرة الثالثة تنتظر الظروف العامة المحيطة بها من موقف الدول الكبرى ومقاومة المسلمين لاحتلالها. واسرائيل مع الاجهزة اليهودية الاخرى تعمل لتحقيق جميع اهدافها بمراحل ملائمة للظروف العامة حسب قرارات المؤتمر الصهيوني الاول حيث قرر ايجاد وطن لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام. والقانون العام المعني هنا هو المفاهيم القانونية العامة التي تقررها الدول الكبرى وتحميها لمصالحها الخاصة، ونحن نعلم علم اليقين ان الدول الكبرى وخاصة امريكا وانجلترا تجنيان ثمار خططهم السابقة في زرع شعب غريب في هذه المنطقة الحساسة من العالم والتي تشغلها امة تحمل العداء الكامل للسيطرة الاجنبية.
النشاطات اليهودية ومناطق تجمع اليهود:
اليهود في العالم وعملهم: يجتمع اليهود في مناطق حساسة في العالم في المراكز المالية والتجارية بتخطيط مسبق لقياداتهم ويعملون في الحقول المصرفيه والتجارية وافساد الاخلاق حتى انه يقال ان مصادر اعمال اثارة الجنس اجمع يسيطر عليها اليهود او يشتركون فيها. يقول احد الزعماء السياسيين في اوروبا:
”ما من فعل مغاير للاخلاق وما من جريمة في حق المجتمع الا ولليهود فيها يد“
ويقول:
”وعجّل بلورة موقفي منهم تكالبهم على جمع المال وسلوكهم السبل الملتوية لبلوغ هذه الغاية وقد طالعني الشارع بحقائق لم تخطر ببال، منها الدور الذي يمثله الشعب المختار من ترويج سوق الدعارة ومن الاتجار بالرقيق الابيض وهذا الدور الذي يؤديه ابطاله بمهارة لم ينتبه الى خطورته شعبنا الا في الحرب العالمية الاولى. اما انا قد سرت القشعريرة في جسدي عندما علمت ان اليهودي هذا المخلوق الوديع هو الذي ينشر البغاء السري والعلني ويجعل منه تجارة رابحة وليس من المستبعد ان يكون المستوى الخلقي المنحدر الذي يتخبط به عالم اليوم هو من وضع اليهود“.
ولليهود نفوذ واضح فيما يسمى عالم الفن وعالم الاعلام ويتوصلون الى هذا النفوذ باساليب مختلفة منها السلطان المالي والسلطان الغريزي الجنسي والنشاط الدعائي الدائب.
الوضع السياسي عندهم بالنسبة الى العالم ولكن سلطانهم السياسي محدود الاهمية بالرغم من الجهود العظيمة التي يبذلونها ضمن خطط مدروسة ولم يحصلوا الا على انشاء دويلة اسموها اسرائيل تستند على اسس ضعيفة لن تقوى على الاستمرار الى امد طويل، وبسبب ذلك ان هذه الجهود تغطيها عوامل العزلة والكراهية والرفض في كل مجالات نشاطاتها. ان الحوادث الاخيرة التي وقعت في فرنسا وبولونيا لاتدل على النفوذ الصهيوني فقط وانما تدل على الرفض الاوروبي للنشاط اليهودي الذي يتجلى ويبرز للوجود في فترات من الزمن ثم يكمن ولايظهر الا ضمن نطاق شخصي في فترات اخرى. ان دأب اليهود ونشاطاتهم المتواصلة وتكتلهم الذي يمتد بجذوره الى عهد نبوات بني اسرائيل وانحطاط الاساليب التي يتوسلون بها في اعمالهم. كل هذا يكون ارضية صالحة للحصول على مكاسب يحصلون عليها ونفوذ ظاهر وسيطرة توصل الى القمة بانشاء دويلة اسرائيل وهو مطمح عظيم جندوا في سبيله جميع قواهم المادية والمعنوية، ولو لا حصولهم على هذه النتيجة لكان جل ما يقومون به اليوم هو تقديم الخدمات للمجتمعات التي يعيشون بها مقابل جمع المال. وهذا ما يقومون به فعلا في البلاد الاوروبية والامريكية اضافة الى تأييد واسناد اسرائيل. ان اسرائيل لا تملك وطنا فعليا لليهود كما اراد ذلك مؤسس الحركة السياسية اليهودية وانما هي وطن معنوي او وطن روحي لليهود الذين لايريدون ولايفكرون في مغادرة البلاد التي يعيشون فيها ببحبوحة من العيش والنزوح الى اسرائيل
مراكز تجمع اليهود:
ولليهود وجود محسوس في المناطق التالية من العالم المعمور اليوم:
-
العالم الاسلامي:
اُسس اليهود كيانا دوليا لهم في فلسطين تحت رعاية الدولة البريطانية وتأييد من قبل دولة الولايات المتحدة الامريكية وكانت قد شجعت هجرة اليهود الى فلسطين في بداية هذا القرن على اسس مدروسة ومستندة فأسسوا المستعمرات وأنشاؤاجيشا خاصا بهم وانقضواعلى السلطة بعد انسحاب الانجليز ١٩٤٨م والمسلمون في غفلة من امرهم.
ارتبط زعماؤهم بالاستعمار البريطاني وتهيأت جميع الاجواء الكافية لقيام الكيان السياسي والعسكري لليهود في فلسطين يحيطهم الاستعمار برعايته وعملاء الاستعمار من اهل المنطقة من غضب المسلمين فيما لو غضبوا وايّد قيام اسرائيل معظم دول العالم في هيئة الامم المتحدة.
-
الولايات المتحدة:
تدفق اليهود في موجة هجرة عظيمة الى الولايات المتحدة حتى قال قائل منهم ان امريكا هي الارض الموعودة. وتركزوا في المناطق الحساسة الصناعية والفنية وانغمروا بالتجارة والمضاربات المالية. ولهم قوة انتخابية في جميع الولايات وقوة تأثير انتخابي في مجموع الولايات. ويعملون ضمن كتلة واحدة واعية سياسيا، في محيط جاهل سياسيا لايعتني افراده الا بانفسهم الخاصة ويتركون امورهم العامة بيد فئة سياسية قليلة يأتمنونها على مصالحهم، واليهود ينشطون ضمن مصالحهم الخاصة التي تتلاءم تمام الملائمة مع مصالح المتسلطين على الاوضاع العامة في امريكا.
واسرائيل في عرف الساسة الامريكان واحة حضارية تحيطها صحراء مجدبة. واسرائيل هي قاعدة سياسية واقتصادية وعسكرية تستفيد منها السياسة الامريكية اذا تمكنت هذه القاعدة من الاستمرار والاستقرار.
-
اوروبا الغربية:
لليهود في انجلترا وفرنسا والمانيا وبقية الدول الاوروبية بيوتات مالية عظيمة نشأت ايام الحروب من المضاربات المالية التي يتقنها اليهود ويستفيدون من الظروف الخاصة بهم حيث ينتشرون في الاقطار المتنازعة والمتحاربة ويلعبون في الاسواق المالية في لندن وباريس وغيرهما لعبة الخبير المختص. ولليهود قوة سياسية ينمونها بايقاظ الشعور بالذنب لدى الاوربيين للاضطهادات التي عاناها اليهود منهم في قرون متتالية الامر الذي اوجد عطفا خاصا في الاوساط العامة الاوروبية على اليهود وتتركز هذه الظاهرة عند الاوروبيين الاصلاحيين ومايسمون بالليبراليين،ولذلك كان من سوء الفهم وعدم التفكير اعتبار جان بول ساتر عند اهل الحل والعقد في الدعاية في بلادنا من مناصرينا ضد الاعتداءات اليهودية قياسا على موقفه المعارض للسلوك الاستعماري الوحشي الفرنسي في الجزائر اثناء فترة الحكم الفرنسي المباشر فيها. ففي اعتبار الرجل ان الوقوف ضد القمع الفرنسي ينسجم مع نصرة اليهود الشعب المضطهد تاريخيا في نظره.
-
اوروبا الشرقية:
المهاجرون الاوائل الى فلسطين من يهود اسرائيل كانوا من اوروبا الشرقية وخاصة من بولونيا وروسيا، ولايزال في اوروبا الشرقية جزء منهم يكونون نسبة عددية من يهود العالم يعتدبها وموقف دول اوروبا الشرقية الرسمي من اليهود هو موقف ينسجم مع النظرية والتفسير الشيوعي القائل بأن الطبقة العاملة اليهودية طبقة مستغلة من قبل الطبقة المالكة لوسائل الانتاج التي تعمل ضمن مصالحها الطبقية.
والدول الشيوعية تقف اليوم موقفا غير ودي مع اسرائيل لا لأنها دولة قامت على العدوان وانما لكونها أداة للسياسة الغربية في هذه المنطقة. وقد ايدت مجموعة الدول الشيوعية تأسيس اسرائيل واعترفت لها منذ البداية لاحتمال سيطرة الاجنحة السياسية اليهودية الضالعة مع المعسكر الشيوعي آنذاك.
-
افريقيا وآسيا:
في معظم اقطار آسيا وافريقيا اقليات يهودية تعيش بسلام وتمتهن الصيرفة والتجارة وصناعة الذهب وقدهاجر قسم كبير منهم الى اسرائيل وخاصة من الاقطار العربية، ويعيش هؤلاء المهاجرون الى اسرائيل ضمن اطار من التفرقة العنصرية داخل اسرائيل ويتميز عليهم اليهودي الاوروبي في جميع المجالات العامة. وهذه احدى المشاكل الحقيقية في اسرائيل ونقطة من نقاط الضعف في وجودها. ولليهود في افريقيا وآسيا دور مساعد للاستعمار الغربي ويقومون بخدمات للاجهزة الاستعمارية الضخمة الموجودة في منطقتها وكذلك يمدون اسرائيل بما عندهم بالمال وبما عندهم من امكانيات مادية.
موقف المسلمين من هذه القضية
الامة في غفلة من امرها ولاتعي وجود الاخطار المحدقه بها الابعد ان تقع عليها وتعيش نتائجها المره.
ومن ابرز امثلة الغفلة هو اهمال الخطر اليهودي القائم فعلا بين ظهرانينا والمسلمون جميعا يشتركون في الامر عدا من وقع الخطر عليهم من اهل فلسطين وما جاورها. مع ان الخطر اليهودي متشعب يسري ويمتد الى جميع انحاء العالم الاسلامي اذا استفحل امره لا سمح الله.
الخطر اليهودي السياسي:
الخطر اليهودي خطر سياسي نتائجه امتداد الايدي اليهودية الى مجريات الحياة السياسية في بلادنا وتسخيرها في سبيل الاغراض اليهودية والاستعمارية. والخطر اليهودي خطر عسكري يستخدم المرتزقة اليهود لضرب المقاومة انى وجدت
الخطر الاقتصادي:
والخطر اليهودي خطر اقتصادى نتائجه السيطرة على النقد والتلاعب به حسب اهوائهم الدنيئة،والسيطرة على انتاج السلع وعلى الصناعة والسيطرة على التجارة.
الفرق بين الخطر اليهودي والخطر الصليبي:
واليهودية بما لها من امكانيات ضخمة يختلف خطرها جذريا عن الخطر الصليبي ولها جذور عميقة في التاريخ الاسلامي فخطرها يأتي من الداخل ويلعب حيث يؤثر تأثيرا دائميا ولايأتي من الخارج كما في الغزو الفكري الغربي الذي يعتمد على نموذج الحياة الغربية كمصيدة يتصيّد بها المجتمعات الاخرى،ويعتمد على تغيير القوانين المفروضة فرضا، وعلى المناهج التربوية..
بينما يمكن ان ننتظر من اليهود بما لهم من خبرة تاريخية وواقعية بالمنطفة ان يقوم باضعاف مضاعفة مما قام به الصليبيون.
الخطر الاخلاقي:
واما الخطر الاخلاقي فله اسلوب آخر اثر في العالم اجمع ولعل الابداع في الفساد الاخلاقي الذي يجتاح العالم هو نتاج من نتاج ”العبقريات“ الصهيونية.
ان بروتوكولات حكماء صهيون سواءا كانت من وضع صهيوني او قيلت على لسانهم انما هي تنطق بواقعهم وواقع آمالهم وخططهم. وللافساد الاخلاقي حيز غير يسير من اهتمامات اليهود في العالم.
ان هذه الاخطار تتركز وتنمو اذا تمكنت اسرائيل من ابقاء نفسها في قلب العالم الاسلامي. وهذا هو الامر الاساسي الذي يجب على المسلمين ان يهتموا به ويفكروا: هل يجوز ان تبقى اسرائيل ام يجب ان لاتبقى. ان ابقاء اسرائيل مع ما لليهود من امكانيات المثابرة والتكتل، وروح الاستعلاء النفسي الذي تنطوي عليه جوانح اليهودي، مع ما له من امكانية اظهار ما لايبطن.
الصفات التي يتمتع بها اليهودي والتي هي مصدر قوته وهي مكمن الخطر: هذه الصفات التي يملكها والتي تمكن من خلالها ان يفرض وجوده الاقتصادي والسياسي في العالم الغربي المادي المتحضر بحضارة من مفاهيمها ان الاوروبي وحده له حق السيادة على العالم دون الآخرين لما له من صفات يمتاز بها عن بقية الناس.
وجود اسرائيل والسند اليهودي العالمي:
ان وجود اسرائيل بسندها اليهودي العالمي هو خطر محدق وخطير ولذا فان من الواجب توسيع اعمال مقاومة وجود اسرائيل لكي لا تستقر والى ان تقلع من جذورها من منطقتنا نهائيا.
الاقطار الاسلامية غير العربية اكثر غفلة
الاقطار الاسلامية غير العربية لاتحس بالخطر الصهيوني، وان كان المسلمون من غير العرب يحملون العداء لليهود لأن اليهود اصحاب عقيدة مخالفة ويعتدون على اخوانهم في فلسطين وماجاورها ويهتكون حرمات المراكز الدينية وبيوت الله.
لابد من التوعية العامة:
ولذلك لابد من بذل الجهود لابراز الخطر اليهودي على جميع بلاد المسلمين وانهاض همة المسلمين في الاقطار الاسلامية لتكوين قاعدة اعلامية واسعة تقاوم الوجود الاسرائيلي مقاومة معنوية ومادية في اسناد من يقاتل داخل الارض المحتلة ورد عوادي القوى اليهودية في العالم.
نبدأ بالتوعية بالشكل المتيسر وليمتد الى اعماق العالم الاسلامي ولابد للجمعيات والاحزاب والتكتلات الاسلامية المنتشرة في انحاء العالم الاسلامي ان تقوم بدورها كاملا لافي مستوياتها الخاصة فقط وانما على اوسع مجال ممكن. ولابد لعلماء المسلمين في جميع انحاء العالم الاسلامي من القيام بواجباتهم كاملة.
يجب ان يعم الشعور بالخطر من دائرة المقاومين الفلسطينيين الى دائرة العالم الاسلامي.
يجب ان يشعر المسلمون بخطر الكيان اليهودي الكيان السرطاني داخل وفي قلب اوطاننا. وان يقوموا بافعال ملموسة لاتقاء الخطر وبذا تنتقل دائرة المقاومه الضيقة التي بدأت في الشهور الاخيرة بين المشردين الفلسطينيين الى دائرتها الطبيعية دائرة المسلمين جميعا حيثما كانوا.
لماذا لانبادل اليهودي نظرته عنا:
ان اليهودي حيث يرى المسلمين يرى فيهم اعداءاً طبيعيين فلم لايبادل المسلمون اليهود هذه النظرة ويتبعونها بعمل كما يفعل اليهودي.
اما ان نقف ازاء اعتداءات اليهود باضعف الايمان فهذا ما لا يجوز الاستمرار به.
ان اسرائيل الآن لاتحسب اي حساب لأي قطر اسلامي غير عربي.
لابد ان تشعر اسرائيل بان كل الاقطار الاسلامية تقف لها بالمرصاد،باعتبار ان من يواجهها فعلا من العرب فقط ولابد ان تشعر اسرائيل بانها محاطة باعداء يمتدون على امتداد الرقعة الاسلامية.
التفرقة القومية هي سبب ضعف الوازع الديني نحوقضية فلسطين والتفرقة هذه مسببة عن التربية الاستعمارية.
ان ضعف الشعور بالمسؤولية عند الاقطار الاسلامية ناتج عن التفرقة القومية والوطنية التي تربى عليها المسلمون في المعاهد التربوية التي انشأها الاستعمار لتربية اجيال المسلمين المتعاقبة. ونتيجة لهذه التربية نرى التركي والفارسي والهندي مثلا لايعتبرون اليهود في فلسطين اعتداءا عليهم فهي مشكلة عربية يهودية.. كما لايرون انفسهم طرفا فيها. وكذلك الامر في الجهة الثانية، فان العربي لايهتم بمشكلة الاتراك في قبرص، ومشكلة الهنود في كشمير، ومشكلة الصوماليين في الحبشة وكينيا، ومشكلة الاريتيريين. بل يعتبر العربي هذه المشاكل وطنية لادخل له فيها.
وهذا التفكير هو نتاج استعماري لاشك في ذلك وعلى المسلمين ادراكه.
ان الحركة الصهيونية الاوروبية بدأت بغزوة جديدة للعالم الاسلامي تكملة للغزوة الصليبية التي غمرت بلادنا موجة اثر موجة
وتظهر خطورة الموجة الجديدة بوضوح اذا درست بعمق الافكار والاهداف والاعمال التي اتسمت بها الحركة اليهودية التي نشأت في اوروبا منذ ابتداء ارهاصاتها الاولى في اواسط القرن التاسع عشر الميلادى. واما في البلاد العربية حيث الانتباه الى قضية فلسطين هو انتباه كامل الا ان الشعور بالخطر المحدق المحفز للعمل الجدّي غير موجود الا في نطاق الدائرة الفلسطينية التي كانت مخدرة ومشلولة عن العمل طيلة التشرد والتي ابتدأ ظهورها الفعلي في سنة ١٩٦٥م.
خطب السلطات الغربية
ان الفعاليات الكلامية دون الفعلية التي تقوم بها السلطات العربية في مجال القضية الفلسطينية منذ قيام الكيانات السياسية العربية وحتى الآن اوجد فجوة ثقة بين الامة وبين اقوال الحكام وهذه الفجوة يجب ان لاتعيق التوعية المعمقة على الخطر اليهودي على اوطاننا.
عملية التوعية في البلاد العربية:
ان عملية الوقاية من الخطر اليهودي في البلاد العربية تأتي في مرحلة متقدمة عنها في البلاد الاسلامية الاخرى. ومجال التوعية فيها يختلف عن مجال التوعية في بقية الاقطار الاسلامية.
الظروف السياسية في البلاد العربية:
ان الظروف السياسية في البلاد العربية مواتية للابتداء بايجاد قاعدة شعبية واسعة تشمل الامه باجمعها لمساندة القتال الشعبي لليهود بعيدا عن الارتباطات الرسمية المرتبطة بشكل ما بالاستعمار ونفوذه، والاستعمار نفسه هو الذي اوجد الكيان السياسي والعسكري لليهود في بلادنا.
فالمقاتلون من مسلمي فلسطين من الذين اخرجوا من ديارهم ظلما وعدوانا والذين ينضمون الى اكثر من منظمة واحدة تحيطهم اخطار مختلفة الجوانب ومتشعبة الاطراف، اخطار يمكن ان تشلّ فعالياتهم وتقلل من تأثيرهم على الاعداء وتثبط عزائمهم واهمها:
-
ان اصحاب السلطان في الاقطار المجاورة لفلسطين يتآمرون على العمل الفدائي ويعيقونه عن القيام بفعالياته المستطاعة ويقاومونه الى اقصى الحدود عندما تشد الحبال الخفية التي تربطهم بالايدي الخفية الخبيثة..وهذا يقلص المد الشعبي للعمل الفدائي لأن المقاتلين يحتاجون الى قواعد خارج الارض المحتلة وقريبة يهجمون منها ويحتمون فيها، ويحتاجون الى قواعد انطلاق والى مراكز تجمع وتدريب، ويحتاجون الى مخازن اسلحة وتموين ويحتاجون الى نقاط امينة للتسلل.. فان لم تسمح الاقطار المجاورة لهذه النشاطات فان ذلك يعني ان يتحرك الفدائيون بعيدا عن الاعين ويعني ذلك تقليص العمل الفدائي لاتصعيده.
-
المتاجرة بالعمل الفدائي وبالقتال الشعبي امر خطير للغاية يمنع الامة عن اسناده هذا الاسناد الذي هو اكبر اساس من اسس نجاح العمل الفدائي. وفي التنظيمات القائمة الآن كثير من تجار السياسة وتجار الجاه، وتجار المال الذين ينفقون كذبا او يأخذون اموالا طائلة وجاها عريضا وسمعة طيبة لاتستند الاعلى كل ما هو سيء في حقيقته خلافا لظاهره وادعاءات باطلة وتبجحات لاتنتهي..
-
ارتباط العمل الفدائي باي جهة رسمية ارتباط تبعية وهو ارتباط بالخيوط الاستعمارية بطريقة غير مباشرة ولذا فان شعار رفض الوصاية على العمل الفدائي الفلسطيني من اي جهة كانت هو عمل ضروري وسليم. واضفاء الطابع الفلسطيني على العمل الفدائي الفعلي هو عمل لاغبار عليه في هذه المرحلة، لأن جهاد اليهود في فلسطين يلتزم به الفلسطينيون ثم يليهم من جاورهم الى حد الكفاية على ان لايعطى هذا الطابع مفهوما اقليميا وانما يكون طابعه عملي ومرحلي، والمسلمون جميعهم مسؤولون عن ازاحة الخطر اليهودي والاخطار الاخرى اولا بأول الى حد الكفاية، ولكن ذلك غير متيسر بشكل صحيح في الظروف السياسية المعاشة.
-
العمل الفدائي، وكل عمل عام، تحيطه دوائر الاستخبارات الجاسوسية لمعرفته ومن ثم لاحباط تأثيره وتخريبه. والعمل الفدائي لابد وان يندس به عملاء للاستخبارات الامريكية والانجليزية والاسرائيلية وهذا يشكل خطرا آخر يجب التقليل من اثره بالعمل اليقظ والانتباه التام.
-
الاختلافات الشخصية والانقسامات التنظيمية والمشاحنات بين المنظمات المختلفة يشكل خطرا آخر…هذه مجموعة من الاخطار يجدر الانتباه عليها وعلى غيرها من الاخطار التي تتجدد بتجدد الظروف.
ان تصاعد العمل الفدائي ليكون فيه من القوة بحيث يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري في اسرائيل مرتبط الى حد كبير في الارضية التي تحيط بالعمل الفدائي. ولذلك لابد من ان يكون الاسناد الشعبي للعمل الفدائي ذا طابع سياسي ومنظم بشكل ما، لكي يكون ذا فعالية كبيرة تؤثر على الحكم والسلطان في البلاد العربية المجاورة لاسرائيل والبلاد العربية والاسلامية الاخرى لكي يتحرك الفدائيون بحرية تامة في منطقة واسعة يستمدون منها المال اذا اعوزهم والرجال ان احتاجوا الى رجال.
ان اسناد العمل الفدائي من قبل العاملين باخلاص في المجال العام سيكون ذا فائدتين:
الاولى: هو اداء واجب من واجبات الاسناد العادى والمعنوي للمقاتلين المسلمين.
والفائدة الاخرى: هي فتح مجال جديد للتوعية السياسية والفكرية المعمقة.
وهنا قد يثار سؤال هل يجوز اسناد عمل عام لايلتزم القائمون به بالالتزامات الاسلامية كاملة وخاصة الفكرية منها. والجواب هو ان العاملين في الحقل الفدائي هم من عامة المسلمين ومستواهم الحضاري والفكري والالتزامي هو مستوى عام يعيشه الاكثرية من المسلمين ويشمل كل القطاعات من علماء ومثقفين وعوام، فالمستوى العام يشمل الجميع عدا الفئة المدركة لقضايا الامة وهم افراد قلتهم النسبية واضحة.. ولذلك لا يحاسب الفدائيون في هذا المجال حسابا خاصا. ثم ان مقاتلة اليهود جهاد ان كان بنية التقرب لله تعالى، وهو واجب اسلامي يقوم به الفدائيون واسناد هذا العمل هو تأييد لتنفيذ حكم من احكام الله وينطوي تحت عنوان تأييد كل عمل اصلاحي في عالمنا الاسلامي في هذه المرحلة من مراحل وعي امتنا.
ان مقاومة الغزو اليهودي لاتحد بحدود اسرائيل ولاتشمل مجالا واحدا فقط وانما تستهدف تخريب المواقع العسكرية والاقتصادية وكل مرتكزات الاستقرار، وتشمل غزو المستعمرات والمدن الكبرى لالقاء الرعب بين السكان، وتشمل كل نشاط يهودى يسير في خط اسرائيل ويعمل لتركيز الغزو اليهودي للعالم الاسلامي سواء كان هذا النشاط من اليهود القاطنين داخل العالم الاسلامي او خارجه حيثما توجد الامكانيات.
ان مليون مشرد فلسطيني من المستطاع تجنيدهم وزجهم في معركة تحيل احلام اليهودية العالمية الى كابوس مزعج، ومن وراء المليون مشرد ملايين من المسلمين قادرون بعون الله قدرة لا شائبة فيها على قلع الكيان اليهودي وجميع الكيانات الاستعمارية ومظاهرها الاخرى، ولانحتاج سوى الاخلاص في العمل قال ماوتسي تونغ للشقيري عندما زاره في بكين:
”انتم مائة مليون عربي لو هاجمتم اسرائيل بدون سلاح لقضيتم عليها حتى ولو قتل منكم عشرون مليونا“
ولو علم ماو انّ المئة مليون قد خدرتهم السياسة الخادعة والاكاذيب المنمّقة التي يشترك فيها الشقيري نفسه لقال قولة اخرى.
ان العمل الفدائي سيؤثر تأثيرا سيئا على الكيان اليهودي في فلسطين، وسيؤدي الى الخلافات الداخلية بين السكان على جميع المستويات، وسيفتح باب الهجرة المضادة.. ففي اسرائيل خليط من اليهود منهم من اصول اوروبا السلافية، ومنهم يهود من اوروبا اللاتينية ومنهم من اوروبا الانكلوسكسونية ومنهم يهود من آسيا وافريقيا.. ولكل من هذه المجموعات جذور ثقافية وعادات وتقاليد تختلف عن الاخرى اختلافا يتضخم احيانا حتى يصل الى حد التفرقة العنصرية بين الفئات المختلطة التي منها المتسلطة والتي منها من تقع تحت السلطة.
ان العمل الجدّي في مجال هذه المشكلة المعقدة يجب ان ينصب في ذات المشكلة لافي حواشيها ويعني ذلك ان الحل هو نتيجة العمل الفدائي وتوسيع قاعدة اسناده المادية والمعنوية وضرب المصالح المادية اليهودية في العالم الاسلامي وخارجه.
الآراء السياسية التخريبية:
هناك آراء سياسية تخريبية تحاول ان تربط قضية حل المشكلة الفلسطينية برضى المستعمرين وترسم لهذا الرأي خطوطا عملية تخديرية لحرف العمل الصحيح عن مواضعه. ومن جملة ما ترسمه الاهتمام بالدعاية العربية في اوروبا وامريكا. ان الدعاية هذه ان كان القائمون بها مسلمين من سكنة تلك البلاد فهذا واجب من واجباتهم واما ان نشغل انفسنا ونصرف الاموال لهذا العمل فهذا نوع من الضرب في الحديد البارد.
ان الاوروبي والامريكي لايهتم اهتماما خاصاً بقضية فلسطين لأنها لاتمس مصالحه الشخصية ولأن مثل هذه القضايا يتركها لللاختصاصيين من سياسي بلاده والاختصاصيون هؤلاء ينظرون الى هذه القضية وغيرها من القضايا بمنظار المصلحة الخاصة التي تعود فوائدها لبلدانهم ولاينظرون اليها بمنظار المعلومات الدعائية التي تقدمها هذه الجهة او تلك من جهات اجنبية عنهم، فان اليهود يرتبطون ارتباطا مصلحياً وفكريا مع الاوروبيين ولذا فان الغربيين يعتبرون اسرائيل قاعدة سياسية عسكرية واقتصادية وبشرية من قواعدهم التي تؤمن لهم مصالح عظيمة في المنطقة.
ويعتبرونها واحة حضارية تمثل مصدر اشعاع حضاري في صحراء مجدبة.
واليهود الى جانب ذلك يتغلغلون في المناطق الحساسة من العالم الغربي ولهم قدرة فائقة على ايضاح وجهة نظرهم وابراز الصورة التي يرغبون فيها وتشويه النظرة المخالفة لهم بالاسلوب الملائم لكل مكان يعملون فيه في نطاق لاتبلغ مستواه قدراتنا الدعائية لو تضاعفت مئات المرات.
ولكننا نملك رصيدا دعائيا آخر لايمكن لاحد ان يطمسه في المدى الطويل وهذا الرصيد يتمثل في العمل الجاد في ضرب مصالح اسرائيل الحيوية وضرب مصالح الشركات الاحتكارية الغربية في جميع بلادنا.. ان هذا العمل هو وحده يمكن ان يبرز وجهة نظرنا في الغرب. ويجبرهم على احترام وجهة نظرنا.
ان الرهبة المفزعة التي استولت على قلوب الامريكان والغربيين بصورة عامة في القفزة الصناعية التي قفزتها الصين وفي الاستعدادات العسكرية والمعنوية الصينية لضرب المصالح الغربية، ان هذه الرهبة لم تأت من دعاية يقوم بها الصينيون وانما اتت من عمل جاد ومستمر قام ويقوم به الصينيون.
ان المقاومة المتنامية لاسرائيل وتوسيع قاعدة اسناد العمل الفدائي وتنامي الوعي السياسي المعمق هو الذي سيوضح وجهة نظرنا لاالمكاتب السياسية للجامعة العربية ولااعمال او ادعاءات العمل الذي تدعيه الهيئات الدبلوماسية العربية.
ان توسيع مقاومة اليهود على النطاق الاسلامي العام يحتاج الى جهود مستمرة ومخططة وواسعة في مستوى الاحداث لا في المستوى الغوغائي المنتشر في جميع مناطق العالم الاسلامي.
من بحوث الدائرة الثالثة
الولايات المتحدة الامريكية:
تعتبر الولايات المتحدة الامريكية اليوم اضخم دولة استعمارية ولعلها اوسع الدول الاستعمارية طموحا.
ظهرت على المسرح منذ بزوع عصر الاستعمار الاوروبي. وقد اهلها لهذا المركز بلادها الواسعة الغنية وتقدمها الصناعي والعلمي الاكثر تفوقا بالنسبة الى باقي الدول الكبرى، فهي تجتاز العصر الصناعي الى ما يصطلح عليه عصرما بعد الصناعة حيث تستطيع الآلة المعقدة المؤهلة للعمل الذاتي المبرمج وهو ما يطلق عليه باللغة العربية الشائعة ”العقل الالكتروني“ ان تكشف عن مجاهيل كثيرة ضمن برامج موضوعة لها في مدة لايقدر الانسان عادة على معرفتها بالحسابات الاعتيادية. وتعتبر الولايات المتحدة في هذا المضمار في مقدمة دول العالم وتفصلها عن الدول الغربية المتقدمة فجوة تتسع يوما بعد يوم مما اهل الولايات المتحدة لابتلاع مراكز الصناعة الاوروبية العظمى بالتدريج.
وفي الساحة الاوروبية يدور صراع عنيف بين السيطرة الامريكية المتعاظمة واستقلال اوروبا الاقتصادي والسياسي.
علاقتنا بامريكا
فيما اذا كان حساب المرء ماديا صرفاً ودنيويا بحتا وبحساب حدود المرء المادية لاغير.. يمكن القول بأن المجتمع الاعظم يسيطر على المجتمع (المتخلف) وان الدولة العظمى تهيمن او تسيطر او تبتلع الدول الصغيرة ـ وفي حالات مثل هذه لاتنفع استغاثة ولا قيمة لشكوى.
ومن هذه الناحية وضع اكثر السياسيين بل جلهم ـ في العالم الثالث نظريتهم عن العالم الثالث واعتبروا انهم قد ادركوا الحقيقة.. واما المفكرون في العالم الرأسمالي فقد كانوا هم اهل هذه النظرية، يعيشونها ويدركون واقعها العملي ولكن الدول الكبرى في العالم الشيوعي يدركون هذه الحقيقة حسب النظرية الماركسية..
واذن فجميع هؤلاء ”الاساطين“ يتفقون على النتيجة ولكن كل طرف يفسرها حسب برمجة خاصة.. فالسياسيون في العالم الثالث يفترضون ان بلدانهم لايمكنها اللحوق بالدول العظمى مهما بلغ سعيها ومهما صعّدت جهدها، اذ ان الدول الكبرى تنتج اضعاف ما تنتجه الدول المتخلفة ـ في كل مجال ـ واذن فان النسبة بين الدولتين ـ الكبرى والصغرى ـ تكبر والقيمة تختلف يوما بعد يوم واذن فلابد من التبعية.
وفي الواقع فان روح هذه النظرية تسري على جميع دول العالم الثالث بمختلف الصيغ ـ بغض النظر عن كون هذه الدول من المتحررة التقدمية او الدول الرجعية.. وعليه فقد خضع.. او تبع.. او دار في فلك.. او صادق.. او كان على قدم المساواة.. حسب ما ينتهج ذلك السياسي، المعسكر الرأسمالي.. كما قد خضع.. او تبع.. او دار في فلك.. او صادق.. او كان على قدم المساواة.. للمعسكر الاشتراكي.
وفي هذا المجال يتفاوت انطباق ظاهر الحال على واقعه.
اما المفكرون في العالم الرأسمالي فالمسألة عندهم لاتحتاج الى وضع نظرية لأنهم يعيشونها، اذ انهم لغطرستهم لايشعرون الا باستعمار العالم الثالث والسيطرة عليه وتدل على ذلك الارقام التي يسجلونها بايديهم…
اما بالنسبة للدول الشيوعية فهي ترى انه ـ حسب النظرية الماركسية ـ لابد للعالم الثالث ان يظل ” فقيرا“ حتى تنتصر البروليتاريا وليس لدى الدول الاشتراكية من منفعة للعالم الثالث الامساعدته للتخلص من النفوذ العسكري والاقتصادي والسياسي للدول الغربية الكبرى، ومساعدة الاحزاب الشيوعية ومدها بالنفوذ المادي والادبي لمحاولة السيطرة.
ان علاقات الدول الكبرى مع غيرها من الدول تمليها مصلحة نفس الدول الكبرى ولا يمكن ”مناقشتها“ بحساب القواعد والنظريات التي ينطلق منها اولئك ”الاساطين“.
اما نحن فلا نؤمن الا بخلاف تلك النظريات عموما.. اننا ننطلق اولا من منطلقات اخرى.. من ايماننا بالله تعالى مالك الملك ومالك الموت والحياة والدنيا والآخرة وانه ربنا وناصرنا واننا ثانيا لانتوقف على حساب جامد من الماديات والارقام الجامدة.
اننا نفهم ان الله تعالى قد اودع لدى عباده من القدرة والقوة ما يفوق الالكترون.. واذن فالمسألة وعي انساني وفهم انساني يحصل عليه الانسان المجدّ ويهتدي اليه الانسان المثابر المكافح.
ان حركة الشعوب والامم لا تخضع للارقام والحسابات الاحصائية والطاقة التي اودعها الله بالانسان يمكن ان تفعل الاعاجيب عندما تستخدم لاعمار الارض، وليس هناك قطعا انسان او مجموعة انسانية لاتمتلك هذه الطاقة وانما هناك مجاميع من الناس لا تستخدم المواهب الالهية هذه.. لا تستخدمها تقصيرا وكسلا ومهانة
ان الاسلام ”الرسالة الالهية العظمى للانسان“ اعظم عوامل ايقاظ الطاقة الانسانية وافضل ما ينظم ويوجه هذه الطاقة لخير الانسان ومجده.
وانطلاقا من هذا النوع من الافكار فاننا نجد ان من الوضوح بمكان امكانية غزو المجتمع الامريكي.. ذلك المجتمع الذي توجد فيه كثير من نقاط الضعف كما سنشاهد في هذه الدراسة.
ان الخليط السكاني المتنافر داخل الولايات المتحدة يشكل بنفسه نقطة ضعف كبيرة كما يمكن ان يشكل ثغرة تتسع تدريجيا فيما اذا حدث غزو فكري رصين داخل الولايات المتحدة. ونحن مؤهلون له بعد حمل الرسالة وانطلاقها من بلادنا.
يمكن تتبع ما يجري داخل الولايات المتحدة بتفصيلات دقيقة من خلال وسائل الاعلام المختلفة من الجرائد والمجلات والاذاعات والتلفزيون والكتب والنشرات والتقارير و الابحاث الخاصة.. وذلك ممكن الآن وبحدود امكانيات الدعوة الفعلية.
بعض ظواهر الحياة في امريكا
١. ظاهرة التقدم العلمي والصناعي:
تعتبر ظاهرة التقدم العلمي والصناعي من ابرز مظاهر الحياة الامريكية، تلك الظاهرة التي نتجت عنها ظاهرة العجرفة الصبيانية في العلاقات الخارجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الولايات المتحدة الامريكية وبقية دول العالم.
ويمكن ان يعزى التقدم العلمي والصناعي الامريكي الى سببين اثنين:
الاول: الارض الغنية في القارة هذا الغنى الذي دفع بالاوروبيين الى النزوح الى هذا المكان البعيد عن اهلهم وبلادهم ومعروف ان هذه الارض بامكانها ان تشبع كل حاجات المجتمع المتطورة صناعيا.
الثاني: حركة الانسان بكيفية خاصة.. اذ ان حركة الانسان على هذه الارض كانت من حيث الاصل بقصد تجميع الثروة التي لم يدركها الانسان الذي كان يسكن تلك الارض اولا، وقد اجتمعت ظروف متعددة جعلت من الانسان الاوروبي منتجا في امريكا الى اقصى حد واستمر هذا الشكل من الحياة واصبح الطابع العام للمجتمع الامريكي بحيث صار الانسان الاكثر انتاجا هو الانسان القائد والرائد للكتلة البشرية الموجودة هناك.
ومع ان هذا الكلام يجرنا الى التحدث عن نظريات العلاقة بين بني الانسان، النظرية الفردية لدى الفكر الرأسمالي والنظرية الاجتماعية في الفكر الماركسي والنظرية الوسط في الفكر الاسلامي الا اننا نريد ان نعاين ظاهرة العلاقات في المجتمع الامريكي فنقول: لقد صار طابع احترام الفرد المنتج اكثر في المجتمع الامريكي هو الطابع العام وان الفرد المغامر والحاذق في جمع الثروة هو الاكثر احتراما.
ولما اصبح المجتمع يعيش واقعا هذه الظاهرة الاجتماعية اصبح هذا المجتمع اكثر قدرة واوسع امكانية.
وهكذا اخذت الولايات المتحدة تنمو بهذه السرعة المذهلة فالتقدم العلمي وموارد الارض الغنية يعطي الانسان مزيدا من الانتاج والانتاج يمكن الانسان من امتلاك قدرات اكبر.
٢. التجمعات داخل المجتمع الامريكي:
في الولايات المتحدة تجمعات عرقية ووطنية عديدة، وذلك نتيجة لاصل تكوّن مجتمع الولايات المتحدة الامريكية، فان نزوح الاوروبيين اليها الذي كان بسبب جمع الثروة جمع قوميات وطوائف متعددة من الناس. ولقد جرت حروب ومقاتلات كثيرة حتى تكون هذا الوضع الموجود الآن في الولايات المتحدة الامريكية.
ان سكان هذه البلاد الاصليين هم الذين اطلق عليهم الاوروبيون اسم الهنود الحمر كما هو معروف، ثم كان اوّل الاوروبيين الذين وطأت اقدامهم هذه الارض من البرتغاليين والاسبانيين.
وحدث بعد تكون الدول في القارة الامريكية ان توسعت الولايات على حساب جيرانها بواسطة الحروب…ومن الحوادث المهمة في تاريخ الولايات المتحدة انها بقيت مدة طويلة جدا تحت سيطرة بريطانيا.. ثم استطاع كل ذلك الخليط من السكان ان يطردوا البريطانيين المستعمرين.. وكان ذلك بقيادة الامريكيين المنحدرين من اصل ايرلندي.
والشيء الموجود بالفعل هو ان المجتمع في الولايات المتحدة الامريكية تجمعهم قوانين عامة ويشعرون بمشاعر عامة واحدة وتوجه الولايات انظمة داخلية متماثلة. وان اختلفت بعضها عن الاخرى في شيء فانها لاتختلف في المشاعر العامة التي يجتمع عليها كل الامريكيين.. ويمكن القول بأن اصول التفكك المسببة عن تنافر القوميات المتعددة لايمكن ان تبدو بشكل واضح بسبب شعور الجميع بالزعامة العالمية وبأن هذه الزعامة سوف تتحطم اذا تشقق المجتمع الامريكي.. وبالرغم من عدم الاعتراف ولو على المستوى الشعبي الامريكي بوجود تجمعات عنصرية وعرقية الا ان واقع الحال هو كون العنصر الانكلوسكسوني هو الذي يحتل مركز الزعامة وهو العنصر الحاكم، ومن مظاهر تسلط هذا العنصر تسميته لامريكا الجنوبية بامريكا اللاتينية.. واللاتين هم الفرنسييون والبرتغاليون والاسبان والطليان.. وهؤلاء بطبيعة الحال من جملة المجتمع الامريكي.
واليهود عنصر مهم وكبير في المجتمع الامريكي اذ أنهم يكونون ـ في الواقع ـ جزءاً من حزب عالمي يرتبط باسرائيل وبكل التجمعات اليهودية في العالم وبتنظيم دقيق. ولهذا الحزب مؤسسات اقتصادية وسياسية.
والزنوج كذلك عنصر مهم وان اهميته تكبر يوما بعد يوم لأن شقة الخلاف بينه وبين الاوروبيين تكبر يوما بعد يوم.
وهناك الاقليات الصينية التي تكون مجتمعا صينيا امريكيا يختلف عن المجتمعات الصينية خارج الولايات الامريكية.
وهناك التجمعات اليابانية، وهناك كذلك اقليات ضئيلة من مختلف انحاء آسيا.
٣. العلاقات الاجتماعية:
المجتمع الامريكي مجتمع يتألف من المهاجرين والعلاقات التي يرتبطون بها والتي هي في حقيقتها علاقات اوروبية استحدثت فيها بعض المفاهيم الفرعية التي تولدت عن الهجرة والحياة الجديدة
واضح ان الولايات المتحدة الامريكية تكونت مجتمعا بفعل هجرة عشرات الالوف من الاوروبيين من اوطانهم الى القارةالجديدة بقصد تجميع الثروة وقد بقيت هذه القارة ليست وطن اقامة وانما هي وطن المهاجرين وبقيت كذلك لعدة اجيال، ثم استوطن الاوروبيون امريكا لما رأوا ان حياتهم الجديدة اكثر ملائمة من الحياة السابقة.
وكان الاوروبيون قد نقلوا الى القارة الجديدة كذلك عنصرا آخر من الناس هم الزنوج الافارقة من اجل استخدامهم في العمل المضني الشاق في استخراج المناجم وفي صناعة الخشب وغير ذلك من الاعمال التي تدر على الاوروبيين المهاجرين المال والثراء.
وقد رحل كذلك صينيون ويابانيون وآسيويون آخرون الى هذه البلاد كما اسلفنا..
اننا من هذه الهجرة نتعرف على وضعيتين للمجتمع الامريكي:
-
أ. ان الاعراف والتقاليد والعلاقات في هذا المجتمع هي نفسها اعراف وتقاليد الاوروبيين الذين نزحوا لأنهم الاكثرية اولا ولانهم سادة النازحين ثانيا.
-
ب. من ناحية ثانية ان وضعية المهاجرين الى البلاد النائية تغير بعض الشيء من عواطفهم وعلاقاتهم خصوصا وان الهجرة بسبب جمع الثروة مما يسبب قلة التعاطف وشدة التزاحم على المصالح المادية.
ولهذا فنحن نستطيع ان نقول ان المجتمع الامريكي مجتمع اوربي مع استحداث بعض العلاقات والاعراف التي هي تحوير عن اصل اوروبي.
ومن ابرز مظاهر العلاقات في المجتمع الامريكي مايلي:
-
ان الزنوج الذين كانت ولا تزال تفصلهم عن الاوروبيين هوة سحيقة يشكلون ١٢% من نسبة السكان، وهم يكرهون الاوروبيين ويختلفون عنهم في الطريقة العامة للتفكير كذلك،الاوروبيون يمتهنونهم ولا يعترفون بحقوقهم السياسية والاجتماعية الاكما يتعامل السيد مع عبده المسكين.
ونتيجة لهذه الاوضاع فقد ارتفع فيهم صوت الغضب من الظلم المتراكم عبر القرون القليلة من تاريخ الحياة الامريكية واصبح الزنوج عقدة كبيرة في قلب المجتمع الامريكي.
-
نتج من عنصري الحرية والمغامرة الصفتين الاساسيتين للفرد الامريكي انبثاق عصابات الجرائم والسرقة وكذلك عصابات القتل.. ان امثال هذه العصابات شيء مألوف في الولايات المتحدة الامريكية وهي لا تشبه غيرها من البلدان في العالم.
٤. العقلية الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية:
تتمثل المصلحة الرأسمالية باجلى مظاهرها واوضحها في ادارة سياسة الولايات المتحدة الامريكية. فهذه السياسة بخطوطها العامة والتفصيلية تدار من قبل ثلة من كبار الملاك وحواشيهم وهناك اسماء لامعة لأسر عريقة في الغنى وعريقة في تسيير دفة السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الامريكية.
ان النشاطات السياسية لهذه الدولة لاتتمثل بالنشاط الرسمي للحكومة فقط، والنشاط الرسمي جزء من النشاطات الامريكية الاستعمارية الواسعة في كل ارجاء المعمورة اذ ان جميع المؤسسات المالية الامريكية الكبرى تشترك في هذه النشاطات خصوصا في خارج الولايات المتحدة.. نقصد ان اشتراك هذه المؤسسات في النشاط السياسي الامريكي يبدو اكثر وضوحا في خارج الولايات المتحدة الامريكية.
وجميع المؤسسات المالية ترتبط بالمؤسسات المالية الكبرى امثال شركات روكفلر وفورد وميلون.
واننا كثيرا مانسمع عن سيطرة شركات امريكية على مواد صناعية او زراعية في كثير من بلدان العالم. هذا فضلا عن شركات النفط التي تشكل احتكارا لايمكن اختراقه.. وهذه الشركات في الحقيقة لايسوغ لها بل وليس من مصلحتها الاتتحكم في الامور السياسية والاجتماعية فضلا عن الامور الاقتصادية للبلدان التي تتعامل معها.
ان كثيرا من الثورات العسكرية التي تحدث في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية هي من صنع الاحتكارات النفطية وغير النفطية من الشركات الامريكية الضخمة.
ومن ناحية اخرى فأن المؤسسات الثقافية والصحية والمساعدات الفنية والاقتصادية وجميع مظاهر المعونات الامريكية مرتبطة مع المؤسسات المالية بتنظيم خاص مع الحكومة المركزية. وان المحرك الحقيقي هي الذهنية الرأسمالية الاستعمارية.
وجدير بنا ونحن نتحدث عن العقلية الحاكمة في امريكا ان نذكر الدعاة بما سبق ان تحدثنا عنه في نشرة سابقة من انبثاق ذهنية جديدة للحكم هي الذهنية الاكثر انفتاحا على العالم واقل عجرفة هي الذهنية التي كان ابرز شخصياتهاعائلة كندي المعروفة..هذه الذهنية التي يتصور انها من الصعب سيطرتها وقيادتها للمجتمع الامريكي، ذلك المجتمع الذي لا يستطيع ان يتنازل بعض الشيء عن عجرفته. فمثلا ان المجتمع الامريكي لايقبل ان يعترف بفشله في الحروب الفيتنامية.. والذهنية المتفتحة تقول انه فشل وذلك يسبب عدم القدرة على التعاطف مع شعوب تلك المناطق في المستقبل
سياسة امريكا الخارجية
حصلت امريكا على الاستقلال واستطاعت ان تطرد الانكليز المستعمرين بعد ان بلغت درجة من الوعي الكافي اذ ادرك ابناء المهاجرين الاوروبيين انهم اصبحوا مجتمعا خاصا وانهم يتميزون عن دول اوربا كما ادركوا انهم مالم يكونوا دولة مستقلة فسوف لايعودون يملكون ما ينتجون، وانما تملكه الشركات الاوروربية بفعل القوة العسكرية التي تفرضها بريطانيا. فبدأ الصراع بين الامريكين وبين المستعمرين حتى استطاع الامريكان ان يقهروا الانكليز ويدحروهم وكان ذلك سنة ١٧٧٥م ومنذ ذلك الحين صار الامريكيون هم الذين يخططون الخطوط العامة لسياسة بلادهم ونتج عن ذلك تعميق لفهم الحرية الشخصية كما نتج عنه الرغبات التوسعية فيما وراء البحار.
ان الدول الكبرى وان اجتمعت فيها كل مقومات الدولة الكبيرة من امكانيات فكرية ومادية وبشرية ومن تصميم على التوسع ومد النفوذ خارج رقعة الارض التي يعيشون عليها فانه لابد من وجود فرصة وتهيؤ ظروف معينة ليتحقق الغزو العملي.. ولذا فامريكا التي استطاعت ان تطرد الانكليز لم تقدم بعملية غزو على نطاق واسع الا عندما حدثت الحرب العالمية الاولى ولكن قبل هذه الحرب وسعت حدودها ـ داخل القارة الامريكية ـ فقد انضمت في تلك الحرب الى دول ثم تبين في تلك الفترة للعالم الاوروبي ان امريكا دولة قوية وكبرى..وفي الواقع فان المسافة الشاسعة التي تفصلها عن اوروبا وهي ميدان المعركة في الوقت الذي يكلفها مالا كثيرا في عملية مواصلة الغزو ولكنه لايقاس بالنسبة للربح الذي تحصل عليه في استمرار العمل بلا توقف نتيجة لعدم تعرض المعامل لأي من المضايقات العسكرية من قبل الاعداء.
ولكن الولايات المتحدة اخذت زمام المبادرة في ادارة دفة السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وهذا امر طبيعي نتيجة للتوسعات في كل مجال من مجالات الحياة.. وهي بالاضافة الى قوتها العسكرية التي تفرض بها وجودها فان لديها خطا آخر يمكنها من بسط النفوذ ذلك هو المساعدات الاقتصادية التي تغرق بها الدول.
ان هدف الولايات المتحدة في سياستها الخارجية واضح، الا وهو مد نفوذها وسيطرتها التامة وهذا الهدف تتوسل اليه بكل الوسائل وباعتبار وجود دولة كبرى اخرى وانه لابد من التزاحم.
ان فكرة الموقف الدولي والميزان الدولي التي شرحت في نشرة سابقة توضح كيف تسعى امريكا سعيا متشابكا ومعقدا لكي تكون هي صاحبة الكلمة العليا ولايعني ان الميزان الدولي يعتمد على الفذلكة السياسية فقط ولكنه يعتمد على الامكانيات الواقعية الحقيقية التي تنفرد بها تلك الدولة الكبرى وهذه الامكانيات هي التي تحدثنا عنها في الكلام عن امريكا من الداخل.
فكرة عن تغلغل الدول الكبرى:
تهتم الدول الكبرى ذات المطامع بتجميع المعلومات وفهم الكيانات الدولية الاخرى ـ حسب القدرة اولا وحسب العلاقة والحاجة ثانيا ـ وفي الغالب تأتي هذه المعلومات اوّل ما تأتي عن طريق زيارات التجار والسواح ثم يبدأ الجهاز الحكومي بتكوين جهاز خاص مهتم بجمع المعلومات هذه. وعندما يبدأ الجهاز الحكومي بهذه العملية فانه سيبدأ تاريخ جديد لهذا المجتمع.. ثم يكبر هذا الجهاز كلما كبرت الدولة.
وفي الواقع ان مبدأ ”لابد من التعرف على الدول الاخرى“ من مباديء الدولة الحديثة ولم تكن الدول القديمة وحتى الكبرى منها تلتزم بذلك التزاما كالذي يحدث في العصر الحديث ولقد كان مبدأ العيون والجواسيس معروفا في العصر القديم ولكنه لم يكن يحدث الا في حالات وظروف خاصة بين دولتين متخاصمتين فترسل حينئذ احداهما للاخرى من يراقب الحركات ـ خصوصا العسكرية ـ التي تتعلق بامر الدولة الثانية اما المظاهر الاخرى للدولة مثل المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والتي لاتتعلق مباشرةبامر الدولة الثانية فانها لم تكن من مهمة الجواسيس.. ومع ذلك فقد يتعرف على تلك المظاهر التجار والسواح.
ولكن بعد ان حققت المخترعات الحديثة طريق المواصلات السريعة وارتبطت اجزاء العالم ببعضها ارتباطاً ميسورا. كما تيسر نقل المعلومات بصورة اسرع عبر الاجواء والمحيطات في هذا العصر وجدت الدول انفسها مضطرة لان تلتزم بمبدأ لابدية تجميع المعلومات عن الدول الاخرى.
ولان هذا المبدأ حصل في العصر الحديث وهو ما يسمى بعصر النهضة الصناعية فان الدول المتفوقة صناعيا هي الدول الاكثر امعانا في تجميع المعلومات. وهي نفسها التي نسميها الدول الكبرى او في محاذاة الدول الكبرى..
ولمّا يعدّ بعد تجميع المعلومات علما من العلوم الطبيعية او الانسانية التي تدرس بنوده وتفصيلاته في المدارس ـ مثلا ـ وانما هو فن من الفنون المهمة ومن الاسرار، تريد كل دولة من هذه الدول الكبرى ان تطوره لأعلى درجة من الاستفادة وان تبقيه لنفسها لاتعلم او تدرّب عليه احدا..
ان امريكا وروسيا كذلك ـ ولكن بصورة اقل ـ يمتد نفوذها الى كل العالم.
واذا اردنا ان نعرض لشيء من التفصيل في مجالات كل من امريكا والاتحاد السوفياتي فسنجد كثيرا من الصور المتشابهة كما نجد صور الاختلاف كذلك.. ففي مجال الاختلاف حيث تحتم اصول العقيدة على كل منها ان يسلك طريقا نجد ان امريكاـ البلد الرأسمالي الاعظم ـ يعتمد على الشركات والمؤسسات المالية اعتمادا كبيرا في مد النفوذ الامريكي في العالم.. وتجد الشركات ان ذلك من صلب عملها ومن صميم مهمتها… ربما لايتصور السامع حقيقة هذا الامر الاأننا نودّ هنا ان نؤكد ذلك فان الشركة الامريكية والمجتمع الامريكي يدرك ان مدّ النفوذ الامريكي والتسلط الامريكي شيء من صميم عمله وهو يسعى لذلك والشركات تصرف في سبيل ذلك الاموال الطائلة وتقوم بمهام سياسية عظيمة.
اما الاتحاد السوفياتي ـ البلد الاشتراكي الاعظم ـ فليس له شركات يمتد نفوذها ويتسع تسلطها ولكن توجد لديها فكرة الاشتراكية هذه الفكرة (اللطيفة) لدى شعوب الارض المظلومة فتنشؤ بواسطة حملة الافكار الشيوعية ” الاحزاب الشيوعية“ خارج الاتحاد السوفياتي وبهم يمتد النفوذ السوفياتي.
والحديث هذا عن الشركات بالنسبة لامريكا والاحزاب الشيوعية بالنسبة لروسيا هو في مجالات الاختلاف. اما مجالات اتفاق الاساليب فهي الاساليب المركزية التي تقوم بها الدولة.
وهذه الاساليب تتمثل في الاجهزة التي تشرف عليها الدولة اشرافا مباشرا ويكون من يعمل في تلك الاجهزة موظفا حكوميا واذا صار له عمل ظاهر ما (صحفي، تاجر، مبشر، دبلوماسي) فان ذلك كله خاضع لعمل وظيفي من قبل الاجهزة المركزية.
واجهزة امريكا المركزية كثيرة فلوزارة الخارجية جهاز خاص ولوزارة الدفاع جهاز خاص وللاستخبارات المركزية جهاز خاص وهو اهم الاجهزة في هذا المجال…
وفي الوقت الذي تعتبر هذه الاجهزة كلها مركزية بحيث لا تبعية وظيفية من بعضها لبعضها الآخر فانها تتعاون فيما بينها ويستعين بعضها بالآخر.. والواقع ان هذا التعاون ليس مقصورا على هذه الاجهزة فحسب وانما جميع الكتل الامريكية تعمل في هذا المجال كما ذكرنا ذلك عن الشركات المالية والسبب في ذلك هو وضوح الهدف الاعلى للامة الامريكية لدى الجميع الاوهو السيطرة ومدّ النفوذ في جميع انحاء العالم طبعا حسب الذهنية الامريكية والنظرية العامة لها ”الرأسمالية“ وحسب القدرة السياسية في السيطرة ابتداءا من السيطرة الكلية مثل دول امريكا اللاتينية وانتهاءا بالقدرة على الضغط السياسي الفعال كالذي يحدث لدى الاتحاد السوفياتي.
دراسة سريعة لمفردات العلاقات
كنا نتحدث عن سياسة امريكا الخارجية بشكل عام وباعطاء صور عامة للعلاقات. ولكن ذلك لايكفي.
ان الدراسة التي يمكن ان تعطي الفكرة الكاملة لمن يريد ان يدرس الدراسات الخصوصية التي طلبتها ”صوت الدعوة“ في اوّل بحث. ”نحن وما حولنا“ ان ادراك تلك الحقائق السياسية وغيرها من واقع الدول الكبرى ـ امريكا وغيرها ـ تعتمد على النظر في جانبين:
الاوّل: هو النظر بشكل خاص الى العلاقات الفعلية مع الدول الاخرى والكيانات الدولية.
الثاني: هو دراسة الافكار والتقارير السياسية التي تصدر عن خبراء تلك الدول كذلك.
والدراسة في هذين الجانبين بشكل معمق لاسطحي يمكن ان يعطي الوضوح الكامل لابعاد الاهداف والامكانيات والوضع الفعلي للدول الكبرى ذلك لأن تلك الدول تعتمد في كيانها القائم فعلا على اسس متعددة وراسخة.
وفي الحديث عن خصوص امريكاـ وقد تقدم شطر منه ـ سنتحدث بشكل مختصر عن علاقاتها الفعلية مع الدول الاخرى والكيانات الدولية وهي:
الامم المتحدة، الدول الحليفة، دول امريكا، مستعمرات الدول الحليفة وما يسمى بالعالم الثالث، المعسكر الشرقي، الصين.
وقبل ان نبدأ بالتحدث عن العلاقات الامريكية مع هذه الكيانات فلابد ان يكون واضحا ان موضوع الكتابة هو العلاقات وليس هو ذات الكيان ولكن الكتابة عن هذه الكيانات ستكون كذلك في محلها ان شاء الله تعالى اتماما لبحث الدائرة الثالثة من بحوث نحن وما حولنا.
الامم المتحدة:
الولايات المتحدة من الدول المؤسسة لهيئة الامم المتحدة وصاحبة القيمة الاولى فيها منذ تأسيسها حتى الآن ولا ادل على ذلك من وجود مركز الامم المتحدة في نيويورك وعدم قبول الصين اكبر دول العالم سكانا في الامم المتحدة. ودخول الامم المتحدة كطرف في الحرب الكورية.. وكل هذه الامثلة ليست اعتيادية فالاتحاد السوفياتي يقف مخالفا بشدة في هذه القرارات..وان كثيرا من القرارات تصدر من هذه المنظمة العالمية وفقا لمصالح الولايات المتحدة..ومن الامثلة كذلك هو الجهاز الاداري للهيئةوكذلك بقية الاجهزة فان العنصر الامريكي يطغي عليه.
وميزانية هذه الهيئة ميزانية ضخمة وتتحملها كل الدول بشكل متفاوت طبعا الا ان الاتحاد السوفياتي يستطيع ان يقوم من جانبه بما يغيظ الولايات الامريكية بعدم دفع بعض ما يترتب عليه من ديون كالذي حدث بشكل واضح وفعال في حساب ما تحملته هيئة الامم في تجربة كوريا وقد احتج الاتحاد السوفياتي بأن هذه الحرب كانت بارادة امريكا وحدها.
والذي نريد ان نقوله ان امريكا في الوقت الذي تدفع غالبية ميزانية هذه الهيئة فانها تدفعها اما بالشكل الرسمي على اساس حصتها من الميزانية واما بعناوين اخرى وذلك في الوقت الذي تعتبر هي المستفيد الاكبر في هذه الهيئة فهي لاتريد ان تكون السيطرة على هذه الهيئة بشكل صريح وانما لابد من بقاء العنوان الدولي على هذه الهيئة.
والدول الغربية الكبرى والصغرى تسير وفق المخطط العام للولايات المتحدة اذ انها جميعا تشترك في الاتفاق مقابل المعسكر الشرقي وضد مصالح الشعوب المتخلفة ولكن تظهر بعض الاختلافات فيما اذا اصطدمت المصالح الخاصة المتضاربة.
الدول الحليفة:
واضح ان المقصود بالدول الحليفة هو المعسكر الغربي وهي دول اوروبا لاغير. وتعامل الولايات المتحدة الامريكية هذه الدول معاملة الصديق الاصغر او الشريك صاحب الحصة الاقل ويتمثل ذلك في ناحيتين:
الاولى: في غزو الشركات الامريكية لاوروبا حيث تملك هذه الشركات قدرات مالية وعلمية وخبرات تجارية اعظم بكثير مماهو لدى الشركات الاوروبية وتقوم الشركات الامريكية بغزو سوق اوروبا اوّلا في جميع القطاعات وعلى كل المستويات من السلع الاستهلاكية الى المواد الخام والى المعامل المنتجة والى بيع الخبرات والى توظيف رؤوس الاموال المغرية، وتقوم ثانيا بعرض المشاركات او اتحادالشركات بين الامريكية منها والاوروبية.
ان هذا اللون من الغزو الداخلي للدول الاوروبية تعجزازاؤه اوروبا نفسها حيث لاتعرف كيف تتصرف ازاءه فان الشركات في اوروبا ليس لديها موقف موحد فان الشركة الفرنسية مثلا التي تأبى الدخول في نطاق موحد مع الشركة الامريكية خشية ابتلاعها من قبل هذه فانها تخشى في نفس الوقت ركود سوقها او انغلاق الاسواق بوجهها بسبب اتحاد الشركات الاوروبية الاخرى مع الشركات الامريكية..
ان الدول الاوروبية والشركات الاوروبية لتقف مشدوهة امام هذا الغزو الفظيع الذي تسمح به نظريتها العامة في العمل الرأسمالي اذ ان الشركات الامريكية وهذا العمل الامريكي لم يكوّن ادنى مخالفة سياسية كما ان التقدم السريع في الجانب العلمي والمالي والصناعي لدى تلك الشركات كل ذلك يؤهلها لأن تقوم بعملية الغزو هذه والشركات الاوروبية تخشى التخلف او الركودـ كما ذكرنا ـ فيما اذا وقفت الموقف المعادي او عدم التعاون او عدم الاتحادمع الشركات الامريكية.
الناحية الثانية: التي تتمثل فيها معاملة امريكا لحلفائها معاملة الصديق الاصغر هي ازاء مستعمرات تلك الدول السابقة والتي استقلت بعد ذلك او التي لم تستقل بعدـ وسيأتي الحديث عنها ايضا ـ حيث تعتبر الولايات المتحدة ان دور حليفاتها الاستعماري قد انتهى وانها هي الوريثة الشرعية لحمل مهمة السيادة على جميع ما يسمى بالدول المتخلفة.وهي تعمل جاهدة لتصفية العوائق التي تقف امام مدّ النفوذ الامريكي من قبل الدول الغربية وهذا لايعني مدّ النفوذ السياسي على تلك المناطق فحسب وانما سلب مكاسب اقتصادية عظيمة كانت الدول الغربية تستفيد منها.
دول امريكا:
تعامل الولايات المتحدة دول امريكا الجنوبية معاملة المستعمر فتتحكم في اقتصاديات بلادها وتتدخل في شؤونها الداخلية وهي تعتبرها من املاكها الخاصة فلا تتيح لها الاتصال بالدول الخارجية الا من خلالها ويمكن القول بان الشركات الكبرى ووكالة المخابرات الامريكية هي التي تدير شؤون القارة الامريكية الوسطى والجنوبية.
ان احداث بولونيا وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس وبيرو والارجنتين والبرازيل وغيرها من الدويلات، ان هذه الاحداث التي تتكرر باستمرار ما هي الا انعكاس للتدخلات الامريكية لاحكام السيطرة رغم انف السكان الذين يكنّون لمستعمريهم العداء والكراهية. في نفس الوقت الذي يتخبطون بالجهل والفقرو الظلم والفساد، ولايجدون مخرجا من ازماتهم الخانقة الابواسطة الثورات المسلحة والانتفاضات الشعبية والتي هي كذلك محاطة بالسيطرة الامريكية. ولكن لم ينجح بالخروج عن طريق الاستعمار الامريكي سوى كوبا ولاتزال هذه الدولة الصغيرة تعاني من مضايقات الولايات المتحدة الشيء الكثير.
اقطار آسيا وافريقيا:
يمكن تصوير موقف امريكا من هذه الاقطار مثل موقف الصياد الذي يرمي الطعم لفريسته لكي يصطادها وعندما يضعها في شباكه يعاملها معاملة من يريد امتصاص دمها بطريقة المداهنة وقد يبدو هذا الموقف لشعوب تلك الاقطار امرا حسنا فالاستعمار الامريكي يخلف الاستعمار الاوروبي وقد كان الاستعمار الاوروبي شديد الاذى شديد التعنت لتلك الشعوب، مثلا ان المستعمرات الافريقية التي تحتفظ بها البرتغال يجد قادتها مقاوموا الاستعمار البرتغالي نوعا من الرعاية الامريكية والاقطار التي استقلت حديثا تقدم لها المساعدات وتعقد معها الاتفاقيات بشروط تبدو افضل بكثير من معاملة الدول الاوروبية.
ومع كل ما تقدم امريكا من مساعدات لتلك الدول فان الاستعمار الامريكي ذا الوجه الكالح اوضح بكثير مما يتصوره الساسة الامريكيون الامر الذي يجعل تحركات امريكا جميعها محاطة بالشكوك من قبل المخلصين لبلادهم في طول القارة الآسيوية وعرضها وكذا بالنسبة لافريقيا. حتى اصبح الاستعمار الامريكي مقاوما بشدة في بعض الاقطار من مجموع سكان المنطقة وهو يقاوم بشكل متفاوت كمياولكنه موجود على كل حال بشكل عام. وفي هاتين القارتين بالخصوص يسهل كثيرا مقاومة الاستعمار الامريكي من قبل الاتحاد السوفياتي والصين وكذلك هو مقاوم من قبل الدول الاوروبية الاخرى وان لروسياوالصين دورا فعالا في كشف الخطط الاستعمارية الغربية بصورة عامة والولايات المتحدة الامريكية بصورةخاصة.
ان تناحر بسط النفوذ من قبل الدول الكبرى ومقاومات بعضها للبعض الآخر اما بشكل عملي او بشكل دعائي يمكن ان ينفع بالآخرة هذه الشعوب ماديا كما يمكن ان يزيد في درجة الوعي.. ولاتعني هذه الخدمات المقدمة من قبل ايٍ منهم الشفقة الحقيقية على المظلومين ولكن طبيعة التزاحم على المصالح تستوجب ذلك وهو شبيه بالمثل القائل ”اذا تخاصم السارقان ظهر المسروق“.
وباعتبار ان المنطقة الاسلامية تقع ضمن هاتين القارتين فلا بأس بأن نذكر استطرادا العوامل التي تشجع امريكا على بسط نفوذهاـ وفي الواقع فان هذه الظواهر التي سنذكرها هي نفسها التي انشأها الانجليز والفرنسيون وغيرهم قبلا وسهلت لهم استعمار بلاد المسلمين ـ فمن ذاك ميوعة الهيئات السياسية الحاكمه او المرشحة للحكم والتي تقع تحت التأثير الفكري الذي غرسه نفس الاستعمار في هذه الاقطار ومن ذلك مفهوم التجزئة التي تسمى بالاستقلال وتقديس هذا المعنى في نفوس الناشئة بواسطة جميع وسائل الاعلام وحمل لوائه من قبل قادة الامة في اوقات الاستعمار المباشر وبتأثير الاستعمار نفسه حتى اصبح هذا المفهوم شائعا ومحترما وعرفا من الاعراف السياسية التي لاغبار عليها وما حصل للبلاد العربية اوضح دليل لهذا الشعار الذي يتضمن تفتيت البلاد وتمزيقها لتسهيل السيطرة عليها. فان في الكيانات العربية القائمة اليوم ما لايتجاوز عدد سكانها ٢٠ الف نسمة ومن هذا المفهوم ينبثق مفهوم آخر هو عدم جواز التدخل بالشؤون الداخلية للبلاد الاخرى ويعتبر هذا التدخل ـ حتما من اقرب الناس ذوقا وفهما من بلاد اخرى ـ عملا عدوانيا مع ذلك فان ما يسمى بمشاورات الدول الكبرى عن المنطقة لايعتبر تدخلا ابدا وان من المتعارف ان تعقد هذه الدول ندوات ومشاورات فيمابين ممثليها في داخل عواصم بلداننا. وكياننا القائم يسهل لها هذه المهام.
ومن هذا الباب ايضا غرس الخلافات بين الناس باسم الوطنية والقومية فيصبح الكردي منفصلا عن التركي والتركي منفصلاً عن الفارسي، وحينئذ تسمى مثل هذه القوميات ”الاقليات في البلاد“ وكذلك فان الليبي مثلا ينفصل عن المصري والتونسي منفصل عن الجزائري.. وهكذا.
ومن ذلك قبول رؤوس الاموال الاجنبية بحجة انهاض البلاد في حين ان رؤوس الاموال في الغالب تصرف في الامور الاستهلاكية او شبه الاستهلاكية. وان الدول الكبرى تمنع بطبيعة الحال من قيام صناعات ضخمة في البلاد.
ومن ذلك تركيز مفهوم صفة التخلف والتطور التدريجي بحيث يستحيل اللحوق بمستويات الدول الاخرى.. وهذا المفهوم يقصد منه ابقاء اقطار آسيا وافريقيا في حالة تخلف دائم وهي سوق رائجة للبضائع وموطنا ممتازا لاخذ المواد الخام ومراكز تستخدم للاغراض السياسية والعسكرية المختلفة.. ومن هذا المفهوم ينبثق مفهوم آخر الا وهو الالتزام بالتفكير الواقعي الذي يقصد منه الالتزام بالامكانيات المادية المنظورة فان المفهوم الشائع لدى المثقفين الآن هو دراسة وتطوير واقعنا الى واقع افضل بينما المطلوب ان يكون التفكير بالامكانيات والطاقات التي تكمن لدى امتنا وراء هذا الواقع الموجود ذلك ان الامكانيات بتبديل بسيط على الشكل الاجتماعي القائم فعلا وفي خلال سنوات قليلة جدا يمكن ان يطفو مقياس ما يسمى بالدخل القومي الى مئات الاضعاف الموجودة بالفعل، فاما تعديل الواقع الموجود فانه لايزيد من النتاج الابما تجود به علينا مساعدات الدول الكبرى.
ان هذه الافكار هي الطريق الفعلي لوصول الفئات السياسية العاملة في بلادنا الى الحكم، ومن هنا فانه يسهل على دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية ان تتفاهم مع مثل هذه العقليات السياسية وحينئذ يسهل استعمار البلد برضا قادتها وساستها..
وبعد فنريد ان نقول بعد هذا الكلام عن ظواهر الضعف في بلاد المسلمين:
ان السواد الاعظم من الناس تلك الكتل البشرية التي انصب عليها بلاء الاستعمار، ان هؤلاء وان كانوا ـ افراديا ـ لا يخرج تفكيرهم عن نطاق التفكير السياسي العام والذي هو بحدود مايريده الاستعمار، الا انهم انفسهم الرصيد الحقيقي الذي يمكن العاملين الحقيقيين من طرد الاستعمار ذلك انهم يكنّون كراهية عظيمة للاستعمار ويمكن ان يندفعوا بشكل فعال لمحاربته.
ان مبغوضية الدول الاستعمارية تسبب وقف اي تعاون فعلي بين الاستعمار وبين الكيانات الحاكمة في قارتي آسيا وافريقيا وهذه الخاصية تبرز في العالم الاسلامي اكثر من بقية شعوب القارتين.
الموقف من المعسكر الشيوعي:
يتغير الموقف بين اي معسكرين مختلفين ولايبقى على وتيرة واحدة من الشدة والخلاف ولكنه لابد وان تمر ظروف تبدل الحالة الى ما هو اخف وطأة او اكثر خلافا.. وهذا ما قد حدث بين المعسكرين الرأسمالي بزعامة امريكا والاشتراكي بزعامة الاتحادِ السوفياتي فانه قد كان الخلاف شديدا وعنيفا ايام ستالين. ثم تبدل الموقف بعد موت ستالين وربما تكون نقطة البداية في تبدله هو ظهور التصدع في المعسكر الاشتراكي والذي بدأ بالخلاف بين الاتحاد السوفياتي عندما ولي الامر خروتشوف بعد موت ستالين وبين الصين بزعامة ماوتسي تونغ وهو خلاف ما يزال حتى الآن يجر الويلات على المعسكر الشيوعي، وقد امتد الى دول اخرى مثل يوغسلافيا ورومانيا.
وكان موقف الولايات المتحدة ايام ستالين هو محاولة تطويق الاتحاد السوفياتي والصين بقواعد ذرية وصاروخية ثم تبدل الموقف ويمكن تلخيص التبدل بهذه النقاط:
١ـ ان امريكا تركت تطويق الاتحاد السوفياتي بالقواعد العسكرية.
٢ـ ان الاتحاد السوفياتي بدل نظرية ثورة البروليتاريا وعدلها من كونها ثورة حتمية وطبيعية حسب نظرية ماركس في الطبقات الى كونها ثورة عادلة من طبقة مظلومة على الظالمين ”الامبرياليين“.
ومن هنا فان الحد بين تضارب الدولتين العملاقتين اصبح عدم تجاوز حدود مصالح كل منهما.. وباعتبار ان كل واحدة منهما تريد ان يمتد نفوذها الى سائر انحاء الدنيا، اذ كل لها آراؤها في الحياة وفي اهل الارض هذا من جهة ومن جهة اخرى فان اسبابا معينة سنذكرها الآن ـ تمنع ان تتوغل اي منهما في تجاوز حدود مصالح الاخرى كما قلنا، لهذا فانه يمكن القول ان كلا الدولتين متفقتان على ان هناك مصالح مرئية ومتفق عليها لكل منهما وهذه المصالح لايجوز التدخل فيها الا ان هناك مصالح يتنافس عليها الاثنان ويتضاربان من اجلها بشكل سري او مكشوف.
ومن الامثلة اعتبرت امريكا ان تزويد الاتحاد السوفياتي بالصواريخ لكوبا مما يعرض مصالح امريكا المكشوفة للخطر ووقفت ضد تلك العملية بعنف وامتنع الاتحاد السوفياتي عن انجاز العملية. ومن الامثلة كذلك دخول الجيوش السوفياتية للمجر او لشيكوسلوفاكيا الذي لم يحرك امريكا الا بحدود الكلام.
اما الدعاية للفكر الرأسمالي وللحرية الفردية من قبل امريكا والدعاية للاشتراكية وشتم الاستعمار من قبل الاتحاد السوفياتي فهو من اوسع مجالات الصراع بينهما.
وهناك بعض القضايا الاخرى تعتبر مساحات للصراع بين العملاقين ومن الامثلة على ذلك طرد النفوذ الامريكي من جنوب شرقي آسيا فأن الاتحاد السوفياتي يساعد اعداء امريكا ماديا وفي التدريبات والخبرات العسكرية. حتى اصبح يعبر عن هذه القضية ”تورط امريكا“. وبعبارة مختصرة يمكن القول ان الموقف بين الاتحاد السوفياتي وامريكا موقف صراع على المصالح السياسية والفكرية والاقتصادية ولكن الى حد عدم التصادم المؤدي الى وقوع حرب بينهما اذ ان كل منهما لاتريد الحرب مع الاخرى..
اما السبب الرئيسي الذي يوقف كلا منهما عند هذا الحد هو امتلاك كل منهما لقوة نووية كافية لتدمير الاخرى حالة اعلان الحرب.. وهذا السبب دعا كلا منهما الى ان يرسم لخط مصالحه طريقة تبعده عن الوقوع في اتون نار الحرب.
اما بالنسبة لاوروبا الشرقية:
فان موقف امريكا منها هو موقف المتسلل الهاديء صاحب الكف المفتوحة والذراع المفتوح لكل اتصال او تقارب.
والواقع ان امريكا تقدر ان الاتحاد السوفياتي ليس بقادر الى ان يبقى متسلطا على دول اوروبا الشرقية الى نهاية المطاف بل العكس هو الواضح فان بوادر التشقق والانفراط عنها واضحة ولهذا فان امريكا مستعدة لتقديم العون المادي لتلك الدول الا أن روسيا في نفس الوقت متيقظة مما يعسر هذا الامر على امريكا.
الموقف من الصين:
تعتبر الصين العدو اللدود للولايات المتحدة الامريكية..وهي عدو لاامل لأن تخف معه حدة التوتر بل العكس هو القائم فعلا وهو المتوقع في المستقبل ذلك لأن ليس هناك اية علاقات قريبة او بعيدة تجمع بين الصين والولايات المتحدة. ولقد كانت بين الصين قبل الثورة الاشتراكية وبين العالم الغربي علاقات بعضها متين. اما الآن فان جميع الخيوط قد تقطعت..ولم يعد هناك من مصالح بين الصين وبين العالم الرأسمالي الا مصالح تبنيها الصين هي لنفسها وقد تستفيد منها حتى بعض الدول الرأسمالية الكبرى كالعلاقات الخارجية بين الصين وبريطانيا وكالعلاقات الودية بين الصين وبين فرنسا ولذا فانه بحدود ما ترى الصين نفسها من هذه المصالح ترتبط بالعالم الغربي وهي فيما عدا ذلك تشق طريقا خاصا يباين طريق الولايات المتحدة الامريكية تماما.
ولقد كان يمكن ان يهون ذلك لو لم تكن الصين دولة كبرى فان نفوسها ثلث نفوس العالم ومساحة ارضها اكبر من مساحة اوروبا هذا بالاضافة الى انها اصبحت في مركز مرموق في الناحية الاقتصادية والانتاجية..
وهي الآن من الدول النووية وهي مستمرة باجراء تجارب على هذا السلاح الفتاك الذي تأمل ان تنال به مركزا مهما جدا في الموقف الدولي.
وهي الآن السد المنيع في مدّ امريكا نفوذها في منطقة جنوب شرقي آسيا بل هي مصدر القوة والنفوذ الاوّل لجعل هذه المنطقة صلبة في وجه امريكا.
ولكل ما تقدم فان الصين ستبقى مصدر ذعر وقلق لالولايات المتحدة الامريكية. وسيبقى الصراع بينهما الى امد طويل بل وسيشتد اواره كلما خطت الصين خطوة للامام في سبيل تثبيت قدمها دوليا، ولكن منطقة المحيط الهادي وشواطئها وما يتصل بها من بحارهي حلبة الصراع الرئيسية.
هذه خطوط رئيسية تتضح من خلالها الولايات المتحدة الامريكية اكبر دولة استعمارية واخطرها في الوقت الحاضر.